منيه الطالب في حاشيه المكاسب

اشارة

سرشناسه : خوانساري نجفي، موسي، 1254 - 1322.

عنوان قراردادي : المكاسب.شرح

عنوان و نام پديدآور : منيه الطالب في حاشيه المكاسب/ تاليف موسي النجفي الخوانساري؛ تقريرا لابحاث آيت... محمدحسين الغروي النائيني؛ طبع علي نفقه مكتبه المحمدي.

مشخصات نشر : طهران: مطبعه حيدري، 1373ق.= 1333 -

مشخصات ظاهري : ج.

يادداشت : عربي.

يادداشت : افست ازروي چاپ گراورسازي رشديه.

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1214-1281ق . المكاسب -- نقدو تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : ناييني، محمدحسين، 1239-1315.

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1214-1281ق . المكاسب . شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م7033 1333

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : 3976220

ص: 1

الجزء الأوّل

[المكاسب المحرمة]

اشارة

ص: 2

هذا هو الجزء الأوّل كتاب منية الطّالب في حاشية المكاسب لمؤلّفه حجّة الإسلام الحاج شيخ موسى النجفيّ الخوانساري دامت إفاضاته

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ و به نستمد و نستعين

الحمد للّه رب العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف الأوّلين و الآخرين محمّد و آله الأئمّة الطّيبين الطّاهرين و لعنة اللّٰه على أعدائهم أجمعين أبد الآبدين

و بعد فيقول أفقر العباد إلى رحمة ربه الباري موسى بن محمّد النّجفي الخوانساري هذا ما استفدته ممّن انتهت إليه رئاسة الإماميّة في القرن الرابع عشر شمس سماء التّحقيق و قطب رحى التّدقيق شيخ الفقهاء و المجتهدين أستاذ الجهابذة الأساطين حجّة الإسلام و المسلمين آية اللّٰه في العالمين شيخنا و ملاذنا الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني متّع اللّٰه العلماء ببقائه في حكم المكاسب و حيث إنّ الفقهاء جزاهم اللّٰه عن الإسلام و أهله خير الجزاء أفادوا في هذا الباب بما لا يخلو عن خلط و تخليط و إيجاز و تطويل و إن كان بعضهم أتى بما لا مزيد عليه و لكنّه لم يدخله تحت جامع فالمهمّ لنا تنقيح التكسب باعتبار نفس المعاملة و باعتبار ما يتعلّق الكسب به على نحو يدخل تحت ضابط عام بعون اللّٰه الملك العلّام و توضيح ذلك في ضمن مقدّمة و فصول

أما المقدّمة

فاعلم أنّ التكسب باعتبار الحكم ينقسم إلى أقسام أربعة الحرام و المكروه و المستحبّ و المباح و لا يتّصف بالوجوب ذاتا

نعم قد يكون واجبا بالعرض و منه الواجبات النّظاميّة الكفائيّة الّتي قد يعرضها الوجوب العيني إذا انحصر من يقوم بها بشخص خاص فإنّ الصنائع التي تجب كفائيا لم يتعلّق الأمر بها ابتداء بحيث تكون واجبات نفسيّة كالصّلاة على الميّت و نحوها و إنّما تجب لحفظ النّظام

و قد جرت عادة غير واحد على تقسيمه إلى محرّم و مكروه و مباح لتوهّمهم عدم وجود المستحبّ الذّاتي في الكسب كالوجوب و لكنّه لا يخفى أنّ الزّرع و الرعي ممّا ندب إليهما شرعا أصالة فتأمّل هذا بحسب الحكم و أمّا باعتبار نفس المعاملة فينقسم إلى قسمين قسم يتعلّق بتبديل الأعيان بالأموال كباب البيع و ما يلحق به و قسم يتعلّق بتبديل المنافع كالإجارة و ما يلحق بها

ثم إنّ حقيقة المعاملة عبارة عن تبديل أحد طرفي الإضافة بإزاء أحد طرفي الإضافة من إضافة أخرى في مقابل الإرث فإنه

ص: 3

تبديل المالكين أي باب المعاملة تبديل المملوكين

و بعبارة واضحة لا شبهة أنّ الملكيّة من الأمور الاعتبارية العقلائية التي تكون لها نفس أمريّة بنظر العقلاء و تكون منشأ للآثار في عالم الاعتبار

و المراد بالاعتبارية في اصطلاحنا هو الأمر المتوسّط بين الأمور المتأصّلة العينيّة و الأمور الانتزاعيّة فالأوّل كالأعيان الخارجيّة و الثّاني كالقبلية و البعديّة و الجزئيّة و الشرطيّة و نحو ذلك ممّا ليس له وجود إلّا باعتبار منشإ انتزاعه و الأمور الاعتباريّة كالملكيّة و الوجوب و الحرمة و الولاية و نحو ذلك فإنّ ما لا يكون له وجود في وعاء إلّا بتشريعه أي ما كان وجوده التكويني عين وجوده الإنشائي و عين اعتباره ممن بيده اعتباره فهو أمر اعتباري و لا شبهة أنّ الملكيّة من أوضح مصاديق الأمور الاعتباريّة القابلة للجعل أصالة و هي قد تحصل من الإرث و أخرى من المعاملة و هي عبارة عن تبديل طرف الإضافة بطرف إضافة أخرى الّذي ينقسم إلى تبديل الأعيان بالأموال أو المنافع بها

ثمّ إنّ الحرمة المتعلّقة بالمعاملة عبارة عن حرمة هذا المعنى أي حرمة تبديل المال و المنفعة لا حرمة إنشاء المعاملة و لا حرمة آثارها كالتصرف في الثمن و لا قصد ترتّب الأثر عليها و ذلك لأنّ نفس الإنشاء من حيث أنّه فعل من الأفعال و تلفظ بألفاظ لا وجه لأن يكون حراما إلّا إذا كان مزاحما لتكليف آخر كالبيع وقت النداء و هكذا قصد تحقّق المنشئ الإنشاء من حيث إنه أمر قلبي لا وجه لحرمته إلّا إذا كان تجريا أو إعانة على الإثم

و أمّا حرمة الآثار فهي مترتّبة على فساد المعاملة و حرمتها لا أنّها هي المحرّمة ابتداء فما يكون محرّما حقيقة و يكون متعلّقا للنهي هو نفس التّبديل الّذي اعتباره بيد مالكه و لو لا نهي الشّارع الّذي هو مالك الملوك و ينفذ اعتباره من كلا طرفي الإثبات و النّفي

و بعبارة أخرى نفس المنشإ بالعقد الّذي هو أمر اعتباريّ و فعل إيجادي من المنشئ هو المحرّم لا آلة الإيجاد و هو التلفّظ و لا القصد و لا الآثار ثم إنّ حجة الحرمة تارة راجعة إلى عدم كون ما يتكسّب به مالا عرفا كالحشرات

و أخرى راجعة إلى إسقاط الشارع جهة ماليّته كالخمر و الخنزير و ثالثة إلى حرمة نفس المعاملة لعدم صلاحيّة المال لوقوع المعاملة به على هذا الطريق الخاص كالزيادة في المتجانسين

و محلّ بحثنا في المكاسب المحرّمة راجع إلى حرمة التكسّب باعتبار تعلّق الكسب بالأعيان الخارجيّة فمثل المعاملة الربوية خارجة عن موضوع البحث

ثم إنّ ماليّة المال إمّا باعتبار خاصيّته كالحبوبات و الفواكه و نحوهما فإنّ بذل المال بإزاء الحنطة أو بإزاء الماء إنّما لكونه ممّا يؤكل أو يشرب فالانتفاع به إنما يكون باعتدامه و إمّا باعتبار منافعه كالأراضي و المستغلّات فالانتفاع به بإبقائه

و على أيّ حال يتوقّف صحّة التكسّب به على كونه مالا عرفا و عدم إلغاء الشارع جهة ماليته فمثل الخنافس تدخل فيما يحرم الاكتساب به لعدم كونه مالا عرفا أي لعدم وجود خاصيّة فيه و لا منفعة له لما عرفت أن مناط ماليّة المال بأحدهما و يندرج فيه جميع ما يستقذره الطّبع من الحشرات و الأبوال الطّاهرة فإنّ هذه الأشياء و إن أمكن لها منافع نادرة و خاصيّة اتّفاقيّة إلّا أنّهما ليستا مناطين لماليّة المال و لا يقاس بالعقاقير و الأدوية فإن لهما منافع معتدّ بها لأنّ المرض طبيعي للحيوانات فالاحتياج إلى الأدوية في حال الأمراض يوجب اقتناءها لبيعها عقلائيا

و بالجملة ليس المهمّ تنقيح الصّغريات و إنّ السّباع و المسوخات و الأبوال أموال أم لا فإن منافع هذه الأشياء في زماننا هذا كثيرة جدا بل وجود

ص: 4

المكائن الموجودة التي تؤخذ بها أدهان الحشرات و تستعمل في الصّابون أوجب إدخالها في المكاسب العقلائيّة فضلا عن مثل دود القز و العلق و أبوال الحيوانات التي يصبغ بها الصّوف و جلود السّباع إذا كانت مذكاة و نحو ذلك

ثم إنّ دليل الحرمة التي هي في المقام عبارة عن عدم تحقّق النّقل و الانتقال لا ما يترتّب عليها العقاب مضافا إلى الإجماع المحقّق كما يظهر للمتتبّع في كلام الأعلام بعد إحراز الصّغرى و عدم الاعتبار بالمنفعة النّادرة فإنّها بحكم العدم هو أن أكل المال بإزاء هذا الكسب أكل بالباطل و الأولى إدخال هذا القسم في شرائط صحّة البيع لا في المكاسب المحرّمة و إنّما ذكرناه تبعا لشيخنا الأستاذ مد ظلّه فلنرجع إلى ما يكون الاكتساب به محرّما شرعيّا لإسقاط الشارع جهة ماليّته و توضيحه في ضمن فصول

الفصل الأوّل لا يجوز بيع الأعيان النّجسة

اشارة

و لا سائر أنحاء المعاملات من غير فرق بين أن يكون حيوانا أو مبدأ حيوان كالكلب و الخنزير و المنيّ و غيره و من غير فرق بين أن يكون مائعا كالخمر و الدّم و البول و أن يكون جامدا كجلد الميّتة و العذرة و اللّحوم المحرّمة النّجسة

و يدلّ عليه النبويّ المعمول به عند الفريقين إنّ اللّٰه إذا حرم شيئا حرّم ثمنه و في الفقه الرّضوي بعد تصريحه بما يجوز بيعه و شراؤه و هبته و عاريته قال و كل أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله و شربه و لبسه و نكاحه و إمساكه بوجه الفساد و مثل الميّتة و الدم و لحم الخنزير و الربا و جميع الفواحش و لحوم السباع و الخمر و ما أشبه ذلك فحرام ضار للجسم و فساد للنفس فإن قوله ع فحرام في مقابل قوله فهذا كلّه حلال بيعه و شراؤه ظاهر في حرمة الاكتساب بجميع أنحائه

و في دعائم الإسلام و ما كان محترما أصله منهيّا عنه لم يخبر بيعه و لا شراؤه و مقتضى ذلك تحريم بيع عذرة الإنسان

و ما دلّ على جواز بيعها معارض بمثله و الجمع الدلالي و إن لم يمكن بينهما و لكن بعد معارضة الطّائفتين فالمرجع عموم ما دلّ على أنّ كل محرّم حرم بيعه و لا يمكن حمل أخبار الجواز على البلاد الّتي ينتفع بها فيها فإن مناط الحرمة ليس لعدم كونها مالا عرفا بل لكونها محرّمة فكونها مما ينتفع بها لا يوجب جواز بيعهما فإنّ الخمر و الميّتة و الخنزير أيضا ممّا ينتفع بها

و بالجملة لم يدلّ دليل غير مبتلى بالمعارض على استثناء بيع العذرة عن أنواع النّجاسات

نعم لو قلنا بأنّ النّجاسة مانعة عن صحّة البيع إذا توقّف الانتفاع بالشي ء على طهارته و أما إذا لم يتوقف على طهارته فلا مانع من صحّة بيعه و لا شبهة أن منافع العذرة في بعض البلاد من أهم المنافع فعلى هذا يمكن الجمع بين المتعارضين باختلاف البلاد لمناسبة بين الحكم و الموضوع و لا يبعد دعوى كون المناسبة من القرائن المكتنفة بالكلام فبهذه المناسبة يخرج الجمع بينهما عن الجمع التبرعي أو التورعي و لكنّه لا يخلو عن إشكال و سيجي ء ما هو الأصل في جواز البيع و عدمه في مطلق النّجاسات

ثم إنّ هاهنا فروعا ينبغي التعرّض لها
الأوّل ألحق بالنّجاسات المتنجّسات في حرمة المعاوضة عليها

و مقتضى النّبوي و رواية الدّعائم أن تكون كذلك و لكن ينبغي تقييدها بما توقّف منافعها المحلّلة المقصودة على طهارتها مع عدم كونها قابلة للتّطهير كالمائعات المضافة

و أمّا إذا لم يتوقّف استيفاء منفعتها على طهارتها كالفرش و الأمتعة و نحو ذلك أو أمكن تطهيرها بلا خروجها عن عنوانها كالماء المتنجّس و الأواني المتنجّسة فلا ينبغي الإشكال في صحّة المعاملة عليها و ذلك

ص: 5

لأنّه لو لم يمكن تطهيرها و توقّف خاصيّتها و منفعتها على طهارتها كالخلّ النّجس و نحوه فحيث إنه ليس مالا شرعا فلا يجوز المعاملة عليها و أمّا لو لم يكن كذلك فحيث إنّ الشّارع لم يسقط ماليّتها فلا مانع من المعاملة عليها

بل يمكن أن يقال و إن لم يكن مرضيّا عندنا كما سيجي ء لم يجب على البائع إعلام المشتري بنجاستها لعدم قيام دليل على وجوب إعلام النّاس بالنّجاسات و ليس البائع سببا لأكل المشتري أو شربه النّجس حتى يحرم من هذه الجهة

الثّاني استثني من عدم جواز بيع النّجس أمور
الأول المملوك الكافر

و هذا في الجملة لا إشكال فيه بناء على أنّ مناط حرمة بيع النّجس عدم كونه قابلا للمنفعة المقصودة منه

و بعبارة أخرى إنّما أسقط الشارع مالية النّجس إذا توقّف الانتفاع المعتد به على الطهارة و أمّا لو لم يتوقّف عليها كالاستخدام الّذي هو مناط ماليّة العبد فلا مانع عن بيعه فعلى هذا لا فرق بين أن يكون كافرا أصليا و أن يكون مرتدا مليّا أو فطريا لأن مناط الصحة لم يكن قابلية العبد للطّهارة حتى يقال بأن المرتد الفطري لا يقبل توبته فلا يطهر بالتّوبة

فما عن بعض الأساطين في شرحه على القواعد من ابتناء جواز بيع الفطري على قبول توبته لا وجه له نعم هنا إشكال آخر في بيع الفطري يجري في المحارب أيضا و هو كونه في معرض التّلف فإنّ المحارب بعد الاستيلاء عليه لا يقبل توبته كالمرتدّ الفطري و لكن هذا أيضا لا يوجب سلب ماليّته لأنّه كالمريض المأيوس عن برئه فتأمّل

الثاني الكلب الصيود و الحارس

أمّا الصّيود فيدلّ على جواز المعاملة عليه جملة من الأخبار منطوقا و مفهوما و بعضهم قيّده بالصّائد السّلوقي و لا وجه له إلّا دعوى الانصراف و لا منشأ له إلّا غلبة الوجود و لا يخفى عدم إيجابها تقييد المطلقات

فالأقوى خروج مطلق الكلب المعلّم على الصّيد عن قوله ثمن الكلب سحت و لا يمنع نجاسته أيضا عن وقوع المعاملة عليه بعد تصريح الأدلّة بجواز بيعه

هذا مضافا إلى ما قيل من أنّه لا ينجس موضوع عضّه و على فرض نجاسته لا يتوقّف الانتفاع المقصود منه على طهارته

و الفرق بينهما بأنّ السّلوقي لا يأكل ما اصطاده دون غيره لا يوجب تفاوتا في صحّة المعاملة عليهما

و أمّا الحارس سواء كان للماشية أو للزّراعة أو البستان أو الحائط و الخيام و نحو ذلك فقد قيل إنّ الأشهر بين القدماء هو المنع بل ظاهر الأخبار الواردة في كلب الصّيد هو حصر الجواز فيه

إلّا أنّ مقتضى ما أرسله شيخ الطّائفة في المبسوط من أنّه روي ذلك يعني جواز البيع في كلب الماشية و الحائط صحّة بيعه لأن إرساله منجبر بعمل المشهور مع عدم إحراز إعراض القدماء عنه فإنّ الظّاهر أنّ القدماء لم يظفروا بهذه المرسلة فشهرة المنع بين أرباب الفتاوى من القدماء و أصحاب الحديث كالصّدوقين و الكليني قدّس اللّٰه أسرارهم لا توجب الإعراض عنها فيمكن حمل الأخبار الواردة في الكلب الصّيود على المثاليّة بل لا يخفى أنّ المنفعة المقصودة من الحارس أهمّ من المنفعة المقصودة من الصّائد

هذا مضافا إلى ما ثبت اتّفاقا من جواز إجارتها و ثبوت الدّية لها و ما يقال ثبوت الدية كاشف عن عدم جواز المعاملة عليه و إلّا تثبت القيمة فيها فهي كالحرّ لا قيمة له و له دية ففيه أنّ الدّية وردت في الكلب السّلوقي أيضا مع الاتفاق على جواز المعاملة عليه

و بالجملة ظاهر عبارة جملة من المتأخرين ثبوت الجواز إجماعا فيمكن حمل أخبار المنع على خصوص كلب الهراش و الكلب العقور نعم الأحوط ترك بيعه و إن كان اقتنائه للحرس لا إشكال فيه ففي الصّحيح لا خير في الكلاب إلا كلب صيد أو ماشية

ص: 6

و في الغوالي على ما في المستند أنّ النبي ص أمر بقتل الكلاب في المدينة إلى أن قال فجاء الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها فاستثنى ص كلاب الصّيد و كلاب الماشية و كلاب الحرث و أذن في اتخاذها

الثالث العصير العنبي بعد الغليان و إن لم يذهب ثلثاه

فإنّه يجوز المعاملة عليه و لو على القول بنجاسة و ذلك لما ذكرنا في المتنجّس أنّ سلب الماليّة شرعا منوط بعدم قابلية المتنجس للتّطهير و عدم إمكان الانتفاع به في حال النّجاسة و لا يخفى قابلية العصير العنبي للطهارة بإذهاب ثلثيه و لا ينتقض ذلك بالخمر في أنّه قابل للتّطهير بصيرورته خلّا للفرق بينهما فإنّ الخمر لا يقبل الطّهارة إلّا بتبدّل موضوعه و هذا بخلاف العصير

و بالجملة كفى للفرق بينهما ورود الدّليل الخاص على حرمة بيع الخمر و الدليل العام و هو عدم جواز بيع ما كان محرّما أصله و لم يدلّ دليل بالخصوص على حرمة بيع العصير و لا يشمله الأدلّة العامّة فإنّه ليس محرّم الأصل و لا من العناوين النّجسة و قوله ع و إن غلا فلا يحلّ بيعه محمول على ما إذا باعه بلا إعلام للمشتري بأنّه غلا أو كناية عن حرمته حين الغليان

و يشهد له ما ورد في رواية أبي كهمش إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس و ما في مرسل ابن الهيثم إذا تغيّر عن حاله و غلا فلا خير فيه فإنّ قوله و هو حلال فلا بأس شاهد على أنّ جهة المانعيّة عن البيع هي الحرمة فإذا بيع للاستحلال بإذهاب ثلثيه فلا مانع منه و الإنصاف ظهور الروايات الخاصة في حرمة البيع فلو ثبت إعراض الأصحاب عنها فهو و إلّا فالجواز مشكل و إعلامه بغليانه لا يؤثر في الجواز بعد ظهور الأخبار لا سيّما الأوّلين في حرمة بيعه فتأمل جيّدا

الفرع الثّالث استثنوا من المتنجّسات الدّهن
اشارة

و لا بدّ أن يجعل المستثنى الأدهان المتوقف استيفاء المنافع منها على طهارتها أي إذا كانت المنفعة المقصودة من الدّهن أكله فنجاسته مع عدم قابليّته للتّطهير يوجب عدم جواز الاكتساب به و أمّا إذا لم تتوقّف على طهارتها كالأدهان المستعملة في المكائن فلا معنى لاستثنائه إلّا إذا قلنا بأن كلّ ما صار نجسا و لم يمكن تطهيره لا يجوز بيعه و كيف كان فالدّهن المتنجّس على أقسام ثلاثة قسم تكون منافعه المقصودة هو أكله كالسّمن و دهن اللّوز و نحوه و قسم مشترك بينه و بين إسراجه كالزيت و قسم يختصّ بالإسراج كالنّفط و نحوه و على أيّ حال حيث دلّ الدّليل على جواز بيع الزيت و السّمن فيجوز بيع كل ما كان مختصّا بالأكل أيضا إنما الكلام في مقامات

أحدها هل يجب على البائع اشتراط الاستصباح على المشتري أم يصحّ مطلقا

أو يفرق بين ما كان منفعته مختصّة بالأكل أو مشتركة و ما كان منفعته المقصودة هي الاستصباح فلا يعتبر الاشتراط في الثاني دون الأوّل وجوه

و الأقوى جواز بيع جميع الأقسام بلا شرط لعدم دليل على اعتبار الاشتراط حتّى فيما كان منفعته مخصوصة بالأكل لأنّ المفروض بالنّجاسة لم يسقط عن الماليّة غاية الأمر نقص عن قيمته فإذا بيع بقيمة ما يسرج به فلا مانع من صحته سواء كان المشتري عالما بأنّه يمكن الإسراج بدهن البنفسج أو لا يكون عالما به لأنه إذا باعه بقيمة النّفط فجهل المشتري بهذه المنفعة لا يسقطه عن هذه الماليّة الواقعيّة

و بالجملة لو اشترط البائع صرفه في الأكل فيمكن القول بفساد البيع لأنّه أكل للمال بالباطل و أمّا لو لم يشترط هذا و لم يشترط صرفه في الاستصباح أيضا فلا وجه للبطلان

الثاني هل يجب إعلام المشتري بالنّجاسة أم لا

ثم على الوجوب هل هو شرطيّ أو نفسي الأقوى وجوب الإعلام نفسيا أمّا وجوبه فلقوله ع

ص: 7

و أعلمهم إذا بعته و قوله ع و يبينه لمن اشتراه ليستصبح به

و أمّا كونه نفسيا فلأنّ قوله ع ليستصبح به ظاهر في أن منشأ الوجوب عدم وقوع المشتري في محذور الأكل و إلّا لا ملازمة بين الاشتراء و الاستصباح فاستفادة شرطيّة الإعلام لصحّة البيع لا وجه لها ثم بناء على هذا يمكن استفادة وجوب إعلام المشتري في كل ما يتوقّف استعماله على الطّهارة كالأواني فإنّها و إن صحّ بيعها مع نجاستها و لكن يجب الإعلام بها نفسيا لئلّا يقع المشتري في استعمال النّجس بل يمكن استفادة وجوب إعلام المسلمين بنجاسة ما يتوقّف استعمالها على الطّهارة من عدّة من الروايات و تمام الكلام موكول إلى محلّه

ثم إنّه قد ينسب إلى المشهور أنه يجب الاستصباح تحت السّماء و لا مدرك له سوى ما أرسله الشّيخ في المبسوط فقال روى أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء دون السقف و لا يخفى أنه لو عملنا به و لم نحمله على الاستحباب فلا بدّ أن يحمل على التعبّد الصرف لأنّ السّقف لا ينجس بدخان النّجس حتى يحمل على الإرشاد لعدم نجاسة دخان النّجس مع أنه لا محذور في تنجّسه حتى يرشد إلى تركه

الثّالث هل يجوز الانتفاع بالدّهن المتنجّس لغير الاستصباح

بأن يعمل صابونا أو يطلى به الأجرب أو السّفن أم لا و تنقيح ذلك يتوقّف على تأسيس الأصل في المتنجسات و النّجاسات حتّى يكون هو المرجع عند الشكّ

فنقول أمّا المتنجّسات فالأقوى جواز بيع كلّ ما لا يتوقّف الانتفاع به على طهارته فإنّ هذا هو الّذي يقتضيه استصحاب الحكم قبل التنجّس فإذا كان للشي ء منافع مقصودة فعروض النّجاسة عليه لا يمنع عن نفوذ بيعه بل يمكن استفادة هذا المعنى من رواية تحف العقول و الفقه الرّضوي و دعائم الإسلام

ففي الأوّل و كلّ شي ء يكون له فيه الصّلاح من جهة من الجهات فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و إمساكه و استعماله و هبته و عاريته

و في الثّاني اعلم رحمك اللّٰه أن كلّ مأمور به على العباد و قوام لهم في أمورهم من وجوه الصّلاح الّذي لا يقيمهم غيره ممّا يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون فهذا كلّه حلال بيعه و شراؤه و هبته و عاريته

و في الثّالث أن الحلال من البيوع كلّ ما كان حلالا عن المأكول و المشروب و غير ذلك ممّا هو قوام للنّاس و يباح لهم الانتفاع و لا يعارض ذلك النّبوي إذا حرّم اللّٰه شيئا حرّم ثمنه لأنّه بعد ما أحرزنا جواز الانتفاع بالشّي ء و لو بالاستصحاب فلا يدخل تحت ما حرمه اللّٰه بل يمكن استفادة الجواز من الأخبار الخاصّة المتفرّقة كجواز بيع الدّهن للاستصباح و جواز بيعه لمن يعمله صابونا كما في كتاب النّوادر من الرّاوندي بإسناده عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام و فيه سئل ع عن الشّحم يقع فيه شي ء له دم فيموت قال تبيعه لمن يعمله صابونا

و بالجملة فالأقوى جواز بيع المتنجّسات إذا كانت لها منافع معتدة بحيث إنّ العقلاء يبذلون بإزائها المال سواء نقصت قيمتها بعروض النّجاسة لها أم لا نعم لو صارت بسبب عروض النّجاسة ممّا لا ينتفع به عادة فهذا خارج عن موضوع البحث لأنّه في حكم الخنفساء

و أما النّجاسات فالأصل فيها أيضا جواز البيع لجواز التصرّف فيها بما لا يتوقّف على الطّهارة العموم قوله ع كلّ شي ء حلال حتّى تعرف أنّه حرام فأصالة الإباحة تخرجها عن موضوع قوله ص إذا حرم اللّٰه شيئا حرم ثمنه و ورد أخبار خاصّة في بعض منها بالجواز

فعن القاسم الصّيقل قال كتبت إلى الرّضا عليه السّلام أنّي أعمل غماد السيوف من جلود الحمر الميّتة فيصيب ثيابي أ فأصلي فيها فكتب إلي اتّخذ ثوبا لصلاتك و نحوه ما روي عن أبي القاسم الصّيقل و ولده و ما ورد في صحيحتي الحلبي إذا اختلط المذكّى بالميتة بيع ممّن

ص: 8

يستحلّ الميّتة و مثلهما ما ورد عن عليّ بن جعفر

و ما ورد عن الوشاء قال لأبي الحسن ع جعلت فداك إن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها فقال حرام هي ميتة فقلت جعلت فداك فيستصبح بها فقال أ ما علمت أنّه يصيب اليد و الثوب و هو حرام فإن ظاهره تقريره في جواز الاستصباح إذا لم يصب اليد و الثوب ما ورد في جواز بيع العبد الكافر و كلب الصّيد

ثم إنّه لا يستفاد من رواية تحف العقول و دعائم الإسلام و النبوي قاعدة كلية مطردة في جميع النّجاسات بحيث لا يقبل التّخصيص لأنّ غاية الأمر أنّها عمومات مع أنّ من نفس الخبرين الأوّلين يستفاد أن مناط الفساد المعاملي ليس مجرّد حرمة الشي ء و نجاسته بل المدار على عدم كونه ممّا ينتفع به و كونه مما فيه الفساد

و بعبارة أخرى لا يستفاد من هذه الأخبار مجرّد التعبّد بحرمة بيع النّجاسات و المحرّمات بل منشأ فساد البيع توقّف استيفاء منافعها على طهارتها فإذا فرضنا أنّ جلد الميّتة لا يتوقّف استيفاء المنافع المهمّة منه على طهارته فلا بأس ببيعه

و الأخبار الواردة في حرمة بيع جلد الميّتة قابلة للحمل على بيعه لما يتوقّف الطّهارة عليه فتكون إرشادا لعدم قابلية الانتفاع

و كيف كان فيعم البحث في المقام الموارد المنصوصة أيضا مثل الميّتة و الخمر و النّبيذ و نحو ذلك فإنّ المقصود أنّه إذا فرض هناك منفعة مهمة عقلائية و لم يتوقّف استيفاء المنفعة على طهارة الشي ء كالاستقاء بجلد الميّتة للزرع و نحوه فمجرّد كونه نجسا لا يمنع عن جواز بيعه و على هذا فبيع العذرة في البلاد التي تنتفع بها لا بأس فيه و هكذا نفس الميّتة و الخمر

نعم لا يبعد أن يقال إنه يجب في البيع قصد المنفعة المحلّلة و يؤيّده الأخبار الدالّة على وجوب الإعلام في الدّهن المتنجّس فإن حمله على التعبّد كما تقدم بعيد بل الوجه فيه أنّه إذا كان للمال منافع مطلقة فلا وجه لقصد المنفعة الخاصة دون الأخرى بل عنوان المبيع هو ذات الشي ء بذاته و أمّا إذا كان له منافع خاصّة و توقّف استيفاء هذه المنفعة على طهارته فليس ذات الشّي ء عنوانا للمبيع بل المنفعة كذائية و المفروض أنّ قصد المنفعة الكذائية يتوقف على العلم بالطّهارة فيجب التّنبيه على النّجاسة

و بعبارة أخرى لا شبهة أنّ عناوين الأشياء هي مناط ماليّتها لا الجسم المطلق الّذي هو المادة المشتركة بين ما لا قيمة له و ما له قيمة فإذا فرضنا أنّ نفس العنوان بما أنّه عنوان الخمر و الميّتة لا ماليّة لها إلّا باعتبار منفعته الخاصة فكما يجب تعين العنوان في المبيع و لا يصحّ بيع القدر المشترك بين الحمار الوحشي و العبد الحبشي فكذلك يجب تعيين عنوان كون العبد مسلما أو كافرا إذا فرضنا أنّه لا يبذل بإزاء الكافر مالا أو أنّ الشّارع سلب جهة ماليّته من حيث كونه كافرا فعلى هذا إذا بيع الخمر لا بدّ أن يقصد منفعة الّتي لا تتوقّف على الطهارة أو بيع ممن يشتريه للتّخليل و لا يصحّ بيعه ممّن يشربه لأنّ مع علم البائع بأنّ المشتري يشربه لا يمكن أن يقصد العنوان الّذي به يكون الخمر مالا

و بالجملة حيث إنّ المسألة ليست إجماعيّة كما يظهر للمتتبع فيها و لا يستفاد من الأخبار الواردة في المقام التعبديّة الصرفة بحيث يفهم منها أنّ الشّارع سلب الانتفاع بالنّجاسات رأسا و ألغى ماليّتها أصلا بل ظاهرها أنّ جهة حرمة بيعها كونها ممّا لا ينتفع بها فأصالة الجواز و قاعدة حلّ الانتفاع بما في الأرض جميعا لا حاكم عليها إلّا فيما يتوقّف منفعتها على طهارتها و على هذا فإذا جاز اقتناء الخمر للتخليل و العذرة للتسميد و الميّتة لإطعام جوارح الطير أو إيقادها فبيعها لهذه الأمور لا مانع عنه

و أمّا

ص: 9

القول بجواز الصّلح دون البيع فلا وجه له لأنّ الصّلح في هذه الأمور ليس إلّا عبارة عن البيع و كونه عقدا مستقلا أيضا لا يصح الصلح بلا عوض نعم دفع المال لرفع ذي الحقّ حقّ اختصاصه أمر آخر

الفصل الثّاني ما يحرم التكسب به لوجود صفة محرمة فيه أو لغاية محرّمة

اشارة

ثم الصّفة تارة خارجيّة و أخرى معنويّة و تنقيح البحث فيه في ضمن مسائل

الأولى ما كان جهة حرمته وجود صفة خارجيّة فيه
اشارة

و هو على قسمين قسم لا يقصد من وجوده على هذه الصّفة إلّا الحرام و قسم لا يختصّ به بل يستعمل فيه و في الحلال

أمّا الأوّل فكالصّنم و الصّليب

و الآلات المعدّة للقمار و الآلات المختصّة باللّهو و أواني الذهب و الفضّة فإنّ هذه الأشياء لا تكون لها منفعة محلّلة و بهذه الهيئات فعلى هذا لا إشكال في حرمة الاكتساب بها

و يدلّ عليه النبوي و رواية تحف العقول في قوله نظير البرابط و المزامير و الشّطرنج و كل ملهو به و الصّلبان و الأصنام و ما أشبه ذلك إلى أن قال فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه و جميع التقلّب فيه

و لكن لا يخفى أنّ المتيقّن من حرمة الاكتساب بها ما إذا باعها متشكّلة بهذا الشكل ممّن يقصد الانتفاع بهذه الصورة من دون أن يشترط عليه كسرها و أمّا لو باع مادّة هذه الأشياء بشرط أن يغيّر المشتري هيئتها و كان المشتري ممّن يوثق بديانته فلا إشكال في جواز بيعها فإنّ الخشب الّذي هو مادّة هذه الأشياء أو النّحاس أو الذّهب لم يخرج عن الماليّة بلحاظ عروض هذه الصّورة عليه

نعم إنّما زادت قيمته فإذا باع نفس المادة بهذين القيدين فلا إشكال في جوازه إنّما الإشكال في صورتين إحداهما ما إذا باع المادة بشرط تغير صورتها ممن لا يوثق بديانته و ثانيتهما بيع المادة ممن يوثق بديانته بلا شرط التّغير و لكن الأقوى الجواز في الصّورتين

نعم يتوهّم في الأولى حرمته من باب الإعانة على الإثم و فيه ما سيجي ء مع قصد بيع المادة و الاشتراط بتغير الهيئة لا يدخل في موضوع الإعانة فإن حرمتها مختصّة بما إذا قصد بها الإعانة على الإثم

و لا يشمل قوله عزّ من قائل وَ لٰا تَعٰاوَنُوا من يعلم بوقوع الإثم من المشتري و نحوه و إلّا لحرم على الرجال إبراز رقابهم مع علمهم بأن النساء ينظرون إليها

و أمّا القسم الثاني كالطّبل

الذي يمكن استعماله في اللهو و الحرب و الدّراهم الخارجة التي يمكن استعمالها في المحرّم كالبيع و الشّراء بها مع المسلمين و المحلّل كالتزين و بيعها و شرائها مع من لا حرمة لماله فلا إشكال في أنّه يجوز التكسّب بها لو لم يقصد المنفعة المحرّمة نعم إذا اكتسب بها مع المسلم يجب إعلامه لمدخليّة قصد عنوان المبيع في الصّحة

و يدلّ عليه ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن مسلم قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع الرّجل يعمل الدّراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها قال إذا بيّن ذلك فلا بأس

هذا و لكن الأقوى أن يقال إنّ الدراهم على أقسام ثلاثة قسم لا ينقص عن السكة الرائجة من حيث الوزن و الأصل و قسم مغشوش و قسم مغاير لها جنسا كما إذا كان الرائجة ذهبا و كانت هذه نحاسا

أمّا القسم الأخير فلا يجوز المعاملة عليه و لو مع من يحلّ أخذ ماله بلا عوض لأنّ ظاهر الأخبار الدالّة على وجوب كسرها أو إلقائها في البالوعة هو عدم جواز المعاملة بها فكان وجه إلقائها في البالوعة كون وجودها منشأ للفساد فعلى هذا حيث إنّ المعاملة بها مع الكفار أيضا قد توجب وصولها إلى يد المسلم فلا يجوز المعاملة عليها

و أمّا المغشوشة فلا يجوز المعاملة معها إلّا إذا علم مقدار الغشّ و إلّا يكون

ص: 10

العوض مجهولا و في مورد الجهل لا يمكن تصحيحه بتبعّض الصّفقة فإن مورده ضمّ ما لا يملك إلى ما يملك و نحوه و المقام ليس إلّا موضوعا واحدا

و أمّا الخالصة الغير الرائجة فإن وقع المعاوضة على نفس العين فلا إشكال في صحّتها غاية الأمر عند تبيّن الخلاف يثبت خيار العيب و التّدليس لمن وصلت بيده و بعد وقوع المعاوضة على هذا الخاص لا يمكن القول ببطلانها التبدّل العنوان فإنّ العنوان في المقام ليس دخيلا في الماليّة

و على كلّ تقدير فلو وقعت المعاملة على الكلّي و وقعت هذه الأقسام في مقام الإيفاء فالمعاملة صحيحة و أمّا في مثل الطّبل فحيث إنّه بنفسه مبيّن العنوان فنفس عدم قصد العنوان المحرّم كاف في الصّحة

الثانية ما كان جهة حرمته وجود صفة معنويّة فيه

كالجارية المغنية و العبد الماهر في القمار و اللّهو و السرقة و نحو ذلك و لا إشكال في حرمة الاكتساب به لو قصد المنفعة المحرمة و عليه يحمل ما ورد بأنّ ثمن الجارية المغنية سحت و ما ورد ما ثمنها إلّا كثمن الكلب و أمّا لو قصد نفس الموصوف دون الصّفة فلا إشكال في الصّحة لأنّه مال عرفا و شرعا لأنّ المبغوض هو إعمال الوصف فيما هو حرام شرعا و أما ذات العبد و الجارية فلم يخرجا عن الماليّة و يدلّ عليه ما في ذيل رواية الدّينوري عن أبي الحسن ع قال قلت جعلت فداك فأشتري المغنية أو الجارية تحسن أن تغني أريد بها الرّزق لا سوى ذلك قال اشتر و بع

الثّالثة ما إذا قصد في المعاملة غاية محرمة كبيع العنب بشرط أن يعمله خمرا

و بيع الخشب بشرط أن يعمله صليبا أو صنما و لا إشكال في حرمة هذه المعاملة و فسادها لكون الأكل في مقابلها أكلا للمال بالباطل و يدلّ عليه عدّة من الأخبار

منها خبر جابر سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الرّجل يؤاجر بيته فيباع فيها الخمر قال حرام أجرته بناء على حمله على ما إذا شرط المؤجر في عقد الإجارة ذلك أو حمله على ما إذا علم المؤجر أنّ المستأجر يعمله في ذلك فيدلّ على ما نحن فيه بالأولويّة

و منها مكاتبة ابن أذينة عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذ منه صلبانا قال لا و منها رواية عمرو بن الحريث عن التوت أبيعه ممّن يصنع الصليب أو الصّنم قال لا بناء على اشتراط ذلك في البيع و تواطئهما على ذلك فإن نفس القصد على ذلك أيضا كاف في الفساد لما عرفت أنّ الصّحة و الفساد و الحلية و الحرمة دائران مدار قصد المحلّل و المحرم

الرّابعة ما إذا لم يقصد المعاملة لغاية محرّمة و لكنّه يعلم يترتب الغاية المحرّمة عليها

كبيع العنب ممن يعمله خمرا و بيع الخشب ممّن يعمله صنما أو صليبا و مقتضى قواعد المعاوضة عدم حرمتها لعدم دخولها في أحد العناوين المحرمة و مجرّد ترتّب محرم عليها مع وقوعها عن اختيار من المشتري لا يوجب حرمتها و لكن ظاهر رواية عمرو بن الحريث و مكاتبة ابن أذينة حرمتها لأنّ حملهما على ما إذا اشترط البائع على المشتري ذلك بعيد و التّفصيل بين بيع العنب ممن يعمله خمرا و بيع الخشب ممن يعمله صنما فيقال بالصّحة في الأوّل و الفساد في الثّاني أبعد

فيمكن حمل الرّوايتين على الكراهة لمعارضتهما مع هو صريح في جواز بيع العنب ممن يعلم أنّه يجعله خمرا أو مسكرا كالمكاتبة الأخرى لابن أذينة و رواية أبي كهمش بعد عدم الفرق بين الخمر و الصّنم أو الصّليب

و يشهد لهذا الجمع رواية رفاعة عن بيع العصير ممّن يصنعه خمرا قال بيعه ممّن يطبخه أو يصنعه خلا أحب إلي و لا أرى به بأسا فإن قوله أحبّ ظاهر في أنّ بيعه ممّن لا يذهب ثلثيه أو لا يصنعه خلا غير محبوب أو يلتزم بالتّفصيل و إن كان بعيدا بمقتضى التعبّد

و كيف كان مع معارضة الأخبار الصّريحة في الجواز لهذين الخبرين لا يمكن

ص: 11

الالتزام بما هو ظاهرهما فالأقوى جواز هذه المعاملة تكليفا و صحّتها وضعا نعم قد يقال بحرمتها من جهة كونها إعانة على الإثم و لكن الأقوى عدم دخولها في موضوع الإعانة على الإثم و توضيح ذلك يتوقّف على إشارة إجماليّة إلى حكم الإعانة على الإثم و تنقيح موضوعها

فنقول لا إشكال في حرمتها لظاهر الآية الشريفة و لا إشكال في عد إمكان تخصيصها بعد تحقّق موضوعها لأنّ هذه من العناوين الغير القابلة للتّخصيص فإنّها كنفس المعصية و كالظّلم فإنّه كما لا يمكن أن يكون معصية خاصة مباحة فكذلك لا يمكن أن تكون الإعانة على المعصية مباحة

فما عن الحدائق بعد ما حكى عن الأردبيلي قدس سره من القول بالحرمة في مسألتنا من جهة كونها إعانة على الإثم من أنه جيّد في حد ذاته لو سلم من المعارضة بأخبار الجواز لا وجه له لأنّه لو كان بيع العنب ممّن يعلم بأنّه يعمله خمرا داخلا في عنوان الإعانة فلا يمكن أن يدلّ دليل على جوازه فمع ورود الدّليل على الجواز نستكشف بأنّه ليس داخلا في هذا العنوان و أمّا موضوعها فقد قيل باعتبار أمرين فيه أحدهما إيجاد فعل بقصد تحقّق الإثم من الغير الثّاني وقوع الإثم من الغير بحيث لو لم يتحقّق الإثم لم يكن الإيجاد حراما من جهة صدق الإعانة و إن حرم من جهة قصد الإعانة بناء على ما اختاره من أنّ قصد المعصية بنفسه من المعاصي و قد يقال بكفاية نفس قصد تحقّق الإثم من الغير و إن لم يقع الإثم و قد يقال لا يعتبر القصد إذا تحقّق الإثم و قد يقال بعدم اعتبار تحقّق الإثم و لا القصد بل نفس بيع العنب ممن يعلم أنّه يعمله خمرا حرام و إن لم يعمله خمرا و لا قصد البائع ببيعه وقوع الحرام من المشتري

و الحق أن يقال إنّ الفعل الواقع من شخص تارة يقع في سلسلة علل فعل فاعل الإثم و أخرى لا يكون كذلك و إن لم يمكن أن يصدر الإثم بدونه بل كان من المبادي البعيدة و ذلك كتجارة التّاجر الّتي لولاها لم يمكن للعشار أن يأخذ عشرها و هذا في الحقيقة خارج عن المبادي أيضا فإنّ المبادي هي الّتي تتحقّق بعد الإرادة التقديرية من المريد و هذا بمنزلة الموضوع لتحقّق الإرادة التقديريّة فإنّه لو لا تجارة التّاجر و غرس الكرم من الزّارع لم يمكن حصول العشّار و الخمّار فبعد تحقّقهما لو كان أحد خبيث النفس يصير عشّارا أو مخمرا

و بالجملة لو لم يكن في العالم ما يمكن أن يجعل خمرا لم يمكن للخمار أن يحصل له إرادة تقديرية على تخمير العنب أي إرادته التّخمير على تقدير اشتراء العنب و تهية سائر المقدمات حاصلة في ظرف وجود العنب

و كيف كان سواء كانت هذه من المبادي أو لا فهذه خارجة عن موضوع البحث إذا كان قصد التاجر التّجارة لتحصيل أغراضه النّفسانيّة و قصد الغارس كذلك لا إذا غرسه لذلك

و أمّا إذا كان واقعا في سلسلة علل فعل الفاعل و من مبادي فعله فهذا على قسمين لأنه قد لا يتوقّف فعل الإثم إلّا على عمل المعين كمن كان بانيا على ضرب مظلوم فيتناوله المعين العصا و أخرى يتوقّف على أمور أخر كتخمير الخمّار فإنّه بمجرد شراء العنب لا يمكن أن يحصل منه الخمر

فلو كان من الأوّل فلا إشكال في أنّه يصدق عليه الإعانة على الإثم و لو لم يقصد معطي العصا إعانته على الضرب بل يمكن أن يقال بأن مع علمه ببنائه على الضّرب لا ينفكّ قصد الإعطاء عن قصد الإعانة و لو كان من القسم الثّاني فيمكن أن يقال بإلحاقه بالقسم الأوّل و يمكن أن يقال بأنه ملحق بتجارة التّاجر و على أي حال موضوع البحث في الإعانة ما إذا لم يكن فعل المعين علة تامّة لصدور الفعل عن الإثم بلا اختيار

ص: 12

و إلا فيدخل في باب الأسباب و المسبّبات

و بالجملة بعد ما فرض أنّ موضوع البحث هو الإعانة في المقدمة المشتركة بين ترتب المحرّم عليها و المحلّل نقول فرق بين بيع العنب و إعطاء العصا فالصواب أن يجعل البحث في أنّه هل يلحق بيع العنب بباب إعطاء العصا الّذي هو من قبيل الجزء الأخير لعلّة التامّة أو يلحق بتجارة التاجر أو لا يلحق بشي ء منهما و الأقوى هو الفرق بينهما و بين بيع العنب فلا يلحق بتجارة التّاجر و لا بإعطاء العصا

أمّا تجارة التّاجر فلأنّها بمنزلة الموضوع لأخذ العشر و ليست من مباديه فلا تحرم إلّا إذا قصد التوصّل بها إلى وقوع الحرام من العشار لأنّ كلّ ما وقع بقصد التوصّل إلى صدور الحرام من الغير و لو كان بيع الطعام ممّن يعلم بأنّه يشتريه للتّقوى به على المعصية فهو داخل في الإعانة على الإثم سواء قلنا بأنّ شراء المشتري حرام أم لا

أمّا إذا قلنا بحرمته فلأنّه إذا كان شراء من يتقوّى بالطّعام حراما من باب أنه شروع في الحرام فلا إشكال في أن البيع إعانة على الحرام و لو لم يقصد به التوصّل إلى الحرام فضلا عما إذا قصد

و أمّا لو لم نقل بأنّه حرام من باب عدم حرمة مقدّمة الحرام التي لا يترتّب عليها الحرام قهرا كما برهن ذلك في محلّه و ثبت الفرق بينها و بين مقدمة الواجب و لم يقم وجه آخر على حرمته أيضا إلّا ما يقال إنه تجرّ إلى الحرام و هو حرام و هذا ممنوع فإنّ الشراء بنفسه ليس تجرّيا حتى يكون البيع مقدّمة للتجري بل التجري هو الشراء بقصد التوصّل به إلى الفعل المحرّم

و لا يقال إذا كان المجموع المركّب من الشراء مع القصد تجرّيا فكلّ واحد من أجزاء المركّب مقدمة للمركّب فإذا كان التجري حراما فالشراء الّذي هو مقدّمة للتجري أيضا حرام لأنّا نقول أوّلا لا يدخل أجزاء المركب في بحث مقدّمة الحرام و الواجب و ثانيا أن مقدّمة الحرام الّذي هو التجري إنّما تكون محرمة إذا كانت تجرّيا أيضا و إلّا فلا دليل على حرمة مقدمة الحرام و كونها تجرّيا لكونها مقدّمة للتجري يتوقّف على إتيانها بقصد التوصل إلى التجري و هذا مع أن المشتري لا يقصد بشرائه التوصّل إلى التجري لا يمكنه أن يقصد ذلك و إلّا لتسلسل و ذلك لأنّه إذا كان القصد إلى التجري تجرّيا و المفروض توقّف التجري على القصد فلا بدّ أن يقصد القصد و هكذا

و بالجملة و لو لم نقل بحرمة شراء الطّعام للتقوى على المعصية إلّا أنّ البيع بقصد التوصّل إلى صدور الحرام من المشتري حرام و على أي حال بيع العنب ممن يعلم بأنه يعمله خمرا لا يشبه تجارة التّاجر فإنه واقع في سلسلة أفعال الفاعل دون التّجارة فإنّها خارجة و بمنزلة الموضوع لها فلا ملازمة بين حليّة التجارة و حليّة بيع العنب فإذا قصد حصول الخمر و باع ممّن يعمل بأنه يعمله خمرا فيحرم لأنّ المفروض أنّ البائع يقصد بيعه حصول الخمر من المشتري فبيعه بقصد تخمير المشتري إعانة على الإثم

و بعبارة أخرى لا نقول بحرمة البيع بقصد توصّل الغير إلى الحرام لكونه إعانة على الشراء حتى يقال بعدم حرمة المعان عليه بل لكونه إعانة على التّخمير و على هذا فظهر الفرق بين الإعانة بالعصا و الإعانة بالبيع أيضا فإنّ الأوّل يحرم و لو يقصد به توصّل الغير إلى الحرام بخلاف الثاني

فتحصل مما ذكرنا أن كل فعل وقع من المعين و لم يكن بينه و بين فعل العاصي غير اختياره العصيان فهذا حرام و لو لم يقصد بفعله توصّل العاصي به إلى العصيان و يندرج فيه إعطاء العصا ممن كان مصمّما لضرب مظلوم و بيع السلاح من أعداء الدّين حين قيام الحرب و إعطاء الكأس لمن أراد شرب الخمر و بيع العصير المتنجس على مستحلّه

ص: 13

و إعطاء السيف لمن يريد أن يقتل أحدا و هكذا و كلّ فعل لا يقع الحرام به بل يتوقّف على أمور أخر كبيع العنب ممّن يجعله خمرا فهذا لا يندرج تحت الإعانة على الإثم إلّا إذا قصد البائع به توصل المشتري بالعنب إلى التخمير فإن الشراء الذي هو مقدمة الحرام و إن لم يكن بحرام إلا أن البائع حيث قصد من بيعه كون المشتري متمكنا من التخمير فيندرج في الإعانة على الإثم

ثم إنه قد يستدل بحرمة بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا بأن دفع المنكر كرفعه واجب و لا يتم إلا بترك البيع فيجب تركه فيحرم فعله

و لا يخفى أن هذا الاستدلال يصح إذا فرضنا أن ترك البيع يؤثر في ارتداع الخمار عن التخمير فبناء على تأثيره فيه يمكن دعوى حرمة البيع من باب ثبوت الملازمة عرفا بين وجوب دفعه بعد تحققه و المنع عن تحققه و لذا يقال بحرمة تنجيس المسجد من جهة استكشافها عن وجوب إزالة النجاسة عنه

و أما لو لم يؤثر ترك البيع في ترك التخمير لوجود العنب عنده أو وجود مائع آخر فلا وجه لحرمته و لا يقال إن بيع بائع آخر لا يوجب حلية بيع هذا فإن ظلم ظالم لا يسوغ الظلم لأنا نقول فرق بين ما كان الشي ء واجبا على نحو الكفائي و بين ما كان واجبا على جماعة بوصف الاجتماع فإنه لو كان ترك البيع واجبا على كل أحد كفائيا فيحرم البيع على كل من باع استقلالا

و أما لو كان قائما بالمجموع فلا وجه لحرمته على كل أحد و في المقام لم يقم دليل على وجوب ترك البيع على كل واحد كفائيا بل لا يمكن أن يدل دليل كذلك فإنه لا معنى لتعلق النهي على شي ء كفائيا و لا على وجوب الترك كذلك بل لا بد إما أن يقوم دليل على وجوب الفعل كفائيا أو حرمته استقلاليا أو وجوب الترك مجموعيا و في المقام لا مناص عن الأخير فإن النهي عن المنكر إنما يكون واجبا إذا كان مؤثرا و تأثير ترك البيع في دفع المنكر متوقف على ترك الجميع لأن بيع واحد على البدل يتحقق المنكر

الفصل الثالث ما يحرم الاكتساب به لغاية محرمة تترتب عليه شأنا من دون قصد البائع ترتب هذه الغاية من شراء المشتري

كبيع السلاح من أعداء الدين مع عدم قصد تقويهم به و مع عدم قيام الحرب بينهم و بين المسلمين

و لا يخفى أن حرمة هذا القسم لا تدخل تحت العناوين الكلية و القواعد العامة فلا بد من الاقتصار على مورد النص و بعض النصوص الواردة في الباب و إن كان مطلقا إلا أنه يجب تقييده بما إذا كان بيننا حرب لا في مورد الهدنة كما هو صريح رواية هند السراج فقال الباقر عليه السلام فإذا كان الحرب بيننا فمن حمل إلى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك

و بالجملة يختص هذا القسم بما إذا حصل بالكسب تقوي الكفر على الإسلام و هذا عنوان آخر محرم بنفسه لا من باب الإعانة و إن دخل بعض أقسامه في باب الإعانة على الإثم أيضا كما إذا قصد البائع بالبيع غلبة الكافر أو كان فعله الجزء الأخير من علة الإثم و لا يبقى بين البيع و الإثم إلا إرادة العاصي و في غير عنوان الإعانة يجب الاقتصار على مورد النص و هو السلاح بالخصوص دون غيره

خاتمة

اشارة

قد تقدم في صدر الكتاب أن النهي المتعلق بالمعاملة على أقسام ثلاثة لأن النهي تارة يتعلق بها من جهة عدم كون أحد العوضين مالا و لا حقا و عدم مالية إما لعدم ماليته عرفا أو لسلب الشارع جهة ماليته

و أخرى من جهة نفس المنشإ بالعقد لا من جهة عدم مالية العوض شرعا أو عرفا كالبيع الربوي و بيع المصحف و العبد المسلم من الكافر و ثالثة من جهة الإنشاء إما لمزاحمته لواجب أهم أو مضيق كالبيع وقت النداء و إما لدخوله تحت أحد

ص: 14

العناوين المحرمة كالإعانة على الإثم و تقوي الكفر

ففي القسم الأول لا إشكال في أن النهي يقتضي الفساد لأن قوام المعاوضة بثبوت العوضين فالبيع بلا ثمن و الشراء بلا مثمن لا معنى له و سيجي ء تحقيقه إن شاء اللّٰه في محله و الأقوى في الثاني أيضا هو الفساد لما بينا في الأصول أنه إذا خرج المنشأ بالعقود عن تحت سلطنة المالك فلا يعقل أن يصح التبديل و التبدل لأن الأمور الاعتبارية تسقط عن الاعتبار بمجرد إلغاء من بيده اعتبارها فبنفس النهي يخرج التبديل و التبدل عن سلطنة المالك و لا يقدر على إيجادهما من توجه النهي إليه فالقول بأن الحرمة لا تلازم الفساد شطط من الكلام و الأقوى في الثالث هو الصحة

أما البيع وقت النداء فواضح لأن كون التلفظ بهذه الألفاظ حراما لا يلازم عدم وقوع المنشأ بها و أما البيع الذي يكون إعانة على الإثم أو تقوية للكفر فلأن المحرم هو إيجاد الألفاظ بقصد توصل الغير بها إلى المحرم فيتعلق النهي بأمر خارج عن المعاملة و لذا لا يبطل البيع لو لم يقصد به التوصل

نعم لو كان الشراء بهذا القصد فاسدا لفسد البيع أيضا لأن العقد لا يتبعض إلا أنه لا دليل على فساد الشراء لما عرفت أن مقدمة الحرام ليست محرمة و لا تدخل تحت الإعانة على الإثم لانحصار موردها بإعانة الغير ثم إن حكم القسم الأول واضح لو علم موضوعه و أما لو شك فلو شك في أنه مال عرفا فالأقوى صحة المعاملة عليه إذا علم بتعلق غرض عقلائي به و إثبات حق لمن في يده و حازه للعمومات مثل قوله عز اسمه تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و قوله ع و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و إمساكه و عدم اندراج هذه المعاملة تحت أحد العناوين الخاصة من البيع و الصلح و الإجارة و نحوها بناء على أن يكون البيع هو تبديل مال بمال لا يضر بالصحة لعدم الدليل على اختصاص المعاملة بأحد هذه العناوين

و بالجملة و إن لم نقل بصحة التمسك بمثل قوله عز من قائل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ لأخذ مبادلة المال بالمال في مفهومه و اختصاص المال بما يعتد مالا عرفا و مع الشك في المصداق لا يمكن التمسك بالعموم و لا التمسك ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لأنه ناظر إلى لزوم ما كان عقدا و ليس في مقام بيان أن العقد ما هو إلا أنه لا مانع من التمسك بعموم تجارة عن تراض و نحوه و لم يقم دليل على اختصاصه بالمال حتى يكون في مورد الشك التمسك به تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية فتأمل

و أما لو شك في أنه حرام شرعا حتى يحرم بيعه بناء على أن الشارع أسقط مالية ما كان محرما فمقتضى أصالة الحل أنه داخل فيما يجوز بيعه لأن بهذا الأصل ينقح موضوع العمومات نعم كون الموضوع الثابت بهذا الأصل موضوعا واقعيا كلام آخر و الحق عدمه

و كيف كان فما لم ينكشف الخلاف لا إشكال في صحة المعاملة عليه ثم إنه لو كان منشأ الشك في المالية الشك في التذكية لتوقف المنفعة المحللة على طهارة الجلد مثلا فلو دل دليل على قابلية الحيوان للتذكية كالسباع مثلا بل المسوخ مثل الفيل فلا إشكال في جواز بيعه و بيع أجزائه كالعظم و الجلد بعد تذكيته

نعم لا يقبل الحشرات التذكية فإذا كانت لها نفس سائلة و توقف استيفاء منافعها على طهارة أجزائها بعد موتها فلا يجوز بيعها و كيف كان فتحصل مما ذكرنا أن جواز البيع منوط بأن يكون الشي ء مالا عرفا و شرعا و أن تكون نفس المعاملة جائزة شرعا سواء أحرز ذاك بالدليل أو الأصل

و على أي حال أصالة الفساد التي هي الأصل الأولي

ص: 15

المعول عليها في المعاملات محكومة بالدليل و أصالة الحل و الإباحة أما بالدليل فواضح و أما بالأصل فلأن به ينقح موضوع العمومات التي بها يرتفع الشك عن الصحة و الفساد هذا كله في تبديل الأموال بالأموال

و أما تبديل المنافع بها فحرمة الاكتساب به تارة راجعة إلى إجارة الأعيان و ما يلحق بالإجارة لمنافع محرمة كإجارة الدابة و السفينة لحمل الخمر عليها و إجارة الدكان لبيع الخمر أو حرزه فيه و أخرى راجعة إلى إجارة الأبدان و هذا على قسمين فتارة يقع الإجارة و الجعالة و نحوهما بإزاء عمل محرم في نفسه و أخرى بإزاء عمل واجب

و على أي حال حرمة الاكتساب في باب الإجارة و ما يلحق بهما تقتضي الفساد لخروج العمل أو منفعة الدار عن تحت سلطنة المالك إما لحرمته أو لوجوبه عليه كما سيجي ء توضيحه

ثم لما كان المقصود من التحرير بيان الضابط الكلي فلا تتعرض الصغريات الأبواب و أن القمار مثلا داخل في باب الإجارة و أنها معاملة مستقلة التي تسمى عند العرف بالمراهنة التي خرج السبق و الرماية عن تحتها شرعا و لا نتعرض للأعمال المحرمة و إن جرت عادة العلماء بذكر ما من شأنه الاكتساب به عرفا و هو كل عمل يبذل بإزائه المال كالتصوير و نحوه بل بذكر ما ليس من شأنه أن يبذل بإزائه مال كالغيبة و الكذب و نحوه فالمهم بيان منشأ بطلان الإجارة على المحرمات و الواجبات و توضيح ذلك في ضمن مقدمة و فصول

أما المقدمة

فهي أنه قد اعتبر في الإجارة و ما يلحق بها من الجعالة و إباحة المنفعة بالعوض بناء على كونها من المعاملات المتعارفة أمران

الأول أن يكون العمل الذي يأخذ الأجير أو العامل بإزائه الأجرة و الجعل ملكا له بأن لا يكون مسلوب الاختيار بإيجاب و تحريم شرعي عليه لأنه إذا كان واجبا عليه فلا يقدر على تركه و إذا كان محرما عليه فلا يقدر على فعله و يعتبر في صحة المعاملة على العمل كون فعله و تركه تحت سلطنته و اختياره أن يكون العمل ممكن الحصول للمستأجر فلو لم يكن كذلك كما إذا تعلق تكليف عليه مباشرة فلا يصح الإجارة عليه و إن انتفع به فإن مجرد انتفاع المستأجر لا يصحح الإجارة فإن الانتفاع أمر آخر يعتبر في كل معاملة و حاصله أن لا تكون المعاملة سفهية ثم إنه قد ينتفي كلا الشرطين كصوم شهر رمضان أو الحج في سنة الاستطاعة ممن يجب عليه بالمباشرة فإن الأجير ليس مالكا لعمله و المستأجر أيضا لا يملك عمل غيره إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تعيين الصغرى في ضمن مباحث

المبحث الأول المحرمات بأجمعها لا يمكن الإجارة عليها

لانتفاء الشرط الأول من غير فرق بين ما جرت العادة بجعل الأجرة و الجعل عليه كالتصوير و نحوه أو لم تجر كالكذب و نحوه فلا يجوز لشاهد الزور أخذ الأجرة على شهادته لخروج عمله عن تحت سلطنته بنهي الشارع فلا يقدر على فعله فأخذه الأجرة أكل المال بالباطل و مصداق لوهب الأمير ما لا يملك

الثاني الواجبات النظامية كلها يجوز أخذ الأجرة عليها

ما عدا القضاء سواء كانت كفائية أو عينية تعيينية كانت أو تخييرية و نحن استوفينا البحث عنها في كتاب القضاء و الغرض في المقام محض الإشارة إليه و وجه ذلك حصول كلا الشرطين فإن الأجير مالك لعمله و المستأجر يمكن الحصول له أما الثاني فواضح و أما الأول فلأن الواجب على الأجير هو بذل عمله أي تعلق التكليف أو الوضع بالمعنى المصدري لا بنتيجة عمله التي هي المعنى الاسم المصدري فإن الطبيب و إن وجب عليه الطبابة عينا إلا أنه مالك لعمله

ص: 16

و الأجرة تقع بإزاء العمل الذي هو مناط مالية المال إلا بإزاء قوله من حيث الإصدار و هما و إن لم يكونا أمرين خارجيين متمايزين إلا أنهما شيئان اعتبارا فللشارع التفكيك بين وجوب المصدر و ملكية اسم المصدر و ليس الطبيب و الصباغ و الخياط كالقاضي فإن في باب القضاء تعلق التكليف بنتيجة عمله و هو فصله الخصومة و هذا إذا خرج عن ملكه فلا يجوز له الأجرة عليه و أما الصباغ و نحوه فما وجب عليه هو بذل عمله لا أثره

و هذا الوجه و إن كان في النتيجة مشتركا مع ما يوجه به صحة الأجرة بأن الواجب النظامي لم يتعلق الوجوب به مجانا و لكنه لا يرجع إليه لأنه لم يقم دليل على أنه لم يجب مجانا و لا دليل في الواجبات الغير النظامية على أنها وجبت مجانا إلا في بعضها كالقضاء و نحوه بناء على عدم كونه نظاميا و إلا استثني منه بل الوجه الذي يوجه به صحة الأجرة عليه هو الموجب لاستفادة عدم المجانية

و كيف كان لو وجب بذل العمل و حرمة احتكاره فلا مانع من أخذ الأجرة عليه و إن جاز أن يعمله تبرعا بلا إشكال و لو وجب عليه نتيجة العمل فلا يجوز أخذ الأجرة لأن المعنى المصدري آلي و لا يقابل بالمال و اسم المصدري خارج عن ملكه و نظير الأعمال في كلا الشقين الأموال أيضا فإنه قد يتعلق تكليف أو وضع بنفس الملك كباب الخمس و الزكاة فلا يجوز أخذ العوض من مصرفه أو مستحقه و قد يتعلق تكليف بالتمليك و الإعطاء و البذل كوجوب بيع الطعام في المخمصة فإن التكليف المتعلق بصاحب الطعام هو حرمة حبسه و احتكاره الطعام و لم يتعلق بنفس المال

ثم إن جواز أخذ الأجرة عليه ليس لكونه توصليا مقابلا للعبادي لما سيجي ء أن التوصليات أيضا لا يجوز أخذ الأجرة عليها بل لكونه توصليا بمعنى آخر و هو أن جهة وجوبه معلومة

و بعبارة و أخرى ملاك وجوبه و منشأ تعلق الأمر به حفظ النظام و ما يتوقف عليه تعيش بني آدم و نظام العالم هو بذل عمله لا كون نتيجة عمله خارجا عن ملكه نعم لو توقف النظام في مورد على هذا كما لو توقف حفظ نفس محترمة لا ذمة لها كالطفل و المجنون الذي لا مال له و لا ولي على بذل النتيجة فلا يبقى محل لأخذ الأجرة عليه

الثالث في حكم الواجبات الغير النظامية

أي ما يجب على المكلف لغير ملاك توقف نظام العباد و البلاد عليه و هذا على قسمين قسم يعتبر قصد الأمر فيه و قسم توصلي و كل منهما إما عيني أو كفائي و بتقسيم آخر إما تعييني أو تخييري ثم إن الواجب تارة واجب على المستأجر دون الأجير و تارة بالعكس و أخرى يجب على كليهما فإذا كان واجبا على المستأجر دون الأجير فلو لم يعتبر في عمل المستأجر المباشرة يصح الإجارة مطلقا تعبديا كان أو توصليا كان واجبا عليه عينا أو كفاية كما إذا وجب القضاء عن الميّت على وليه فيستأجر غيره و كما إذا وجب الجهاد على شخص عينيا أو كفائيا دون غيره فيستأجر من لا يجب عليه ليجاهد عنه و لا إشكال في هذا القسم لأن الأجير مالك لعمله و المستأجر يملك عمل الأجير

نعم في التعبديات يتوهم تنافي أخذ الأجرة مع قصد القربة و سيجي ء دفعه و إذا وجب على الأجير دون المستأجر فلا يصح الإجارة عليه سواء كان عينيا أو كفائيا أما إذا كان عينيا كالصلاة اليومية فلانتفاء كلا الشرطين المعتبرين في صحة الإجارة فإن الأجير لا يملك عمله و المستأجر لا يملك أيضا عمل الأجير و أما إذا كان كفائيا فلانتفاء الشرط الثاني بل كل ما لا يملكه المستأجر لا يصح الإجازة عليه و إن لم يكن واجبا على الأجير بل كان مستحبا أو مباحا فلا يصح إجارته لقراءة القرآن لنفسه أو لإعادة صلاته ليقتدي به المستأجر و أما إذا وجب على كليهما فتارة يجب على

ص: 17

كل منهما عينيا و أخرى كفائيا أو تخييريا

فإذا وجب عينيا كصوم شهر رمضان فلا يصح الإجارة سواء استأجره لأن يصوم عن المستأجر أو عن نفسه لانتفاء كلا الشرطين لوجوبه على الأجير و عدم حصول الملك للمستأجر و لو آجره لأن يصوم نيابة عنه لأن اعتبار المباشرة على نفس المستأجر موجب لعدم حصول الملك له

و أما لو وجب على كل منهما كفائيا أو تخييريا فإذا لم يعتبر المباشرة في عمل المستأجر كالجهاد أو استأجره لأن يكون نائبا عنه فيصح لوجود كلا الشرطين فإن النائب حيث إنه يجب عليه كفائيا مالك لعمله و المستأجر أيضا يملك عمل الأجير و أما لو اعتبر المباشرة كالصلاة على الميّت أو استأجره لأن يجاهد الأجير لنفسه فلا يصح لانتفاء الشرط الثاني

و مجرد انتفاع المستأجر و هو سقوط الوجوب الكفائي عنه لا يصحح الإجارة بعد اعتبار إمكان حصول ملك المنفعة للمستأجر و عليك باستخراج حكم سائر الأقسام كما إذا كان على كل منهما تخييريا أو كان على أحدهما تخييريا و كان على الآخر عينيا تعيينيا مثل ما إذا وجب على الأجير إما الصوم أو إطعام ستين مسكينا و وجب على المستأجر قضاء صوم أبيه عينا تعيينا فإذا لم يعتبر المباشرة في عمل المستأجر يصح أن يستنيب غيره للصوم و لو كان واجبا عليه تخييرا بينه و بين الإطعام نعم لو تعذر عليه الإطعام و ضاق الوقت للصوم لا يجوز أن يصير نائبا فتدبر جيدا

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى دفع ما يقال من أن أخذ الأجرة في الواجبات التي يعتبر قصد القربة فيها ينافي التقرب و لهم في التفصي عن هذا الإشكال وجوه

منها ما نسب إلى صاحب الجواهر قدس سره و هو أن تضاعف الوجوب بسبب الإجارة يؤكد الإخلاص و لا ينافيه و فيه أنه لو كان المقصود أن داعي الأجير على العمل يصير آكد لانضمام الأجرة إلى أمر اللّٰه سبحانه فهذا عين الالتزام بالإشكال لاعتبار الخلوص في داعي العامل و لو كان المقصود أن وجوب العمل على الأجير يوجب تأكد اشتراط الخلوص في العبادة فكان الشي ء يصير واجبا من قبل اللّٰه سبحانه بوجوبين الأول وجوب الوفاء بالإجارة بإتيان العمل و الثاني في إتيانه لأمر اللّٰه سبحانه

ففيه أن الأمر الإجاري لا يعتبر فيه القرينة فكيف يؤكد الإخلاص و لا يتحد مع الأمر العبادي حتى يكتسب العبادية منه كالأمر النذري فإنه يتعلق بعين ما تعلق به الأمر العبادي و لذا يكتسب كل من الأمر النذري و العبادي من الآخر ما هو فاقد له فإذا نذر صلاة الليل تصير بالنذر واجبة و يصير النذر قربيا و هذا بخلاف الأمر الإجاري فإنه يتعلق بالصلاة مع قصد القربة و الأمر العبادي يتعلق بذات العمل

و لذا لو تبرع متبرع عمن وجب عليه عبادة يجب عليه أن يقصد ما وجب على المنوب عنه مع أن أمره التبرعي استحبابي و كذا لو استوجر أحد لصلاة الليل لو فرض صحة الإجارة يجب أن يقصد الأمر الاستحبابي المتوجه إلى المنوب عنه لا الأمر الإجاري الذي يجب عليه وفاؤه نعم قد يجتمعان في الوجوب و الاستحباب و لكنهما على أي حال لا يتحدان

و منها أن أخذ الأجرة من قبيل الداعي على الداعي إذ ليس في عرض داعي الامتثال بل في طوله فالداعي على الامتثال هو أمر اللّٰه و المحرك بالإتيان الفعل بداعي أمر اللّٰه هو الأجرة

و فيه أنه لو كان هذا إشكالا لكان أولى و أحق من أن يكون جوابا فإنه لو لا الأجرة لما حصل للعامل الداعي إلى إتيان الفعل لله سبحانه فصار محركه إلى العمل بالأخرة هو الأجرة و لا يقاس الأجرة بالغايات المترتبة على العبادات بجعل إلهي فإنه مع الفارق لأن سلسلة العلل إذا انتهى إلى اللّٰه سبحانه فلا يخرج المعلول عن كونه عباديا و هذا بخلاف ما إذا انتهت إلى غيره فإنه ليس

ص: 18

من وظيفته جعل غاية للفعل بقصد الأمر

و بالجملة فرق بين أن يؤتي الصلاة لأمر اللّٰه سبحانه حتى يوسع رزقه و أن يؤتي لأمر اللّٰه حتى يأخذ الأجرة و الأول عبادة و إن لم تكن عبادة الأحرار و الثاني ليس عبادة و مجرد توسيط أمر اللّٰه سبحانه في العمل لا يصحح العبادة لأن حقيقة العبادة ليست صرف إخطار كون العمل لله أو التلفظ بهذا العنوان بل أن يكون محرك العامل هو أمر اللّٰه سبحانه و لو لغايتها المترتبة عليها منه سبحانه و أما إذا كان محركه الأجرة فهذا عين كونه غير قربي فإن من لا يكنس دار زيد أصلا و لا يعتني بأمره لو أمره عمرو بكنس دار زيد فكنسه داره لا يمكن أن يكون لأمر زيد و لو أمره عمرو بامتثال أمر زيد

و بالجملة لو وقع في سلسلة داعي العمل داع غير إلهي يخرج العمل عن كونه قربيا و القول بأنه لا يعتبر في العبادة أن يكون الداعي على الداعي قربيا مساوق للقول بعدم اعتبار قصد التقرب في العبادة

و منها أن فعل النائب فعل تسبيبي للمستأجر و قصد المستأجر التقريب في استيجاره كاف في العبادة و فيه أنه لا إشكال في صحة التبرع عن الغير مع أن المتبرع عنه غافل عن فعل المتبرع فكيف يكون فعل النائب فعل المندوب عنه و كيف يقصد المتبرع القربة الكافية من المنوب عنه و مجرد كون داعي العامل أمر المستأجر لا يجعل فعله مسببا توليديا فإن المسبب التوليدي هو الذي لا يكون بين فعل الفاعل و الأثر المترتب عليه واسطة اختيارية

نعم قد يطلق المسبب التوليدي على فعل البناء لأمر غيره به كقولهم فتح الأمير البلد و لكن هذا الإطلاق بالعناية و خارج عن باب المسبب التوليدي و لا يمكن أن يتعلق تكليف بالجامع بين فعله و فعل غيره بل ليس الجامع فيما لا يعتبر فيه المباشرة إلا الأعم من الفعل بنفسه أو الاستنابة و القربة في الاستنابة غير تقرب النائب و في باب العبادات تعتبر في نفس عمل العامل و لا يقاس المقام بوقف المسجد في عدم اعتبار قصد التقرب من البناء لأنه لم يقم دليل على اعتبار القربة إلا من الواقف و الواقف حيث إنه يملك هذه الهيئة الحاصلة من عمل البناء كما أنه يملك الجص و الأجر فيوقف هذه الهيئة مع موادها قربة إلى اللّٰه و لو فرض اعتبار القربة في عمل البناء لما كانت القربة الحاصلة للآمر في أمره بالبناء كافية لعمل البناء

فالصواب في الجواب هو ما أفاده شيخنا الأنصاري قدس سره و حاصله أن متعلق عقد الإجارة غير متعلق الأمر العبادي فإن الأمر العبادي متوجه إلى المنوب عنه و الأمر الإجاري إلى النائب و لا يتحد متعلقهما و إن اجتمع العنوانان في الخارج في مصداق واحد و لا يقع الأجرة في سلسلة داعي المنوب عنه أصلا و إنما يقع الأجرة بإزاء قصد النائب النيابة في عمله بحيث لو قصد النائب إتيان العمل للأجرة أو قصد إتيان العمل بداعي أمره سبحانه بإزاء الأجرة يقع عمله باطلا و لا يقع للمنوب عنه بل لم يأت بما تعلق الإجارة به لأن الإجارة الحاصلة بينهما وقعت بأن يأتي العامل العمل للمنوب عنه و هذا من غير فرق بين التوصلي و التعبدي مثلا لو استأجره للجهاد و قلنا بعدم اعتبار قصد التقرب من المجاهد فلو جاهد الأجير لا عن المستأجر بل بلا عنوان لا يقع منه فلم يمتثل الأمر الإجاري بل يقع عمله إما لغوا أو عن نفسه

و يظهر توضيح ذلك بملاحظة حال المتبرع فإنه إذا قصد الأمر المتوجه إلى المتبرع عنه يقع عن المنوب عنه و لا إشكال في أن التبرع منه مستحب مع أن الأمر المتوجه إلى المنوب عنه قد يكون واجبا و لا يقع داعي المتبرع في سلسلة داعي المنوب عنه و لا ربط لأحدهما بالآخر فإن داعي المتبرع عنه هو أمر اللّٰه سبحانه المتوجه إليه إما ببدنه أو ببدنه التنزيلي و داعي المتبرع هو

ص: 19

تنزيل نفسه منزلة غيره و نيابته عنه

و التعبير بالتنزيل إنما هو لتقريب المطلب و توضيحه و إلا فما هو المعتبر في تفريغ ذمة الغير ليس إلا نيابته عنه فإذا صح نيابته عنه تبرعا و لم يتعلق الأمر التبرعي بما تعلق به الأمر العبادي فيصح أخذ الأجرة بإزاء قصد النيابة في العمل لأن الأجرة لم تقع بإزاء العمل القربي لأن التقرب يحصل للمنوب عنه و لا يعتبر في النيابة أصلا فداعيه إلى النيابة إذا كان الأجرة و أتى بالعمل القربي للمنوب عنه فيحصل من عمله أمران أحدهما تفريغ ذمة المنوب عنه و ثانيهما نيابته عنه

و العمل الخارجي و إن كان مجمع العنوانين إلا أن أحدهما في طول الآخر و لا شبهة أن نيابته عنه متقدم في الرتبة على حصول فراغ الذمة و التقرب للمنوب عنه فيترتب على فعله أثران أحدهما في طول الآخر و لا إشكال في ذلك أصلا

و بالجملة ما هو مناط العبادية لم تقع الأجرة بإزائه بل وقع الأجرة بإزاء مالكية المنوب عن العمل من الأجير و إيقاع العمل عنه الذي هو قوام النيابة من قبيل عناوين الأفعال التي تتحقق بقصدها في العمل كعنوان التعظيم و عنوان الظهرية و العصرية

و لا شبهة أن عنوان العمل لا يدخل في سلسلة الداعي فإن الداعي هو معلول الفعل الذي يوجد العامل العمل لأجل ترتبه عليه فإن كانت الأجرة واقعة بإزاء العمل و كان العمل لأجلها فهذا ينافي القربة و لا يمكن أن يكون توسيط قصد الامتثال بالخطرات القلبية مصححا له

و ما يحكى عن بعض الأعاظم من أنه كان يعطي الأجرة إلى الأكراد ليصلوا ليس من باب أنه قدس سره يحدث لهم الداعي على إتيان العمل لله بل غرضه قدس سره جعلهم متعودين بالعبادات حتى يحدث لهم بعد ذلك الداعي القربي و هكذا وجوب الأمر بالصلاة من باب الأمر بالمعروف ليس من قبيل الداعي على الداعي بل المدار هو عدم انمحاء شعائر اللّٰه سبحانه صورة و إلا كيف يقصد القربة من لا يخاف من اللّٰه سبحانه و يخاف من الآمر بالمعروف

و حاصل الكلام أن ما أفاده شيخنا الأنصاري قدس سره من أجود الأجوبة في هذا الباب لأنه بعد ما فرضنا عدم اعتبار المباشرة في فعل المنوب عنه و أن فعل النائب إذا قصد النيابة عنه يقع عنه كما لا إشكال في أنه يجوز للغير التبرع في إتيان الفعل بالنيابة عنه و لا يعتبر في الأمر التبرعي قصد القربة و لا يتحد الأمر التبرعي مع الأمر العبادي فكذا لا ينبغي الإشكال في أنه يجوز أن يأخذ الأجرة بأن يجعل إتيان العمل للغير واجبا على نفسه و هو إنما يخرج عن عهدة هذا التكليف إذا أتى ما وجب على الغير و ما وجب عليه هو الذات مع قصد التقرب و هذا متعلق الإجارة إلى ما ملكه المستأجر على الأجير فالأمر العبادي متعلق بذات العمل و الأمر الإجاري متعلق بإتيان العمل القربي نيابة عنه و التقريب معتبر في داعي المنوب عنه

و أما اعتبار التقرب في داعي الأجير على جعل عمل نفسه مملوكا للغير قربة إلى اللّٰه فلم يقم عليه دليل

و بالجملة الأجرة تقع بإزاء هذا العنوان و هو إتيانه عمل الغير نيابة عنه و هذا من غير فرق بين أن يكون عمل الغير تعبديا أو توصليا فإن وقوعه لم يتوقف على هذا العنوان و إلا لا يقع عنه و إن سقط عنه التكليف أحيانا كما لو غسل ثوبه بلا قصد عنه و على هذا فمتعلق الأمرين في كل واحد مباين مع الآخر و لا يبتني على مسألة الاجتماع و لا على أن الأجرة بإزاء نفس قصد النيابة بدون إيجاد العمل لما عرفت أن الفعل مجمع العنوانين و أحدهما في طول الآخر لا في عرضه و لا على الداعي على الداعي فإنها لا تنفع

و العجب من السيد قدس سره في حاشيته على المكاسب من قوله أولا و ثانيا فإنه

ص: 20

لم يدع شيخنا الأنصاري أن الأجرة بإزاء نفس قصد النيابة من دون العمل و لا أن الفعل من جهة واحدة قربي و يجوز أخذ الأجرة عليها لما عرفت أن له جهتين و الحامل على العمل على جهة النيابة و إن كان هو الأجرة إلا أن الحامل له على جهة المنوب عنه التي هي عبارة عن كونه بدلا تنزيليا له هو أمر اللّٰه سبحانه المتوجه إلى المنوب عنه

و ملخص الكلام أنه لو وقع الأجرة بإزاء إتيان ذات العمل بإزاء الأجرة أو بإزاء إتيان العمل بقصد القربة بإزاء الأجرة فهذه ينافي العبادية مضافا بأنه لا يسقط بهذا النحو من الإجارة ما هو الواجب على المستأجر لأنه لم يأت بداعي الأمر المتوجه إلى المنوب عنه بل بداعي الأمر الإجاري

و أما لو وقع الأجرة بإزاء إتيان العمل بأمره المتوجه إلى المنوب عنه بالأمر الأعم من المباشرة و الاستنابة فهذا لا ينافي القربة المعتبرة في العبادة لأنه لم يعتبر في الأمر الإجاري القربة و لا وقع الأجرة في طول داعي نفس العمل و ببيان أوضح لا إشكال في أن معنى عدم اعتبار المباشرة في فعل المنوب عنه مع أنه قد تعلق التكليف به هو أن الواجب عليه تحقق اسم المصدر عنه أي نتيجة الفعل واجبة عليه دون جهة الإصدار فلا يعتبر في جهة الإصدار المباشرة و لا شبهة أن هاتين الجهتين ممتازتان فإذا كانت القربة معتبرة في جهة اسم المصدري و وقعت الأجرة بإزاء الجهة المصدري فيجتمع الفعل القربي الذي به يتحقق ما وجب على المنوب عنه مع أخذ الأجرة بإزاء إصدار هذا الفعل القربي

و بعبارة أخرى الفعل إذا اعتبر فيه المباشرة فمعناه أنه يجب أن يصدر هذه النتيجة من نفس الفاعل الذي تعلق به التكليف و أما إذا لم يعتبر فيه المباشرة فمعناه أن الجامع بين إيجاد غيره نائبا تبرعيا و إجاريا و إيجاد نفسه متعلق للتكليف فإذا كان الجامع متعلقا للتكليف و لم يجب على الغير الجهة الإصداري فله أن يوجر نفسه بإزاء أجرة لتحصيل ما هو واجب على الغير فلا بد أن يقصد في إيجاده نتيجة الفعل بفعله وقوعه عن الغير ليستحق الأجرة و ليسقط عنه فيترتب على فعله أمران متغايران أحدهما وقوع متعلق الإجارة عنه و هذا لا يعتبر فيه القربة لأن إيجاده العمل من حيث فعل نفسه لا يعتبر فيه القربة و ثانيهما وقوع العمل عن الغير لكونه فردا من أفراد الجامع و به يحصل فراغ ذمته و به يحصل التقرب له و هذا معتبر فيه القربة و لكنه للمنوب عنه لا للنائب

ثم إنه ينبغي التنبيه على أمور
الأول مقتضى ما ذكرنا من اعتبار الشرطين في الإجارة عدم صحة إجارة من اشتغلت ذمته بعمل في وقت خاص

لهذا العمل و لغيره فمن وجب عليه حجة الإسلام أو المنذورة المضيقة أو الحجة المستأجرة بالمباشرة لا يصح أن يصير أجيرا لغيره في هذه السنة لا من باب أن الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن الضد كما في العروة بل لأن العمل خارج عن ملكه إما بالوجوب الشرعي أو النذري أو لكونه أجيرا لغيره

و بالجملة من لم يملك عمله لا يمكنه أن يملكه غيره و على هذا فلو كان العكام أجيرا لأحد حتى في المشي معه لا يمكنه أن يصير نائبا عن غيره لخروج أفعاله عن ملكه نعم لو كان أجيرا له في العمل في المنزل أو بالأعم من المباشرة فيصح أن يوجر نفسه للحج و هكذا في مسألة الطواف فمن كان واجبا عليه إطافة غيره لا يمكنه أن يحتسبه لنفسه لأن حركاته ملك للغير نعم لو كان أجيرا لحمله حال طواف نفسه فلا مانع

الثاني وردت روايات تدل على حرمة بيع المصحف و جواز شراء جلده و حديده و كاغذه

و على هذا فيشكل ما هو معمول في الخارج لأن نفس الجلد و الكاغذ و نحوهما لو كانت متعلقة للبيع دون النقوش و الكتابة فيقتضي بقاء الكتابة على ملك البائع

و لكن

ص: 21

يمكن التفصي عنه بأن يقال إن الكتابة في الأوراق نظير كتابة عبد الكاتب فكما أن كونه كاتبا يوجب زيادة قيمة العبد مع أن الثمن لا يقع بإزاء الكتابة فكذلك بعد ما نهى الشارع عن بيع نفس المنقوش ففي مقام المعاملة يوقع العقد على نفس الكاغذ الذي فيه الكلمات المباركة فتدخل الكلمات في ملك المشتري تبعا غاية الأمر أنه لو لا النهي لكانت النقوش جزءا للمبيع بل كانت هي المقصودة الأصلية من المعاملة و كانت غيرها تابعة و لكنه بملاحظة النهي ينعكس الأمر

و رعاية التبعية أمر ممكن قصدها من المتعارضين بل من التوابع ما يكون تابعا و إن لم تقصد تبعيته نظير دخول مفتاح الدار في المبيعة

الثالث قد وردت عدة روايات على جواز أخذ جوائز سلطان الجور و عماله
اشارة

بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا أو عوضا و بعضها صريح في صحة الأخذ منهما و لو لم يكن لهما مال آخر حلال كصحيحة أبي ولاد قلت لأبي عبد اللّٰه ع ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلا من أعمالهم و أنا أمر به و أنزل عليه فيضيفني و يحسن إلي و ربما أمر لي بالدراهم و الكسوة قد ضاق صدري من ذلك فقال لي كل و خذ منها فلك المهنأ و عليه الوزر و

بعضها ظاهر في ذلك كصحيحة أبي المغراء قال سأل رجل أبا عبد اللّٰه ع و أنا عنده فقال أصلحك اللّٰه أمر بالعامل فيجبرني بالدراهم أخذها قال نعم و حج بها

و مثلها رواية محمد بن هشام و رواية محمد بن مسلم و زرارة ثم لا يخفى أن بمضمون هذه الأخبار أفتى الأصحاب و يستفاد من النص و الفتوى أنه لا يعمل قواعد العلم الإجمالي في المأخوذ من السلطان و عماله فإن حمل المأخوذ على خصوص ما أخذاه من الخراج و المقاسمة الذين وردت في الأخبار الكثيرة إباحتهما للشيعة بعيد جدا و حمله على ما إذا لم يكن بعض الأطراف مبتلى به أبعد

نعم لا بد من تقييد هذه الأخبار بما إذا لم يكن المأخوذ معلوم الحرمة تفصيلا كما أن الأصحاب أيضا أخرجوا هذه الصورة و يدل عليه موثقة إسحاق بن عمار قال سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم فقال يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه و يدل عليه أيضا رواية علي بن أبي حمزة في قضية صديق له من كتاب بني أمية حيث قال له الصادق عليه السلام فمن عرفت منهم رددت عليه ماله فإنه يدل على أن جوائز بني أمية لا يجوز التصرف فيها فتأمل

و على هذا فإذا علم بكون هذا المأخوذ من غير الخراج و المقاسمة تفصيلا فيحرم التصرف فيه و أما لو لم يعلم ذلك فنتيجة هذه الأخبار تقييد المحرم بالمعلوم التفصيلي و لا مانع عنه لأن المعلوم بالإجمال إنما يكون كالمعلوم بالتفصيل في التنجز إذا لم يقيد الواقع بقيد يختص بمورد المعلوم التفصيلي

ثم إنه هل يلحق بجوائز السلطان و عماله جوائز مطلق من لا يتورع عن المحارم كالسارق و آكل الربا و نحوهما أم لا وجهان مقتضى إطلاق جملة من الروايات عدم الفرق بينهما

فعن أبي بصير قال سألت أحدهما ع عن شراء الخيانة و السرقة قال لا إلا أن يكون قد اختلط معه غيره و في صحيحة الحلبي لو أن رجلا ورث من أبيه مالا و قد عرف أن في ذلك المال ربا و لكن اختلط في التجارة بغيره حلالا كان حلالا طيبا فليأكله و إن عرف منه شيئا معزولا أنه ربا فليأخذ رأس ماله و ليرد الربا

و في صحيحته الأخرى و إن كان مختلطا فكله هنيئا فإن المال مالك و في ذيل مكاتبة الحميري إلى الحجة أرواحنا له الفداء إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فاقبل بره

و بهذا المضامين وردت أخبار كثيرة و لا شبهة أن ظاهر هذه الأخبار أن العلم الإجمالي غير مؤثر في التنجيز و إنما هو المؤثر خصوص العلم التفصيلي و لا إشكال أيضا أن منشأ

ص: 22

الحلية هو نفس الاشتباه لا لكونها مستندا إلى اليد و حمل تصرف ذي اليد على الصحيح و لا من جهة خروج بعض أطراف المعلوم بالإجمال عن محل الابتلاء من باب أن المتصرف لا يأذن في تصرف جميع أمواله فلا يكون جميع أمواله محلا للابتلاء بناء على كون المنع موجبا لخروجه عن محل الابتلاء و ذلك لأن الأخبار الواردة في الإرث ممن يأكل الربا ظاهرة في أن مجموع الأطراف محل الابتلاء و أن منشأ الجواز ليس تصرف ذي اليد بل الإرث من ذي اليد فلا معنى لحمله على الصحيح

و بالجملة ظاهر هذه الأخبار أيضا كالأخبار الواردة في جواز أخذ عطاء السلطان و عماله و الشراء منهما و لكن الذي ينبغي للفقيه التأمل فيه هو أن هذه الأخبار مضافا إلى معارضتهما بعدة أخبار أخر غير معمول بها فلا توجب تخصيصا لقواعد العلم الإجمالي بخلاف الأخبار الواردة في جوائز السلطان و عماله فإنها معمول بها

و كيف كان بناء على التعميم فالمسألة من واد واحد

و الصور المتصورة في هذه الأموال المأخوذة ممن لا يبالي بالحرام أربع
اشارة

ذكرها شيخنا الأنصاري قدس سره في مكاسبه بما لا مزيد عليه و نحن نذكرها إجمالا

الأولى ما إذا لم يعلم أن في جملة أموال هذا الظالم مال محرم يصلح لكون المأخوذ من ذلك المال و هذا لا إشكال في جواز أخذه و سائر أنحاء التصرفات فيه من المعاملة و نحوها لأن مجرد كون الشخص ظالما لا يوجب حرمة المعاملة معه و أخذ جوائزه

الثانية ما إذا علم أن في أمواله محرما و هذه على قسمين لأنه قد يكون جميع أمواله محللا لابتلاء الأخذ كما إذا أذن له في التصرف في جميع أمواله و قد لا يكون كذلك و على أي حال يجوز التصرف فيما أخذ منه و لا يراعى قاعدة المعلوم الإجمالي إما مطلقا أو فيما إذا كان المأخوذ منه سلطانا أو عاملا

الثالثة هذه الصورة مع علم الآخذ بأن هذا المأخوذ مما لا يجوز التصرف فيه بغير إذن مالكه على كل أحد تفصيلا كما إذا علم بأنه ليس من الخراج و المقاسمة أو علم بأنه مال الغير شخصا أو سرق

الرابعة هذه الصورة مع علمه إجمالا بأن في المأخوذ مال محرم

أما الصورة الثالثة
اشارة

فلا إشكال في حرمته إنما البحث في أحكام الفروع المتصورة فيها فمنها أنه قد يكون الأخذ مع العلم بالحرمة ابتداء أو قد يكون مع الجهل بها ففي الأول تارة يكون مجبورا على الأخذ و أخرى يكون مختارا أما إذا كان مجبورا فإذا أخذه بقصد الرد إلى المالك مع التمكن فلا إشكال في عدم ضمانه لأنه حيث إنه مضطر إلى أخذه فأخذه من حيث الحدوث كالعدم و من حيث البقاء لا يقتضي الضمان مع قصد الرد إلى المالك بل يمكن يقال لو قصد التملك بعد الأخذ ثم ندم يرجع عدم الضمان نظير ما إذا قصد الودعي التملك في الوديعة ثم تاب أو فرط فيها بأن أخرجها من الحرز ثم أعادها إليه و لكن المسألة محل خلاف بين الأعلام و الأقوى هو الضمان إلا إذا حصل من المالك إذن جديد لأنه بعد أن استولى على مال الغير بغير إذنه فرافع ضمانه إما الأداء أو ما يلحق به كالإذن الجديد من المالك في التصرف و مجرد التوبة و الندم ليس رافعا له

و كيف كان لو كان مجبورا في الأخذ و لكنه أخذه لا بنية الرد فالأقوى كونه ضامنا لأنه و إن كان مضطرا في الأخذ إلا أن دفع الاضطرار يتحقق بمجرد الأخذ إلا أن يقال لا دليل على وجوب التفصي عن الإكراه و الاضطرار بالقصد و عدمه نعم لو أخذ بنية التملك فيكون ضامنا و أما لو لم يقصد التملك و لا الرد إلى المالك فلا موجب لضمانه لأن إطلاق على اليد ممنوع في مثل هذا الأخذ

و ما أفاده شيخنا الأنصاري قدس سره و تبعه السيد

ص: 23

الطّباطبائي في حاشيته على المكاسب من أنّ أخذه بغير هذه النيّة تصرف لم يعلم رضا صاحبه به لا يفيد لإثبات الضمان لأن هذا التصرف بلحاظ كونه عن تقية و كره كالعدم

و أما في الثاني فحيث إنه قصد بالتملك من جهة جهله بكونه مال الغير فالأقوى فيه الضمان و إن قصد بعد علمه بأنه مال الغير و رده إلى مالكه لأن مجرد النية لا يرفع الضمان بل يتوقف دفع الضمان على الأداء أو ما بحكمه من إذن المالك في التصرف

و يظهر من المسالك في المقام عدم الضمان قال لأنه مع الجهل يده يد أمانة فبعد علمه به لو لم يقصد التملك لا موجب للضمان و يظهر منه التردد في الضمان أيضا حيث قال لو استودعه الغاصب مالا مغصوبا فلو أخذه منه قهرا ففي الضمان نظر و لكنه لا يخفى ما في كلاميه أما في الأول فلأن بمجرد الجهل لا يرتفع الضمان سيما على القول بأن مجرد وصول مال الغير بيد غيره بلا إذن منه و لا إذن من الشارع موجب للضمان كما هو كذلك على المشهور بل هو مختاره أيضا في غير المقام

نعم لو استشكل في أصل المبنى و قيل إن عموم على اليد يختص بما إذا كان الأخذ عن قهر و استيلاء على المالك لا مجرد الوصول و لو مع الجهل فله وجه إلا أن الظاهر أن الفتوى على خلافه و سيجي ء في قاعدة اليد إن شاء اللّٰه ما يمكن أن يكون مدركا للمشهور في استفادة الأعم من القهر و غيره

و على أي حال فهو قدس سره في مسألة ترتب الأيدي على مال الغير يحكم بضمان كل من وضع يده عليه و لو مع الجهل بأنه مال الغير و مع تغرير غيره به غاية الأمر في مسألة الغرور يقول بأن المغرور يرجع إلى من غره إلا أن يقال كل مورد وقع التصرف في مال الغير جهلا فنفس وضع اليد على ماله لا يوجب الضمان إلا إذا دخل تحت عنوان آخر كالإتلاف أو قاعدة ما يضمن و نحوهما فإنه لو أتلف مال الغير يكون ضامنا غاية الأمر يستقر الضمان على الغار

و هكذا لو اشترى من الغاصب العين المغصوبة فإن الجاهل و إن أوقع العقد الموجب للضمان مع الغاصب إلا أن التضمين في الحقيقة يقع بين المالكين بتنزيل الغاصب مالكا فعلى هذا لو أعاره الغاصب أو أودعه فتلف عنده بتلف سماوي فلا موجب للضمان لأن نفس الأخذ من دون استيلاء و قهر من الآخذ على المالك لا يوجب الضمان و قاعدة ما يضمن غير جارية لإقدام الآخذ على المجانية فما ذكرنا من فتوى المشهور بالضمان في مورد الجهل إنما المسلم منها ما إذا دخل المورد في إحدى موجبات الضمان غير جهة اليد و المسألة محتاجة إلى المراجعة و أما في الثاني فلأن يد المقهور إذا كانت يد ضمان فلا موجب لرفع الضمان بمجرد قهر الغاصب لأن ارتفاعه لا يتحقق إلا بالأداء أو ما بحكمه فللمغصوب منه الرجوع إلى كل منهما غاية الأمر قرار الضمان على الغاصب القاهر

و منها أنه يجب على المجاز رد الجائزة إلى مالكها فورا و هل يتحقق الرد بمجرد التخلية بينها و بين المالك أو يجب إقباضها في المنقول وجهان و الأقوى كفاية التخلية فإن الأداء الواجب في الأمانات و مطلق مال الغير بمقتضى الآية الشريفة و قوله ص على اليد ما أخذت حتى تؤدي ليس إلا عبارة عن إدخاله تحت استيلاء صاحبه بل هذا هو الذي يعتبر فيما يجب قبضه و فيما يترتب الأثر على القبض كانتقال ضمان المبيع من البائع إلى المشتري بل لو قلنا بعدم انتقال الضمان في الأخير إلا بوصول المبيع إلى يد المشتري إلا أنه لا إشكال في أن الإقباض و الرد الذي يجب شرعا على الودعي و نحوه هو التخلية لأن الوجوب يتعلق بما هو مقدور من المكلف و ما هو مقدور من الغاصب و نحوه هو رفع

ص: 24

موانع استيلاء صاحب المال على ماله لا وصوله إلى يده و سيجي ء إن شاء اللّٰه في حكم القبض مزيد توضيح لذلك

و منها أنه لو جهل صاحبه وجب الفحص مع الإمكان لتوقف أداء الواجب عليه و يدل عليه عدة من الأخبار كصحيح معاوية المروي في الفقيه عن أبي عبد اللّٰه ع في رجل كان له على رجل حق ففقده و لا يدري أين يطلبه و لا يدري أ حي هو أم ميت و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و ولدا قال ع اطلب قال إن ذلك قد طال فأتصدق به قال ع اطلب و كالأخبار الواردة في الأمر بطلب الأجير الذي بقي أجرة عمله عند المستأجر إذا فقد

ثم إنه يتفرع ذلك على فروع
الأول لو توقف الفحص على أجرة

فهل هي على من وجب عليه الفحص أو على مالكه بأن يباع مقدار من المال و يصرف فيها أو يستقرض على المالك أو يراعى الأصلح منهما أو من بيت المال وجوه و الأقوى عدم وجوبه عليه لمنع إطلاق الواجب على حد يجب عليه صرف مال فيه هذا مع أن قاعدة لا ضرر حاكم على الوجوب بناء على ثبوته

الثاني هل يجب الفحص سنة أو لا يتقيد بمقدار

فيه وجهان قد يقال بأن حكم مجهول المالك كلية حكم اللقطة و يستفاد هذه المعنى من رواية حفص بن غياث قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم هل يرده عليه قال لا يرده فإن أمكنه أن يرد على صاحبه فعل و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة بعينها يعرفها حولا فإن أصاب صاحبها ردها عليه و إلا تصدق بها فإن جاء بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم فإن اختار الأجر فله و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له

و لكن الأقوى عدم الإلحاق أما أولا فلأن غاية الأمر التعدي من اللص إلى كل غاصب لا إلى كل مورد حتى المال المجهول كأجرة الأجير المفقود و نحوه و أما ثانيا فلأن التعدي عن مورد اللص إلى غيره أيضا لا موجب له أصلا هذا مع أن في باب اللقطة و في مسألة اللص و إن كان ظاهر الأخبار هو التعبد في وجوب التعريف سنة إلا أن الظاهر أنه ليس حكما تعبديا حتى في مورد اليأس عن المالك و لذا حمل صاحب الوسائل الخبر الدال على كفاية الفحص ثلاثة أيام على مورد اليأس

و كيف كان يمكن أن يدعى عدم وجوب الفحص رأسا إلا بمقدار تحقق هذا العنوان و هو كونه مجهول المالك و عليه يحمل قوله ع اطلب في صحيح معاوية و في باب الأجير و على هذا بنينا في الأصول في الشبهات الموضوعية و قلنا إن عدم وجوب الفحص فيها إجماعا ليس على إطلاقه حتى فيما إذا توقف رفعها على النظر و نحوه ففي المقام إذا توقف معرفة مالك المال على السؤال عن جماعة و التفحص عن عدة فيجب لعدم صدق عنوان مجهول المالك على مثل هذا المال و أما لو توقف على أزيد من ذلك كأجرة المنادي فلا دليل عليه هذا مضافا إلى ما يدل على أن مجرد تحقق هذا العنوان يوجب التصدق به أو دفعه إلى الإمام بلا تقييد بالفحص عن مالكه و ما دل على الطلب قد عرفت أنه يمكن أن يكون بيانا لتحقق عنوان مجهول المالك بل لعل الإمام عليه السلام كان مطلعا على خصوصية في المورد و هي أن قصد ذي اليد كان التصرف في مال الغير فقال ع له اطلب و بالجملة مقتضى الإطلاقات عدم وجوب الفحص زائدا على تحقق عنوان الموضوع فتدبر

الثالث في بيان مصرف هذا المال بعد اليأس عن صاحبه

فقيل بأنه يمسكه حتى يتبين صاحبه و يوصي به عند وفاته و قيل بأنه مال الإمام عليه السلام فهو بمنزلة مال من لا وارث له و قيل بأنه يتصدق به و قيل بالفرق بين الأمانات المالكية من العارية و الوديعة و نحوهما و بين غيرها من المجهول المالك ففي الأمانات يجب حفظها و لا يجوز دفعها إلى

ص: 25

الحاكم أو الإمام و قال المفيد في باب الوديعة إن لم يعرف صاحبها أخرج منها الخمس و صرف البقيّة على فقراء المؤمنين

و يدل على الأوّل ما ورد عن أبي إبراهيم ع في أجرة الأجير المفقود قال ع اطلب و اجهد فإن قدرت عليه و إلّا فكسبيل مالك حتّى يجي ء له طالب فإن حدث بك حدث فأوص به و ما ورد عن أبي عبد اللّٰه ع حيث قال ع توصي بها فإن جاء طالبها و إلّا فهي كسبيل مالك

و يدلّ على الثّاني رواية داود بن أبي يزيد عن أبي عبد اللّٰه ع حيث قال له رجل إنّي قد أصبت مالا فكيف أتخلّص عنه قال ع و اللّٰه ما له صاحب غيري ثم إنّه ع استحلفه أن يدفعه إلى من يأمره فحلف قال فاذهب و قسّمه بين إخوانك و لك الأمن ممّا خفته

و يدلّ على الثّالث الأمر بالتصدق بما يجتمع عند الصّباغ من أجزاء النقدين و ما ورد من التصدق بغلّة الواقف المجهول أربابه و ما ورد من التصدّق بما حازه عامل بين أميّة و ما ورد من التصدق بأجرة الأجير المفقود و نحو ذلك كمصحّحة يونس الواردة فيمن بقي عنده بعض متاع رفيقه و لا يعرف صاحبه فقال ع بعه و أعط ثمنه أصحابك قلت جعلت فداك أهل الولاية قال نعم و ما ورد في اللّقطة و ما ورد فيما أودعه رجل من اللّصوص دراهم و لم نظفر من الأخبار ما يكون دليلا لغير هذه الأقوال

و لكن الأقوى بمقتضى الجمع بين الأخبار بل الاحتياط هو تسليمه إلى الحاكم الشّرعي في عصر الغيبة ليتصدق به أو الإذن منه في التصدّق عن مالكه لأنّ صريح رواية داود كون المال المجهول المالك مطلقا مال الإمام و الأدلّة الواردة في التصدق لا تدلّ على أنّه ع في مقام بيان الحكم الكلّي أو في مقام الإذن في التصدّق من حيث إنّه ماله عليه السّلام بل لا يبعد الأخير كما يدلّ عليه رواية داود فإنّه عليه السّلام بعد أن حلف بأنّه ماله أمره بالتقسيم

و يشهد لهذا الأخبار الواردة في الأجير فإنّ في جملة منها فرض السّائل عدم وجود وارث له فقال ع تصدق و أوص أو هو كسبيل مالك فإنّ مع فرض كون الإمام ع وارث من لا وارث له قال ع تدفع إلى المساكين و لا ينافيه قوله ع اطلب لإمكان أن يكون المراد منه اطلب مالكه الّذي هو له في هذا الحال و هو نفسه ع و لا يبين له للتقيّة و لا قوله ع أوص به أو كسبيل مالك لأنّ له عليه السّلام أن يأذن له في التصرّف أو في الإيصاء به هذا بالنّسبة إلى العين و أمّا بالنّسبة إلى الدّين فالأمر أظهر و الاحتياط فيه أقوى لأن الكلي لا يتشخّص إلّا بقبض الحاكم الّذي هو ولي الغريم

و كيف كان فمقتضى الاحتياط بناء على حرمة الصدقة على الهاشمي و إن لم تكن من زكاة الأموال و الأبدان هو أن يصرفه الحاكم أو من بيده بإذن الحاكم فيما ينطبق على كونه مال الإمام ع و كونه صدقة كإعطائه إلى العالم الغير الهاشمي هذا و لكن الظاهر أنّ الفقهاء لا يفتون برواية داود بن أبي يزيد و لا يلتزمون بأن مجهول المالك مطلقا مال الإمام ع بل هنا عناوين ثلاثة الأوّل المجهول المالك و الثاني اللّقطة و الثالث ميراث من لا وارث له

و في القسم الثّالث يعتبر فيه أن يكون صاحب المال ميّتا لا وارث له غاية الأمر يقع الكلام في أنّه لو شكّ في وجود الوارث فهل يكفي استصحاب عدم وجود من يرثه بالعدم المحمولي لكون الحكم مرتبا على نفس عدم الوارث أو لا يكفي ذلك بل لا بدّ من إحرازه كما عليه صاحب الجواهر قدّس سره و كيف كان لم يعلم من الأصحاب الفتوى بمضمون هذه الرّواية فالأقوى بناء عليه هو التصدق بمقتضى الأخبار الكثيرة و بناء عليه مصرفه الفقراء و الأحوط أن لا يكون هاشميّا

الرابع في حكم الضّمان لو ظهر المالك

و الكلام تارة بناء على كونه مال الإمام و أخرى بناء على عدمه ثم على الثّاني تارة

ص: 26

يقع البحث بناء على كون يد من كان المال عنده يد أماني و أخرى بناء على كونه يد ضمان

أما على الأول فالظاهر أنه لا ينبغي التأمل في أن مجرد عدم العلم بمالكه لا ينقلب الواقع عما هو عليه بل كونه للإمام حكم ظاهري فإذا وجد مالكه فهو له بل لو قلنا بالانقلاب كما هو الظاهر في أخبار إرث من لا وارث له إلا أنه كذلك ما لم يوجد مالكه فإذا وجد الوارث فينقلب الأمر و يخرج عن موضوع من لا وارث له

و على هذا فلو كان المال موجودا عند الحاكم الذي هو نائب الإمام ع يجب رده إلى مالكه بلا إشكال إنما الكلام في أنه لو تصدق به الحاكم فتارة العين باقية عند الفقير و أخرى غير باقية و على أي حال لا يمكن الحكم بالضمان لا على الحاكم و لا على الفقير أما على الحاكم فلرواية أصبغ الواردة في أن الحاكم لا يضمن فيما أخطأ في دم أو قطع و الرواية و إن كانت مخصوصة بباب القطع و الدم و لا يشمل المال إلا أن الظاهر اتحاد المناط

نعم في باب الدم و القطع قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين و أما في باب المال فلم يدل دليل على أنه على بيت المال فمع كون الحاكم غير مقصر في التصدق لا وجه لكونه ضامنا و أما على الفقير فادعى شيخنا الأنصاري قدس سره أنه لم يقل أحد برجوع المالك إلى الفقير مع بقاء العين

ثم على هذا لا فرق بين أن يتصدى الحاكم بنفسه للتصدق أو يوكل غيره و يشهد لهذا رواية داود فإن ظاهرها أنه لا ضمان على المباشر أيضا فإن قوله ع و لك الأمن مما خفته ظاهر في أنه لا شي ء عليه بعد تقسيمه

و أما على الثاني بأن لا يكون مجهول المالك مال الإمام و كان اليد يد أماني فالأقوى أيضا أنه لو كان المال باقيا عنده أو عند الحاكم يجب رده إلى المالك و أما لو كان تالفا أو كان باقيا عند الفقير فلا ضمان على أحد سواء تصدق به بنفسه أو أعطاه إلى الحاكم و هو تصدق به و لا يمكن قياسه بباب اللقطة و لا بما أودعه اللص و لا يمكن إدراجه في قاعدة من أتلف

أما عدم إمكان قياسه بباب اللقطة فلأن فيها لم يرد الأمر بالتصدق المطلق بل الملتقط مختار في التملك أو الحفظ أو التصدق مع التعهد بالضمان و أما باب اللص فلما عرفت من عدم التعدي منه إلى مطلق مجهول المالك مع أنه لم يرد فيه الأمر بالتصدق المطلق

و أما في المقام فقد ورد الأمر به مطلقا من دون تعرض لتعهد الضمان كما في رواية داود و رواية علي بن أبي حمزة الواردة في صديق له كما تقدم الإشارة إليهما فعلى هذا لا يمكن إدراجه في قاعدة من أتلف لأن مجرد الإذن في الإتلاف و إن لم يقض المجانية لإمكان كونه إذنا به مع التعهد بالضمان إلا أنه لو كان في مقام البيان و سكت عن الضمان فيستكشف منه المجانية كما لو أذن صاحب الطعام لغيره في الأكل من دون تقييده بالضمان فإن الظاهر منه هو الإباحة مجانا إلا أن يكون قرينة على الضمان كالمطابخ المعدة لبيع الأطعمة و حيث إن في المقام ورد الأمر من الشارع بالإتلاف مع ظهوره في عدم الضمان فلا وجه للضمان

و بالجملة نفس هذه الأدلة حاكمة على قاعدة من أتلف مع أنه لو شك فيه و لم يستظهر من الأخبار المجانية مع عدم عموم في قاعدة من أتلف يشمل المقام أي مقام الإحسان إلى المالك لا الإتلاف عليه فمقتضى القاعدة البراءة من الضمان و لا وجه لما عن شيخنا الأنصاري قدس سره من عدم القول بالفصل بين هذه الصورة و الصورة التي يستصحب الضمان فيها لكون اليد مسبوقة به و لا للتمسك بمرسلة السرائر

أما عدم القول بالفصل ففيه أولا يمكن العكس بأن يقال عدم اقتضاء الضمان في هذه الصورة

ص: 27

يقتضي عدمه لو كانت اليد يد ضمان و ثانيا أن عدم القول بالفصل إنما يتم في الأحكام الواقعية لا في مجاري الأصول فاقتضاء الاستصحاب الضمان في مورد لا يقتضي ثبوته فيما لا يجري فيه الاستصحاب و أما مرسلة السرائر فالظاهر أنها رواية حفص الواردة فيمن أودعه رجل من اللصوص دراهم

و قد تقدم منه قدس سره أنه لا وجه للتعدي منها إلى غير مورد السرقة ثم إن في هذه الصورة لا فرق بين أن يتصدق هو بنفسه أو يدفعه إلى الحاكم فيتصدق به لأنه على أي حال لا ضمان سواء كان الحاكم متصرفا بعنوان الولاية بناء على وجوب الدفع إليه أو كان من جهة الوكالة من باب أنه أعرف بموارد الصدقة بناء على أن من كان المال عنده هو المكلف بالصدقة كما هو المشهور في الوديعة و العارية و نحوهما حيث قالوا بأن وجوب رد الأمانة إلى أهلها يقتضي تعلقه بمن وقع المال عنده و لو لم يجده فيحفظه له أو يتصدق به و كيف كان لا موجب للضمان في هذه الصورة أصلا

و أما على الثالث و هو ما لو كان اليد مسبوقة بالضمان كما إذا تملك من الغاصب بعنوان الجائزة ثم علم بأنه مغصوب بناء على عدم الفرق في ضمان اليد بين العلم و الجمال أو تملك منه مع علمه بأنه مال الغير ثم ندم و تاب كما في مثل كاتب بني أمية فالحق أيضا عدم الضمان لو تصدق به لأن الرد و الأداء المعتبر في باب الأمانات و اليد يتحقق بالرد إلى الفقير أو الحاكم بناء على كونه وليا لأن الأدلة الدالة على وجوب التصدق المطلق مع سكوتها عن الضمان حاكمة على قوله حتى تؤدي فتجعل الأداء أعمّ من الأداء إلى المالك أو من هو بمنزلته كالحاكم أو الفقير

ثم بناء عليه لا فرق بين أن يتصدق هو بنفسه أو يدفع إلى الحاكم فيتصدق به كما أنه بناء على الضمان لو قلنا بأن ولاية هذا المال للحاكم فلو دفعه إليه يخرج عن الضمان لأن الدفع إلى الولي بمنزلة الدفع إلى المولى عليه فلا هو ضامن و لا الحاكم نعم لو قلنا بالضمان و قلنا بعدم الولاية للحاكم لكن يجوز الدفع إليه لأعرفيته بموارد الصدقة فلو تصدق الحاكم فالضمان على من كان المال في يده لأن الحاكم بمنزلة الوكيل له و إتلاف الوكيل لا يوجب ضمانا عليه بل على الموكل

ثم بناء على ما اخترناه من عدم الضمان مطلقا فلا موقع للبحث عن الفروع الثلاثة التي فرعها شيخنا الأنصاري قدس سره على الضمان أولها هل يثبت الضمان بمجرد التصدق و إجازة المالك رافعة له أو يثبت بالرد من حينه أو من حين التصدق و ثانيها أنه لو مات المالك فهل لورثته الإجازة و الرد أو لا و ثالثها أنه لو مات المتصدق و رد المالك فهل يتعلق المال بذمة الدافع و يخرج من تركته أو لا فإنه لا محل لهذه الفروع لما عرفت من أنه لا يقاس المقام بباب اللقطة و وديعة اللص

نعم بناء على الضمان في المقام مطلقا أو على التفصيل أو جعل موضوع البحث باب اللقطة و ما يلحق بها فللنزاع في هذه الفروع مجال و الأقوى في الأول منها هو الضمان بمجرد التصدق إذا كان يده يد أماني لأن به يتحقق الإتلاف غاية الأمر أن إجازته بمنزلة الإبراء

و أما إذا كان يده يد ضمان فالأمر أوضح لأنه كان ضامنا قبل التصدق و التصدق موجب لفعلية تأثير الضمان بناء على أن الضمان في القيميات بيوم التلف و أما بناء على كونه بيوم الغصب فالمدار على قيمة ذلك اليوم

و بالجملة مع فرض الضمان قبل التصدق فالتصدق أو الرد لا يتحقق به الضمان كما أنه ليس موجبا لضمان مستقل و أما في باب اللقطة فلا إشكال في ضمان الملتقط سواء قصد تملكه بعد تعريفه حولا أو تصدق به و اختلفوا في وقت الضمان فبعضهم جعل في مورد قصد التملك

ص: 28

الضّمان بنفس هذا القصد و بعضهم بظهور المالك و بعضهم بمطالبته ثم إنّهم اختلفوا في مورد بقاء العين في أنّ للمالك مطالبتها أو ليس له إلّا المثل أو القيمة

و أما الضّمان في مورد الصّدقة فالاحتمالات الثلاثة في المقام جارية فيه أي الضّمان بمجرّد التصدّق أو بردّ المالك نقلا أو كشفا و لكن الأقوى فيما إذا كان التصدّق مستلزما للضّمان أن يكون الضّمان حاصلا به لا بردّ المالك كشفا أو نقلا و فيما إذا كان نيّة التملّك مستلزما له أن يكون هو العلّة له و لا ينافي ذلك كون المالك مستحقّا لمطالبة نفس العين لأنّ الناوي يملكها ما دام

و الأقوى في الفرع الثّاني أن يكون الوارث قائما مقام مورثه سواء قلنا بتحقّق الضّمان بالتصدّق أو بردّ المالك كشفا أو نقلا أمّا على الأوّل فواضح لأنّ كون الإتلاف موجبا للضّمان يقتضي أن يشتغل ذمّة المتلف بالمثل أو القيمة للمتلف عليه سواء قلنا بانتقال التّالف في ملك المتلف أما ما لو قلنا بأنّ الضّمان غرامة شرعيّة وجبت عليه و لو مع بقاء التّالف في ملك صاحبه و أمّا على الثّاني فلأن تحقّقه بالرّد معناه أنّ للمالك حقّ التّضمين كما اختار هذا المعنى صاحب الجواهر في ضمان اللّقط بالتصدّق فقال قدّس سره أمّا الضّمان بالصّدقة به فلا يبعد كون المراد به استحقاقا عليه بمجي ء المالك و عدم إرادته الأجر إلى آخره و ذلك لأنّ الحقوق المالكيّة ممّا يرثه الوارث

و احتمال أن يكون الضّمان حكما شرعيّا لا حقّا مالكيّا فلا يرثه الوارث احتمال لا يعتنى به لأنه لا شبهة في قابليته للإسقاط و جعل العوض له و الأقوى في الثّالث إخراج الغرامة من تركته لأنّه متعلّق بذمّته سواء باشر التصدّق بنفسه أو بوكيله نعم بناء على أنّ له التصدّق و الدّفع إلى الحاكم لكونه وليّا فلو دفعه إلى الحاكم يبرأ ذمّته و لتوضيح هذه الفروع محلّ آخر و الغرض الإشارة إلى الوجوه المحتملة و مداركها و عليك بالمراجعة إلى محالها هذا كله حكم الصّورة الثالثة

و أمّا الصورة الرّابعة

و هي ما علم إجمالا باشتمال ما دخل تحت يده على الحرام فإمّا أن يكون الاشتباه موجبا لحصول الإشاعة و الاشتراك أو لا يكون كذلك و على الأوّل فالقدر المأخوذ و المالك إمّا معلومان أو مجهولان أو مختلفان فلو كان القدر و المالك معلومين فيجب دفع حصّته إليه سواء كان الإشاعة حاصلة من أوّل الأمر كما إذا كان ثوب أو دار مشتركا بين اثنين و دفع الغاصب أو غيره مجموع المال إليه أو طرأ الإشاعة كما إذا امتزج مائع بمائع بفعل الدافع أو بفعل المدفوع إليه أو اختلط حنطة مع مثلها اتّفاقا أو بفعل أحدهما فالحكم في جميع الصّور دفع حصّة المالك إليه غاية الأمر قد يحصل النّقص بسبب المزج أو الخلط و قد لا يحصل فإذا حصل النّقص و كان المزج بفعل شخص فالضّمان عليه إلّا أن لا يكون يده يد ضمان

ثم المزج قد يلحق بالتّلف كمزج ماء الورد بالنّفط و قد يتبدّل صورة الممتزجين إلى صورة ثالثة و قد يبقى الممزوجان على حالهما و تفصيل الأقسام مع حكم كلّ واحد منها سيجي ء إن شاء اللّٰه تعالى في خيار الغبن و لو لم يعلم المالك و لا المقدار فالمعروف إخراج الخمس و لا إشكال فيه بمقتضى الأخبار إنّما الكلام في أنّه هل يؤخذ بإطلاق الأخبار و يطهر المال بالخمس سواء علم بزيادة المحرّم على الخمس أو نقيصته منه فيجب إخراج الخمس و لو علم بنقص الحرام عنه و لا يجب دفع الزّائد عن الخمس و لو علم بزيادة الحرام منه أو يختصّ بما إذا كان القدر مجهولا و الأقوى هو الأخير لانصراف الأخبار إليه لاختصاصها به

و توضيح ما يتعلّق به من الأحكام من كون مصرفه هو مصرف الخمس المعهود أو لا و أن الحكم ظاهريّ أو واقعيّ بحيث إنّه

ص: 29

لو ظهر المالك لا يجب دفع القيمة إليه في محلّه و أمّا إذا كان القدر معلوما و المالك مجهولا فقد تقدّم في الصورة الثالثة حكمه و أمّا إذا كان المالك معلوما و المقدار مجهولا فيجب التخلّص عنه بالمصالحة أو يحكم بالتّنصيف بينهما قهرا

و يدلّ عليه صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة عن أبي عبد اللّٰه ع في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما الدّرهمان لي و قال الآخر هما بيني و بينك قال فقال أبو عبد اللّٰه ع أما الذي قال هما بيني و بينك فقد أقرّ بأن أحد الدّرهمين ليس له فيه شي ء و أنّه لصاحبه و يقسّم الدّرهم الثّاني بينهما نصفين فإنّ من هذا الخبر يستفاد أن كلّ مال كان مشاعا بين شريكين و لم يعلم مقدار حقهما فالحكم التّنصيف و مورده و إن كان مورد التّنازع إلّا أنّ المناط مطّرد في مقامنا أيضا

و على أيّ حال فالمصالحة لو أمكنت فهي مقتضى الاحتياط بلا إشكال و أمّا على الثّاني و هو ما لو كان المال مفروزا و اشتبه الحرام بالحلال فيتعيّن بالقرعة أو يباع المجموع و يشتركان في الثمن و يستفاد الوجه الثاني من خبر إسحاق بن عمّار عن الصادق ع في الرّجل يبضعه الرّجل ثلاثين درهما في ثوب و آخر عشرين درهما في ثوب فبعث الثّوبين فلم يعرف هذا ثوبه و لا هذا ثوبه قال ع يباع الثوبان فيعطى صاحب الثّلاثين ثلاثة أخماس الثمن و للآخر خمسا الثّمن

ثم لو كان المالك معلوما فيعطى ما تعيّن بالقرعة أو قيمة ما بيع بنسبة ماله و لو كان مجهولا فحكمه ما تقدم هذا بناء على عدم شمول أخبار الخمس للمقام و إلّا فلو قيل بأنّ مجرّد الاشتباه و لو لم يكن بالخلط و الامتزاج يوجب إخراج خمسه إذا كان مالكه مجهولا فالحكم هو التّخميس في المقام على التّفصيل المتقدم و تمام الكلام موكول إلى باب الخمس الأمر

الرابع قد استفاضت النّصوص بأنّ ما يأخذه السّلطان باسم الخراج و المقاسمة
اشارة

و ما يأخذه باسم الزّكاة و ما يأخذه باسم جزية الرّءوس الموضوعة على الذّميّ يجوز شراؤه بل مطلق التقلب فيه من قبول اتّهابه و نحو ذلك و يظهر ذلك بالمراجعة إلى الأخبار الواردة في هذا الباب فإنّ النصوص في كلّ واحد من هذه العناوين الأربعة و إن لم تكن مستفيضة إلّا أنّها مستفيضة في المجموع بل فوق حدّ الاستفاضة و ادعى جماعة من الأعيان الإجماع في المسألة و المناقشة في دلالة الأخبار من الشّيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي قدّس سرّهما ليست إلّا كسراب بقيعة و مباحثاته مع المحقّق الثاني معروفة و رسالته في ردّ قاطعة اللّجاج في حلّ الخراج مصداق لما يقال قد أرعد و أبرق و ترنّم و لم يأت بشي ء

و كيف كان فالاعتماد في الفتوى بذلك على الأخبار فإن من ظاهر الأسئلة و الأجوبة يستكشف أنّ الحكم كان مفروغا عنه و أمّا الإجماع فالمناقشة فيه واضحة و قاعدة الضّرر و الحرج إنّما تفيدان لرفع الأحكام الثّابتة لا لاستفادة ملاك الجعل منهما فليس للفقيه وضع حكم أو رفعه إذا استلزم من عدمهما الضرر أو الحرج النّوعي فالتمسّك بهما في المقام ممّا لا أساس له

و بالجملة أصل الجواز في الجملة لا إشكال فيه إنّما الكلام في تنقيح موضوعه و أن حكم السّلطان حكم الإمام العادل بحيث يحرم عدم دفع ما يضعه على الأراضي و الرّءوس و أنّه هل يختصّ بالسّلطان الّذي يدعي الخلافة أو يعمّ غيره و غير ذلك ممّا يتفرّع عليه و توضيح ذلك على سبيل الإجمال في ضمن مسائل

الأولى قال في المسالك المقاسمة حصّة السّلطان من حاصل الأرض

يؤخذ عوضا عن زراعتها و الخراج مقدار من المال يضرب على الأرض أو الشّجر

و قال المحقّق الأردبيلي قدّس سره في رسالته الخراجيّة الخراج على ما فهم من كلامهم أنّه كالأجرة المضروبة على الأرض الّتي فتحت عنوة و كانت عامرة حين الفتح و في معناه

ص: 30

المقاسمة سواء كانت عين حاصل الأرض كالثلث أو من النقد بل غيره أيضا و قيل إنه مختص بالقسم الثاني و المقاسمة بالأوّل و قد يفرق بالمضروب على الأرض و المواشي

و قال في المستند المراد بالمقاسمة الحصّة المعيّنة من حاصل الأرض يؤخذ عوضا عن زراعتها و بالخراج المال المضروب عليها أو على البحر حينما يراه الحاكم و في المجمع و قيل يقع اسم الخراج على الضّريبة و الفي ء و الجزية و الغلّة و منه خراج العراقين إلى آخره و الظّاهر أنّ الخراج هو الأعمّ ممّا يؤخذ من حاصل الأرض و ممّا يؤخذ ضريبة المعروف في إيران بالماليات و في العراق بالميري و كيف كان مورد السؤال في الأخبار يشمل كلّ ما يؤخذ من الأرض جنسا أو نقدا

الثّانية أن الأراضي الّتي هي موضوع البحث هي الأراضي المأخوذة من الكفّار بالصّلح

بأن تكون الأرض للمسلمين و لهم السّكنى و الأراضي المفتوحة عنوة و المسلّم منها هي أراضي العراق و أمّا أرض مكة المعظمة فالأقوال فيها مختلفة و إن كان الظّاهر أنّها فتحت عنوة لصراحة جملة من التواريخ عليه مع دلالة عدّة من الأخبار على ذلك أيضا و أمّا بلاد إيران فالرّي و نهاوند فتحت عنوة و أما باقي الأمصار فالتّواريخ مختلفة فيها سيّما أصفهان و خراسان و آذربايجان و أمّا بلاد الشام و نواحيه فكذلك

و كيف كان فما هو متعلق للخراج هو الأرض المعمورة حال الفتح و أمّا الموات منها محكومة بحكم ما لم يوجب عليه بخيل و لا ركاب مخصوصة بالإمام عليه السّلام و على هذا فيشكل إثبات الموضوع فعلا لاحتمال أن يكون ما هو معمور فعلا مواتا حال الفتح و مقتضى ذلك عدم ترتيب آثار المفتوحة عنوة على الأملاك الفعليّة في العراق بل يحكم بملكيّة من بيده لظاهر اليد و عدم أصل محرز لحال اليد و أمّا في عصرنا هذا فموضوع البحث ساقط كما لا يخفى

الثّالثة ظاهر جماعة من الأصحاب وجوب دفع حصّة السّلطان إليه

و حرمة منعه عنها و تناولها بغير إذنه و بعضهم خصّ حرمة المنع بالخراج و المقاسمة دون الزكاة و الجزية و لكن الأقوى عدم وجوب الدّفع إليه مع التمكّن ففي ذيل صحيحة العيص و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم إلّا أن يقال يستفاد من ظواهر الأخبار أنّ حكم تصرّف الجائر في الأراضي الخراجيّة حكم تصرّف الإمام العادل و صحيحة عيص و ما يقرب منها كصحيحة هشام أنّ هؤلاء المصدّقين يأتونا فيأخذون منا الصّدقة فنعطيهم إياها يجزي عنّا فقال لا إنّما هؤلاء قوم عصوكم أو قال ظلموكم أموالكم و إنّما الصّدقة لأهلها مخصوصة بالصدقات و لم يدل دليل على منع الخراج

و لكن الأقوى أنّهم عليهم السلام أباحوها لمواليهم و شيعتهم كما في الأخبار الواردة في الخمس و لم يجعلوا السّلطان واليا منصوبا من قبلهم حتّى يحرم مع المذكورات عنه بل لا إشكال أنّه ظالم و غاصب حقّ الإمام ع و حق من كان منصوبا من قبله نصبا خاصّا أو عامّا

فما عن ظاهر المسالك و المحقّق الثّاني و كاشف الغطاء قدس أسرارهم من حرمة سرقة الحصّة و خيانتها و الامتناع من تسليم ثمنها إلى الجائر لا بدّ من حمله على حرمة المنع مطلقا بحيث لا يصرفه في مصالح المسلمين أصلا و لا يدفعه إلى الوالي عليهم شرعا لا أنّه يجب دفعه إلى السّلطان مع تمكّنه من دفعه إلى الحاكم الشّرعي من دون ضرر و حرج

و بالجملة يستفاد من مجموع الأخبار الواردة في المقام و الأخبار الواردة في حلّ جوائز السّلطان و الأخبار الواردة في تحليل الأنفال للشّيعة و حرمة إعانة الظّلمة بأيّ وجه كان أمور لا ينبغي التأمّل فيها

الأوّل أنّ سلاطين الجور ليسوا منصوبين من الأئمّة عليهم السّلام و ليسوا مستحقّين للولاية بحيث يجوز

ص: 31

التولّي من قبلهم و يحرم منع ما يصنعونه على الأراضي و المواشي

الثّاني خروج من أخذ منه الزكاة و الخراج عن عهدة ما يجب عليه إذا لم يتمكّن من دفعه إلى مستحقّه و صرفه في مصالح المسلمين ففي صدر صحيحة العيص ما أخذ منكم بنو أميّة فاحتسبوا به و في خبر أبي كهمش عن الصّادق ع من أخذ منه السّلطان الخراج فلا زكاة عليه

الثالث عدم اختصاص جواز الأخذ بمن كان مستحقّا له أو كان مصرفا له فإنّ بعض الأخبار و إن كان ظاهره الاختصاص كقوله ع ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطاك أ ما علم أنّ لك في بيت المال نصيبا

إلّا أنّ ظاهر جملة من الأخبار هو الإطلاق ففي صحيحة الحذاء عن الباقر ع سألته عن الرّجل منّا يشتري من إبل الصّدقة و غنمها و هو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم قال فقال ما الإبل و الغنم إلّا مثل الحنطة و الشّعير و غير ذلك لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه فيجتنب قيل له فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منّا صدقات أغنامنا فنقول بعناها فيبيعناها فما تقول في شرائها منه فقال إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس قيل له فما ترى في الحنطة و الشّعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا و يأخذ حظّه فيعزله بكيل فما ترى في شراء ذلك الطعام منه فقال إن كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل

و في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى عن أبيه قال سئل أبو عبد اللّٰه ع عن شراء الخيانة و السّرقة قال إذا عرفت ذلك فلا تشتره إلّا من العمّال و في صحيحة إسماعيل بن فضل أيضا ما يدلّ على ذلك فراجع و تدبّر

الرابعة لا فرق في الجواز بين ما أخذه السّلطان و وضعه في بيت المال و ما لم يأخذه

فيصحّ الأخذ ممّن في ذمّته الخراج بأمر السّلطان و الحوالة عليه و يدلّ على كليهما الأخبار الواردة في باب قبالة الأرض و تقبل الخرج أو استيجار أرض الخراج من السّلطان ثم إجارتها للزارع بأزيد من ذلك فعن العيص بن المختار قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع جعلت فداك ما تقول في الأرض أتقبلها من السّلطان ثم أؤاجرها أكرتي على أنّ ما أخرج اللّٰه تعالى عزّ و جلّ منها من شي ء كان لي من ذلك النّصف أو الثلث بعد حقّ السّلطان قال لا بأس به كذلك أعامل أكرتي

و عن إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّٰه ع قال سألته عن رجل يتقبّل خراج الرجال و جزية رءوسهم و خراج النّخل و الشّجر و الآجام و المصايد و السّمك و الطّير و هو لا يدري لعلّ هذا لا يكون أبدا أو يكون أ يشتريه و في أيّ زمان يشتريه و يتقبّل منه فقال إذا علمت أنّ من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره و تقبّل منه

فما عن السّيد عميد الدّين على ما نقل عنه المقدّس الأردبيلي قدّس سره من أنّه يحلّ بعد قبض السّلطان و نائبه لا وجه له لأنّه لو جوّز خصوص ما أخذه السّلطان فيرده كلتا الطّائفتين و لو التزم بصحّة تقبّل الأرض الخراجيّة من السّلطان فيرده كلتا الطّائفتين و لو التزم بصحّة تقبّل الأرض الخراجيّة من السّلطان و لكن مع من تقبّل نفس الخراج فيرده الطّائفة الثّانية فإن قوله يتقبّل خراج الرّجال إلى آخره صريح في جواز المعاملة بنفس المال قبل أخذ السّلطان و عامله

و كيف كان إطلاق كلمات بعض الأصحاب في الصّحة في نفس المأخوذ ليس ناظرا إلى الاختصاص فالأقوى عدم الفرق

الخامسة هل المراد من السّلطان الوارد في هذه الرّوايات هو السّلطان الّذي يرى نفسه خليفة

أو يشمل كلّ سلطان مسلم أو يشمل مطلق السلاطين و لو لم يكونوا مسلمين يظهر من جماعة الاختصاص و يظهر من جملة منهم

ص: 32

التّعميم و لا يخفى ما في استدلال الطّرفين فالقائل بالاختصاص مثل صاحب المسالك وجهه بأنّه يباح الأخذ منه نظرا إلى معتقده

و فيه أنّه إذا كان منشأ الجواز اعتقاد السّلطان باستحقاقه فلا يكفي معتقد موحده بل يشترط أن يكون دافع الخراج أيضا يعتقد استحقاق السّلطان فلو كان مؤمنا أو كافرا فلا يجوز أخذ خراجه من السّلطان و على هذا فمرجع توجيهه إلى أنّ المورد من صغريات قاعدة ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم و الحال أنّ هذا خلاف منصرف الأخبار و صريح كلمات الأخبار

و القائل بالتّعميم مثل صاحب الجواهر و شيخنا الأنصاري قدّس سرهما تمسّكا بمثل قاعدتي الحرج و الضّرر و إطلاق الأخبار و زاد الأوّل بأنّ وجه الإذن منهم ع هو توسّل الشّيعة إلى حقوقهم الثابتة في بيت مال المسلمين كما أشعر به الحسنة السّابقة و غرضه من الحسنة قوله ع أ ما علم أنّ لك في بيت المال نصيبا و لا يخفى ما فيه

أمّا أوّلا فلأنّ القاعدتين حاكمتان على الأحكام الثّابتة و لا يمكن إثبات الحكم بهما كما أشرنا إليه و ظهر في محلّه

و أمّا ثانيا فلأنّه لو كان المدار في الجواز على استحقاق الأخذ لكونه مصرفا لما أعدّ لمصالح المسلمين فيجب الاقتصار على مثله و موضوع البحث جواز الأخذ مجّانا أو بالمعاملة لمطلق الشّيعة

و أمّا ثالثا فلأنّه لو كان المدار على الحراج و الاستحقاق فلا وجه لإخراج من لا يكون له سلطنة عامّة مستقلّة كالسّلطان الّذي تحت سطوة سلطان آخر و من خرج على السّلطان و تسلّط على قرية أو بلدة فالأولى التمسّك بإطلاق الأخبار و كون المناط في الحليّة هو إذن من له الأمر ع لمطلق شيعتهم نعم لو ادّعي انصراف الأخبار إلى الجائر الّذي يرى نفسه مستحقا فله وجه فمقتضى الاحتياط عدم جواز الأخذ ممّن لا يرى نفسه مستحقّا للخلافة أو كان سلطنته باستظهار غير المسلم

و بالجملة لا يمكن الجزم بالتّعميم و إن كانت الأخبار مطلقة فتدبّر

السّادسة قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ موضوع البحث هو ما كان فيئا للمسلمين و يصرف في مصالحهم بضميمة الزّكوات و جزية الرّءوس فإنّ الزكاة و إن كان لها مصرف خاصّ و لا تدخل في مصالح المسلمين إلّا بعض مصارفها إلّا أنّ مقتضى النّصوص دخولها في الخراج و المقاسمة حكما و هذا لا إشكال فيه إنّما الكلام في أنّه هل للخراج حدّ معيّن بحيث لو زاد أو نقص منه لا يدخل تحت العنوان أو لا حدّ له الأقوى كونه موقوفا على تراضي السّلطان و المأخوذ منه

قال أبو الحسن ع و الأرض الّتي أخذت عنوة بخيل و ركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمّرها و يحييها على صلح ما يصالحهم عليه الوالي على قدر طاقتهم من الخراج النّصف و الثّلث و الثلثان و على قدر ما يكون لهم صالحا و لا يضرّ بهم و على هذا فإذا زاد الجائر ظلما حرم تناوله كما أنّه لو خفف لا لمصلحة راجعة إلى المسلمين بل تشهّيا و صداقة مع المتقبّل و نحو ذلك يجب ردّ مقدار النّقص إلى الحاكم الشّرعي

و بالجملة في ء المسلمين يجب أن يرجع إليهم إلّا أنّ الشارع حكم بأن تصرّف الجائر فيه كتصرف الإمام العادل و مقتضى ذلك اختصاص الإذن بما يتصرف به الإمام العادل فالزّائد و الناقص غير نافذ منه و كيف كان فاختصاص الموضوع بالخراج و المقاسمة دون الزّكاة و الجزية كما عن بعض لا وجه له

و على أي حال قد عرفت أنّ البحث عنه في هذه الأزمنة قليل الجدوى و إنّما تعرضنا تبعا لما هو المعمول بين الفقهاء فلنرجع إلى تحرير ما أفاده مدّ ظلّه في كتاب البيع و لمّا كان عنوان بحثه كتاب المكاسب لعلم التّقى و خاتم الفقهاء الحاج الشّيخ مرتضى الأنصاري التّستري أعلى اللّٰه مقامه

ص: 33

فلنحرّر ما أفاده مد ظلّه بطريق الحاشية على الكتاب

كتاب البيع

اشارة

قال قدس سره كتاب البيع

و قبل الخوض في مسائله ينبغي التّنبيه على أمر ربما يكون له دخل في بعض مقاصد الكتاب و هو أنّ الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم قسموا مسائل الفقه إلى أقسام أربعة عبادات و عقود و إيقاعات و أحكام و قد يعبّر عنها بعبادات و عادات و معاملات و سياسات

و العبادات تطلق على معان ثلاثة أوّلها ما يعتبر فيه قصد التقرّب و هي العبادات بالمعنى الأخص و ثانيها ما يمكن فيه قصد التقرّب و هي العبادات بالمعنى الأعم و ثالثها الوظيفة الّتي شرعت على أشخاص خاصّة و يندرج في هذا القسم باب الجهاد و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر و باب الولايات و القضاء و الشهادات و المعنى الثّالث متوسط بين المعنيين الأوّلين فإنّه أعمّ من الأوّل و أخصّ من الثّاني و وجه إدراج المحقّق باب الجهاد و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر في العبادات بلحاظ هذا المعنى أو المجرد مناسبة ما كما أدرج أحكام المياه في هذا القسم أيضا

و أمّا المعاملات فلها أيضا معان ثلاثة أوّلها ما لا يعتبر فيه قصد التقرب و هذا المعنى عام يشمل ما يتوقّف على الإنشاء و ما لا يتوقّف و ثانيها خصوص باب العقود أي ما يكون قوامه بإنشاء طرفين و ثالثها المتوسط بين الأوّلين أي ما يحصل بالإنشاء سواء كان بين الطّرفين كالعقود أو لا كالإيقاعات ثم إنّه قد يشكّ في كون شي ء عقدا أو إيقاعا و سيجي ء تفصيل ذلك إن شاء اللّٰه في محلّه

و كيف كان فالقسم الثّاني من مسائل الفقه هو الّذي يتوقّف على إنشاء الطّرفين و يسمّى بالعقد و العقود على أقسام ثلاثة عقود إذنيّة و عهدية و هي على قسمين تعليقيّة و تنجيزيّة أمّا الإذنيّة فهي عقود باصطلاح الفقهاء لا بالمعنى اللّغوي و العرفي لأنّ معنى العقد لغة و عرفا هو العهد المؤكّد و ما يكون فيه إلزام و التزام و أمّا العقود الإذنيّة فتسمّى عقودا لأنّها ترتبط بشخصين لا أنّ فيها عهدا و عقدا فقوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا يشمل هذه العقود لخروجها عنه تخصّصا

و بالجملة ما كان قوامه بالإذن و مجرّد رضاء ولي الأمر و مالكه لا يكون فيه عهد و التزام و هذه كالوديعة و العارية بناء على أن يكون مفادها الإباحة المجانية و أمّا بناء على كونها مقيدة للتّمليك المجّاني فتدخل في العهديّة و كالوكالة على أحد القسمين فيها فإنّها بنوعها و إن كانت تفيد إباحة التصرّف للوكيل إلّا أنّ قسما منها عهدي و هو الّذي يتوقّف على الإيجاب و القبول مع شرائط خاصّة مذكورة في محلّه و من أحكام هذا القسم أنّه لو تصرّف الوكيل بشرائط التصرّف و لم يعلم بعزل الموكل لا يبطل تصرّفه و قسما منها إذني و هو عبارة عن مجرّد الإذن في التصرّف بل مطلق الرّضا به و من أحكامه أنه يبطل تصرف الوكيل بمجرّد رجوع الموكل عن إذنه و لو لم يطّلع عليه الوكيل ثم إنّه قد يكون العقد مركبا من عهدي و إذني باعتبار مدلوله المطابقي و الالتزاميّ كالإجارة فإنّها تدخل من جهة تمليك المنفعة بالعوض في العهديّة و من جهة تصرف المستأجر في العين في باب الأمانات المالكيّة التي ترجع جميع العقود الإذنيّة إليها

و أمّا التّعليقية فهي الّتي يكون المنشأ فيها معلّقا على شي ء كالسّبق و الرّماية و الجعالة بناء على كونها عقدا و متوقفا على القبول و لو كان فعلا نعم بناء على كونه إيقاعا

ص: 34

يخرج عن هذا الباب و كيف كان إذا كان المنشأ معلّقا بإن و أخواتها فيكون من العهديّة التعليقيّة

و أمّا العهديّة التنجيزيّة فهي عبارة عن البيع و الإجارة و نحوهما ممّا كان المنشأ منجّزا و متحقّقا بإنشاء الطّرفين سواء كان تمليكا للعين أو المنفعة و سواء كان بعوض أو بلا عوض فتمليك العين بالعوض بيع و بلا عوض هبة و تمليك المنفعة بالعوض إجارة و بلا عوض عارية بناء على كونها مفيدة للتّمليك لا بناء على ما هو الحقّ من أنّها مفيدة للإباحة

ثم إنّ الصّلح أيضا عنوان مستقلّ و يكون المنشأ به هو التّسالم على أمر نعم قد يكون نتيجة التّسالم هو تمليك العين بعوض أو بلا عوض أو تمليك المنفعة بعوض أو بلا عوض لا أن يكون تابعا لأحد هذه العناوين الأربعة بأن يكون إمّا بيعا أو هبة أو إجارة أو عارية كما عليه الجمهور و تبعهم من الخاصّة جماعة و ذلك لأنّ المناط في الاستقلاليّة أو التبعيّة هو لحاظ المنشأ بالعقد بالمدلول المطابقي لا الالتزامي

فكون نتيجة الصّلح أحد هذا الأمور لا يوجب إرجاعه إليها بل لا شبهة أن مدلوله المطابقي إنشاء التّسالم على أمر فقد يكون هذا الذي تسالما عليه أحد هذه الأمور و قد يكون إسقاطا لحق غير قابل للبيع كما في بعض الحقوق و قد يكون إسقاطا لحقّ الدّعوى الّذي قد لا يكون المدعى به ثابتا في الواقع

و حيث إنّ المنشأ به هو التّسالم فيجب أن يتعدى بعلى لا بالباء فلو قال صالحتك هذا بهذا فإمّا يكون بيعا فاسدا بناء على بطلان إنشاء عناوين العقود بالألفاظ المجازيّة و إمّا يكون بيعا صحيحا بناء على صحة إنشائها بغير ألفاظها و على أيّ حال لا يكون صلحا لأنّ المنشأ به هو التباني على أمر و التسالم عليه فيجب أن يقال صالحتك على هذا بهذا أو تصالحنا على هذا و بهذا نعم في صلح الدّين و نحوه يصحّ تعديته بعن فيقال صالحتك عما علم بما علم لكونه بمعنى التّجاوز بل في صلح حق الدعوى تعديته بعن أولى

ثم إن مما ذكر في معنى الهبة علم أنّه لا يصحّ أن يقال وهبتك هذا بهذا حتّى في الهبة المعوضة لأنّ التمليك بالعوض إمّا بيع أو إجارة فقوله في تمليك الأعيان وهبتك هذا بهذا و في تمليك المنافع أيضا كذلك إمّا بيع فاسد و إجارة فاسد لو لم نقل بكفاية كل لفظ لإنشاء عنوانهما به أو صحيحتان لو قلنا بها لأنّ في حقيقة الهبة اعتبرت المجانيّة فإنّها عبارة عن تمليك مال منجّزا من غير عوض

و العوض في الهبة المعوّضة ليس في مقابل المال الموهوب سواء اشترط التعويض أو لم يشترطه و لكن المتّهب عوّض عنها فإنّ في الأوّل أيضا ليس العوض مقابلا للمال الموهوب بل إنّما اشترط في التّمليك المجّاني أن يملّكه شيئا مجانا

[معنى البيع]

اشارة

قوله قدس سره البيع و هو في الأصل كما عن المصباح مبادلة مال بمال

لا يخفى أنّ تعريفات القوم كلّها تقريبية لا سيما في البسائط فإنّها ليست مركبة من جنس و فصل و التّعريف الحقيقي بحيث يكون جامعا و مانعا على فرض إمكانه إنّما يصحّ في المركبات

و على أيّ حال هذا التعريف و تعريفه بأنّه تمليك العين بالعوض لا يرجع إلى معنى واحد فإنّ ظاهر التّعريف الأوّل أنّ المعاملة تقع بين المملوكين و التعريف الثّاني أنّ المقابلة تقع بين السّلطنتين و لا إشكال أنّ في مقام الخارج و ما هو المتعارف بين النّاس و من أعظم ما يتوقف عليه عيش بني آدم و هو تبديل الأموال لا تبديل الملكيّة الّتي هي عبارة عن السّلطنة على المال فإنّ النّاس مسلّطون على أموالهم و ليس لهم السّلطنة على سلطنتهم و سيجي ء في محلّه أن جواز الإعراض عن الملك و نفوذه و

ص: 35

ليس من جهة شمول الناس مسلطون على أموالهم له فإن الإعراض إذهاب موضوع السلطنة و ليس مندرجا في عموم السلطنة

و بالجملة قد أشرنا في أول المكاسب المحرمة أن باب المعاوضات مقابل لباب الإرث فإن في الإرث يتبدل المالكان دون المملوكين و باب المعاوضات بعكس ذلك فيتبدل بها المملوكان

و حاصله أن في عالم الاعتبار كل من صاحب الطعام و صاحب الدراهم واجد لإضافة و أحد طرفي الإضافة قائم بالمالك و طرفها الآخر بالمملوك و التبديل عبارة عن حل الإضافة القائمة بالطعام و جعلها قائمة بالدراهم و هذا الحل من آثار واجدية الإضافة لا أن الإضافة بتمامها تتبدل بإضافة أخرى فإن الإضافة عبارة عن السلطنة على المال و إذا كان التبديل واقعا بين السلطنتين فيتوقف صحته على أن يكون ذو السلطنة له السلطنة على السلطنة و هكذا و على هذا فالحق أن البيع هو مبادلة مال بمال أو تبديل مال بمال و ليس عبارة عن تمليك العين بعوض إلا أن يكون المقصود من هذه العبارة التعريف باللازم فإن لازم تبديل العين تحقق الملكية للمشتري

و حاصل الكلام أن الملكية عبارة من إضافة حاصلة بين المالك و المملوك و هي عبارة أخرى عن الجدة غاية الأمر أن الجدة الحقيقية و الواجدية الواقعية هي مخصوصة بمن له ملك السماوات و الأرض فإنه هو الذي يقدر على الإيجاد و الإعدام فهو الواجد الحقيقي و التعبير عن هذه الجدة بالإضافة الإشراقية يرجع إلى هذا المعنى

و كيف كان لا شبهة أن من أعلى مراتب الجدة هذه الواجدية و نظيره في المخلوقات واجدية النفس للصور العلمية فإنها توجد بنفس إنشاء النفس لها و تنعدم في هذا الصقع بنفس إعدامها فإحاطتنا بمنشئات أنفسنا نظير ملكية اللّٰه سبحانه و قدرته و علمه

و أما الملكية الاصطلاحية التي هي من إحدى المقولات فهي أضعف رتبة و أنزل درجة من الجدة الحقيقية و أما الجدة الاعتبارية فهي أضعف من المرتبتين السابقتين و لكن لها نحو تحقق في عالم الاعتبار و تكون منشأ للآثار و بها يتبدل الأموال و أما هي بنفسها فليست قابلة للتبديل ابتداء لأنه ليس للمالك ملكية على الملكية من غير فرق بين باب البيع و غيره حتى في مثل الهبة المجانية فإن الواهب لا يملك المتهب ابتداء بل يعطيه المال فإذا أعطاه إياه ينخلع عنه الإضافة و يلبسها الآخر فهو يصير واجدا

و لا مانع عن تعريف البيع بأنه تمليك عين بعوض و عن الهبة بأنها تمليك مجاني إذا كان المقصود منه تبديل المال أو إعطاءه فإن مقصودنا أن ما هو الواقع خارجا و الثابت في عالم الاعتبار هو أن صاحب المال له إضافة و جدة كان المالك في شرق العالم و المملوك في غربه أو كان تحت يده و بلحاظ مالكيته لهذه الإضافة مسلط على تبديل ماله و هكذا لو كان ذا حق أيضا فله إسقاط حقه أو تبديله بأمر آخر من جهة سلطنته عليه لا تبديل نفس السلطنة

فعلى هذا بين تعريف المصباح بأن البيع مبادلة مال بمال و سائر التعاريف تفاوت معنوي و لكن جميع هذه التعاريف ليس مطردا و منعكسا سيما تعريف المصباح فإن شأن اللغويين هو التسامح في بيان حقيقة معنى الشي ء فالإشكال عليه بأن البيع تبديل لا مبادلة و أن المبادلة تصدق في غير البيع أيضا إنما يتوجه لو كان بصدد بيان حد الشي ء و بعد ما عرفت من أن هذه التعاريف تقريبية فلا يرد عليها إشكال نعم من كان بصدد بيان حقيقة البيع فينبغي تعريفه بما يكون جامعا و مانعا و لا يهمنا ذكر تعاريف القوم

ص: 36

و ما يرد عليها و لعله سيجي ء إجماله بعد ذلك

إنّما المهم بيان أمور ينبغي التّنبيه عليها
الأوّل أنّ مقتضى ما ذكرنا في حقيقة المعاوضة أنّ البيع و نحوه من مقولة المعنى

لا بمعنى أنّه من الكلام النّفسي الّذي توهّمه بعض المحشين تبعا لأستاده المحقّق بل بمعنى أن المنشأ باللّفظ هو البيع لا قول بعت و لا المجموع المركّب من بعت و اشتريت الّذي يسمّى عقدا

و بعبارة أخرى البيع هو تبديل العين بالمال أو تمليكها به غاية الأمر تحقّق هذا المعنى خارجا موقوف على قبول المشتري و إن شئت قلت البيع هو التّمليك المتعقّب بالقبول و لكن الظّاهر أنّ عنوان التعقّب ليس جزءا من مدلول البيع بل البيع هو نفس التّمليك بالعوض في ظرف حصول القبول فكون البيع هذا المعنى لا ينافي مع تبادر البيع المؤثّر و هو المتعقّب بالقبول من قوله باع فلان داره فإنّ الظّاهر من هذا الكلام وقوع عقد البيع و لا شبهة أنّ عقد البيع مركّب من الإيجاب و القبول و لكن الّذي هو من فعل البائع هو الإيجاب لا المركب فإنّ القبول من فعل المشتري

و بالجملة البيع هو فعل البائع لا المركّب من فعله و فعل المشتري و فعله لا ينفكّ عن تحقّق اسم المصدر منه و إن لم يترتّب عليه الأثر خارجا فهو مثل الكسر الّذي لا ينفكّ عنه الانكسار و إن كان من جهة ترتّب الأثر مثل الإيجاب الّذي لا يكون منشأ للآثار إلّا إذا صدر ممّن له الأهليّة له و الذي يدلّ على أنّ البيع من فعل البائع أنّه لو وقع شرطا في ضمن العقد أو نذره فمرجعه إلى إقدامه على البيع و جعل المبيع معرضا له لا إيجاد ما هو منشأ للآثار و إلّا يكون شرطا و نذرا غير مقدور ففرق بين أن يكون المجموع من الفعلين أو الفعل المتعقب بالقبول بيعا و أن يكون البيع هو فعل البائع في ظرف حصول القبول من المشتري

و بالجملة البيع أمر بسيط قائم بفعل شخصين بحيث لو لم يتحقّق القبول لا يحصل هذا المعنى و لكن لا يدخل ما هو من فعل المشتري في فعل البائع لا بوجوده الخارجي و لا بعنوانه الانتزاعي بل فعل البائع إيجاب له و فعل المشتري قبول له فحيث إنّه قائم بشخصين لا يمكن أن يقال البيع يحصل بإيجاب البائع سواء حصل القبول أم لا

و على أيّ حال إطلاق البيع على العقد المركّب من الإيجاب و القبول مبنيّ على عناية و رعاية علاقة غير خالية من الاعتساف فإن علاقة السّببيّة و المسبّبيّة حاصلة بين العقد و ما يحصل من الإيجاب و القبول و من الإيجاب المتعقّب بالقبول و إلّا ليس العقد سببا لما يحصل من فعل البائع فإنّ التّمليك منه يحصل بنفس إنشائه و إن لم يكن منشأ للأثر إلّا إذا تعقّبه القبول

ثم إنّ جملة من الأعلام على ما في الجواهر و المتن عرفوا البيع بالأثر الحاصل من الإيجاب و القبول فقالوا بأنّه انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدّر على وجه التراضي فعلى هذا يستفاد من مجموع الكلمات إطلاق البيع على معان ثلاثة

الأوّل ما هو الحاصل من فعل البائع و عبّروا عن هذا المعنى بتعبيرات مختلفة فمنهم من عرفه بأنّه مبادلة مال بمال و منهم بأنّه نقل عين بعوض و منهم بأنه تمليك عين بعوض و منهم من عرفه بأنّه نقل العين بالصّيغة المخصوصة إلى غير ذلك ممّا يرجع إلى هذا المعنى

الثاني هو الحاصل من فعل الموجب و القابل كما في تعريف المبسوط و من تبعه فعرفوه بأنّه انتقال عين من شخص إلى غيره بعوض

الثّالث هو العقد المشتمل على الإيجاب و القبول كما في الوسيلة و المختلف و هذا الإطلاق هو المتعارف عن الفقهاء في أبواب العقود فقولهم كتاب البيع و نحوه المقصود منه هو العقد

الأمر الثاني قد اشتهر بين الفقهاء

ص: 37

أنّ باب ألفاظ العقود و ما ينشأ بها باب الأسباب و المسبّبات فيريدون أنّ مثل بعت و اشتريت سبب لحصول النّقل و الانتقال

ثم إنّ من الشّهيدين قدس سرّهما يظهر أنّ عقد البيع و غيره حقيقة في الصّحيح و مجاز في الفاسد فعلى هذا يتولّد هنا إشكالان الأول أنّ كون العقد حقيقة في الصّحيح معناه أنّ الشّارع وضعه للصّحيح مع أنّ المعاملات بأجمعها إمضائيّة الثاني عدم صحّة التمسّك الإطلاق عند الشكّ في الصّحة و الفساد كما لا يصحّ التمسّك به في العبادات نعم لو قلنا كما قيل بأن الإمضاء الشّرعي ورد على الأسباب فلا إشكال و أما بناء على ورود الإمضاء على المسببات كما هو الظاهر من قوله عزّ من قائل وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فالتمسّك به مشكل لأنه لا ملازمة بين إمضاء المسبّب و إمضاء السبب فلو شكّ في صحّة العقد الفارسي فكيف يمكن القول بصحّته من جهة إطلاق قوله أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ

و قد أجيب عن الأوّل بأن معنى وضعه لصحيح أنّ الشّارع أمضى المعاملات العرفية و العرف يسمّى ما هو المؤثر لأثر كذا بيعا لا غيره فيصير البيع شرعا هو البيع عرفا أي المؤثر للنّقل غاية الأمر قد يقع اختلاف بين الشّرع و العرف في المصداق كالبيع الربوي مثلا فإنّ الشّارع يخطئ العرف في تخيّلهم بأنّه أيضا مؤثر في النّقل و

بتعبير آخر قد يسقط الشارع فردا عن الفرديّة حيث إنّه ممن ينفذ اعتباره و الأمر الاعتباري إسقاطه التّشريعي هو إسقاطه التّكويني و بتعبير المصنف قد يكون الاختلاف بين النّظرين فإن ما هو بنظر العرف بيع ليس بنظر الشّارع بيعا لا أنّ معنى البيع عند العرف و الشّرع يختلف

و بالجملة البيع عند الشرع و العرف واحد مفهوما و إن اختلف بينهما في بعض المصاديق فعلى هذا يصحّ دعوى كون العقد موضوعا للصّحيح مع كونه إمضائيا و أجيب عن الثّاني بأن ألفاظ المعاملات و إن كانت موضوعة للصّحيح إلّا أنّ إطلاقها لو كان مسوقا في مقام البيان ينزل على أن المؤثر عند الشارع هو المؤثر عند العرف لأنّ الخطابات لمّا وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع و شبهه في الخطابات الشّرعيّة على ما هو الصّحيح المؤثّر عند العرف

و لا يخفى ما في هذا الجواب لأنّه بعد ما عرفت بأنّ الخطابات الشرعيّة واردة في مقام إمضاء المسبّبات و فرضنا أنّه لم يدلّ دليل على صحّة العقد الفارسي و لا صحة الفصل بين الإيجاب و القبول فعند العرف هذا العقد صحيحا لا أثر له و لا اتّحاد بين المسبّب و السّبب لا حقيقة و لا عرفا حتى يقال إمضاء المسبّب إمضاء للسبب كما لا يخفى

فتنزيل ما هو المؤثر عند الشّارع على ما هو المؤثّر عند العرف لو كان إطلاق الخطابات الشرعيّة مسوقا في مقام البيان إنّما يصحّ لو كان الشكّ راجعا إلى المفهوم العرفي الّذي أمضاه الشارع لا ما إذا كان الشكّ راجعا إلى المصداق فإنّ نظر العرف في تطبيق المفاهيم على المصاديق غير متّبع فلو فرضنا أنّ العرف يرى مفهوم البيع هو المؤثّر في النّقل فتطبيقهم هذا المعنى على العقد الفارسي لا عبرة به إلّا إذا رجع إلى توسعة في المفهوم

و بالجملة إذا فرضنا أنّ البيع موضوع لما هو المؤثر في النّقل حقيقة و أنّ الشّارع أمضى هذا المعنى فتخيّل العرف بأنّ العقد الفارسي مؤثر في النّقل لا أثر له

و لا يقال إنّ الشّارع إذا أمضى الأثر الحاصل ممّا هو المؤثر واقعا فلا محالة لا ينفكّ عن إمضاء المؤثر و لو في الجملة و المفروض أنّ العرف يرون جميع هذه العقود مؤثرا فلو لم يكن هذه مؤثرا عند الشّارع لوجب عليه التّنبيه فقوله عزّ من قائل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ مع

ص: 38

بناء العرف على أنّ العقد الفارسي بيع و عدمه تخطئة الشارع لهم يقتضي أن يكون هذا سببا أيضا عند الشّارع لأنا نقول مقتضى كون البيع موضوعا للصّحيح أن يكون كلّ ما هو سبب له معنونا بعنوان ما يترتّب عليه المسبّب بحيث لو تعلّق الوضع أو التكليف به لكان تحصيله لازما

و بعبارة أخرى لو لا حكم العقل بأنّ في مورد الشكّ في المحصّل يجب الاحتياط لكان مقتضى جعل المسبّب و عدم التّنبيه على سبب خاصّ هو أنّ كل ما يعدّه العرف سببا كان سببا عند الشّارع و أمّا بعد معلوميّة أسباب متيقّنة عند العرف و الخارج ففي مورد الشكّ يجب الاحتياط و التمسّك بالإطلاق يتمّ لو كان الشكّ في أمر زائد على المسمّى

و بالجملة غير خفي على النّاقد أنّه لو كان باب العقود و ما ينشأ بها من باب الأسباب و المسببات لكان الأدلّة الواردة في إمضاء المسبّبات غير كافية لرفع الشك في تحقّقها من الأسباب المشكوكة سببيّتها و اتّحاد السبب و المسبّب ليس بحد يكون أحدهما عين الآخر و لا ملازمة بين إمضاء المسبّب و إمضاء مشكوك السببيّة و لا أثر لعدّ العرف مشكوك السببية سببا

و حاصل الكلام أنّ التمسّك بالإطلاق يصحّ في مقامين الأوّل ما إذا كان مصداق داخلا تحت الطبيعي يقينا و شكّ في اعتبار قيد زائد فيه كالشكّ في اعتبار الإيمان في الرقبة مع العلم بانطباق المفهوم على الكافرة و أمّا إذا لم يكن شي ء تحت هذا العنوان فعد العرف من باب المسامحة شيئا من أفراد هذه الطّبيعة لا يفيد في صحّة التمسك بالإطلاق فإذا كان موضوع الحكم ثمانية فراسخ فمسامحة العرف و عد ثمانية إلّا ربع الفرسخ ثمانية فراسخ لا أثر لها و الثّاني ما إذا كان ثبوت الحكم لعنوان ملازما لثبوته لأمر آخر كما إذا قلنا بأن قوله عزّ من قائل كلوا ممّا أمسكن في مقام بيان حلّ أكل ما اصطاده الكلب المعلّم فعلا فلازمه طهارة موضع عضّه و لا يبعد أن يكون نظر المصنف قدس سره و من تبعه في التمسّك بمطلقات أبواب المسبّبات لصحّة ما شكّ في كونه سببا راجعا إلى الوجه الثّاني بل هو المتعيّن فإنّ قوله قدس سره فلأنّ الخطابات الشّرعية لما وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع على ما هو الصّحيح المؤثر عند العرف ظاهر في أن إمضاء المسبّب إمضاء للسبب لا أنّ المصداق المسامحي العرفي مندرج تحت الإطلاق

و على أي حال فلو كان مبنى التمسّك بالإطلاق هو الوجه الأوّل فهو مما لا كبرى له لأن تطبيق العرف لا أثر له إلّا إذا رجع إلى المفهوم و لو كان هو الثاني فالصّغرى ممنوعة لأنّه لا ملازمة بينهما مع التّباين بينهما خارجا نعم إمضاء السّبب إمضاء للمسبّب و لكن العكس لا يبتني على أساس إلّا إذا عدّا واحدا خارجا فتأمل جيدا

فالصّواب في الجواب هو أنّ المنشئات بالعقود ليست من باب المسبّبات بل هي أفعال من الموجب و القابل و ذلك لأنّ المسبّب إمّا يكون أمرا مترتبا على فعل إعدادي من شخص بحيث لا يكون بين هذا الفعل و الأثر المترتّب عليه فعل فاعل مختار و إن كان بين الفعل و هذا الأثر وسائط كثيرة كالوقوع في البئر المترتب على حفر الحافر في الطّريق العام فإنّ وقوع الأعمى فيه مستند إلى الحافر و إن لم يوجد إلّا فعلا إعداديّا

و إمّا يكون فعلا توليديا من إيجاد الفاعل الجزء الأخير من العلّة التّامّة كالإحراق المترتب على الإلقاء في النّار و الملكيّة المترتّبة على الحيازة و لا خفاء في أنّ المنشأ بالعقد لا يكون من كلا القسمين بل هو من قبيل الإيلام الحاصل بالضّرب و عنوان ثانوي لفعل الفاعل و الفاعل ابتداء يوجد هذا العنوان و يتعلّق إرادته به أوّلا لكونه تحت قدرته بلا واسطة

ص: 39

فإن المتكلّم ابتداء يوجد المعنى و اللّفظ ليس بمنزلة السّبب و المعنى بمنزلة المسبّب بل حال المنشأ بالعقد حال الكتابة الّتي هي ابتداء فعل الكاتب و حال النّجارة الّتي هي فعل النّجار و كما أن خلق الصّور الذهنيّة فعل من النّفس كذلك كتابتها و تكلّمها و تجارتها و نجارتها أفعال منها غاية الفرق أنّ خلق الصور لا يحتاج إلى آلة و التكلّم يحتاج إلى تحريك اللسان و الكتابة إلى القلم و النّجارة إلى القدوم فإذا كان تلفّظه بهذه الألفاظ فعلا له فالأثر الحاصل منها فعل له أيضا بلا واسطة لأنّ في جميع المصادر اسم المصدر الحاصل منه لا يباينه إلّا اعتبارا فهو هو وجودا و إن اختلفا اعتبارا فأثر الفعل لو انتسب إلى الفاعل يسمّى تأثيرا و مصدرا و لو انتسب إلى المفعول يسمّى اسم المصدر و تأثرا

و بعبارة أخرى لا تفاوت بين الإيجاد و الوجود فلو قلنا بتعلّق الإمضاء بنفس الإيجاد كما هو المتعيّن في نحو أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّ الإمضاء تعلّق بالعقد الّذي هو آلة إيجاد عنوان المعاملة و هو الظاهر من أحلّ اللّٰه البيع لو كان المراد من الحليّة الحليّة التكليفيّة الراجعة إلى الأفعال فلا إشكال فيه فإنّه لو تعلّق الإمضاء بنفس هذه الإيجاديات الواقعة من أهل العرف فيقتضي صحّة جميع ما يوجده العرف بحيث لو ردع عن إيجاد خاصّ فهو تخصيص و خارج عن الإيجاديات حكما و إن دخل فيها موضوعا

و لو تعلّق الإمضاء بالأثر الحاصل من الأفعال كما يمكن أن يكون هو المراد من أحلّ اللّٰه البيع بناء على ظهوره في الحليّة الوضعيّة فكذلك أيضا لاتّحاد الأثر مع التّأثير فإمضاء الأثر إمضاء للمصدر الحاصل منه هذا الأثر لعدم الفرق بينهما خارجا

و بالجملة فرق بين السّبب و المسبب و بين المصدر و اسم المصدر فإنّ السّبب و المسبّب إذا تعلّق الجعل بالمسبّب ابتداء أو إمضاء فلا يكفي جعله كذلك لجعل السّبب و هذا بخلاف إمضاء اسم المصدر فإنّ إمضاءه ملازمة لإمضاء المصدر بل هو عينه على وجه فتدبّر جيدا

الأمر الثالث لا إشكال و لا خلاف في اعتبار كون المبيع عينا

فلا يعم المنافع و لا يبعد أن يكون منشأ الاتفاق انصراف الأدلّة إلى ما هو المعهود خارجا من جعل المعوّض في البيع عينا و لا أقلّ من الشكّ في شمول المطلقات لغير العين و ادعي التّبادر و صحّة سلب البيع عن تمليك المنفعة بعوض

و كيف كان لا خلاف في ذلك و عليه استقر اصطلاح الفقهاء و إطلاق البيع في نقل غيرها في عدّة من الأخبار كالخبر الدالّ على جواز بيع خدمة المدبّر و بيع سكنى الدّار و بيع الأراضي الخراجيّة الّتي لا يجوز فيها إلّا نقل منافعها مبني على رعاية علاقة كما أن الإجارة التي جعلت شرعا بل عرفا لنقل المنافع قد تستعمل لنقل الأعيان بل في عصرنا هذا يطلق الضّمان و يراد منه الإجارة و هو مبني على المسامحة فإنّ الضّمان يمكن أن يطلق على مطلق تعهد الشي ء أو كونه في عهدته و لو من دون تعهد عقدي

ثم إن المراد من العين في المقام ليس خصوص العين الخارجيّة المملوكة فعلا بل المراد منها ما يقابل المنفعة و الحقّ فتشمل العين الشّخصية و الكلّي المشاع كثلث الدّار و الكلي في المعيّن كصاع من هذه الصبرة و الكلّي في الذمة كمن من الحنطة سلما أو حالا و الكلّي المستقر في الذمّة كالدّين سواء باعه على غير من هو في ذمّته أو باعه عليه لأنّ ذلك كله من الأعيان و لا إشكال في شي ء من ذلك إلّا في بيع الكلّي فإنّه قد يتوهّم أنّ المبيع يجب أن يكون مالا للبائع قبل البيع

ص: 40

حتى ينتقل منه إلى المشتري ففي غير هذه الصّورة المبيع ملك للبائع فعلا فيصحّ نقله بالبيع إلى المشتري و هذا بخلاف هذه الصّورة

بل قد يستشكل في بيع الدّين أيضا بأن الدّين ليس ملكا لأنه معدوم و الملك من الأعراض يتوقّف وجوده على محلّ موجود و لكنّه لا يخفى عدم ورود هذين الإشكالين أمّا إشكال عدم وجود المعروض في باب الدّين و السّلم فلما عرفت أنّ الملكية من الجدة الاعتباريّة فلا تحتاج إلى معروض خارجي و لم يدل دليل على اعتبار الملكيّة في المبيع

و أمّا إشكال اعتبار الماليّة للبائع ففيه أنّ الماليّة معتبرة في المبيع و أمّا كون المبيع قبل البيع مالا للبائع فلا دليل عليه و لا شبهة أنّ منّا من الحنطة مال عرفا و يبذل بإزائه المال و إن لم يكن ملكا فإنّ بينهما بحسب المورد عموما من وجه فإنّ المباحات الأصليّة و منّا من الحنطة بعنوان الكلّي مال و إن لم يكن ملكا و حبّة من الحنطة ملك و إن لم تكن مالا و ليس البيع إلّا تبديل المال بالعوض لا الملك

و بالجملة و إن لم يكن في ذمّة البائع شي ء و بنفس العقد يستقر مال على عهدته إلّا أنّ هذا كاف لتحقّق المعاوضة و تبديل طرف الإضافة الاعتباريّة فإنّ العقلاء يعتبرون مالية هذا المال و عمل الحرّ إذا صار عوضا يدخل في الأموال بهذا المعنى فلا يستشكل بأنّ الحرّ ليس مالكا على نفسه و ليس له على ذمّة نفسه مال و ذلك لكفاية هذا المعنى و هو جعله عوضا عرفا و كونه مالا اعتبارا في جعله عوضا عن المبيع شرعا

نعم بين عمل الحرّ و العبد فرق من غير هذه الجهة كما إذا حبس العبد فإنّه يضمن منفعته دون ما إذا حبس الحر فإنّه لا يضمن إلّا إذا كان أجيرا و غير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه هذا مع أنّه لو لم يكن عمله قابلا لصحة جعله عوضا لما صحّ إجارة الحر نفسه فإنّ الإجارة لا بدّ و إن تتعلّق بالمال

و بالجملة لا ينبغي الإشكال في صحّة بيع الكلي سلما أو حالا و جعل عمل الحر عوضا لا من باب أنه شبهة في مقابل البداهة بل لعدم كونه شبهة أصلا فإنّ قوله ع لا بيع إلّا في ملك و نحوه ليس المقصود منه أنّه يعتبر أن يكون المبيع مملوكا قبل البيع بل المراد منه أنّه لا يجوز بيع مال الغير أو لا يجوز بيع ما لا يقبل التملّك كالخمر و نحوه

إن قلت مقتضى ما ذكر في تعريف البيع من أنّه تبديل طرف الإضافة بمثله أن يكون كلّ من المضاف إليهما موجودا فعلا حتّى يتبدّل أحدهما بالآخر و المن من الحنطة الّتي يبيعها البائع حين البيع ليس مالا للبائع و بعده مال للمشتري قلت كما أنّ نفس الإضافة ليس إلّا اعتباريا فكذلك المضاف إليه و التبديل يقع بين الحنطة و الثّمن فالحنطة التي هي مال عرفا و تقابل بالمال تنتقل إلى المشتري و الثمن إلى البائع

و بالجملة المنّ من الحنطة مال يبذل بإزائه مال فيجعله البائع معوّضا و يملكه المشتري بإزاء الثمن و لم يقم برهان على لزوم كون الحنطة ملكا للبائع أو مالا له قبل البيع فلا إشكال في ذلك رأسا

و لا يقال لو كان عمل الحر من الأموال لكان حابسه ضامنا كما أفاده العلّامة في حبس الدّار و العبد و لم يفرق قدس سره بين استيفاء المنفعة أو فواتها تحت اليد و لزم كونه مستطيعا إذا كان قادرا على عمل يكون عوضه ممّا يتحقّق به الاستطاعة و لزم حجره عن عمله كحجره عن ماله لأنّا نقول الضّمان في مسألة الدار و العبد إنّما هو من جهة أن منفعتهما يكون تابعا للاستيلاء عليهما و أمّا الحر فلا يدخل تحت استيلاء غيره حتّى يستولي على منفعته تبعا

و بالجملة المدار في الضّمان هو دخول المضمون به تحت اليد فمجرد كون

ص: 41

منافع العبد مالا لا يوجب الضّمان بل لكونها تحت الاستيلاء و أمّا مسألة الاستطاعة فالمدار فيها هو الماليّة الفعلية لا القوّة و لذا لا نقول باستطاعة من عنده أملاك لو آجرها من غيره سنين عديدة لاستطاع فالمدار في الاستطاعة هو الواجدية الفعليّة نعم الاستطاعة الشّأنيّة موجبة لعدم استحقاقه الزكاة و إن قيل في هذا الباب أيضا إنّه لو لم يشتغل الصّانع بصنعته يجوز إعطاؤه الزكاة و أمّا مسألة الحجر فالظاهر عدم التزام الأصحاب بحجر الشخص عن منافع أمواله و لا يؤاجرون أراضي المفلس فيدخلون منافعها فيما يتعلّق به حقّ الغرماء

و كيف كان لا يعتبر في المعاملة إلّا انتقال أحد المالين بدلا عما ينتقل إلى الآخر أي لا يعتبر التبادل في مقام الخروج بل يكفي التّبادل في مقام الدّخول فيصحّ بيع الكلّي بالكلّي كما يصحّ في الشّخصيين هذا كله حال المعوّض و أمّا العوض فيصحّ كونه عينا و منفعة و ما يقال إنّ البيع لنقل الأعيان فالمقصود هو المبيع فإنّ هذا الكلام في مقابل الإجارة الّتي هي النقل المنافع

ثم إنّ العين الّتي تجعل عوضا لا فرق بين كونها شخصيّا أو كليّا بجميع أقسامه كما أنّ المنفعة التي تجعل عوضا للمبيع لا فرق بين كونها منفعة الأموال أو عمل الحرّ و لا إشكال في ذلك كلّه إنّما الكلام في أنّه هل يصحّ جعل الحقوق عوضا أو يعتبر أن يكون العوض عينا أو منفعة

و تحقيق الأمر مع توضيح عبارة الكتاب في ضمن أمور الأوّل أنّ قول المصنف و أمّا الحقوق الآخر فالتقييد بالآخر لو كان موجودا في نسخة الأصل إنّما هو لإخراج العين و المنفعة فإنّ الحق يطلق على عنوان عام يشمل كلّ ما وضعه الشّارع و جعله فالحكم و العين و المنفعة و الحقّ بالمعنى الأخص داخل تحت هذا العنوان فإن الحق معناه اللّغوي هو الثبوت و حقّ الجار على الجار و الوالد على الولد و نحوهما من الأحكام عبارة عن ثبوته و هكذا ملكية العين أو المنفعة من الحقوق و الأمور الثّابتة كحق الخيار و حقّ الشّفعة

و بعبارة أخرى إطلاق الحقّ على العين و المنفعة إطلاق شائع كإطلاقه على الحكم نعم الحق بالمعنى الأخص مقابل لذلك كله فإنه عبارة عن إضافة ضعيفة حاصلة لذي الحقّ و أقواها إضافة مالكية العين و أوسطها إضافة مالكيّة المنفعة و بتعبير آخر الحق سلطنة ضعيفة على المال و السّلطنة على المنفعة أقوى منها و الأقوى منهما السّلطنة على العين فالجامع بين الملك و الحقّ هو الإضافة الحاصلة من جعل المالك الحقيقي لذي الإضافة المعبّر عنها بالواجديّة و كون زمام أمر الشي ء بيده من جعل له و كونه ذا سلطنة و قدرة و هذه الإضافة لو كانت من حيث نفسها و من حيث متعلّقها تامّة بأن تكون قابلة الأنحاء التقلبات فتسمّى ملكا

و لو كانت ضعيفة إمّا لقصور نفس الإضافة كحقّ المرتهن بالنّسبة إلى العين المرهونة و إمّا لقصور في متعلّقه كحقّ التحجير و حقّ الخيار بناء على تعلّقه بالعقد الغير القابل لما عدا الفسخ و الإجارة و حقّ الاختصاص بالنسبة إلى الأشياء الغير المتموّلة كالخمر القابل للتخليل فتسمّى حقا و على هذا فلو لم يكن المجعول الشّرعي مستتبعا للإضافة و السّلطنة فليس إلا حكما و تسميته بالحقّ إنّما هو بلحاظ معناه اللّغوي و أمّا الاصطلاحي فالفرق بينه و بين الحكم واضح جدّا فإنّ الحكم الشّرعي هو المجعول المتعلّق بعمل المكلّفين اقتضاء أو تخييرا و هو و إن اشترك مع الحقّ في بعض الآثار كجواز رجوع الواهب عن الهبة و جواز فسخ ذي الخيار إلّا أنّهما متباينان سنخا فإنّ الجواز في الأوّل حكم شرعيّ بخلاف الثّاني فإنّه ملك و إضافة

و بالجملة الجواز في الهبة كاللّزوم

ص: 42

في النكاح من الأحكام الشرعيّة و هذا بخلاف الجواز في البيع الخياري و اللّزوم في البيع الغير الخياري فإنّما من الحقوق و سيجي ء إن شاء اللّٰه في المعاطاة و في أحكام الخيار ما يوضح الفرق بين البابين

و كيف كان فإذا كان الحقّ عبارة عن اعتبار خاصّ الّذي أثره السّلطنة الضّعيفة على شي ء و مرتبة ضعيفة من الملك فهو بجميع أقسامه و أنحائه قابل للإسقاط كما أفاده شيخنا السّعيد الشّهيد و جعل هذا هو الضابط التّام في الفرق بين الحقّ و الحكم

فما أفاده السيد قدس سره في حاشيته على المتن من تقسيم الحقوق أوّلا إلى ما يقبل الإسقاط و ما لا يقبل و جعل من الثاني حقّ الأبوة و حق الولاية للحاكم و حقّ الاستمتاع بالزوجة و حق السّبق في الرماية قبل تمام النضال و حقّ الوصاية لا وجه له فإنّ كون الشي ء حقا و غير قابل للإسقاط لا يعقل و إطلاق الحقّ على ما ذكره من الأمثلة مثل إطلاق الحقّ على سائر الأحكام كحقّ المؤمن على المؤمن و حق الجار على الجار فإنّ الأبوّة و الولاية و نحوهما من الأمثلة ليس لعلاقة حاصلة للأب و الحاكم إذ لم يجعل للولي إضافة أثرها السّلطنة على المولى عليه أو على ماله فلا يكون من مقولة الجدة بل من الأحكام الشّرعية كما هو قدس سره أيضا يحتمل هذا المعنى حيث قال و يمكن أن يقال إنّها أو جملة منها من الأحكام لا من الحقوق

و العجب أنّه قدس سره في صدر المسألة يعرف الحقّ بأنّه نوع من السّلطنة و مرتبة ضعيفة من الملك بل نوع منه و صاحبه مالك لشي ء يكون أمره إليه و مع هذا يقسّم الحقوق إلى ما يقبل الإسقاط و ما لا يقبل فإنه لو لم يقبل الإسقاط فكيف يكون له السّلطنة و كيف يكون زمام أمره بيده

و بالجملة قوام الحقّ بقابليّته للإسقاط و هذا بخلاف الحكم فإنّه بعكس ذلك ثم إنّه لو شك في شي ء أنه من الحق أو الحكم فليس هنا أصل يعيّن كونه من أي منهما فالمرجع هو الأصول العمليّة و الأصل يقتضي عدم سقوطه لاستصحاب بقاء ما كان قبل الإسقاط

الثّاني بعد ما عرفت أنّ الحقّ بجميع أقسامه قابل للإسقاط فيقع البحث عن قابليته للنّقل أو الانتقال إلى الغير أم لا فنقول منها ما لا يقبل لغير الإسقاط كحق القذف و منها ما يقبل النقل إلى الغير إمّا بلا عوض كحقّ القسم على ما ذكره جماعة فإنّه قابل للنّقل إلى من هو مثله كالضرة و لكن لا يجوز أخذ العوض عليه و إمّا مع العوض كحقّ التّحجير ثم ما كان قابلا للنّقل إمّا يجوز نقله إلى كلّ أحد كحقّ التّحجير أو لا يكون كذلك كحقّ القسم على ما عرفت من أنّه لا يجوز نقله إلّا إلى الضرّة

ثم إن منها ما يكون قابلا للانتقال إلى الغير و لا يكون قابلا للنّقل إذ لا تلازم بينهما فإنّ الخيار ينتقل إلى الوارث و لا يصحّ نقله إلى الغير فإنّ المدار في قابليّته للنّقل على عدم تقوّمه بشخص خاص و المدار في انتقال الحقّ إلى الوارث على دخوله تحت ما تركه الميّت ثم إنّ كونه حقّ الخيار عبارة عن السّلطنة على إمضاء الحقّ و فسخه لا ينافي كونه قابلا للإسقاط و إن كانت نتيجة الإسقاط موافقة لإمضاء العقد الّذي هو أحد طرفي السّلطنة إلّا أنّ الإمضاء عبارة عن إعمال الحقّ و الإسقاط عبارة عن التّجاوز عن الحقّ

و بالجملة كل ما كان حقا فهو قابل للإسقاط و إن كان موافقا في النّتيجة مع إعمال أحد طرفي السّلطنة

الثّالث أنّ كل حق كان قابلا للنّقل إلى الغير كحق القسم مثلا لا يقبل نقله إلى من عليه الحقّ لأنّ الحق لما كان نحوا من السّلطنة على من عليه الحقّ فلا يعقل نقله إلى نفس من عليه الحقّ سواء نقله مجّانا

ص: 43

أو بالعوض بالبيع و الصلح و غيرهما لأنّه لا يمكن أن يكون للإنسان سلطنة على نفسه بالنّحو الّذي كان لطرفه عليه هذا مع أنّ في بعض الحقوق خصوصيّة تمنع من نقلها إلى من عليه الحقّ كحقّ الرهانة و الشّفعة و الخيار

فإنّ حقّ الرهانة عبارة عن سلطنة للمرتهن بها يستوفي دينه من الرّاهن لأنّ نتيجة الرهانة جعل العين المرهونة مخرجا لدين المرتهن و هذا المعنى لا يمكن أن يستحقّه الرّاهن و كذلك حق الشّفعة سلطنة بها يقدر الشريك على أخذ الشّقص من المشتري بالقيمة الّتي دفعها إلى البائع و هذا المعنى لا يعقل أن يتقوّم بالمشتري و هكذا الخيار فإنّه لو كان للبائع فله سلطنة على فسخ العقد و استرجاع المبيع إلى ملكه و هذا المعنى لا يمكن أن يتسلّط عليه المشتري فإنّه لو كان ذا خيار يتسلّط على استرجاع الثّمن

و بالجملة لا يمكن نقل الحقّ إلى من هو عليه لأنّ الإنسان لا يمكن أن يتسلّط على نفسه فعلى هذا مراد المصنف قدّس سره من قوله و السّر أنّ الحقّ سلطنة فعليّة لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد أنّ من له الحقّ و من عليه الحق لا يمكن أن يكون واحدا و ليس مقصوده أنّ الحق دائما قائم بشخصين و إلّا لانتقض عليه بحق التّحجير فإنّه ليس هناك شخص كان الحقّ عليه و على هذا فمراده من قوله و لا ينتقض بيع الدّين على من هو عليه أيضا واضح

و حاصله أن امتناع نقل الحقّ إلى من هو عليه لعدم معقوليّة تسلّط الإنسان على نفسه لا يرد عليه النّقض ببيع الدين على من هو عليه فإنّه و إن استلزم تسلّط الإنسان على من هو عليه فإنّه و إن استلزم تسلّط الإنسان على ما في ذمّته إلّا أنّه فرق بين الملك و الحقّ فإنّه يمكن أن يكون الإنسان مالكا لما في ذمّته و لا يمكن أن يكون مسلّطان على نفسه و لكنه لا يخفى عدم قابليّة ما في الذمّة لأن يكون مملوكا لمن هو عليه و عدم قابليّة نقل الغير إليه و لو آنا ما فصيرورة الإنسان مالكا على نفسه آنا ما حتى يسقط عنه و يبرأ ذمته مستحيل أيضا

فالصواب أن يقال بيع الدّين على من هو عليه و إن كان صحيحا إلّا أنّ البيع لم يقع على ما في الذمّة بقيد كونه في الذمّة ليكون من قبيل مالكية الشخص لما في ذمته و ذلك لأنّه بهذا القيد لا يمكن تحقّقه في الخارج و لا شبهة أنّه يعتبر في المبيع أن يكون من الأعيان الخارجيّة بل يقع البيع على الكلّي و هو من من الحنطة مثلا فيصير المشتري أعني المديون مالكا لذلك الكلّي على البائع و حيث إنّ البائع كان مالكا لمنّ من الحنطة على ذمّة المديون و هو المشتري فينطبق ما على البائع على ما كان له على المديون المشتري فيوجب سقوط ذمّة كليهما و هذا و إن لم يكن من التّهاتر حقيقة إلّا أنّه أشبه شي ء به

أو يقال إنّ المبيع هو الكلّي في المعيّن و هو ما في ذمّة المديون لا بقيد أن يكون في الذمّة حتّى يرد عليه إشكال عدم الانطباق على ما في الخارج و إشكال عدم معقوليّة مالكيّة الإنسان لما في ذمّته بل بمعنى أنّ ظرفه الذمّة و بالبيع ممّن هو عليه يسقط ما في ذمّته فتأمل

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى إمكان جعل الحقّ ثمنا في المبيع فنقول قد ظهر أن بعض الحقوق يمكن نقله إلى الغير بالعوض و لكن بعد الفراغ من عدم إمكان جعل الحق مبيعا لما ظهر من اعتبار كونه من الأعيان فلا يصحّ جعله منفعة فضلا عن كونه حقا فيقع البحث في أنه هل ينحصر المعاوضة عليه بالصّلح و نحوه أو يمكن جعله ثمنا للمبيع وجهان بل قولان و الأقوى عدم قابليّة الحقّ لوقوعه ثمنا في المبيع كعدم قابليّة وقوعه مثمنا سواء جعل نفس الإسقاط و السّقوط ثمنا أو جعل نفس الحق

أمّا الأوّل

ص: 44

فلأنّ الثمن لا بد من دخوله في ملك البائع و الإسقاط بما أنّه فعل من الأفعال و السّقوط بما أنّه اسم المصدر ليس كالخياطة و سائر أفعال الحرّ و العبد ممّا يملكه البائع و يكون طرفا لإضافة ملكيّة البائع و يقوم مقام المبيع في الملكيّة فإنّ هذا المعنى معنى حرفي غير قابل لأن يتموّل إلّا باعتبار نفس الحقّ و سيجي ء ما فيه

و بالجملة نفس الإسقاط بما أنّه فعل و أثره بما أنّه اسم المصدر لا يقبل الدّخول في ملك الغير بحيث يتحقّق بالنّسبة إليه الخروج عن ملك المشتري إلى ملك البائع و يكون البائع مالكا لهذا العمل و لا يقاس بشرط الإسقاط في ضمن عقد لازم لأنّ في باب الشّرط يملك المشروط له على المشروط عليه إسقاط الحقّ أو سقوطه و لا ملازمة بين قابليته للدّخول تحت الشرط و بين قابليّة وقوعه ثمنا لأنّ إسقاط الحقّ يصير بالشرط مملوكا للغير على صاحب الحقّ و لكنّه لا يمكن أن يكون بنفسه مملوكا و يحل محلّ المبيع في الملكيّة

و أمّا الثاني و هو جعل نفس الحقّ ثمنا بعد فرض كونه قابلا للنّقل إلى الغير كحقّ التّحجير فلما عرفت أنّ في باب البيع يعتبر أن يكون كلّ من الثمن و المثمن داخلا في ملك مالك الآخر و لا شبهة أنّ الحق لا يكون قابلا لذلك فإنه مباين مع الملك سنخا و إن كان من أنحاء السلطنة بالمعنى الأعم و من المراتب الضّعيفة للملك و لكن كونه كذلك غير كاف لوقوعه عوضا لأنه لا بد من حلول الثّمن محل المثمن في الملكيّة فلا بدّ أن يكون كلّ منهما من سنخ الآخر

خاتمة قد ظهر إجمالا أنّ الفقهاء عرّفوا البيع بتعاريف مختلفة

فمنهم من عرّفه بأنّه انتقال عين من شخص إلى غيره بعوض مقدّر على وجه التّراضي و لا يخفى ما فيه فإنّ الانتقال أثر البيع و الشراء لا أنّه هو البيع و منهم من عرّفه بالإيجاب و القبول الدالّين على الانتقال و فيه أيضا أنّ البيع هو المنشأ باللّفظ لا أنّه نفس اللّفظ مع أنّ القبول الّذي هو من فعل المشتري ليس داخلا في حقيقة البيع الّذي هو من فعل البائع و عرّفه المحقق الثاني بنقل العين بالصّيغة المخصوصة

و أورد عليه المصنف قدّس سره أوّلا بأنّ النّقل ليس مرادفا للبيع و لذا لا يقع بلفظ نقلت و ثانيا أنّ المعاطاة عند المحقّق الثّاني بيع مع عدم اشتمالها على الصّيغة و ثالثا أنه لو كان معنى البيع هو نقل العين بالصّيغة لزم أن تكون الصّيغة منشأ أيضا بالصّيغة كما ينشأ النّقل بصيغة خاصّة لأنّ البيع من مقولة المعنى فلا بدّ أن ينشأ بلفظ يكون آلة لإنشائه فلو كان نفس الصيغة أيضا جزءا من مدلول البيع فلا محيص إلّا عن إنشائها باللّفظ و لو لم تكن الصّيغة جزءا من مدلول البيع بل كان البيع هو نفس النّقل الّذي ينشأ بصيغة خاصّة فالصّيغة الّتي تنشأ بها هذا القسم من النّقل ليس إلّا لفظ بعت فيلزم الدور لأنّه في مقام تعريف البيع جعل من أجزاء الحدّ لفظ بعت فكأنّه قال البيع هو نقل العين بلفظ بعت و لو قيل إنّ الصّيغة الّتي ينشأ بها هذا النّقل الخاص ليس خصوص بعت بل يمكن إنشاؤه بملّكت

فلا دور يجاب عنه بأنّه وجب الاقتصار على مجرّد التّمليك و النّقل و لكنّه لا يخفى عليك أنه بعد ما ظهر أن هذه التّعاريف تقريبيّة لا يرد عليه هذه الإشكالات مع أنّ الإشكال الأوّل و الثّالث لا يردان عليه

أمّا الأوّل فلأنّ النّقل و إن لم يكن مرادفا للبيع إلّا أنّه ليس مباينا له بل هو أعمّ من البيع لشموله النّقل المكانيّ دونه و عدم صحّة إنشاء البيع بلفظ نقلت لا يكشف عن تباين معناهما فإنّ عدم إمكان إنشاء المعنى الخاص باللّفظ العام إنّما هو لأنّ المعنى أمر بسيط و ليس له جنس و فصل حتّى يمكن إنشاء جنسه أولا ثم فصله

و بعبارة أخرى إنشاء الأمر البسيط لا يعقل تحقّقه تدريجا فلا يمكن إنشاء النّقل

ص: 45

الّذي هو بمنزلة الجنس ثم إنشاء ما هو المميّز بين البيع و غيره بل لا محيص عن إنشاء المعنى الخاص باللفظ الموضوع لهذا المعنى

ثم لا يخفى عليك ما في حاشية السيد قدس سره في هذا المقام من توهم إمكان التّمليك بدون النّقل و لذا بنى على مغايرتهما و بالجملة حقيقة البيع هو الأمر الاعتباري و تبديل المالين في أحد طرفي الإضافتين

و أمّا الثالث فليس مقصود المحقّق إلّا بيان امتياز هذا النّقل عن النّقل المكاني و أن البيع ليس مجرّد تبديل المالين في المكان بل التبديل في عالم الاعتبار الّذي يتوقّف على إنشاء من بيده هذا الأمر الاعتباري و ليس مقصوده أنّ النقل بالصيغة داخل في مفهوم البيع حتّى يتوقف الصيغة على الإنشاء أيضا و إلّا لورد هذا الإشكال على المصنف أيضا فإنّه في مقام التّعريف قال إنه إنشاء تمليك عين بمال فيرد عليه أنّ الإنشاء أيضا يتوقّف حصوله على الإنشاء و أمّا ما أفاده من أنّه لو كان مراده أنّ البيع نفس النّقل الّذي هو مدلول الصّيغة فجعله مدلول الصّيغة إشارة إلى تعيين ذلك الفرد من النّقل لا أنّه مأخوذ في مفهومه فيرد عليه إشكال الدّور فمندفع أوّلا بأنّه ليس في مقام التعريف الحقيقي و ثانيا المراد من الصّيغة هو لفظ بعت فكأنّه قال البيع هو النّقل بلفظ بعت و لا يلزم العلم بمعنى بعت كما لا يخفى

و كيف كان فتعريف المصنف قدس سره بأنّه إنشاء تمليك عين بمال يرد عليه ما أورده على المحقّق الثّاني من أنّ الإنشاء مستدرك و لو كان غرضه التعريف بما يشمل البيع الفاسد أي تعريفه بأنّه التّمليك الإنشائي سواء تحقّق التّمليك أم لا ففيه ما عرفت من أنّ المقصود لو كان التعريف بالحدّ فلا وجه للتعريف بما لا يدخل في حقيقة المعرف ثم إنّه ظهر ممّا تقدم أن حقيقة الصّلح و الهبة المعوضة غير حقيقة البيع و ليس المنشأ بهما تمليك العين بالمال نعم شبهة شمول هذا التّعريف للقرض متطرّقة و لكن دفعها واضح فإنّ القرض و إن كان مفيدا للتّمليك إلّا أنّ العوض فيه ليس عوض المسمّى بل العوض الواقعيّ فكأنه مركّب من تمليك و ضمان

و بالجملة الأولى في تعريف البيع أن يقال هو تمليك العين بالعوض في ظرف تملّك المشتري و أمّا تعريفه بأنه إنشاء تمليك عين بمال فيرد عليه أولا ما أورد على المحقّق الثاني من أنّ الإنشاء أيضا لا بدّ من إنشائه و ثانيا يقتضي كون البيع إيقاعا و غير متوقّف على القبول و ثالثا يلزم أنّه لو أقرّ ببيع داره ثم قال قصدت الإيجاب وحده أن يسمع قوله

[الكلام في المعاطاة]

اشارة

قوله قدس سره الكلام في المعاطاة إلى آخره

لا يخفى أنّه بعد الفراغ عن صحّة إنشاء عناوين العقود بالقول وقع البحث في صحّة إنشائها بالفعل و حيث إنّ محلّ الأقوال و تنقيح البحث عنها يتوقّف على بيان ما يتصوّر من قصد كلّ واحد من المتعاطيين على طبق ما قصده الآخر فقدمه المصنف عليها و نحن نتبعه على ما رتبه فنقول ينحصر قصدهما كذلك في وجهين أحدهما أن يقصد كل منهما إباحة التصرف للآخر و ثانيهما أن يتعاطيا على وجه التّمليك

و أمّا وقوع الدفع من غير قصد التّمليك و لا الإباحة و لا سائر العناوين الخاصّة فغير متصوّر لأنّ الإعطاء أو الأخذ من دون قصد عنوان من العناوين لا يتصوّر إلّا من العابث و اللّاعب كما أنّ قصد التّمليك المطلق مع العوض المسمّى ليس إلّا قصد البيع لما عرفت أنّ البيع عبارة عن تبديل العين بالعوض

و أمّا الأقوال فعمدتها أربعة فإنّ القول بأنّ الفعل حكمه حكم المقبوض بالعقد الفاسد لا يترتب عليه الملكيّة و لا الإباحة إلّا إذا أباح التصرف من دون ابتناء على الفعل فشاذ الأوّل إفادته الملك اللّازم الثّاني إفادته

ص: 46

الملك الجائز الثّالث إفادته الإباحة المطلقة الرّابع إفادته إباحة التصرّفات الغير المتوقّفة على الملك

ثم إنّه وقع البحث في أنّ مورد هذه الأقوال هو ما إذا قصدا بالفعل التّمليك أو ما إذا قصدا به الإباحة أو بعضها مبنيّ على الأوّل و بعضها مبني على الثاني ينسب إلى المشهور إفادة التّعاطي الإباحة و لو قصدا به التمليك و حيث إنّ هذا المعنى مناف ظاهرا لما هو المسلّم عندهم من أنّ العقود تابعة للقصود و أنّ ما لم يقصد لا يقع حمل المحقّق الثّاني الإباحة في كلامهم على الملك الجائز فقال مقصودهم من أنّه لو قصد التّمليك يفيد الإباحة أنّه يفيد الملك الجائز

و حمل صاحب الجواهر مورد كلامهم في إفادته الإباحة على ما إذا قصد الإباحة و تعجّب ممّن جعل محل الكلام ما إذا قصد التّمليك و لا يخفى بعد هذين التّوجهين أمّا الأوّل فلأن حمل الإباحة على الملك الجائز خلاف الظاهر مع أنّه لا يقبل هذا الحمل جملة من عبارات الأساطين كعبارة الخلاف و نحوها فإن نفي البيعيّة و إثبات الإباحة لا يلائم القول بأنّ المقصود من الإباحة هو الملك الجائز و أمّا الثاني فأبعد وجها من الأوّل أمّا أوّلا فلأنّه لا يمكن أن يكون مورد قصد الإباحة محلا للنزاع في إفادته الإباحة أم لا بل إفادة الإباحة في صورة قصدها من الأمور الواضحة و أمّا ثانيا فلأنّ بعض عباراتهم صريح في أنّه إذا قصدا التّمليك يتحقق الإباحة كعبارة الغنية و السّرائر

و على هذا فتوجيه السيد قدس سره في حاشيته على المتن عبارة الجواهر من أنّه قدس سره لا ينكر أن محلّ النّزاع هو مورد قصد التّمليك إلّا أنّه يقول إنّ مرادهم من قولهم إنّها تفيد الإباحة أنّها تفيدها في صورة قصدها فغير مفيد لأنّ ما هو محل النّزاع الّذي هو مورد قصد التمليك هو محلّ الأقوال الأربعة أو أزيد

و بالجملة استبعاد هذا المعنى و هو أنّه كيف يقع ما لم يقصد دعاهما إلى توجيه أحدهما الإباحة بالملك المتزلزل و توجيه ثانيهما إفادة التعاطي للإباحة بما إذا قصداها بل قال الثّاني أنّ القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك ممّا لا ينسب إلى أصاغر الطلبة فضلا عن أعاظم الأصحاب

و لكنّه لا يخفى أنّ الالتزام بإفادة التّعاطي الإباحة في صورة قصد التّمليك لا استبعاد فيه و توجيه ذلك بوجوه الأوّل ما يظهر من بعض من أنّ الشّارع رتّب تعبدا الإباحة على الفعل الذي أوجد بقصد التبديل في طرفي الإضافتين و هذا نظير ما يقال من أنّ الشارع رتب على النّكاح بقصد التمتع إذا نسيا ذكر الأجل النّكاح الدائمي الثّاني أن تحقّق التّمليك مشروط و بشرط متأخّر و هو تحقّق أحد الملزمات نظير توقّفه في بيع الصرف على القبض و إنّما يباح التصرف في باب المعاطاة و لم يجز في باب الصّرف للسيرة الّتي هي العمدة في الباب دون باب الصّرف و السّلم

و بعبارة أخرى هذا القائل يلتزم بحصول الملك من جهة قصد التّمليك و إيجاد ما هو مصداق للبيع غاية الأمر مشروطا بأمر متأخّر على نحو صحيح فيئول إلى البيع و يجوز التصرف قبل حصول الملك لتضمّن التّمليك الإباحة أيضا أو للسيرة

الثالث ما وجهه به شيخنا الأستاذ مد ظله على نحو لا ينافي تبعية العقود للقصود و توضيح ذلك يتوقّف على بيان أمور

الأوّل أنّ عناوين الأفعال تارة تكون عنوانا أوّليا لها كعنوان الضرب و القتل و القيام و القعود و أخرى تكون عنوانا ثانويّا توليديا كانت أو لم تكن كالاحتراق المترتّب على الإلقاء فإنّه مسبّب توليدي و التألّم المترتّب على الضرب و التّعظيم أو الإهانة

ص: 47

المترتّب على القيام و القعود و التّمليك و التملك المترتّبين على التّعاطي و نحو ذلك من العناوين الثّانوية المترتّبة على الأفعال كالرّجوع في الطّلاق الرجعي الحاصل بالوطي و كالإجازة في العقد الفضولي و الفسخ أو الرد في العقد الخياري الحاصل بالتصرّفات الفعليّة

ثم العنوان الثّانوي تارة يترتّب على الفعل قهرا و أخرى مع القصد و على كلا التّقديرين تارة يكون من الأمور الخارجيّة و أخرى من الأمور الاعتباريّة ثمّ لا يخفى أنّ العنوان الثّانوي القصدي سواء كان تأصّليا أو اعتباريّا لا يترتّب على الفعل إلّا إذا قصد هذا العنوان الثّانوي

و أمّا إذا كان قهريّا فلا يعتبر قصده بل نفس قصد الفعل كاف لصدور هذا العنوان عن قصد و اختيار من الفاعل فإن من قصد الضرب و لو لم يقصد الإيلام يترتّب عليه قهرا و يصدر عنه اختيارا بل عمدا و لو قصد خلافه و سيجي ء إن شاء اللّٰه في باب خيار الحيوان أنّ التصرّفات المالكيّة موجبة لتحقّق الإجازة و لو لم يقصد منها عنوان الإجازة و يشهد له قوله ع و ذلك رضى منه أي ذلك اختيار منه و تحقّق في محلّه أنّ وطي الزّوجة المطلّقة الرجعية يترتب عليه الرّجوع و إن قصد به الزّنا

الثاني أنّ العناوين المنشأة بالقول أو الفعل لا بدّ أن يكون القول أو الفعل فيها مصداقا لهذا العنوان بالحمل الشّائع الصّناعي بحيث يحمل هذا العنوان عليه كحمل الطّبيعيّ على مصاديقه فإذا لم يكن الفعل مصداقا لعنوان خاصّ فلا يكاد يتحقّق هذا العنوان و لو قصد تحقّقه منه فلو ضرب الرجعيّة بالعصا لا يتحقّق الرّجوع و لو قصد بضربها الرّجوع فقصد عنوان من الفعل الّذي لا يكون مصداقا لهذا العنوان لا محالة يكون من الدّواعي لإيجاد الفعل فإنّ فعل الفاعل لو لم يترتّب عليه هذا الدّاعي لا بلا واسطة و لا مع الواسطة فلا يمكنه قصده من الفعل بل لا محالة يكون الفعل من العلل الإعداديّة لهذا الدّاعي بل لو أخطأ الفاعل و تخيّل ترتّبه على الفعل فلا يكون الفعل أيضا مصداقا لهذا الّذي تخيّل ترتّبه عليه بل يكون داعيا لا محالة و بالجملة الدّواعي هي الّتي توجب إيجاد الأفعال الّتي يترتّب عليها عنوان آخر و يكون هذا العنوان علة إعداديّة لتحقّق الدّاعي كالسّقي و الحرث و الزّرع لحصول الحنطة و نحوها

الثّالث أنّ تخلّف الدّواعي و غايات الأفعال لا يضرّ بتحقّق عناوينها و لو قصد من إصدار الفعل هذه الغاية و لا يخرج الفعل عن كونه قصديّا و إراديا لأنّه إذا فرضنا أنّ عنوانا قصديّا قصد من الفعل لأجل غاية و لم يترتّب عليه هذه الغاية كما إذا اشترى شيئا لأجل الضّيف و لم يجئ الضّيف فهذا العنوان القصدي كالتملّك يحصل من الشّراء و هكذا العنوان الثّانوي القهريّ أيضا يترتّب على الفعل و لو لم يترتّب عليه غايته و ذلك واضح

إذا عرفت ذلك فيمكن أن يوجّه ما أفاده المشهور من أنّه و لو قصدا بالتّعاطي التّمليك لا يترتّب عليه إلّا الإباحة بأن الفعل حيث لم يكن بالحمل الشّائع الصناعي مصداقا للبيع فقصده و إيجاد ما هو غير مصداقه لا يفيد الملك و ذلك لأنّ البيع على ما عرفت هو التّبديل و حيث إن التّبديل ليس تبديلا خارجيّا بل تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله و هذا أمر اعتباري من سنخ المعاني و ما هو موجده و آلة إيجاده هو القول فقط فإنّ الفعل الماضي مثلا هو آلة لإنشاء ما جعل مادّة لهيئته و الفعل ليس مصداقا لهذا العنوان بالحمل الشائع الصّناعي فقصد عنوان التّمليك و إيجاد ما ليس مصداقا له لا أثر له و أمّا ترتّب الإباحة عليه مع عدم قصدها فلما عرفت من أنّه

ص: 48

إذا كان عنوان ثانوي مترتّبا على الفعل قهرا فقصد العنوان الثّانوي غير لازم بل قصد خلافه أيضا لا يضرّ

و لا إشكال أنّ الإباحة المالكيّة ليست إلّا التّسليط الخارجي و إدخال العين من مالكها تحت استيلاء الغير و الفعل هو بنفسه مصداق للتّسليط الخارجي فقصد التّمليك منه لا يخرجه عن التّسليط الخارجي فلا يقال إن ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد لأن عدم وقوع ما قصد إنّما يضرّ إذا لم يكن ما قصد من دواعي الفعل و وقوع ما لم يقصد إنّما لا يصحّ إذا كان الواقع من العناوين القصدية و أمّا إذا كان من العناوين القهريّة فنفس قصد الفعل كاف لوقوع العنوان الثّانوي القهريّ هذا غاية ما يوجّه به كلام المشهور

و لكن لا يخفى ما فيه أما أوّلا فلأنه يلزم على هذا أن يكون المقبوض بالعقد الفاسد أيضا مفيدا للإباحة لا سيّما إذا كان المعطي عالما بالفساد فإنّ بين المقبوض بالعقد الفاسد و المقام و إن كان فرق إذ القبض هناك لا ينشأ به الإباحة بل يقع مبنيا على العقد و وفاء به و أمّا القبض في المقام فينشأ به التّسليط و يقع نفس الفعل مصداقا للتسليط المالكي و لكن هذا الفرق غير فارق لأنّ قصد الوفاء في ذلك الباب كقصد التّمليك في المقام فإذا كان قصد التّمليك لغوا لكونه من الدّواعي فكذلك قصد الوفاء فإذا كان نفس الفعل مصداقا للتّسليط و كان نفس قصده الفعل كافيا لتحقّق عنوان الإباحة فلا بدّ أن يكون كافيا في باب المقبوض بالعقد الفاسد مع أنّه ادّعي الإجماع على أن المقبوض بالعقد الفاسد حكمه حكم المغصوب في عدم جواز التصرّف فيه و أمّا ثانيا فلأن الفعل بنفسه لا يفيد التّسليط التمليكي و لا الإباحة و لذا قلنا إنّ المتعاطيين لو لم يقصدا عنوانا من العناوين يقع الفعل لغوا فإفادته النّقل و الإباحة و نحوهما إنّما هو بالقصد فالفعل بمنزلة المادة المشتركة قابلة لقصد أحد العناوين به و ما قلنا من أنّ الفعل لا بدّ أن يكون بالحمل الشّائعي مصداقا لعنوان ينشأ به لا ينافي أن يكون الفعل مع القصد مصداقا لذلك العنوان

و بعبارة أخرى لم نقل أنّ الفعل المجرّد عن القصد لا بدّ أن يكون مصداقا لعنوان ما ينشأ فإذا كان مصداقيّته لعنوان بقصد ذلك العنوان فكلّ عنوان كان الفعل مع قصد هذا العنوان مصداقا له ينشأ به إلّا إذا كان هذا العنوان من العناوين الّتي لا يمكن أن ينشأ بالفعل كالصّلح و النّكاح مثلا فإنّ الصّلح الّذي هو التّسالم على أمر لا يكون الفعل مصداقا له و لا يمكن أن يكون ممّا ينشأ به و هكذا النّكاح فإنّ الفعل سفاح و مصداق لضدّ النّكاح

و بالجملة دعوى أنّ الفعل مصداق للتّسليط المالكيّ المفيد للإباحة دون التّمليك لا تبتني على أساس بل الفعل المشترك بين هذين العنوانين و القرض و العارية و نحو ذلك و يتميّز كل عن غيره بالقصد فإذا قصد به التّمليك يتحقّق به الملكيّة نعم التّمليك الحاصل به ليس لازما كما سيظهر وجهه و لكن هذا غير عدم إفادته التمليك فقياس التّمليك بالصّلح و النّكاح مع الفارق هذا مع أنّه لو قلنا بأن الفعل مع قصد التّمليك أيضا ليس مصداقا لعنوان البيع فإن الفعل ليس من سنخ الألفاظ الّتي ينشأ بها المعاني بل هو مصداق للتّسليط المالكي ليس إلّا إلّا أنّه لا شبهة أنّ تسليط المالك على جميع أنحاء التصرفات المتوقّفة على الملك لازم مساو للبيع و سيجي ء إن شاء اللّٰه أن عناوين العقود و الإيقاعات يصحّ إنشاؤها بما يكون لازما مساويا لها و لا يقاس باب اللّازم المساوي بباب الكنايات و المجازات

ص: 49

و الأجناس و الفصول

إن قلت فعلى هذا يصحّ إنشاء البيع بلفظ سلّطتك على جميع أنحاء التصرّفات قلت الفرق بين الفعل و لفظ سلّطتك أنّه قامت السيرة على الفعل و لم تقم على هذا اللّفظ و مجرّد اشتراكهما في المنشأ ما لم يقم دليل على صحّته لا يفيد فتأمل جيّدا و ثالثا إفادة الفعل الإباحة إنّما يستقيم لو كان المقصود منها الإباحة بالعوض الواقعي فإنّ التّسليط لو لم يقصد به المجانيّة لا يقتضي إلّا ضمان المتسلّط بالمثل أو القيمة و أمّا ضمانه بالمسمّى فهذا خلاف ما يقتضيه الإباحة لأن الضّمان بالمسمّى من آثار التّمليك فتأمل و رابعا المشهور القائلون بالإباحة في مورد قصد التّمليك لا يفرقون بين إباحة التصرفات الغير المتوقفة على الملك و المتوقفة عليه مع أن اقتضاء الإباحة جواز التصرفات المالكيّة متوقّف على دليل و لذا استبعد الشّيخ الكبير هذا المعنى

و كيف كان القول بأن قصد التّمليك من الدّواعي و الإباحة من العناوين القهريّة لا يرجع إلى محصّل فالأقوى أن يقال إنّ التّعاطي بقصد التّمليك يفيد الملك الجائز و لكن لا من جهة حمل الإباحة في كلام المشهور على ذلك بل لأنّ هذا مقتضى القواعد الشرعيّة و الأدلّة المأثورة أمّا إفادته الجواز فلما سيجي ء توضيحه و إجماله أن اقتضاءه الجواز من جهة عدم تحقّق موجب اللزوم فإنّ موجبه إمّا الحكم الشّرعيّ التعبدي كما في النّكاح و الضّمان و إمّا من جهة التزام المتعاقدين به مع الإمضاء الشّرعي كما في البيع العقدي و المعاطاة فاقدة لكلّ منهما

و الحاصل أنّ الجواز على أقسام ثلاثة أحدها الجواز الحكمي كالجواز في الهبة مقابل اللزوم في النّكاح ثانيها الجواز الحقي كالعقد الخياري سواء كان الخيار بجعل شرعيّ كخيار المجلس و نحوه أو بجعل من المتعاقدين كخيار الشّرط فإنّ الجواز على كلا التّقديرين حقّ مالكيّ في مقابل اللّزوم العقدي بمعنى أنّ الالتزام العقدي يملكه أحدهما أو كلاهما على ما سيجي ء في مبحث الخيار و يظهر في محلّه أنّ حقيقة الخيار هو ملك كلا الالتزامين

و ثالثها الجواز لعدم تحقّق منشأ اللّزوم كما في المعاطاة فإنّ الفعل بقصد تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله لا يقتضي إلّا نفس هذا التبديل و لا يدلّ إلّا على التزام كل من المتعاقدين بما التزما به فلا التزام فيه فلا موجب للزوم و هذا بخلاف القول فإنّ قوله بعت ينشأ به معنيان أحدهما بالمطابقة و هو تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله الّذي يحصل بالفعل أيضا و ثانيهما بالالتزام و هو التزام كلّ من المتعاقدين بما أوجداه من التبديل و من هذه الجهة يسمّى التّبديل القولي عقدا و عهدا مؤكّدا و هذا المعنى لا يمكن أن يتحقّق بالفعل الّذي يحصل به التبديل لأنه ليس للفعل دلالة الالتزام

نعم قد يوجد هذا المعنى بفعل آخر كالمصافقة كما هو المتعارف بين الدّلالين أو بين المالك و المشتري و أمّا إفادته الملكيّة فلأنّ تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله كما يتحقق بالقول كذلك يتحقّق بالفعل غاية الأمر يتوقّف تحقّقه به على قصد التّمليك منه و الدّليل عليه صدق البيع عليه عرفا فيدلّ على صحّته جميع الأدلة الدالّة على صحّة البيع بالقول عدا قوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لاختصاصه بما يتضمن العهد المؤكّد و ما يكون فيه عقدة و شدّ بل لو نوقش في صدق البيع عليه فيكفي في إفادته التّمليك قوله عزّ من قائل إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ

و منع كونه تجارة مكابرة محضة فإن التّجارة عبارة عن التكسّب و يكفي أيضا السيرة القطعيّة من زماننا هذا إلى زمان الخاتم بل إلى هبوط آدم على نبيّنا و آله و عليه السّلام فإنّ الناس يعاملون في المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك

و لكنّه لا يخفى أنّه لو نوقش في صدق البيع عليه فالسيرة و آية التجارة لا تفيدان لإثبات المدّعى

ص: 50

لأنّه بناء على جواز التصرّفات المتوقّفة على الملك على الإباحة أيضا فغاية ما تفيده السيرة و آية التّجارة هو جواز التصرفات المالكية و هو لازم أعمّ إلا أن يقال إنّ السيرة قائمة على إفادته الملك أو أنّه لا معنى للإباحة بالعوض المسمّى كما أشرنا إليه و سيجي ء وجهه

و كيف كان منع صدق البيع عليه مكابرة واضحة و دعوى الإجماع في كلام بعضهم على عدم كونه بيعا فمؤوّل على البيع اللّازم لا على أصل البيع فإذا صدق عليه البيع يكفي لصحّته قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ فإنّ المستثنى المنقطع يفيد عموم نفوذ كل تجارة عن تراض لخروجها عن أكل المال بالباطل و قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ بناء على تعلق الحليّة بالحاصل من المصدر ظاهر في الحليّة الوضعيّة كسائر الأحكام المتعلّقة بالموضوعات الخارجيّة

و لكنّ المصنف قدّس سره متأمّل في ذلك و وجه تأمّله مقابلة الحليّة في الآية مع الحرمة الظّاهرة في الحكم التّكليفي فإنّ حرمة الربا يراد منها ما يستحقّ على مخالفتها العقاب لا الفساد و لكنّه يمكن أن يجاب عنه بأنّ الربا هنا بمعنى الزيادة و هي المال المأخوذ زائدا على أحد العوضين فالحرمة فيها أيضا وضعيّة

و بالجملة فالحقّ في المقام أن يقال إنّ الفعل الواقع من المتعاطيين بقصد التّمليك و التملّك مصداق للجدة الاعتباريّة و يتحقّق به تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله كما يتحقّق به الجدة الاصطلاحيّة و يكشف عنه السيرة المستمرّة بين أهل الشّرائع في إنشاء التّمليك و التملّك به و تصرّف المتعاطيين فيما انتقل إليهما حتى ما يتوقّف على الملك فمنع صدق البيع عليه لا وجه له أصلا فإذا صدق عليه البيع يكون من أفراد التّجارة عن تراض و من مصاديق قوله عز من قائل وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ من غير فرق بين أن يجعل الاستثناء في الآية الأولى من الاستثناء المنقطع أو من المتّصل بأن يكون الاستثناء راجعا إلى مطلق الأكل و يكون معنى الآية لا تتصرفوا في أموالكم بنحو من الأنحاء فإنّه باطل إلّا التّجارة عن تراض لأنّه على أي حال يدلّ على نفوذ التّجارة عن تراض و أنّها ممّا يجوز و من غير فرق في الآية الثانية بين أن يراد من الحليّة الحليّة الوضعيّة أو التّكليفيّة

أمّا على الأوّل فواضح فإنّ تعلّق الحلّ و الحرمة بالأعيان الخارجيّة بلحاظ تعلّق فعل المكلّف بها ظاهر في صحّتها و نفوذها بالمطابقة و أمّا على الثّاني فلأن متعلّق الحلّ هو المسبّب أي نفس التّمليك و التملّك فإذا كان التمليك حلالا فمعناه أنه يتحقّق كما لو قيل إن بيع المصحف من الكافر حرام فإن معناه أنه لا يقع لأنّ معنى حليّة التملّك و حرمته أن إيجاد المسبب بيد موجده أو ليس بيده فعلى هذا يرد على المصنف قدّس سره

أوّلا بأنه لا وجه للتأمّل في كون الحل في الآية ظاهرا في الحلية الوضعيّة و ثانيا أن الحليّة التّكليفيّة أيضا تفيد الصّحة و تحقّق البيع لأنّه لا وجه لأن يجعل متعلّق الحليّة التصرفات التي هي من آثار تحقّق البيع بل نفس المسبّب الّذي هو عنوان ثانوي لفعل المكلّف أو أمر توليدي منه متعلّق الحلّ

فلا يرد على الآيتين ما أفاده قدّس سره في قوله اللّٰهمّ إلّا أن يقال إنّهما لا تدلان على الملك و إنما تدلّان على إباحة جميع التصرّفات حتى المتوقّفة على الملك و ثالثا أنّ إباحة التصرّفات فإذا اقتضت الملك في سائر المقامات يقتضيه في المقام أيضا و ما أفاده من أنّ الاقتضاء في سائر المقامات بالإجماع و هو مفقود في المقام ففيه أن اقتضاءها له في سائر المقامات أيضا يوجب الاقتضاء بالمقدار اللّازم و هو الملكيّة آنا ما لا من أوّل الأمر

و بالجملة لو قلنا إنّ الآيتين لا تدلّان إلّا على جواز مطلق التصرّفات حتّى المتوقفة على الملك فالالتزام بأنّ في البيع بالصّيغة يستلزم جواز مطلق التصرّف الملك من أوّل الأمر

ص: 51

دون البيع بالفعل فإنّه يستلزم فيه جواز التصرف الملك آنا ما لا وجه له فإنّ الإجماع في البيع بالصّيغة أيضا لا يقتضي الملك إلّا آنا ما فعلى هذا إما لا يقتضي البيع بالصّيغة الملك من أوّل الأمر و إمّا لا فرق بينه و بين البيع بالفعل

ثم يرد عليه أنّه لو لم نقل بدلالة الآيتين على حصول الملكيّة بل على جواز التصرّفات فكما يمكن الالتزام بالملك آنا ما كذلك يمكن تخصيص الأدلّة الدالّة على عدم جواز البيع و الوطي و العتق في غير الملك و بعبارة أخرى الالتزام بالملك آنا ما بلا موجب لأنه يمكن أن يكون الآيتان مخصّصتين لقواعد أخرى و رابعا الإشكال في السيرة في المقام موجب لهدم أساس السيرة أصلا و رأسا

ثم إنّ ثبوت السيرة على التّوريث يكشف عن حصول الملك بالتّعاطي من أوّل الأمر فإنّه لا موجب لتقدير الملك آنا ما للمورّث حتّى يرثه الوارث ثم إنه قد يستدلّ على حصول الملكيّة بالمعاطاة بعموم النّاس مسلّطون على أموالهم بتقريب أنّ من أنحاء السلطنة المالك تبديل ماله بمال غيره بالفعل

و لكنّه لا يخفى أن عموم أنحاء السّلطنة إنّما هو باعتبار أفراد السّلطنة الّتي ثبتت للمالك كالهبة و البيع و القرض و الإجارة فلو شكّ أن نوعا آخر من أنحاء السّلطنة كالصّلح من أفراد هذا العموم فيتمسّك بعموم هذه الرواية لصحته و نفوذه و أما لو علم بتسلّط المالك على بيع ماله و لكنّه شك أن الموجد له هو الفعل أيضا أو ينحصر بالقول فليس العموم ناظرا إليه

و بعبارة أخرى لا يمكن التمسك بهذا العموم للمقام و لا لما شكّ فيه من شروط الصّيغة مثل كفاية الفارسيّة و نحوها هذا كله بناء على حصول الملك بالمعاطاة و أمّا بناء على القول بالإباحة فهل يمكن التمسّك له بقوله النّاس مسلّطون على أموالهم و البحث فيه يقع من جهتين الأولى في التمسّك به لسلطنة المالك على إباحة ماله لغيره بالإباحة المطلقة حتى المتوقّفة على الملك كالبيع و نحوه الثّانية لتسلّطه على إباحة ماله بالعوض المسمّى

أمّا الجهة الأولى فسيجي ء في ذيل البحث عن كلام المصنف في التّنبيه الرّابع مفصّلا و أمّا الثانية فإنّا و إن اخترنا في الدّورة السّابقة إمكان إدراج هذا النّوع من الإباحة في عنوان الصّلح إلّا أن الأقوى أنّ الإباحة بالعوض المسمّى ليست من أنحاء سلطنة المالك رأسا لأنّ كون المسمّى عوضا يتوقف على تضمين معامليّ و هو يتوقّف على أن يكون ضامن المسمّى مالكا لمال طرفه لا كونه مباحا له

و بالجملة مالكيّة المبيح للمسمّى مع عدم مالكيّة المباح له لما أبيح له لا يجتمعان بناء على ما تقدم من أن حقيقة المعاوضة تقتضي تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله في الملكيّة أو تبديل نفس الإضافة و على أيّ حال لا بدّ أن يكون كل واحد من الطّرفين من سنخ الآخر و سيجي ء أيضا توضيح ذلك

نعم يصحّ التمسّك لصحة ذلك بالسيرة القائمة على الإباحة بالعوض المسمّى كما هو المعمول في إجارة الدّور و الدّكاكين فإنّ المسافر يستأجر الدار من المالك ليلة بمقدار ثم يبنيان على أنّ كل ما بقي المستأجر يعطي الأجرة بذلك المقدار فبناء عليه نفس هذه الإباحة بالمسمّى من إحدى المعاوضات المتعارفة و يكفي في إمضائها قوله عزّ من قائل تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ فتأمل

قوله قدس سره هذا مع أنّ ما ذكر من أنّ للفقيه التزام حدوث الملك عند التصرّف المتوقّف عليه لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقيه و لذا ذكر بعض الأساطين إلى آخره

لا يخفى أنّ كلام المصنف في هذا الباب لا يخلو عن تناقض و اضطراب فإنّه قبل هذا الكلام صرّح بأن للفقيه الالتزام بإباحة جميع التصرّفات مع التزامه بحصول الملك آنا ما

ص: 52

لا من أوّل الأمر و في المقام يقول إنّه لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقيه لما ذكره من التوالي الفاسدة تبعا لكاشف الغطاء قدّس سره و بعد ذلك يمنع عن فساد التوالي و يصحّح ذلك

و كيف كان فالمهم بيان ما أورده الشّيخ الكبير على القول بالإباحة في مورد قصد المتعاطيين التّمليك و تخيّله أنّ ما ينسب إلى المشهور من إفادة المعاطاة الإباحة في صورة قصد التّمليك مستلزم لقواعد جديدة منها تخلّف العقد عن القصد و بالعكس أي ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع فإنّ الإباحة غير مقصودة لهما فكيف تقع و التّمليك مقصود لهما فكيف لا يقع

و قد تقدم منّا جواب هذا الإشكال مفصّلا و هو و إن لم يكن مرضيّا عندنا إلّا أنّه يرفع الإشكال فإنّ القائل بالإباحة لا يلتزم بأنّ الفعل مصداق لعنوان البيع فقصد هذا العنوان و إيجاد ما ليس مصداقا له كقصد الزارع من الزّرع صيرورته حنطة و تخلّفه من قبيل تخلّف الدّاعي و أمّا وقوع الإباحة مع عدم قصدها فلما عرفت من أنّه لا يعتبر في ترتّب الأمور المترتّبة على الأفعال قهرا قصدها بل يكفي قصد نفس الفعل في صدق كونها صادرة عنه اختيارا

و أما ما أجاب به المصنف قدس سره حلّا و نقضا فلا يفي بدفع الإشكال و لا يستقيم أمّا جوابه الحلي من أن تبعيّة العقود للقصود و بالعكس إنّما هي في العقود اللّفظيّة و أمّا المعاطاة فعند القائل بالإباحة المجرّدة ليست عقدا و لا قائما مقامه و مقتضى ذلك و إن كان فسادها إلّا أنّه لا مانع من أن يحكم الشّارع بترتّب الإباحة عليها تعبّدا و بالجملة تبعيّة العقد للقصد إنّما هو لأجل دليل صحّة ذلك العقد بمعنى ترتّب الأثر المقصود عليه فلا يعقل الحكم بالصحة مع عدم ترتّب المقصود عليه و أمّا المعاطاة فلم يدلّ دليل على صحّتها حتى لا يتخلف العقد عن القصد

ففيه أنّ تبعية العقد للقصد و بالعكس في كلمات العلماء لا تختصّ بالعقد الذي هو من أفراد قوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بل تجري في جميع المنشئات و ليست هذه القاعدة حكما تعبديّا حتّى تختصّ بمورد دون آخر بل حكم فطريّ ارتكازي منشؤه أنّ الموجد الاعتباري إنّما يوجد بآلة إيجاده إذا صدر عن قصد فتحقّق غير ما قصد لا يعقل في طريقة العقلاء و ليس حكم الشّارع في باب العقود إلّا إمضاء ما هو طريقتهم فحكم الشّارع بترتب غير ما قصد لم يقم عليه دليل خاص تعبّدي

و أما جوابه النقضي من أن تخلّف العقد عن القصد في المقام نظير تخلّفه في الموارد الخمسة و هي عدم ترتّب الضمان بالمسمّى على العقد الفاسد بل ترتّب الضمان الواقعيّ عليه مع أنّ قصد المتعاقدين هو المسمّى و عدم تقييد الشّرط الفاسد العقد مع أنّهما لم يقصدا المعاملة إلّا مقرونة به و عدم اعتبار انضمام ما لا يملك إلى ما يملك مع أنّهما قصداهما منضما و عدم تأثير قصد البائع الغاصب البيع لنفسه و ترتّب غير ما قصد و هو وقوعه للمالك مع إجازته و عدم تأثير قصد الانقطاع و ترتّب غير ما قصد عليه و هو الدّوام

ففيه من الغرابة ما لا يخفى أمّا الأوّل فلأنّ موضوع البحث هو العقود الصّحيحة لا الفاسدة فعدم ترتّب الضّمان بالمسمّى في العقد الفاسد لا يفيد في إثبات جواز تخلّف العقد عن القصد فلا يقال إنّهما أقدما على الضّمان بالمسمّى و لم يترتّب عليه و لم يقدما على الضمان بالمثل أو القيمة فكيف يترتبان عليه لأنّه لا أثر لإقدامهما على المسمّى إذا كان ملغى عند الشّارع لاختلال شروط العقد و سيجي ء في قاعدة ما يضمن أن منشأ الضّمان بالمثل أو القيمة إنّما هو قاعدة اليد لا الإقدام على الضّمان حتى يقال إنّهما أقدما على الضّمان بالمسمّى لا الضّمان الواقعي

و ما يظهر

ص: 53

من الشيخ و المسالك من كون منشأ الضّمان هو الإقدام فسيجي ء أن تمسّكهما بقاعدة الإقدام إنّما هو لإثبات عدم تحقّق الرافع للضّمان و هو الإقدام على المجّانيّة فحاصل كلامهما أنّ منشأ الضّمان في العقد الفاسد هو قاعدة اليد مع عدم قصد التبرع

و أمّا الثّاني فلأن الشرط الفاسد لو كان غير موجب للأثر حتّى الخيار لكان النّقض واردا و صحّ أن يقال إنّهما لم يقصدا المعاملة إلّا مقرونة به فكيف تصحّ مع عدم اقترانها به و أمّا بناء على المختار من صحّتها مع الخيار فلا يرد النقض أصلا لأنّ منشأ صحّة المعاملة عدم كونها مقيّدا بحيث ينتفي القصد بانتفاء القيد و أمّا الخيار فالالتزام العقدي حيث إنّه مرتبط بالالتزام الشّرطيّ فتخلّفه يوجب الخيار

و بالجملة لو قيل إنّ الشّرط موجب لكون المنشإ أمرا خاصا فمقتضاه أن فساده يوجب فساد العقد و أمّا لو كان هناك التزام في التزام أي التزام مرتبط بالتزام آخر ففساد أحدهما لا يوجب إلّا الخيار و على أيّ حال القائل بالصحّة إمّا مع الخيار أو بدونه لا يلتزم بأنّ القصد الخاص منشأ للعقد المشروط حتّى يرد النّقض عليه بأنّه تخلّف العقد عن القصد

نعم لو التزم بأنه ليس في العقد المشروط إلّا التزام واحد و قصد خاص و مع ذلك لا يقتضي تخلّفه فساد العقد لكان النّقض واردا و هذا مما لم يقل به أحد و كيف كان الأمر المختلف فيه لا يناسب جعله موردا للنّقض

و أمّا الثّالث فلأنّ صحّة بيع ما يملك و فساد ما لا يملك سواء كان المراد منه ما لا يقبل التملّك كالخمر و الخنزير أو كان ملك الغير إنّما هو الانحلال العقد إلى عقدين أحدهما صحيح و الآخر إمّا فاسد أو موقوف على الإجازة و لا وجه لنقضه بالمقام لأنّ في كل من الجزءين لم يتخلّف العقد عن القصد و إنّما صحّ أحدهما لكونه واجدا للشّرائط دون الآخر لكونه فاقدا لها و مجرّد انضمام ما لا يملك إلى ما يملك لا يستلزم الاتّحاد و ذلك واضح

و أمّا الرّابع فلأنّ قصد الغاصب البيع لنفسه إنّما هو لبنائه على كونه مالكا فبعد هذا البناء يوقع البيع بين ملك المالكين فعدم وقوعه له لا يقتضي إلّا تخلّف الاعتقاد المقارن لقصد إنشاء التبديل بين الملكين و بتعبير آخر الرّكن في المعاوضات هو العوضين دون العاقدين و ليس البيع كالنّكاح في وجوب تعيين الزّوجين فكون المالك هو البائع أو غيره لا دخل له في صحّة المعاوضة و قصد وقوعه لنفسه ليس إلّا لجعل نفسه مالكا و تخلّف هذا البناء لا يستلزم تخلّف العقد عن القصد

و أمّا الخامس فمع كون المسألة خلافيّة لا يفيد انقلاب الانقطاع دائما لإثبات تخلف العقد عن القصد لأنّه يمكن أن يقال إنّ النّكاح حقيقة واحدة فقصد الانقطاع ليس إلّا قصد هذه الحقيقة مع خصوصيّة زائدة يتوقّف حصولها على ذكر الأجل فإذا نسي ذكره يقع أصل الحقيقة التي لا يتوقّف على مئونة زائدة غير إيجادها بما هو آلة لإيجادها

و نظير ذلك ما إذا كان بناء المتعاقدين البيع مع شرط خاصّ و نسيا ذكر الشّرط فوقوع البيع و عدم وقوع الشّرط لا يوجب تخلّف العقد عن القصد

قوله قدّس سره و منها أن يكون إرادة التصرّف من المملكات فيملك العين أو المنفعة بإرادة التصرّف بها أو معه دفعة إلى آخره

حاصل إشكاله قدّس سره أنّه لازم القول بالإباحة المطلقة أحد الأمرين أمّا الالتزام بأن إرادة التصرّف من أسباب حصول الملك مع أن حصوله بأسباب مخصوصة ليست لإرادة منها و أمّا الالتزام بأن نفس التصرّف مملك و هذا مع أنّه ليس من الأسباب المملّكة مستلزم لإشكالات أخر

ص: 54

تجري في تصرّف ذي الخيار و الواهب فيما انتقل عنهما كاجتماع العلّة و المعلول في رتبة واحدة فإنّ الانتقال إلى المشتري مترتّب على الملك و الملك مترتب على التصرّف فبالتصرّف يحصل الملك و الانتقال و كالدّور فإنّ صحّة البيع تتوقّف على الملكيّة و الملكيّة يتوقف حصولها على البيع و نظير هذين الإشكالين يأتي في التكليفيّات أيضا مثلا الوطي في غير الملك محرّم و به تتحقّق الملكيّة و الحلية المترتّبة عليها في رتبة واحدة

و أجاب عنه المصنف قدّس سره بأنّه لا بأس بالتزام كون إرادة التصرّف مملّكا إذا كان ذلك مقتضى الجمع بين الأصل و دليل جواز التصرّف و أدلّة توقّف بعض التصرّفات على الملك و نحن نقول أوّلا ليس فيما ينقل عن الشيخ الكبير قدّس سره كون إرادة التصرّف من المملكات بل أنّه جعل محطّ الإشكال كون نفس التصرّف مملّكا و إنّما جعل المحقّق الثّاني الإرادة من المملّكات دفعا للإشكالات الواردة على تصرف ذي الخيار فينبغي أن يجاب على طبق إشكاله و ثانيا الجمع بين الأدلّة لا يقتضي كون الإرادة من المملّكات إلّا في بعض الصّور

و توضيح ذلك أنّ التصرّف أحد المتعاطيين فيما أبيح له و كذا تصرّف من له الخيار و الواهب فيما انتقل عنهما إمّا تصرف متلف أو ناقل أو ما يتوقّف على الحلية كالوطي أمّا المتلف ففي المقام لا يتوقّف على جعل الإرادة من المملّكات و لا على تقدير الملك آنا ما لأنّ إتلاف المباح له مال المبيح لا يتوقّف على كونه ملكا له بل هو كأكل الضّيف و الغاصب غاية الفرق أنّ الضيف ليس ضامنا و في المقام المتلف ضامن للمسمى و الغاصب ضامن للمثل أو القيمة

نعم لو قلنا أنّ الضّامن بالمسمّى لا يصحّ إلّا إذا كان الضّامن مالكا للعوضين فلا بدّ من الالتزام بالملك له آنا ما قبل التّلف لأنّ المالك التّالف لا يمكن أن تتعلّق به الملكيّة حين التّلف فعلى هذا الفرض أيضا لا يقتضي الجمع بين الأدلّة جعل الإرادة من المملّكات بل حكم المقام حكم إتلاف ذي الخيار و الواهب ما انتقل عنهما في أنّ مقتضى جواز الإتلاف منهما شرعا و انفساخ العقد به هو رجوع التّالف إلى ملك المتلف آنا ما و وقوع التّلف في ملكه

و أمّا الناقلة كالبيع و نحوه فإن قلنا إنّ الأدلّة الدالّة على عدم نفوذها إلّا في الملك تقتضي اعتبار وقوع سبب النّقل أيضا في الملك فلا بدّ من الالتزام بكون إرادة التصرّف من المملّكات لأنّ العقد لا يمكن أن يقع في الملك إلّا إذا كان أراد البيع من المملّكات و لا يمكن هنا دفع الإشكال بتقدير الملك آنا ما لأنّ التقدير الّذي هو عبارة عن رجوع الملك عن ملك مالكه و دخوله في ملك النّاقل و خروجه عن ملكه إنّما يتحقّق بنفس النّقل لأنّ الملك آنا ما ممّا تقتضيه نفس المعاملة أي خروج المعوّض عن ملك من يدخل في ملكه العوض يقتضي التقدير آنا ما لا غيره فقول ذي الخيار و الواهب و المباح له بعت يقتضي أمرين دخول الملك في ملك البائع و خروجه عن ملكه

و بعبارة أخرى معنى الملك آنا ما أي الملك الغير المستقيم و الاعوجاجي و هو يحصل بنفس التصرّف النّقلي لا قبل ذلك فإذا التزمنا بأنه لا بدّ من وقوع نفس قول بعت في الملك فلا بدّ أن يكون إرادة البيع من المملّكات و أما لو قلنا إن الأدلّة لا تقتضي إلّا وقوع المنشإ في الملك لا السّبب النّاقل كما هو الحقّ لأنّ قوله ع لا بيع إلّا في ملك ظاهر في نفس المسبّب فلا يلزم الالتزام بجعل إرادة التصرّف من المملّكات بل يحصل بنفس قوله بعت أمران أحدهما دخول الملك في ملك البائع و هو يحصل بنفس الإنشاء من حيث إنّه فعل من أفعال البائع و ثانيهما خروجه عن ملكه إلى ملك المشتري و هو يحصل من الأثر الحاصل من الإنشاء

ص: 55

و بعبارة أخرى الفسخ في تصرّف ذي الخيار مثلا عبارة عن حلّ التبديل و هو يحصل بنفس السبب أي يتملّك الفاسخ بنفس الفعل الإصداري و لذا يتملّك بالعقد الفاسد أيضا و يتملّك المشتري بالأثر الحاصل منه أي باسم المصدر فلا يلزم دور و لا كون العلّة و المعلول في رتبة واحدة لأنّ العلّة في رتبة الإنشاء و المعلول في رتبة المنشأ ففي رتبة الإنشاء يدخل الملك في ملك البائع و يخرج عن ملكه في رتبة المنشإ و سيجي ء توضيح ذلك في محلّه

و أمّا الوطي فأصل الإشكال فيه غير وارد لأنّ الوطي لا يتوقف على ملك الرقبة فمع فرض جوازه شرعا فهو يملك الوطي و لو لم يكن مالكا للرقبة كمورد التّحليل و ما أفاده المحقّق القمي في جامع الشّتات من أنّ إباحة الوطي له مع عدم كونه مالكا للرقبة يقتضي وقوع العوض في مقابل الوطي و هو مستلزم لحليّة إجارة البضع

ففيه أنّ العوض في باب المعاطاة لم يجعل مقابلا للوطي بل عوض المسمّى مقابل لإباحة المالك التصرّفات و إباحته يقتضي جواز الوطي و ما يقال من أن سبب الوطي منحصر بالملك أو التّحليل أو الزّوجيّة ففيه بعد قيام السيرة على نفوذ جميع التصرّفات حتى الوطي و بعد قيام الدّليل على عدم إفادة الفعل التّمليك فلازم هذين الأمرين أنّ مجوّز الوطي ليس منحصرا بالتّحليل و ملك الرقبة و الزّوجية بل من أسبابه إباحة المالك له التصرّف بالعوض بالتّعاطي و لو كان هناك كلام فلا بدّ من المناقشة في أصل إفادة المعاطاة الإباحة أو أصل جواز كل تصرف حتى الوطي و أمّا بعد تسليم الأمرين فلا يرد محذور أصلا لأنّ جواز المسبّب وضعا كالوطي مستلزم لحليّته شرعا

قوله قدّس سره منها أنّ الأخماس و الزّكوات و الاستطاعة و الديون و النفقات و حق المقاسمة و الشّفعة و المواريث و الربا و الوصايا تتعلّق بما في اليد مع العلم ببقاء مقابله إلى آخره

حاصل إشكاله قدّس سره أنّ في هذه الموارد العشرة و هكذا بالنّسبة إلى صفة الغنى و الفقر يلزم بناء على إفادة المعاطاة الإباحة تأسيس فقه جديد أي الالتزام في مورد المعاطاة بأمور مخالفة للقواعد المسلّمة في غير مورد المعاطاة

فإنّه كيف يتعلّق الخمس و الزكاة بما في يد أحد المتعاطيين مع أنّه ليس مالكا و كيف يجب عليه الحجّ و كيف يتعلّق حق الديان به و كيف يجب عليه الإنفاق على من يجب عليه و كيف يجوز إلزام شريكه بالقسمة و كيف يجوز له الأخذ بالشّفعة و كيف يرث منه وارثه و كيف يجري الربا فيه أي إذا اشترى بجنس ما في يده مع الزيادة و كيف يحرم عليه مع أنّ الرّبا لا يجري في غير المعاوضات الموجبة التبديل أحد طرفي الإضافة في الملك و كيف يلاحظ ثلث مال الميّت بالنّسبة إلى ما في يده مع أنّه ليس مالكا له و كيف يكون غنيّا لا يجوز له أخذ الزكاة أو الخمس مع أنه فقير لا مال له

هذا و المحقّق الخراساني قدّس سره في حاشيته على الكتاب حمل بعض إشكالات الشيخ الكبير قدّس سره على غير ما بيّناه فإنّه في مقام الجواب قال ففيه أنه لا محذور في كثير منها كالاستطاعة و أداء الدين و النفقة إلخ فتوهّم أنّ الشيخ استشكل بأنه كيف يجوز أداء الدّين من هذا المال الّذي ليس مالكا له و هكذا كيف يجوز له الإنفاق منه مع أنّ اتحاد السّياق يقتضي أن يكون إشكاله في تعلّق حقّ الديان و تعلّق وجوب الإنفاق به لا في جواز إعطاء الدين في مقام الوفاء منه

و كيف كان فقد أجاب المصنف عنه بما لا يخلو عن اضطراب و إشكال أمّا الاضطراب فلأنّ قوله و أمّا ما ذكره من تعلّق الأخماس و الزّكاة إلى آخره فهو استبعاد محض و دفعها بمخالفتها للسيرة رجوع إليها يحتمل معنيين

أحدهما أنّه لا نلتزم بتعلّق هذه الأمور بما في يد أحد المتعاطيين مع بقاء مقابله

ص: 56

في يد الآخر وجدانا أو تعبّدا و دعوى أنّ عدم التعلّق مخالف للسيرة فإنّها قائمة على التعلّق ففيه أنّه بناء على هذا لا يستلزم التعلّق مخالفة القاعدة فإنّ السيرة دليل عليه

و ثانيهما نلتزم بتعلّقها به مع عدم كونه مالكا و دفع تعلّقها بمخالفته للسيرة لأنّها قائمة على أنّ ما ليس ملكا لا يتعلّق به هذا الأمور رجوع إلى السيرة و كلام الشّيخ الكبير ناظر إلى مخالفته للقواعد لا مخالفته للسيرة و أمّا الإشكال فلأنّ الجواب على كلا الاحتمالين لا يستقيم

أمّا على الأوّل فلأن مجرّد كون السيرة دليلا على التعلّق لا يرفع الإشكال لأنّ أصل الإشكال هو أنّه لا يمكن أن يكون في المعاطاة و غيرها فرق فجوابه بأنّ في المعاطاة قامت السيرة بتعلّق هذه الأمور بما لا يكون ملكا لا يستقيم لأنّ حاصل إشكاله أنّه لو قيل بتعلّق هذه الأمور بما ليس ملكا فلا بدّ من الالتزام به مطلقا و لو قيل بعدم تعلّقها به فيقال بأنّ السيرة قائمة على التعلق فلا مناص عن الالتزام بإفادة التعاطي الملك حتى لا يكون فرق بين موارد الأملاك

و أمّا على الثّاني فلأنّه إقرار بالإشكال لأنه التزام بتعلّق هذه الأمور بما لا يكون ملكا و هذا فقه جديد و نحن نقول لا يرد الإشكال إلّا في ثلاثة موارد و هي تعلّق الخمس و الزكاة و حقّ الشفعة بما لا يكون ملكا فإنّ الظّاهر من أدلّتها اعتبار الملكيّة و يظهر من صاحب الكفاية أنّه لا يعتبر في تعلّق حقّ الشفعة بما بيع بالمعاطاة أن تكون مفيدة للملكيّة لأنّ الشفعة تتعلّق ببيع أحد الشريكين شقصه سواء باعه على نحو يفيد الملكيّة أو لا فالشّريك الّذي يملك الشقص الآخر له الأخذ بما أباحه شريكه لغيره بالعوض المسمّى و لا يخفى صحّة ما أفاده بناء على أن يكون نظر الشّيخ الكبير إلى هذه الصورة

و أما لو كان دار مشتركة بين من كان نصفها ملكا له و من كان نصفها مباحا له فباع مالك النّصف من غير شريكه فهل يمكن الالتزام بأنّ للشريك الّذي كان نصفها مباحا له الأخذ بالشّفعة فتأمل و أمّا الموارد الباقية فتعلّقها بما في يد أحد المتعاطيين لا يكشف عن الملكيّة بل يمكن أن يكون مباحا و مع هذا تتعلّق به

أمّا الاستطاعة فلحصولها ببذل الزّاد و الرّاحلة أيضا و أما الغنى المانع عن استحقاق الزكاة فلعدم توقّفه على الملك و لذا لا يجوز أخذ الزكاة للأقارب إذا كان من يجب عليه الإنفاق عليهم مليّا و أمّا تعلّق حقّ الديان به فلأنّه و إن لم يكن من بيده مالكا إلّا أنّه لكونه مالكا لأن يملك باسترداد العوض أو بالتصرّف فيما عنده فللغريم إلزامه بأحدهما و أمّا تعلّق حقّ الإنفاق به فلأنّ وجوب الإنفاق يدور مدار الغنى و هو حاصل بكون ما في يد المنفق مباحا له

و أمّا حقّ التّقسيم فلعدم اختصاص وجوب الإفراز على الشّريك في الشي ء المشاع بين الشّخصين بأن يكون كل منهما مالكا له بل حيث إنّ المباح له له التصرّف فيما أبيح له بأيّ نحو من أنحاء التصرّف فله إلزام شريكه بإفراز حقّه الموجب لصيرورته ملكا له

و أمّا مسألة الإرث فلا يبعد أن يقال إنّ الموت موجب للزوم كموت الواهب و اللّزوم هنا مساوق للملكيّة بناء على أنّ الإباحة اللّازمة غير متصوّرة هذا مع أنّ الإرث لا يتوقّف على الملك لأنّ كلّ ما تركه الميّت من حقّ أو ملك يرثه الوارث

و أمّا مسألة الرّبا فلا تختصّ حرمته بالبيع الموجب للملك بل يجري حتّى في الضمان بالمثل و القيمة فضلا عن الضّمان بالمسمّى و أمّا مسألة الوصيّة فلو كان المراد من الاستبعاد أنّه كيف يكون ما ليس ملكا مخرجا للثلث ففيه أنّه لو قلنا بأنّ المال المباح يصير ملكا بموت المباح له فلا إشكال لأنّ الثلث يخرج ممّا يملكه حين الموت

نعم لو قلنا بعدم صيرورته

ص: 57

ص: 58

وجهه ممّا قررنا في جواب الاستبعاد و منها أنّ التصرف إن جعلناه من النّواقل القهريّة إلى آخره و فيه أنّ هذا يرجع إلى الإشكال الثاني و تقدم الجواب عنه و منها أن النماء الحادث قبل التصرّف إن جعلنا حدوثه مملّكا له دون العين فبعيد أو معها فكذلك و كلاهما مناف لظاهر الأكثر و شمول الإذن له خفيّ

و حاصل إشكاله أن النماء المتّصل حكمه حكم العين و أمّا المنفصل فحيث إنّ تسليط المبيح للمباح له على ماله لا يشمل النماء المنفصل فيدور الأمر بين أن يقال بعدم جواز تصرف المباح له فيه لعدم كونه ملكا له و لا مباحا أو يقال نفس حدوث النماء في يد المباح له يقتضي أن يكون ملكا له و كلاهما ممّا لا يمكن الالتزام به أمّا الأوّل فلأنه خلاف السّيرة و أمّا الثاني فلأنّه بلا موجب و قد أجاب عنه المصنف بأن القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء إلى الآخذ بل حكمه حكم أصله و يحتمل أن يحدث النّماء في ملكه بمجرّد الإباحة و فيه ما لا يخفى بعد ما ظهر أنّ استبعاده إنّما هو في النماء المنفصل فاختيار الاحتمال الأوّل و هو عدم انتقال النماء بل إباحته لا يصحّ لأنّ إباحته فرع شمول الإذن له و الشّيخ الكبير أنكر ذلك و قال شمول الإذن له خفيّ

و أمّا الاحتمال الثّاني فهو عين الاستبعاد الّذي ذكره و هو أنّه كيف يحصل للمباح له ملك النماء بمجرد حدوثه مع أنه ليس من أسباب الملك فالحقّ أن يقال إنّ مقتضى قوله صلّى اللّٰه عليه و آله الخراج بالضّمان أن يكون النماء ملكا له بناء على ما سيجي ء في معنى الخبر و إجماله أنّ الضّمان في النّبوي ليس بمعنى الاسم المصدري بأن يكون معناه من كان ضامنا لشي ء سواء كان منشأ الضمان هو الغصب أو غيره فمنفعته له لأن هذا المعنى هو الّذي أفتى به أبو حنيفة و قال الإمام عليه السّلام من مثل هذا الفتوى يمنع السّماء قطرها و الأرض بركاتها بل معناه هو الضّمان المصدري و هو التعهّد المعاملي الّذي أمضاه الشّارع

و حاصله أن كلّ من تعهّد ضمان شي ء بالتّضمين المعاملي فمنافعه له و هذا من غير فرق بين أن يكون التّضمين على نحو يفيد الإباحة أو التّمليك فإنّ مقتضى إطلاقه كون منافعه للضّامن و معنى كون الشخص ضامنا لما يتملّكه أو لما أبيح له هو أنّه لو تلف يكون دركه عليه و يكون عوضه المسمّى ملكا للطرف الآخر و هكذا لو طرأ عليه فسخ أو انفساخ حين كونه تالفا يضمن مثله أو قيمته على ما يقتضيه المعاملة و هذا هو معنى الضّمان في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده

و بالجملة مقتضى الضّمان المعارضي أن تكون المنافع ملكا للضّامن فالالتزام بأنّ النماء الحادث قبل التصرف ملك المباح له دون العين لا بعد فيه و هذا المعنى في النّبوي و إن كان منافيا لقاعدة تبعيّة النّماء للعين و لكنّه لا يخفى جهة تقديمه عليها و إن كان بينهما عموم من وجه

أما أوّلا فلأنّ هذه القاعدة ليست مدلولا لنصّ بل حكم لبي مدركه الإجماع أو العقل و ليس لها إطلاق بحيث يقاوم النّبوي

و أمّا ثانيا فلأنّ النّبوي بمنزلة الحكم المعلّل لأنّه متعرّض لمنشإ ملكيّة النّماء فإنّ الباء في قوله ص بالضّمان بمعنى المقابلة فإذا كان المنافع بإزاء الضّمان فيكون النّبوي حاكما عليها لأنّ الحكم المعلّل نصّ في مورد الاجتماع فيكون قاعدة تبعيّة النماء للعين ناظرة إلى اقتضائها بحسب طبعها الأصلي و أمّا إذا اقتضت معاملة انفكاك النماء عن العين في الملك فلا تنافي بينها و بين الملازمة في الملكيّة بحسب الطّبع الأصلي

قوله قدّس سره فالقول الثّاني لا يخلو عن قوّة و عليه فهل هي لازمة مطلقا إلى آخره

قد تقدم وجه قوّة القول الثاني و هو أنّ الفعل بنفسه مصداق للعنوان الّذي يقصد به فإذا قصد به التّمليك يترتب عليه لو كان

ص: 59

واجدا للشّرائط ما عدا القول و عليه فهل هي لازمة ابتداء مطلقا كما عن المفيد أو بشرط أن يقع قبل الفعل مقاولة من المتعاطيين أو جائزة مطلقا وجوه اختار المصنف قدّس سره الأوّل بدعوى أصالة اللّزوم في الملك فإنّ الملك بعد حصوله بالتّعاطي لو شكّ في زواله بفسخ أحدهما فمقتضى الاستصحاب بقاؤه و لا يرد على هذا الأصل إلّا أمران

أحدهما معارضة هذا الأصل باستصحاب بقاء عقلة المالك الأوّل فإذا تعارضا فاستصحاب بقاء العلقة حاكم على استصحاب بقاء الملك لأنّ منشأ الشكّ في اللّزوم و الجواز ارتفاع علقة المالك و بقاؤها فإذا استصحبت فيرتفع الشكّ في المسبب

و ثانيهما أنّ الثابت هو الملك المشترك بين المستقرّ و المتزلزل و بعد رجوع أحدهما يرتفع لو كان متزلزلا و كونه مستقرا مشكوك الحدوث و الأصل عدم حدوثه و لا يخفى اندفاع كلّ منهما أما الأول فللشكّ في ثبوت علاقة أخرى للمالك غير العقلة المالكيّة

و بعبارة أخرى الإضافة الّتي كانت بين المالك و الملك ارتفعت قطعا بنقله إلى غيره و لم يكن هناك إضافة أخرى حتى تستصحب ليكون حاكما على أصالة اللّزوم فالشكّ هنا في حدوث علاقة للمالك الأصلي بالفسخ لا في بقائها

و بعبارة ثالثة العقد الخياري يوجب بسبب الخيار أن يحدث علاقة لذي الخيار فهو مالك لأن يملك لا أنّ العلاقة الأولى باقية له و أمّا الثّاني ففيه أوّلا على فرض الاختلاف في حقيقة الملك و أنّ الملك اللازم مباين للجائز فلا مانع من إجراء الاستصحاب في المقام و لو كان المستصحب مردّدا بين مقطوع الارتفاع و مشكوك الحدوث لأن تردد المستصحب بين الأمرين صار منشأ للشكّ في كون الحادث باقيا أو مرتفعا

و ما يتوهّم من عدم جريان الاستصحاب في هذه القسم الّذي جعله المصنف قدّس سره في أصوله قسما ثانيا من استصحاب الكلّي بالتقريب الّذي بيّنه قدّس سره فيه و اختاره السيد الطّباطبائي في حاشيته على المتن مندفع جدّا لأنّ حاصل الإشكال أحد الأمرين

أحدهما أنّ الشكّ في بقاء القدر المشترك مسبّب عن الشكّ في حدوث ذلك المشكوك الّذي لو كان هو الحادث لكان القدر المشترك باقيا فإذا حكم بأصالة عدم حدوثه فيلزم ارتفاع القدر المشترك

و ثانيهما أنّ وجود الكلّي بوجود فرده و عدمه بعدمه فالكلّي لو كان في ضمن الحصّة الزّائلة فهو مقطوع الزّوال و كونه في ضمن الحصّة الأخرى مشكوك من أوّل الأمر و كلاهما مندفعان أمّا الأوّل فلأنّ الشكّ في بقاء الكلّي و ارتفاعه ليس مسبّبا عن الشكّ في حدوث ذلك المشكوك الحدوث بل من لوازم كون الحادث ذلك الفرد الّذي ارتفع يقينا أو الّذي بقي يقينا و لا أصل يعين أنّ الحادث ما هو مثلا لو شكّ في أنّ الحادث هو المني أو البول فبعد الوضوء إذا شكّ في بقاء الحدث لا يترتّب على أصالة عدم حدوث المني ارتفاع الحدث إلّا بضميمة القطع بارتفاع الحدث في ضمن البول هذا مضافا إلى معارضته بأصالة عدم حدوث البول

و بالجملة العدم المحمولي لا يترتّب عليه الأثر في المقام و العدم النّعتي ليس له حالة سابقة فجريان أصالة عدم تحقق الحدث الأكبر غير مفيد و أصالة عدم كون هذا الحادث من الحدث الأكبر غير جار

هذا مضافا إلى أن مجرّد السببيّة و المسببية لا يفيد في رفع الشكّ عن المسبب إلّا إذا كان الترتّب شرعيا كترتّب انغسال الثوب على طهارة الماء لا في مثل المقام و مسألة الحدث فإنّ الشّارع لم يترتّب ارتفاع الملك على عدم حدوث الملك اللّازم و لا ارتفاع الحدث على عدم حدوث المني

و أمّا الثّاني فلأنّ الكلّي عين الفرد لا أنّه منتزع عنه فوجود الكلّي إذا كان يقينيا فتردّده منشأ للشك في بقائه و توضيح

ص: 60

دفع الإيرادين موكول إلى الأصول و قد دفعناهما بما لا مزيد عليه في تنبيهات الاستصحاب فراجع و أمّا ثانيا فلأنّه لا اختلاف في حقيقة الملك و ليس الجائز مغايرا للّازم في الماهيّة و إنّما الاختلاف بينهما في السّبب المملّك و هو حكم الشّارع في أحدهما بجواز الرد و في الآخر بعدمه

و توضيح ذلك أن منشأ الاختلاف إمّا اختلاف إنشاء المنشئ أو جعل الشّارع أمّا الأوّل فواضح إن العاقد ينشئ معنى واحدا في البيع الخياري و غيره فإنّه يفكّ أحد طرفي الإضافة و يعطي ماله لغيره من دون قصدا للّزوم و الجواز مع أنّه لا أثر لقصد المنشئ اللّزوم و الجواز في البيع و أمّا الثاني فلأنّه يلزم تخلّف العقد عن القصد فإنّ العاقد لو أنشأ نفس القدر المشترك فإذا خصّصه الشّارع في بعض الموارد بإحدى الخصوصيّتين و في الآخر بالخصوصية الأخرى يلزم تخلّف العقد عن القصد هذا على ما أفاده المصنف قدّس سره

و لكنّه لا يخفى أنّه لو جعل الشّارع القدر المشترك في كل مورد متخصّصا بخصوصيّة خاصّة فلا بدّ للعاقد أن يقصد هذه الخصوصيّة و إلّا لبطل العقد رأسا لا أنّه يصحّ على خلاف ما قصده العاقد فالأمر يدور بين البطلان و الصّحة بلا تخلف العقد عن القصد لا الصّحة مع تخلّفه عنه حتى يقال كما في المتن هو باطل في العقود لما تقدم من أنّ العقود الصحيحة عند الشّارع تتبع القصود إلى آخره

و كيف كان فالصّواب في المقام هو المراجعة إلى الوجدان و نرى وجدانا أنّ العاقد في العقود المملّكة لا يقصد إلّا التمليك و لا ينشئ إلّا ذلك

و بالجملة فالحقّ في وجه جريان أصالة اللّزوم هو اتّحاد حقيقة الملك و الاختلاف إنّما هو في السبب المملّك حيث حكم الشّارع باللّزوم في بعض الأسباب و بالجواز في الآخر مع أنّك قد عرفت أنّه لو كان الاختلاف في حقيقة الملك أيضا لجرى الاستصحاب في مورد الشكّ في أنّ الواقع في الخارج لشبهة حكميّة أو موضوعيّة من أيّ القسمين

نعم قد يستشكل في جريان الاستصحاب الكلّي في المقام بعين الإشكال في جريان الاستصحاب الشّخصي إذا وجد أحد الرّافعين

و توضيح ذلك أنّا قد بيّنا في الأصول أنّ في القسم الثّاني قد يجري استصحاب الشّخصي كما يجري استصحاب الكلّي و قد لا يجري فإذا شكّ في أنّه عمل عملا يرفع الحادث المردّد أم لا فيجري استصحاب بقاء الشّخص الحادث الواقعي و نتيجته وجوب الاحتياط أو إيجاد الرافع على أيّ تقدير مثل الجمع بين الوضوء و الغسل في الحدث المردّد بين البول و المني

و أمّا إذا توضّأ ثم شكّ في بقاء الحدث الشخصي الثّابت واقعا فلا يجري استصحاب الشّخصي لأنّ الشك ليس في البقاء بل في حدوث أي واحد من الشّخصين و في كلّ واحد منهما أحد ركني الاستصحاب منتف أمّا في الحدث الأصغر فللقطع بارتفاعه و أما الأكبر فللشكّ في حدوثه فعلى هذا لا يجري في مسألة الحدث بعد إيجاد رافع أحدهما و هكذا في الظّهر و الجمعة و البق و الفيل و نحو ذلك إلّا استصحاب الكلي

و أمّا في المقام فلا يجري استصحاب الكلّي أيضا لأنّ اختلاف الملك ليس إلّا بنفس الارتفاع و البقاء فالشكّ في بقاء الكلّي عبارة عن الشك في أنّ الحادث ما هو فإن تنوعه بنوعين ليس باختلاف السبب المملّك و لا باختلاف حقيقته و ماهيته من غير جهة أن أحدهما يرتفع بالفسخ و الآخر لا يرتفع فإذا كان تنوّعه بنفس اللّزوم و الجواز فينتفي أحد ركني الاستصحاب على أي حال لأن الملك الجائز مقطوع الارتفاع و اللّازم مشكوك الحدوث من أوّل الأمر

و بعبارة أخرى يعتبر في كلّ قضية أن يكون المحمول خارجا عن الموضوع أي يعتبر أن يكون الموضوع في القضية مجرّدا عن عقد الحمل حتى يصلح الحمل و في المقام حيث إنّه ليس تقسيم الملك

ص: 61

إلى القسمين باعتبار الفصول المنوعة و ليس كالحدث المشترك بين النوعين المتخصّص كلّ منهما بخصوصيّة خاصّة من غير جهة البقاء و الزّوال بل جهة تقسيمه إليهما منحصرة بالبقاء و الارتفاع فلو شك في بقاء الملك و ارتفاعه فمعنى استصحاب الملك هو استصحاب الملك الباقي فيصير البقاء الّذي هو عقد الحمل داخلا في عقد الوضع و لا شبهة في خروج هذا القسم من الاستصحاب من عموم لا تنقض عقلا

و مرجع هذا الإشكال في الحقيقة إلى أنّ النّوعين من الملك متباينان بتمام هويّتهما و في كل واحد منهما أحد ركني الاستصحاب منتف كما لا يخفى و على هذا فيمكن أن يكون وجه التأمّل في كلام المصنف راجعا إلى ما ذكرنا لا إلى أنّه ليس للقدر المشترك أثر كما أشار إليه بعض المحشّين فإن جواز التصرف أثر للقدر المشترك بين اللّازم و الجائز

و بعضهم أرجعه إلى أنّ الشكّ هنا في المقتضي فقاس الملك بالحيوان المردّد بين البق و الفيل و لا يخفى ضعفه فإنّ الشكّ في المقتضي هو الّذي لم يحرز فيه عمر المستصحب بحسب أمد الزّمان كالمردّد بين البق و الفيل و أما الملك فإذا تحقّق فلا يرتفع إلّا بالرّافع و الشك في تأثير الفسخ شك في رافعيّة الموجود

قوله قدّس سره و يدل عليه مع أنّه يكفي في الاستصحاب الشكّ في أن اللّزوم من خصوصيات الملك أو من لوازم السّبب المملّك إلى آخره

لا يخفى أن بعض المحشّين أورد على هذا الكلام بأنّه كيف يكفي في الاستصحاب الشكّ في أنّ اللزوم من منوعات الملك أو من الأحكام الشرعيّة للسّبب المملّك و الحال أنّ مع هذا الشكّ ليس المستصحب محرزا

و فيه أن مرجع هذا الشكّ ليس إلى الشكّ في الموضوع لأنّ القدر المشترك بين ما إذا كان الملك على قسمين و ما كان الحكم في السبب المملّك على نحوين محرز قطعا و هو أصل تحقّق الملك فإن كلّ من أنشأ أمرا يتحقّق منشؤه خارجا بنفس إنشائه و تردّده بين الأمرين منشأ للشك في بقائه فيستصحب

و لا يتوهّم أنّ الشكّ في المقام نظير الشكّ في الشبهات المصداقيّة و تقريب ذلك أنّه بعد ما ظهر في وجه التأمّل خروج هذا القسم من الكلّي من عموم لا تنقص عقلا فإذا شكّ في أنّ اللّزوم من خصوصيات الملك حتّى لا يجري الاستصحاب بناء على عدم جريانه في هذا النحو من الكلّي أو من لوازم السّبب الملك أي من الأحكام الشّرعيّة حتى يجري فيشكّ في أنّ المورد من موارد جريان الاستصحاب أو ليس موردا له و كلّ ما كان كذلك لا يجري فيه الاستصحاب للشك في كون المورد من مصاديق العام و هذا نظير اعتبار الاتّصال بين الشكّ و اليقين فإنه إذا شكّ فيه لا يجري الاستصحاب و حكمه حكم العلم بالانفصال هذا ملخّص ما يتوهّم في المقام

و دفعه واضح و حاصله الفرق بين المخصّص اللّفظي و المخصّص اللّبي و المخصّص في المقام لبّي لأن عدم جريان الاستصحاب إنّما هو لاعتبار خروج عقد الحمل عن عقد الوضع عقلا لا لقصور في اللّفظ فإذا أحرز هذا المانع لا يمكن إجراء الاستصحاب و أمّا إذا شكّ فيه فيؤخذ بالعموم و ليس من قبيل الشكّ في الموضوع و الشبهة المصداقيّة

فالحق جريان الاستصحاب في مورد الشكّ في أن اللّزوم من خصوصيات الملك أو من لوازم السّبب المملّك هذا مع ما عرفت من أنّ الملك حقيقة واحدة و إنّما الاختلاف من جهة حكم الشّارع في الأسباب فإذا كان كذلك ففي مورد الشك يستصحب المنشأ بالعقد و لا يقال إنّ الاختلاف في الأفراد أيضا كاف في عدم جريان استصحاب نفس هذه الحقيقة الواحدة كالفرد المردّد بين زيد و عمرو مع العلم بأنّه لو كان زيدا لم يبق يقينا لأنّا نقول فرق بين المقام و المثال

ص: 62

فإنّ زيدا و عمرا و إن كانا متّفقي الحقيقة إلّا أنّ الخصوصيّات الفرديّة دخيلة في الاستصحاب و هذا بخلاف المقام فإنّ الاختلاف ليس إلا من ناحية حكم الشّارع في بعض الأسباب باللّزوم و في بعضها بالجواز كما يظهر من المراجعة إلى الأدلّة

قوله قدّس سره و بالجملة فلا إشكال في أصالة اللّزوم في كلّ عقد شكّ في لزومه شرعا إلى آخره

لا يخفى أنّ مراده قدّس سره من كلّ عقد هو العقود العهديّة لا العقود الإذنية فإنّها لا تجري فيها أصالة اللّزوم لأنّ قوام هذه العقود بالإذن فإذا ارتفع بفسخ المالك و نحو الفسخ يرتفع المنشأ بها قطعا و لا يبقى شكّ حتّى يستصحب أثر العقد و المنشأ به و أمّا العهديّة فلا فرق فيها بين التنجيزيّة و التعليقيّة

و مناقشة المصنف قدّس سره في جريان قاعدة اللّزوم في نحو السّبق و الرّماية و الجعالة لو شك في تأثير فسخ من جعل السّبق مثلا للسّابق قبل وصوله إلى المحلّ المعيّن غير جارية لأنّ الاستصحاب في هذه العقود كاستصحاب عدم النّسخ في الأحكام و يا ليت أنّه قدّس سره عكس الأمر و ناقش في جريان الاستصحاب التعليقي في مثل الزّبيب و التمر لا في العقود التّعليقيّة فإنها من قبيل القضايا الحقيقة في الأحكام التكليفيّة و أوضحنا تنقيح ذلك في الاستصحاب فراجع

و بالجملة لا إشكال في جريان أصالة اللّزوم في كل عقد شكّ في لزومه و جوازه لشبهة حكمية و كذا فيما شكّ في لزومه و جوازه لشبهة موضوعيّة كما لو شكّ في أنّ الواقع في الخارج هبة أو بيع مع العلم بكون الأوّل جائزا و الثّاني لازما نعم في دوران الأمرين الوديعة و القرض لا يجري أصالة اللّزوم لعدم إحراز تملّك من بيده المال في وقت حتى يستصحب فمورد البحث هو العقود المملّكة المشكوك جوازها أو لزومها فمن يدعي اللّزوم هو المنكر لمطابقة قوله للأصل و احتمال كون المقام من باب التداعي إذا كان مصبّ الدّعوى تعيين العقد الواقع في الخارج كما يظهر من صاحب الجواهر قدّس سره تبعا لبعض من تقدّم عنه و تبعه السيد الطّباطبائي في حاشيته على المتن و في بعض كلماته في كتاب القضاء احتمال لا يعتنى به كما أوضحناه في كتاب القضاء

و إجماله أنّ باب التداعي هو ما كان قول كلّ منهما مطابقا للأصل أو مخالفا و أمّا إذا كان قول أحدهما مطابقا للأصل دون الآخر فهو باب المدّعي و المنكر و كيفيّة تحرير الدعوى لا أثر لها بل المدار على الغرض منها على وجه يرجع إلى أثر عقلائي كتأثير الفسخ أو اشتغال ذمة الآخر أو نحو ذلك لا إلى مجرّد إثبات أنّ العقد صلح بلا عوض أو هبة غير معوّضة و إلّا لا تسمع هذه الدّعوى رأسا فإنّها كدعوى أن بر إفريقيا كذا مساحة

ثم لا يخفى أنّ النّزاع تارة في اللّزوم و الجواز و أخرى في الضّمان و عدمه ففي الأوّل المنكر هو مدّعي اللّزوم و في الثاني المنكر هو مدعي الضّمان على المشهور و المختار خلافا لمن تمسّك بأصالة البراءة و ذلك لأنّ مقتضى قاعدة اليد مع أصالة عدم إقدام مالكه الأصلي على المجانيّة هو الضّمان فإن موضوع الحكم مركّب من عرضين لمحلّين و هو اليد على ملك الغير المحرز بالوجدان مع عدم إقدام مالكه على التبرّع المحرز بالأصل فإذا تمّ الموضوع يترتّب عليه الحكم و هو الضّمان

و قد بيّنا في الأصول أنّ التمسك بقاعدة على اليد للحكم بالضّمان في موارد الشكّ في المجانية و رافع الضّمان ليس من باب التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة و لا من باب قاعدة المقتضي و المانع و لا من باب استصحاب العدم النعتي في حال عدم الموضوع بل لما ذكرنا من أنّ الضّمان مترتّب على وضع اليد على مال الغير مع عدم إحراز المجانيّة الذي هو العدم النّعتي حال وجود الموضوع فإنّ التبرّع و التّضمين من نعوت المالك فلو لم يكن متبرّعا في وقت يستصحب عدم التبرع و لا يعارض بأصالة

ص: 63

عدم قصد التضمين فإنّ ضمان مال الغير لا يتوقف على القصد فتدبّر جيدا

و يظهر من السيد الطباطبائي في كتاب القضاء من العروة أنه لو كان محلّ النزاع هو البيع أو الهبة فالأصل البراءة و أمّا لو كان النّزاع في إذن المالك في التصرّف في ماله مجّانا أو مع العوض فالأصل الاشتغال لجريان قاعدة احترام مال المسلم في الثّاني دون الأوّل للاتّفاق على حصول الملك للتصرّف في هذه الصّورة

و لكن لا يخفى عدم الفرق بين القسمين فإنّ في الأوّل و إن اتّفقا على كون المال ملكا للمتصرّف إلّا أنّه علم كونه ملكا لغيره سابقا فمع عدم إحراز المجانية يقتضي أن لا يخرج عن ملكه بلا عوض هذا مع أن في مورد بقاء العين لا أثر لدعوى مدعي الهبة للعلم الإجمالي إمّا بتأثير فسخ الواهب لو كان مدعي الهبة متّهبا واقعا و إما بضمانه لو كان مشتريا

قوله قدس سره و يدلّ على اللّزوم و مضافا إلى ما ذكر عموم قوله النّاس مسلّطون على أموالهم إلى آخره

لا يخفى تماميّة الاستدلال بهذه المرسلة المعروفة بين الفريقين و بالآيتين أمّا المرسلة فلأنّ مقتضى السّلطنة التامة للمالك على ماله أن يجوز له جميع أنحاء التصرّفات المباحة في ماله و قصر سلطنة الغير عنه فالخبر الشّريف متضمّن لعقدين إيجابي و سلبي و لو لم يكن مفيدا للعقد السّلبي فلا يكون مثبتا للسّلطنة التامّة للمالك فاسترجاع المال عنه بلا رضى منه بفسخ و نحوه مناف لسلطنته

و المناقشة في العقد الإيجابي فضلا عن السّلبي بتقريب أنّ الرّواية في مقام بيان عدم محجوريّة المالك لا في نفوذ جميع تصرفاته ما غير مسموعة فإنّه لا قصور في عموم النّاس و لا في إطلاق السّلطنة و مقتضى مقابلة الجمع بالجمع أن يكون كلّ أحد مسلّطا على ماله بأيّ نحو من أنحاء السّلطنة و من أنحاء السّلطنة منع الغير عن التصرّف في ماله و لا يقال إنّ سلطنة المالك لا ينافي الخيار بناء على كونه متعلّقا بالعقد لا بالعين

فإنّا نقول و إن كان الخيار على المختار متعلقا بالعقد دون العين إلّا أن تعلّقه به طريقيّ لا موضوعيّ لأنّه متعلّق به طريقا لاسترجاع العين فبالأخرة إذا كان لغير المالك حقّ استرجاع العين يستلزم أن يكون سلطنة المالك ناقصة و بالعموم ندفع هذا الحقّ أيضا

ثم إنّ ممّا ذكرنا في تقريب الاستدلال ظهر أنّ التمسّك به لأصالة اللّزوم ليس من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة بأن يقال مع الشكّ في تأثير الفسخ يشكّ في بقاء الإضافة فالتمسّك به من التمسّك بالعام مع الشكّ في المصداق و ذلك لأنّ العموم يرفع الشكّ في تأثير الفسخ لتنافي تأثيره مع العقد السّلبي فإن مقتضى السّلطنة التامة أن لا يكون لغيره التملّك منه

نعم التمسّك به في الشبهات الموضوعيّة تمسّك بالعام في الشّبهة المصداقيّة فإنّه مع الشكّ في أنّ الواقع بيع أو هبة لا يمكن رفع الجواز بعموم النّاس مسلّطون لاحتمال كونه من مصاديق ما ثبت فيه شرعا سلطنة غير المالك على ملك المالك و هذا بخلاف الشّبهة الحكمية و الفرق بينهما واضح فإن مرجعهما إلى الشكّ في أصل التّخصيص و الشكّ في مصداق المخصّص

و أمّا الآيتين فآية التّجارة عن تراض إفادتها اللّزوم حتّى في المعاطاة ظاهرة سيّما بناء على ما تقدم من جعل الاستثناء متّصلا بأن يكون مفادها لا تتصرفوا في أموالكم بنحو من الأنحاء فإنّه باطل إلّا بالتكسّب عن الرّضا فبدون رضاء المالك لا يمكن التصرّف في ماله إلّا في المورد التي رخّص الشّارع التصرّف فيها

و أمّا آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فدلالتها على اللّزوم فيما عدّ عقدا لا إشكال فيه سواء قلنا بأنّ الملكيّة و نحوها من الأحكام الوضعيّة كاللزوم في المقام

ص: 64

منتزعة عن الحكم التّكليفي كما هو مختار المصنف أو قلنا بتأصّلها في الجعل و انحصار الانتزاعيّة في الشرطيّة و الجزئيّة و المانعيّة و السّببيّة على ما هو المختار و سيجي ء في أوّل الخيارات توضيح ذلك

و إجماله أنّه بناء على التأصّل فمفاد قوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هو أنّ العقد لازم لا ينحلّ فيكون الأمر فيه إرشادا إلى هذا المعنى و كناية عنه و أمّا بناء على الانتزاعيّة فمفاده وجوب الوفاء بكلّ عقد في كلّ زمان بالنّسبة إلى كل طار فإذا كان مطلقا بالنّسبة إلى جميع الأزمنة و بالنسبة إلى كلّ زماني فلازمه بقاء وجوب الوفاء حتى بعد الفسخ و لازمه عدم تأثير الفسخ

و لا يقال إذا بقي العقد يجب الوفاء به مطلقا و مع الشكّ في بقائه لاحتمال تأثير الفسخ فلا موضوع حتّى يجب الوفاء به لأنّا نقول بناء على الانتزاعيّة لا بدّ أن يكون الحكم التكليفيّ المتأصّل على نحو يناسب انتزاع اللّزوم منه و المناسب له أن يتعلّق الوفاء بالمعنى المصدري أي الالتزام و التّعقيد و لا العقدة و الملتزم به فإذا كان الالتزام بما التزم به واجبا فمعناه أن كلّ واحد من المتعاقدين ليس مالكا لالتزامه الّذي ملك صاحبه

و بالجملة دلالة الآية على اللّزوم في المعاملات اللّفظيّة لا إشكال فيها كما لا إشكال في عدم دلالتها عليه في المعاطاة لعدم إمكان إفادتها له ثبوتا مضافا إلى قيام الإجماع على الجواز و مخالفة المفيد قدس سره غير معلومة و المصنف قدس سره و إن استشكل في هذا الإجماع بأنّ قول الأكثر بعدم اللّزوم من باب عدم التزامهم بإفادتها الملكيّة إلّا أنّه قدس سره أجاب عنه بالإجماع المركّب فإنّ أصحابنا بين قائل بالملك الجائز و بين قائل بعدم الملك رأسا فالقول بالملك اللّازم قول ثالث لأنه مخالف للإجماع البسيط المتحصّل من المركّب فإنّ مرجع القولين إلى عدم إفادتها اللّزوم

و إشكاله عليه بقوله فتأمل الرّاجع ظاهرا إلى عدم جامع بين السّالبة بانتفاء الموضوع و السّالبة بانتفاء المحمول حتّى يكون هذا الجامع متّفقا عليه بين الفريقين غير وارد فإنّ مجرّد عدم وجود الجامع بين السّالبتين لا يضرّ بالإجماع لإمكان قيامه على عدم إفادة المعاطاة اللّزوم

و كيف كان فالحقّ عدم إمكان إفادتها له ثبوتا و ذلك لأنّ اللّزوم المتصوّر في باب العقود على قسمين لزوم حكميّ تعبّدي و لزوم حقّي فالأوّل كما في باب النّكاح و الضمان و الهبة لذي الرّحم و نحو ذلك من القربات الّتي لا رجعة فيها فإنّ في باب النّكاح مثلا يستكشف من عدم صحّة الإقالة و عدم صحّة جعل الخيار لأحد الزّوجين أنّ اللزوم فيه حكم شرعيّ تعبّدي من لوازم ذاته و يقابله الجواز في الهبة لغير ذي رحم فإنّه أيضا حكم تعبّدي و إلّا كان قابلا للإسقاط و الثّاني كما في باب العقود المعاوضيّة اللفظيّة تنجيزيّة كانت كالصّلح و البيع و الإجارة أو تعليقية كالسّبق و الرّماية فإنّ بقوله بعت ينشأ أمران

أحدهما مدلول مطابقي للّفظ و هو تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله الّذي ينشأ بالفعل أيضا لأنّه أيضا مصداق لعنوان البيع بالحمل الشّائع الصّناعي و ثانيهما مدلول التزاميّ له و هو التزامهما بما أنشئا و هو يختصّ بما إذا أنشأ التبديل باللّفظ دون الفعل فإنّ الدّلالة الالتزاميّة بحيث يرى في العرف و العادة ملازمة بين تبديل طرف إضافة بمثله و التزام البائع بكون المبيع بدلا عن الثمن و التزام المشتري بكون الثمن عوضا عن المثمن تجري في اللفظ

و أمّا الفعل فقاصر عن إفادة هذا المعنى فإنّ غاية ما يفيده هو تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله إذا قصد منه و أمّا التزام البائع ببقاء بدليّة المبيع للثمن فليس الفعل دالا عليه

ص: 65

فلو فرض أنّ المتبايعين قصدا التبديل و قصدا بقاءه على ما هو عليه فحيث إنّ البناء القلبي في باب العقود لا أثر له إلّا إذا أتي بما هو مصداق لهذا العنوان و ليس الفعل مصداقا لهذا فلا أثر له فعلى هذا لا يمكن ثبوتا أن يفيد الفعل الالتزام العقدي بل هو خارج بالتخصّص عن عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّ العقد إنّما يسمّى عقدا لكونه مفيدا للعهد المؤكّد و الميثاق و التعهّد و الفعل قاصر عن إفادة هذا المعنى

نعم يمكن إيجاد هذا المعنى بالفعل أيضا إلّا أنّه لا بالتّعاطي بل بالمصافقة و نحوها و أمّا باب الألفاظ فحيث إنّ الملازمات العرفيّة من أنحاء المدلولات و العرف يرى من أوجد البيع بلفظ بعت أنّه التزم ببقائه على ما أنشأه فيمكن أن ينشأ بلفظ بعت معنيان أحدهما نفس التّبديل و ثانيهما التزامهما بما التزما به من التّبديل

ثم إنّ هذا اللزوم العقدي حقّ مالكي أمضاه الشّارع بقوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّه إذا كان من منشئات المتعاقدين لا من التعبّد الصرف يصير حقّا مالكيّا و لذا يجري فيه الإقالة و حقّ الفسخ فإنّه لو كان اللّزوم من لوازم ذات المنشأ لما صحّ جعل الخيار في مقابله سواء كان بجعل شرعيّ كخيار الحيوان و المجلس أو بجعل من المتعاقدين كخيار الشّرط

و على هذا فأصالة اللزوم المستفادة من العمومات مثل قوله ص النّاس مسلطون و قوله ع لا يحلّ و قوله ع البيعان بالخيار و قوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و قوله لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ و قوله إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ تختصّ بالعقود اللّفظيّة و لا تشمل المعاطاة تخصّصا

أمّا آية أَوْفُوا فواضح لما ذكرنا من أنّها ليست عقدا و أمّا البيعان بالخيار فلأنّ اللّزوم الحاصل بالافتراق حيث إنّه جعل مقابلا للخيار فيختصّ بالبيع الّذي كان الالتزام الحاصل منه من منشئات المتعاقدين و أمّا سائر الأدلّة فحيث إن المستفاد منها ليس اللّزوم الحكمي بل اللّزوم الحقّي فلا تشمل المعاطاة فعلى هذا لا يكون المعاطاة لازما لا بجعل شرعيّ تعبّدي و لا يجعل شرعيّ حقّي فيكون جائزا بمعنى عدم تحقّق موجب اللّزوم

و على هذا فالجواز على أقسام ثلاثة الجواز الحكمي التعبّدي كالهبة و الجواز الحقي كالبيع الخياري و الجواز من جهة عدم تحقّق منشإ اللّزوم كالمعاطاة

ثم إنّه لا تنافي بين كون اللّزوم من مقتضيات ذات النّكاح و الضّمان و بين ثبوت خيار الفسخ في بعض الموارد كالعيوب في الرّجل و المرأة و اشتراط بنت المهيرة في النّكاح و إعسار الضّامن مع عدم علم الدائن في باب الضّمان و ذلك لإمكان التّخصيص فإنّ كلّ حكم تعبدي قابل للتّخصيص

و بالجملة لو كان الالتزام فيهما حقيّا و من منشئات المتعاقدين لم يختصّ الخيار بمورد خاص بل صحّ جعل الخيار مطلقا لأنّه لو كان منشأ اللّزوم التزام المتعاقدين لصحّ جعل ملكية كلا الالتزامين لأحدهما أو لكليهما و لصحّ الإقالة منهما فمن عدم صحّة جعل الخيار و عدم جواز الإقالة يستكشف أنّ اللّزوم حكمي

[بقي الكلام في الخبر الّذي تمسّك به في باب المعاطاة]

قوله قدس سره بقي الكلام في الخبر الّذي تمسّك به في باب المعاطاة إلى آخره

لا يخفى أنّ قوله ع إنّما يحلّل الكلام و يحرم الكلام حيث إنّه ورد في باب شراء الشّي ء ممّن ليس مالكا له و في باب المزارعة فلا بدّ أن يكون له معنى يمكن تطبيقه على كلا البابين بحيث يكون كبرى كليّا لهما و إلّا يلزم خروج المورد فيجب أولا بيان محتملات هاتين الكلمتين في حدّ ذاتهما ثم تطبيقهما على محلّ ورودهما

فنقول الوجوه المحتملة خمسة الأوّل أن يكون المراد انحصار المحلّل و المحرّم باللّفظ دون القصد المجرّد و دون الفعل مع القصد و بناء عليه يلزم عدم إفادة المعاطاة

ص: 66

للإباحة و التّمليك الثّاني أن يكون المراد أنّ المضمون الواحد يختلف حكمه باختلاف الألفاظ المفيدة له مثلا البينونة تتحقّق بقوله أنت طالق دون أنت بريّة و علقة الزّوجيّة تحصل بقولها متّعتك دون سلّطتك على بضعي و هكذا و حاصل هذا المعنى أنّه يختلف الحكم باختلاف الأداء و التّعبير و إن كان كلّ واحد من اللّفظين بمعنى واحد

و الثّالث أن يكون المراد أنّ الكلام الواحد قد يكون محلّلا إذا صدر في محلّ و قد يكون محرّما إذا صدر في محلّ آخر مثلا عقد النّكاح يكون محرّما إذا كان العاقد محرما بخلاف ما إذا كان محلّا و أمّا ما أفاده في المتن باعتبار الوجود و العدم ففي غاية البعد

الرّابع أن يراد منه أنّ العبارة الواحدة تختلف حكمها باعتبار قصد الإنشاء منها أو صرف المقاولة و المواعدة مثلا بناء على صحّة النّكاح بلفظ أزوّجك فإذا وقع هذا اللّفظ في زمان العدّة بقصد إنشاء التّزويج فيحرم و إذا وقع مواعدة فلا يحرم و هكذا في الشّراء من الدلّال فإذا أنشأ الدلّال البيع قبل أن يشتريه من مالكه يحرم و إن كان مقاولة يحلّل أي لا يحرم و بعبارة أخرى يراد من الكلام المحلّل الإخبار و المقاولة و من المحرّم الإنشاء و إيجاب البيع

الخامس أن يراد من الكلام نفس معنى اللّفظ لا اللّفظ بمعناه فيصير حاصله أنّ البيع قبل الشّراء محرّم و بعده محلّل و هكذا في باب المزارعة جعل شي ء بإزاء البقر و البذر محرم و جعله بإزاء عمل الزّارع محلّل ثم إنّ المعنى الأوّل لا ينطبق على باب المزارعة فإنّ الظّاهر من الكلام في الفقرتين أنّ المضمون الواحد يختلف حكمه باختلاف التّعبير فإذا جعل في مقابل البذر و البقر شيئا يفسد و إذا جعل بإزاء عمل العامل يصحّ مع أنّ المقصود واحد في الحقيقة فإن العامل لو لم يكن منها البذر و البقر لا يجعل بإزاء عمله هذا المقدار

و ما يقال من كون المراد منهما في باب المزارعة أن القصد لا يؤثر بدون الإنشاء اللّفظي و إنّما المؤثر هو الإنشاء فخلاف الظّاهر لأن مع فرض الإنشاء على نحوين أجاب الإمام عليه السّلام بأن أحدهما محرّم فالظّاهر من الكلام في كلا البابين هو المعنى الثّاني و هو أنّ الغرض الواحد و هو الرّبح في باب البيع و جعل العوض للبذر و البقر في باب المزارعة لو عبر عنه بكلام خاصّ يفسد و لو عبّر عنه بكلام آخر يصحّ و هذا لا يدل على اعتبار اللّفظ في الصّحة و الفساد لعدم كونه ناظرا إلى هذه الجهة أو المعنى الثالث بناء على ما احتماله المصنف

من أنّ المحلّليّة بالكلام باعتبار عدم البيع قبل الشّراء و باعتبار عدم الجعل للبذر و المحرمية به باعتبار البيع و الجعل للبذر و هذا الاحتمال و إن كان جامعا بين البابين إلّا أنّه لا يخفى ضعفه لأنّ نسبة المحلليّة إلى عدم الشّي ء لا تصحّ فإن العدم لا يؤثّر في الصحة و لو أمكن التّفكيك في معنى الفقرتين بين البابين لكان الأنسب بالنّسبة إلى الشّراء من غير المالك هو المعنى الرّابع بأن يكون الألف و اللّام للعهد أي يحلّل الكلام و هو المقاولة و يحرم الكلام و هو البيع

و على أيّ تقدير لا تدلّ الرواية على اعتبار اللّفظ في المعاملات إلّا أن يقال كما أفاده المصنف قدس سره أنّ هذه الفقرة على أيّ حال تدلّ على انحصار المحلّل و المحرّم باللّفظ و إن لم يستظهر منه المعنى الأوّل و ذلك لأنّه لو انعقد البيع بالمعاطاة لم يصح حصر المحرّم بالكلام لإمكان بيع ما ليس عنده بالمعاطاة

و لكنّه قدس سره أجاب عن هذا الإشكال بأنّ وجه انحصار المحرّم بالكلام في هذه المورد من باب عدم إمكان المعاطاة إذ المبيع ليس عند الدلّال ثم أمر بالتأمّل و وجهه

ص: 67

ظاهر و هو أولا إمكان كون المبيع عند الدلال فيبيعه من المشتري ثم يشتريه من مالكه و ثانيا كفاية التّعاطي من طرف واحد

و كيف كان فلا يخفى أنّه على فرض إفادة الرّواية للحصر فالحصر إضافي لأنّ حصر المحلّل بالكلام إنّما هو بالنسبة إلى إيجاب المبيع قبل الشّراء و كذا حصر المحرّم بالكلام إنّما هو بالنّسبة إلى المقاولة لا عدم تأثير الفعل رأسا

و بعبارة أخرى إذا كان مفاد الرّواية حصر كلّ من المحلّل و المحرم بالمقاولة و البيع أي كلّ واحد بالنسبة إلى الآخر لا حصر أصل المحلّل و المحرّم باللّفظ فلا يمكن التمسّك بها لبطلان المعاملة المعاطاتيّة لعدم استفادة عدم تأثير الفعل مع القصد منها لعدم كونها ناظرة إليه

[و ينبغي التّنبيه على أمور]
[الأوّل الظاهر أن المعاطاة قبل اللزوم على القول بإفادتها الملك بيع]

قوله قدس سره و ينبغي التّنبيه على أمور الأوّل إلى آخره-

مقصوده قدس سره من هذا التّنبيه أمران أحدهما بيان اعتبار جميع شروط البيع العقدي في المعاطاة مطلقا أو عدمه مطلقا أو التّفصيل و الثّاني لحوق أحكام البيع لها و عدمه ففيه مقامان

أمّا المقام الأوّل فالحقّ اعتبارها فيها مطلقا أمّا على المختار من إفادتها التمليك فلأنّها بيع عرفا فيشترط فيها ما يشترط في البيع و دعوى انصراف البيع إلى البيع العقدي فتختصّ شروط البيع به غير مسموعة لأنّ الانصراف إنّما يتمّ إذا كان صدق المفهوم على المعاطاة ضعيفا بحيث تكون خارجة عن حقيقة البيع بنظر العرف واقعا و لا شبهة أنّها ليست كذلك

و بالجملة اختصاص الأدلّة الدالّة على اعتبار الشّروط في العوضين أو المتعاقدين بالبيع المنشإ باللّفظ لا وجه له و أمّا بناء على القول بالإباحة فعلى ما اختاره صاحب الجواهر من أنّ إفادتها الإباحة إنّما هي في صورة قصد الإباحة فلأنّه لو كان الدليل على صحّة الإباحة بالعوض هو قوله ع النّاس مسلّطون على أموالهم لكان إطلاقها مفيدا لصحّتها و لو مع فقد الشّرط و أمّا بناء على ما تقدم و سيأتي من أنّ قوله ع النّاس مسلّطون ليس ناظرا إلى باب الأسباب و لا يدل على مشرعيّة صاحب المال و تسلّطه على الأحكام فينحصر دليلها بالسّيرة و لا خفاء أنّ المتيقّن منها صورة استجماع المعاطاة لجميع ما يعتبر في البيع إلّا الصّيغة

و أمّا على ما وجّهنا به قول المشهور من أنّ المتعاطيين و إن قصدا التّمليك و لكن حيث إنهما يوجدان مصداق التّسليط فيترتّب عليه الإباحة فلأنّ دليل صحتها أيضا هو السّيرة و المتيقّن فيها صورة استجماعها لجميع الشّرائط و أمّا على ما يستفاد من كلام الشّيخ الكبير و اعترف به المصنف في المتن من أنّ المتعاطيين يقصدان التّمليك و يوجدان مصداق هذا العنوان و إنّما حكم الشّارع بالإباحة تعبّدا على خلاف ما قصداه فلأنّ الدّليل على ذلك إما السيرة أو الإجماع و هما يقتضيان الصّحة في مورد استجماع جميع شروط البيع

و بالجملة سواء قلنا بأنّ المعاطاة بيع أو معاوضة مستقلّة كما ذكره الشّهيد قدس سره في موضع من الحواشي فالحق اعتبار جميع الشّروط فيها

ثم إنّه قد ظهر سابقا أنّ الوجه الأخير و هو حكم الشّارع بالإباحة تعبّدا على خلاف ما قصده المتعاطيان و إن كان مستبعدا كما عدّه الشّيخ الكبير من مستبعدات ما اختاره المشهور و لم يكن و نقوض المصنف قدس سره عليه واردا إلّا أنه بناء على كون مقصود المشهور هذا الّذي استفاده الشيخ الكبير لا ما وجّهنا به مقصودهم فاعتبار الشّروط فيها أيضا ممّا لا إشكال فيه مع أنّه يمكن توجيه آخر لكلامهم بحيث لا يرد عليه هذا الإشكال و هو أنه يمكن أن يجعل الشّارع لحصول الملك شرطا آخر و هو التصرّف أو التّلف و نحو ذلك من الملزمات كما اعتبر لحصوله القبض في الصّرف و السّلم فقول المشهور بالإباحة إنّما هو قبل الأول إلى البيع

ص: 68

أي قبل حصول الشّرط فعلى هذا إذا قصد المتعاطيان التّمليك و أوجد المصداق هذا العنوان و اعتبر شرعا في تحقّقه شرط متأخّر و هو التصرّف أو التّلف كشرطيّة القبض في حصول الملكيّة في الصرف و السّلم فلا ينخرم قاعدة العقود تابعة للقصود و على هذا فاعتبار الشّروط أيضا لا إشكال فيه لأنّها بيع فيعتبر فيها ما يعتبر فيه

و كيف كان حيث إنّه لا دليل على صحّتها إلّا أدلّة البيع أو الإجماع و السيرة فيقتضي اعتبار جميع ما اعتبر في البيع بالصّيغة فتدبّر جيدا

و أمّا المقام الثّاني فالحقّ فيه هو التّفصيل فيجري فيها الربا سواء قلنا بكونها مفيدة للملك أو الإباحة لأنّ الربا يجري في جميع المعاوضات بل في الغرامات و كذلك يجري فيها الانفساخ بالتلف قبل القبض لما سيجي ء من أنّ هذه القاعدة و إن استفيدت من النّص و هو يختصّ بتلف البيع إلّا أن الأقوى أنّها ليست تعبّدية صرفة بل منطبقة على القاعدة و منشؤها التزام المتعاملين بالتّسليم ضمنا فإذا امتنع التّسليم تنفسخ المعاملة فعلى القول بالإباحة أيضا تنفسخ المعاوضة بل الانفساخ هنا أولى لأن المعاوضة المفيدة لإباحة العوض المسمّى قوامها بوجود المباح فلو تلف لا يبقى مورد للإباحة تعلّق الإباحة بالمثل أو القيمة لا وجه له و أمّا لحوق الخيارات لها فتارة يتكلّم فيه قبل اللّزوم و أخرى بعده

أمّا قبل اللزوم فالأقوى عدم جريان الخيارات مطلقا سواء قلنا بالملك أو الإباحة لأنّ الخيار هو ملك التزام نفسه مع كونه مالكا لالتزام طرفه و بعبارة أخرى أثر إقالة الطّرفين يملكه ذو الخيار فهو مالك لكلا الالتزامين و مالكيّة الالتزام إنّما تجري في العقد دون الفعل الّذي لا ينشأ به إلّا تبديل طرف الإضافة دون البقاء على هذا التبديل و الالتزام به

و بالجملة بعد ما عرفت أنّ الجواز في المعاطاة من باب عدم تحقّق الملزم فلا يجري فيها الخيار لأنّه مقابل للالتزام العقدي فلو لم يكن التزام فلا خيار نعم بناء على ما وجّهنا به الإباحة على القول المشهور يمكن جريان الخيارات مطلقا على القول بالإباحة و ذلك لأنّ حكم المعاطاة قبل الملزمات حكم بيع الصرف و السّلم قبل القبض و مجرّد جواز الرد لا يمنع عن جريان الخيار حتّى مثل خيار المجلس و الحيوان لأنّها بناء على هذا بيع يفيد الإباحة شرعا قبل الملزمات فإذا كانت بيعا فيدخل فيها الخيار و لو كان مبناها على الجواز قبل الملزمات فإنّ جوازها من وجه لا ينافي جوازها من وجه آخر و أمّا حكم الخيار بعد الملزمات فسيأتي إن شاء اللّٰه بعد ذكرها

[الأمر الثّاني أنّ المتيقّن من مورد المعاطاة هو حصول التّعاطي فعلا]

قوله قدس سره الأمر الثّاني أنّ المتيقّن من مورد المعاطاة هو حصول التّعاطي فعلا من الطّرفين إلى آخره

لا يخفى أنّه لم يرد المعاطاة في نصّ أو معقد إجماع حتى يقال إنّ المتيقّن من موردها ما إذا كان التعاطي من الطّرفين دون ما إذا كان الإعطاء من طرف و الأخذ من الطّرف الآخر فالمدار على إمكان إنشاء عنوان البيع أو الإجارة و نحوهما بالفعل من طرف واحد أم لا و ذلك لما أشرنا إليه سابقا و سيجي ء في طيّ المباحث الآتية أنّ المناط في تحقّق عنوان عقد من العقود بالفعل كون الفعل مصداقا لهذا العنوان بحيث يحمل عليه بالحمل الشّائع الصّناعي كحمل الإنسان على زيد و أمّا مجرد قصد عنوان من الفعل من دون أن يكون هذا الفعل عرفا من مصاديق هذا العنوان فلا أثر له في باب العقود لأنّ عناوين العقود من المنشئات و المنشأ إنّما يتحقّق بما هو آلة لإنشائه

و من هنا يظهر أن مثل الصّلح و الهبة المعوّضة و النّكاح و الضّمان و نحو ذلك

ص: 69

لا يمكن إيجاده بالفعل لعدم وجود فعل يكون مصداقا لهذه العناوين فقصد إيجادها بالفعل لا يفيد إذا عرفت ذلك فعمدة الإشكال في جريان حكم المعاطاة في الإعطاء من طرف واحد أنّ الإعطاء كذلك ليس مصداقا لخصوص تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله الّذي يسمّى بيعا و إن قصد به التّعويض بالثّمن الكلّي أو الشّخصي و أخذ الآخر المثمن بقصد القبول و أعطى الثّمن بعد ذلك بعنوان الوفاء لأنّ نسبة هذين الإعطاءين إلى البيع و الهبة المعوّضة متساوية و مجرّد مقاولتهما على كونه بيعا و قصدهما البيع من إيجاد الفعل لا يفيد بعد عدم كونه مصداقا له

و بالجملة حيث إنهما في مقاولتهما عينا عوضا معيّنا كليّا كان أو شخصيّا فيخرج هذا الإعطاء عن عنوان القرض لأنّ العوض فيه هو المثل أو القيمة إلّا أنّه لا وجه لخروجه عن الهبة المعوّضة لأنّها ليست إلّا هبتان مستقلّتان و تمليكان مجانيان و في المقام يمكن ذلك فجعله مصداقا للتبديل الملكي في غاية الإشكال و لا يقاس الإعطاء من طرف واحد بالإعطاء من الطّرفين و يقال كيف يستفاد البيع من إعطاء الطّرفين مع أنّه يمكن أن يكون هبة معوّضة و ذلك للفرق بينهما فإنّه لو كان في البين تعاط فنفس هذا التبديل المكاني بطبعه الأصلي تبديل لأحد طرفي الإضافة الاعتباري بطرف إضافة أخرى و المفروض أنّهما قصدا به التّبديل البيعي و أوجد ما هو مصداق له فإخراجه عن البيع و إدخاله في الهبة المعوّضة يحتاج إلى مئونة زائدة و هذا بخلاف ما إذا كان الإعطاء من طرف واحد فإنه ليس هناك تبديل خارجيّ حتى يكون قصد إنشاء التبديل الاعتباري منه كافيا

ثم إنّه يقوى الإشكال فيما لم يكن الإعطاء و الأخذ من طرف واحد أيضا بل كان مجرّد إيصال الثّمن و أخذ الثمن كوضع الدّراهم في دكان صاحب المخضرّ و أخذ المخضرّ بدلا عنها مع غيبة صاحبه و لا يمكن تصحيحه بكونه وكيلا من الطّرفين في تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله لوضوح عدم توكيل المالك شخصا معيّنا

نعم لو قلنا أنّ البيع هو اسم المصدر لا المصدر صحّ عدّه بيعا لأن نتيجة الإعطاء من الطّرفين وصول العوضين إلى المالكين إلّا أنّ هذا فرض لا واقع له لأنّ البيع يتحقّق بإنشائه بالفعل أو القول و مجرّد وصول كل عوض إلى مالك الآخر ليس بيعا و لو قصد من الإيصال تبدل أحد طرفي الإضافة بمثله لأنّ القصد المجرّد أو القصد مع إيجاد غير مصداق ما هو المقصود لا أثر له فالالتزام بكونه إباحة بالعوض و أنّ الدّليل عليه هو السيرة في خصوص المحقّرات لا بأس به لعدم دليل على انحصار باب المعاوضات بالعناوين الخاصّة

ثم إنّ الأقوى إشكالا منه ما إذا لم يكن وصول أيضا كما إذا تقاولا على مبادلة شي ء بشي ء و تلفّظا بالألفاظ الغير المعتبرة في العقد بأن تكون المعاملة بنفس هذه المقاولة لا بالإعطاء الواقع بعدها بل كان وفاء بالمعاملة

و وجه الإشكال أنّ المقاولة ليست إلّا التّباني على أمر و مجرّد التباني ليس بيعا نعم لو أنشأ بهذه الألفاظ مصداق التّباني بحيث يخرج عن البناء القلبي و الإخبار و الوعد فالصّواب أن يقال إنّها مصالحة لعدم اعتبار لفظ خاص في الصّلح و كون حقيقته هو التّسالم على أمر و يدلّ عليه الخبر الوارد في قول أحد الشّريكين لصاحبه لك ما عندك و لي ما عندي فإنه محمول على الصّلح لأن المنشأ في الصّلح هو التباني على أمر و التّسالم عليه فتأمل

[الأمر الثّالث تميز البائع من المشتري]

قوله قدس سره الثّالث تميز البائع من المشتري إلى آخره

محصّل هذا التّنبيه أنه لو كان أحد المالين اللّذين

ص: 70

وقع التبديل بينهما من الأثمان و الآخر من المعروض فصاحب الثمن هو المشتري و لو كان كلّ منهما من الأثمان فالمشتري هو المعطي ثانيا و لو كان كل منهما متاعا فتمييز البائع من المشتري من وجهين

أحدهما ما تقدم و هو كون المعطي أولا هو البائع و التّالي هو المشتري و ثانيهما من قوم متاعه بثمن و أعطى لكونه يسوي بدرهم كذا فهو المشتري و البائع من لم يلاحظ ماله مقوما بقيمة خاصّة و لو لم يكن كل ذلك و لا قصد و لا سبق مقاولة يدلان على كون أحدهما بائعا و الآخر مشتريا ففي كونه بيعا و شراء بالنّسبة إلى كلّ منهما أو كونه مصلحا أو معاملة مستقلّة وجوه و الأقوى عدم صحّتها

أمّا الأوّل فإنّ في المعاملة الواحدة لا يمكن أن يكون كل واحد منهما بائعا و مشتريا لما عرفت من أنّ البيع تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله و البائع ينشئ التّبديل و المشتري يقبل ذلك و إذا فرضنا أنّ الفعلين وقعا دفعة واحدة و أنّ المالين كلّا منهما من الأثمان أو من العروض و لم يكن سبق مقاولة منهما في تمييز البائع عن المشتري فلا بدّ أن يكون هناك معاملة واحدة قائمة بصرف الوجود من تبديل أحدهما و قبول الآخر و صرف الوجود يتحقّق بأحدهما من دون ميّز بينهما لا ظاهرا كما هو ظاهر و لا واقعا لعدم خصوصيّة في أحدهما دون الآخر

و بالجملة التبديل بين المالين لا يتصوّر فيه أن يكون كل واحد بائعا و مشتريا من جهة إذ بعد حصول الإيجاب من أحدهما لا على التّعيين و القبول من الآخر كذلك لا يبقى محلّ للإيجاب و القبول مرّة أخرى فإنّه تحصيل للحاصل و المفروض أنّه لم يقع هناك إقالة منهما حتى يحصل البيع ثانيا و أمّا كونه صلحا فهو موقوف على أن يكون قصدهما من الإعطاء و الأخذ هو التّسالم لا البيع و على هذا لا وجه لكونه معاملة مستقلّة لأن مع قصدهما التبديل لا يكون إلّا بيعا فالحقّ كون أحدهما لا على التّعيين بائعا و الآخر مشتريا من دون امتياز بينهما واقعا فلا يترتّب على كلّ منهما الآثار الخاصة الثّابتة للمشتري و البائع

[الأمر الرابع أن أصل المعاطاة و هي إعطاء كل منهما الآخر ماله]

قوله قدس سره الأمر الرابع أن أصل المعاطاة و هي إعطاء كل منهما الآخر ماله يتصور بحسب قصد المتعاطيين على وجوه إلى آخره

لا يخفى أنّ الوجه الأوّل في كلامه هو أن يقصد المتعاطيان البيع و الشراء بأن يقصد أحدهما تبديل ماله بمال الآخر الّذي هو بيع حقيقة و بقصد الآخر تملك ما أعطاه البائع مطابقة الّذي لازمه تمليك ماله للبائع

ثم لا يخفى أنّه بناء على ما أفاده من أنّ الإيجاب و القبول يتحقّق بدفع العين أوّلا من البائع و قبضها من المشتري و خروج ما يدفعه المشتري ثانيا و يقبضه البائع عن حقيقة المعاوضة فيلزمه أن يكون المعاملة حاصلة دائما بدفع العين أوّلا و قبضها و يكون دفع المشتري دائما خارجا عن حقيقة المعاوضة

على هذا فلا وجه لما التزم به في الأمر الثاني من أنّ المتيقّن من مورد المعاطاة هو حصول التّعاطي فعلا من الطّرفين لأنّه لا وجه لتقية من بين الأفراد لأن المفروض أنّ العطاء الثّاني لا أثر له و لا يتحقّق به إلّا عنوان الوفاء بالمعاملة لأنّ دفع المشتري إنّما هو من باب التزامه به على نفسه و لذا قال قدس سره بأنّه لو مات الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة فالأقوى أن يقال إنّ المعاملة تتحقّق بفعل كلّ منهما و فعل البائع بمنزلة الإيجاب القولي و إعطاء المشتري بمنزلة القبول القولي و أخذ كلّ منهما وفاء بالمعاملة و التزام بآثارها و على هذا فما يتعارف في قصد المتعاطيين بناء على الملك لا يخلو من ثلاثة على سبيل المنفصلة الحقيقيّة بناء على عدم خروج المعاطاة عن المعاملات المتعارفة لأنّ

ص: 71

الإعطاء إمّا من الطرفين أو من طرف واحد

و على الأوّل إما أن يكون إعطاء أحدهما مترتّبا على إعطاء الآخر أو في عرضه فلو كان من الطّرفين طوليا فهو بيع لا غير لأنّ الأوّل قصد بإعطائه تمليك ماله و تبديله بمال الآخر و الثّاني قصد بإعطائه قبول هذا المعنى و أخذ المعوض من باب الاستيفاء كما أنّ الأوّل يأخذ العوض كذلك

و لو كان عرضيا فلو تسالما على أن يكون تمليكا بإزاء تمليك فهو مصالحة أو معاملة مستقلّة و ليس بيعا لأنّ البيع هو التبديل بين المالين لا التّمليكين و أمّا لو قصد التبديل بين المالين فهو بيع و لو كان من طرف واحد لا يكون إلّا هبة معوّضة

أمّا كونه هبة لا بيعا فلأنّ البيع تبديل مال بمال فالمالان لا بدّ أن يكونا موجودين أو بمنزلة الموجود كالكلّي و المفروض في المقام أنّ أحدهما ليس موجودا و الكلّي لا يمكن أن يكون عوضا في المعاملات الفعليّة لقصور الفعل عن إفادة جعل الكلي في ذمّة المشتري بدلا و القرينة القائمة على عدم المجّانيّة إنّما تقتضي اعتبار العوض و هو ملائم مع الهبة المعوّضة أيضا فينحصر في الهبة بعد عدم كونه بيعا و لا معاملة مستقلّة و أمّا كونها معوّضة فلما عرفت من قيام القرينة على عدم المجّانيّة

فظهر أنّ في مورد قصد التّمليك و إفادة المعاطاة الملكيّة لا يتصوّر إلّا ثلاثة أقسام كل قسم في مقام خاص لا كما يظهر من كلامه قدس سره من جريان جميع الأقسام في جميع الموارد

و بالجملة لو ورد الفعل على المالين فهو إمّا بيع لو قصد أحدهما التّمليك و الآخر التملّك أو مصالحة لو قصدا تمليكا بإزاء تمليك و لا يمكن أن يكون صلحا في مقام البيع لأنه و إن قلنا بعدم كون الصّلح عنوانا مستقلا من عناوين العقود بل كان في كلّ مقام تابعا لما يقصد منه إلّا أنّ الصّلح في مقام البيع معناه أن يكون المصالح عليه هو البيع و حيث إنّه لا يمكن أن يكون في المقام بيعا فلا يمكن إنشاء التّسالم عليه و لو ورد الفعل على مال واحد فهي هبة لا غير غاية الأمر قرينة أنّه لا يملك مجّانا تقتضي اشتراط العوض و لا يمكن أن يكون بيعا لما عرفت من أنّ البيع تبديل مال بمال و الكلّي لا يمكن أن يصير عوضا إلّا باللّفظ و مجرّد القصد لا أثر له ما لم يتحقّق عليه طبقه لفظ أو فعل يحمل عليه عنوان التبديل و الإنشاء باللّفظ مفقود على الفرض و الفعل لا يقع في مقام اللّفظ إلّا في تمليك المال بالمال الموجود لا بالكلّي و القرينة لا تقتضي إلّا عدم المجّانية فتأمّل

ثم لا يخفى أن الوجوه المتصوّرة فيما إذا قصدا التّمليك أو الإباحة أزيد ممّا ذكره قدس سره و إنّما لم يذكرها لخروجها عمّا هو المتعارف من قصد المتعاطيين مع أنّ منها ما لا دليل على صحّته كما لو قصد أحدهما تبديل ماله بتمليك الآخر و هو الفعل الخارجيّ الصّادر من المشتري فيكون من بيع الأموال بالأعمال و كما لو أوقعا المعاملة على وجه الإباحة أي تبديل المباح بالمباح

أمّا الأوّل فلبطلانه في المقام و إن صحّ بيع الأموال بالأعمال و ذلك لأنّ العمل الّذي يقابل بالمال يشترط كونه مقصودا بالاستقلال لا آليا و طريقا لتحصيل المال كما في المثال لأنّه ليس التّمليك بالمعنى المصدري مالا بل المال هو الحاصل من المصدر و ليس هذا الفعل إلّا آلة لحصول اسم المصدر فلا يمكن أن يقابل بالمال و فرق بين البيع بإزاء التّمليك و بيع المال على أن يخيط له ثوبا أو يجري له صيغة عقد أو يبيع مالا من أموال البائع فإنّ الفعل في الأوّل آلي بخلاف الثّاني فإنّه استقلالي يبذل بإزائه المال

و بالجملة الأعمال الّتي تقابل بالمال هي ما يصحّ

ص: 72

أن يتعلّق به الإجارة و إجارة الإنسان لأن يبيع ماله على المؤجر باطلة و الفرق بين التّمليك و سائر الأعمال يظهر في وقوعها شرطا في ضمن عقد لازم فإنّه لو تخلف من اشترط عليه التّمليك ينوب عنه الحاكم أو عدول المؤمنين أو فسّاقهم أو نفس المشترط كلّ لاحق بعد تعذّر سابقه و هذا بخلاف سائر الأعمال فإنّه بمجرّد التخلف يتعذّر الشّرط و يثبت الخيار و السرّ فيه أنّ التّمليك طريقيّ آليّ لا يشترط فيه المباشرة و أمّا الثّاني فلأنّ الإباحة ليست بنفسها أمرا حاصلا للمالك لأنّ ما هو الحاصل له هو الملكيّة و هي قابلة للتبديل لأنّ زمام أمرها بيده بخلاف المباحيّة فإنّها تحصيل بإباحة المالك لغيره و ليست هي حاصلة للمالك في عرض الملك و جواز تصرف المالك في ملكه من آثار مالكيته لا من آثار إباحته له

قوله قدس سره و أمّا إباحة جميع التصرّفات حتى المتوقّفة على الملك فالظّاهر أنّه لا يجوز إلى آخره

حاصل مرامه أنّه لو قصد أحدهما الإباحة و الآخر التّمليك أو قصدا الإباحة بإزاء الإباحة يشكل صحّة هذه المعاملة لأنّ التصرفات المتوقّفة على الملك لا تسوّغ لغير المالك بمجرد إذن المالك و لا يمكن التمسّك لصحتها بعموم النّاس مسلّطون على أموالهم و ليس عمومه بمنزلة دليل خاصّ يدلّ على صحّة التّصرف حتى يكون مخصّصا لأدلّة لا بيع إلّا في ملك مثلا أو يقدّر الملك آنا ما و ذلك لأن عموم النّاس مسلّطون إنّما يدلّ على تسلّط النّاس على أموالهم لا على أحكامهم فالأدلّة الدالّة على عدم صحّة البيع و العتق و نحوهما إلّا في الملك حاكم على عموم النّاس و الموارد الّتي يقدّر الملك فيها آنا ما لا يخلو من ثلاثة ليس الإذن في التصرّف منها

الأوّل استيفاء المال أو العمل بالأمر المعاملي كقول الآمر لمالك العبد أعتق عبدك عنّي و نحو ذلك و الثّاني ملك العمودين و الثالث تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه و تقدير الملك في هذه الموارد ليس بمجرّد الخيال و التصوّر حتّى يتصوّر في كلّ مقام بل له حقيقة تقتضي الأدلّة تقديره في هذه الموارد

و محصّل وجه التقدير في أمثال العتق عن الآمر أنّ أمر الآمر بإيجاد عمل محترم أو بإتلاف مال محترم غير مجّانيّ يرجع نفعه إلى الآمر يقتضي وقوعه لو أوجده المأمور في ملك الآمر لأنّه استوفاه حقيقة بأمره و المفروض عدم صدوره عن المأمور تبرّعا بل بالعوض المسمّى لو عينه أو المثل أو القيمة لو لم يعيّنه فلا محالة يدخل هذا العمل أو المال في ملك الآمر و ينتقل عنه أو يتلف في ملكه فلو أمره بعتق عبده عنه أو بإلقاء ماله في البحر و عليه ضمانه أو بأداء دينه من ماله أو بضمانه عنه أو بحمل شي ء له بحلق رأسه و نحو ذلك فباستدعائه من المأمور يصير شبه قرض في الجميع أو يقال بأنه لو تعلّق أمره بالأعيان فكأنّه اشتراها من المأمور أو بالأعمال فكأنه استأجر عاملها أو بأداء الدّين فكأنّه اقترض من المأمور فيدخل العبد المأمور بعتقه حقيقة في ملك الآمر و ينعتق عنه و هكذا يدخل المال الّذي أمر بإلقائه في البحر في ملك الآمر و يتلف في ملكه إذا لم تكن المعاملة سفهيّة كما إذا توقّف النّجاة من الغرق على الإلقاء و هكذا في مورد الأمر بأداء الدين فبعد دخول المال في ملكه يوفي به دينه و كذا الحوالة على البري ء و هكذا الأمر بحمل شي ء له و نحو ذلك

و بالجملة كل هذه العناوين حيث إنّها معاملة واقعة بين الآمر و المأمور و المأمور امتثل ما أمر به الآمر فتقع في ملك الآمر و إذا عيّن له العوض فلا يستحق إلّا المسمى

ص: 73

و لو لم يعيّن فيضمن له المثل أو القيمة

و من أحكام هذه المعاملة أنّه ليس للمأمور مطالبة العوض إلّا بعد الامتثال و لا يضمن الآمر إلا بعد الاستيفاء فصحّة هذه المعاملة لعموم تجارة عن تراض تقتضي تقدير الملك فكأنّ العبد يدخل في ملك الآمر و ينعتق عنه

ثم إنّ تقدير الملك آنا ما في مسألة العتق ليس لأنّ العتق لا بدّ أن يقع من المالك لأنّه إذا وقع من دون أمر آمر و استدعائه يقع من مالكه و لو قصده عن غيره بعوض فإنّ هذا القصد من دون أمر الغير لغو و لا لأنّ العتق لا يقع من المالك عن الغير كما توهم فإنّ الدّليل الدالّ على وقوعه تطوّعا معتبر دلالة و سندا لكونه معمولا به بين الأصحاب و به يثبت التّلازم بين صحّة الوكالة و صحّة النّيابة في خصوص العتق و إن لم نقل بأنّ كلّ ما يقبل الوكالة يقبل النّيابة بل لما ظهر من أن استيفاء مال محترم كالعبد بالأمر المعاملي و باستدعاء التّمليك بالعوض و تمليك المأمور جوابا عن الاستدعاء يقتضي دخول العبد في ملك المستدعي و انعتاقه عنه دون مالكه الأصلي فمعنى التقدير في أمثال هذه الموارد ليس بمعنى الفرض بل ملك حقيقيّ غير مستقرّ كالملك الحاصل لذي الخيار و الواهب بالتصرّف النّاقل و الملك الحاصل المشتري العمودين و لا وجه لما يظهر من المصنف من الفرق بين الموارد

و حاصل الكلام أنّ نفس استيفاء الأموال أو الأعمال بالاستدعاء المعاملي يقتضي وقوع ما استدعاه في ملك المستدعي و هذا المعنى مفقود في إذن المالك للغير بالتصرّف و إباحته له لأنّ مجرّد الإباحة و الإذن لا يوجب وقوع المأذون فيه و المباح في ملك المأذون و المباح له فلو قال أعتق عبدي عنك من دون إذن في توكيله في العتق عن المالك تبرعا عن الوكيل و من دون إذن في شرائه العبد لنفسه ثم عتقه في ملكه فلا يقتضي وقوع العتق في ملك المأذون حتى يقدّر الملك آنا ما لعدم دليل يدلّ على جواز هذا النّحو من التصرّف من غير المالك بإذن المالك حتّى يقدر الملك آنا ما بدلالة الاقتضاء و عموم النّاس مسلّطون قاصر عن شموله له لحكومة الأدلة الدالّة على توقف هذه التصرّفات على الملك عليه

ثم لا يخفى أنّ دلالة الاقتضاء المستفادة في المقام ليست من مداليل الألفاظ و لا ممّا يتوقّف صحّة الكلام و الخروج عن اللغويّة عليه حتى تستفاد هذه الدلالة في عكس المقام و هو ما لو قال أعتق عبدي عنك أو اشتر من مالي لنفسك طعاما بل وجه استفادة دلالة الاقتضاء هو أنّ استيفاء المال أو العمل المحترم مع عدم قصد التبرّع من المالك أو العامل يقتضي ضمان المستوفي و مقتضى ضمانه انتقال ما استوفاه إلى ملكه لأن ضمانه من باب المعاملة لا الغرامة حتى لا يقتضي دخول المضمون به في ملك الضامن فدلالة الاقتضاء في المقام نظير اقتضاء إيجاب شي ء لإيجاب مقدّمته و هذه الدّلالة لو وجدت في عكس المسألة نلتزم بها كما لو فرض أنّه قصد الإعطاء مجّانا بنفس الفعل و قال اشتر لك من مالي طعاما من دون أن يقصد بالقول إنشاء التّمليك و من دون توقف التّمليك على اشتراط المأمور بل داعيه تمليك المال للمأمور مجانا لأن يشتري به شيئا خاصا أو قصد الإقراض و كان القبول من المتّهب بنفس الأخذ من دون مدخليّة للاشتراء في القبول أو كان غرضه توكيله في الاشتراء للمالك ثم أخذ الطّعام قرضا أو اشتراء الطّعام لنفسه في ذمّته و إيفائه من مال الآمر بإذنه و يصحّ كلّ ذلك لو قلنا بوقوعه بالألفاظ

ص: 74

المجازيّة و الكنائيّة إلّا أنّ جميع ذلك خارج عن مفروض المسألة لأنّ المفروض هو حصول النّقل و الانتقال بنفس الأمر و الامتثال و هذا إنّما يصحّ في أعتق عبدك عنّي أو أدّ ديني أو احلق رأسي لا في مثل أعتق عبدي عنك و اشتر لنفسك من مالي طعاما

و توضيح الفرق بينهما أنّ في الأصل و هو العتق عن الغير و أداء دينه و حلق رأسه يصحّ بنفسه من مالك المال و العمل و إذا صحّ مجّانا يصحّ مع العوض فإذا استدعى الآمر صدوره من المالك و العامل مع التزامه الضّمان و امتثل المأمور فيقتضي الاستدعاء و الامتثال مع عدم قصد التبرّع الضّمان و لازم الضّمان التعهّدي دخول المضمون به في ملك الضامن و هذا هو الملك التّقديري

و أمّا في عكس المسألة فالاشتراء للنّفس بمال الغير و عتق عبد الغير لا يصحّ حتى يكون الأمر به استدعاء و امتثاله إيجابا فلا أثر هنا للامتثال و لا للأمر من المالك و إباحته لغيره و إذنه في التصرّف لأنّه ليس من أنحاء سلطنة المالك الإذن بتصرّف يتوقّف على الملك لأنّ الإباحة المطلقة لا يباح بها إلّا ما هو جائز بذاته شرعا كما عرفت في الأصل لا ما يباح بالإباحة فإنّ الإباحة بها فرع صحّتها و صحّتها بالإباحة دور واضح فتقدير الملك في العكس دور واضح لتوقّفه على صحّة عتق المأمور و صحّته يتوقّف على التقدير

نعم لو قام دليل خاصّ على صحّة هذه الإباحة بالإذن كما ادعي قيام السيرة على صحّة المعاطاة فيما لو قصد المتعاطيان الملك مع ترتّب الإباحة عليه و كذا لو قصد الإباحة المطلقة و ادّعى الإمضاء أيضا أو قام دليل على عموم أنحاء سلطنة المالك حتّى إذنه في التصرّفات المتوقّفة على الملك لخصّصنا به الدليل الدالّ على اعتبار وقوع هذه التصرّفات في الملك لو كان شرعيا أو نقدر الملك آنا ما لو كان عقليا

و أما إذا لم يقم دليل خاص فبعموم الناس مسلّطون لا يمكن إحراز كفاية إذن المالك و إباحته في التصرّف فيما يتوقّف على الملك

و بالجملة كون عكس المسألة من قبيل المسألة إنّما هو فيما لو كان إذنه في عتق العبد إذنا في توكيله باستيفاء العبد من قبل مالكه بأمر معاملي موجب للضّمان فوقوع العتق بمنزلة الاستيفاء بالضّمان و الإذن بمنزلة القبول و لازم الاستيفاء بالضّمان وقوع العتق في ملك المستوفي الضّامن و ولائه له بخلاف ما إذا أذنه في عتقه من قبل مولاه تبرعا منه للمأمور فإنّ ولاءه للإذن الّذي خرج العبد عن ملكه و أمّا مجرّد الإذن في العتق بدون قصد التبرع و بدون وقوع المعاملة بينهما فلا يفيد في صحّة وقوع العتق لأنّ النّاس غير مسلّطين على إباحة ما لا تؤثّر الإباحة فيه

ثم إنّ الأمور الّتي تتوقّف على الملك قطعا هو البيع و العتق و الوطي و أمّا الخمس و الزكاة و ثمن الهدي ففيها خلاف كما سنشير إليه

أمّا البيع فلما تقدم من أنّ حقيقته تبديل المالين و لازمه خروج العوض عن ملك من يدخل في ملكه المعوّض و بالعكس فمع بقاء ما أخذ بالمعاطاة في ملك مالكه أي المبيح لا يمكن دخول العوض في ملك المباح له من دون خروج المعوّض عن ملكه و ليس اعتبار هذا الشرط لإخراج التّمليك المجاني حتى يقال يعقل تمليك الإنسان مال غيره بعوض يملكه بإزائه كما يعقل تمليك ماله بعوض يملكه غيره بل لبيان حقيقة البيع و هو تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله فإذا كان في المثمن أحد طرفي الإضافة مالكه و الطّرف الآخر هو المثمن و كان في طرف الثمن أيضا كذلك فلا بدّ أن يقوم العوض مكان المعوّض

ص: 75

في الطرفيّة و لازمه أن يصير مالك المعوض مالكا للعوض و بالعكس فلا يعقل أن يقع التمليك من غير المالك و يقع العوض ملكا لهذا الغير و لا يعقل أن يقع التّمليك من المالك بعوض يملكه غيره مع أنّ المعاملة مجّانية بالنّسبة إلى الغير الّذي أخرج منه المال في المثال الأوّل و المالك في المثال الثّاني و إن لم يخرج المال مجّانا و بلا عوض

و بالجملة لا يمكن أن يقع المعاملة بين ثلاثة أشخاص أو أربعة بأن يخرج المتاع من ملك زيد و العوض من عمرو و يملك بكر العوض أو المعوّض أو يملك بكر العوض و خالد المعوّض فبدون دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوض و بالعكس لا يمكن أن يكون بيعا بل هذا حال سائر المعاوضات أيضا فإن حقيقتها تقتضي أن يكون طرف العقد و من يقام به المعاوضة مالكا للعوض فإنّ في المصالحة بين اثنين أو غيرها من العقود تقتضي أن يكون المتعاقدان طرفي الإضافة فلو صالح عن ماله زيدا على أن يكون عوضه الّذي هو مال زيد لعمرو يكون الصّلح باطلا إلّا أن يكون بنحو الاشتراط الّذي لازمه مالكيّة المشترط الشرط على المشروط عليه دون عمرو فالمعاوضة بين اثنين تقتضي أن يكون الأجنبي أجنبيّا و على هذا فيلحق بالبيع الهبة لتوقّفها على الملك حتى صار قولهم وهب الأمير ما لا يملك من الأمثال و هكذا الصّلح و نحوه من المعاوضات فإنّها في حكم البيع في اقتضائها دخول العوض شرطا كان أو مالا أو سائر الاعتبارات العقلائية في ملك من يخرج المعوض عن ملكه

نعم شبه المعاوضات كالنكاح و الخلع لا يقتضي ذلك فيصحّ أن يكون الصداق من غير الزوج و هكذا يصحّ أن يكون البذل من غير الزوجة إلّا أنّه في الحقيقة خارج عن العقود المعاوضيّة

و أمّا العتق فلأنّه فكّ الملك و من الإيقاعات فلا بدّ من تحققه ممن له إيجاده و إيقاعه و الإذن في التصرّف لو كان راجعا إلى توكيل المأذون في العتق عن المالك و لو تبرعا عن المأذون فهو خارج عن محلّ الكلام لأنّ العتق حقيقة واقع في ملك المالك لا المباح له و المأذون و لذا يكون ولاءه للمالك و لو رجع إلى مشروعيّة الإذن في وقوع العتق عن غير المالك فلا دليل عليها

و بالجملة لا فرق بين البيع و العتق فكما لا يجوز بيع مال الغير بحيث يدخل الثمن في ملك البائع دون المالك فكذا لا يجوز عتق عبد الغير بحيث يكون المعتق غير المالك و يكون ولائه له أيضا

و كما أن إباحة المالك و إذنه في بيع غيره و كذا إجازته بعد وقوع البيع لا يجديان في أن يكون ثمن ماله للغير فكذا إباحته و إذنه للغير في عتق عبد الآذن أو إجازته بعد وقوع العتق منه لا يجديان في أن يكون ولائه للغير

نعم بين البيع و العتق فرق من جهة أخرى و هي أنّ في العتق حيث إنّه يجوز التبرع من مالك العبد عن غيره فينفذ إذنه للغير في أن يعتق عبد المالك عن نفسه و أما البيع فحيث إنّه تبديل طرف إضافة بطرف إضافة أخرى فلا يؤثر إذن المالك في بيع المأذون لنفسه و صيرورة الثمن له لما عرفت من أنّ هذا ليس معاوضة لأنّها عبارة عن لبس بعد خلع فكلّ من خلع يلبس بدله و لا يمكن أن يكون الخلع من أحد و التلبس للأجنبي

و أمّا الوطي فلأنّه اعتبر بالنصّ و الإجماع وقوعه في ملك الواطئ أي لا بدّ أن يكون الواطئ مالكا للوطي سواء كان للزّوجية أو لملك الرّقبة و للتّحليل و لا يملك الوطي بالإذن من المالك لاعتبار ألفاظ خاصّة في التّحليل و التزويج

ص: 76

و أمّا ثمن الهدي فلا مانع من إعطائه من مال الغير بإذن مالكه سواء كان في الكفّارات أو في حجّ القران أو الإفراد لأن نفس السوق لا بدّ أن يقع قربيّا و مباشرة من السّائق لو قلنا بالأخير لا ثمن المسوق

و أمّا الخمس و الزكاة فلو قيل بتعلّقهما بالذمّة يجوز إخراجهما من مال غير من تعلقا بذمّته كسائر الديون الّتي يجوز أداؤها من مال غير المديون و لو قيل بتعلّقهما بالعين كما هو المشهور فيشكل جواز التبرّع عمن عليه إمّا لاعتبار مباشرته أو لاختصاص ولاية الإخراج من غير العين به فلا يؤثر إذنه في الإخراج

فتحصّل ممّا ذكرنا أن كلّ ما يتوقّف صحّته على الملك لا يجدي فيه الإذن و الإباحة لأنّ صحّته بهما تتوقّف على عموم النّاس مسلّطون و عمومه فرع عدم تخصّصه بما دلّ على اعتبار الملك عقلا أو عدم تخصيصه بما دلّ على اعتباره شرعا و لا وجه للالتزام بالملك التقديري إلّا بعد صحّته في نفسه كما عرفت ممّا ذكرنا في موارد استيفاء الأموال أو الأعمال بالأمر المعاملي فإنّ إتلاف هذه الأموال و الإتيان بالأعمال بنفسها مشروعة من مالكها و مقتضى الأمر المعاملي أن يكون ضمانها على المستوفي و مقتضى الضّمان وقوعها في ملك الضّامن

أمّا ما شكّ في صحّته كما في الإذن و الإباحة فالتقدير فيه فرع عموم التسلّط و لا عموم مع وجود الدّليل الدال على لزوم وقوع هذه التصرّفات في الملك و المورد الثاني من الموارد الّتي يقدر فيها الملك آنا ما تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه و ما يلحق به كتصرف الواهب في العين الموهوبة بالتصرّف الّذي يتوقّف على الملك فإنّ دليل نفوذ هذا التصرّف يقتضي وقوعه في ملك المتصرّف ثم خروجه عنه فإن من وجود المعلوم و هو نفوذ بيع ذي الخيار و الواهب و انتقال العين منهما إلى المشتري يستكشف أنّ المبيع قبل البيع أو في زمان الإنشاء ملك لهما كما أنّ في مثل أعتق عبدك عني يستكشف الملك من العلّة و هو الضمان النّاشي عن الأمر المعاملي و المورد الثالث شراء من ينعتق على المشتري و انعتاق أمّ الولد من نصيب ولدها و انعتاق العبد المسلم عن الكافر في بعض الصّور فإنّ من المعلول و هو الانعتاق يستكشف الملك أو يقال ترتّب الانعتاق من لوازم الملكيّة فعليّة الملك لأمر مترتّب عليه موجبة لثبوت الملك بالشّراء أو التوريث ملكا غير مستقرّ

و على أيّ حال تحقّق أصل الملك في الموارد الثّلاثة لا إشكال فيه لأنه يستكشف إمّا من علته أو من معلوله أو من أمر ملازم له مترتّب عليه و أما كونه آنا ما و غير مستقر فهو مقتضى الدليل القائم في كلّ مورد و كيف كان فالإباحة و الإذن لا يدخل تحت هذه العناوين و لا دليل على نفوذهما حتى يستكشف منه الملك من جهة الجمع بينه و بين دليل توقّف التصرّف على الملك

قوله قدّس سره فليس ملكا تقديريا نظير الملك التقديريّ في الدّية بالنّسبة إلى الميّت أو شراء المعتق عليه إلى آخره

قد أشرنا إلى ما يرد على هذا الكلام و قلنا في جميع هذه الموارد أنّ الملك حقيقيّ غير مستقر و أنّ المراد من التقدير ليس مجرّد الخيال فلا فرق بين الملك المستكشف من نفوذ تصرف الواهب و ذي الخيار و الملك المستكشف من انعتاق الأقرباء على المشتري و الملك المستكشف للميّت القتيل من إرث وارثه فإنّه كما يستكشف من صحّة بيع الواهب أو عتقه كونه مالكا قبل البيع أو العتق لو قلنا باعتبار وقوع الإنشاء في الملك أو كونه مالكا حال البيع أو العتق لو قلنا باعتباره وقوع المنشإ في الملك فكذلك يستكشف من وراثة الورثة من دية الميّت المقتول أنّ المقتول حال القتل أو آنا ما قبله مالك لديته حتّى

ص: 77

يرث الوارث منها

نعم لو كان مراده قدّس سره من الميّت هو الذي قطع أحد أعضائه بعد الموت و من الذي ينعتق عليه أقرباؤه هو الّذي لا يملكهم كما قيل بعدم حصول الملك لمشتري القريب نظرا إلى بعض الأخبار الدالّة على أنّ العمودين لا يملكان لكان الفرق بين هذين المثالين و تصرّف الواهب بالبيع و نحوه بيّنا فإنّ نفوذ بيع الواهب كاشف عن كون المبيع ملكا له و أمّا الميّت فلا يملك إلّا حكما

كما أنّ الانعتاق على المشتري ليس إلّا تعبّدا جزاء لكونه بصدد شراء أقربائه و على هذا تسويته قدّس سره بين الميّت و المنعتق عليه أقرباؤه لا يصحّ لأن الميّت يملك ديته حكما و المنعتق عليه لا يملك رأسا

كما أنّه لا يصح كلامه لو كان مراده من الميّت الذي قطع أعضاؤه بعد الموت و من المشتري من ينعتق عليه ما ملكه بالشّراء كما في بعض الأخبار الدالة على أنّهما يملكان فينعتقان بلحاظ الفاء الدالّ على الترتّب لأنّه لا جامع بينهما فإنّ الملك للمشتري ملك حقيقيّ غاية الأمر جعله الشّارع علّة لزواله في المرتبة المتأخّرة أو جعل الشراء سببا لأمرين الملكيّة و الانعتاق

و أمّا ملك الميّت للدّية فهو ملك حكمي دلّ عليه الدّليل و إنّما النزاع في تقديره من زمان الموت حتّى يرث منه كل وارث حينه أو من زمان ورود القطع و هكذا النّزاع في ملك الميّت للصّيد الواقع في الشبكة الّتي نصبها حال حياته إنّما هو في أنّ الوارث حين النصب يرث و حين الاصطياد

قوله قدّس سره فلم يبق إلّا الحكم ببطلان الإذن في بيع ماله لغيره إلى آخره

قد تقدم أنّ الإذن بنفسه ليس مشروعا فنفوذه لجواز تصرف المأذون إنّما هو فيما ثبت للإذن شرعا

و تفصيل ذلك أنّ ما كان من قبيل الإتلافات الّتي كانت للمالك مباشرة أو توكيلا فينفذ الإذن فيه و ما لم يكن له ذلك فلا ينفذ فإذا أذن في الأكل و الشرب و العتق و أداء الدّين و نحو ذلك فينفذ أمّا الأوّلان فواضح لأنّه من آثار سلطنة المالك على ماله

و أمّا العتق فلما ظهر من أنّ العتق عن الغير تبرعا جائز و نافذ و يقع عنه سواء كان واجبا أو مستحبّا على الغير فإذن الغير به بمنزلة توكيله في عتقه عن مالكه للوكيل و مقتضاه وقوعه مجّانا لو لم يكن مسبوقا بالاستدعاء من الغير إلّا أن تقوم قرينة على التّضمين فيضمن لو أعتقه كما أنّ مقتضى الاستدعاء أن يكون ضمانه على المستدعي فيقتضي دخوله في ملكه آنا ما إلّا أن تقوم قرينة على عدم الضّمان و على الاستدعاء من المالك مجّانا

و بالجملة إذن المالك بالعتق عنه لغيره نافذ و لكنّه يحكى عن المسالك في باب الكفّارات أنّه لا بد أن يقع العتق في ملك المعتق و عن نفسه لا عن غيره و إنّما خرج عتق الولد عن الوالد تبرعا بالدّليل و لا يخفى أنّ ما أفاده يتمّ لو قام إجماع عليه و إلّا مقتضى القاعدة صحته من مالك العبد عن غيره لأنّه من قبيل سائر التبرّعات كأداء الدين و إعطاء ثمن الهدي و مهر زوجة الغير و نحو ذلك فحكمه حكم الإذن في الإتلاف نعم تقدم وجه الإشكال في الخمس و الزكاة

و بالجملة كلّ ما كان للمالك إتلافه مباشرة تؤثر إذنه فيه لأنه من الواضح عدم اعتبار المباشرة في مثل ذلك و ما لم يكن للمالك مباشرته كالشراء بماله للغير أو شرائه لنفسه بمال الغير بل مطلق المعاوضات فإذنه لا يؤثّر في صحّته إلّا أن يرجع إلى الإذن في القرض ثم الاشتراء لنفسه بماله أو يكون مجرّد مقاولة قبل البيع كما في أخبار العينة الدالّة على أنّه لو كان للآمر الخيار و للمأمور كذلك فلا بأس أي إذا اشترى أحد بماله لنفسه و لو كان داعيه أمر غيره

ص: 78

بالشراء و لذا كان مختارا في بيعه من الأمر و عدمه فلا محذور فأخبار العينة ناظرة إلى جهة المرابحة و إلى بيان أنّه لو كان مقصود المتبايعين أخذ الربا يبطل البيع و الشراء و أمّا لو كان قصدهما البيع الحقيقي فلا يبطل و ليست ناظرة إلى جواز شراء شي ء بماله لغيره و نحن نذكر واحدا منها تيمنا

ففي رواية الحسين بن منذور قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع الرجل يجيئني فيطلب العينة فاشترى له المتاع مرابحة ثم أبيعه إياه ثم أشتريه منه مكاني فقال إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس فإنّه عليه السّلام في مقام بيان أن مقصودهما لو كان المعاوضة حقيقة فلا بأس و لو كان مقصودهما أخذ الرّبح فربا و أمّا أنّ شراء المستدعى منه من مال المستدعي بعد قرضه منه أو من نفسه فليس الإمام عليه السلام بصدد بيانه

ثم لا يخفى أنّه لو باع المأذون المفروض يقع البيع للمالك إمّا لازما أو موقوفا على الإجازة ثانيا كما سيجي ء إن شاء اللّٰه في الفضولي تفصيله و ملخّص وجه الاحتمالين أنّه لو كان بيع المباح له مال غيره لنفسه من قبيل بيع الولد مال أبيه بظن حياته ثم تبين موته قبل البيع فيحتاج إلى الإجازة لأنّه لم يقصد بيع مال نفسه و لو كان من قبيل من باع ماله على أن يصير الثّمن ملكا للغير فالقصد لغو و يقع البيع لنفس البائع و لا يحتاج إلى الإجازة ففي المقام حيث قصد البائع بيع مال غيره لنفسه يكون هذا القصد لغوا كقصد الغاصب بيع مال المغصوب منه لنفسه و بيع الغاصب و إن توقّف وقوعه للمالك على إجازته إلّا أنّ في المقام يقع البيع للمالك لا إجازته للتّلازم فيما صحّ بالإجازة صحّ بالإذن فإنّه لو أثّر الإجازة اللاحقة يؤثر الإذن السّابق بطريق أولى

و لكن الأقوى الاحتياج إلى الإجازة في المقام لأن التلازم فيما صحّ بالإجازة صحّ بالإذن إنّما هو لو وردا في محلّ واحد و في المقام الإذن تعلّق ببيع المأذون مال غيره لنفسه لا لمالكه و في باب صحّة ما باعه الغاصب لنفسه بالإجازة إنّما هو لأنّ الغاصب بنى على مالكيته فأوقع المعاملة بين ملكي المالكين فالإجازة ترد على تبديل المالين فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ الإذن ليس مشرعا و لا يباح به إلّا ما يجوز للمالك مباشرته فتأمّل

قوله قدّس سره و لكن الّذي يظهر من جماعة منهم قطب الدين إلى آخره

لا يخفى أنّه و إن كان ظاهر جماعة أن شراء العالم بالغصبيّة من الغاصب يوجب تملّك الغاصب الثمن و لما اشتراه بهذا الثّمن إلّا أنّ هذا لا يمكن الالتزام به و لذا حمل بعض تملّك ما اشتراه الغاصب بالثمن الّذي أعطاه العالم بالغصبيّة على ما إذا وهبه العالم لا على ما إذا أباح له فإن مجرّد الإباحة لا أثر له و يمكن أن يكون قوله قدّس سره فتأمّل إشارة إلى أنّ ما يظهر من جماعة لعلّه محمول على هبة العالم لا إباحته له

قوله قدّس سره و أمّا الكلام في صحّة الإباحة بالعوض إلى آخره

إباحة أحد المالكين ماله للآخر بعوض أي تقابل الإباحة مع الملك يقع على قسمين الأوّل أن يبيح المالك ماله على أن يكون المباح له ضامنا بالمثل أو القيمة و هذا لا إشكال فيه فإنّه نظير العارية المضمونة الثّاني أن يبيح له بضمان المسمّى كما هو مفروض البحث و هذا تارة يقع بالمعاطاة كما هو مفروض كلام المصنف و أخرى بالقول على كلا التّقديرين لا إشكال في خروج هذه المعاملة عن عنوان البيع لأنّه تبديل مال بمال لا تبديل الإباحة بالمال إنّما الكلام في أنّها

ص: 79

عنوان مستقل أو داخلة في عنوان الصّلح

ثم بناء على الأول ما الدّليل على صحّتها و نحن في الدورة السّابقة نبينا على أنّها داخلة في عنوان الصّلح لأنها بمعنى التّسالم و الاتفاق على أمر و هذا العنوان لا يشترط أن يكون منشأ بلفظ صالحت أو تسالمنا على كذا بل يكفي كلّ لفظ أو فعل يدلّ عليه و لو بالالتزام كما ورد في صلح الشّريكين بقولهما لك ما عندك و لي ما عندي إلّا أنّ الأقوى عدم دخولها تحت عنوان الصّلح و لو بناء على تحقّقه بكل فعل أو لفظ يكون دالا عليه لأنّ مجرّد الاتّفاق على أمر لا يوجب دخوله في عنوان الصّلح و إلّا كان البيع و الإجارة و نحوهما أيضا داخلا فيه بل لا بدّ إمّا أن ينشأ عنوان الصّلح بقولهما صالحت و قبلت أو بما يكشف عنه بالدلالة السّياقيّة كما في صلح الشّريكين فإنّهما بعد نزاعهما لو تسالما على أمر و قال أحدهما لك ما عندك و لي ما عندي و قال الآخر كذلك أو قبلت فمن سوق كلامهما يستكشف أنّهما في مقام التّسالم

و أمّا في المقام و هي الإباحة العوض فلا دلالة لفظيّة أو فعلية على إنشاء العنوان و لا سياقيّة فكيف يقال إنّه صلح ثم إنّه لا يمكن التمسّك لصحتها بقوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لا بقوله تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ أمّا الأوّل فلأنّها إذا وقعت بالفعل فلا تكون عقد و إن وقعت بالقول فلا تكون من العهود المتعارفة حتى يكون قوله سبحانه إمضاء لها و أمّا الثّاني فلأنّ التّجارة و إن كانت مطلق التكسّب إلّا أنّه لا بدّ أن يكون التكسّب من الطّرفين و المباح له لم يكتسب ملكا و مطلق استيفاء المنافع ليس تكسّبا فتأمّل

نعم قد تقدّم أنّه يمكن التمسّك لصحّته بعموم قوله ع النّاس مسلّطون على أموالهم لأنّ هذه القاعدة و إن لم تجري في ناحية الأسباب و لا تدلّ على كفاية العقد الفارسي مثلا إلّا أنّها جارية في ناحية المسبّبات و من آثار سلطنة النّاس على أموالهم إباحة مالهم بالعوض المسمّى إلّا أن يناقش في عموم القاعدة بحيث يشمل المقام لأنّه لو لم يكن الإباحة بالعوض المسمّى مندرجة تحت أحد العناوين المتعارفة الّتي أمضاها الشّارع فليس للمالك التسلّط عليها

هذا مع أنّ كلّ إجارة فاسدة و بيع فاسد لا محالة متضمّن للإباحة بالعوض المسمّى فما معنى عده من العقود الفاسدة فتأمّل

قوله قدّس سره و على تقدير الصّحة ففي لزومها مطلقا إلى آخره

لا يخفى أنّه على فرض الصّحة فالصّواب هو التّفصيل بين الواقع بالفعل و القول على ما اخترناه من جواز المعاطاة فلو وقع بالقول فالحق لزومه من الطّرفين لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء على أن مفاده هو الحكم الوضعي كما هو الحقّ و تبيّن وجهه في محلّه لأن نفوذ العقد و كونه ممضى يقتضي نفوذه من الطّرفين فإنّ العقد هو العهد المؤكد الواقع بين المعاملين فلا يمكن التّفكيك إلّا إذا ثبت بالدّليل كما في الجواز الثّابت للمرتهن دون الرّاهن

نعم بناء على أن مفاده الحكم التكليفي فيمكن أن يجب الوفاء على أحد المتعاقدين دون الآخر و لو وقع بالفعل فالحقّ جوازه من الطّرفين و التّفصيل بين الملك و الإباحة لا وجه له

[الأمر الخامس في حكم جريان المعاطاة في غير البيع]

قوله قدّس سره الأمر الخامس في حكم جريان المعاطاة في غير البيع إلى آخره

لا يخفى أنّ الاستدلال بأدلّة المعاملات لصحّة المعاطاة فيها يتوقّف على إثبات مقدّمتين

الأولى كون الفعل بنفسه مصداقا لهذه العناوين ليصحّ الاستدلال بأدلّة العناوين على صحّته أو كونه مصداقا لأمر ملازم لأحد العناوين بحيث يترتّب عليه بجريان العادة المألوفة و السيرة المستمرّة

ص: 80

ما يترتّب على ملازمه بأن كانت السيرة دليلا على ترتب ما يترتّب على ملازم الفعل لا أن تكون دليلا على أصل صحّة المعاملة الفعليّة فبعد جريان العادة يدخل الفعل بالملازمة في أحد العناوين و يصحّ الاستدلال له بما يستدلّ به للعناوين نظير القول فإنه قد ينشأ به أحد العناوين مطابقة و قد ينشأ به أحدها التزاما

و وجه اعتبار كون الفعل مصداقا لها و مصداقا لملازمها ما أشرنا إليه سابقا من أنّ مجرّد قصد عنوان وقوع الفعل عقيبه لا يؤثر في تحقّق هذا العنوان إذا لم يكن الفعل آلة لإيجاده أو إيجاد ملازمه

و الثّانية أنّ الفعل إذا كان مصداقا لعنوان خاص فلا إشكال في تحقّق هذا العنوان بإيجاده مع القصد و أمّا إذا كان مشتركا و كان ذا وجوه فتعيّن أحد العناوين دون غيره إنّما هو بالقرائن المكتنفة به و القرينة في باب الأفعال ليست ممّا ينشأ بها جزء المعنى حتى يقال إنّ المنشئات في باب المعاملات معان بسيطة لا يمكن إنشاؤها تدريجا و ليست لها أجناس و فصول لأنّ القرينة موجبة لتعين وجه الفعل فينشأ التمليك مثلا بالفعل وحده

و بالجملة و إن قلنا بأنه لا يمكن إنشاء العقود بالمشترك المعنوي و لا بالمشترك اللّفظي إلّا أنه لا يمكن قياس الفعل باللّفظ لأنّ القول في المشترك المعنوي وضع لمعنى جامع و في المشترك اللّفظي لكلّ معنى مستقلا فإيجاد المعنى المشترك بالقول المفيد لمعنى عام إيجاد للجنس و اللّفظ الدال على الخصوصيّات إيجاد للفصل فيوجد المقصود بتعدّد الدالّ و المدلول و هكذا إيجاد باللّفظ الّذي لا يستفاد منه معنى إلّا بالقرينة كالمشترك اللّفظي إيجاد للمقصود بلفظين و هذا و إن لم يخل عن المناقشة كما سيجي ء إن شاء اللّٰه من أنّه لا مانع من إيجاد أحد العناوين بالمشترك لفظا بين عناوين متعدّدة إلّا أنّ هذا الإشكال لا يرد في الفعل لأنّ وجه الفعل ليس بمنزلة القرينة لينشأ بها شيئا غير ما ينشأ بذي القرينة بل ينشأ العنوان بنفس الفعل الموجّه فإذا كان المعطي في مقام البيع فينشأ البيع بنفس الفعل و هكذا لو كان في مقام إعطاء ماله قرضا أو هبة ينشأ القرض أو الهبة بنفس الفعل

و بالجملة فكما إذا كان الفعل موجّها بعنوان واحد ينشأ العنوان به كالوطي الّذي به يتحقّق الرجوع في العدّة الرجعيّة و به يتحقّق الفسخ في البيع الخياري فكذلك بنفس الفعل ينشأ العنوان إذا كان ذا وجوه

إذا عرفت ذلك ظهر جريان المعاطاة في البيع و الهبة و القرض في الإجارة و العارية و الوديعة لأنّ الفعل إمّا بنفسه مصداق لأحد هذه العناوين أو ملازم له فلو لم يكن إعطاء كل منهما ماله للآخر بيعا فلا أقل من كونه تسليطا و من جهة العادة و السّيرة المستمرّة من قصد البيع به يقع البيع به و إن كان الفعل في الخارج ملازما للبيع و هكذا يصحّ إنشاء المضاربة و نحوها به فإن الفعل و إن لم يمكن إنشاء جميع ما يعتبر في المضاربة به من تعيين الرّبح و نحوه إلّا أنه كلّما يمكن إنشاؤه بالفعل فينشأ به و كلما ليس الفعل مصداقا له يتعيّن بالقول و ينشأ باللّفظ و لا مانع من تركيب المعاملة من الفعل و القول إذا كانت المعاملة مشتملة على أمور كلّها لا بدّ من إنشائها إمّا بالفعل أو القول كالشّرائط الّتي في ضمن العقود

و ما يقال من أنّ منشئات العقود بسيطة ليس معناه أنه لا يمكن إنشاء أمرين في معاملة واحدة بل معناه أنّ الأمر الواحد لا يمكن إنشاؤه تدريجا و بالجملة كلّ شرط في ضمن العقد منشأ مستقلّ و تحقّقه في عالم الاعتبار بإنشائه قولا أو فعلا فلا مانع

ص: 81

من إنشاء المضاربة و نحوها من المزارعة و المساقاة بالفعل نعم ما لا يجري فيه المعاطاة أمور منها ما لا يمكن إلّا إنشاء بالقول خارجا و منها ما لا يصح إنشاؤه بالفعل شرعا و منها مورد الخلاف

فمن الأوّل الوصية تمليكية كانت أو عهديّة و التّدبير و الضّمان فإنّها لا تنشأ إلّا بالقول لعدم وجود فعل كان مصداقا لهذه العناوين فإن انتقال الدّين من ذمّة إلى أخرى لا يمكن أن يتحقّق بالفعل و لا العتق أو الملكيّة أو القيمومة بعد موت الموصي

و من الثّاني النّكاح فإنّ الفعل فيه ملازم لضدّه و هو الزّنا و السّفاح بل مصداق للضدّ حقيقة فإن مقابل النّكاح ليس إلّا الفعل المجرّد عن الإنشاء القولي و عمّا جعله الشّارع سببا للحليّة

و من الثّالث الوقف و لكن الأقوى هو التّفصيل بين أقسامه فما كان الفعل بنفسه مصداقا لحبس العين و تسبيل المنفعة كوقف المساجد و القناطر و المدارس و وقف الحصر و البواري و نحوهما للمساجد و المشاهد يقع بالفعل كوقوعه بالقول و ما لم يكن الفعل مصداقا له كالوقف الخاص أو لمصرف خاص كالوقف لتعزية سيد الشّهداء سلام اللّٰه عليه و على الدّماء السّائلات بين يديه فلا يقع بالفعل

و بالجملة لم يقم دليل خاص على اعتبار القول في مطلق الوقف كباب النّكاح بل النّزاع صغروي ثم ممّا ذكرنا ظهر أنّه لا يمكن وقوع الإيقاعات بالفعل إلّا باب الإجازة و الفسخ و ما يلحق بهما من الرجوع في العدّة لعدم وجود فعل يكون مصداقا للطّلاق و العتق و نحوهما فإنّ إلقاء القناع على الزّوجة و إخراج العبد من الدّار و أمثال ذلك من الأفعال ليست مصداقا للطّلاق و العتاق بل هي من آثارهما

ثم إنّ من القسم الثالث الرّهن فبعضهم ادّعى عدم تحقّقه بالفعل لانعقاد الإجماع على كونه من طرف الرّاهن لازما و انعقاده على توقّف العقود اللّازمة على اللّفظ و بتعبير آخر حقيقة الرّهن و هي كون المال وثيقة للدّين تقتضي عدم إمكان الفسخ للرّاهن مع أنّ المعاطاة سواء كانت مفيدة للملك أو الإباحة جائزة إمّا إجماعا أو لعدم ثبوت مقتضي اللّزوم فلا بدّ إمّا من القول ببطلان المعاطاة في الرّهن أو تخصيص ما دلّ على كون المعاطاة جائزة أو تخصيص أدلّة الرّهن و حيث إنّ الالتزام بالأخيرين ممتنع للإجماع على توقّف العقود اللّازمة على اللّفظ و لمنافاة الجواز مع كون الشّي ء وثيقة فتعيّن الأوّل

و لكنه لا يخفى أنّ الإجماع على توقّف العقود اللّازمة على اللّفظ ليس إجماعا تعبّديا قائما على حصر ما يفيد اللّزوم باللّفظ بل غرض المجمعين أنّ حكم الشّارع بلزوم المعاملة يتعلّق بالمعاملة المنشأة باللّفظ لكونها مشتملة على مدلول التزاميّ و بهذا اللّحاظ تسمّى عقدا و حيث إنّ المعاطاة ليست عقدا فلا تكون لازمة و هذا لا ينافي كون الرّهن المعاطاتي لازما من جهة أخرى و هي اقتضاء ذاته اللّزوم أي لا تنافي بين أن يكون الرّهن من حيث وقوعه بالفعل جائزا و من حيث الحكم الشرعي أو اقتضاء ذاته لازما

كما أنّ عدم معروفيّة الجواز من الشارع في الوقف لا ينافي جوازه من حيث وقوعه بالفعل غاية الأمر يقدم جهة الذّاتيّة أو عدم المعروفيّة على جهة نفس الفعل

و بالجملة لو قلنا بأنّ المعاطاة جائزة من جهة عدم اقتضائها اللّزوم أو إجماعا فلا ينافي طروّ جهة اللزوم عليها

قوله قدّس سره و فيه أن معنى جريان بالمعاطاة في الإجارة على مذهب المحقّق الثّاني إلى آخره

حاصل مرامه قدّس سره في ردّ المحقّق الثاني في الإجارة هو أنّ من آثار الإجارة أن يكون المستأجر

ص: 82

مالكا لعمل الأجير و لمنفعة دار المؤجر و أن يكون الأجير مالكا للأجر المعيّن و المؤجر مالكا للعوض بإزاء المنفعة بحيث يكون عمل العامل أو تسليم الدّار لاستيفاء المنفعة وفاء للحقّ الحاصل بالإجارة مع أنّ الآمر ليس مالكا كذلك بلا إشكال لأنّ للمأمور أن لا يعمل بما أمره الآمر و أن لا يسلّم داره فأمر الآمر و عمل المأمور ليس داخلا في باب الإجارة المتعارفة بل يدخل في باب استيفاء العمل بالأمر المعاملي الموجب لضمان المثل أو القيمة لو لم يعيّن له أجرة و لضمان المسمّى لو عيّن على إشكال فيه و منشأ الإشكال أنّ مجرّد تعيين الأجرة لا يوجب أن يكون ضامنا لما عيّن لأنّ التّعيين ليس بنفسه عقدا و لذا لا يستحقّ العمل على المأمور بل الضّمان يتحقّق بعد إتيان العامل بالعمل بإذن الآمر مع عدم قصده التبرّع فيدخل في ملك الآمر آنا ما و يضمن

و بالجملة اختلفوا في أنّه لو عين مقدار ما يضمن به فهل يتعين المسمّى أو يرجع إلى ضمان المثل أو القيمة أو يضمن أقل الأمرين من ضمان المسمّى أو المثل أو القيمة و الأقوى هو الثّاني لما عرفت من أنّ التّعيين بنفسه ليس عقدا بل التزام ابتدائي و لا يشمله المؤمنون عند شروطهم بناء على ما هو الحقّ من اختصاص الحديث بالشّرط في ضمن العقد و منه ظهر ضعف وجه القول الثّالث فإن وجهه إقدام العامل و رضاه بما عين له الآمر و مع بطلان التّعيين فلو كان هو الأقل فقد أقدم العامل به و لو كان هو ثمن المثل فهو الّذي يستحقّه

وجه الضّعف أنّ إقدام العامل لا أثر له لأنّه ليس إلّا التزام بدويّ و بالجملة لو كان أمر الآمر و عمل المأمور داخل في إجارة النّفس للعمل لكان المسمّى متعيّنا و أمّا مع عدم تحقّق الإجارة لا قولا و لا معاطاة فالتّعيين لا أثر له أما قولا فلعدم الإنشاء باللّفظ كما هو المفروض و أمّا معاطاة فلأنّ العمل بنفسه ليس إجارة لأنّ إجارة العمل ليست بنفسها صحيحة و لو بالقول فضلا عن الفعل و إجارة النّفس للعمل لا تتحقّق بالفعل لأنّ العمل الخارجي ليس مصداقا للإجارة المتعلّقة بالنفس و مجرّد قرينيّة حرفته و صنعته على أنّه لا يعمل مجانا لا يوجب أن يكون عمله مصداقا لإجارة نفسه للعمل فلو حمل المتاع بلا أمر من صاحبه و لا رضاه الّذي بمنزلة الأمر لا يدخل عمله في عنوان الإجارة و لا يستحقّ شيئا من صاحب المتاع و لو قصد الأجرة

نعم في إجارة الأموال تسليم المال لاستيفاء المنفعة و تسلّم المستأجر و إعطاء الأجرة إجارة معاطاتية و على هذا فما أفاده المحقّق الثّاني من أنّ في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة و ذلك أنّه إذا أمره بعمل على عوض معيّن و عمله استحقّ الأجرة غير وجيه لأنّ هذا غير داخل في الإجارة المعاطاتيّة و إنما يدخل في باب استيفاء العمل بالأمر المعاملي الموجب للضّمان الواقعي لا المسمّى كما ظهر

و حاصل مقصوده قدّس سره في ردّ المحقّق الثّاني في الهبة هو أنّه لا يمكن جريان المعاطاة فيها على مختار المحقّق الثاني القائل بأن المعاطاة مفيدة للملك الجائز للإجماع على عدم حصول الملك في الهبة إلّا باللّفظ فجريانها فيها إنّما يتم على القول بكونها مفيدة للإباحة و فيه أنّ الظاهر عدم كون المسألة إجماعيّة و عدم خصوصيّة الهبة في توقف حصول الملك فيها على اللّفظ بل لو توقّف حصوله على اللّفظ لتوقّف كل عقد عليه

قوله قدّس سره و أمّا على القول بالإباحة فالأصل عدم اللزوم إلى آخره

لا يخفى أنّ ما اختاره هنا ينافي ما ذكره في الأمر الرّابع في الإباحة بالعوض من أن الأقوى اللّزوم فإنّ مدرك الأقوال الثّلاثة جار

ص: 83

في مطلق ما يفيد الإباحة سواء كان قصد المتعاطيين الإباحة أو التّمليك مع ترتّب الإباحة على فعلهما فإنّ وجه الجواز مطلقا هو أنّ العقود التّسليطيّة دائرة مدار الإذن و التّسليط

و لذا استشكل في لزوم الوكالة في ضمن العقد اللّازم بتقريب أنّ الوكالة ثابتة ما دام الإذن باقيا فإذا ارتفع ارتفعت و لا يجدي اشتراط عدم عزله و لو في ضمن عقد لازم و وجه اللّزوم مطلقا كفاية عموم المؤمنون عند شروطهم لإثبات اللّزوم فإن العقود التّسليطيّة لو خليت و طبعها دائرة مدار بقاء التّسليط لا فيما إذا اشترط اللّزوم في ضمن عقد لازم أو التزم و تعهّد به ابتداء

و وجه التّفصيل أنّ المباح له أخرج ماله عن ملكه فلا دليل على إمكان إرجاعه إليه ثانيا دون المبيح فإنّه باق على سلطنته فإذا كان مختار المصنف اللّزوم فكيف يصحّ قوله و أمّا على القول بالإباحة فالأصل عدم اللّزوم فالأولى أن يقال حيث إنّ الفعل لا ينشأ به إلّا نفس التبديل أو الإباحة بالعوض و ليس له مدلول التزامي فلا تشمله أدلّة العهود و العقود بل يكون بالنّسبة إلى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم و البيعان بالخيار خارجا بالتخصّص

أمّا الأوّلين فلعدم كونه عقدا و لا شرطا و التزاما بشي ء و أمّا الأخير فلأنّه و إن كان بيعا إلّا أنّ الحكم المرتّب على البيع بمقتضى هذا الخبر من الخيار عند الاجتماع و اللّزوم عند الافتراق لا يترتّب عليه لأنّه ليس فيه التزام حتّى يلزم بعد الافتراق فليس فيه خيار أيضا لأنّه في مقابل اللّزوم الحقّي فكما أنّه ليس لازما حكما كالنّكاح لوضوح صحّة الإقالة فيه و كلّما يدخل فيه الإقالة يدخل فيه خيار الفسخ و اللّزوم الحكمي لا يصحّ جعل الخيار فيه من المتعاقدين كذلك ليس لازما حقّا أيضا لأنّ اللّزوم الحقي ينشأ من التزام المتعاقدين و في الفعل لا ينشأ الالتزام فهو خارج عن عموم البيعان بالتخصص أيضا

و بالنّسبة إلى قوله عزّ من قائل وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ فهو خارج بالحكومة لأن بعد الإجماع على الجواز أو لعدم موجب اللّزوم يكون رجوع المتعاطيين أكلا بالحقّ لا بالباطل و بالنسبة إلى النّاس مسلّطون و لا يحلّ مال امرئ إلّا أن تكون تجارة عن تراض فهو خارج بالتّخصيص لأنّ بعد قيام الإجماع على الجواز أو عدم ما يوجب اللّزوم يثبت حق للمالك الأوّل أو المبيح فيخرج ردّ المتعاطيين عين مالهما إلى ملكهما عن عموم تسلّط النّاس على أموالهم و حرمة التصرّف إلّا بطيب النّفس و التجارة لا عن تراض

كما لا فرق بين القول بالملك و القول بالإباحة بناء على الوجه الثّامن و هو الاستصحاب لأنّه بناء على ما قلنا من عدم تحقّق ما يوجب اللّزوم فلا يبقى شك في جواز الرد حتّى يتمسّك بالاستصحاب إلّا أن يقال و إن لم يتحقّق موجب اللّزوم إلّا أنّه بناء على حصول الملك عنه فجواز الرّجوع أيضا لا دليل عليه نعم بناء على الإباحة جواز الرّجوع هو مقتضى بقاء سلطنة المالك و فيه أنّه لا فرق بينهما أمّا بناء على الملك فيكفي التمسّك بالإجماع للجواز فإنّه و إن كان مقتضى الاستصحاب بقاء أثر ما تحقّق بالفعل إلّا أنّ الإجماع على الجواز يكفي للخروج عن أصالة اللّزوم

و أمّا بناء على الإباحة فأصالة سلطنة المالك الثّابتة قبل المعاطاة حاكمة على أصالة بقاء الإباحة النّاشئة من التّعاطي لو سلم جريانها مع أنّ جريانها ممنوع لا لما توهّم من أنّ المقام من قبيل الشكّ في المقتضي فإنّه فاسد لأنّ الشكّ في المقتضي هو الشكّ في بقاء المستصحب في عمود الزّمان لا الشكّ في مقدار استعداده بالنّسبة

ص: 84

إلى الزّمانيات و إلّا رجع الشكّ في رافعية الموجود بأقسامه إلى الشكّ في المقتضي بل لأنّ قوام الإباحة الثابتة بالفعل إنّما هو بالإذن فإذا ارتفع ارتفعت قطعا فلا يبقى شكّ حتّى يستصحب الإباحة

و بالجملة على فرض جريان أصالة الإباحة فأصالة السّلطنة حاكمة عليه و أمّا استصحاب الملك فالإجماع على الجواز كاف في عدم جريانه و كيف كان بعد قيام الإجماع أو عدم تحقّق موجب اللّزوم يثبت جواز المعاطاة بلا إشكال نعم فرق بين المسلكين و هو أنّه لو قلنا إنّ الأصل هو اللّزوم كما على مختاره قدّس سره بناء على الملك فالإجماع على الجواز إنّما يفيد في المتيقّن منه لو كان معقد الإجماع مجملا كما يظهر منه قدّس سره و يقول المتيقّن منه مورد تراد العينين مع بقاء صفاتهما و عدم انتقالهما إلى غيرهما فمع تلفهما أو تغييرهما أو تملك غير المتعاطيين لهما فالمرجع أصالة اللّزوم للشكّ في شمول دليل الجواز لهذه الصّورة

و أما لو قلنا إنّ الأصل عدم اللّزوم كما على القول بالإباحة على مختاره فالأمر بالعكس فتأسيس الأصل على مختاره يترتّب عليه آثار غير خفيّة نعم يرد عليه إشكال و هو أنه لو تمسّكنا لأصالة اللّزوم بغير الاستصحاب من الوجوه السبعة الأخرى فيقتضي أن يكون اللّزوم فيها هو اللّزوم الحقّي سيّما إذا تمسّكنا ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم و البيعان بالخيار فالإجماع على الجواز أيضا يقتضي أن يكون حقيا و مقتضاه بقاء الخيار عند التّلف إلّا أن يدّعى الإجماع على الجواز مقيّدا ببقاء العينين كما سيجي ء توضيحه

نعم بناء على ما سلكناه من أنّ الفعل لا يقتضي اللّزوم فالجواز المتصوّر فيه يرجع إلى الجواز الحكمي لا الحقّي لأنّه يقع في مقابل اللزوم الحقّي كالخيارات الشّرعيّة فينحصر أن يكون الجواز حكميّا

قوله قدّس سره إذا عرفت هذا فاعلم أنّ تلف العوضين ملزم إجماعا إلى آخره

لا يخفى أنّا في تعليقتنا سابقا على هذا العنوان اخترنا ما هو ظاهر كلام المصنف من تعلّق جواز الرد بنفس العينين ففي مورد تلفهما لا يبقى موضوع للجواز و بيّنا عدم إمكان تعلّق حقّ الرجوع بالمثل أو القيمة عند التّلف لأنّ التّعاطي إنّما يقتضي التبديل بين المالين دون الالتزام بهذا التبديل فلو لم يمكن ردّ نفس المالين إلى مالكهما الأصلي فردّ بدلهما لا وجه له لأنّ تحقّق المعاملة كما يتوقّف على وجودهما فكذلك ردّهما أيضا و لكن الظّاهر للمتأمّل أنّ ما ذكرنا من عدم إمكان الرد إلّا مع بقاء العينين استحسانيّ و لا يبتني على أساس و ذلك لأنّه لو قلنا بأصالة اللّزوم من جهة الأدلّة الثّمانية فالإجماع على الجواز لا يقتضي إلّا الجواز الحقّي المقتضي لبقائه عند التّلف

نعم لو تردّد الجواز بين معنيين متباينين و هو جواز المعاوضة أو تراد العينين فلا يمكن التمسّك بالعمومات في مورد الشكّ لأنّ المخصّص و إن كان منفصلا إلّا أنّ تردّده بين المتباينين يوجب سقوط ظهور العام في كلّ منهما و لو قلنا بها من باب الاستصحاب فالإجماع على الجواز أيضا لا يقتضي انحصاره بمورد بقاء العينين إلّا أن يقوم الإجماع عليه مقيّدا أو كان هناك إجماع تعبّدي آخر على أنّ تلف العينين ملزم كما هو ظاهره قدّس سره في قوله على الظّاهر المصرّح به في بعض العبائر

و الظّاهر عدم كون الإجماع على الجواز مقيّدا ببقاء العينين و عدم قيام الإجماع القطعي على أنّ تلفهما ملزم و لو قلنا بأن الفعل ليس فيه جهة لزوم أصلا فالإجماع على الجواز لا أثر له إلّا إذا تحقّق ما يوجب اللّزوم من جهة كما إذا تلف العينين فإنّ الجواز من جهة عدم تحقّق الملزم إنّما يؤثر

ص: 85

في ردّ العين فإذا تلفت لا يبقى موضوع لهذا الجواز فيؤثر الجواز من جهة أخرى و يقتضي ثبوته عند تلف العينين لأن الجواز من جهتين نظير ثبوت الخيار من جهتين واحدهما مع وجود الآخر لا أثر له و إنّما يؤثر مع سقوط الآخر

و بالجملة لا معنى لتعلّق الجواز بنفس العين ابتداء لأنّه لم يقم دليل على كون المقام من قبيل التّقاص الثّابت لغير المالك في تعلّقه بنفس مال الغير بل الجواز هنا إمّا من قبيل جواز البيع الخياري أو جواز الرّجوع في الهبة و على أيّ حال له مساس بالمعاوضة و يسترجع العين تبعا للرّجوع عنها و إنّما لم يمكن الرّجوع في الهبة عند تلف العين لأنّها ليست معاوضة بل تسليط مجّانيّ فإذا تلفت العين الّتي لم يتعلّق بها ضمان فرجوع مثلها أو قيمتها بلا موجب فلا يؤثر رجوع الواهب و هذا بخلاف باب المعاوضة فإنّها ليست تسليطا مجّانيا فلو رجع المالك الأصلي أو المبيح بمقتضى ثبوت جواز الرّجوع له فلا بدّ أن يرجع إليه عين ماله عند بقائها و بدلها عند تلفها

إلّا أن يقال بناء على الإباحة فبعد فرض إفادة المعاطاة الضّمان بالمسمّى فمقتضاه أن يصير التّالف آنا ما ملكا للمباح له فإذا كان التّالف ملكا لمن تلف عبده فلا وجه لأن يكون عليه ضمان المثل أو القيمة إلّا إذا ثبت جواز رجوع المالك الأصلي حتّى بعد التّلف و في خصوص الإباحة فلا لإجماع القطعيّ على أنّ المبيح ليس له الرّجوع إلى المثل أو القيمة بعد التّلف فلا يؤثر فسخه بل يمكن تطبيقه على القاعدة أيضا بتقريب أن الجواز على الإباحة إنّما يكون من جهة سلطنة المالك فإذا تلف العينين ينتقل ملكه إلى طرفه و إرجاعه إلى ملكه ثانيا يتوقّف على ثبوت الجواز بعد التّلف و هذا يتوقف على دليل خاصّ عليه

و بالجملة حكم الإباحة حال التّلف حكم الملك فإنّه على كل تقدير يحصل الملك إمّا آنا ما أو من أوّل الأمر فإذا لم نقل بجواز الفسخ بعد التّلف بناء على الملك كما سيجي ء تقريبه فعدم جوازه على الإباحة أولى

ثم ممّا ذكرنا ظهر ما في قوله قدّس سره لأنّ تلفه من مال مالكه و لم يحصله ما يوجب ضمان كلّ منهما مال صاحبه لما عرفت من أنّ التّالف ملك لمن تلف عنده لا المبيح فإنّ كونه من مال المبيح مناف لكون كلّ من المالين مضمونا على الآخر بالضّمان المعاملي بل هو قدّس سره أيضا صرّح بما ذكرنا في جواب استبعاد الشّيخ الكبير كون التّلف من الجانبين معيّنا للمسمّى من الطّرفين فقال ما حاصله أنّ هذا مقتضى الإجماع على عدم ضمان المثل أو القيمة مع رعاية عموم على اليد بحيث لا يلزم التخصيص فيه و أصالة عدم الملك إلى حين التّلف فيصير التّلف في المقام كتلف المبيع عند البائع قبل إقباضه

و بالجملة ما ذكره في المقام مناف لم تقدّم منه كما لا يخفى و أمّا على القول بالملك فلو ثبت الإجماع على أنّ تلف العوضين ملزم فلا إشكال و هذا و إن لم يكن إجماعا تعبديا إلّا أنّه يصير منشأ للشكّ في أنّ جواز المعاملة دائمي أو مختصّ بما دام العين باقية كما في باب خيار العيب فبعد تلف العين لم يحرز الجواز و لا يمكن استصحابه أيضا كما سيجي ء وجهه

و أمّا لو لم يثبت فإذا قلنا بأنّ الأصل في المعاطاة اللّزوم للوجوه الثّمانية فالإجماع على الجواز لو كان مقيّدا ببقاء العينين فالمرجع في مورد تلفهما هو أصالة اللّزوم و لو لم يكن مقيّدا أو شكّ في بقاء الجواز حال التّلف يدخل في النزاع المعروف و هو أنّ المرجع هل هو استصحاب حكم الخاص أو عموم العام و لو شكّ في موضوع الجواز فلا يجري استصحاب حكم المخصّص أيضا فإنّ الجواز و إن كان مردّدا بين مقطوع البقاء و مقطوع الارتفاع فيدخل في القسم الثّاني من الاستصحاب

ص: 86

الكلّي إلّا أنّه لا يجري في الأحكام إذا كان منشأ الشكّ فيها الشكّ في موضوعها

و في المقام و إن لم نقل بأنّ جواز المعاملة عبارة عن ترادّ العينين بل قلنا بأنّه عبارة عن ردّ المعاوضة إلّا أنّه يمكن ثبوتا أن يكون ردّها مشروطا ببقاء العين و مع الشكّ يؤخذ بالمتيقن

و على هذا فعلى القول بالإباحة أيضا لا يمكن إحراز جواز الرد بعد التّلف لأنّ جواز الرد الثّابت للمبيح قبل التّلف كان من جهة سلطنة المالك و حيث إنّه بالتّلف خرج الملك عن ملكه و دخل في ملك المباح له فهذه السلطنة ارتفعت قطعا و لم يثبت سلطنة أخرى إلّا ما ثبت بالإجماع الّذي دلّ على جواز المعاطاة و عرفت أنّ هذا الإجماع لا يفيد لإثبات الجواز بعد التّلف و لا يقال لا إشكال في إمكان الإقالة منهما على كلا القولين بعد التّلف و مقتضاه إمكان الرد منهما على القولين بعد التّلف لأنّا نقول و إن ثبت الملازمة بين ما يجري فيه الإقالة و ما يجري فيه الخيار إلّا أنّ ثبوت الملازمة إنّما هو من حيث الاقتضاء أي ما يصحّ فيه الإقالة يصحّ فيه جعل الخيار لا الملازمة الفعليّة و لذا يجري الإقالة بعد تلف المعيب أو تغيّره مع سقوط الخيار بهما

ثم إنّ من جريان الإقالة بعد التلف لا يمكن استكشاف الجواز الحقّي في المعاطاة الّذي هو بمعنى الخيار الثّابت حتّى بعد التّلف أمّا أوّلا فلما عرفت أنّ الجواز الحقّي أيضا يمكن ارتفاعه بالتّلف كما في خيار العيب و ثانيا يمكن أن يكون الجواز حكميّا كالجواز في باب الهبة و بقيام الإجماع على أنّ تلف العينين ملزم يثبت اللّزوم الحقّي الّذي يجري فيه الإقالة و ذلك لعدم انحصار اللّزوم الحقّي بما إذا كان الالتزام بالمعاوضة من منشئات المتعاقدين بل كما يمكن أن يكون كذلك يمكن أن يكون بجعل شرعيّ كما في الجواز الحقّي فإنّه يمكن أن يكون مالكيّا كخيار الشرط و يمكن أن يكون شرعيّا كخيار المجلس و الحيوان فإنّه مع كونه شرعيّا يكون حقيا هذا إذا قلنا بأنّ الأصل في المعاطاة على القول بالملك هو اللّزوم

و أمّا لو قلنا بأنّ الأصل فيه الجواز لعدم منشأ اللّزوم فالجواز فيها كالجواز الحكميّ حكما و ثبوته بعد تلف العينين يتوقّف على قيام دليل عليه و حيث إنّ الإجماع عليه لا يفيد لإثباته بعد تلفهما فينحصر بمورد البقاء

قوله قدّس سره و منه يعلم حكم ما لو تلف إحدى العينين إلى آخره

بعد ما تقدم منّا أنّه يمكن ثبوتا أن يكون جواز المعاطاة مختصّا بمورد قيام العينين على حالهما فبعد تلف إحداهما أو تلف بعض من إحداهما يرتفع موضوع الجواز أو هذا على الملك مسلّم

و تقدم منّا أنّ الحكم كذلك على الإباحة أيضا حذو النعل بالنّعل لأنّه بناء عليها يحصل الملك أيضا بتلف إحداهما لكلّ من المبيح و المباح له فإنّه إذا صار من تلف المال عنده مالكا للتالف آنا ما يملك الآخر العين الموجودة أيضا فإذا ملك كلّ منهما مال الآخر فمقتضى الاستصحاب بقاء ملكهما و استرجاع العين عمّن بيده حتّى يرجع هو إلى مثل ماله أو قيمته الّذي تلف عند طرفه يتوقّف على دليل و حيث إنّه لا دليل فيتعين المال الموجود للعوضيّة عن التّالف

إذا عرفت ذلك ظهر ما في كلام المصنف قدّس سره في ذيل هذا العنوان من الأمور الأربعة فإنّه أولا ارتضى ما استوجهه بعض مشايخه وفاقا لبعض معاصريه تبعا للمسالك من جريان أصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و ملكه لها فله الرجوع و استشكل فيه بمعارضتها بأصالة براءة ذمّته عن مثل التالف أو قيمته و ثانيا جعل أصالة بقاء السّلطنة حاكمة على أصالة البراءة و ثالثا ناقش في جريان الأصلين من جهة العلم الإجمالي

ص: 87

بالضّمان و الشكّ في أنّ المضمون هو المسمّى بحيث يتعيّن فلا يمكن لمن تلف عنده الرّجوع إليه أو المثل أو القيمة بحيث يمكن له الرّجوع و لا أصل يعيّن أحدهما و رابعا تمسّك بعموم النّاس لرد البراءة عن المثل أو القيمة و قال مقتضى عمومه السّلطنة على المال الموجود بأخذه و على المال التّالف بأخذ بدله

أمّا في الأوّل فلما عرفت أنّ السّلطنة على المال من آثار بقاء الملك في ملك مالكه فإذا خرج عن ملكه بمقتضى الضّمان المعاوضي انقطعت سلطنة أيضا فلا يجري استصحاب حتى يعارض بأصالة البراءة و بالجملة مقتضى الضّمان المعاملي أي التعهد بكون المسمّى عوضا أن تصير العين الباقية ملكا لمن هي في يده لأنّ التالف يصير حين التّلف ملكا لمن تلف عنده فلا محالة يصير عوضها ملكا للآخر فكيف يبقى سلطنة مالك العين الموجودة و لا مجال لاستصحابهما قطعا

و العجب من السيد الطّباطبائي قدّس سره في حاشيته على المتن حيث قال إنّ الأولى التمسّك بعموم القاعدة لا الأصل إذ لا مجرى له مع العموم و ذلك لما ظهر من أنّه لا مجال للتمسّك بالعموم و لا الأصل لأنّ عموم النّاس لا يثبت بقاء العين الموجودة في ملك مالكها الأصلي

و أعجب منه ما في المتن في ردّ ترجيح أصالة بقاء السّلطنة على أصالة البراءة بالتمسّك بعموم على اليد من قوله و التمسّك بعموم على اليد هنا في غير محلّه بعد القطع بأنّ هذا اليد قبل تلف العين لم يكن يد ضمان بل و لا بعده إذا بنى المالك العين الموجودة على إمضاء المعاطاة و ذلك لأنّ ما ذكره هدم لأساس باب المعاوضة فإنّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده قاعدة مستخرجة من قواعد المعاوضات و أساسها يبتني على الضّمان قبل تلف العين و بعده أمّا قبله فبالعوض المسمّى و أمّا بعده فبالعوض الواقعي من جهة عموم على اليد فإنّ اليد على مال الغير توجب ضمانه إذا لم يكن مجانيا فما دام العين باقية فالتّضمين يقتضي بدليّة كلّ من العينين عن الأخرى فإذا رجع إحداهما إلى مالكها الأصلي ترجع الأخرى إلى مالكها أيضا إذا كانت باقية و عوضها إذا كانت تالفة

نعم معنى ضمانها عند التّلف هو الضّمان عند الفسخ و الرّجوع و أمّا مع الإمضاء و عدم الرّجوع فلا معنى للضّمان و بالجملة معنى الضّمان أنّه لو تلفت و طرأ فسخ أو انفساخ فيرجع مثلها أو قيمتها و ليس هذا إلّا مقتضى المعاوضة و اليد فإنّ المعاوضة تقتضي ضمان كلّ من المالكين مال الآخر قبل القبض بمقتضى شرط التّسليم ضمنا و بالقبض ينتقل الضّمان أي ضمان كل ملك على مالكه فإذا طرأ عليه الفسخ فمقتضى اليدان يكون ضامنا لبدله لو كان تالفا و أمّا في الثّاني فلأنّ حكومة أصالة بقاء السّلطنة على أصالة البراءة إنما تتم إذا كان مفاد أصالة بقاء السّلطنة و أثرها الشّرعي رفع البراءة أو إثبات ضدّها أي الاشتغال و إلّا فمجرّد السببيّة و المسببية لا أثر له

و لا شبهة أن أثر أصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة ليس اشتغال ذمّته بالمثل أو القيمة أو عدم خلو ذمّته عنهما بل أثرها الشرعي هو رجوع العين إلى ملكه لو فسخ نعم لازم رجوعها إليه أن يضمن بدل التّالف لما ثبت من الخارج أنّه لم يعط مالك التّالف ماله مجانا و الملازمة الخارجية غير مفيدة في رفع الشك المسبّبي و أمّا في الثّالث فلأنّ قوله فلا أصل إنما يصحّ لو كان الشكّ في مرحلة الثّبوت بأن يكون الحادث مشكوكا و أمّا لو كان الشكّ في مرحلة البقاء فيجري الاستصحاب فيتساقط الأصلان للعلم الإجمالي و ذلك لأنّه لا إشكال في ثبوت سلطنة كلّ منهما على ماله و براءة ذمّة كلّ منهما عن البدل الواقعي ما دامت العينان باقيتين و إنّما الشكّ في ارتفاع السّلطنة و البراءة

ص: 88

بعد تلف إحداهما فإذا استصحب بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و براءة ذمّته عن المثل و القيمة فيتعارضان و أصالة البراءة عن البدل الواقعي لها حالة سابقة غاية الأمر لا تجري إما للتّساقط مع أصالة بقاء السّلطنة أو لعدم إمكان جعلهما في الجعل

و بعبارة أخرى في مورد بقاء العين لا معنى لاشتغال الذمّة بالبدل الواقعيّ حتى يقال لا نعلم بعد التّلف بأنّ الذمّة مشغولة به أو بالمسمّى و لا أصل يعيّن بل الذمّة لم تكن مشغولة به قطعا و إنّما الشكّ في أنّ عدم اشتغال الذمّة به باق حتّى لا يمكن له الرّجوع بل يتعيّن المسمّى للبدليّة لئلّا يلزم الجمع بين العوض و المعوّض أو ارتفع حتّى يمكن له الرّجوع فاستصحاب عدم اشتغال الذمّة بالبدل الواقعي لا محذور فيه في حدّ نفسه و نتيجته تعيين المسمّى للبدليّة كما أن استصحاب بقاء السّلطنة مع قطع النّظر عمّا أوردنا عليه لا محذور فيه أيضا في حدّ نفسه و نتيجته اشتغال الذمّة بالمثل أو القيمة

و أمّا في الرّابع فلأن إبطال البراءة بعموم النّاس مسلّطون لا معنى له لأنّ العين الموجودة لو كانت ملكا لمالكها الأصلي فلا شبهة في ضمانه البدل الواقعي لأنّ بقائها في ملكه ملازم لبقاء التّالف في ملك الآخر فإذا رجع مالك العين الموجودة إلى عينه فيرجع الآخر إليه و يأخذ منه بدل التّالف لأنّه لم يمكن مجّانيا و لو كانت ملكا لمن في يده فلا سلطنة للمالك الأصلي و عموم السّلطنة لا يحرز موضوعه

قوله قدس سره و لو كان أحد العوضين دينا في ذمّة أحد المتعاطيين إلى آخره

أي لو باع أحد المتعاطيين ماله من الآخر بالعوض الّذي في ذمّته للآخر أو اشترى ما في ذمّته فهل يوجب امتناع الرّجوع على القول بالملك و الإباحة مطلقا أو لا يوجب مطلقا أو يفصل بين القول بالملك فيمتنع دون القول بالإباحة وجوه و توضيح ذلك يتوقّف على صحّة المعاطاة في المقام و إمكان تملّك الإنسان لما في ذمّته و لو آنا ما

أمّا صحّتها في المقام فلا إشكال فيها أمّا على القول بكفاية الإعطاء من طرف واحد فواضح و أمّا على القول بعدمه فللفرق بين المقام و البيع نسية لأنّ التّعاطي متحقّق في المقام لأنّ الدّين بمنزلة المقبوض فلا يحتاج إلى القبض ثانيا

و أمّا تملّك الإنسان لما في ذمّته آنا ما و سقوطه به فهو نظير تملّك المشتري لعموديه آنا ما و انعتاقهما عليه و القول بعدم تعقّل تملّك الإنسان لما في ذمّته آنا ما مساوق للقول ببطلان بيع الدّين على من هو عليه و شراء مال المديون بالثمن الّذي في ذمّته لأنّه لو قلنا بعدم تملّك الإنسان لعموديه و انعتاقه عليه فإنّما هو لظاهر بعض الأدلّة الدالّة على أنّهما لا يملكان و مع هذا ينعتقان و هذا الدّليل موجب لتخصيص لا عتق إلّا في ملك

و أمّا في المقام فحيث لم يقم دليل خاصّ على صحّة بيع الدّين على من هو عليه و لا على صحّة شراء مال المديون بالعوض الّذي في ذمّته فلا بدّ من تطبيقهما على القواعد العامّة و مقتضى المعاوضة أن يدخل العوض في ملك من خرج عنه المعوّض فإذا اشترى المشتري مال المديون بالثمن الّذي في ذمّته فيملك المديون لا محالة الثّمن الّذي في ذمّته نعم حيث إنّه لا يعقل أن يتملّك الإنسان لما في ذمّته فيسقط على أيّ حال لا يترتّب على النّزاع في المقام و شراء العمودين ثمرة عمليّة لأنّه ينعتق العمودين في ذلك الباب و يسقط الدّين في المقام

إذا عرفت ذلك فيقع النّزاع في أنّه بعد تملّك الإنسان ما في ذمّته و سقوطه فهل يجوز لأحدهما الرّجوع أو حكم السّاقط حكم التّالف في الأعيان الخارجيّة وجهان من أنّ الدّين ليس بمنزلة العين التّالفة الّتي لا يمكن تملكها لأنّ تملك الإنسان ما في ذمّة الآخر من الأمور الاعتباريّة العقلائيّة فإذا ردّ المشتري العين يملك الدّين

ص: 89

على البائع ثانيا هذا مع أنّ الذمّة لها عرض عريض و لم يتشخص ما في الذمّة حتى يمكن أن يعرض عليه التّلف و ليس حكم الساقط حكم التّالف فلا منافاة بين سقوطه و إمكان الرّجوع فيه و من أنّ تملّك ما في ذمّة الغير و إن كان ممكنا إلّا أنّه يحتاج إلى موجب فهو فرع أن يملك و ملكيّته فرع أن يمكن له الرّجوع و هذا دور

و بعبارة أخرى إن كان جواز الفسخ مفروغا عنه كما في باب الخيارات لقلنا بأنّ في مورد التّلف يرجع إلى المثل أو القيمة فإنّ الرّجوع إلى العين التّالفة غير معقول و في المقام إذا رجع المشتري لا يرجع أيضا إلى عين ما في الذمّة الذي كان سابقا فإنّه إعادة للمعدوم و هو ممتنع بل يرجع إلى مثله و هذا يتوقّف على دليل

و الأقوى هو الثّاني فإنّه مضافا إلى عدم الدليل على جواز الرّجوع و تملّك ما في ذمّة الغير ثانيا يمتنع لجهة أخرى بناء على ما سيجي ء في باب خيار المجلس من أنّه يعتبر في جواز الرّجوع بالخيار و نحوه خروج الملك عن ملك من انتقل إليه إلى ملك من انتقل عنه نظرا إلى أنّ خروج أحد العوضين عن ملك أحدهما يستلزم دخول الآخر فيه و لو آنا ما و هذا ممتنع في المقام لأنّه إذا ردّ المشتري العين الموجودة إلى المديون فلا بدّ أن يخرج الدّين عن ملكه و يدخل في ملك المشتري و دخول الدّين في ملك المديون نتيجة السّقوط دائما نظير انعتاق العمودين في ملك المشتري لهما فإنّه إذا ملكهما ينعتقان فإذا كان نتيجته السّقوط يمتنع الرّجوع بل و لو لم نقل باعتبار تلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه لكان مجرّد احتماله منشأ للشكّ في جواز الرّجوع و المتيقن غير هذا الصورة

و أمّا على القول بالإباحة فقد يقال إنّ إباحة الدّين على من هو عليه لا يستلزم السقوط لأنّ كون الدّين مباحا لمن عليه الدّين معناه أنّه يجوز له التصرّفات فيه بإسقاطه عمّا في ذمّته و المصالحة عليه و سائر أنحاء التصرّفات الجائزة على القول بالإباحة فيرجع مالك ما في الذمّة إلى ملكه الّذي أباحه لمن عليه لعموم النّاس مسلّطون و سائر الأدلّة

و لكنّه لا يخفى ما في هذا التقريب لأنّ الإباحة التي هي محل البحث في باب المعاطاة ليست بالمعنى الّذي حملها عليه صاحب الجواهر قدس سره من أنّ إفادة المعاطاة الإباحة إنما هو فيما إذا كان قصد المتعاطيين الإباحة بل المراد منها التّسليط المالكي على التقريب المتقدم فإذا أوجدا مصداق التسليط فلا فرق بينه و بين الملك فكما أنّه لا يعقل أن يتملّك الإنسان ما في ذمته فكذلك لا يمكن أن يكون مسلّطا عليه فنتيجة التّسليط أيضا السّقوط و التّلف و التالف لا يعود

قوله قدس سره و لو نقل العينين أو إحداهما بعقد لازم فهو كالتّلف إلى آخره

أقول التصرّفات الواقعة من أحد المتعاطيين إمّا أن لا تتوقّف على الملك و إما أن تتوقّف عليه و هذا على قسمين قسم من التصرّفات الخارجيّة كالوطي و قسم من التصرّفات في عالم الاعتبار و هذا أيضا على قسمين قسم من العقود المعاوضيّة و شبهها كالبيع و الرّهن و قسم من الإيقاعات أو عقد غير معاوضي كالعتق و الهبة و العقود المعاوضيّة تارة تقع على الأعيان كالبيع و نحوه و أخرى على المنافع كالإجارة أمّا الإجارة و كلّ تصرف غير ناقل للعين كالعارية و الوديعة أو غير متوقّف على الملك كالرّكوب و الافتراش فغير موجب لسقوط الرد حقا كان أو حكما على الملك أو الإباحة لبقاء العين على حالها

و أمّا التصرّفات النّاقلة أو الموقوفة على الملك كالوطي فموجبة لسقوط الرد مطلقا سواء كانت بالعقد اللّازم أو الجائز على القول بالملك أو الإباحة عاد العين إلى من انتقل عنه بحق خيار أو إقالة أو معاوضة أم لا و العقد الجائز كان معاطاة أو عقدا

ص: 90

فسخ العاقد أم لا و ذلك لأنّ العين بمجرد الوطي أو النّقل إلى غيره خرجت عما هي عليها لأنّ حكم الرد في المعاطاة حكم الرد في باب الخيار العيب يعتبر في جوازه أن تكون العين قائمة بعينها فإذا صارت موطوءة أو ملكا للآخر لم تكن قائمة بعينها

و بالجملة المراد من الجواز في المقام هو رد العين عن ملك من انتقلت إليه أو أبيحت له بنفس هذه المعاملة إلى ملك مالكه الأصلي أو المبيح فرجوع العين ثانيا إليه بأيّ نحو رجع و لو بالفسخ لا يفيد إمكان الرد فإنّ الفسخ و إن قلنا بأنّه يوجب حلّ العقد من حينه لا من حين الفسخ إلّا أنّه حيث يكون دخيلا في انتقال العين إلى ملك من انتقلت عنه يكون مالكيّة أحد المتعاطيين أو كونه مباحا له بسبب غير السّبب الأوّل و بمقوّم غير المقوّم

الأوّل و بعبارة واضحة المناط في جواز الرد في المقام هو تعلّق الرد بالعين بما هي متعلقة للمعاوضة لا بذاتها و رد المعاوضة و المنشأ بالفعل يتوقف على بقاء المعاوضة حتى يرجع عمّا أوجده أولا فمع عروض معاوضة أخرى مباينة لها و مثلها انتفى موضوع الجواز و رجوع العين إلى محلّها بسبب آخر غير كونها في محلّها بالسّبب الأوّل فالموضوع معلوم الارتفاع و هذا من غير فرق بين الملك و الإباحة لأنّ التصرّفات النّاقلة تكشف عن سبق الملك للمتصرف لأنّ مقتضى الضّمان المعاملي أن ينتقل الملك عن مالكه الأصلي بتصرّف المباح له أو إتلافه و يدخل آنا ما في ملك المتصرف و يخرج عن ملكه إلى ملك الثّالث فعوده إلى ملك المالك الأوّل محتاج إلى دليل

و بعبارة أخرى اللّزوم الحاصل من التصرّف كونه مشروطا بعدم رجوع الملك إلى ملك المتصرف يتوقّف على دليل فاستصحاب اللّزوم جار بلا إشكال و هذا من غير فرق بين ما إذا قلنا بأن تصرّفات من عليه الخيار لا يوجب سقوط حق ذي الخيار عن العين بعد رجوعها إلى ملك من عليه الخيار ثانيا بالفسخ أو لم نقل و ذلك لأنّ هذين القولين مبنيان على أنّ الزائل العائد كالّذي لم يزل أو كالّذي لم يعد و في المقام يقتضي أن يكون الزائل العائد كالّذي لم يعد لأنّه بمجرّد زواله أوجب سقوط حق الرد لأنّ الموضوع في باب الخيار لم يكن نفس العين و لذا لا يسقط بالتّلف

فيمكن أن يقال تعلّق الخيار بالمثل أو القيمة يدور مدار تعذّر ردّ العين فإذا دخل العين في ملك من عليه الخيار فيتعلّق الحق بها و في المقام التلف مسقط للجواز رأسا و التصرّف بالنّقل في حكمه أيضا فإذا بطل التصرف بفسخ و نحوه فرجوع الجواز متوقّف على دليل

قوله قدس سره نعم لو قلنا بأنّ الكاشف عن الملك هو العقد النّاقل إلى آخره

توضيح هذه العبارة يتوقّف على بيان الوجوه المتصورة في نفوذ تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه و هي أربعة الأوّل أن إرادة التصرّف موجبة لنقل الملك عمّن عليه الخيار إليه فتصرّفه بالبيع و نحوه كالوطي يقع في ملكه و هذا الوجه و إن لم يكن مرضيّا عندنا لأنّ القصد المجرّد عن إنشاء قولي أو فعليّ لا أثر له في باب العقود و الإيقاعات إلّا أنّه بناء على صحّته يرتفع جميع الإشكالات حتّى في الوطي لأنّه يقع بعد تحقّق الملك للواطي الثّاني أنّ الفسخ يحصل بأوّل جزء من الفعل أو القول و بتمامه يحصل الملك للمشتري و هذا يصحّ في البيع لا الوطي لأنّ الجزء الأوّل منه يكون محرما و الثالث أنّ الفسخ و البيع يحصلان معا بالتصرف إلّا أنّ الأوّل مقدّم طبعا على الثّاني

و بعبارة أخرى التصرّف سبب لترتّب مسبّبين طوليّين عليه و الرّابع أنّه لو تحقّق التصرّف بالعقد النّاقل فالفسخ يحصل بالإنشاء و البيع بالمنشإ أي البيع من حيث إنّه فعل من أفعال الفاسخ يتحقق به

ص: 91

الفسخ لأنّه يحصل بكلّ ما هو مصداق للتثبّت بالملكية و لذا يعدّ إنكار البيع و العرض على البيع و البيع الفاسد فسخا و أما الانتقال إلى المشتري فهو يحصل بالمنشإ لأنّه لا يعتبر في انتقال الملك إلى الغير أن يكون إنشاؤه أيضا في ملك النّاقل و هذا أمتن الوجوه و هذا و إن لم يجر في الوطي إلّا أنّ الإشكال في الوطي أصلا غير وارد لأن جوازه ليس موقوفا على تملك الرّقبة بل يكفي لحليّة ملكيّة الوطي كما في التّحليل

و على أي حال جميع هذا الوجوه لا يجري في تصرّف أحد المتعاطيين فيما انتقل إليه أمّا على الملك فلا يتوقّف على شي ء أصلا لأنّه ملكه فيتصرّف فيه كيف شاء و أمّا على الإباحة فيجري فيها الوجه الأوّل و الثّالث لأنّ تصرّف المباح له بالبيع و نحوه الّذي يتوقف على الملك إنّما يؤثر في الانتقال إلى الثّالث لو جعلنا إرادة التصرّف المتوقّف على الملك من المملّكات أو جعلنا العقد سببا لأمرين مترتّبين دخوله في ملكه و انتقاله إلى الثّالث و أمّا الوجهان الآخران فلا يجريان في المقام لأنّ الجزء الأوّل من اللّفظ و كذا تمام اللّفظ لا يوجب تملك المباح له لأنّه لم يقم دليل في المقام على أن كل فعل من أفعال المباح له يوجب تملّكه لما أبيح له و هذا بخلاف باب الفسخ لأنّه يحصل حتى بالعقد الفاسد

و بعبارة واضحة مجرّد إنشاء المباح له لا يوجب تملّكه مال المبيح فضلا عن الجزء الأوّل من إنشائه فتملّكه لما أبيح له إمّا بإرادة تصرفاته النّاقلة و إما بالعقد النّاقل فعلى الأوّل لو رجع ما انتقل عنه إلى ملكه فلا وجه لرجوع المالك الأصليّ إليه و أمّا على الثاني فيمكن أن يقال أنّ العقد الّذي كان سببا التملّك المباح له و انتقال المال عن ملكه إلى الثّالث إذا ارتفع بالفسخ يرتفع كلا مسبّبيه و بتعبير آخر لو قلنا أن الملك الحاصل للمباح له إنّما هو باقتضاء العقد النّاقل الواقع بين المباح له مع الثّالث فإذا بطل العقد بطل مقتضاه رأسا

ثمّ إنّه يمكن أن يقال إنه لا يقتضي دخول الملك في ملك المباح له إلّا في خصوص العقد المعاوضي لا مطلق العقد النّاقل حتى مثل الهبة و ذلك لأنّ العقد المعاوضي يقتضي دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوّض فعقد المباح له مع المشتري يقتضي دخول الثّمن في ملكه و خروج الثمن عن ملكه إلى ملك المشتري و لازمه أن يخرج المال عن ملك المبيح و يدخل في ملك المباح له آنا ما حتى يمكن أن يخرج عن ملكه فإذا فسخ المباح له ما أنشأه أصالة بطل لازمه فيرجع بفسخه إلى ملك المبيح

و بالجملة لو كانت المعاوضة مقتضية للخروج وجب الالتزام بأمرين أحدهما أنّ الخروج ثابت ما دام العوض باقيا على عوضيّته فإذا رجع عمّا هو عليه رجع إلى ملك مالكه الأصلي و ثانيهما عدم اقتضاء ذلك في هبة المباح له إذ لا عوض فيها فيمكن أن يخرج المال رأسا عن ملك المبيح إلى المتّهب هذا تمام الكلام في شرح العبارة و توضيح الفرق بين كون إرادة التصرّف موجبة للملكيّة و العقد الناقل و لكن الفرق بينهما ضعيف جدّا و الفرق بين البيع و الهبة أضعف أمّا الأوّل فلأن تقدير الملك آنا ما للمباح له في المقام ليس لأجل وقوع العقد بينه و بين الثّالث بل لاقتضاء المعاطاة ذلك فإنّ الضّمان بالمسمّى الّذي هو مفاد المعاطاة يقتضي أن يكون تلف أحد العوضين أو نقله من ملك المتلف أو النّاقل و دخول العوض الآخر في ملك المبيح و لازمه رجوع المال بالفسخ إلى الناقل لا المبيح فإنّه لو رجع إليه يلزم أن يخرج العوض الآخر عن ملكه و أن يكون الناقل ضامنا للمثل أو القيمة له لا العوض الّذي

ص: 92

أعطاه إياه و هذا خلف فالمسبّبان المترتّبان على العقد إذا كان أحدهما مسبّبا عن المعاطاة و ناشيا عنهما فرفع العقد لا يقتضي إلّا رفع ما هو العلّة له لا رفع معلول علّة أخرى

و بالجملة العقد الصّادر من المباح له ليس إنشاء لأمرين أصلي و هو الانتقال إلى المشتري مثلا و تبعي و هو الانتقال إلى نفسه حتّى لا يكون التبعي مرتفعا برفع الأصلي بل المنشأ ليس إلّا المعاملة مع المشتري و أمّا دخول العين في ملك المباح له تصرّفا معاوضيّا بل مطلق التصرّف النّاقل مقتضى لدخول ملك المبيح في ملك المباح له لأنّ نفوذه موقوف على التقدير و هذا المعنى مشترك بين العقد المعاوضي كالبيع و غيره كالهبة و بين بقاء العوض في ملك المبيح و خروجه عن ملكه فكما لا ينفذ بيع غير المالك فكذا لا ينفذ هبته و على هذا لا يمكن أن يكون جواز الرّجوع للمالك الأصلي دون الواهب لأنّ الواهب لم يكن وكيلا عن المالك و لا مأذونا شرعا في أن يهب عنه فيكون هبته من قبيل هبة الأب و الجدّ مال الصّغير و يكون حق الرّجوع له كما أن حق الرجوع للصغير بعد الكبر لا لوليّه

و بالجملة الواهب يهب عن نفسه لا عن المبيح فلا يمكن أن يكون الهبة صحيحة و حقّ الرّجوع للمبيح لأنّ حقّ الرّجوع إلى العين الموهوبة إن كان مع بقاء المعاطاة على حالها كما هو مفروض البحث و صريح كلام المصنف ففيه أنّ العوض الّذي عند المبيح عوض عن تصرفات المباح له من قبل نفسه فهو يهب مال نفسه لا مال المبيح فينتقل العين الموهوبة آنا ما إلى ملكه و يخرج إلى المتّهب فإنّ الواهب لا يعطي ماله بإزاء أن يكون وكيلا أو مسلّطا على نقل مال النّاس إلى غيرهم هذا مضافا إلى أنّ الهبة عن قبل غيره خلاف الحسّ و الوجدان فالجمع بين بقاء العوض الّذي عند المبيح على عوضيّته و ثبوت حق الرّجوع في الهبة للمبيح بأن يبطل الهبة و يجعل العين الموهوبة مباحا للواهب كما كان كذلك قبل الهبة جمع بين طرفي النّقيض و إن كان حق الرّجوع بعد بطلان المعاطاة فهذا خلف لأن المفروض عدم وقوع ما يوجب الفسخ قبل صدور الهبة و إن كان جواز الرّجوع إلى الهبة عبارة عن فسخ المعاطاة ففيه مع كونه خلاف فرض المصنف أنّ ثبوت حق الفسخ للمبيح أوّل الكلام لاحتمال سقوط الجواز بهبة المباح له

و حاصل الكلام صحّة هبة الواهب عن قبل نفسه و جواز رجوع المالك إلى العين الموهوبة جمع بين طرفي النقيض و وقوع الهبة في ملك المالك الأصلي مع بقاء العوض على ملكه جمع بين طرفي النّقيض أيضا ثم إنّ المحقّق الخراساني قدس سره في حاشيته على المتن التزم بجواز الرّجوع للمبيح إلى العين الموهوبة و لكنّه اختار أنّ الرّجوع في الهبة ليس فسخا للهبة حتى يرجع الأمر إلى ما كان سابقا أي كأن لم يكن هناك هبة حتى تكون المعاطاة على ما كانت محلّا للتراد بل تملك جديد فإذا كان تملّكا جديدا لا فسخا للهبة ترتّب عليه أمران أحدهما عدم إمكان رد المعاطاة لأنه سقط بالهبة و ثانيهما أنه لا يجب على المبيح ردّ العوض الّذي كان عنده فالعينان و إن اجتمعتا عنده إلّا أنّ إحداهما بالمعاطاة ابتداء أو بعد التصرّف في إحداهما بالهبة و أخرى بالرّجوع إلى العين في الهبة لا المعاطاة

فهو قدس سره جمع بين جواز رجوعه في الهبة و عدم جواز ردّ المعاطاة و جمع بين العوضين أحدهما لكونه بإزاء إباحة المالك ماله للمباح له و ثانيهما لأنّه تملّك جديد و لا يخفى ما فيه لأنّ العوض عوض عن صيرورة المال المتّهب لا عن إنشاء الواهب فإذا رجع المال عن المتّهب فلا بدّ أن يرجع ما عند المبيح من العوض إلى ملك الواهب

و بعبارة

ص: 93

أخرى العوض في باب المعاطاة ليس بإزاء إباحة التصرّف آنا ما للمباح له مع عدم استقرارها بل عوض عن نفوذ تصرفاته فالتملّك الجديد لا معنى له في المقام

قوله قدس سره و لو باع العين ثالث فضولا إلى آخره

لا يخفى أنّه لا وجه لما أفاده المصنف قدس سره من كون الإباحة بعكس الملك وضوحا و خفاء بل على كلّ من المقولين يجوز لكلّ منهما الإجازة لأنّ مبنى الإشكال على القول بالملك هو أن ردّ المعاطاة ليس كردّ ذي الخيار ما انتقل عنه في تحقّقه بكلّ فعل أو قول بل لا بدّ أن يكون بالدلالة المطابقيّة و هي تتحقق برد العين لا بإجازة عقد الفضولي فإنّها لازمة للرد

و مبنى الإشكال على الإباحة أن المبيح ما لم يبطل المعاوضة بالمسمّى و لم يجعل الضمان ضمان اليد لا يمكنه الرّجوع إلى ماله و لا يخفى فساد كل منهما أما على الملك فلأنّه كما لا إشكال في أنّ المالك الثّاني لو أجاز لنفذ لأنّ إجازته تصرّف منه فيما انتقل إليه فإنّ تصرّفه فيه أعمّ من التصرّف بنفسه أو تصرّف الغير بإذنه أو إجازته كذلك لا إشكال في أن تصرف المالك الأصلي بالأنحاء الثلاثة فيما انتقل عنه فسخ منه للمعاطاة

و دعوى أنّه يجب أوّلا ردّ ما عنده حتّى يتحقّق الفسخ دعوى بلا برهان فإنّه كما يتحقّق به كذلك يتحقّق التصرّف فيما انتقل عنه و أمّا على الإباحة فكما إبطال عوضية المسمّى يتحقّق بردّه إلى الآخر كذلك يتحقّق بالتصرّف فيما أباحه له مباشرة أو إذنا أو إجازة و على هذا فعلى كلا القولين ينفذ إجازة كل منهما أمّا على الملك فلأن إجازة المالك الفعلي تصرف فيما انتقل إليه و به يبطل موضوع جواز التراد للمالك الأصليّ و إجازة المالك الأصلي تصرف فيما انتقل عنه و به يبطل المعاطاة و أما على الإباحة فإجازة المباح له إتلاف لما أبيح له و به يلزم المعاملة و إجازة المبيح رجوع عن الإباحة

قوله قدس سره و لكلّ منهما ردّه قبل إجازة الآخر إلى آخره

الكلام تارة على الملك و أخرى على الإباحة و الراد على الأول أمّا المالك الأصلي أو الفعليّ و على الثّاني أما المبيح أو المباح له أما ردّ المالك الأصلي فلا يفيد لأنّه أجنبيّ بالنّسبة إلى ما باعه الفضولي و ليس كإجازته رجوعا إلى ملكه لأنّه ليس مصداقا للرّجوع و ليس من قبيل تصرّف ذي الخيار بالبيع أو الإجازة و الحقّ الثّابت له إنّما هو بمعنى جواز ردّ الملك عن المالك الفعلي إلى ملكه لا ردّ الملك عن الثالث إلى ملك المالك الفعلي إلّا أن يقال بالملازمة بين الرد و إرادة الرّجوع عرفا فينشأ به الرّجوع التزاما أمّا ردّ المالك الفعلي فلا إشكال في تأثيره و ينعكس الأمر في ردّ المبيح و المباح له فإن رد المبيح يؤثر بلا إشكال و أمّا ردّ المباح له فليس كإجازته تصرّفا في المبيع إلّا أن يقال بتلك الملازمة

قوله قدس سره و لو رجع الأوّل فأجاز الثاني إلى آخره

أي لو رجع المالك الأصلي أو المبيح عن المعاطاة فأجاز الثّاني المعاملة الصّادرة من الفضولي فهل يؤثر الرجوع أو الإجازة لا يخفى أنّ إطلاق كلامه منزل على ما إذا رجع أحد المتعاطيين إلى ما انتقل عنه الذي باعه الفضولي و أجاز الآخر المعاملة الواقعة على ما انتقل إليه لا مطلقا لأنّ الرّجوع قد يؤثر في بعض الصّور سواء قلنا بالكشف أو النّقل فإنّ الصّور المتصوّرة في المقام كثيرة فإنّ الفضولي قد يبيع المثمن و قد يبيع الثّمن و الرد تارة يقع من البائع و الإجازة من المشتري و أخرى بالعكس و هذا تارة على الملك و أخرى على الإباحة فلو باع الفضولي المبيع فرجع البائع و أجاز المشتري أو باع الثمن فرجع المشتري و أجاز البائع و هذا هو محلّ الكلام

و لو انعكس كما لو كان المبيع هو المبيع و الراجع هو المشتري و المجيز هو البائع أو كان المبيع هو الثمن و الراجع هو البائع و المجيز هو المشتري

ص: 94

فلا إشكال في تأثير الإجازة لأنّها تقع على ملك مالكه

و بالجملة محلّ الكلام فيما لو وقعت الإجازة على شي ء لولاها لأثر الرّجوع بحيث يبطل عقد الفضولي و أمّا لو كان رجوعه عن المعاطاة إبطالا لوقوع عقد الفضولي في ملك نفسه فلا يؤثر الرّجوع إلّا هذا المقدار فيبقى موضوع الإجازة الآخر فإذا ظهر موضوع البحث فلو رجع الأوّل ثم أجاز الثّاني فلو جعلنا الإجازة كاشفة بمعنى عدم دخلها في العقد لكون السبب التّام هو العقد بحيث كان الإجازة طريقا صرفا إلى الواقع كالعلم كما يظهر ذلك من بعض المحقّقين لغى الرّجوع لوقوعه في ملك الغير و لو كان سابقا على الإجازة لتأخره عن السّبب التّام و هو العقد

نعم لو قلنا بأنّ لها دخلا في التأثير بنحو الشّرط المتأخر أو بنحو آخر من أنحاء الكشف غير الطريقية الصرفة فيلغو الإجازة لتأثير الرّجوع قبلها فيصير المقام نظير ما لو باع الأصل ما باعه الفضولي ثم أجاز فإنّ الإجازة تقع من غير المالك و لا يقاس بما إذا باع الفضولي الخلّ ثم وقع الإجازة حين صيرورته خمرا للفرق بينهما فإنّ في هذا المثال و إن خرج المبيع عن قابليّة التملّك الفعلي إلّا أنّ المجيز الّذي هو ذو الحقّ هو المالك حال العقد و لم يخرج من زمان العقد إلى زمان الإجازة عن الأهلية للإجازة و هذا بخلاف المقيس و المقام فإنّه لو باع الأصيل أو ردّ أحد المتعاطيين فليس المجيز مالكا للإجازة هذا إذا قلنا بأنّ الإجازة كاشفة و أمّا لو قلنا بأنّها ناقلة فتلغو الإجازة قطعا

قوله قدس سره و لو امتزجت العينان أو إحداهما سقط الرّجوع على القول بالملك إلى آخره

ليعلم أنّ حكم الامتزاج حكم التّغيير في باب رجوع صاحب المال على المفلس و في خيار العيب و الغبن و الهبة فحكموا بأنّ التغيير أو المزج لا يوجب سقوط حق صاحب العين عن عينه في باب الفلس لأنّ المناط فيه وجود العين بمقتضى النّبوي إذا فلس الرّجل و وجد سلعته فهو أحقّ بها و هما لا يخرجان العين عن إمكان رجوع صاحبها إليها فلا يضرب صاحب العين مع الغرماء

نعم في بعض الصّور كما في المزج بالأجود خالف الشيخ و العلامة المشهور فقالا بسقوط حقّه من العين و أمّا المشهور فجعلوا المناط وجود العين فما لم يطرأ عليها التّلف فصاحب العين أحقّ بها و أمّا في باب خيار العيب فحكموا بسقوطه بالتغير و المزج لأنّ المناط فيه هو بقاء العين بعينها كما هو مقتضى مرسلة جميل عن الصّادق عليه السّلام قال إن كان الثوب قائما بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن و إن كان الثّوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب و هذا المناط مشترك بين المزج و التّغيير فيسقط الرد دون الأرش

و أمّا الهبة و الغبن فألحقوهما بباب العيب بل ورد في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع فيها و إلّا فليس له نعم عن المحقق اختصاص سقوط الرّجوع بالتلف الحقيقي دون التغيّر و الامتزاج و أمّا باب الغبن فسيجي ء حكمه في محلّه إن شاء اللّٰه و على أيّ حال لم يفرقوا بين التّغير و المزج في الأبواب الأربعة و أما في المقام فحيث إنّ المصنف قدس سره بنى على أنّ الجواز في المعاطاة ليس بمعنى الجواز في باب الخيار و لا كالجواز في باب الهبة بل بمعنى تراد العينين فيمكن الفرق بين التغيّر و الامتزاج فالإيراد عليه بأنّه لا وجه للجزم باللزوم في مورد المزج بناء على الملك و التّرديد في مورد التّغيير ضعيف

نعم الأقوى عدم الفرق بين التغيّر و المزج في سقوط جواز الرد على القول بالملك و الإباحة و ما اخترناه في الدّورة السّابقة من الفرق بين القولين لا وجه له

و توضيح ذلك مضافا إلى عدم

ص: 95

الفرق بينهما بحسب السيرة المستمرة و أنّه لو ردّ أحد المتعاطيين المتاع الّذي فصّله أو صبغه أو مزجه بأيّ نحو من المزج ينكرون عليه أنّ الإباحة الحاصلة بالمعاطاة ليست عبارة عمّا اختاره صاحب الجواهر و يظهر من المصنف قدّس سرّهما من كونها كإباحة الطعام بل تسليط مالكي و تضمين معاوضيّ و لا تنقص عن الملك و يترتّب عليه جميع ما يترتّب على الملك فإنّ المعاطاة بناء على الملكيّة موجبة لتبديل طرف إضافة بطرف إضافة أخرى و بناء على الإباحة و إن لم تتبدل نفس طرفي الإضافتين إلّا أن جميع آثار التبديل كالسّلطنة على التصرف المالكيّ يحصل للمباح له و يبقى الملك مسلوب الأثر لمالكه فإذا كان كذلك فعلى الملك المزج و كذا التّغيير موجب لسقوط جواز الرّجوع

أمّا المزج فلامتناع ترادّ الأعيان المملوكة فإذا امتنع التراد لزم المعاطاة و احتمال حصول الشركة للمالك الأصلي فرع بقاء تعلّق حقّه بذات الأجزاء و بقاء الحق فرع إمكان امتيازها و لا يقاس المقام بما إذا بيعت الأجزاء من الغير لأنّ البيع يقع على مقدار من هذه الأجزاء لا على نفسها و إلّا لا يصح البيع أيضا

و ما أفاده المحقّق الخراساني قدس سره من أنّه لا يمتنع التراد لو لم نقل بحصول الشركة بمجرّد الامتزاج لبقاء الأجزاء الممتزجة على ما كانت عليه من الملك أو الإباحة لمن صارت إليه من المتعاطيين ضعيف لأن مناط لزوم المعاطاة ليس منحصرا بخروج المال عن قابلية التملّك بل ممّا يوجب اللّزوم عدم بقاء العين على ما هي عليه من الوصف كما في خيار العيب

و أمّا التّغيير فلعين البرهان المتقدم آنفا سواء كان تغييرا موجبا لزيادة القيمة كالسّمن و الصّبغ و القصارة أو لنقصانها كفصل الثوب أو تعيّبه أو نسيان الكتابة و الطّحن أو لم يكن كذلك و في المزج أيضا لا يتفاوت المزج بالمساوي أو الأجود أو الأردإ و بما يوجب الإتلاف أو لا أي لا يتفاوت في البابين بين أن يوجب المزج أو التّغيير ضمان المازج أو المغير كما لو مزجه بالأردإ أو غيّره بما يوجب النقص و أن يوجب شركة المازج أو المغيّر كما لو مزجه بالأجود أو غيّره بما يوجب زيادة القسمة لأن المناط في مقامنا هذا عدم بقاء العين على ما هي عليه فلا فرق بين جميع الصّور

و السر في ذلك ما أشرنا سابقا أنّ الجواز هنا و إن لم يتعلّق بالعين ابتداء بحيث لا يكون له مساس بالمعاوضة إلّا أنّه من الممكن أن يكون كخيار العيب الثّابت في مورد بقاء العين على ما هي عليه و التّغير أو المزج يخرج العين عمّا هي عليه فإنّ في مرسلة جميل جعل قطع الثوب أو خيطه أو صبغه مقابلا لبقاء العين و قيامها على ما هي عليه

نعم يمكن أن يكون كخيار المالك في باب المفلس إلّا أنّ الشكّ في كونه ملحقا بأنّهما يكفي في لزوم المعاطاة و عدم جريان استصحاب الجواز و ليس منشأ الشكّ كون الموضوع عرفيا أو عقليّا و لا يبتني جريان الاستصحاب و عدمه على الوجهين كما لا يخفى هذا على الملك

و أمّا بناء على الإباحة فحيث قد عرفت أنّها ليست كإباحة الطّعام دائرة مدار الإذن حتى ترتفع برفعه بل تسليط مالكي و تضمين معاوضي فالمتيقّن من جواز الرد أيضا هو بقاء العين على ما هي عليه فإذا تغير وصفها فيرتفع موضوعه هذا مضافا إلى أن استصحاب الجواز له معارض باستصحاب بقاء سلطنة المباح له و استصحاب بقاء المسمّى على العوضيّة و ليس بينهما سببيّة و مسببيّة لكون كلّ منهما مسبّبا عن نحو الجعل الشّرعي ثبوتا هذا مع ما تقدم من أنّ السّيرة المستمرة قائمة على اللّزوم

قوله قدس سره ثم إنّك قد عرفت مما ذكرنا أنه ليس جواز الرّجوع في مسألة المعاطاة نظير الفسخ في العقود اللّازمة حتى يورث بالموت إلى آخره

لا إشكال فيما و ذكره قدس سره سواء قبل بالملك أو الإباحة أمّا على الملك فلأنّ الجواز في المقام ليس حقّا مالكيا

ص: 96

حتّى ينتقل بموت المورث إلى الوارث و يسقط بالإسقاط بل هو نظير جواز الرّجوع في الهبة فإثبات هذا الحكم للوارث يتوقّف على دليل و لا يقاس الجواز الحكمي على حقّ الإقالة الّتي يرثه الوارث لأنّه عبارة عن ملك الالتزام الّذي كان للمالك فإذا مات انتقل هذا الحقّ إلى الوارث بخلاف الحكم المحض فإنّ المالك لم يترك شيئا حتى يرثه وارثه

و لا يقاس أيضا على حقّ الخيار فإنّه عبارة عن ملك التزام نفسه و التزام طرفه فقوامه بملك كلا الالتزامين و لذا قيل بعدم ثبوت الخيار للزّوجة في العقار الّذي لا ترث منه سواء كان منتقلا إلى زوجها أو منتقلا عنه لأنّه لو انتقل إليه فالزّوجة غير مالكة لالتزام زوجها لأنّ ملك التزام الزّوج طريق لرد العقار و المفروض أنّها لا ترث العقار فلا ترث طريق ردّه و إن كان منتقلا عنه فهي غير مالكة لالتزام طرف زوجها لأنّها لا ترث العقار لو ردّ بالفسخ فلا ترث الفسخ أيضا هذا على الملك

و أمّا على الإباحة فلو قيل بأنّها من قبيل إباحة الطعام كان مقتضاه بطلان المعاطاة بموت المبيح و المباح له فإنّها لو كانت كذلك كانت من قبيل العقود الإذنيّة كالعارية و الوديعة و الوكالة الّتي تبطل بموت الآذن و المأذون و لا يبقى موضوع لها حتى تكون جائزة أو لازمة و لكنّك خبير بأنّها من المعاوضات و لا تبطل بموت أحد المتعاطيين فيقع الكلام في لزومها أو بقائها على الجواز

ثم على اللّزوم هل تبقى على ما كانت عليه من الإباحة أو ينتقل المباح آنا ما إلى ملك الميّت و ينتقل إلى الورثة وجوه و الأقوى هو الأخير أمّا عدم بطلانها بالموت فللسيرة المحققة و تفرّع النّزاع في اللّزوم أو البقاء على الجواز على عدم البطلان بالموت فإنّها لو بطلت بالموت كيف يفتي المحقّق و الشهيد الثّانيان بأنّها تصير لازمة بالموت بل يظهر من المصنف ذلك أيضا فإنّه في جواب استبعاد الشّيخ الكبير بأنّها على الإباحة كيف يرث الوارث أجاب بأنّها استبعاد محض و لم يجب بأنّها تبطل بالموت و لا يرث الوارث ما أخذه المورّث معاطاة

و أمّا لزومها فلعين ما ذكرنا في الملك فهو أنّ الجواز الحكمي لا ينتقل إلى الوارث فليس له فسخ المعاطاة نعم هنا شبهة لا تجري على الملك و هي أنّها على الملك إذا بقي الجواز للورثة فلا بدّ أن يكون من جهة إرث نفس الجواز و حيث إنّه حكم شرعيّ فلا يرثه الوارث و أمّا بناء على الإباحة فحيث إنّ الملك باق على ملك المبيح فإذا مات انتقل إلى وارثه فللوارث ردّ المعاطاة من حيث إنّه من آثار سلطنته على المال و لا من جهة إرثه الجواز و ذلك كما في الإجازة في باب الفضولي فإنّها غير قابلة لأن يرثها الوارث إلّا أنه إذا انتقل ما باعه الفضولي إليه بالإرث فله أن يجيز و هكذا في وارث المستودع بناء على عدم بطلان الوديعة بالموت

و لكنّك خبير باندفاع هذه الشّبهة أيضا في المقام فإنّه كما يعتبر في الجواز الثّابت في المعاطاة بقاء العين على ما هي عليه كذلك يعتبر في المتعاطيين أيضا بقاؤهما كذلك فلو تبدّل أحدهما أو كلاهما يرتفع موضوع الجواز بل لو شكّ فيه أيضا فالمتيقّن منه ثبوته لخصوص المتعاطيين و أمّا انتقال المال إلى ملك الميّت و انتقاله إلى الورثة فلأن تقدير الملك عند التّلف هو الموجب للتقدير عند موت أحد المتعاطيين و ذلك لأنّه لو كان المال باقيا في ملك المبيح و لم يجز له التصرّف بنحو من الأنحاء فهو بمنزلة العدم لأنّه لا معنى لأن يكون الشخص مالكا و لا يتمكن من ترتيب آثار الملك على ملكه فكما أنّه في مورد التّلف يقدر الملك من باب عدم إمكان تعلّق الملك بالتّالف فكذلك إذا امتنع التملّك يقدر الملك آنا ما

و بالجملة لو فرضنا أن التّسليط

ص: 97

المالكي اقتضى بقاء الملك للمالك مسلوب المنفعة و لكنّه كان مالكا لأن يرجع سلطنته إلى نفسه كان له أثر من آثار الملك و أمّا إذا ارتفع هذا الأثر أيضا فليس إلّا كالتالف الحقيقي

قوله قدس سره و لو جنّ أحدهما فالظّاهر قام وليّه مقامه في الرّجوع على القولين إلى آخره

قد اخترنا في تعليقتنا سابقا على هذا العنوان ما هو مختار المصنف و قلنا إنّ الجنون لا يقاس على الموت لأن كل ما يقبل النّيابة يقوم فيه الوليّ مقام المولى عليه و مباشرة المالك في الرد غير معتبرة بلا إشكال لصحة توكيله فيقوم وليّه مقامه إذا جنّ و لذا قوينا في باب الطلاق صحّة طلاق الولي إذا جنّ المولى عليه بعد الكبر و لكن لا يخفى فساد ذلك أمّا بناء على الإباحة فعلى ما يظهر من المصنف قدس سره من أنّها من قبيل إباحة الطعام فمقتضاه بطلان المعاطاة بالجنون فإنّها كالعقود الإذنيّة تبطل بجنون الآذن و المأذون و المبيح و المباح له بل لو جن الباذل للزّاد و الرّاحلة لا يجوز للمبذول له التصرف في مال الباذل خصوصا لو جنّ قبل إحرام المبذول له

ففي المقام لو جنّ كل واحد منهما فلا يجوز أن يتصرف الآخر في مال المجنون و بقاء حق الرّجوع للوليّ فرع بقاء المعاطاة على حالها و أمّا على ما اخترناه من معنى الإباحة و هي كونها تسليطا مالكيّا فحكمها حكم الملك و حكم المجنون على الوجهين حكم الموت في لزوم المعاطاة لاشتراط بقاء الجواز ببقاء المتعاطيين على حالهما حين المعاطاة و قيام الوليّ مقامهما فرع بقاء الجواز

[الأمر السّابع أنّ الشّهيد الثاني ذكر في ذلك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا]

قوله قدس سره الأمر السّابع أنّ الشّهيد الثاني ذكر في ذلك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التّلف و معاوضة مستقلّة إلى آخره

توضيح المقام يتوقّف على بيان حال المعاطاة قبل التّلف بناء على الملك و الإباحة حتى يعلم حالها بعده فنقول أمّا بناء على الملك فلا إشكال في أنّها بيع من أوّل الأمر غاية الأمر أنّها جائزة و تلزم بعروض أحد الملزومات فالوجهان المذكوران في المسالك لا يجريان على القول بالملك و أمّا بناء على الإباحة فقد ظهر أنّها متصوّرة على وجوه الأوّل ما بنى عليه صاحب الجواهر قدس سره و حمل عليه كلمات الأصحاب من أنّ المعاطاة تفيد الإباحة فيما إذا قصدها المتعاطيان

الثّاني ما يستفاد من كلمات جماعة من أنّها إباحة شرعيّة رتّبها الشّارع على خلاف ما قصده المتعاطيان من التّمليك الثالث ما وجّهنا به كلمات المشهور من أنهما قصد التّمليك و لكنّهما أوجدا مصداق التّسليط فهي إباحة مالكيّة لإيجادهما ما هو مصداق التّسليط المالكي و أمضاها الشّارع أيضا الرّابع ما قوّيناه أخيرا من أنّهما قصد التّمليك و أوجدا ما هو مصداقه إلّا أن حصول الملك مشروط بتعقّبه بأحد الملزومات كاشتراط حصول الملك في الصرف و السّلم بالقبض غاية الأمر جوّز الشّارع قبل الملزمات تصرّف كلّ منهما بأيّ نحو من أنحاء التصرّف سواء كان مما يوجب حصول الشّرط كالتصرفات المتلفة و ما بحكمها أو لم يكن فالإباحة قبل حصول الشرط شرعيّة و على هذا فالفعل جزء السبب و جزؤه الآخر التصرفات المتوقفة على الملك أو التّلف و حيث إن جميع هذه الوجوه لا تخلو عن إشكال فالأقوى كونها مفيدة للملك ابتداء

و على أي حال لو قلنا بما اختاره صاحب الجواهر قدس سره الّذي إليه يرجع تنظير المصنف قدّس سرّه الإباحة الحاصلة بالمعاطاة بإباحة الطعام فلا بدّ من الالتزام بأنّها معاوضة مستقلّة و خارجة من أبواب العقود المتعارفة فيكون نظير استيفاء المال أو العمل بالأمر المعاملي الموجب لتقدير الملك آنا ما و بأن التّضمين بالعوض المسمّى ينشأ من أوّل الأمر لا عند التّلف حتى يقال إنّ التّلف أو التصرّف ليس معاوضة و لازم جعل المسمّى عوضا هو انتقال الملك آنا ما إلى ملك المتصرف أو من تلف المال عنده و الدّليل على هذا المعنى هو السيرة الموجودة

ص: 98

فلا يقاس المعاطاة على إباحة المالك التصرّفات المتوقّفة على الملك لغيره الّتي منعنا كونها من أنحاء سلطنة المالك و قلنا إنّه ليس للمالك السلطنة على الأحكام الشّرعيّة

و بالجملة بناء على الإباحة بالمعنى الأوّل فلا بدّ من جعلها معارضة مستقلّة رتّبها الشّارع على قصد الإباحة من المالك بالعوض المسمّى إذا تحقّق منه فعل على طبق قصده و لم يرتّبها على قوله و أمّا جعلها بيعا بعد التّلف فبعيد جدّا للزوم الانقلاب فإنّ ما ليس بيعا كيف يصير بيعا

و لو قلنا بالوجه الثّاني فالصّواب أن يقال أيضا بأنّها معاوضة مستقلّة و لكنّها قهريّة شرعيّة و جعلها الشّارع لازمة بأحد الملزمات أو أنّ الشّارع رتّب عليها أوّلا ما هو مخالف لما قصده المتعاطيان و حكم عند تحقّق الملزمات بطبق ما قصده أو لو قلنا بالوجه الثّالث فهو و إن كان يقتضي كونها معاوضة مستقلّة لا بيعا إلّا أنّها لازم مساو للبيع لأنّ التّسليط المالكي عبارة عن إعطاء المالك جميع آثار الملك لغيره و هذا مرجعه في الحقيقة إلى إعطاء نفس الإضافة و السّلطنة الّتي منعنا سابقا كونها داخلة تحت سلطنة المالك لأنّ ما هو داخل تحت سلطنته هو طرف الإضافة لا نفس الإضافة إلّا أنّها على أيّ حال مرجعه إلى البيع

ثم إنّ انتقال كلّ عوض إلى ملك من انتقل إليه بالتّلف إنّما هو من آثار جعل الضّمان بالمسمّى لا أنّه بالتّلف ينقلب عمّا هو عليه و يصير بيعا فإنّ هذا الاحتمال أبعد الوجهين المذكورين في المسالك و لو قلنا بالوجه الرابع فمقتضاه كونها بيعا من أوّل الأمر و لا يجري فيه الاحتمالان كما لا يجريان على ما هو المختار تبعا للمحقّق الثّاني من حصول الملك بنفس الفعل

ثمّ إنّهم ذكروا نظير هذين الوجهين المذكورين في المسالك على القول بالإباحة في مسألة القسمة و الإقالة فاختلفوا في أنّ القسمة بيع أو إفراز حقّ و أنّ الإقالة فسخ أي حلّ للعقد الأوّل الّذي لازمه رجوع كلّ مال إلى مالكه الأصلي أو بيع أي إنشاء تمليك عكس الإنشاء السّابق و قيل بالتّفصيل بين ما إذا قيل بلفظ فسخت فإنّها فسخ و ما إذا قيل بلفظ أقلت فهي بيع

و كيف كان فعلى القول بالملك يلحقها من أوّل الأمر جميع الخيارات الثابتة للبيع عدا ما استفيد من دليله اختصاصه بالبيع العقديّ الّذي مبناه على اللزوم لو لا الخيار لا وجه للقول بلحوقها بها بعد لزومها بالتّلف و نحوه خاصّة لا قبله كما هو ظاهر المصنف التفاتا إلى كونها جائزة قبل التّلف و عدم الفائدة في الخيار حينئذ و ذلك لعدم انحصار الفائدة في الرّد لإمكان إسقاطها و الصّلح عليها

و بالجملة لا يلحقها خصوص خيار المجلس و الحيوان لظهور دليلهما في اختصاصهما بالبيع العقديّ الّذي مبناه على اللّزوم لو لا الخيار نعم لو قلنا بثبوتهما لكلّ بيع لازم سواء كان الالتزام من منشئات المتعاقدين أي كان عقديّا أو حقّيا من مجعولات الشّارع فيلحقان بها بعد ما صارت بيعا لازما و يلحقها خيار العيب و الغبن و الشّرط لعدم اختصاصها بالبيع العقدي فإنّ ثبوتها في البيع و شبهه من المهر و عوض الخلع إنّما هو للشّرط الصّريح أو للشّرط الضّمني الّذي يتضمّنه كلّ معاوضة عرفا و عادة فإنّ بناء النّوع على عدم الالتزام بالمعيوب و بما لا يتغابن بمثله و لا ينحصر دليل الخيار بقاعدة لا ضرر حتّى يقال باختصاصه بالبيع العقدي لكونه متيقّنا كيف و لو لا الشّرط الضّمني لما أمكن إثبات الخيار بتلك القاعدة لبناء المتعاملين على المعاملة كيف ما كانت و إقدامهما عليها مطلقا

ص: 99

و بالجملة فكلّ عقد أو معاملة لم يكن اللّزوم فيها حكميا و لم تكن من قبيل النّكاح و الضّمان يلحقها خيار العيب و الغبن و الشّرط نعم الخيار في المعاطاة ليس بمعنى ملك فسخ الالتزام و إقراره فإنّها لم تكن متضمّنة للالتزام المنشإ من المتعاملين بل بمعنى حلّ ما أوجداه و هذا المعنى يمكن ثبوته للمتعاطيين من حين المعاطاة إلى ما بعد التّلف

و ليس الجواز الثّابت من أجل تخلّف الشّرط الصّريح أو الضّمني كالجواز الحكميّ حتّى يمتنع عند التّلف و لا يكون قابلا للإسقاط و الإرث بل جواز حقّي لا يتوقف على بقاء العينين فلو تلف عوض المعيوب جاز ردّ المعيوب و لو تلف المعيوب جاز أخذ الأرش و أمّا خيار الرّؤية و خيار التأخير فبناء على عدم اعتبار التّعاطي من الطّرفين يجريان فيها سواء قلنا بأنّهما من مصاديق تخلّف الشرط الضّمني أم قلنا بكونهما خيارين مستقلّين

و أمّا على الإباحة كما هي مبنى المسالك فتثبت لها الخيارات الثّابتة في كلّ معاملة و كذا الخيارات اللّاحقة لكلّ بيع بعد ما صارت بيعا و أمّا الخيارات المختصّة بالبيع العقدي كخيار المجلس و الحيوان على ما استظهرناه من دليلهما فلا تثبت لها خلافا للمسالك فإنّه التزم بثبوت خيار الحيوان له و إنّما استشكل في مبدئه و احتمل أن يكون حين المعاطاة و أورد عليه بأن المعاطاة على مبناه ليست بيعا قبل التّلف فكيف يحتمل أن يكون مبدأ خيار الحيوان من حين المعاطاة و لكنّه يمكن أن يوجّه بأن البيع و إن تحقّق حين التّلف إلّا أن منشأه و السّبب الموجد له هو المعاطاة و كان ما يئول إلى البيع بمنزلة البيع

و لكن يرد عليه بأنّه لا فرق بين خيار المجلس و الحيوان فإذا انتفى خيار المجلس ينتفي خيار الحيوان أيضا و لو بعد تحقّق اللّزوم نعم بناء على الفرق بينهما فوجه تقيّده ره ثبوت خيار الحيوان بما لو كان التّالف الثّمن أو بعضه ظاهر فإنّ ثبوت خيار الحيوان و إن لم يتوقّف على بقاء الحيوان في غير مقامنا هذا إلّا أنّه يتوقّف على بقائه في المقام حتى يثبت الخيار لأنّه يشترط في تعلّقه بالتّالف أن يتعلّق به قبل تلفه و لو آنا ما حتى لا يكون تلفه موجبا لسقوطه فيرد مثله أو قيمته فلو كان التّالف الثّمن فبعد تلفه يصير المعاطاة بيعا فيتعلّق به خيار الحيوان و أمّا لو كان التّالف نفس الحيوان فما لم يتلف لم يكن خيار لعدم صيرورتها بيعا و إذا تلف تلف غير متعلّق به الخيار فمن أين يثبت المثل أو القيمة

و بالجملة تعلّق حقّ الخيار في المقام بالمثل أو القيمة يتوقّف على تحقّق الخيار و تحقّقه يتوقف على تعلّقه بالمثل أو القيمة نعم لو ثبت من الخارج ثبوت الخيار في المقام فلا بدّ من تقدير تعلّقه آنا ما بالحيوان حتّى يثبت المثل أو القيمة لأنّ شرط تعلّق الحق بالبدل أن يتعلّق بالمبدل و لو آنا ما فلو لم يكن هناك دليل خاصّ فعمومات أدلّة الخيار لا تفيد لإثبات التّقدير آنا ما و لذا قيل بامتناع تعلّق حقّ الخيار بمن ينعتق على المشتري و سيجي ء توضيحه في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى

[الأمر الثّامن لا إشكال في تحقّق المعاطاة]

قوله قدّس سرّه الأمر الثّامن لا إشكال في تحقّق المعاطاة

لا يخفى أنّ ظاهر عبارته قدّس سرّه أنّ المقصود في هذا العنوان تحقّق المعاطاة بالقول الغير الجامع لشرائط اللّزوم فقط كخلوّه عن القبض في باب الوقف و الهبة بذي رحم و لكن بالتأمّل في مجموع كلماته يظهر أنّ المقصود أعمّ من فقد شرائط اللّزوم و الصّحة

و بالجملة مقصوده الجمع بين ما هو المسلّم بينهم من أنّ المقبوض بالعقد الفاسد لا يترتّب عليه شي ء من آثار الملكيّة بل يحرم التصرّف فيه و يجب ردّه فورا إلى مالكه و يضمن العين و منافعها المستوفاة و غير المستوفاة و بين ما يظهر من كلام غير واحد تبعا

ص: 100

للمحقّق و الشّهيد الثّانيين أنّه لو أخلّا بالشّروط المعتبرة في الصّيغة و أوقعا البيع خاليا عنها يكون معاطاة لو علم التراضي منهما

ثم إنّ قوله قدّس سرّه أمّا إذا حصل بالقول الغير الجامع لشرائط اللّزوم إلى آخره ليس المقصود منه خلوّ القول عن شرائط اللّزوم عند كل أحد حتى يكون قوله فإن قلنا بعدم اشتراط اللّزوم بشي ء زائد على الإنشاء اللّفظي خلفا كما أورده عليه المحقّق الخراساني قدّس سرّه بل مقصوده خلوّه عن شرائط اللّزوم عند المشهور فالترديد لا يكون خلفا

ثم إنّ ما ذكره هذا المحشّي قدّس سرّه في وجه الجمع من أنّ الحكم بضمان المقبوض بالعقد الفاسد اقتضائي بمعنى أن قضيّته فساده إنّما هو لكونه عقدا فلا ينافي صحّته بما هو معاطاة لا يخفى ما فيه فإنّ هذا العنوان الطّاري دائما موجود في المقبوض بالعقد الفاسد سيّما إذا قلنا بأنّ العقد الفاسد حكمه حكم المعاطاة و لو لم يتحقّق معه قبض أصلا فترتيب الأعلام هذه الآثار عليه لا يبقى له موضوع

إذا عرفت ذلك فنقول تارة يتحقّق قبض العينين بعد القول الفاسد و أخرى لا يتحقّق فلو لم يتحقّق فهذا خارج عن المعاطاة المصطلحة و لا بدّ من إخراجه من موضوع بحث الشّهيد و المحقّق الثّانيين و من تبعهما و القول بأن إنشاء القولي الغير الجامع لشرائط الصحّة يرجع إلى حكم المعاطاة مطلقا لا وجه له و لو تحقّق قبض العينين فتارة بناؤهما على الإغماض عن القول السّابق و إنشائهما التّمليك أو التّسليط بالفعل فهذا داخل في المعاطاة موضوعا و ليس هذه الصورة محطّ كلام المحقّقين و من تبعهما لأنّ مجرّد وقوع المعاطاة بعد العقد الفاسد لا يوجب الشكّ في دخولها في عنوان المعاطاة

و أخرى ليس بنائهما على الإغماض و هذا على قسمين لأنهما قد يقبضان وفاء بما التزما به على البيع الفاسد بحيث لم يعلم منهما رضاء بالتصرّف إلّا الرّضا المعاملي الّذي كان في ضمن الإنشاء الفاسد و مقيّدا به و هذا أيضا خارج عن موضوع البحث لأنّ هذا هو المقبوض بالعقد الفاسد الّذي هو موجب للضّمان و يترتّب عليه آثار خاصّة و قد يقبضان لا بما أنّ القبض وفاء بل رضى جديد حاصل لهما على أيّ حال و هذا هو موضوع كلامهما و كلام من تبعهما ثم الرّضا كذلك تارة تحقيقيّ كما لو علما بفساد الصّيغة و مع ذلك رضيا بالتصرف

و أخرى تقديري كما لو جهلا به و لكن استكشف من حالهما أنّهما لو علما بفسادها لرضيا بالتصرّف أيضا كالرّضى المستفاد من شاهد الحال في غير المقام فمرجع كلامهما إلى أنّه يكفي الرّضا و الطيب الّذي يجوز معه التصرّفات الغير المتوقّفة على الملك للتصرّفات المتوقّفة عليه و سائر الآثار المترتبة على المعاطاة من اللّزوم بالملزمات

و لا يخفى أنّ إدخال هذا في المعاطاة يتوقّف على أمرين الأوّل كفاية الرّضا الشّأني حتى يشمل كلامهما صورة الجهل بالفساد الثّاني عدم اعتبار إنشاء عنوان العقود قولا و لا فعلا بل كفاية مجرّد وصول كلّ من العوضين إلى المالك الآخر و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به سواء قلنا بالملك أو الإباحة لأنّ مجرّد الرّضا سواء كان فعليا أو تقديريا و تحقّق قبض بعده أو قبله لا أثر له في باب العقود و الإيقاعات فإنّ القبض الواقع بعد العقد الفاسد إذا لم ينشأ به التّمليك و لا التّسليط كما هو المفروض وجوده كالعدم و الرّضا بالتصرّف أيضا لا أثر له إلّا جواز التصرفات الغير المتوقّفة على الملك

و أمّا حصول الملك بمجرّد الرّضا أو الأوّل إليه أي تعيّن المسمّى للبدليّة بطروّ أحد الملزمات فلم يقم دليل على حصوله بمجرّد الرّضا لأنّ عناوين العقود إيجاديّة و لا بدّ من حصولها بإنشائها قولا أو فعلا و لا عموم في طرف

ص: 101

المستثنى في قوله ص إلّا بطيب نفسه لأن عموم المستثنى منه لا يقتضي عموم المستثنى

هذا مع أنّه و لو قلنا بإباحة جميع التصرّفات حتّى المتوقّفة على الملك بمجرّد الرّضا الباطني إلّا أنّه كيف يتحقّق الرّكن الآخر و هو الضّمان بالمسمّى و انتقال التّالف إلى ملك من تلف في يده فإنّه يتوقّف على إنشاء لا محالة إمّا بقوله أعتق عبدك عنّي و عليّ عشرة و إمّا بإعطائه النّاشي عن قصد التّمليك أو التّسليط له و كفاية وصول كل واحد من العوضين إلى المالك الآخر كما في مسألة كوز الحمّامي و السقاء و نحوهما و إن لم ينشأ إباحة أو تمليكا ممنوعة أمّا أوّلا فلعدم كون أمر الحمّام و السّقاء من باب المعاطاة و أمّا ثانيا فلأنّ قيام السّيرة على تحقّقها بالإنشاء من طرف واحد غير موجب لتحقّقها و لو لم يكن هناك إنشاء أصلا كما في المقام

تذنيبان
الأوّل في حكم النماء و المنافع على القول بالملك قبل الرّجوع و بعده

و بيانه يتوقّف على رسم أمور الأوّل أنّ النماء عبارة عن الأعيان المستخرجة من المال أي ما يمكن الإشارة الحسيّة إليه لوجود ما بحذاء له في الخارج سواء كان قابلا للانفصال كاللبن و الثمرة و النّتاج و الصوف و نحو ذلك أو لم يكن كالسّمن و نموّ الأشجار و المنافع ما لا يكون بحذائه شي ء في الخارج كسكنى الدّار و ركوب الدّابّة و قد يطلق كلّ منهما على الآخر الثّاني أن حكمهما في الرّد بالخيار مختلف سواء كان الخيار أصليّا كخيار المجلس و الحيوان و الشرط و نحو ذلك أو عرضيّا كخيار التّفليس

فذهب المشهور إلى أنّ النّماء المنفصل و المنافع مستوفاة كانت أو تالفة ملك لمن انتقل إليه المال فلا تردّ بردّ العين و النّماء المتّصل تابع للعين و اختلفوا في مثل الصّوف و الشّعر المتّصل الّذي يقبل الانفصال في أنّ حكمه حكم السّمن أو حكم المنفصل و الحقّ أنّه قبل انفصاله أو جزه يتبع العين و إن بلغ أوان جنائه أو زمان جزّه الثّالث أنّ مدرك الحكم في باب الردّ بالخيار هو قوله ص الخراج بالضّمان

و المصنف و بعض من تبعه و إن ناقشوا في سنده إلّا أنّ المستفاد من كلام شيخ الطّائفة و جماعة أنّه من النبويّات المتلقاة بالقبول عند الفريقين فهو نظير على اليد ما أخذت بل معناه في الجملة من الارتكازيات و هذه القاعدة هي مدرك فتوى أبي حنيفة في قضية البغلة في الحكم بأن منافع المغصوب للغاصب لأنّ ضمانه عليه فالمناقشة في سنده لا وجه لها إنّما الكلام في دلالته و قد استظهر منه أبو حنيفة أنّ المراد من الضّمان فيه هو الضّمان بمعنى اسم المصدر فيشتمل الضّمان الثّابت بمقتضى قاعدة اليد فتوهّم أنّ كلّ من كان ضامنا لشي ء فخراجه أي ما يستفاد منه منفعة كان أو نماء له و قد قال الإمام عليه السّلام في ردّه في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الأرض بركاتها

هذا مع أنّ من مناسبة الحكم و الموضوع يستفاد أن كلّ من تعهّد مالا و جعل ضمانه في عهدته فخراجه له لأنّ العاقل لا يتعهّد مالا إلا لأن يملك نماءه و منافعه و يصرفهما في حوائجه و هذا يختصّ بالضّمان الجعليّ الأصليّ الفعليّ الّذي أمضاه الشّارع فيخرج منه الضّمان القهريّ كباب الغصب و الضّمان التبعيّ كضمان البائع للمبيع و المشتري للثمن قبل القبض لأنّ ما تعهّده البائع أصالة هو ضمان الثّمن الّذي انتقل إليه و معنى ضمانه له أنّ دركه عليه بحيث إنّه لو تلف ثمّ طرأ على المعاوضة فسخ أو انفساخ يجب عليه ردّ مثله أو قيمته

و هكذا في طرف المشتري فإن ما تضمّنه أصالة هو المثمن و ضمان كلّ منهما لما انتقل عنه إنّما هو لشرط التّسليم الّذي يتضمّنه كلّ عقد فمناسبة الحكم مع موضوعه تقتضي خروج الضّمان التّبعي لأن هذا الضمان

ص: 102

على عكس ما اقتضاه المعاوضة فإنّ البائع أقدم على المعاوضة لأن يملك منافع الثمن و حيث إنّ هذا الإقدام يقتضي تسليم المبيع فلا يمكن أن يكون منافعه للبائع

و يخرج عنه أيضا الضّمان التقديريّ كالضّمان في باب أعتق عبدك عنّي و الضّمان في باب السبق و الرّماية قبل وصول السّابق و الرّشق فإنّ منافع العبد و السّبق و العوض ليس للآمر و السّابق و الرّامي لعدم كونها فعلا ملكا للضامن مع أنّ المضمون غالبا خارج عن تحت تصرّف الضّامن فلا معنى لأن يكون منافعه له و يخرج عنه المقبوض بالعقد الفاسد لعدم كون الضّمان الجعلي ممضى شرعا فوجوده كالعدم

إذا ظهر معنى الحديث إجمالا فنقول لو لم يرجع أحد المتعاطيين فنماء كلّ عين أو منافعها لمن بيده سواء قلنا بالملك أو الإباحة أمّا على الملك فواضح و أمّا على الإباحة فظاهر استبعاد الشّيخ الكبير قدّس سرّه بأنّه كيف يكون النماء للآخذ دون العين أنّ حدوث النّماء في ملك المباح له مفروغ عنه بل لا إشكال في أن السّيرة عليه أيضا فإنّه لم يعهد من أحد مطالبة النماء

و على أيّ حال قوله ص الخراج بالضّمان يشمل كلّ ضمان معاوضي سواء كان بالتّضمين الملكيّ أو الإباحيّ لأنّ كلّ مورد جعل ضمان مال بإزاء عوض بضمان أصليّ فعليّ مع كونه ممضى من الشّارع فالخراج مسبّب عن هذا الجعل و أمّا لو رجع أحدهما فحكم الرّجوع في المقام حكم الرّجوع في باب الخيار في أنّ النماء المتّصل يتبع العين دون المنفصل و المنافع المستوفاة قبل الرّجوع فإنّهما لمن كان العين بيده و لا وجه لاسترجاعهما منه و لو على القول بالإباحة

و بالجملة يشمل القاعدة المعاطاة على كلا المسلكين و إن تقدم عن المصنف القول بعدم انتقال النّماء إلى الآخذ نقلا عن بعض القائلين بالإباحة فراجع

الثّاني يظهر من المحقّق الثّاني على ما حكي عنه الفرق بين المعاطاة في البيع و القرض

فقال بحصول الملك في الأوّل كما هو مختاره فيها و الإباحة في الثّاني ثم رتّب عليهما أن نماء المبيع للمشتري دون نماء العين في باب القرض فإنّه للمقترض و لا يخفى ما فيه أوّلا من أنّه لا فرق بينهما فإنّ المعاطاة لو كانت مفيدة للملكيّة فلا فرق بين القرض و البيع و ثانيا لا فرق بين الإباحة و الملك في مسألة النماء لما عرفت أنّ قاعدة الخراج بالضّمان تشمل البابين هذا مع أنّ السّيرة قائمة في باب القرض أيضا فإنّه لم يعهد مطالبة نماء العين من المقترض مطلقا

[مقدّمة في خصوص ألفاظ عقد البيع]

اشارة

قوله قدّس سرّه مقدّمة في خصوص ألفاظ عقد البيع إلى آخره

توضيح ما أفاده قدّس سرّه في هذا العنوان و ما يرد عليه يتمّ برسم أمور الأوّل قد عرفت في بحث المعاطاة أنّ عدم إفادتها اللّزوم على مسلكين أحدهما عدم كون الفعل مطلقا مصداقا لعناوين العقود فيكون قاصرا عن إفادة التّمليك فضلا عن اللّزوم و لذا قيل بإفادتها الإباحة و ثانيهما الإجماع على اعتبار اللّفظ في اللّزوم مع صدق عنوان العقد على الفعل و إفادته الإلزام و الالتزام مثل القول فلو قلنا بالأوّل فما شكّ في اعتباره فيه فالأصل اعتباره لأصالة الفساد لأنّه لو منعنا عن صدق العقد و عنوان أبواب المعاملات عليه فلا دليل على صحّته إلّا ما قامت السّيرة عليه فلو شكّ في كونه موردا للسّيرة فأصالة عدم ترتّب الأثر عليه هي المرجع و لو قلنا بالثّاني فالأصل عدم اعتباره لصدق عنوان العقد

و على هذا فلا وجه لما أفاده المصنف من أنّ الأصل يقتضي كفاية إشارة الأخرس في مورد العجز عن التّوكيل لا في مورد القدرة عليه لأنّه قدّس سرّه اعتبر اللّفظ في اللّزوم من جهة الإجماع لا من جهة عدم صدق البيع على الفعل فإذا سلّم صدق العنوان فالأصل يقتضي عدم الاشتراط بالعجز

و بعبارة أخرى أصالة الفساد

ص: 103

إنّما تجري في مقابل الشكّ في أصل الصّحة و الفساد لا بعد إحراز الصّحة و الشكّ في اللّزوم و عدمه و كيف كان فسواء قلنا بأن الفعل ليس مصداقا لعنوان العقود أو قلنا بأنّه مصداق و لكنّما الإجماع قام على اعتبار اللّفظ في اللّزوم فالإشارة من الأخرس تقوم مقام اللّفظ و إن لم يقم معاطاته أي أخذه و إعطائه مقام اللّفظ كما سيظهر وجهه و ذلك لأنّ إشارة الأخرس و إن كانت فعلا من أفعاله إلّا أنّ قصور الفعل عن كونه إيجادا لعنوان العقد إنّما هو في غير إشارته فإنّ إشارته لا تقصر عن قول غيره لا سيّما من يفهم مقاصده الكليّة و الأمور الغير المحسوسة بالإشارة هذا بناء على الأوّل و أمّا بناء على أنّ اللّزوم يتوقّف على اللّفظ إجماعا فالإجماع إنّما قام في مورد القدرة على التكلّم و أمّا مع العجز عنه فلم يقم إجماع

ثم هل يقوم إشارته مقام اللّفظ مطلقا أو مع العجز عن التوكيل وجهان و الأقوى هو الأوّل أمّا بناء على صدق عنوان العقد على إشارته فواضح لأنّ الأصل عدم اشتراطه و أمّا بناء على عدم الصّدق فلإطلاق الأخبار في باب الطّلاق المستفاد منها بالفحوى حكم عقده و إيقاعه في سائر الأبواب و حملها على صورة العجز عن التّوكيل حمل على الفرد النّادر

هذا مع أنّه لو كانت إشارته كافية في التّوكيل لكانت كافية في أصل طلاقه و لا يقال إنّ العقود الإذنيّة يكفي فيها كلّما يدلّ على الإذن و الرّضا بخلاف غيرها لأنّا نقول و إن كان الإذن المطلق يكفي فيه كلّما يدلّ عليه إلّا أنّ الإذن في التصرف بعنوان الوكالة لا بدّ في تحقّقه من إشارة خاصّة فإذا كانت إشارته مفيدة لعقد الوكالة فهي مفيدة لغيره من العقود و الإيقاعات أيضا الثّاني أنّ محلّ البحث في إشارة الأخرس إنّما هو فيما إذا كانت المعاملة منشأة بإشارته بحيث كان القبض و الإقباض وفاء بها لا ما إذا كان الإنشاء بهما فإن معاطاته لا خصوصيّة فيها فما أفاده المصنف قدّس سرّه في قوله ثم لو قلنا بأنّ الأصل في المعاطاة اللّزوم فالقدر المخرج صورة قدرة المتبايعين على مباشرة اللّفظ لا يستقيم لأنّ جهة البحث ليست في معاطاة الأخرس حتى يبحث أنّها لازمة أو جائزة لعدم انعقاد الإجماع هاهنا

نعم لو أراد من لفظ المعاطاة مطلق الفعل لا خصوص القبض و الإقباض لاستقام ما أفاده الثّالث فيما يتحقّق به الإشارة و أنّه هل تعتبر كيفية خاصّة من تحريك اللّسان أو الإصبع أو غيرها أو لا تعتبر الأقوى هو الثّاني لأنّه لا دليل على اعتبارها بعد كون مطلق أفعاله مفهما لمراده و بعد صدق عنوان العقد أو الإيقاع على مطلق إشاراته و اختلاف الأخبار في باب الطلاق من إلقاء القناع أو الإشارة بالإصبع ناظر إلى هذا المعنى لأنّ كلّا منهما من أنحاء إفهام المراد و من مصاديق العناوين و ليس لنوع الأخرس كيفيّة واحدة نوعيّة حتّى لا يتجاوز عنها

الرّابع هل الإشارة مقدّمة على الكتابة أو العكس متعيّن أو كلّ منهما في عرض الأخرى في بعض أخبار الطّلاق ما يدلّ على ما تقدم الكتابة و به أفتى الحلّي قدّس سرّه هناك و لا يخفى أنّه لو قلنا به هناك للتعبّد لا يمكن التّعدي منه إلى كلّ باب لأنّ الكتابة ليست مصداقا في العرف و العادة لعنوان عقد أو إيقاع فليست آلة لإيجاد عنوان بها و لذا انعقد الإجماع على عدم تأثيرها في غير الوصيّة و إن كان الحقّ أنّه لا ينشأ بها الوصيّة أيضا نعم هي معتبرة عند العرف من حيث الكاشفيّة و تصير مدركا و سندا لإثبات البيع و الدّين و الوصيّة و نحو ذلك

و بالجملة إذا لم يكن الفعل مصداقا

ص: 104

لعنوان عقديّ أو إيقاعي فقصد إيجاد هذا العنوان لا يؤثّر أثرا لأنّه إذا لم يكن مصداقا فليس هناك إلّا القصد المجرّد و هذا لا أثر له في العناوين الإيجاديّة و الموجدات الاعتباريّة الّتي هي منشأ الآثار الشّرعيّة و العرفيّة

الخامس هل الحكم مختصّ بالأخرس الّذي نشأ خرسه من صممه أو يشمل كلّ من لا يتكلّم و لو لعذر من نذر أو إكراه أو أخصّ من ذلك و أعمّ من الأوّل فيشمل كل من كان عاجزا خارجا سواء كان لصممه أو لاعتقال في لسانه أو لمرض مرجوّ الزّوال وجوه الأقوى هو الأوّل فإنّه الّذي يصدق عليه الأخرس يقينا ثمّ الأخير و أمّا الخرس لعذر فلا يشمله الأدلّة قطعا بل ليس هو خرسا

و بالجملة و إن قلنا بعموم الأخرس لكلّ من كان عاجزا عن النّطق و إن لم يكن منشأ خرسه الصّمم كما لا يبعد دعواه و لا وجه للأخذ بالقدر المتيقّن لعدم إجمال في اللّفظ إلّا أنّ شموله لمن نذر ترك التكلّم و نحوه ممنوع جدّا و على هذا فلو صدق عنوان العقد و الإيقاع على إشارة كلّ عاجز فهو و إلّا فمن فحوى باب الطّلاق نتعدى إلى غيره و نحكم بلزومه بإشارته كما نحكم بجواز معاطاته الّتي هي في حكم معاطاة غيره

و على أي حال كتابته ليست داخلة في إشارته و لا هي معاطاة منه

قوله قدّس سرّه ثمّ الكلام في الخصوصيّات المعتبرة في اللّفظ تارة يقع في مواد الألفاظ

توضيح البحث في هذا العنوان يتمّ بتمهيد مقدمات الأولى أنّه لو شكّ في صدق عنوان من عناوين العقود و الإيقاعات على لفظ صادر من الموجب و القابل أو الموقع فأصالة الفساد تقتضي عدم صحّته و أمّا مع صدق العنوان عليه عرفا فمقتضى الإطلاقات و العمومات عدم اعتبار ما شك في شرطيته في مادة العقود و الإيقاعات أو هيئتهما فإنّ قوله عزّ من قائل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ مثلا و إن كان ناظرا إلى المسبّبات بالمعنى الّذي بيّناه و هو الموجد بالأدلة إلّا أنّ إمضاء اسم المصدر إمضاء للمصدر فيقتضي حلّية جميع ما كان آلة عرفا لإيجاد البيع سواء كان بمادّة البيع أو بغيرها من الموادّ و سواء كانت الهيئة الّتي توجد بها المادة ماضويّة أو غيرها و سواء أنشأ هذا العنوان بألفاظ صريحة أو بغيرها و باللّغة العربيّة أو غيرها كان الإيجاب و القبول متواليين أو لا

نعم لو منع من صدق البيع عرفا على ما إذا أنشأ بغير لفظ الماضي أو بما إذا لم يكن بين الإيجاب و القبول موالاة أو بما أنشأ بالكناية و نحوها أو ادّعى الانصراف عنها فلا يفيد الإطلاق

ثم إنّه كما يصحّ التمسّك بالإطلاق فيما إذا كان الشكّ في ناحية الأسباب كذلك يصحّ التمسّك به فيما إذا كان الشكّ في ناحية المسبّبات فلو لم يكن مسبّب متعارفا في زمان الشّارع و صار متعارفا بعده كالأمر بإلقاء المتاع في البحر و تعهّد الآمر الضّمان و نحو ذلك من استيفاء مال أو عمل بأمر معامليّ لجاز التمسّك لصحّته بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لا وجه لدعوى اختصاصه بالعقود المتعارفة و المعاملات المتداولة إلّا إرادة العهد من اللّام و هو خلاف ظاهر اللّام في كلّ مقام لا سيّما في مثل هذه الأحكام

نعم هنا إشكال في صحّة التمسّك بعموم أَوْفُوا فيما إذا كان الشكّ راجعا إلى الشكّ في الصّحة و الفساد و تقريبه أنّ العموم في هذه الآية الشّريفة وارد مورد حكم آخر لأنّه في مقام بيان لزوم ما هو صحيح و ليس في مقام بيان أصل الصّحة فلا بدّ أن تكون الصّحة مفروغا عنها حتّى يجب الالتزام بما أنشأه المتعاقدان و لكن التّمسك بعموم تجارة عن تراض لا إشكال فيه

و بالجملة إذا لم يكن سبب متعارفا

ص: 105

في زمان الشّارع كبعض اللّغات المستحدثة و صار إيجاد المسبّبات متعارفا بها و صدق عليها عنوان المعاملة أو إذا لم يكن مسبّب متعارفا في زمانه و صار متعارفا في عصر فيتمسّك بإطلاق أدلّة العناوين لصحّتهما و لا وجه لدعوى الاختصاص و لا الانصراف

الثّانية لا شبهة في الفرق بين الحكايات و الإيجاديّات فإنّ الحكايات لا يتعلّق غرض بها إلّا إظهار ما في الضّمير و إلقاء المقصود إلى المخاطب فكلّ لفظ لم يكن خارجا عن أسلوب المحاورة يصحّ إظهار ما في الضّمير به سواء كان الاستعمال حقيقة أم مجازا صريحا أم كناية كانت قرينة المجاز حاليّة أو مقاليّة كان المجاز بعيدا أو قريبا و هذا بخلاف الإيجاديّات فإنها لا توجد إلّا بما هو آلة لإيجادها و مصداقا لعنوانها فلو لم يكن شي ء مصداقا لعنوان و آلة لإيجاده بل كان للازمه أو ملازمه لم يوجد الملزوم أو الملازم الآخر به و إن كان الغرض من إيجاد اللّازم أو الملازم إيجاد الملزوم و الملازم الآخر بحيث كان هو المقصود الأصلي إذ لا عبرة بالدّواعي و الأغراض في الإيجاديات فلو قصد البيع و أتى بغير ما هو مصداقه فلا أثر له و لذا لا يرتّبون الآثار على الشّروط البنائيّة الّتي لم تذكر في متن العقد

ثم إنّ الإيجاد المعتبر في العقود غير الإيجاد الحاصل في سائر الإنشائيّات في معاني الحروف فإنّ الهيئة في سائر الإنشائيّات وضعت لإلقاء الحدث على الفاعل و إيجاد النّسبة بين الفاعل و الفعل و بإيجاد النّسبة إذا كان المتكلّم في مقام البعث و التشريع يتحقّق مصداق للأمر و إذا كان في مقام السّؤال يتحقّق مصداق للاستفهام و إذا كان في مقام إظهار المحبّة في وقوع النّسبة يتحقّق التمنّي و الترجّي و نحو ذلك

و أمّا الهيئة في باب العقود فمضافا إلى أنّ بها تتحقّق النّسبة توجد المادّة بها أيضا إذا كان المتكلّم في مقام الإنشاء فإنّه بقوله بعت يوجد البيع و أمّا الإيجاديات في باب الحروف فقوامها بأمور أربعة الأوّل كون معنى الحروف إيجاديّات لا إخطاريّا الثّاني كونه قائما بغيره الثّالث عدم التقرّر له في غير وعاء الاستعمال الرّابع كون المعنى حين إيجاده مغفولا عنه و أمّا الإيجادي في باب العقود كالملكية مثلا فهو أمر متقرّر في حدّ نفسه و له وعاء غير وعاء الاستعمال فإنّه موجود في عالم الاعتبار و ليس بمغفول عنه و تمام الكلام موكول إلى بحث الحروف

الثّالثة لا شبهة في أنّ البيع بل كلّ عنوان من عناوين العقود و الإيقاعات عنوان بسيط ليس مركّبا من الجنس و الفصل فإذا كان بسيطا فلا يمكن إيجاد هذا المعنى تدريجا بل إمّا أن يتحقّق آنا أو لا يتحقّق أصلا بل المركّب من الجنس و الفصل أيضا لا يمكن أن يوجد تدريجا فإن تحصّل الجنس إنّما هو بالفصل و تحقّق الهيولى إنّما هو بالصّورة فلا يعقل أن يوجد المادة أولا ثم الصّورة فإذا كان هذا حال المركّب الخارجي فكيف بما هو بسيط و ما به امتيازه عين ما به اشتراكه فإنّ السّود الشّديد بعين ما هو لون يكون سوادا و بعين ما هو سواد يكون شديدا و هكذا التّمليك البيعيّ و القرضيّ و نحوهما من الهبة و الإجازة يكون التّمليك في كلّ منهما بعين كونه بيعا أو قرضا أو نحوهما أي لا يكون التّمليك في البيع جنسا و بيعيّته فصلا بل هو بيع بعين كونه تمليكا بل لا شبهة أنّ التّمليك ليس شيئا و البيع شيئا آخر و إن قلنا بأنّ كلّ واحد من هذه الأمور الأربعة مباين في النّسخ مع الآخر مضافا إلى أنّ التّمليك في جميع

ص: 106

هذه الأمور أمر واحد و إنّما الاختلاف بينهما كالاختلاف بين أفراد البيع

و على أيّ حال المعنى المنشأ بلفظ بعت أمر بسيط ليس مركّبا من الجنس و الفصل و لا يمكن أن يوجد تدريجا كتدريجيّة الباء و العين و التّاء إذا عرفت ذلك فيقع البحث تارة في صحّة إنشاء العناوين بالكنايات و أخرى بالمجازات و ثالثة بالمشترك اللّفظيّ و رابعة بالمشترك المعنويّ أمّا صحّته بالكناية فلو قيل إنّها قسم من المجاز كما عرفها بعضهم من أنّها ذكر اللّازم و إرادة الملزوم فحكمها حكمه و لو قيل إنّها قسيم للمجاز كما هو الحقّ فإنّ قوله زيد طويل النّجاد استعمل في نفس معناه الحقيقيّ و ألقى معنى اللّفظ إلى المخاطب لينتقل منه إلى ملزومه و هو طول القامة و هكذا في أمثال ذلك من قوله زيد كثير الرّماد أو مهزول الفصيل فإنّ الانتقال إلى الجود من دواعي استعمال هذه الألفاظ في معانيها الموضوعة لها لا أنّها استعملت في الجود فالأقوى عدم صحّة إنشاء العنوان بها فإن إنشاء اللّازم و إيجاده في الإنشاء القولي ليس إيجادا للملزوم عرفا و كون الملزوم مقصودا و داعيا من إيجاد اللّازم لا أثر له بعد ما عرفت في المقدّمة الثّانية أنّ الأغراض و الدّواعي لا أثر لها في باب العقود و الإيقاعات فلو قال كناية عن البيع ترى خيره أو في مقام النّكاح ألّف اللّٰه بين قلبكما و أمثال ذلك فلا أثر له

و بالجملة ما لم ينشأ عنوان العقد بما هو آلة لإيجاده عرفا فلا أثر له و لا يرى العرف آلة إيجاد اللّازم آلة لإيجاد الملزوم ثمّ لو قيل بأنّ الملزوم و إن لم ينشأ أصالة إلّا أنه منشأ تبعا و في المرتبة الثّانية من الإيجاد و لا وجه للاقتصار على المنشإ الأوّل بعد إطلاق أدلّة العناوين فيقال الإيجاد بهذا النّحو في كمال الضّعف من الوجود فينصرف الإطلاق عنه و لا يشمله العمومات أيضا لخروجه عن الأسباب المتعارفة و مع الشكّ في دخوله تحت العموم و الإطلاق فالأصل عدم ترتّب الأثر عليه

و أمّا صحّته بالمجاز فإن كان مجازا مشهورا فالأقوى كفايته دون ما لم يكن كذلك و ذلك لأنّ الشّهرة توجب أن لا يحمل اللّفظ على معناه الحقيقيّ أو المجازيّ إلّا بانضمام قرينة معيّنة لأحدهما فعدم حمله على معناه الحقيقيّ بمجرّد التلفّظ يجدي في وقوعه به و لا يلزم إيجاد عنوان البسيط تدريجا و هذا بخلاف المجاز الغير المشهور فإنّه يحتاج إلى قرينة صارفة أيضا فحاله أردأ من الكناية لأنّ ما يوجد به بحسب الدلالة التّصوريّة هو معناه الحقيقيّ و بحسب الدلالة التّصديقيّة معناه المجازيّ فيتناقضان و ليس باب الإيجاد كباب الحكاية كما عرفت

و لذا قال المشهور بأن بعتك بلا ثمن و آجرتك بلا أجرة لا يفيدان فائدة الهبة الصّحيحة و العارية كذلك و ليس ذلك مع أنّ القرينة الصّارفة مقرونة باللّفظ إلا لأن ما أوجد أولا بلا مجي ء القرينة كان معاندا لما أوجد ثانيا و لا يمكن إرجاع ما أوجد عمّا هو عليه في الإيجاديات و إن أمكن في الحكايات

نعم لو قيل بأنّ في باب المجاز لا ينشأ بالقرينة شي ء حتى يكون بين القرينة و ذي القرينة تناقض بل عنوان العقد ينشأ بنفس ذي القرينة و القرينة كاشفة عن المعنى المقصود من ذي القرينة و لذا التزمنا بصحّة إنشاء العناوين بالمجاز المشهور لصحّ إنشاؤها بالمجاز الغير المشهور أيضا سواء كانت قرينة حاليّة أو مقاليّة إلّا أن يمنع كون المجاز الغير المشهور آلة لإيجاد العنوان الّذي قصد إيجاده به عرفا فإنّ مجرّد قصد العنوان من اللّفظ مع عدم كون اللّفظ آلة لإيجاده لا أثر له فإنّه في حكم القصد المجرّد

و لذا قلنا في أوّل المعاطاة بالفرق بين الفعل و اللّفظ و أنّ الفعل لو قصد به التّمليك يقع به و إن كان مصداقا للتّسليط و هذا بخلاف

ص: 107

قوله سلّطتك و ذلك لأنّ التّسليط الخارجي لو قصد منه البيع يصير مصداقا لهذا العنوان لقيام السيرة عليه دون التّسليط اللّفظي

و أمّا صحّته بالمشترك اللّفظي فلو كان هناك لفظ مشترك لفظا بين عنوان عقدين أو عقود كاشتراك لفظ الشراء بين البيع و الاشتراء فلا مانع عن إنشائه به لأنّه لا يوجب تعيّن معناه بالقرينة المعيّنة أن يوجد العنوان بالقرينة حتى يلزم تدريجيّة المعنى البسيط بل العنوان ينشأ بنفس اللّفظ و القرينة كاشفة عن وقوع اللّفظ في مقام إنشاء هذا العنوان إلّا أن يقال إنّ القرينة متمّم المراد و المعنى يستفاد من مجموع القرينة و ذيها كاستفادة موضوع الحكم في العام المخصّص من مجموع العالم العادل (1)

و أمّا صحّته بالمشترك المعنوي فلو كان مشتركا بين العقود التّمليكيّة كملكت صحّ إنشاؤها به و يتعيّن كلّ واحد من العناوين المقصودة بالقرينة المكتنفة به و لا يلزم إشكال إيجاد الأمر البسيط تدريجا لأنّه لو فرض أنّ البيع و القرض و الهبة و الإجارة مفيدة للتّمليك و التّمليك الحاصل بكلّ منها حاصل بعين ذلك العنوان لا بغيره فلا يلزم التدريجيّة فإنّ البيع بما هو بيع تمليك و هكذا الهبة بما أنّها هبة تمليك و الخصوصيّات الخارجيّة ككون البيع بعوض معيّن و الهبة بلا عوض كالخصوصيّات اللّاحقة لأفراد البيع فكما أنّ هذه الخصوصيّات لا توجب اختلافا في حقيقة البيع و لا تضرّ ببساطته فإنّ معنى بساطته بساطة أصل الحقيقة لا مع الشّروط المذكورة فيه و لا مع بيان عوضه و معوّضه و نقده و نسيته فكذلك تلك الخصوصيّات

و لو كان مشتركا بين العقود التمليكيّة و غيرها من النّقل الخارجي كلفظ نقلت فلا يصحّ إنشاء التّمليك العقديّ به لأنّ ما به امتياز النّقل الخارجيّ عن النّقل الاعتباري ليس بعين ما به اشتراكهما فلا يمكن إنشاء تمام معنى البسيط به بل ينشأ الجنس العالي أوّلا ثم يميز بالفصل فيلزم التدريجيّة في الوجود

قوله قدّس سرّه إذا عرفت هذا فلنذكر ألفاظ الإيجاب و القبول إلى آخره

بعد ما نقل قدّس سرّه الأقوال الّتي هي بين إفراط و تفريط و بيّن الإشكال في إنشاء العناوين بالمشترك اللّفظيّ و المعنويّ و المجاز إذا كانت قرائنها غير اللّفظ شرع في بيان الصّغرى و تعيين أنّ الشّراء و الاشتراء و البيع و نحو ذلك هل هو من المشترك اللّفظي بين الإيجاب و القبول أو من الحقيقة و المجاز أو من المشترك المعنويّ

و الظّاهر أنّ لفظ شريت مشترك لفظيّ و إن لم يستعمل في القرآن الكريم إلّا في معنى البيع و اشتريت بعكس ذلك كما هو معنى باب الافتعال و مجيئه بمعنى شريت كاكتسبت بمعنى كسبت على خلاف ما وضع له أو ما هو الظّاهر

و على أيّ حال قياسه قدّس سرّه الهبة المعوّضة بالصّلح و ابتناء صحّة إنشائهما بلفظ ملكت على صحّة عقد بلفظ غيره مع النّية قياس مع الفارق لأنّ الهبة مطلقا من أفراد التّمليك لما عرفت أنّ التمليك معنى يشترك فيه جميع أنواع العقود التمليكيّة سواء كانت مع العوض أم


1- و فيه أنّ استفادة كون موضوع الحكم مركّبا في العام المخصّص إنّما هو بتعدّد الدالّ و المدلول و أمّا المشترك اللّفظيّ فحيث إنّه وضع لجميع المعاني مستقلا فلو قيل عين جارية فقد استعمل لفظ العين في هذا المعنى الخاص و لفظ جارية لا يمكن أن يكون متمّما للمراد و هكذا في قرينة المجاز فإنّ يرمي في رأيت أسدا يرمي يكون علامة لاستعمال أسد في الرّجل الشّجاع و لا يمكن أن يكون متمّما للمراد من الأسد نعم ما أفاده مدّ ظلّه إنّما يصحّ بناء على ما قيل من أنّ المشترك اللّفظي يرجع إلى المشترك المعنويّ لوجود الجامع بين المعاني حتّى في المشترك اللّفظيّ بين الضدّين منه عفي عنه

ص: 108

بلا عوض كانت مجانيّة مختصة أو مشروطا فيها العوض و أمّا عنوان الصّلح فهو عنوان آخر في مقابل التّمليك إذ به ينشأ المسالمة و المصالحة و التّمليك في باب الصّلح هو المصالح به

ثم إنّه لو كان لفظ مشتركا بين الإيجاب و القبول و لم يعلم تقديم أحدهما حتى يتميّز البائع من المشتري أو علم بالتّقارن و قلنا بصحّته و لم يكن هناك جهة مميّزة أخرى فالحكم التّحالف و عدم ترتيب آثار البائعيّة و المشترييّة على واحد منهما لتعارض الأصلين إذا كان الحكم مترتّبا على وصف البيعيّة و الثمنيّة أو على البائع و المشتري و أمّا إذا كان الأثر مترتّبا على أحدهما دون الآخر بأن علم عدم ثبوته له و شكّ في ثبوته للآخر كما لو كان أحد العوضين ثوبا و الآخر حيوانا و ادعى من بيده الحيوان أنّه اشتراه و الثوب ثمن له و قال الآخر أنّ الحيوان ثمن فلو قلنا باختصاص خيار الحيوان بالمشتري فأصالة عدم ثبوت خيار الحيوان له جارية بلا معارض

[مسألة المحكي عن جماعة اعتبار العربية]

قوله قدّس سرّه المحكي عن جماعة إلى آخره

لا يخفى أنّ اعتبار العربية في العقود مما يقطع بعدمه و إلا كان على كلّ مكلّف تعلّم صيغ العقود كوجوب تعلّم الصّلاة لأنّ ابتلاء النّاس بالمعاملات كابتلائهم بالعبادات و لا يمكن توكيل العارف بلغة العرب غالبا فيلزم سدّ باب المعاش فكلّ ما صدق عليه عنوان العقد و العهد يصحّ إنشاؤه به سواء كان عربيا أم لم يكن فضلا عن العربيّ الملحون في الإعراب الغير المغيّر للمعنى و فضلا عن العربيّ المتعارف في زماننا

نعم إذا كان التّحريف في الحروف كجوّزت بدل زوّجت مفيدا المعنيين كان في حكم المشترك اللّفظي و على أيّ حال منع صدق العقد على غير العربي ممّا لا يصغى إليه ثم إنّ العربيّة بناء على اعتبارها إنّما يعتبر في نفس عنوان المعاملة و ما هو ركن فيها كالعوضين في البيع و الزّوجين في النّكاح و أمّا في غيرهما فلا وجه لاعتبارها بل دلّت رواية العلاء على عدم اعتبارها في نفس العوضين و صحّة العقد بغيرها قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الرّجل يريد أن يبيع بيعا يقول أبيعك بده دوازده فقال لا بأس إنّما هذه المراوضة فإذا جمع جعل البيع جملة واحدة إلّا أن يقال إنّ هذه الرّواية وردت في المقاولة قبل البيع

و على أيّ حال فالتّركيب بين اللّغات أيضا لا يضرّ بالعقد بعد صدق العنوان عليه كما هو المتعارف الآن بين التّرك و الكرد المختلطين مع العرب لأنّ المدار على إنشاء عنوان العقود بما هو آلة له عرفا

[مسألة المشهور كما عن غير واحد اشتراط الماضويّة]

قوله قدّس سرّه المشهور كما عن غير واحد اشتراط الماضويّة إلى آخره

أقول وجه اعتبار الماضويّة صراحة الفعل الماضي في إنشاء العناوين به لأنّه وضع للتحقّق و الثبوت و لذا يستلزم المضيّ و وقوعه سابقا إذا كان المتكلّم في مقام الأخبار عن تحقّق المبدإ عن الفاعل فإذا كان في مقام إيجاد المبدإ بالهيئة كقوله بعت كان صريحا في تحقّق الأمر الاعتباري بما هو آلة له و هذا بخلاف الفعل المضارع فإنّه وضع لتلبس الفاعل بالمبدإ و هذا ملازم للتحقّق لا أنّه صريح فيه فإنّ ظهوره البدوي و إن كان تلبّسه بالمبدإ حالا و لذا يتوقّف استفادة الاستقبال عنه بسين و سوف إلّا أنّ التلبّس الحاليّ أيضا ليس صريحا في التحقّق بل لازمه كذلك لأنه في معنى اشتغاله بإصدار المبدإ فاستعماله و قصد الإنشاء به دائر مدار القول بصحّة الإنشاء بالكنايات

و بالجملة الفعل المضارع مع اسم الفاعل متّحدان في المعنى و إن كان بينهما ترتّب في النّسبة فإنّ المضارع وضع لنسبة الفعل إلى الفاعل و بعد تحقّق هذه النّسبة يتّصف الفاعل بأنّه ممّن صدر عنه الفعل و لذا يقال ضرب يضرب فهو ضارب و كما لا يصحّ إنشاء عناوين العقود و الإيقاعات

ص: 109

باسم الفاعل فكذا لا يصحّ بالفعل المضارع فقوله أبيعك أو أطلّقك أو أحرّرك بمنزلة قوله أنا البائع أنا المطلّق أنا المعتق في عدم كونهما آلة لإنشاء العناوين بهما

نعم في خصوص لفظ طالق دلّ الدليل على وقوع الإيقاع به و ممّا ذكرنا ظهر حال الأمر أيضا فإنّه وضع لإلقاء نسبة المادة إلى الفاعل فإذا لم يكن من العالي فليس إلّا استدعاء و التماسا فقوله زوجني نفسك لا يفيد الإنشاء و إيجاد علقة الزّوجيّة بل يفيد الاستدعاء و طلب الإنشاء منه فحكمه حكم المضارع فكما أنّه أشبه بالوعد فكذلك هو أشبه بالمقاولة و استدعاء الإيقاع

و الأخبار الواردة في بيع الآبق الظّاهرة في كفاية قوله أشتري في إنشاء العنوان بالفعل المضارع و الواردة في باب النّكاح و بيع المصحف كذلك محمولة على أنّ لفظ المضارع وقع مقاولة لا أنّ به أنشأ المعاملة كما أنّ الأخبار الواردة في النّكاح الظّاهرة في كفاية الأمر في الإنشاء محمولة على ذلك و يقيّد بما إذا وقع القبول بعد قوله زوّجتكها لا أنه أنشأ النّكاح بقوله يا رسول اللّٰه زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة

و بالجملة المراجعة إلى رواية أبان بن تغلب و السّهل السّاعدي و غيرهما ممّا ورد في باب شراء العبد الآبق و بيع المصحف و ما ورد عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام في باب التزويج توجب القطع بأنّ الفعل المضارع و الأمر في هذه الأبواب وقعا مقاولة و وعدا و استدعاء فاعتبار الماضويّة لا إشكال فيه

[مسألة الأشهر كما قيل لزوم تقديم الإيجاب على القبول]

قوله قدّس سرّه الأشهر كما قيل لزوم تقديم الإيجاب على القبول

توضيح هذا العنوان يتوقّف على تمهيد مقدمة و هي أنّه لا إشكال في أنّ تسمية العقد عقدا إنّما هو بلحاظ ارتباط ما ينشئه أحد المتعاقدين بما ينشئه الآخر و إلّا كان كلّ عقد مركّبا من إيقاعين ثم الارتباط الحاصل بينهما قد يتحقّق بأن ينشئ أحدهما قبول ما أوجده الآخر بلفظ قبلت و ما يشبهه من رضيت و أمضيت و قد يتحقّق بغيرها كاشتريت و ارتهنت و نحو ذلك و السرّ في ذلك هو أنّ العقود على أقسام قسم يتضمّن الإعطاء و الأخذ من الطّرفين و هو العقود المعاوضيّة و ما يشبهها كالنّكاح و جامعها ما يحتاج إلى أخذ و عطاء من كلّ منهما فيتوقّف على الإلزام و الالتزام من الطرفين و قسم يتضمّن الإعطاء من طرف و الأخذ من آخر كالهبة و الرّهن و الصّلح المحاباتي و قسم لا يتضمّن إعطاء و أخذا بل إنّما يفيد إباحة أو سلطنة على التصرّف أو الحفظ كالعقود الإذنيّة من الوكالة و العارية و الوديعة

ثم إنّ تمييز الموجب عن القابل في القسم الأوّل تارة يكون بالقصد و الاعتبار و أخرى يكون بذاته و ذلك فيما إذا أتى القابل ما ينشئه بلفظ قبلت فإنّ اختلاف الموجب و القابل في البيع و النّكاح إنّما هو بالاعتبار فإنّ العرف و العادة بناءهم على أنّ الزّوجة معطية نفسها للزّوج و هي الموجبة و الزّوج يقبل الزوجيّة و يعطي المهر بدلا عن إعطائها و بناؤهم على أنّ مالك العروض هو الموجب و مالك الثمن هو القابل

و إذا كان كلّ من العوضين عروضا أو ثمنا فمن قصد تمليك ماله من غيره بعوض فهو البائع و من قصد تملّك مال غيره بعوض فهو المشتري و القابل فإنّ الموجب و القابل في عقود المعاوضة كلّ منهما ينشئ أمرين أحدهما بالمطابقة و ثانيهما بالالتزام فالموجب ينقل ماله إلى ملك المشتري مطابقة و يتملّك مال المشتري عوضا عن ماله التزاما و القابل بعكس ذاك

و على هذا فلو لم يكن هناك لفظ يدل على نحو القصد كما إذا أنشأ كلّ منهما بلفظ شريت فنقول المقدّم هو الموجب و المتأخر هو المشتري و لو اشتبه أو تقارن

ص: 110

و قلنا بصحّته فلا يترتب الأثر الخاصّ على كلّ منهما كما أوضحناه في المعاطاة و أمّا في الصّلح المعاوضي فالتّفاوت بينهما لا يمكن إلّا بأن ينشئ أحدهما عنوان الصّلح و الآخر قبول ذلك العنوان لأنّ كلّا منهما ينشئ المسالمة و المصالحة على أمر فإذا لم ينشئ أحدهما بلفظ القبول فلا يرتبط إنشاء أحدهما بإنشاء الآخر و يصير كلّ من الإنشاءين إيقاعا مستقلّا و أمّا في القسم الثّاني و الثّالث فتمييز الموجب عن القابل في غاية الوضوح فإنّ الواهب و الرّاهن و المصالح هو الموجب فإنّه هو الّذي يعطي ماله و المتهب و المرتهن و المصالح له هو القابل لأنّه هو الّذي يأخذ مال غيره و هكذا في الوكالة و العارية و الوديعة كلّ من الموكّل و المعير و المودع هو الموجب و كلّ من الوكيل و المستعير و المستودع هو القابل

إذا عرفت ذلك فنقول أما العقود الإذنيّة فيجوز تقديم القبول فيها على الإيجاب كان بلفظ قبلت أو غيره لأنّ المدار فيها ليس إلا الرضا في التصرف و الحفظ فإذا استدعى الوكيل الاستبانة في التصرف و أظهر الموكّل الرّضا بها كفى لتحقّق هذا العنوان و السرّ في ذلك أنّه ليس في العقود الإذنيّة إلزام و التزام و إنشاء و مطاوعة بل نيابة و تسميتها عقدا مسامحة و منشؤها ليس إلّا كونها بين الطّرفين فيتحقّق بكلّ ما يظهر هذا العنوان أي النّيابة في التصرّف و الحفظ

نعم بعض الآثار الخاصّة مترتّب على الوكالة العقديّة كعدم انعزال الوكيل قبل وصول خبر العزل إليه و أمّا في غير العقود الإذنيّة فسواء كان قبوله منحصرا بلفظ قبلت أم لم يكن منحصرا به و لكنّه أنشأه بهذا اللّفظ و نحوه فلا يجوز تقديمه على الإيجاب لأنّه ظاهر في مطاوعة شي ء و إنفاذ أمر أوجده غيره و هذا المعنى بحيث يكون جزءا من العقد و لا يكون إيقاعا يتفرّع على وقوع إيجاد من الآخر كتفرّع الانكسار على الكسر فإنّ إنشاء المشتري نقل ماله عوضا عن نقل البائع لا يتحقّق إلّا بعد وقوع النّقل من البائع و لا يقاس على الإيجاب فإنّ في مفهوم الإيجاب لم يؤخذ إنفاد أمر و إن توقّف تأثيره خارجا على القبول فإن مفهوم الإيجاب هو تمليك مال بعوض و هذا يمكن إنشاؤه في عالم الاعتبار و لو لم يتحقّق قبول أصلا و ما يتوقّف على القبول هو تأثيره

و أمّا مفهوم القبول فلا يمكن إنشاء النّقل به اعتبارا أيضا فإنّ مطاوعة الأمر المتأخّر فعلا يمتنع عقلا و ليس مفهومه مجرّد الرّضا بشي ء حتّى يقال إنّ الرضاء بأمر ليس تابعا لتحقّق ذلك الأمر في الخارج و لا تابعا الرضا من يوجد ذلك الأمر بل المراد منه ما هو ركن في العقد و مطاوعة لما أوجده البائع فلا يمكن أن يكون مقدّما

و بالجملة تبديل المال بالعوض الّذي هو فعل الموجب لا يتوقّف على القبول في ناحية الإنشاء و أمّا قبول هذا التّبديل و إنفاذه فهو لا يمكن إلّا بعد وقوع التبديل سابقا لا من جهة التعليق في الإنشاء فإنّه لا يلزم من إنشاء القبول قبل الإيجاب فإنّ الإنشاء خفيف المئونة فينشأ القبول فعلا و إن توقّف منشأه على أمر متأخّر كما في الوصيّة و التّدبير و لا من جهة التّعليق في المنشئ فإنّه لا دليل على بطلانه إلّا الإجماع و الإجماع قام على اعتبار التّنجيز في مقام التلفّظ لا على اعتباره في واقع المعنى و إلّا لفسد جميع المعاوضات و الإيقاعات لأنّ البيع يتوقّف على الملكيّة و الطّلاق على الزّوجيّة و هكذا بل لأنّ المعنى معنى لا يمكن أن يتحقّق في عالم الاعتبار إلّا إذا كان متأخّرا فإنّ المطاوعة لا تتحقّق إلّا بعد وقوع الإيجاب من الموجب فإذا أريد من النّقل الحاصل

ص: 111

من قبلت ما يكون مرتبطا بفعل غيره و إنشاء لتملّك ما أعطاه و إنفاذا لما أوجده فقوامه بأن يكون الإيجاب صادرا من غيره قبل ذلك

و ما قيل من أنّ الإنشاء خفيف المئونة فلا يفيد في المقام لأنّه إذا اعتبر المطاوعة في مفهوم القبول فإنشاؤه بحيث يخرج عن الإيقاع متوقّف على وقوع الإيجاب قبل ذلك و على هذا فالقبول في العقود العهديّة الغير المعاوضيّة كالهبة و الرّهن أيضا لا بدّ أن يكون متأخرا و لو كان بغير لفظ قبلت كاتّهبت و ارتهنت لأنّه لو قدم لا يكون إنفاذا لما أوجده غيره و لا يتضمّن نقلا حتى يمكن تقديمه بالهيئة الواردة على المادة المناسبة لهذا الباب

بل التّحقيق أنه لا يجوز تقديم القبول في باب المعاوضات أيضا و لو بالهيئة الواردة على المادّة المناسبة لكل باب كاشتريت و استأجرت و تزوّجت و نحو ذلك فإنّها و إن لم تتضمّن المطاوعة لأن صيغة التفعّل و الافتعال و الاستفعال و نحو ذلك ليست كصيغة الانفعال و مادّة القبول متضمّنة للمطاوعة دائما بل إذا تأخّرت عن الإيجاب إلّا أنّها من جهة خروجها عن الإيقاع و صيرورتها جزءا من العقد لا بدّ أن تكون متأخّرة فإنّ قوله اشتريت لو لم يكن قبولا للشراء لا يرتبط بقول البائع بعت و عدم توقّف مفهومه على بعت و إن كان مسلما إلّا أن تقديمه يوجب عدم ارتباطه بالبيع فإنّه لو لم يتضمّن مطاوعة فلا يرتبط بالإيجاب و لو تضمّن المطاوعة فلا بدّ أن يكون متأخّرا فما أفاده قدّس سرّه من التّفصيل و تبعناه في الدّورة السّابقة لا وجه له

[مسألة و من جملة شروط العقد الموالاة]

قوله قدّس سرّه و من جملة شروط العقد الموالاة إلى آخره

اعلم أنّ من العقود ما يعتبر فيه الموالاة قطعا و منها ما لا تعتبر فيه قطعا و منها ما هو محلّ الإشكال أما القسم الأوّل فكالعقود العهديّة المعاوضيّة كالبيع و ما يلحق بها كالنّكاح و نحوهما و وجه اعتبارها فيها أمران الأوّل أنّه لمّا كان فيها خلع و لبس أو إيجاد علقة فلا بدّ أن يكون مقارنا للخلع لبس و هكذا مقارنا لإيجاد العلقة قبول و إلّا يقع الإضافة أو العلقة بلا محلّ و مضاف إليه الثّاني أنّ اعتبار كونها عقدا يقتضي أن يرتبط إنشاء أحدهما بإنشاء الآخر بأن يصيرا بمنزلة كلام واحد بل كلّ أمرين أو أمور يجمعها عنوان واحد كالصلاة و الأذان و نحوهما يجب أن لا يفصل بينهما فاصل مخلّ بالجهة الجامعة و ألّا يصير كل واحد عنوانا مستقلّا

و بهذا الملاك أيضا لو انفصل المستثنى عن المستثنى منه في باب الإقرار صار إنكارا بعد الإقرار فقول الشّهيد قدّس سرّه و هي أي الموالاة مأخوذة من اعتبار الاتّصال بين المستثنى و المستثنى منه إنّما هو بلحاظ أن باب المستثنى منشأ للانتقال إلى اعتبار الاتّصال بين كلّ أمرين أو أمور يجمعها عنوان واحد لا أن باب الاستثناء أصل و سائر الأبواب فرع له بأن يكون اعتبار الاتّصال في الاستثناء ألزم و أقوى من غيره لأن اعتبار الاتّصال في المقام آكد فإنّ في باب الإقرار كلّ من المستثنى و المستثنى منه يصدر من متكلّم واحد و في المقام من متكلّمين فارتباط كلام أحدهما بالآخر موقوف على اتّصالهما لأنّ المعنى الواحد لا يتحصّل من كلامهما إلّا إذا اتّصلا عرفا

و كيف كان فوجوب الوفاء بالعقد موقوف على اتّصال كلام الموجب بكلام القابل فإنّ العقد لا يتحقّق و لا يصدق إلّا معه و لا يقال إنّ لزوم المعاوضة يتوقّف على عنوان العقديّة المتوقّف على الاتّصال لانحصار دليله بقوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أمّا صحّتها فلا لعدم انحصار دليل صحّة العناوين ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ

ص: 112

و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و أدلّة النّكاح و الصلح و نحو ذلك تدل على صحّة العناوين من دون اعتبار العقديّة فيها فيكون الإنشاءان المنفصلان بيعا صحيحا غير لازم لأنّا نقول ليس البيع و التّجارة و الصّلح و النّكاح إلّا العقود المتعارفة مع أنّ هذا النّحو من المطلقات ليس في مقام البيان من جميع الجهات

هذا مضافا إلى عدم إمكان التّفكيك بين اللّزوم و الصّحة إلّا بدليل خارجيّ من الإجماع و نحوه من جعل الشّارع الخيار للمتعاقدين أو جعلهما لأنفسهما أو للأجنبي و إلّا فكلّ ما يقع صحيحا و يؤثّر في النقل لا ينقلب عمّا وقع عليه إلّا بمقلّب خارجي فما أثر يؤثّر دائما و هو معنى اللّزوم و أمّا القسم الثّاني فكالعقود الإذنيّة من الوكالة و العارية و الوديعة فوجه عدم اعتبار الموالاة فيها ما عرفت أنّ إطلاق العقد عليها مسامحة كيف و يكفي فيها كلّ ما يدلّ على الرّضا فلا وجه لاعتبار الاتّصال بين مظهر الإذن و التصرّف لا بمعنى عدم اعتبار بقاء إذن الموكل حين تصرف الوكيل بل بمعنى عدم اعتبار اتصال مظهر الرّضا مع رضا المتصرف بالتصرّف مع أنّ هذه العقود ليس فيها الخلع و اللّبس و أمّا القسم الثّالث فكالعقود العهديّة الغير المشتملة على المعاوضة كالهبة و الرّهن و منشأ الإشكال فيها كونها من العقود و العقد أمر وجدانيّ يتحصّل من كلامين فلا بدّ أن يكون بينهما اتّصال و من قيام السّيرة القطعيّة على عدم اعتبار الموالاة في موارد المعاطاة منها فإنّه قد يرسل الهدايا و الهبات من البلاد البعيدة و يتحقّق القبول من القابل بعد زمان طويل و يدل عليه قضيّة مارية القبطيّة سلام اللّٰه عليها الموهوبة للنّبي صلّى اللّٰه عليه و آله

و إيجاب الواسطة و الوكيل في الإرسال متّصلا بالقبول بعيد جدّا و التّفكيك بين المعاطاة و العقد أبعد و لكن الحقّ اعتبار الاتّصال فيها أيضا و إرسال الهدايا من البلاد البعيدة لا يدل على جواز الانفصال فإنّ تحقّق الأفعال مختلف فمنها ما لا يحتاج إلى زمان ممتدّ كما لو وقعت في حضور المتعاطيين و منها ما يحتاج إليه كالهدايا المرسلة من الأماكن البعيدة فإنّ الفعل لا يتحقّق إلّا بوصولها إلى يد المهدي إليه و جميع هذه الأفعال الصّادرة من الواسطة كأنّها صادرة من الموجب فهو بمنزلة من كان في المشرق و كانت يده طويلة تصل إلى المغرب فمد يده و أعطى شيئا لمن كان في المغرب فإنّ فعله يتمّ في زمان وصول يده إلى المغرب فتأمّل جيّدا

[مسألة و من جملة الشّرائط الّتي ذكرها جماعة التّنجيز]

قوله قدّس سرّه و من جملة الشّرائط الّتي ذكرها جماعة التّنجيز إلى آخره

لا يخفى أن بطلان العقد بالتّعليق الّذي هو ضدّ للتّنجيز المعتبر في العقود ليس إلّا من جهة الإجماع أو لعدم صدق عناوين العقود و الإيقاعات عليه و إلّا فلم ينهض دليل آخر من العقل و النّقل على اعتبار التّنجيز الّذي يعبّر عنه في كلام بعضهم بالجزم و ذلك لأنّ ما يمتنع عقلا هو التّعليق في الإنشاء فإنّ الإيجاد سواء كان اعتباريا أو تكوينيّا يستحيل أن يعلّق على شي ء أي كما لا يمكن أن يعلّق وقوع الضرب على أحد على كونه عدوّا فكذلك يستحيل أن يكون إنشاؤه شيئا أو إخبار به متعلّقا على شي ء فإن إيجاد المعنى المقصود باللّفظ إمّا لا يحصل رأسا و إمّا يحصل مطلقا فوقوع الإيجاد معلقا مرجعه إلى التّناقض

و بالجملة فرق بين أن يكون المخبر به معلّقا بأن يقول أعطيك أن ائتني و أن يكون نفس هذا الإخبار معلّقا فإنّه لو كان معلّقا فلا يتحقّق الإخبار و هكذا فرق بين أن يكون المنشأ معلّقا بأن ينشأ البيع على تقدير كون اليوم يوم الجمعة و أن يكون أصل إنشائه البيع معلّقا فإنه لو كان

ص: 113

كذلك لاستحال الإنشاء فما هو محلّ الكلام التّعليق في المنشإ و صحّته لا يخفى على أحد بل وقوعه في الأحكام الشّرعيّة فوق حدّ الإحصاء فإنّ أغلب الأحكام الشرعيّة بل جميعها إلّا ما شذ قضايا حقيقيّة و أحكام مشروطة على تقدير وجود موضوعاتها و وقوعه في الجملة في العقود و الإيقاعات كالوصيّة و التّدبير و النّذر و أخويه مما لا إشكال فيه

ثم إنّه لا ينحصر التّعليق في أداة الشرط بل كلّ ما كان في معنى التّعليق و لو بغير الأداة كالتّعليق بالزّمان المعبر عنه في كلماتهم بالتعليق بالوصف و في كلمات بعضهم بمعلوم الحصول كقوله أنت وكيلي في يوم الجمعة يدخل في محل النّزاع فبناء عليه التّعليق إمّا على الزّمان أو على الزّمانيّ و حيث إنّ صحّة العقد لا تتوقّف على التّعليق على الزّمان لم يدخله المصنف قدّس سرّه في مورد التّفصيل فنحن نتبعه أيضا في التّقسيم

فنقول المعلق عليه العقد إمّا أن يكون معلوم التحقّق و إمّا أن يكون مشكوكا و على التّقديرين إمّا أن يكون حاليا أو استقباليا و على التّقادير إمّا أن يكون ممّا يتوقّف عليه صحّة العقد ثبوتا كتوقف الطلاق على الزوجيّة بناء على بطلان إيقاع الفضولي و إمّا أن لا يتوقّف عليه صحّة العقد كتعليقه على مجي ء الحاج فالأقسام ثمانية إلّا أن في توقف صحّة العقد على الأمر الاستقبالي سواء كان مشكوكا أو متيقّنا مجرّد تصوير لأنّ الشّروط المعتبرة في العقد لا بدّ أن يكون حاصلا حين الإنشاء إلّا أن يقال في باب السّلم يتوقّف ثبوتا صحّة العقد على الأمر الاستقبالي بأن لا يكون المسلم فيه عزيز الوجود فلو قال بعتك الحنطة سلما إذا كان مبذولا في ذاك الزّمان دخل في التّعليق على الأمر الاستقبالي المعلوم أو المشكوك حصوله و ممّا يتوقّف صحّة العقد عليه

و كيف كان فالمتيقّن من الإجماع بطلان التّعليق بما كان مشكوك الحصول و لم يتوقف صحّة العقد عليه حاليا كان أو استقباليا و الظّاهر أنّ الاستقباليّ المعلوم الحصول زمانا كان أو زمانيا إذا لم يتوقّف صحّة العقد عليه ملحق بالصّورتين المتقدّمتين في دخوله في معقد الإجماع و أمّا باقي الصّور الخمس و هو معلوم الحصول الحالي الّذي لا يتوقّف عليه صحّة العقد و الصّور الأربع الّتي يتوقّف عليه صحّة العقد فهي خارجة عن معتقد الإجماع فلا محذور في تعليقها بها بل الحقّ أنّ الإجماع الثابت في الصور الثّلاثة ليس إجماعا تعبّديا بل إنّما أبطلوها لتوهّم اعتبار التّنجيز أو مانعيّة التّعليق

نعم يمكن أن يقال إنّ التّعليق ليس ممّا جرى عليه العرف و العادة في الأمور العهدية و العقود المتعارفة بين عامّة النّاس و إن مسّت الحاجة إليه أحيانا في العهود الواقعة بين الدّول و الملوك فلا يشمله أدلّة العقود و العناوين لكونه ممّا يشكّ في صدقها عليه و من هذا البيان يظهر وجه الصّحة فيما لو علق العقد على ما يتوقّف صحّته عليه سواء كان المعلّق عليه معلوما أو مشكوكا لجريان العرف و العادة على التّعليق عليه سيّما إذا كان مشكوكا فإنّ طريق التخلّص منوط به و نرى وقوعه كثيرا بين عامّة النّاس و بعد كونه متعارفا يصدق العقد عليه فلا محذور فيه و هذا هو المدرك للصحة لا ما أفاده شيخ الطائفة بأنّ المنشئ لم يشترط إلا ما يقتضيه إطلاق العقد فإنّ هذا الوجه لا ينهض لدفع محذور التّعليق إن كان فيه محذور كما أورد عليه المصنف قدّس سرّه

و حاصله أنّ ما يتوقّف عليه العقد من

ص: 114

حيث ترتّب الأثر الشرعي عليه هو المتوقّف على الشّرط لا ما ينشأ المنشئ فإنّ إنشاءه لا يتوقّف على التّعليق لتمكنه من أن ينشأ منجّزا فيقول بعت أو هي طالق فإذا كان التّعليق مضرّا و فرضنا أن إنشاء المنشئ لا يتوقّف عليه ثبوتا بل الحكم الشّرعيّ متوقّف عليه و يمكنه إثباتا إيجاد العقد منجزا يبطل إيجاده معلّقا

و بالجملة التّعليق في الحكم الشّرعي ليس من مدلولات كلام المتكلّم و من منشئاته و ما هو من منشئاته لا يتوقّف ثبوتا على التعليق فيضرّه إثباتا إذا كان أصل التّعليق مضرّا انتهى و لكن لا يخفى أنّ ما يتوقف عليه الحكم الشّرعي تارة لا يتوقف إنشاء المنشئ عليه و هو ما كان من مقتضيات إطلاق العقد كالبيع الواقع عن البائع و أخرى يتوقف عليه الإنشاء ثبوتا أيضا و هو ما كان ركنا و موضوعا للعقد أو الإيقاع كالزوجيّة للطّلاق و الرقبة للعتق فالتّعليق على أمثالهما لا يضرّ لأنّه لم يشترط إلّا ما يتوقّف العقد عليه فالأولى هو التفصيل لو كان التّعليق بإطلاق

[مسألة و من جملة شروط العقد التّطابق بين الإيجاب و القبول]

قوله قدّس سرّه و من جملة شروط العقد التّطابق بين الإيجاب و القبول إلى آخره

لا يخفى أنّ اعتبار التّطابق من القضايا الّتي قياساتها معها لأنّ العقد عبارة عن أمر وجداني متحصّل عن الإيجاب و القبول فلو أنشأ أحدهما البيع و الآخر قبل بعنوان الهبة أو أحدهما باع الجارية و الآخر اشترى العبد لم يتحصّل معنى واحد منهما لعدم ارتباط كلام أحدهما بالآخر نعم لو لم تكن الخصوصيّة الّتي اختلفا فيها ركنا في المعاملة و لا توجب اختلافا في العقد مثل كون المخاطب هو المشتري أو كونه وكيلا منه فلا بأس بعدم التّطابق لما عرفت أنّ البيع تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله مع بقاء الطّرف الآخر بحاله فالمعاوضة تقع بين المالين و لا خصوصيّة لمالكهما و هذا بخلاف عقد المزاوجة فإنّ العلقة فيها تحصل بين الزوجين فهما بمنزلة العوضين في باب المعاوضة فلا بدّ في النّكاح من التّطابق بين الإيجاب و القبول بالنّسبة إلى الزّوج و الزوجة

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لا بدّ من اتّحاد المنشأ حتى بالنسبة إلى التوابع و الشّروط فلو أنشأ أحدهما مع شرط و قبل الآخر بلا شرط أو باع البائع عبدين و قبل المشتري أحدهما و غير ذلك ممّا هو نظير ما ذكرناه لم يصحّ أيضا لعدم ارتباط كلام أحدهما بالآخر و لا يفيد لصحّة العقد المختلف فيه من حيث الإنشاء ثبوت خيار تبعّض الصّفقة و التوقّف على الإجازة اللّذان هما من آثار العقد الصّحيح لأنّه لا بدّ أولا من صحّة العقد باتّحاد المنشأ بأن يتقبل المشتري ما يملكه البائع و ما لا يملكه كليهما حتى يتخير بين الفسخ و الإمضاء لو علم بالحال فما يترتّب على الصّحة لا يمكن أن يكون منشأ للصحة

نعم في بعض الأمثلة يمكن دعوى تطابق الإنشاءين كما لو قال بعتك الكتاب بدرهم و الثوب بدرهم فقال قبلت الثوب بدرهم لأنّهما عقدان مستقلان و كيف كان فلا إشكال في الكبرى

[مسألة و من جملة شروط العقد أن يقع كلّ من إيجابه و قبوله في حال يجوز لكلّ منهما الإنشاء]

قوله قدّس سرّه و من جملة شروط العقد أن يقع كلّ من إيجابه و قبوله في حال يجوز لكلّ منهما الإنشاء إلى آخره

لا يخفى أنّ هذا الشرط أيضا كالشرط السّابق من القضايا التي قياساتها معها بل منشأ اعتباره هو المنشأ لاعتبار الشرط السّابق لأنّ العقد لا ينعقد إلّا بفعل الاثنين فلو فقد حين أنشأ أحدهما شرائط العقد فوجودها سابقا أو لاحقا لا أثر له و مجرّد تحقّق الشرط حين إنشاء الآخر لا يفيد بعد كون إنشائه جزءا للعقد لا إيقاعا مستقلّا فلو كان المشتري

ص: 115

حين إنشاء البائع نائما لا يصحّ العقد و كذلك العكس

و التّفصيل بينهما كما في حاشية السيد قدّس سرّه لا وجه له و ما يدّعيه من الصّحة بلا إشكال في العقود الجائزة فإنّما هو في العقود الإذنيّة لا العهديّة ثم لا فرق بين الموت و الجنون و نحوهما و بين الفلس و الرقبة و نحو ذلك لأنّ المدار في التّطابق بين المشتري و البائع حال العقد على اجتماع جميع شرائط الصّحة و اللّزوم و بعبارة أخرى المدار على ما به يصير العقد عقدا نعم رضا المشتري حين إيجاب البائع و كذا العكس غير المعتبر في صحّة العقد و المعاهدة لأن ما يعتبر في صدق العقد هو قصدهما لإيجاد المادّة لا رضاهما به فلا يكون صحّة بيع المكره إذا لحقه الرّضا على خلاف القاعدة

[فرع لو اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصّيغة]

قوله قدّس سرّه فرع لو اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصّيغة إلى آخره

قد يقال بأن اعتبار العقديّة و المعاهدة بين الإنشاءين يقتضي أن يكونا متّفقين في الصّحة فلو اختلفا بأن اعتقد المشتري فساد العقد الفارسي فصحّته عند الموجب لا أثر له و هكذا العكس و هذا من غير فرق بين اتّفاقهما على الفساد أو اختلافهما فيه فكما يبطل العقد الّذي إيجابه فاسد بنظر المشتري و قبوله فاسد بنظر الموجب فيكون العقد مما اتّفقا على بطلانه فكذا يبطل لو اختلفا فيه كما إذا كان أحد الركنين فاسدا و ذلك لما حقّق في الأصول من أنّ الأحكام الظاهريّة أحكام لمن لا ينكشف خلافها عنده فالإجزاء لا وجه له إلّا في تبدّل الرأي و مثله بالنّسبة إلى القضاء و الإعادة في العبادات لقيام الإجماع عليه و أمّا في غيره كاقتداء من يرى وجوب السّورة بمن لا يرى وجوبها و يتركها في الصلاة فلا دليل عليه

ففي المقام من يرى فساد سبق القبول على الإيجاب كيف يصح منه الإيجاب بعد هذا القبول و ما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ الوجهين الأوّلين و هو جواز اكتفاء كلّ منهما بما يقتضيه مذهبه و عدم جواز اكتفائه مبنيّان على أنّ الأحكام الظّاهريّة المجتهد فيها هل هي بمنزلة الواقعية الاضطراريّة أم هي أحكام عذريّة لا موضوع له في المقام لأن المسلّم من ترتيب أثر الحكم الواقعي الاضطراري على الحكم الظّاهريّ هو ما إذا كان فعل العامل بالحكم الظّاهري موضوعا بالنّسبة إلى غيره كمن اعتقد صحّة العقد الفارسي و تزوّج امرأة به فلا يجوز لغيره أن تزوّج بهذه المرأة ما دامت في حبالة الزوج و إلّا كيف يجوز الاكتفاء بالعقد الفارسي لمن يرى بطلانه و كيف يصحّ أن يوكل الزوج الّذي يرى بطلانه من يعتقد صحّته

و بالجملة النّكاح فعل واحد و أمر خاص يحصل من الإيجاب و القبول فمن يظن فساد الإيجاب اجتهادا أو تقليدا كيف يجوز له قبول هذا الإيجاب فضلا عمّن يقطع بفساده نعم لو قلنا بصحّته فالوجه الثّالث أردأ الوجوه لأن مجرّد عدم القائل لا يقتضي الفساد فلو فرضنا عدم القائل بجواز تقديم القبول و جواز العقد الفارسي و القابل أنشأ قبل الإيجاب و الموجب أنشأ بالفارسي مع أن كلا منهما يرمي صحّة إنشاء نفسه من حيث هو فلا وجه لبطلانه

و بالجملة الحق عدم صحة اكتفاء كلّ منهما بما يراه صحيحا عند الآخر و فاسدا عند نفسه و لا فرق بين هذه الصورة و الإخلال بالتّنجيز و الموالاة و نحوهما التي حكم المصنف قدّس سرّه أن اختلافها يوجب فساد المجموع لأنّ فساد الجزء في باب العقد كفساد المجموع هذا مع أنّ في غير التّنجيز في فساد المجموع تأملا فإن في باب التّنجيز يمكن أن يقال إنّ البائع إذا أنشأ الإيجاب معلّقا زاعما صحّته و قبل المشتري هذا الإيجاب الّذي

ص: 116

يعتقد فساده يكون قبوله أيضا باعتقاده فاسدا لأن قبول المعلّق

و أمّا الإخلال بالموالاة فكيف يفسد كلا الجزءين فإنّ القابل الّذي يعتقد عدم اعتبار الموالاة إذا أوجد القبول بعد مدة لا يفسد الإيجاب عنده و إلّا فيقتضي أن يكون فساد كلّ جزء موجبا لفساد المجموع و لعلّ هذا وجه نظر المصنف قدّس سرّه بقوله فتأمّل

و لكن الأقوى أن يقال و إن كان بين العقد و الإيقاعين فرق فإنّ العقد يرتبط كلّ جزء منه بالآخر إلّا أن ذلك لا يقتضي فساده فيما إذا اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا فإنّ اختلافهما في اعتبار تقديم الإيجاب و الماضويّة و نحوهما ليس كاختلافهما في المنشإ بأن ينشئ أحدهما البيع و الآخر الهبة فإنّه لو لم يتطابقا في المنشإ لا يرتبط الإيجاب بالقبول و هذا بخلاف ما إذا اختلفا في شرائط الصّيغة فإنّ الإيجاب بالفعل المضارع و إن كان باطلا عند القابل إلّا أن فعل الموجب و منشأه لا يدخل في مفهوم القبول كالعكس فإذا أوجد البائع ما هو وظيفته باعتقاده فقد أتى بأحد جزئي العقد و هكذا من طرف المشتري

و التّعليل للفساد بأنّ العقد متقوم بالطّرفين فاللّازم أن يكون صحيحا من الطّرفين كما في العروة أو بأن البيع فعل واحد تشريكيّ و لا بدّ من كونه صحيحا على مذهب كلّ منهما كما في حاشية السّيد لا يستقيم لأن تقوم العقد بالطّرفين لا يقتضي أن يكون الموجب ينشئ مقصوده على نحو ينشئ طرفه مقصوده به و كون البيع فعلا واحدا تشريكيا ممنوع بل فعلان مرتبط أحدهما بالآخر فتأمّل

[مسألة في أحكام المقبوض بالعقد الفاسد]
[الأول الضمان]
اشارة

قوله قدّس سرّه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه إلى آخره

لا يخفى أنّ الكلام في المقبوض بالعقد الفاسد يقع في مقامين الأوّل في الحكم التّكليفي و الثّاني في الحكم الوضعي أمّا حكمه التّكليفي فقد يقال بجواز تصرّف القابض لأنّ فساد المعاملة لا يوجب زوال الإذن و الرضا بالتصرف الذي كان في ضمن العقد لأنّ الجنس لا يتقوّم بفصل خاصّ و أمّا حكمه الوضعي فقد عرفت في الأمر الثامن في المعاطاة ما يظهر من بعضهم من حصول الملك بالقبض الحاصل بعد العقد الفاسد زاعما كونه معاطاة أو راجعا إليها و فيهما ما لا يخفى

أمّا في الأوّل فلأنّ الرّضا أمر بسيط ما به امتيازه عين ما به اشتراكه و ليس من قبيل الجنس المتقوّم بفصول مختلفة حتى يبتني على تلك المسألة فإذا لم يرتّب الشّارع على الرضا في ضمن المعاملة الفاسدة أثرا فليس هناك رضا آخر نعم لو فرض رضا جديد بتصرف المأذون في ملك الآذن فهو موجب لجواز التصرّف و لكنّه خارج عن الرضا بالمعاقدة

و بالجملة فرق بين الرضاء الحاصل من باب أنّه ملك للقابض للجهل بالفساد أو للبناء على الصحة تشريعا أو لا هذا و لا ذاك بل مجرّد البناء المعاملي و لو عصيانا كما في بناء الغاصب و المقامر و نحوهما على البيع و بين الرضاء الحاصل من باب أنه ملك للآذن و ما يوجد في المقبوض بالعقد الفاسد هو الأوّل و المفروض أنّ الشّارع لم يرتّب عليه الأثر فالأقوى بالنسبة إلى الحكم التكليفي هو حرمة التصرّف و وجوب الرد فورا و أمّا في الثّاني فقد عرفت أنّ القبض الواقع بعد العقد الفاسد إنّما يقع وفاء لا إغماضا عن العقد فالأقوى عدم حصول الملك بالقبض بعد العقد الفاسد فيضمن القابض ما أخذه به

و الدّليل عليه مضافا إلى دعوى الإجماع عليه من الأساطين النبويّ المعمول به عند الفريقين على اليد ما أخذت حتى تؤدّي فإنّ الظّرف في المقام ظرف

ص: 117

مستقرّ لوقوعه خبرا فاستقرار الأموال و ثبوتها على اليد ظاهر في الحكم الوضعي كما إذا قيل عليه دين أو عين أي يستقرّ عليه الدّين و حمل الحديث على الحكم التّكليفي خلاف الظّاهر لاقتضائه أن يجعل الظّرف لغوا و يقدر يجب و نحوه و لا شاهد عليه

نعم إذا كان متعلّق الحروف الجارة و ما أسند إليه الظّرف فعلا من الأفعال كما إذا قيل عليه القيام و القعود فظاهرة في الحكم التّكليفي ثم إنّ كلمة الموصول عمومها باعتبار صلتها فإذا كان الأخذ عامّا لكلّ ما دخل تحت اليد و استولى عليه الآخذ سواء كان عدوانا أو لم يكن فيكون خروج اليد الحقّة كموارد إذن المالك الحقيقي أو إذن المالك المجازي مجانا بالتّخصيص و أما لو قلنا بأن الأخذ هو الأخذ عن قهر و الاستيلاء بلا حقّ كما هو الظاهر فخروجها بالتّخصّص و تظهر الثّمرة في الشّبهات المفهومية كما سيجي ء الإشارة إليها إن شاء اللّٰه تعالى في طي المباحث

و كيف كان فدلالة النبوي على الضّمان في الجملة لا إشكال فيه و يدل عليه أيضا قوله ع في الأمة المبتاعة إذا وجدت مسروقة بعد أن أولدها المشتري أنّه يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ المشتري ولده بالقيمة فإن حكمه ع بضمان الولد ليس إلّا لكونه تابعا للعين فيقتضي كون العين مضمونة

و توضيح ذلك أن ضمان المنافع تارة يكون تبعا لضمان العين و أخرى يكون مستقلّا و القسم الثّاني على أقسام منها ما إذا أتلف المنفعة باستيفائها كما إذا سكن الدّار المستأجرة بالإجارة الصّحيحة أو الفاسدة فإنّ العين في الأولى ليس مضمونة و تضمن المنفعة و في الثّانية و إن كانت مضمونة إلّا أن ضمان المنافع ليس تبعا لها بل إنّما يضمنها من باب قوله ع من أتلف مال الغير و منها هذه الصّورة مع عدم كون العين تحت يد التلف كمن ركب دابّة الغير أو جلس في بيته مع كون الدابّة و البيت تحت يد المالك أو شرب حليب شاة الغير و أكل من ثمرة بستانه و منها ما إذا تلفت المنفعة بسبب منه كما لو منع مستأجر الدار عن التصرف فيها فإنّه يضمن المنفعة

و على أيّ حال ليس استيلاد الأمة داخلا تحت هذه العناوين فإنه لم يستوف منفعة الأمة فإن استيفاء المنافع إنّما هو من قبيل الركوب و الجلوس و الأكل و الشرب و الوطي و نحو ذلك و عد العرف حصول الولد له منفعة من الأمة لا اعتبار به لأنّ نظر العرف ليس متّبعا في تعيين المصاديق

نعم أوجد ما هو السّبب لفوت المنفعة على المالك لأن وطيه الّذي استلزم الحمل صار سببا لفوت المنفعة عليه و لكن ضمان من منع المالك من التصرّف حتى تلف المنفعة ممنوع إلّا إذا قيل بأنّ قاعدة لا ضرر كما ينفي الحكم الثابت الّذي يلزم منه الضّرر كذلك تثبت الحكم الّذي لو لا تشريعه لزم منه الضّرر

و بالجملة الّذي استوفاه المشتري إنّما هو الوطي و المفروض أنّ القيمة لم تجعل عوضا له بل للولد و الولد ليس من المنافع المتلفة و لا ممّا كان المشتري سببا لإتلافها لأنّ الولد لم يكن لمالك الأمة حتّى يكون مشتري الأمة سببا لإتلافه فليس استيلاد الأمة إلّا من قبيل منع المالك من السكون في داره فضمان الولد الّذي يرجع إلى ضمان قيمته لكونه حرّا إنّما هو من جهة تبعية المنافع التّالفة للعين المضمونة فيدلّ الخبر على ضمان العين لا للأولويّة بل لأنّ ضمان العين صار سببا لضمان التّالف و بالجملة منشأ الضمان إما قاعدة اليد أو الإتلاف أو التّسبيب و الأخيران منتفيان في المقام أمّا الإتلاف فلأنّ الأب لم يستوف المنفعة فإنّ الولد لا يعد من المنافع فإن حكمه حكم الأب و الأم فكما أنه لا يكون

ص: 118

من المنافع مع أنهما من أعظم ما يتصوّر من الفوائد في الدّنيا فكذلك الولد فمراد المصنف قدّس سرّه من أن الاستيلاد ليس استيفاء أنّه ليس ممّا استعمله و أتلفه المستولد

و الأصل في هذا التّعبير العلّامة قدّس سرّه فإنّه قال في التذكرة منفعة بدن الحر تضمين بالتفويت لا بالفوات فلو قهر حرّا و استعمله في شغل ضمن أجرته لأنّه استوفى منافعه و هي متقوّمة كما لو استوفى منافع العبد و لو حبسه مدّة لمثلها أجرة و عطل منافعه فالأقوى أنّه لا يضمن الأجرة لأنّ منافعه تابعة لما لا يصحّ غصبه إلى آخره

و مراده من قوله فهو كالتّالف أن الولد لو لم يكن حكم الشّارع بحريته كان تابعا لأمّه في الرقية و أمّا بعد حكمه بها فيكون كالتّلف السّماوي و في باب ضمان اليد لا فرق بين التّلف السّماوي و ما بحكمه و أمّا باب التّسبيب فواضح أنّ وطي المشتري ليس سببا لتلف المنفعة الموجودة المملوكة لمالك الأمة فلا يدخل تحت قاعدة الضّمان بالتّسبيب فانحصر أن يكون منشؤه ضمان اليد لأن سائر ما يوجب الضّمان منتف في المقام

[القول في القاعدة المعروفة كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و عكسها]

قوله قدّس سرّه ثم إنّ هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده إلى آخره

قد يقال بأنّ هذه القاعدة لم يدلّ عليها نصّ و لا وقعت في معقد إجماع حتّى تكون مدركا لضمان المقبوض بالعقد الفاسد فعلى هذا لا أهميّة في بيان معناها أصلا و عكسا و بيان مدركها كما اهتمّ به المصنف و لكنّك خبير بأنّ ظاهر صدر العنوان و إن دلّ على أنّ هذه القاعدة أصلا و عكسا من الأصول المسلّمة و القواعد الكلية الشّرعيّة إلّا أنّه يظهر من مجموع كلامه أنّه بصدد بيان ما هو خارج عن قاعدة اليد تخصّصا أو تخصيصا فإنّ اليد تقتضي الضّمان و يرفع هذا الاقتضاء في الجملة إذن المالك و تسليطه فالمهم بيان ما يخرج عن العموم و ليس ذكر القاعدة المعروفة أصلا و عكسا إلّا لبيان ذلك

إذا عرفت ذلك فنقول الضّمان قد يراد به المعنى المصدري كما في قاعدة الخراج بالضّمان كما تقدم وجهه و قد يراد به المعنى الاسم المصدري كما في المقام فإن يضمن حيث إنّه مبني للمفعول يناسب المعنى الاسم المصدري مع أنّ تعهّد الضّامن في الفاسد كالعدم فالجامع بينه و بين الصّحيح هو هذا المعنى و كما في باب الغصب و المقبوض بالسوم و نحو ذلك ممّا حكم الشّارع بالضمان من دون تعهّد الضامن و التزامه و هو في الأصل مأخوذ من ضمن بمعنى التزم و تعهّد فكان الضّامن بجعله الضمان أو بالجعل الشّرعيّ متضمّن للمال و مثبت في ذمّته الّتي هي واد وسيع

و بالجملة معنى الضّمان كون المال في الذمّة و من آثار ثبوت المال في الذمّة الغرامة و الخسارة لا أنّ الغرامة معناه الحقيقي ثم إنّه ليس معنى الضمان كون تلف ما يضمنه الضّامن في ملكه كما احتمله العلّامة في الأواني المكسورة و اختاره صاحب المقابس في مطلق الضّمانات و لو في غير باب الإتلاف كباب المغصوب و نحوه لأنّه لا موجب لتقدير التّالف ملكا لمن تلف في يده لأنّ الغرامة في باب الإتلاف و الغصب ليست معاوضة حتّى يعتبر دخول معوّضها في ملك الغارم

ثم إنّ اختلاف آثار الضّمان و أحكامه باختلاف موارده لا يوجب اختلافا في معناه فإن معناه كما عرفت هو كون الشي ء في عهدة الضامن و الخروج عن العهدة و تفريغ الذمّة عمّا اشتغلت بها تارة بالعوض المسمّى و أخرى بالمثل أو القيمة و ثالثة بأقلّ الأمرين كما في تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض فاختار في المسالك ثبوت أقلّ الأمرين و ذلك لأنّ المتّهب كان له التّخيير

ص: 119

مع بقاء العين بين ردّها و دفع المسمّى فإذا تلفت فإن كان الأقل هو المسمّى فقد رضي به الواهب و إن كان قيمة العين فحيث إنّ المتّهب كان مخيرا فله ردّ الهبة بردّ قيمة العين

و لكن عن جماعة تعيّن دفع المسمّى لأنّ تعذّر رد العين أوجب تعيين أحد عدلي التّخيير مع أنّه يمكن أن يقال بأنّ الضّمان في الصّحيح و الفاسد كليهما المثل أو القيمة فإنّ الضّمان بالمسمّى في الصّحيح هو قبل القبض و هو خارج عن القاعدة فإنّها أسّست لموارد ضمان اليد و هو يتحقّق بالقبض و يقال إنّ بالقبض ينتقل الضّمان و معنى انتقاله أنّ المسمّى يصير بعد القبض هو المثل أو القيمة و معنى ضمان القابض بعد قبضه مع أنّ المقبوض ملكه أنه لو تلف و طرأ عليه فسخ أو انفساخ يجب عليه ردّ المثل أو القيمة فالمثل أو القيمة هو المضمون في الصّحيح و الفاسد

و بالجملة مرادهم من انتقال الضّمان بالقبض أنّ الضّمان قبل القبض كان على المنتقل عنه و بعده انتقل إلى المنتقل إليه و لا شبهة أنّ الضّمان كما ينتقل عن المالك الأصلي إلى المالك الفعلي كذلك ينتقل بالقبض من الضّمان الجعلي إلى الضّمان الواقعي أي ينتقل من المسمّى إلى المثل أو القيمة فلا فرق بعد القبض بين المقبوض بالعقد الصحيح و الفاسد و على هذا فلا وجه للالتزام بأن الخروج عن العهدة في العقد الفاسد أيضا بأداء المسمّى حتّى لا يلزم التّفكيك بين لفظي الضّمان في قولهم يضمن بصحيحه يضمن بفاسده لما عرفت من عدم لزوم الاختلاف مع أنّ كيفية الخروج عن العهدة خارج عن حقيقة الضّمان فلو التزمنا بأن كيفيّته في العقد الصّحيح بأداء المسمى و في الفاسد بأداء المثل أو القيمة فلا يلزم تفكيك في معنى الضّمان

ثم لا يخفى ما في كلام المصنف في ردّ من توهّم أنّ الضّمان في الفاسد أيضا بالمسمّى بأن احتماله ضعيف لا لأن ضمانه المسمى يخرجه من فرض الفساد إذ يكفي في تحقق فرض الفساد بقاء كلّ من العوضين على ملك مالكه و إن كان عند تلف أحدهما يتعيّن الآخر للعوضيّة نظير المعاطاة على القول بالإباحة إلى آخره فإنّ الجمع بين الفساد و تعيين المسمّى للعوضيّة جمع بين المتناقضين و تعيّن العوض المسمّى في المعاطاة ليس مع فرض فسادها لأنه لا يعقل مع عدم تعلّق الجعل الشرعي بكون المسمّى عوضا و حكمه بفساده أن يكون عوضا بل تعيّنه للعوضيّة في المعاطاة إنما هو مع فرض صحّتها غاية الأمر أنّها لا تفيد التّمليك الّذي قصده المتعاطيان ابتداء بل إمّا تفيد الإباحة أو التّسليط أو التّمليك بشرط تحقّق أحد الملزومات و على أيّ حال تصح المعاطاة لا أنّها تفسد و مع ذلك يتعين المسمّى للعوضيّة فقياس العقد الفاسد على المعاطاة على القول بالإباحة قياس مع الفارق

قوله قدّس سرّه ثم العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الأنواع إلى آخره

لا يخفى أن بعضهم عبّر عن هذه القاعدة بقوله كلّ عقد يضمن بصحيحه إلى آخره و بعضهم عبّر عنها بقوله ما يضمن بصحيحه إلى آخره و على أيّ حال المقصود واحد فإنّ المراد من العقد ليس خصوص ما لم يكن فيه شائبة الإيقاع بل يشمل كلّ ما فيه تضمين و تعهّد فمعناه أنّ كلّ ما صدر على وجه التعويض فالفاسد منه كصحيحه يوجب الضّمان فيكون المراد من عكسه أنّ كلّ ما صدر لا على وجه التعويض بل مجّانا ففاسده كصحيحه لا يوجب الضّمان و على هذا فتشمل القاعدة مثل الجعالة و الخلع فلو فرضنا كون الخلع فاسدا فليس المهر للزّوج مجانا كما أنّه لو فرض أن عوض الخلع كان مال غير الزّوجة فلا يمكن أن تكون الزّوجة مطلّقة بلا عوض بل إمّا يفسد الخلع و إمّا

ص: 120

يجب عليها المثل أو القيمة و هكذا في مسألة الجعالة

ثم بعد ما ظهر أنّ هذه القاعدة إنّما أسّست لموارد تمييز اليد المجانيّة عن غيرها فلا بدّ من أن يكون معناها مطابقا لما هو مدركها و لا وجه لما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ الكلام في معنى القاعدة لا في مدركها فعلى هذا لو كان ظاهر هذه القاعدة ما أفاده قدّس سرّه من أنّ الموضوع هو العقد الّذي كان له بالفعل فرد صحيح و فاسد و كان هذا المعنى منافيا لمدركه فيجب أن يحمل على معنى آخر لا يكون منافيا لدليله و المعنى الصّحيح هو الّذي ذكرناه و حاصله أنّ المراد من الأصل أنّ كلّ عقد صحيح صدر على وجه التّعويض فالفاسد منه يوجب الضّمان و المراد من العكس أن كلّ ما صدر صحيحه مجانا فالفاسد منه لا يوجب الضّمان و هذا المعنى جامع و مانع و لا يحتاج إلى إرادة النّوع في العقد و لا الصّنف و لا خروج ما كان موجب الضّمان هو الشّرط دون العقد و لا فرض الوجود بالفعل للصحيح و الفاسد لأنّ كلّ ما صدر مجانا كالهبة الغير المعوّضة و الصّلح في مقام الإبراء فالصّحيح و الفاسد منه لا يوجبان الضّمان كما أنه لو فرض صحّة البيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة فكذلك لا يوجبان الضّمان لأن فرض صحّة معناه مجّانيّة المبيع و العمل ففساده و لو كان ناشيا من قبل الشّرط لا يوجب الضّمان

نعم لو كان الشرط فاسدا بعد التعويض كما لو جعل بإزاء المبيع الثمن ثم شرط أنّه لو تلف المبيع عند المشتري فضمانه على البائع فهذا خارج عن عنوان البحث لأنه التزام في التزام و سيجي ء حكمه و بالجملة ما احتمل بعضهم في العبارة من أن يكون معناها أن كلّ شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا يضمن به مع الفساد و رتب عليها عدم الضّمان في مثل بعتك بلا ثمن و آجرتك بلا أجرة هو المعنى الصّحيح للقاعدة لأنّ هذه القاعدة كجميع القضايا الحقيقيّة الحكم فيها مرتب على فرض وجود الموضوع فمعناها أن كلّ ما يضمن لو كان صحيحا يضمن بفاسده و كلّ ما لا يضمن لو كان صحيحا لا يضمن بفاسده و فرض صحّة البيع بلا ثمن عبارة أخرى عن فرض المجانيّة ففساده و لو كان من قبل نفس هذا الفرض حيث إنّ البيع بلا ثمن باطل لا يقتضي الضّمان

قوله قدّس سرّه ثم إنّ لفظة الباء في بصحيحه و بفاسده إلى آخره

لا يخفى أنّ الباء يستعمل في الظّرفيّة كقوله سبحانه وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّٰهُ بِبَدْرٍ و قوله نَجَّيْنٰاهُمْ بِسَحَرٍ و السببيّة كقوله عز من قائل إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخٰاذِكُمُ الْعِجْلَ و قوله فَكُلًّا أَخَذْنٰا بِذَنْبِهِ و ليست السببيّة أظهر من الظّرفيّة فعلى الظّرفيّة لا يلزم تفكيك و على السببيّة يختلف معناها في الصّحيح و الفاسد فإنّ الضمان في قولهم بصحيحه مسبّب عن العقد و في الفاسد مسبّب عن القبض

نعم يمكن أن يوجّه هذا المعنى أيضا بأنّ العقد في كلّ منهما هو السّبب النّاقص فإنّ القبض لو لم يتحقّق في الصّحيح لم يتحقّق الضّمان لقولهم و بالقبض ينتقل الضّمان و في الفاسد العقد أيضا منشأ للقبض الّذي هو منشأ للضّمان و لكنّه لا يخفى الاختلاف بين الصّحيح و الفاسد في السّببيّة لأنّ القاعدة حيث ما عرفت أنّها لتأسيس تمييز موارد التّسليط المجّاني عن غيره فالتّسليط مع العوض الّذي يقتضي الضّمان في الصّحيح مستندا إلى العقد و هذا لا ينافي إناطة صحّة العقد بالقبض كما في الصرف و السّلم أو كون تلف المبيع قبل القبض على البائع الانفساخ العقد فإنّ شرطيّة القبض لا يوجب أن يكون الضّمان مستندا إليه

كما أنّ انفساخ المعاملة بعدم القبض لا يوجب أن يكون الضّمان

ص: 121

ناشيا عن القبض فإنّ الضّمان قبل القبض ضمان تبعيّ و الضّمان الأصلي من البائع هو ضمان الثمن و هو بنفس العقد حاصل و هذا بخلاف الضمان في مورد الفساد فإنّه مستند إلى القبض إلّا أن يقال إنّ الجامع بينهما هو السببيّة في الجملة و هذا كاف في استعمال لفظة باء في كلا الموردين

قوله قدّس سرّه ثم إنّ المدرك لهذه الكليّة إلى آخره

لا يخفى أنّه بعد ما ظهر أن عموم على اليد مقتض للضّمان في جميع ما دخل تحت اليد فلا مجال إلا للبحث عما يرفع الضمان فنقول يشترط في تحقّقه أمور الأوّل أن يكون الاستيلاء على المال ناشئا عن التّسليط المجاني سواء كان في المقبوض بالعقد الفاسد أو بغيره كما لو أذن في إتلاف طعامه مجّانا فأكله المأذون لأن مورد البحث هو المقبوض بالعقد الصّحيح أو الفاسد أو ما هو بمنزلة العقد لا فيما لا يدخل تحت اليد لأنّ هذه القاعدة أسست للضّمان النّاشي عن المعاوضة أو المجانيّة بالنّسبة إلى ما دخل تحت اليد و ليست لبيان موجبات الضّمان و روادعها مطلقا

ثم إنّه كما يمكن أن يتحقّق القبض في الأعيان فكذلك يمكن أن يتحقّق في المنافع تبعا لقبض الأعيان فما أفاده قدّس سرّه من أن قاعدة اليد لا تشمل المنافع و الأعمال المضمونة في الإجارة الفاسدة لا وجه له أمّا باب المنافع فأخذ كلّ شي ء بحسبه و أمّا باب الأعمال فلأن منشأ الضّمان فيها هو احترام عمل المسلم فإن مدرك الضمان لا ينحصر بقاعدة اليد بل قاعدة الإتلاف و احترام الأعمال كافيان لإثبات الضّمان فإذا فرضنا أنّ المالك تبرّع بالعمل أو سلّط المتلف على إتلاف ماله مجّانا فلا ضمان لأنّ في ضمان الأعمال يشترط أمور ثلاثة

الأوّل أن لا يكون سبب الفساد إجارة ما لا يرجع نفعه إلى المستأجر كما لو استأجر شخصا ليصلّي ما وجب على نفسه و في حكمه باب السّبق و الرّماية كما تقدم و الثّاني أن لا يكون العامل مبتدئ بالعمل بلا أمر و لا إجارة و لا إذن فإنّه لا يضمن عمله من عمل له و لو لم يقصد العامل التبرع الثالث أن لا يكون العامل متبرعا و بالجملة إذا تحقّق مقتضى الضّمان من قبض المضمون بالقبض المعتبر في باب العقود و هو التّخلية في إجارة الأموال و استيفاء عمل الحرّ في إجارة الأعمال و لم يتحقّق ما يرفعه من المجانيّة فيؤثر المقتضي أثره

الثّاني أن يكون التّسليط المجّاني راجعا إلى العوضين لا ما إذا سلّطه على ماله بشرط خارجيّ أي بالتزام في التزام كما لو جعل ضمان العوض على القابض في عقد البيع و لكنّه تداركه بشرط خارجيّ من ماله

الثّالث أن يكون ما سلّطه عليه مصبّا للعقد و موردا له بحيث كان العقد واردا عليه و أمّا لو كان المسلط عليه خارجا عن مصب العقد و لكن الشارع حكم بتبعيته لمصبّ العقد فهو خارج عن القاعدة فلا يرد النّقض بمسألة المسابقة و المراماة على أصل القاعدة فإنّ الصّحيح منهما و إن اقتضى الضّمان لكونهما مراهنة أمضاها الشّارع و لكن الفاسد منهما بمقتضى الشّرط الأوّل خارجان عن القاعدة لعدم دخولهما تحت يد الباذل و عدم رجوع نفع إليه بل هذان البابان خارجان عن باب العقود المعاوضيّة و ليس فيهما قبض و لا تسليط فلا ضمان في فاسدهما و لو كان في صحيحهما ضمان بمقتضى المراهنة الّتي أمضاها الشّارع و لا يرد النّقض بتلف المبيع قبل القبض كما أورده المصنف على مدرك القاعدة بناء على جعل مدركها هو الإقدام مستقلا و لو لم يكن معه يد

فقال مع أنّ مورد هذا التّعليل أعمّ من وجه من المطلب إذ قد يكون الإقدام موجودا و لا ضمان

ص: 122

كما قبل القبض و قد لا يكون إقدام في العقد الفاسد مع تحقّق الضّمان كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع على البائع إذا تلف في يد المشتري إلى آخره

لما عرفت أنّ القاعدة التأسيس الموارد الخارجة عن عموم على اليد و المبيع قبل القبض و إن تعلّق به الضّمان إلّا أنه لم يدخل تحت يد المشتري فلا يدخل تحت قاعدة ما يضمن و أمّا قوله و قد لا يكون الإقدام في العقد الفاسد مع تحقّق الضّمان إلى آخره

ففيه أنّ هذا أيضا بمقتضى الشّرط الثّاني خارج عن تحت القاعدة لأنّ الضّمان تعلّق في أصل المعاوضة بالعوض فإنّه جعل المبيع بإزاء الثّمن غاية الأمر شرط في ضمن العقد شرطا صحيحا أو فاسدا في أنّه لو تلف مال المشتري كان ضمانه على غيره و هو غير الإقدام على المجانيّة لأنّ هذا التزام خارجيّ هذا مضافا إلى أنّ إشكاله وارد على ما أفاده من معنى القاعدة و هو لزوم الفرد الفعليّ للصّحيح و أمّا على ما قلنا بأنّ معناها أن كل ما لو فرض صحيحا يضمن به يضمن به مع الفساد و ما لا يضمن مع فرض الصّحة فلا يضمن بفاسده فلا إشكال أصلا لأنه لو فرض أنّ المشتري لم يقدم على الضمان و كان مرجع جعل البائع الضّمان على نفسه إلى جعل المبيع بلا عوض كالأمثلة الّتي ذكرها بعد هذا المثال و هي بعتك بلا ثمن و آجرتك بلا أجرة فلا ضمان على المشتري حتّى يفترق الضمان عن الإقدام لأن هذا الشّرط لو كان صحيحا كان التسليط مجانيا فإذا فسد العقد بهذا الشّرط أو بغيره فلا ضمان

و بالجملة لو قلنا بأنّ الضمان هنا على المشتري فليس الإقدام مجّانيا و لو قلنا بأنّ الإقدام مجّانيّ فالضّمان ممنوع لأنّ معنى القاعدة ليس أنّ في كل فرد من أفراد البيع ضمانا حتى البيع بلا ثمن لأنّ في صحيحه ضمان بل معناها أنّ كلّ شخص من المعاملات إذا فرض صحّته و لم يكن فيه ضمان ففساده أيضا كذلك و بالجملة بمقتضى الشرط الثّاني يخرج التّسليط المجاني الحاصل من الشّرط الخارج لأنّ في نفس العقد لم يسلّطه على المبيع مجّانا و بمقتضى الشّرط الثّالث يخرج المنافع في باب البيع عن تحت القاعدة لأنّ مصبّ العقد في البيع هو العين فإذا لم يقتض العقد الصّحيح ضمان المنافع و اقتضاه الفاسد فلا يرد نقض على عكس القاعدة

قوله قدّس سرّه و أمّا عكسها فهو أنّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده إلى آخره

بعد ما عرفت معنى الأصل ظهر معنى العكس و مدركه في القبض الصّحيح هو أنّ المالك إذا سلّط القابض على ماله مجانا يخرج هذا اليد عن عموم على اليد إمّا تخصّصا و إمّا تخصيصا و ملاكه في الفاسد بعينه هو الملاك في الصّحيح و لا أولويّة لأحدهما على الآخر و بهذا الملاك لا يقتضي الإتلاف المأذون فيه الضّمان أيضا لأن المالك لو أذن في إتلاف ماله مجّانا يخرج هذا التصرّف عن عموم من أتلف

و بالجملة لا إشكال في أنّ تسليط المالك على عين ماله أو على منفعته مجّانا و بلا عوض يوجب أن لا يكون على القابض و المتلف ضمان إنّما الإشكال فيما يتوهّم من النّقض على الأصل أو العكس فمن موارد النقض على العكس ضمان العين المستأجرة فإن صحيح الإجارة غير موجبة لضمانها مع أنّ في الفاسد تضمن على ما في الرياض و المحكي عن الأردبيلي في مجمع الفائدة

و لكنّه لا يخفى أنّ النّزاع في ضمان العين و عدمه فيها نزاع صغرويّ و بيان ذلك أنّه لو قلنا بأن عقد الإجارة متعلّق بالمنفعة و العين خارجة عن مورد العقد أي العقد غير متعرّض لنفس العين و لازم ذلك صحّة شرط ضمان العين على المستأجر فضمان

ص: 123

العين في الإجارة الفاسدة ليس نقضا على قاعدة ما لا يضمن لأنّ القاعدة مختصّة بمورد العقد و مصبّه و عدم ضمانها في الصّحيح إنّما هو لأنّ العين أمانة مأذون فيها شرعا و حيث إنّها ليست أمانة في الفاسد شرعا فيد القابض عليها يد من غير استحقاق فيضمن و أمّا لو قلنا بأنّ العقد متعلّق بالعين أيضا فنقول الفاسد كالصّحيح لا يوجب الضّمان لأنّ العين بناء على هذا الوجه أمانة مالكيّة و مقتضى كون العين تحت يد المستأجر مجانا أن يتعلّق الضّمان بخصوص المنافع لا بالعين فلا يرد النّقض على أي حال على عكس القاعدة

ثم لا بأس بالإشارة إلى مبنى الوجهين إجمالا و تفصيله في باب الإجارة أمّا مبنى القول الأوّل فهو أن حقيقة الإجارة في جميع الموارد حقيقة واحدة و لا شبهة أنّ في إجارة الحرّ لم تتعلّق الإجارة إلّا بالمنفعة لأنّ الحر لا يمكن دخوله تحت يد المستأجر و في إجارة الدابّة و السّفينة للحمل لا تقتضي دخولهما تحت يده فإذا لم يقتض حقيقتها في هذين الموردين دخول العين تحت اليد بل لا يمكن في القسم الأوّل و المفروض أنها في الجميع حقيقة واحدة فلا بدّ أن يتعلّق عقد الإجارة في جميع الموارد بالمنفعة حتّى في مثل إجارة الدار و الدكّان للسكنى و تكون بالنّسبة إلى العين لا اقتضاء و على هذا فيمكن شرط ضمانها على المستأجر لأنّه لا ينافي مقتضى العقد و لازمه ضمان المستأجر في الإجارة الفاسدة إذا تلفت العين تحت يده

و أمّا مبنى الثّاني فهو أنّ الإجارة إضافة خاصّة حاصلة من العقد و هي مشترك معنوي لملك المنفعة و الانتفاع و المنفعة عبارة عن أمر وحداني اعتباري عقلائي و الانتفاع عبارة عن أمر تدريجيّ مساوق وجوده مع عدمه و هو الحاصل في الآنات فوجوده كنفس الزمان ينقضي و يتصرم و اختلاف هذين النّحوين إنّما هو باختلاف الموارد و هذا الاختلاف لا ينافي اتّحاد الحقيقة فعمل الحر من قبيل ملك الانتفاع فإنّ عمله لا يملكه المستأجر إلّا تدريجا و لذا لا يستحقّ الحر المؤجر الأجرة إلّا بمقدار عمله و أمّا منفعة الدّار فيملكها المستأجر تمام مدّة الإجارة بمجرّد الإجارة و لذا يستحقّ المؤجر الأجرة أيضا بمجرّد العقد و لكون المنفعة داخلة تحت ملك المستأجر في إجارة الدّار و مقبوضة له بمجرّد قبض الدار و ضامنا للأجرة بتمامها بمجرّد القبض استشكلوا بأنّ هذا لا يجتمع مع قولهم من أنّه لو انهدم الدّار تنفسخ الإجارة لأنّه في حكم تلف المبيع قبل القبض

و هذا و إن أمكن الجواب عنه بأنّ القبض في مرحلة البقاء لم يتحقّق كشفا إلّا أنه على أيّ حال اختلاف أجرة الدّار مع أجرة الحر يكشف عن اختلاف حكمها في القبض و اقتضاء كون العين تحت اليد و عدمه و كيف كان لا شبهة أنّ هذين الأمرين الاعتباريين يجمعهما حقيقة واحدة و هي ليست إلّا إجارة نفس العين ليستوفي منها المنفعة أو الانتفاع الّذي قد يعبر عنه أيضا في لسان الفقهاء بالمنفعة في مقابل الانتفاع الذي يعبرون عنه في باب العارية فيقولون أنّ المستعير يملك الانتفاع لا المنفعة و كلّ ما شئت فسمه إلّا أنه لا شبهة أنّ الأجرة تقع في مثل الدار و العقار مقابلا لكون العين المستأجرة تحت يد المستأجر و في مثل الحر و نحوه في مقابل عمله فلا بدّ أن يقع العقد في كلتا الصّورتين على العين و العقد متعرض لها و إن لم يمكن دخول الحرّ تحت اليد لأن كون الحر أجيرا معناه أنّه الذي يستحقّ عمله الغير و أنّه العامل فالإجارة تتعلّق به ليستوفي عمله و هذا المعنى لا يقتضي

ص: 124

كون متعلّق العقد تحت يد المستأجر مطلقا بل يختلف باختلاف الموارد فمثل الحر لا يمكن أن يدخل تحت اليد و مثل الدابّة للحمل العقد بالنسبة إليها لا اقتضاء و مثل إجارة الدّار الأجرة مقابلة لكون العين مدّة الإجارة في يد المستأجر

و على أيّ حال الإجارة تقع على العين ليستوفي منها المنافع و لذا يقال آجرتك الدّار و الدابّة و نفسي لعمل كذا و لا يصح أن يقال آجرتك سكنى الدار و آجرتك عملي فالإجارة في جميع الموارد إضافة خاصّة تتعلّق بالعين ليستوفي منها منافعها أو عملها و اقتضاء كون العين تحت اليد مدّة الإجارة إنّما هو لخصوصية المورد و من لوازم الفرد من حيث عدم إمكان استيفاء المنافع منها إلّا إذا كانت كذلك و لوازم الفرد لا تنفكّ عنه فشرط ضمان العين في هذا القسم مناف لمقتضى العقد فإنّ العقد متعرّض لعدم الضّمان بالنّسبة إلى العين و يكون كالعين المرهونة الّتي يتعلّق بها حقّ المرتهن لبقائها تحت يده فإذا كان المستأجر مستحقّا كذلك فلا يضمن إلّا الأجرة و إلّا يلزم أن يكون لمال واحد ضمانان

نعم يصحّ شرط الضّمان إذا استأجر الدابّة أو السّفينة للحمل فإذا شرط يضمن و أمّا لو لم يشترط و أطلق ففي جميع الموارد لا ضمان سواء كانت الإجارة على الأموال أم على الأعمال كانت الإجارة في الأموال مقابلة لكون العين تحت يد المستأجر أم لا كما أنّ في جميعها مع الشّرط هو الضمان غاية الفرق أن فيما لا يقتضي كون العين تحت يد المستأجر فلصحة الشّرط و فيما يقتضي كونها تحت يده فلفساد العقد بفساد شرطه فإذا كان العقد فاسدا فمقتضى اليد الغير الحقّة هو الضّمان و على أيّ حال لا نقض على القاعدة كما بينا وجهه و بالجملة كل ما يقتضي كون العين تحت يد المستأجر فشرط الضّمان مناف له و كلّ ما ليس كذلك فلا مانع من شرط الضّمان و لذا يصحّ في عكس المسألة كما إذا شرط المستأجر ضمان العين على الأجير فيما إذا استأجره لقصارة الثوب أو خياطته أو صبغه فإنّ الأجرة هنا مقابل العمل لا مقابل كون العين في يد الأجير و لذا يجوز للمستأجر أخذ العين منه و بعبارة أخرى في الأجرة على الأعمال لم تقع الأجرة إلّا بإزاء العمل لا بإزاء كون العين تحت يد الأجير فإنه لا غرض للموجر إلا أخذ الأجرة و حيث إنّه لا يمكنه الوفاء بالإجارة إلّا بأن يكون العين تحت يده يقع العين لغرض المستأجر تحت يده فيجوز للمستأجر شرط الضمان عليه و من موارد النّقض على العكس أيضا ضمان الصّيد الّذي استعاره المحرم من المحلّ بناء على فساد العارية مع أنّ صحيحها لا يضمن بها أقول صحّة النّقض و عدمها موقوف على بيان حكم الصّيد الّذي استعاره المحرم

و البحث فيه عن جهات الأولى أنّه ينسب إلى المشهور أنّ الصّيد بمجرّد العارية يخرج عن ملك مالكه و يجب على المستعير إرساله فورا بحيث لو أمسكه مقدارا ما يجب عليه الفداء أيضا فهو إمّا يرسله أو يتلف عنده أو يردّه إلى مالكه فلو أرسله فورا فلا يجب عليه إلّا قيمته للمالك و لو تلف عنده فيجب عليه القيمة و الفداء لتفريطه حق المالك و الخالق و لو رده فسيجي ء حكمه قال في الشّرائع و لا يجوز للمحرم أن يستعير من محلّ صيدا لأنّه ليس له إمساكه و لو أمسكه ضمنه و إن لم يشترط عليه و ظاهره أنه لو تلف عنده يضمنه و لا وجه لحمل صاحب الجواهر قدّس سرّه كلامهم على صورة الإتلاف و هو الإرسال و هو أيضا يصرّح بأن إطلاق كلامهم يوهم ذلك إلّا أنّه قال

ص: 125

لكن من المعلوم إرادتهم الفرد الّذي ذكرناه فإنّه الموافق لذكر مسألة المحرم و لا يخفى أنّه يمكن استفادة خروج الصيد عن ملك مالكه من مسألة من أحرم و معه صيد فإنّه اتّفقوا على أنّ الصّيد الّذي معه يخرج عن ملكه و يجب عليه إرساله و إن لم يفعل فمات يجب عليه الفداء و خروج ما معه عن ملكه و إن لم يلازم خروج ملك غيره لو استعاره منه إلّا أنّه يمكن أن يستفاد من مجموع ما ورد في باب الإحرام أن كلّ ما وقع الصّيد تحت يده و إن كان ملك غيره يخرج عن المملوكيّة بل يحرم عليه صيد البر أيضا ما دام محرما كما هو مقتضى الآية الشّريفة و كيف كان فالعجب من السيّد الطّباطبائي قدّس سرّه في حاشيته على المتن فإنّه ضمّ عبارة الجواهر إلى الشّرائع

و قال و في الشرائع لا يجوز للمحرم أن يستعير من محلّ صيدا لأنه ليس له إمساكه فلو أمسكه ثم أرسله ضمنه ثم قال و هذه العبارة كما ترى مختصّة بصورة الإتلاف بالإرسال فلا تشمل ما نحن فيه و الدّليل على الضّمان حينئذ عموم قوله من أتلف نعم مقتضى إطلاق بعضهم الضّمان في المقام شموله لصورة التّلف السّماوي أيضا إلّا أنّه يمكن دعوى انصرافه إلى ما في الشّرائع من الضّمان بعد الإرسال الواجب عليه إلى آخره مع أن لفظ ثم أرسله ضمنه بعد قول المحقق فلو أمسكه من كلام صاحب الجواهر لا من المحقق و كيف كان فالنقض مبنيّ على القول بضمان المستعير و لو مع التّلف

الثانية هل الضّمان مطلقا أو في صورة الإرسال مختصّ بما إذا جهل المعير أو يشمل صورة عمله قال السيد في الحاشية إذا كان المعير عالما فهو المتلف لما له بدفعه إلى من هو مكلّف بإتلافه و لكنّه لا يخفى أنّه لو لم يكن بين السبب و الأثر المترتّب عليه فعل اختياري عن غيره فالأمر كما ذكره لأنه ينسب الفعل إلى السّبب و ما إذا كان كما في المقام فلا فرق بين علم المالك و جهله لأنّ الفعل ينسب إلى المباشر لأنّه لو لم يأخذ المستعير لم يخرج عن ملك مالكه فإنّ أمر المعير بنفسه لا يوجب التّلف و هذا الحكم مطرد في جميع موارد المباشرة الاختياريّة فلو أمر المالك أحدا بقتل عبده المسلم أو بإلقاء ماله في البحر بلا جهة فعمله المأمور يضمن قيمة عبد الآمر و ماله لأنّ الأمر ليس مجوزا و رافعا للضّمان إلّا فيما للمالك فعله فيكون المأمور وكيلا منه

الثّالثة لو عصى المستعير و لم يرسله و ردّه إلى المعير فهل يخرج عن الضّمان وجهان بل قولان و الأقوى عدم خروجه عن الضّمان فيجب عليه قيمته كما يجب عليه الفداء بلا إشكال لما ذكرنا أنه يخرج الصّيد عن ملك مالكه بمجرّد العارية فرد الصيد إليه اصطياد جديد له فإنّ هذا الصيد من المباحات الأصليّة يصطاده من شاء و لا يمكن قياس المقام بما إذا غصب الغاصب خلّا ثم صار خمرا عنده ثم صار خلا برده في عدم الضّمان لأنّ حق الاختصاص للمالك باق فإذا زالت صورة الخمريّة قبل الرد أو بالرد فلا يضمن الغاصب شيئا و هذا بخلاف المقام فإنّ الصيد صار من المباحات الأصليّة إذا عرفت ذلك فنقول لا يرد النّقض على القاعدة أصلا في صورة تلف الصّيد لا لما ذكره المصنف بأنّ المستقر عليه قهرا بعد العارية هي القيمة لا العين فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التّلف بسبب وجوب الإتلاف الّذي هو سبب لضمان ملك الغير في كل عقد لا بسبب التّلف إلى آخره لأنّه لا يعقل استقرار القيمة في العهدة قبل الإتلاف فلو لم يكن نفس أخذه إتلافا و تلف في يده فلا موجب لاستقرار الضّمان عليه فبناء عليه لا بدّ أن يقال إنّ التّلف لا يوجب الضّمان كما عن الجواهر و من تبعه فرارا عن الإشكال بل لما ذكرنا

ص: 126

من أن نفس الأخذ إتلاف على المالك فالضّمان مستند إلى الإتلاف و العارية لا توجب الضّمان في صورة التّلف و بالجملة لو أرسله فلا إشكال في الضّمان لعدم التنافي بين وجوب الإرسال و الضّمان فيدخل في قاعدة من أتلف و لو لم يرسله و تلف فلو لم نقل بالضّمان فلا نقض و لو قلنا به فلا محالة ضمانه مبني على خروج الصيد عن ملك المعير بمجرّد العارية و عاريته أيضا إتلاف لمال الغير فعلى أي حال لا نقض على عكس القاعدة و من موارد النّقض على الأصل ضمان المنافع في البيع الفاسد مع أنّها غير مضمونة في البيع الصّحيح و المصنف قدّس سرّه أورد النّقض بالنّسبة إلى المنافع الغير المستوفاة مع أنّها محل الخلاف بين الأعلام كما سيجي ء

و على أيّ حال لا يرد النّقض مطلقا لما ذكرنا من أنّ المدار على مورد العقد و مورده في البيع هو نفس العين و إنّما المنافع في الصّحيح تابع للعين بحكم الشّارع و في الفاسد حيث إنّ العين لم تنتقل إلى القابض فيضمن منافعها و من موارد النّقض عليه أيضا تلف الأوصاف فقيل في صحيح العقد لا يقتضي ضمانها لأنّ العوض لم يجعل في مقابل الوصف مع أنّ في الفاسد يضمنها القابض و فيه أنّ الوصف يضمنه القابض كالشّرط في الصحيح و الفاسد فإنّ العوض و إن لم يجعل في مقابلهما إلّا أنهما صارا موجبين لزيادة القيمة فلو تلفا بعد القبض و انفسخ العقد بموجب قهريّ أو اختياري فضمانهما على القابض فلو زال وصف الكتابة عند المشتري أو صار المبيع معيوبا عنده ثم استردّ الثّمن من البائع فيجب عليه ردّ قيمة الوصف في الصّحيح و الفاسد و كذا لو شرط الخياطة في ضمن العقد فعمل المشروط عليه بالشّرط فيجب على المشروط له أداء قيمته إذا فسخ العقد أو انفسخ فيما لو كان العقد صحيحا و هكذا يجب عليه أداء قيمته لو كان العقد فاسدا

و ممّا أورد عليه حمل المبيع فاسدا فإنّه غير مضمون في الصّحيح مع أنّه مضمون في البيع الفاسد و فيه أنّ محلّ الكلام تارة فيما إذا اشترط دخول الحمل في المبيع و أخرى فيما إذا كان خارجا فعلى الأوّل يضمنه المشتري إذا قبض الحامل الّذي يقبضه يتحقّق قبض الحمل في الصّحيح و الفاسد لأنّ الثّمن جعل بإزاء كليهما و على الثاني فلا يضمنه في الصّحيح و الفاسد لأنه أمانة مالكيّة فلا نقض مع أنّه لو قيل بالفرق فلا يرد النّقض على القاعدة أيضا لأنّ محلّ البحث هو مورد العقد لا ما هو خارج عنه فيرجع فيما هو خارج عنه إلى القواعد العامّة

ففي الصحيح حيث إنّه يقع في يد المشتري قهرا على البائع فيصير أمانة مالكيّة أو شرعية فلا ضمان و أمّا في الفاسد فلم يتحقّق رافع الضّمان ثم لا يخفى أنّ للتّوابع أحكاما مختلفة باختلاف تبعيّتها للمبيع و خروجها عنه عرفا فمثل السمن داخل عرفا و لا يمكن انفكاكه و أما الصّوف و اللّبن فالعقد بالنّسبة إليهما لا اقتضاء و إن كان الأقوى دخولها فيه إذا لم يشترطا خروجهما عنه و أمّا الحمل فخارج عنه إلّا إذا اشترطا دخوله لأنّه كاللّبن المحلوب و الصوف المجزوز لا يدخل تحت العقد الوارد على الحيوان و كيف كان لا يرد النّقض على القاعدة بالنسبة إليه لأنه إذا كان داخلا في المبيع فمضمون على أيّ حال و إذا لم يشترطا دخوله فخارج على أيّ حال على الأقوى

قوله قدّس سرّه و يمكن النّقض أيضا بالشّركة إلى آخره

لا يخفى أنّه لم يعلم مراده قدّس سرّه من هذا النّقض لأنّه لا فرق بين الشّركة الصحيحة و الفاسدة في الضّمان و عدمه فإنّه لو قلنا بأن أثر عقد الشّركة بعد مزج المالين هو جواز تصرّف كل واحد من الشريكين في جميع المال فلو تلف المال

ص: 127

فلا ضمان في الصّورتين لأنّ كلّا منهما أمين في مال الآخر و لو قلنا بأنّه بعد العقد أيضا لا يجوز التصرّف إلّا بإذن كلّ منهما للآخر فبدون الإذن يضمن كل منهما مال الآخر لو تلف تحت يده من غير فرق بين العقد الصّحيح و الفاسد هذا إذا قلنا بالضّمان من جهة حرمة التصرّف و أمّا لو قلنا بأنّه لا ملازمة بينهما كما في تصرف المتّهب في الموهوب بالهبة الفاسدة فإنّه لا يجوز مع أنّه لا يضمن فعلى أي حال لا يضمن و بالجملة المناط في الضّمان و عدمه إنّما هو بتسليط المالك على ماله بالعوض أو مجّانا فكلّ ما تحقّق التّسليط المجّاني فلا ضمان من غير فرق بين الصحيح و الفاسد

ثم إنّه ينبغي التّنبيه على أمور الأوّل قد يتوهم أنّ مقتضى ما ذكرنا من معنى القاعدة و هو أن كلّ شخص من العقود لو فرض صحيحا يضمن به يضمن مع الفساد ورود النّقض عليه بما إذا جعل أحد العوضين ما لا يصحّ الانتفاع به و ما لا يعدّ من الأموال كالحشرات فإنّ فرض صحّته يلازم المجانيّة لأنه وقع العوض بإزاء ما ليس مالا فهو بمنزلة الهبة و التّسليط المجاني مع أنّه لا يمكن الالتزام بعدم ضمان البائع الثمن إذا جعل المبيع ما لا يعد مالا و عدم ضمان المشتري المبيع إذا جعل الثّمن كذلك و أمّا بناء على ما اختاره المصنف فلا يرد الإشكال لأن البيع الصحيح لما كان موجبا للضّمان فالفاسد منه كذلك و لكنّه توهّم فاسد لأنّ فرض صحّة هذا البيع معناه فرض الثمن أو المثمن مالا فإذا كان هذا معنى صحته يضمن به مع الفاسد لأنّ صحّته هنا ليس كالصحة في بعتك بلا ثمن فإنّ ثمنه لم يجعل بإزاء المبيع شيئا بخلاف المقام فإنّه جعل العوض بإزاء المبيع ففرض صحّته معناه فرضه مالا

الثّاني لو قال بعتك بلا ثمن و آجرتك بلا أجرة ففيه احتمالات أو أقوال الأوّل عدم دخولهما في عنوان العقود أصلا لا الفاسدة و لا الصّحيحة الثّاني دخول الأوّل في عنوان البيع الفاسد و الثاني في الإجارة الفاسدة الثالث دخول الأوّل في الهبة الصحيحة و الثاني في العارية الصحيحة الرّابع دخولهم في الهبة و العارية الفاسدتين

الخامس التّفصيل في مسألة الإجارة بين إجارة الأموال و الأعمال فيدخل الأوّل في الإجارة الفاسدة و الثّاني في التبرّع فيضمن في الأوّل دون الثّاني و حكم البيع حكم القسم الأوّل فإنّه يدخل تحت قاعدة ما يضمن و قبل ذكر مدرك الاحتمالات لا بأس بذكر عبارة الشّرائع و ما قيل في شرحها و أما أفاده الشّهيد و المحقّق الثّاني في المقام قال في الشّرائع و كلّ موضوع يبطل فيه عقد الإجارة يجب فيه أجرة المثل مع استيفاء المنفعة أو بعضها سواء زادت على المسمّى أم نقصت عنه قال في الجواهر بلا خلاف أجده فيه إلى أن قال مضافا إلى مثل ذلك بالنسبة إلى قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده الشّاملة للمقام و إلى قاعدة احترام مال المسلم و عمله

ثم قال نعم قيّده الشّهيد في المحكي من حواشيه بما إذا لم يكن الفساد باشتراط عدم الأجرة في العقد أو عدم ذكرها فيه لدخول العامل على ذلك و استحسنه في المسالك و كان وجهه أنه متبرع بالمال و العمل مجّانا ثم قال بل قد يقال بشمول القاعدة للفرض بناء على إرادة أشخاص العقود منها لا أصنافها و لا ريب في عدم الضّمان لو فرض صحّة العقد المزبور فكذا لا يضمن به مع الفساد ثم قال لكن مع ذلك كله في جامع المقاصد بعد أن حكاه أنّه صحيح في العمل أمّا مثل سكنى الدّار الّتي يستوفيها المستأجر بنفسه فإنّ اشتراط عدم العوض إنما كان في العقد الفاسد الّذي لا أثر لما تضمّنه من التراضي فحقّه وجوب أجرة المثل و مثله ما لو باعه على أن لا ثمن له

ص: 128

و أمّا لو كان موردا لإجارة منفعة الأجير فيعمل بنفسه مع فسادها فوجه عدم استحقاقه شيئا ظاهر لأنه متبرّع بالعمل و هو المباشر لإتلاف المنفعة و دفعه في المسالك بما حاصله من أنّه يرجع في مثل سكنى الدار إلى العارية و إن عبّر عنها بلفظ الإجارة لأنّ التّصريح بعدم الأجرة أقوى من الظّهور المستفاد من لفظ الإجارة إذا عرفت ذلك ظهر إجمالا مدرك الأقوال

و توضيح ذلك أنّ مدرك الأوّل هو أن المنشئ حيث نقض إنشاءه فكأنه لم يصدر منه عقد فتندرج المسألتان تحت قاعدة اليد و مقتضاها الضمان و فيه أن تعقيب إنشائه بما يناقضه و إن جعله بلا أثر شرعيّ و عرفيّ إلّا أن أثره التكويني و هو إنشاؤه المعاملة الكذائية لا يرتفع بذكر ما يناقضه فوقوع عقده كلا عقد شرعا أو عرفا لا يوجب عدم وقوعه خارجا غاية الأمر أنّه عقد فاسد فيدخل إمّا في الأصل أو العكس

و أمّا مدرك الثّاني فتقريبه واضح لأنّه إنشاء ما هو صريح في عنوان البيع و الإجارة فتعقيبه بما ينافي صحّة البيع و الإجارة يوجب الفساد ثم بناء عليه اختلفوا في الضّمان و عدمه بما تقدم وجههما و هو إدخالهما في الأصل أو أنّ مع فرض صحّتهما يلازم المجانيّة فيدخلان في العكس و فيه أن حقيقة البيع تبديل مال بمال و حقيقة الإجارة تمليك المنفعة بالعوض و بمجرّد إنشاء البيع و الإجارة مع عدم جعل العوض لهما لا يكون بيعا و لا إجارة فلا بدّ من فرض كونهما فاسدين من اختلال غير ما هو داخل في حقيقتهما

و أمّا مدرك الثّالث فهو وقوع عناوين العقود بالألفاظ المجازية فيدخل قوله بعتك بلا ثمن في الهبة الصحيحة و قوله آجرتك بلا أجرة إمّا في العارية إذا كان العين الّتي تعلّق بها الإجارة من الأموال و إمّا في التبرع في الأعمال و فيه أنّه لو سلّمنا صحّة إنشاء العناوين بالمجازات فلا نسلّم صحّته بأمثال هذه الألفاظ التي تناقض القرينة فيها صريحا مع ذي القرينة و إلّا لم يتحقّق مصداق للعقد الفاسد رأسا إذ كلّ ما فرض فيه الفساد إمّا من جهة عدم ذكر العوض أو اشتراط ما يخالف السّنة أو نحو ذلك من الشّروط الفاسدة لأمكن إدراجه في عقد صحيح آخر و لذا من جعل عقد النكاح الدّائم مباينا مع المتعة حكم ببطلان عقد التمتّع بإخلال الأجل رأسا

و أمّا مدرك الرّابع فهو أنّ الهبة ليست إلّا التّسليط على العين مجانا و ليست العارية أو التبرع إلّا التّسليط على المال أو إيجاد العمل مجّانا و إنّما حكم بالفساد لعدم إيجاد العنوانين بالصّيغة الخاصّة لهما و فيه أنّه لا يخطر ببال القائل بقوله بعتك بلا ثمن و القائل بقوله آجرتك بلا أجرة عنوان الهبة و العارية و مع عدم قصد هذين العنوانين كيف يحكم بأنّهما هبة أو عارية نعم لو قيل بأن قصد هذين العنوانين لا يعتبر في وقوعهما كذلك بل ليس حقيقة الهبة إلّا التّمليك بلا عوض و العارية إلّا التّسليط على الأموال مجّانا صحّ هذا القول فتأمّل فيه

و أمّا منشأ التّفصيل بين البيع بلا ثمن و إجارة الدار بلا أجرة و بين العمل بلا أجرة أي خروج الأوّلين عن الأصل و العكس و إن دخل في الأصل حكما أي يحكم فيهما بالضّمان و دخول العمل بلا أجرة في التبرّع فظهر وجهه ممّا نقلناه من المحقّق الثّاني و حاصله أن اشتراط عدم العوض إنّما كان في العقد الفاسد الّذي لا أثر لما تضمّنه من التّراضي فإنشاء المجانيّة كالعدم فإذا صار العقد كالعدم لإنشائه ما يناقض البيع و الإجارة و تلف المبيع عند المشتري و استوفى المستأجر منفعة الدار فعليهما الضمان كما هو مقتضى قاعدة اليد

ص: 129

و الإتلاف بلا تحقّق رافع له و أمّا لو كان مورد الإجارة منفعة الأجير فلم يتحقّق يد و هو متبرّع بنفسه العمل و هو المباشر لإتلاف المنفعة فلا يستحقّ شيئا و فيه ما عرفت من أن لغويّة العقد الكذائي و كون وجوده كعدمه بالنّسبة إلى أثره الشّرعي لا يوجب أن يكون كذلك بالنسبة إلى أثره التكويني و هو التّسليط المجاني فكما أنّ المباشر هو المقدم لإتلاف منفعته فكذلك البائع في العين و المؤجر في منفعة الدّار

هذا مضافا إلى أنّ المباشر في إجارة الأموال لم يقدم على العمل إلّا بناء على الوفاء بالمعاملة و لم يقدم عليه ابتداء من دون عقد و لا أمر معاملي فإذا قلنا بالضّمان في إجارة الأموال فلا بدّ من القول به في إجارة الأعمال فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ نظر من قال بالضّمان إمّا إلى دخولهما تحت قاعدة اليد و الإتلاف و خروجهما عن عنوان العقود و إمّا إلى دخولهما في الأصل و قال حيث إنّ صحيح البيع و الإجارة يضمن بهما فيضمن بفاسدهما و من قال بعدمه أدرجهما في العكس فإن صحيح الهبة و العارية و كذلك فاسدهما لا ضمان فيهما

و لكنّك خبير بأنّه يمكن إدراجهما في العكس بما بيّناه و هو أنّ كلّ عقد لا يضمن به على فرض صحّته لا يضمن به مع فساده و شخص هذا البيع و الإجارة لو فرض صحّتهما لا ضمان فيهما فلا ضمان مع فسادهما و لا وجه لما أفاده المصنف من أن المراد من كلّ عقد هو النوع أو الصّنف لأن هذه القضيّة وضعت لبيان أشخاص العقود الّتي يفرض وقوعها في الخارج لا النّوع أو الصّنف و من فصل بين إجارة الأعمال و بين البيع و إجارة الأموال أدخل العمل في التبرّع و أخرجه عن الإجارة و أخرج البيع و إجارة الأموال للمناقضة عن عنوان العقد فيدخل كلّ منها تحت القواعد الكليّة

و مقتضى احترام الأموال أن يكون المتصرّف فيها و المستوفى عنها المنفعة ضامنا و أمّا الحر فحيث لم يدخل تحت اليد فهو متبرّع مع فساد الإجارة و متلف لعمل نفسه فلا يكون المستأجر ضامنا لأن عمل العامل بدون الإجارة و الأمر لا يضمنه غيره الثالث أنّه قد يتوهم نقوض أخر لم يتعرض لها المصنف لخروجها عن عنوان العقود المعاوضيّة منها النكاح الدّائم و المتعة الفاسدين فإنّ الزّوج لا يضمن المهر إذا كان جاهلا بفساد العقد و كانت الزّوجة عالمة به مع أن الصّحيح منهما يوجب الضّمان فيرد النّقض على الأصل و فيه أن مجرى القاعدة في الضّمان المعاوضي إنّما هو بالنّسبة إلى ما دخل تحت اليد لا في الضّمان مطلقا بجعل من المتعاقدين من غير عنوان المعاوضة مع أنّ عدم الضمان لدليل خارجيّ و لكونها بغيّا لا ينافي اقتضاء العقد للضّمان و لذا لو كانت جاهلة بالفساد فله حقّ على الزّوج و منها بيع الغاصب مال الغير فإنّه لا يضمن الثّمن للمشتري إذا تلف عنده عند الأكثر مع أنّ صحيح البيع يوجب الضّمان و فيه أوّلا أن عقد الغاصب ليس بفاسد حتى يدخل في المقبوض بالعقد الفاسد بل يقع موقوفا و ثانيا أنّ العقد لم يقع معه و بعنوان شخصه بل وقع مع مالك المبيع فتعهّد الغاصب بالثّمن ليس تعهدا بعنوان المعاوضة مع شخصه لأنّه تعهّد مال المشتري بمال المالك لا على كون المال في ذمته و من وقع معه العقد حقيقة ضامن للثمن لو أجاز المعاملة فلو تلف الثّمن عند الغاصب و قلنا بأنّه لا يضمن لأنّ المشتري سلّطه عليه مجانا وجب على المشتري ردّ ثمن آخر على المالك و كلّ من المالك و المشتري

ص: 130

يضمنان لما وصل بيدهما و بالجملة من هو طرف المعاوضة فهو ضامن للعوض و من ليس ضامنا لا يكون طرفا

و منها اشتراء الصبي و المجنون و هبتهما و عاريتهما فإن اشتراءهما نقض للأصل و هبتهما و عاريتهما نقض للعكس لأن المبيع لو تلف عندهما لا يضمنان مع أنّ صحيح البيع يوجب الضّمان و كذا يضمن المتّهب و المستعير لما وهبه أو أعاره الصّبي أو المجنون مع أنّ الصحيح من الهبة و العارية لا يوجب الضّمان و فيه أنّ عقدهما كلا عقد و الأفعال القصديّة منهما كالعدم و محلّ الكلام في الصّحيح و الفاسد فيما يضمن و لا يضمن هو العدم و الملكة أي محلّ البحث فيمن كان قبضه معتبرا و إنشاء الصّغير و المجنون و قبضهما كالعدم فإنّهما غير قابلين للتعهّد فعدم ضمانهما للمبيع إنّما هو لضعف مباشرتهما فيسند التّلف إلى السّبب و هو البائع و كذا ضمان المتّهب و المستعير إنّما هو لعدم أهليّتهما للهبة و الإعارة

فتحصّل ممّا ذكرنا كله أمور الأوّل أنّ هذه القاعدة أسّست لموارد تمييز اليد المجّانيّة عن غيرها النّاشئة عن العقود و ما يلحق بها فعلى هذا يخرج مثل السّبق و الرماية و نحوهما ممّا لا يدخل تحت اليد فلا نقض بمثل ذلك و يخرج اليد النّاشئة عن غير العقود و ما يلحق بها الثّاني أن معنى الضّمان هو كون الشي ء في عهدة الضّامن و الخروج من العهدة يختلف باختلاف الموارد ففي الصحيح الجامع بين المسمّى و المثل أو القيمة هو المضمون لأنّه لو تلف أحد العوضين فلو لم ينفسخ العقد فمن تلف المال عنده ضامن للمسمّى و لو فسخ أو انفسخ أو أقيل فضامن للمثل أو القيمة و في الفاسد من أوّل الأمر الضّمان يتعلّق بالمثل أو القيمة ثم إنّ الضّمان كما يتعلّق بنفس العينين فكذا يتعلّق بصفاتهما و أجزائهما و الشّروط المتضمنة معهما الثّالث أنّ مورد الأصل و العكس هو مورد العقد و مصبّه لا ما هو خارج عنه و إنّما حكم بتبعيّته له شرعا أو لتوقّف استيفاء المنفعة عليه و من هذا الأمر ظهر عدم ورود النّقض بالنّسبة إلى المنافع و لا تلف العين المستأجرة و لا تلف الحمل و نحو ذلك من النّقوض المتقدّمة الرّابع أنّ موردهما هو التّسليط على العوض أو المجانيّة الّتي يتضمّنهما نفس العقد و لو بتوسّط الشّرط الّذي هو جزء للإيجاب أو القبول كما لو قال بعتك بشرط أن لا يكون ثمن و وهبتك بشرط العوض و يخرج ما هو شرط خارجيّ و التزام في التزام

و بعبارة أخرى الالتزام الابتدائي هو المدار لا الالتزام الثّانويّ فلا نقض على الأصل بما إذا باع بثمن و شرط في ضمن العقد أنّه لو تلف المبيع عند المشتري فخسرانه على البائع فإنّ نفس العقد لا يتضمّن المجّانيّة و لذا يأخذ الثمن و يستقر ملكه عليه لو لم يتلف المبيع الخامس أنّ المراد من القاعدة بالنّسبة إلى أفراد العقود هو الأفراد الشّخصيّة بالنسبة إلى كلّ نوع لا الأنواع و لا الأصناف لأنّ هذه القاعدة ناظرة إلى ما يقع في الخارج فكلّ ما يقع في الخارج لو فرض صحّته و لا يضمن به فلا يضمن به مع الفساد فمثل بعتك بلا ثمن و نحوه لا ضمان فيه فتأمّل في أطراف ما ذكرناه تجده حريا بالتأمّل فيه لما ظهر من مجموع الكلام أنّ معنى القاعدة ينطبق على مدركها فلا إشكال فيها

[الثّاني من الأمور المتفرّعة على عدم تملّك المقبوض بالعقد الفاسد وجوب رده فورا]

قوله قدّس سرّه الثّاني من الأمور المتفرّعة على عدم تملّك المقبوض بالعقد الفاسد وجوب رده فورا إلى آخره

قد ظهر في صدر المبحث أنّ البحث في المقبوض بالعقد الفاسد تارة يقع في حكمه التّكليفي و أخرى في حكمه الوضعي و ذكرنا أنّه بحسب الحكم

ص: 131

التّكليفي يحرم تصرف القابض في المقبوض و حرمة التصرّف ملازم لوجوب الرد فورا و دعوى أنّ الإمساك ليس تصرّفا ممنوعة فإنّه و إن كان منصرفا عنه بدوا إلّا أنّ الانصراف البدوي لا عبرة به و يصدق عليه التصرّف بعد صدقه على الأخذ فإذا كان الأخذ تصرّفا فبقاء المأخوذ عند الآخذ حكمه حكم نفس الأخذ لأنه باق على ما كان عليه

بل و لو سلّمنا عدم شمول التصرّف في قوله أرواحنا له الفداء في التّوقيع المبارك لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلّا بإذنه للإمساك فلا شبهة في شمول قوله ص لا يحلّ مال امرئ مسلم لأخيه إلّا عن طيب نفسه له فإن تعلق الحلّ و الحرمة بالمال ليس كتعلّقهما بالغنم مثلا مخصوصا بالأكل و نحوه ممّا يناسب الحكم مثل حرمة التّزويج المتعلّقة بالأمهات في قوله عزّ من قائل و حرّمت عليكم أمّهاتكم بل يشمل كلّ ما يعدّ في العرف قلبا و انقلابا كالتصرف فيه و إمساكه تحت يده و أكله و بيعه و أنحاء ذلك و إنّما يخرج مثل النّظر إليه و الوقوف تحت ظلّه إذا لم يعدّا تصرّفا و إلّا يحرم هذا أيضا كالوقوف في ظل الخيمة

و بالجملة أنّ قوله ع لا يحلّ مال امرئ عنوان عام يشمل إمساك المال أيضا و يدلّ عليه أيضا عموم على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي فإنّه و إن لم يكن متعرّضا للحكم التّكليفي بالدلالة المطابقيّة إلّا أنّه متعرّض له بالدلالة الالتزاميّة فإن استقرار الضّمان على عهدة القابض ملازم لوجوب الرد لأنّه لا أثر لاستقرار الضّمان على العهدة إلّا وجوب ردّ العين ما دامت باقية و ردّ المثل أو القيمة لو كانت تالفة فحرمة إمساك مال الغير من غير إذنه و وجوب ردّه إليه فورا بالفوريّة العرفية لا إشكال فيه إنّما الإشكال في مقامنا هذا و هو المقبوض بالعقد الفاسد من جهتين

الأولى توهّم أنّ الإذن المالكيّ الّذي يتضمّنه المعاملة كاف في رفع الحرمة و لكنّه ظهر جوابه سابقا و هو أنّ الإذن الّذي يرفع حرمة التصرّف هو الإذن بتصرّف القابض في ملك الآذن و التّسليط الّذي يقع من المالك إنما هو من باب الوفاء بالمعاملة نعم لو أغمض المالك عن المعاملة و أذن بالتصرّف فهو يرفع الضمان و الحرمة و لكن المفروض عدمه ثم لا فرق في حرمة التصرّف بين علم الدّافع بالفساد و جهله به لأنّ علمه بالفساد لا ينافي البناء على المعاملة تشريعا كما نرى حصوله من السارق و الغاصب و المقامر و ليس الإذن من حيث البناء على المعاملة حيثيّة تعليليّة و من الدّواعي الّتي لا يوجب تخلّفها تخلف أصل الإذن لأنّ عناوين العقود مختلفة و البيع الفاسد مغاير للعارية أو الوديعة فما بنى عليه العاقد هو البيع و لو مع علمه بالفساد لا الوديعة و إلّا لم يكن وجه لضمانه

الثّانية توهّم أنّ حرمة التصرّف فيما يضمن بصحيحه يضمن لا يلازم حرمته فيما لا يضمن بصحيحه كالهبة أو العارية الفاسدة فإنّه كما لا ضمان فكذلك لا حرمة أيضا فإنّ رافع الضّمان هو الرّافع للحرمة لأن تسليط المالك مجّانا لو رفع الضّمان فكذلك يرفع الحرمة و التّفكيك بينهما لا وجه له و فيه ما لا يخفى من عدم الملازمة بينهما فإنّ عدم الضمان لو كان من جهة تأثير الهبة الفاسدة الملكيّة للمتّهب لكان ملازما مع حليّة تصرّفه و أمّا لو كان من جهة التّسليط المجّاني الّذي لا أثر له إلّا أنّ العين لو تلفت بلا تعدّ و تفريط لا يضمنهما المتّهب فلا يوجب جواز التصرّف

و بعبارة أخرى مع فرض بقاء العين في ملك الواهب يدخل إمساك

ص: 132

المتّهب في تصرف مال الغير الّذي يحرم بمقتضى التّوقيع الشّريف و لا يحلّ و عموم على اليد نعم بناء على خروج اليد الّتي نشأت من تسليط المالك مجانا عن العموم بالتخصص فلا يمكن التمسّك به لحرمة تصرّف المتّهب أو المستعير في المال الموهوب و المستعار بالهبة أو العارية الفاسدة و لكن الظّاهر شمول قوله ص ما أخذت لكل أخذ حقّا كان أو لا فإنّا و إن استظهرنا منه أنّ الأخذ منصرف إلى الأخذ القهري إلّا أن الإنصاف أنّه انصراف بدويّ فإذا عمّ لكل أخذ فعدم كونه مقتضيا للضّمان في مورد التّسليط المجّاني لا ينافي في بقاء حرمته تحت العموم و هذا لا ينافي ما تقدم منّا من الملازمة بين الحرمة و الضّمان فإنّ الاستكشاف في مقام الإثبات لا يوجب التّلازم في مقام الثبوت فيمكن أن يكون التصرّف حراما و لا يكون التّلف موجبا للضمان

و على أيّ حال يكفي للحرمة قوله ع لا يجوز لأحد أن يتصرف و قوله ص لا يحلّ مال امرئ لأنّه مع بقاء العين الموهوبة في ملك الواهب و عدم تأثير الهبة الفاسدة في تملّك المتّهب يجب ردّها إلى الواهب و بالجملة لا إشكال في حرمة تصرف ما قبض بالعقد الفاسد و وجوب ردّه إلى مالكه فورا إنّما الكلام في أنه مئونة الرد على القابض مطلقا أو على المالك كذلك أو فيه تفصيل وجوه و الأقوى هو الأخير و حاصله أنّه لو كانت المئونة بمقدار ما يقتضيه طبعا ردّ مال الغير فهو على القابض و لو لم يكن كذلك بأن كانت زائدة عليه فلا يجب عليه و ذلك لأنّ الحكم المجعول إذا اقتضى في طبعه مقدارا من الضّرر فهو مخصّص لقاعدة الضّرر و لا أقل من عدم حكومتها عليه

نعم لو احتاج الرد إلى المئونة الزّائدة على المتعارف بحيث صار وجوبه بدون جبرانه من المالك إجحافا على القابض فأدلّة لا ضرر حاكمة عليه ثم لا فرق في وجوب الرد إذا كان متوقّفا على المئونة المتعارفة بين نقل القابض المال عن مكانه إلى بلد آخر أو لا مع وجود المالك في بلد القبض و أمّا إذا كان المقبوض في بلد القبض و انتقل المالك إلى مكان آخر فلا يجب نقله إليه بل يردّه إلى وكيله أو الحاكم لعدم دليل على لزوم الدفع إلى شخص المالك في هذه الصورة و يشكل الأمر لو نقله القابض من بلد القبض إلى بلد آخر و انتقل المالك أيضا إلى بلد ثالث فيحتمل أن لا يكون الرد إلى بلد القبض أو البلد الّذي انتقل إليه المالك واجبا إلّا إذا كان في بلد القبض خصوصيّة بأن يكون قيمته أغلى أو راغبه أزيد أو نحو ذلك

و على أيّ حال الرد إلى البلد الّذي انتقل إليه المالك لا دليل عليه إلّا إذا نقله القابض أيضا إلى هذا البلد فإنه مع مطالبته يجب دفعه إليه لأنّ ماله موجود و يستحقّ المطالبة فيجب ردّه إليه

[الثالث في المنافع المستوفاة]

قوله قدّس سرّه الثالث أنّه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الرد كان عليه عوضها إلى آخره

و يدلّ عليه مضافا إلى عموم على اليد القواعد الكليّة المستفادة من الشرع من قاعدة الإتلاف و حرمة التصرّف في مال الغير الّتي تستلزم ضمانها في المقام و منع شمول المال للمنفعة لا وجه له فإنّه أعمّ من الأعيان و المنافع لأنّه عبارة عن أمر اعتباري عقلائي يبذل بإزائه المال و الظّاهر أنّه لم يخالف أحد في المسألة إلّا ابن حمزة في الوسيلة و مستنده النبوي الخراج بالضّمان و قد تقدّم أنّ مفاده بمناسبة الحكم و الموضوع هو الضّمان الجعلي الفعليّ الأصلي الممضى من الشّارع فالقابض في المقام و إن تعهّد المبيع مثلا و تقبّل

ص: 133

ضمانه بإزاء إخراجه إلّا أنّ هذا التعهّد كالعدم شرعا فليس منافع المبيع له

و بالجملة كما أنّ النبويّ لا يشمل الضّمان القهري الّذي حكم الشّارع به من دون تعهّد من الضّامن كما في ضمان المغصوب إمّا لما استظهرناه منه من مناسبة الحكم و الموضوع و إمّا للتّخصيص كما يدلّ عليه صحيحة أبي ولاد الآتية فكذلك لا يشمل الضّمان الجعلي الّذي لم يمضه الشّارع كما في المقبوض بالعقد الفاسد لأنّ الشّارع إذا ألغى هذا التعهّد من الضّامن فوجوده كعدمه فإنّ الألفاظ و إن لم توضع للمعاني الصّحيحة إلّا أنّها لما كانت للمعاني الواقعيّة فلا تشمل ما كان وجوده كعدمه فإنّ الشّارع إذا أخرج هذا الفرد من الضّمان من المفهوم النّفس الأمري و خطّأ العرف في تطبيق المفهوم على هذا المصداق فلا وجه لأن يكون المنافع بإزاء الضّمان فلا بدّ من أن يرجع بالأخرة إلى قاعدة اليد و الحكم بأنّ منافع العين المغصوبة للغاصب كما أفتى به أبو حنيفة فابن حمزة قدّس سرّه في النّتيجة موافق له فإذا فسد هذان الاحتمالان و هو تملّك الخراج في الغصب و المقبوض بالعقد الفاسد انحصر في التعهّد المصدري الّذي أمضاه الشّارع

و هذا أيضا يحتمل وجهين الأوّل أن يكون كلّ من تعهّد لشي ء مالكا لمنافعه و خواصّه أي مالكا لما يستخرج منه مع بقائه كمنافع الدّار و نحوها و مالكا لما يستخرج منه مع تلفه كخواصّ العقاقير و نحو ذلك و مقتضى ذلك أن يكون منافع المبيع للبائع لو اشترط ضمانه عليه بعد قبض المشتري و كذا لو أعاده بشرط الضّمان يكون منافعه ملكا للمستعير و كذا في عارية الذّهب و الفضّة

و الثّاني أن يكون منشأ ضمان العين و الدّاعي عليه هو تملّك المنافع فينحصر في باب البيع و نحوه و إذا احتمل كلّ منهما تسقط الرّواية عن الاستدلال بها فلا تكون دليلا لتملّك البائع منافع المبيع و تملك المستعير منفعة العين المعارة في مورد شرط الضّمان بل ظاهرها هو المعنى الأخير بقرينة الباء الظّاهرة إمّا في السببيّة أو المقابلة و مقتضاهما أن تكون السببيّة و المقابلة من الطّرفين أي تملّك المنافع صار داعيا للضّمان و الضّمان صار سببا لكون المنافع له كما في كلّ علّة غائيّة فإنّها داعية لإيجاد الفعل و الفعل سبب لترتّبها عليه خارجا

و بالجملة قوله ص الخراج بالضّمان ظاهر في أنّ التّضمين كما صار سببا لأن يكون الخراج له فكذلك لحاظ الخراج صار سببا و داعيا لأن يتعهّد المال و هذا يختصّ بضمان المشتري المبيع فإنّ المقصود الأصلي من ضمان المبيع و جعل الثّمن بإزائه هو أن ينتفع به بل مناط مالية الأموال إنما هو لمنافعها و خواصّها و ممّا ذكرنا من أنّ الفرض الأصلي إنّما هو استفادة المنفعة و الخاصية يظهر أن العارية المضمونة و شرط ضمان المبيع على البائع و نحوهما خارج عن قوله ص الخراج بالضّمان

أمّا العارية فلأنّ الضّمان ليس بإزاء المنفعة و لا الانتفاع فإنّ المعير لا يضمن المستعير في مقابل المنفعة و الانتفاع بل ينتفع المستعير مجانا و إنّما يضمنه خوفا من تلفه و ليس المستعير ضامنا على كلّ تقدير و لذا لو لم يتلف لا ضمان عليه و هكذا في ضمان البائع المبيع إذا تلف عند المشتري

و قاعدة الخراج بالضمان ظاهرها أنّ الضّمان فعليّ و هو يناسب باب البيع فإنّ المشتري ضامن للمبيع و البائع ضامن للثّمن فلهما منافعهما على ما هو المرتكز من أنّ من عليه الغرم فله الغنم و هذا المعنى يستفاد أيضا من قوله ع أ لا ترى أنّه لو احترقت كانت من مال المشتري

ص: 134

في جواب من سأل عن منفعة المبيع في زمان خيار المشتري أي كون المنافع له إنّما هو بإزاء تلف المبيع في ملكه فإذا التزم بكون المبيع تالفا في ملكه ناسب أن يكون هذا الالتزام بإزاء ما قصده من تملّك المنافع

و يدلّ عليه أيضا ما ورد في الرهن فعن إسحاق بن عمّار قلت لأبي إبراهيم عن الرّجل يرهن الغلام أو الدّار فتصيبه الآفة على من يكون قال ع على مولاه ثم قال أ رأيت لو قتل قتيلا على من يكون قلت هو في عنق العبد قال ع أ لا ترى فلم يذهب مال هذا ثم قال ع أ رأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد و بلغ مائتي دينار لمن كان يكون قلت لمولاه قال ع كذلك يكون عليه ما يكون له

و بالجملة استفادة أن من عليه الغرم فله الغنم من عدة من الأخبار لا إشكال فيه و لكن بعد ما أفاده عليه السّلام في صحيحة أبي ولاد ردا على أبي حنيفة أنّه ليس كلّ ضامن عين مالكا لمنفعتها فلا بدّ من تخصيص ما يستفاد منه العموم بمورد الضّمان المصدريّ الّذي أمضاه الشّارع بل بالقرينة الارتكازيّة و مناسبة الحكم مع الموضوع يستفاد اختصاص قوله ص الخراج بالضّمان بضمان المبيع و الثّمن على المشتري و البائع فلا عموم له من أوّل الأمر

و على أي حال ما أفاده ابن حمزة لا دليل عليه فالأقوى هو الضمان القاعدة الإتلاف و اليد و قوله ص لا يحلّ و قوله ع لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلّا بإذنه

قوله قدّس سرّه و أمّا المنفعة الفائتة بغير استيفاء فالمشهور فيها أيضا الضّمان إلى آخره

لا يخفى أنّ المصنف قدّس سرّه في ذيل هذا العنوان تارة حكم بالضّمان و أخرى بعدمه لا سيما مع علم الدافع بالفساد و ثالثة توقّف في حكم المسألة و رابعة قوى الضمان تبعا للعلّامة حيث اختاره في التذكرة ناسبا له إلى علمائنا أجمع و السرائر لدعواه الاتّفاق عليه

فأورد عليه السيد الطّباطبائي قدّس سرّه في الحاشية بأنّه لو فرضنا عدم تماميّة الأدلّة الدالّة على الضّمان فلا وجه للقول به اعتمادا على هذين الإجماعين المنقولين و لكنّه لا يخفى أنّ اختياره الضّمان أخيرا ليس لاعتماده على الإجماع المنقول مع أنّه قدّس سرّه منكر لحجيته في الأصول بل اعتمد على نقل الإجماع من جهة كشف اتّفاق الأعلام على شمول قاعدة اليد و الاحترام للمنافع و كيف كان الكلام في المنفعة الفائتة تحت اليد يقع في مقامين الأوّل في إثبات مقتضي الضّمان و عدمه و الثّاني في تحقّق رافعه و عدمه

أمّا ثبوت المقتضي فيكفي له عموم على اليد ما أخذت و المنع عن صدق الأخذ بالنّسبة إلى المنافع لا وجه له لأن أخذها هو قبضها و قبضه يتحقّق بقبض العين فهي مأخوذة بتبع أخذ العين و ليس الأخذ بمعنى القبض باليد بل بمعنى الاستيلاء و التّفكيك بين الأخذ و القبض لا وجه له نعم قد يكفي التخلية في القبض و لكن لا بمعنى أنّها قبض حقيقة بل بمعنى أنّها هو حكما و على فرض كونها قبضا فهي أخذ أيضا

و أمّا الرافع فتارة يتكلّم مطلقا و أخرى في مورد العلم بالفساد أمّا تحقّقه مطلقا فمدركه ما لا يضمن بصحيحه و فيه أنّ القاعدة أصلا و عكسا تجري في مصبّ العقد و المنافع خارجة عنه فيرجع فيها إلى القواعد الأخرى و كونها تابعة لملك العين إنّما هو لحكم شرعيّ تابع لصحة العقد لا ممّا أقدم عليه العاقد بالمجانيّة و إلّا لاقتضى عدم الضّمان في مورد الاستيفاء أيضا لأنّ التّسليط المجاني كما يرفع الضّمان الناشي عن اليد كذلك يرفع الضّمان النّاشي عن الإتلاف

و أمّا تحقّقه في مورد العلم بالفساد فتقريبه أنّ البائع حيث يعلم بفساد البيع فهو المقدم على استيلاء المشتري على المنافع مجانا و فيه أوّلا أنّه يلزم عدم الضّمان في المستوفاة أيضا و ثانيا قد تقدّم

ص: 135

أنّ العلم بالفساد لا ينافي البناء على الصّحة تشريعا و التّسليط الرافع للضّمان هو التّسليط على مال نفس الآذن لا التّسليم وفاء بالمعاملة و ثالثا أنّه لا نظر للمسلّط في المقام إلى المنافع لأنّه لو كان متعلّق العقد هو المنفعة بحيث كان الاستيلاء على العين من قبل المالك مقدّميا لكان للبحث عن أنّه سلّطه على المنافع مجّانا مجال فإنّ التّسليط على المنافع لو كان على وجه التعويض فهو إجارة و لو كان على وجه المجّانيّة فهو عارية

و أمّا لو كان العين ملحوظا استقلاليّا لا مقدّميّا كما في محلّ البحث فلا مجال للبحث في تحقّق الضّمان و عدمه لأنّه لو تحقّق التّضمين فهو بيع و إلّا فهبة فالتسليط على المنافع لا موضوع له في المقام حتى يبحث عن أنّه مع العوض أو مجّاني فالحقّ هو الضّمان مطلقا

و على أيّ حال لا ينبغي عدّ الأقوال في المسألة خمسة فإنّ التوقف في الحكم مطلقا أو مع العلم بالفساد ليس قولا

[الرابع إذا تلف المبيع فإن كان مثليا وجب مثله]

قوله قدّس سرّه الرابع إذا تلف المبيع فإن كان مثليا وجب مثله إلى آخره

لا إشكال في أنّ جميع ما يتعلق به الضّمان الّذي منه المقبوض بالعقد الفاسد إذا تلف فإن كان مثليا وجب على الضّامن مثله و إن كان قيميّا يجب عليه قيمته إلّا في المضمون بالعقد الصّحيح فإن ضمانه بالمسمّى على تفصيل تقدم إنّما الإشكال في أن دليل الضّمان بالمثل في المثلي و القيمة في القيميّ هل هو الإجماع أو أدلة نفس الضّمانات من قاعدة اليد و غيرها أو الآية الشريفة و هي قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ

فنقول أمّا الإجماع فالظّاهر أنّ مدرك المجمعين هو أدلّة الضمانات و لا يكشف عن قول المعصوم و لا عن دليل معتبر سواها مع أنّه لمن ينعقد على مفهوم مبيّن حتى يكون النّزاع في مقام الشكّ في أنّ الضّمان بالمثل أو القيمة في الصّغرى و في تطبيق المفهوم المبيّن على المشكوك بل انعقد على مفهوم مجمل و أمّا الآية الشريفة فاستفادة المعتدى به منها في غاية الإشكال فإنّ الظّاهر كونها ناظرة إلى اعتبار المماثلة في مقدار الاعتداء فالعمدة نفس أدلّة الضّمانات و هي إن لم تكن متكفّلة بالدلالة المطابقية لكيفيّة الضّمان إلّا أنّها تدلّ عليها بدلالة الالتزام فإنّ ظاهر قوله ص على اليد ما أخذت حتى تؤدّي بعد استفادة الضّمان منه لو تلف المأخوذ أن أداء المأخوذ إنّما هو بما يعدّ أداء له عرفا و عادة و لا شبهة أنّ المرتكز في الأذهان أنّ أداء المثلي بالمثل و القيمي بالقيمة فإنّ الضّامن لو أدّاهما فكأنه لم يتلف من المضمون له شيئا من أمواله و يصدق أنّه هو الّذي أخذ منه

و بالجملة مقتضى النّبوي أنّ كلّ ما أدخل تحت اليد يجب على الضّامن من ردّه فما دام العين موجودة تدخل بخصوصيّاتها النوعيّة و الشخصيّة و الماليّة تحت الضّمان و إذا تلفت لا بدّ من ردّ عوضها و يعتبر في وجوب ردّ عوضها شروط ثلاثة الأوّل أن يكون التالف مما يتموّل عرفا و شرعا فمثل الخنفساء و الخمر و إن وجب ردّهما حين بقائهما لجهة حق الاختصاص الثّابت لمن أخذ منه إلّا أنّه بعد تلفهما لا يتعلّق بهما ضمان الثّاني أن يتعلّق الضّمان بما يمكن عقلا و عادة الخروج عن عهدته أي في مقام الأداء لا بدّ أن يكون ما يؤدّيه تحت قدرة الضّامن عقلا و عادة فالخصوصيّة العينيّة ساقطة حين الأداء و هكذا الخصوصيّة النّوعيّة إذا لم تكن مبذولة فلو لم يجد مثل التّالف إلّا عند من لا يبيعه إلّا بثمن كثير في العادة أو عنده من يحتاج الشراء منه إلى مصرف كثير فلا يجب ردّه

الثّالث أن يكون البدل هو المبدل عرفا و عادة بحيث يقال بعد أدائه أنّ التالف كأن لم يتلف و على هذا

ص: 136

ففي المثلي المثل هو المتعيّن و في القيميّ القيمة لأنّ بردهما كان لم يتلف من المضمون له شيئا و أمّا كون المدار على الأقرب إلى التالف فلا وجه له لأنّه مضافا إلى عدم ميزان مضبوطة له لا دليل على اعتباره إلّا أن يكون المقصود كون المثل أقرب إلى التّالف مطلقا حتّى في القيمي

و على أيّ حال مقتضى الشّرط الثّاني الخصوصيّة العينيّة لا يمكن أن تدخل تحت ضمان الضّامن و إلّا يقتضي تلفها سقوط الضّمان فإذا لم تكن بخصوصيتها تحت عهدة الضامن إلّا عند وجودها فلا محالة متعلّق الضّمان هو ما يعد أنه هو و هو في المثلي المثل و في القيمي القيمة إلّا على ما سيجي ء من أنّ الأصل هو الضّمان بالمثل مطلقا إلّا إذا قام الإجماع على كونه بالقيمة فتدبّر جيّدا

ثم لا يخفى أنّ التعاريف المذكورة للمثلي و القيمي كلّها تقريبيّة و لم نظفر على تعريف جامع مانع كما يظهر بالتأمّل فيها و الأجود منها ما يستفاد من تعريف المصنف قدّس سرّه بأنّ المثلي ما لا يتفاوت أفراد نوعه أو صنفه و لا يتميّز كل فرد منه من الآخر بحيث لو امتزج الفردان منه كمنين من الحنطة الخاصّة الكذائية من مالكين حصل الشركة القهرية بل لا يبعد أن يقال كلّ ما صحّ السلم فيه فهو مثلي و القيمي ما يتفاوت صنفا و لا يشترك فرد مع فرد آخر في جميع الصّفات و لا يصحّ السّلم فيه بحيث يتضمن المسلم فيه ثم المتيقّن من المثلي بحيث لم يكن للضّامن إلزام المالك بالقيمة ما كان له قيود أربعة

الأوّل أن يكون تساوي الصّفات و الآثار بحسب الخلقة الإلهيّة كالحبوبات و أمّا ما كان متساويا بحسب الصّناعة البشريّة فهو محلّ خلاف فبعضهم عدّ المسكوكات قيميّا و لعلّ وجهه أنّ المادة و الهيئة وجدتا بوجود واحد في المماثل بحسب الخلقة الإلهيّة و كلاهما ملك لشخص واحد بخلاف المماثل في الصّنيع بالمكائن فإنّ المسكوكات و كذلك الأقمشة المصنوعة في هذه الأزمنة و إن لم يكن تفاوت بين أفرادها أصلا إلّا أنّه يمكن أن يكون مادّته من شخص و صوغه أو نسجه من آخر فإذا تلف جنكل الزّهور أو اللّيرة فرد طاقة جنكل أخرى أو ليرة أخرى لا وجه له لأنّ القطن أو الذّهب من شخص و النّسج أو الصّوغ من آخر و هذا و إن لم يكن وجها لكون اللّيرة و نحوها قيميّا لأن على الضّامن ردّ ليرة أخرى و تصير بين مالك المادة و الهيئة شركة كما كانت بينهما بالنسبة إلى التّالف إلّا أنّه على أي حال ليس المتساوي في الصّفات بحسب الجعل الخلقي و الصّنع العرضيّ مثليا على جميع الأقوال فالمتيقّن هو المتساوي بحسب الخلقة الأصليّة بل مقتضى ما سيجي ء في تعذّر المثل من أنّ صفة المثليّة لا تسقط بالإسقاط أن يكون المثلي بالصّنع و العمل قيميا لأنّه لا إشكال في أنّ العمل الّذي به صار الشّي ء مثليا قابل للإسقاط فيكشف ذلك عن أنّ مثل هذه الأشياء مركّبة من أمرين المادّة و العمل و نفس المادة يمكن أن تكون مثليّة أو قيميّة و العمل يمكن أن يكون من صاحب المادّة و أن يكون من غيره سواء كان هو القابض أم غيره فإذا اشترك القابض و المقبوض منه في اللّيرة مثلا قبل العقد و القبض ثم قبضت بالعقد الفاسد فلا محالة يلاحظ ضمان ما أخذه الضّامن و لا معنى لتعلّق الضّمان بالمثل مطلقا

الثاني أن لا يتغيّر بالبقاء أو بتأثير من الهواء كالخضرويّات و الفواكه و كلّ ما يفسد من يومه فإنّه أيضا محلّ خلاف في كونه مثليا أو قيميّا فقد حكي عن الشّيخ في المبسوط كون الرطب و العنب قيميّا و حكى المصنف عن بعض من قارب عصره أنّهما مثليّان فالمتيقّن من المثلي بحيث لا يكون فيه اختلاف غير هذا

ص: 137

الثّالث أن يكون مماثله كثيرا مبذولا لما ظهر أن ما لا يمكن ردّه عادة لا يمكن أن يستقرّ في عهدة الضّامن فمجرّد صدق المثلي عليه لغة لا يوجب أن يكون الضّامن ضامنا لمثله الرّابع أن يكون تماثل الصّفات موجبا لتماثل القيمة و تقاربها و أمّا لو كان شي ء مماثلا لشي ء آخر في جميع الصّفات و الآثار و لكنّهما متفاوتان في القيمة جدّا فهذا ليس مثلا لذاك

و على هذا فالمتيقّن من المثلي الحبوبات و لكنّه لا بحسب الجنس و النّوع بل بحسب الصّنف كما أنّ المتيقّن من القيمي الحيوانات و ما قيل أنّ الجواري و العبيد يمكن أن تكونا مثليّة لا وجه له لأنّه على فرض أن تكون جارية متقارب الصّفة مع جارية أخرى إلّا أنّ المدار في المثلي على التّساوي في الصّفة لا التّقارب مع أنّ مقتضى الحكمة الإلهيّة أن لا يكون حيوان مماثلا لحيوان و لا متقاربا معه بحيث يعدّ أنه هو لما يلزم فيه من المحاذير الكثيرة كما لا يخفى كما أنّ عدّ أصول المعادن من المثلي لا وجه له فإنّ الحديد و النّحاس و نحوهما و إن كانت مثليّة ظاهرا إلّا أنّ التّفاوت بين أصنافها في اللّبن و الخشونة و نحوهما يلحقه بالقيمي ثم إنّه لو شكّ في كون الشي ء مثليّا أو قيميا فهل الأصل هو الضّمان بالمثل أو القيمة أو تخيير الضّامن لأصالة براءة ذمّته عمّا زاد على ما يختاره أو تخيير المالك لأصالة اشتغال ذمّة الضّامن أو الرّجوع إلى القرعة أو الصّلح القهريّ وجوه مبنيّة على دلالة على اليد على كيفيّة الضّمان أو أنّ المقام من دوران الأمر بين المتباينين أو الأقل و الأكثر

ثم على الأخير هل الدّوران بينهما في مقام الاشتغال و أصل ثبوت التّكليف حتى يكون المرجع هو البراءة أو مقام الخروج عن العهدة حتّى يكون المرجع هو الاحتياط قد يقال إنّ قوله ص على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي يدلّ على الضمان بالمثل مطلقا خرج منه ما كان قيميّا إجماعا و بقي الباقي فإنّ الظّاهر أنّ ما يستقرّ في الذّمة بمقتضى الظّرف المستقرّ هو نفس المأخوذ بجميع خصوصيّاته العينيّة و النّوعية و الماليّة فإذا تلف و لم يمكن أداء نفسه بنفسه بقيت خصوصيّة النّوعيّة و الماليّة

و قد يقال بحذف المضاف و التّقدير على اليد خسارة ما أخذت و دركه و غرامته لأنّه لا وجه لتعلّق الضّمان بنفس العين فإنّها ما دامت موجودة لا يتعلّق بها إلّا الحكم التّكليفي و هو وجوب ردّها فالحكم الوضعي و هو استقرارها على العهدة إنّما هو عند تلفها فمعنى على اليد أنّه لو تلف المأخوذ فخسارته على الآخذ و هو لا يقتضي إلّا قيمة الشي ء بل لو لم نقل بحذف المضاف أيضا نقول بأنّه لا وجه لدخول الصّفات النّوعيّة و الصّنفية تحت الضّمان حتى يقتضي كون الأصل في المضمون هو المثليّة لأنّ الصّفة لو لم توجب تفاوتا في الماليّة فهي تابعة للعين و مجرّد اقتضائه تفاوت و الرّغبات لا أثر لها فإذا كانت تابعة للعين فكما تسقط شخصي العين عن الذمّة بتلفها فكذا صفاتها النّوعيّة الغير الموجبة للتّفاوت في المالية

و بالجملة لا يستقرّ على العهدة إلّا ضمان ما يوجب تفاوت القيمة و المثل ليس قيمة مساويا لقيمة التالف عند التّلف دائما أو غالبا حتى يتعلّق بالذمّة و كونه أقرب إلى التّالف لا كبرى له لأنّه لا عبرة بالأقربيّة و لكن الحقّ أنّ قاعدة اليد غير متعرّضة لبيان أنّ المضمون هو المثل مطلقا إلّا ما خرج بالإجماع و لا أنّه هو القيمة لأنّه يمكن استفادة المثليّة و القيميّة كليهما على كلّ من صورتي تقدير المضاف و عدمه فإنّه لو قيل إنّ التقدير هو خسارة ما أخذت على اليد أمكن أن يقال إنّ الخسارة التي هي بمعنى الغرامة و الدّرك هي في كلّ شي ء بحسبه ففي القيمي هو القيمة و في المثلي هو المثل و لو قيل إن نفس

ص: 138

ما أخذت على العهدة أمكن أن يقال إنّ هذا المعنى لا يقتضي أن يكون الأصل هو المثل و هو في الذمّة لأنّه ليس استقرار المأخوذ في العهدة إلّا عبارة عن استقرار شخص العين و أما صفاتها الموجودة فيها و كذلك ماليتها فليست في عرض شخص العين ممّا يتعلّق به الضّمان بحيث إذا تلفت العينيّة بقت الصّفة و الماليّة و بالجملة لا تدلّ قاعدة اليد إلّا على لزوم أداء المأخوذ وضعا و تكليفا و إذا تلف فكلّ ما صدق أنه أداء له هو الّذي يتعلّق به الضّمان و هو يختلف باختلاف المثلي و القيمي ففي مورد الشكّ في كون الشّي ء مثليّا و قيميّا فالأصل اللّفظي لم يقم على كون الشي ء مثليا إلّا ما خرج و لا على كونه قيميا إلّا ما خرج فلا بدّ من الرّجوع إلى الأصول العمليّة و لا شبهة أنّه لو قلنا بأنّ القيميّ و المثلي من المتباينين فالأصل هو تخيير الضّامن لأنّه يعلم إجمالا باشتغال ذمّته بواحد من المثل أو القيمة

و بعد ما قام الإجماع على عدم وجوب الموافقة القطعيّة في الماليات انتهى الأمر إلى الموافقة الاحتماليّة و هي تحصل بأداء كلّ ما أراد و اشتغال ذمّته بإحدى الخصوصيّتين الّتي اختارها المالك غير معلوم فالأصل هو البراءة و لو قلنا بأنّهما من الأقلّ و الأكثر بتقريب أنّ القيمة ليست لها خصوصيّة وجوديّة مثل المثلي بل هي عبارة عن الماليّة المشتركة بين كون العين مثليّة و قيميّة فالمقام من دوران الأمر بين الأقلّ و الأكثر في مقام الاشتغال و أصل تعلّق الخصوصيّة في الذمّة و المرجع هو البراءة فعلى كلا التّقديرين التّخيير للضّامن

هذا بناء على ما ذهب إليه المشهور من أن مقتضى الضّمان المستفاد من الآية الشّريفة فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ و مقتضى قوله ص على اليد ما أخذت هو المثليّة في المثلي و القيميّة في القيمي و هكذا مقتضى الإجماع المدعى في المقام

و لو منعنا عن ذلك و قلنا إنّ مقتضى الآية و النبوي هو اعتبار المماثلة في جميع الخصوصيّات و الأقرب إلى التّالف هو المثل مطلقا و الإجماع على ضمان القيمي بالقيمة على تقدير تحقّقه لا يجدي بالنّسبة إلى ما لم يجمعوا على كونه قيميّا لأنّ المقام من دوران المخصّص المنفصل بين الأقل و الأكثر فالمرجع عند الشكّ هو عموم العام كما سلك هذا المسلك المصنف قدّس سرّه أو قلنا بأنّ الآية و النّبويّ مجملان و لكن مقتضى الاستصحاب هو تعلّق الخصوصيّة الصنفيّة و نشكّ في مقام الفراغ بكفاية القيمة فالأصل هو تخيير المالك مطلقا قلنا بأنّ القيمي و المثلي متباينان كما هو الحقّ فإنّ النّسبة بينهما نسبة الدّراهم و الدّينار مع العروض أو قلنا بأنّهما من قبيل الأقل و الأكثر

و توضيح ذلك في ضمن أمور الأوّل أنّ المشهور جواز المصالحة على التّالف و لو كان قيميّا بأيّ مقدار من الذهب و الفضّة و لو كان مجرّد تلف القيمي موجبا لانتقاله إلى القيمة للزم الرّبا فيما إذا كان الذّهب أزيد أو أقلّ وزنا من القيمة الثّاني عدم اعتبار تعلّق الضّمان بما يمكن أن يخرج عن عهدته عادة بل يمكن أن يتعلّق في الذمة ما لا يمكن أداؤه فعلا غاية الأمر أنه يسقط الخطاب التكليفيّ بوجوب الأداء و أمّا الوضعيّ فيمكن أن يكون في الذمّة ما لا يقدر على أدائه كما في المثلي المتعذّر أداؤه و كما في العين إذا غصبت أو أغرقت فإنّ وجوب ردّ المثل و العين في الصّورتين ساقط لأنّ الخطاب بغير المقدور قبيح و أمّا بقاؤهما في ذمّة الضّامن فلا مانع منه

و بعبارة واضحة مقتضى على اليد ما أخذت حتى تؤدّي أن يستقرّ في عهدة الضّامن نفس العين ما دامت موجودة فإنّ أداءها بأداء

ص: 139

الخصوصيّة العينيّة و أمّا إذا تلفت فلا يمكن أن يكون شخص العين في العهدة لا وضعا و لا تكليفا أمّا تكليفا فواضح و أما وضعا فلأن الذمّة و إن كانت وسيعة إلّا أن ما يدخل فيها هو الكليّات دون الأشخاص فإنّ الاعتبار العرفي لا يساعد على دخول ما يستحيل أداؤه أبدا في الذمّة بل مقتضى كون شخص العين بشخصيّتها في الذمّة سقوط الضّمان فلا محالة عند التّلف ليس خصوص العين في الذمّة إلّا أن سقوط شخصيّة العين لا يقتضي أن يكون الماليّة المتقدّرة بقيمة خاصّة في الذمّة بل يمكن أن يكون غير شخص العين من سائر الصّفات في ذمّة الضّامن و مجرّد عدم وجودها هذه الصّفات فعلا و لا يقتضي سقوطها و الانتقال إلى القيمة غاية الأمر حين مطالبة المالك تقوم الخصوصيّة أيضا و في مقام الوفاء يؤدي إمّا من الجنس أو من غير الجنس بل لو لم نقل بأنّ شخص الجارية الّتي تلفت مثلا عند القابض في ذمّته إلّا أنّ تقديرها بمجرّد التّلف بالقيمة لا وجه له بل تبقى في ذمّته غير متقدّرة بمقدار من القيمة

و بعبارة أخرى تتعلّق بالذمّة ماليّة المال غير متقدّرة بالقيمة و ماليّة الشّي ء الّتي يبذل بإزائها المال هي في الجارية عبارة عمّا يخدم المالك و في الحنطة عبارة عما يشبعه و في الثّوب عمّا يستره و نحو ذلك و هي قابلة لأن يتعلّق بها الضّمان و تكون هي في الذمّة نعم لو طالب المالك يقوّم بقيمة يوم المطالبة و تدفع بدلا عمّا في الذمة

الثّالث أنّ قوله ص على اليد ما أخذت حتى تؤدّي و إن كان يقتضي استقرار المثل في الذمّة في المثلي و القيمة في القيمي على ما هو المرتكز في الذّهن إلّا أنّ القيمي و المثلي حيث إنّهما محملان و الشكّ في كون الشّي ء مثليا أو قيميا من الشّبهة المفهوميّة فلا بدّ من الرّجوع إلى الأصل العملي و الاستصحاب يقتضي كون التّخيير للمالك و ذلك لأنّ القابض بعد أن وضع يده على المال جاء في عهدته جميع ماله دخل في ماليّة الشي ء تبعا لضمان العين غاية الأمر سقطت الخصوصيّة الشخصيّة و أمّا وصفه فلم يعلم سقوطه بالتّلف إلّا إذا أحرز كونه قيميّا بناء على ثبوت الإجماع على كون القيمي مضمونا بالقيمة فيستصحب اشتغال الذمّة

و بالجملة الأصل هو المثليّة إمّا للاستصحاب أو لما أفاده المصنف من أنه مقتضى الأدلّة الاجتهاديّة خرج منه ما علم أنّه قيمي بل بالتأمّل فيما ذكرنا ظهر أنّ في القيمي أيضا نفس المال هو بنفسه في الذمة و يقوّم يوم المطالبة و سيجي ء في الأقوال في القيميّات ما يوضح ذلك و على أيّ حال لا تصل النّوبة إلى القرعة لأنّها جارية في خصوص الشّبهات الموضوعيّة في بعض الموارد و لا إلى الصّلح القهريّ لأنّ مورده ما إذا لم يمكن فصل الخصومة بغيره

[الخامس ذكر في القواعد أنّه لو لم يوجد المثل إلّا بأكثر من ثمن المثل]

قوله قدّس سرّه الخامس ذكر في القواعد أنّه لو لم يوجد المثل إلّا بأكثر من ثمن المثل ففي وجوب الشّراء تردّد إلى آخره

لا يخفى أن مقصود العلّامة ليس من وجود المثل بأكثر من ثمنه وجوده كذلك بحسب القيمة السّوقيّة بل وجوده غير مبذول و عند من لا يبيعه إلّا بثمن غال و على هذا فوجوب شراء المثل في غاية الإشكال بل لا وجه له لما عرفت أنّ الشّي ء إذا لم يكن مثله كثيرا مبذولا فهو قيميّ و هذا من غير فرق بين التعذّر الطاري أو البدوي أي الّذي أوجب كون الشّي ء قيميّا من أوّل الأمر هو الّذي أوجب سقوط المثل عن الذمّة ما دام التعذّر فكون العين مثليا من أوّل الأمر لا يوجب أن يجب شراء مثله و لو ببذل مال كثير بل يسقط بالتعذّر

و بالجملة وجوده عنده من لا يبيعه إلا بأضعاف قيمته في حكم التعذّر و مقتضى قاعدة الضّرر عدم وجوب شرائه على الضّامن و أما لو كان كثيرا مبذولا و لكن زادت قيمته السوقيّة فيجب شراؤه و هذا الضّرر الوارد عليه لا يكون

ص: 140

داخلا في قاعدة لا ضرر فإنّه يعتبر في دخول الضّرر في الضّرر المنفي أن لا يكون طبع الحكم مقتضيا للضّرر فإن ترقي القيمة و تنزّلها على مساوق واحد و كل واحد منهما يقتضي ضررا على شخص فكما أنّه لو تنزّل قيمة المثل ليس للمالك مطالبة قيمة التالف أو قيمة المثل قبل تنزّل قيمته فكذلك لو ترقّى القيمة ليس للضّامن إلزام المالك لقيمة المثل قبل الترقّي

و حاصل الكلام أن المثلي لا ينتقل قيميّا بزيادة قيمته أو تنزّله نعم لو سقط عن الماليّة كالماء على الشّاطئ و الثلج في الشّتاء فكون المالك ملزما بقبول المثل مع أنه دفع إلى الضّامن الماء في المفازة و الثلج في الصّيف ففي غاية الإشكال فإنّ مقتضى كون الشّي ء مثليا أن لا يجب إلّا ردّ مثله سقط عن الماليّة أم لا و مقتضى كون الزمان و المكان دخيلا في ماليّة المال أن يكون خصوصيّة الزّمان و المكان في عهدة الضّامن إلّا أن يقال يرجع خصوصيّة الزّمان و المكان بالأخرة إلى القيمة السّوقية لأن تنزّل القيمة و ترقّيها ينشئان عن كثرة الوجود و قلّة الطّالب و عن عزّته و كثرة الطالب فإنّ الثلج في مفازة الحجاز لو لم يكن له طالب أو كان كثيرا يكون رخيصا و لو كان في الشّتاء قليل الوجود كثير الطّالب يكون غاليا

ثم لو قلنا بضمان خصوصيّة الزّمان و المكان فيتحقّق موضوع لنزاع آخر و هو أنّه هل المدار في الضّمان قيمة الماء في المفازة أو قيمته قبيل سقوطه عن الماليّة و سيجي ء ما هو الحقّ قوله قدّس سرّه

[السّادس لو تعذّر المثل في المثلي فمقتضى القاعدة وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك]

السّادس لو تعذّر المثل في المثلي فمقتضى القاعدة وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك إلى آخره

تنقيح المقام يستدعي رسم أمور الأوّل في بيان ميزان التعذّر فنقول قد أشرنا آنفا أنّ الّذي يوجب في ضمان العين عند تلفها استقرار القيمة في الذمّة لا المثل هو الميزان للتعذّر الطّاري للمثل

و بعبارة أخرى عدم وجود المماثل للعين بحسب الخلقة الإلهيّة أو مطلقا المقتضي لاستقرار قيمة العين في الذمة عند تلفها هو الموجب لصدق تعذّر المثل و لاستقرار القيمة عند تعذّر مثلها بناء على الانقلاب فالقيمي هو الّذي لا يوجد مثله أصلا كالحيوانات أو يوجد و لكن كان عزيز الوجود غير مبذول بحيث صار عزة وجوده باعثا لأن يعدّ مثله عديم المثل لأن ما لا يمكن أداؤه و لو عادة لا يمكن أن يجب ردّه إلى المالك فإذا تعذّر المثل بهذا المقدار فهو ميزان للتعذّر في المقام فالّذي يوجد في البلاد النائية أو عند ملك من المملوك لا يعدّ مثلا له فميزان التعذّر في المقام هو التعذّر في باب القرض و السّلم و على هذا فلا يجب عند إعوازه في البلد و ما حوله مما ينتقل منه إليه عادة تحصيله من الأماكن الّتي لم تجر العادة بنقل ما فيها من الحبوب و الأدهان إليه كما أنّه لو كان لنفس العين مثل في غاية العزّة أو في بلاد بعيدة لم نقل بوجوب ردّ مثلها عند تلفها

نعم لو شكّ في التعذّر إمّا للشكّ في وجوب المثل بعد ما كان موجودا أو للشكّ في إلحاق هذا المقدار من العزة بالقيمي مع وجود المثل ابتداء فمقتضى الاستصحاب بقاء المثل في الذمة بلا إشكال و هذا بخلاف الشك في باب ضمان العين في أنّه مثلي أو قيمي فإنّه لا أصل يعين كون الذمّة مشغولة بالمثل كما أنّه مع العلم بكون العين مثلية لو تعذّر مثلها ابتداء و شكّ في أنّ هذا التعذّر يوجب أن يكون المثل قيميا أم لا فلا أصل الثّاني هل التعذّر موجب لانقلاب المثل أو العين إلى القيمة أو يبقى في الذمّة إلى حين مطالبة المالك أو إلى ردّ الضّامن وجهان و الأقوى عدم الانقلاب فإنّ مجرّد عدم وجود المثل لا يوجب أن ينتقل إلى القيمة و الحكم كذلك في باب السّلم

ص: 141

و القرض فليس للضّامن من إلزام المالك بأخذ القيمة

و لا يقال ما لا يمكن أداؤه لا يمكن أن يثبت في الذمّة و لذا يسقط الخصوصيّة العينية بتلف العين و ينتقل ما في الذمّة إلى المثل أو القيمة لأنا نقول فرق بين تلف العين و إعواز المثل من جهتين

الأولى أنّ الخصوصيّة العينيّة لا يمكن أن تدخل في الذمّة بل الصّفات و الكليّات قابلة لأن تدخل في الذمّة نعم الشخص يدخل تحت العهدة بمعنى أنّه ما دام موجودا فعلى الضّامن ردّه فدليل اليد يقتضي ضمان الجامع بين العين و البدل فإنّ أداء المضمون إنّما هو بأداء الأعمّ من أداء شخصه و بدله فسقوط العين عن الذمّة تكليفا و وضعا لا يقتضي سقوط المثل في المثلي المتعذّر مثله كذلك فإن الصّفات كالكلي قابلة لأن تبقى في ذمّة الضّامن

و الثّانية أن حكم تعذّر المثل حكم تعذّر العين لا حكم تلفها فإنّه لو تعذر العين لا ينتقل في العهدة إلى القيمة بل تبقى نفس العين في العهدة و إنّما يجب على الضّامن بدل الحيلولة عند مطالبة المالك

ففي المقام أيضا لا وجه لسقوط ضمان المثل غاية الأمر أنّه يقع نزاع آخر و هو أنّه هل للمالك المطالبة بالقيمة بإلقاء خصوصيّة المثليّة أم لا وجهان و الأقوى جواز إلقاء الخصوصيّة لأن الحقّ للمالك و صبره إلى وجود المثل ضرر عليه بل له الاكتفاء بالقيمة أيضا و إن لم يكن ضررا عليه فإنّ ماليّة ماله و قيمة ملكه ممّا يمكنه المطالبة من الضّامن فإذا اكتفى بالقيمة بدل ماله فليس للضّامن من الامتناع منه

ثمّ إنّه لا فرق بين التعذّر الطاري للمثل و التعذّر الابتدائي سواء قلنا بالانقلاب أم لم نقل كما هو الأقوى فإنّ ظاهر عنوان التّذكرة في قوله لو تلف المثلي و المثل موجود ثم أعوز و إن كان اختصاص النّزاع بالتعذّر الطاري بل هو صريح جامع المقاصد لأنّه قال لو تعذّر المثل ابتداء يتعين حينئذ قيمة يوم التّلف إلّا أنّ الأقوى عدم الفرق بينهما فإنّ غاية ما يتوهم من الفرق أنّ التعذّر البدوي بمنزلة كون العين قيميّة و لكنّه فاسد فإنّ القيمي ما لا يوجد له مثل في الصّفات كالحيوانات و الفيروزج و العقيق و نحو ذلك لا ما كان في جنسه مثليا و لم يوجد مثله من باب الاتّفاق في عصر من الأعصار مع وجوده قبل ذلك و بعده فمن التزم بأنّ التعذّر الطاري لا يوجب الانقلاب فيجب أن يلتزم بأنّ التعذّر الابتدائي أيضا كذلك

و بعبارة أخرى كما أنّ استدامة وجود المثل ليس شرطا لتعلّق الضمان بالمثل بل يمكن بقاء المثل في الذمّة مع إعوازه فكذلك التمكّن منه ليس شرطا لحدوثه نعم بين التعذّر البدوي و الطاري فرق من جهة أخرى و هي أنّ التعذّر البدوي قد يوجب الشكّ في أنّ العين مثليّ أو قيمي و لكن هذا الشكّ مندفع بملاحظة وجود المماثل للعين قبل ذلك أو بعده و كيف كان العين إذا كانت مثليّة لا تنتقل إلى القيمة بمجرّد تعذّر مثلها سواء تعذّر حين تلف العين أو بعده

ثم لا فرق في التعذّر بين أن يكون خارجيا أو شرعيا كما لو فرض أنّ جميع مماثل العين صار نجسا و لا يمكن تطهيره كالدهن أو الخلّ صار خمرا و هكذا فللمالك إلقاء الخصوصيّة و المطالبة بالقيمة

الثّالث هل إلقاء الخصوصيّة و التّجاوز عن الصّفات موجب لسقوطها عن ذمّة الضّامن بحيث إنّه لو وجد المثل بعد المطالبة و قبل الأداء لا يجب عليه ردّه أم لا تسقط إلّا بالأداء لا بالإسقاط و ليست كالدّين قابلة للإسقاط وجهان و الأقوى عدم سقوطها بالإسقاط لأنّها لم يتعلّق بها ضمان مستقلا بل هي تابعة للعين و من الكيفيّات و إبراؤها بإبراء منعوتها فمجرّد مطالبة المالك ماليّة العين لا يوجب سقوط المثل

ص: 142

عن ذمّة الضّامن

نعم بعد أداء القيمة يسقط حقّه عن المثل و لو وجد بعده لأنّ الأداء بما جعله المالك مصداقا لوفاء حقّه صار مصداقا له فلا ينتقل ثانيا عمّا وقع عليه و هذا الكلام يجري في القرض و البيع و مال الصّلح و كلّ كلّي تعلّق بالذمة فإنه بأحد مصاديقه أو بأداء غيره في مقام الوفاء يسقط ما في الذمّة و الفرق بين الأداء بمصداقه و بغيره أنّه لو أدّاه بغيره يحتسب مقدار ماليّته أي لو تجاوز عن خصوصيّة الحنطة و رضي بالدهن يحسب الدّهن بمقدار قيمة الحنطة و أمّا لو أخذ حنطة أخرى من هذا الصّنف فيؤخذ بمقدار نفس المضمون

و بالجملة للمالك الرّضا بالفاقد و لكنّه لو لم يؤدّه الضّامن بقي المثل بخصوصيّاته تحت الضّمان فإنّ الرّضا لا يوجب الانقلاب و إنّما يوجبه الأداء لما ثبت في باب القرض أنّ ما رضي به المالك أداء لماله يتحقّق به الأداء إذا عرفت ذلك ظهر أنّ القول الموافق للتّحقيق هو عدم انقلاب المثل و لا العين التّالفة و لا القدر المشترك بينهما إلى القيمة بل يبقى المثل في الذمّة إلى أوان الفراغ منه بدفع القيمة من غير فرق بين التعذّر الطاري و التعذّر الابتدائي فإنّ بعد فرض كون العين مثليّة لا فرق بينهما فالانقلاب إلى القيمة لا وجه له فالأقوال الأربعة و الخمسة في القيميات لا تتطرق في المقام لأنّها من قبيل السّالبة بانتفاء الموضوع

نعم بناء على الانقلاب فالتعذّر الابتدائي موجب لانقلاب العين إلى القيمة و هذا بخلاف التعذّر الطاري فإنّه يمكن أن يقال بانقلاب المثل إلى القيمة و وجهه ظاهر و هو أنّ تلف العين صار موجبا لتعلّق الضّمان بالمثل فإذا تعذّر المثل فمقتضى ما يقال إنّ كل ما لا يمكن أداؤه لا يمكن أن يبقى في الذمّة هو انقلاب المثل إلى القيمة و يمكن أن يقال بانقلاب نفس العين التّالفة إلى القيمة و وجهه على مسلك المصنف قدّس سرّه من أنّ المدار في باب الضمان الأقرب إلى التّالف ظاهر لأنّ المثل للعين التّالفة ما دام موجودا فهو المضمون فإذا تعذّر فالأقرب إليها هو قيمتها لا قيمة المثل

و أمّا وجه انقلاب القدر المشترك إلى القيمة فقد يتوهم في بادي النّظر أنّه لا وجه له أصلا إذ العين بعد ما كانت مثليّة و بعد وجود مثلها في أوّل الأمر إمّا أن تنقلب هي إلى القيمة أو مثلها و لم يكن الجامع بينهما في الذمّة في زمان حتّى ينقلب هو إلى القيمة و لكن بالتأمّل فيما ذكره المصنف قدّس سرّه وجها له يظهر أنّ له وجها وجيها و حاصله أنّه بناء على استقرار ارتفاع القيم في الذمّة و سقوطه بأداء نفس العين في القيميات يقتضي في المقام القول باستقرار ارتفاع قيمة العين و المثل كليهما و يسقط بأداء المثل و أمّا لو تعذّر أداؤه فيبقى في العهدة و ينتج هذا انقلاب القدر المشترك إلى القيمة

و بالجملة لو قلنا بضمان القيمي بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التّلف ينتج في المقام ضمانه بأعلى القيم من حين أخذ العين إلى زمان إعواز المثل لأنّ معنى الضّمان بأعلى القيم هو استقرار مراتب القيمة السّوقيّة في عهدة الضّامن بشرط تلف المضمون و أمّا مع بقائه فيرتفع ضمان أعلى القيم برده و حيث إنّ العين في المقام مثلية فكما أنّ ردّ نفس العين يوجب سقوط ارتفاع القيمة فكذلك ردّ مثلها فإذا تعذّر ردّ مثلها كما تعذّر ردّ نفسها بقي ارتفاع القيمة في الذمّة و هذا معنى أنّ الجامع بين العين و المثل ينقلب إلى القيمة و كيف كان فالاحتمالات في المسألة كثيرة

و توضيح الصّور المنتجة للثمرة موقوف على بيان الأقوال في القيميّات فنقول قد يقال بقيمة يوم الغصب و ما يلحق بالغصب أي قيمة يوم دخول العين تحت يد الضّامن و قد يقال بقيمة يوم التّلف و قد يقال بقيمة يوم الدّفع و قد يقال بأعلى القيم

ص: 143

من يوم الغصب إلى يوم التّلف و احتمل المحقّق الأعلى من زمان الغصب إلى زمان الدّفع

و على هذا فبناء على المختار و هو عدم الانقلاب فالمدار على قيمة يوم الدّفع و هو أحد الأقوال أو الاحتمالات في المسألة و يتّحد في النتيجة مع المختار انقلاب العين أو المثل إلى القيمة على القول بيوم الدفع في القيميّات فإنّ قيمة العين أو المثل يوم الدّفع قيمة واحدة لا محالة

و الاحتمال الثّاني قيمة يوم أخذ العين و الثّالث قيمة يوم تلفها و الرابع الأعلى من يوم أخذها إلى يوم تلفها أو إلى يوم دفع القيمة و هذه الاحتمالات الثلاثة الأخيرة مبنيّة على انقلاب العين إلى القيمة بتعذّر مثلها و الخامس قيمة يوم تلف العين بناء على انقلاب المثل إلى القيمة و كون المدار في القيميّات على زمان الضّمان فإن أوّل يوم دخل المثل في الذمّة هو يوم تلف العين و السّادس يوم إعواز المثل و السّابع الأعلى من زمان تلف العين إلى يوم الإعواز و وجه هذين الاحتمالين ظاهر فإنّ الأوّل مبنيّ على انقلاب المثل إلى القيمة و كون المدار في القيميّات على يوم التّلف و الثّاني على هذا المبنى أيضا و كون المدار على الأعلى من زمان الضّمان إلى يوم التّلف فإنّ يوم إعواز المثل هو يوم تلفه و الثّامن الأعلى من زمان دخول العين تحت اليد إلى زمان دفع القيمة و قد بيّنا وجهه

و لا يخفى أنّ غير هذه الاحتمالات إمّا لا يبتني على أساس و إمّا لا ينتج ثمرة أي لا يتفاوت بها القيمة مع المحتملات المذكورة و كيف كان فقد عرفت أنّ الأقوى عدم الانقلاب و أنّ مجرّد المطالبة لا يوجب سقوط الخصوصيّة فالمدار على قيمة يوم الدّفع فإنّ القيمة في هذا اليوم تكون وفاء للمال

ثم إنّه ينبغي التّنبيه على أمور الأوّل أنّ من فروع تعذّر المثل ما إذا أسقط السّلطان دراهم و روّج غيرها بناء على كونها مثليا فإنّ ذلك قد يوجب تعذّر ما أسقطه كما إذا صار عزيز الوجود و في غاية القلّة و قد لا يوجب تعذّره و هذا على قسمين فإنّه تارة يسقط عن الماليّة رأسا و أخرى تنقص عنها كما إذا كان فضّة أو ذهبا فإذا تعذّر ما أسقطه فحكمه حكم تعذّر المثل في المثليّات و قد تقدم أنّه لا وجه لانقلابه إلى القيمة

و أمّا لو لم يتعذّر فإذا سقط عن الماليّة فحكمه حكم التلف فينتقل إلى القيمة نظير الجمد في الشتاء و الماء على الشّاطئ لو اقترضهما في الصّيف في مفازة اليمن و الحجاز مثلا و أمّا إذا لم يسقط عن الماليّة ففيه قولان قول بأنّه يرد مثل الدّراهم السّابقة أو عينها إذا كانت موجودة سواء كان منشأ تعلّق الضّمان بها العقود المضمنة كالبيع و القرض أم قاعدة اليد و الإتلاف و قول بأنّه يردّ الرّائجة إذا كانت مساوية للسّابقة في الوزن و القيمة أو يردّ من غير الجنس بقيمة السّابقة

و بالجملة لو نقصت قيمة السّابقة فالمشهور على أنّ نقصان القيمة ليس مضمونا و ذهب بعضهم إلى أنّه مضمون فلا بدّ من ردّ ما يساوي القيمة السّابقة فيردّ من الرّائجة لو كانت في الوزن و القيمة مساوية للسّابقة كما قد يتّفق نادرا أو من غير الجنس لو كان بينهما تفاوت حتى لا يلزم الرّبا و منشأ الاختلاف اختلاف الأخبار في المسألة ففي مكاتبة يونس إلى أبي الحسن الرّضا ع أنّه كان لي على رجل عشرة دراهم و أنّ السّلطان أسقط تلك الدّراهم و جاءت بدراهم أعلى من تلك الدّراهم الأولى و لها اليوم وضيعة فأيّ شي ء لي عليه الأولى الّتي أسقطها السّلطان أو الدّراهم الّتي أجازها السّلطان فكتب ع لك الدّراهم الأولى و عن العبّاس بن صفوان قال سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم عن رجل و سقطت تلك الدّراهم أو تغيّرت و لا يباع بها شي ء لصاحب

ص: 144

الدّراهم الدّراهم الأولى أو الجائزة الّتي تجوز بين النّاس فقال لصاحب الدراهم الدّراهم الأولى

هذا مدرك المشهور و مدرك غيرهم مكاتبة أخرى من يونس قال كتبت إلى الرّضا ع أنّ لي على رجل ثلاثة آلاف درهم و كانت تلك الدّراهم تنفق بين الناس تلك الأيام و ليست تنفق اليوم فلي عليه تلك الدّراهم بأعيانها أو ما ينفق اليوم بين النّاس قال فكتب إليّ لك أن تأخذ منه ما ينفق بين النّاس كما أعطيته ما ينفق بين النّاس و في الوسائل عن الصّدوق أنّ الحديثين متّفقان غير مختلفين فمن كان له عليه دراهم بنقد معروف فليس له إلّا ذلك النّقد و متى كان له دراهم بوزن معلوم بغير نقد معروف فإنّما له الدّراهم الّتي تجوز بين النّاس

و نحن نقول مع قطع النّظر عن الأخبار و إمكان الجمع بينها و عدمه أن مقتضى القاعدة عدم الفرق بين الصّفات الدّاخليّة و الخارجيّة في الضّمان إلّا إذا رجعت الصّفة الخارجيّة إلى تفاوت الرّغبات أي القيمة السوقيّة من غير فرق بين أن يكون الموصوف بها مضمونا بالعقد أو باليد و الإتلاف فإنّ الأوصاف و إن كانت تابعة و لم تدخل تحت اليد و العقد مستقلا إلّا أنّها تدخل تحتها للشّرط الضّمني أو الصّريح كما في باب العقود أو تبعا كما في باب اليد و نحوه

و مجرد كون الوصف خارجيّا كرواج السّلطان الموصوف به لا يوجب خروجه عن تحت الضّمان فإنّ الرّواج نظير كون المال في محل كذا أو زمان كذا الّتي بها يتفاوت ماليّة الأموال بل لا شبهة أنّ الاعتبار ليس بذات النّقد من حيث هو بل برواجه عند الناس و هذا بنفسه خصوصيّة في المال من غير جهته السّوقيّة و تفاوت الرّغبات فإنّ كلّ صفة و إن رجع دخلها في الموصوف في الحقيقة إلى الرّغبة الّتي بها يتغيّر سعر السوق حتى مثل كتابة العبد إلّا أنّه لا شبهة أنّ في مقام الاعتبار فرق بين الرّواج أو كون المال في محلّ كذا و زمان كذا و بين القيمة السّوقيّة فعدم التزامنا بضمان زيادة القيمة السّوقيّة لا يلازم الالتزام بعدم ضمان الرّواج و صفة كونه في محلّ كذا هذا ما تقتضيه القاعدة

و أمّا جمع الصّدوق فحاصله ظاهرا أنّه لو كان الدّراهم السابقة بقيمة الدّراهم الرّائجة فله الدّراهم السّابقة و إلّا فله الدّراهم اللّاحقة و لا يخفى أنّ هذا التّفصيل لا يظهر من الأخبار بل مفروض السّؤال أنّ السّابقة ساقطة عن درجة الاعتبار و إن لم يخرج عن القيمة لكونه ذهبا أو فضّة و جمع الشّيخ بين الأخبار بحمل ما ينفق بين النّاس على معنى قيمة ما كان ينفق و حمل الدّراهم الأولى في الخبرين على قيمة الدّراهم الأولى

و حاصل جمعه أنّه ليس له الدّراهم الرّائجة و إنّما له قيمة الدّراهم السّابقة و هذا أيضا خلاف ظاهر كلّ من الطّائفتين فإنّ ظاهرهما عين الدّراهم السّابق أو ما ينفق فالصّواب أن يجعل الطّائفتين من قبيل الإطلاق و التّقييد فإن قوله ع الدّراهم الأولى مطلق من حيث ضمّ تفاوت السكّة و عدمه إليها و قوله ع لك أن تأخذ منه ما ينفق بين النّاس مقيّد له أي تأخذ الدّراهم الأولى بقيمة ما ينفق

الثّاني قد أشرنا أنّه لا فرق في عدم انقلاب المثلي المتعذّر مثله إلى القيمة بين أن يكون التعذّر طارئا و أن يكون ابتدائيا لأن الملاك متّحد فيهما إلّا أنّ هذا إنّما هو في المضمون باليد و أمّا المضمون بالعقد كالسّلم و القرض ففي مورد التعذر الابتدائي يشكل أصل صحّة التعهّد أمّا السّلم فالظّاهر اتّفاق الأصحاب عليه و وجهه أنّ من لا يمكنه أداء الحنطة مثلا حال حلول الأجل

ص: 145

يدخل بيع الحنطة فيما لا يقدر على تسليمه و أمّا القرض فإنّا و إن لم نجد من صرّح بالبطلان و لكن لو جعل للقرض مدّة لا يمكنه ردّ العين المقترضة و لا مثلها كما لو اقترض بطّيخا و نحوه ممّا يفسد في هذه المدّة و لا يوجد مثله فأصل صحّة القرض مشكل حتّى يقال بالانقلاب أو عدمه

ثمّ إنّه هل يفرق بين التعذّر الموقّت و التعذّر الدّائمي أم لا وجهان أقواهما الثّاني لأنّ غاية ما يوجّه به الفرق أنّ في التعذّر الموقت لبقاء المثل في ذمّة الضّامن أثر عقلائيّ فللمالك الصّبر إلى زمان وجود المثل و أمّا التعذّر الدّائميّ كالدّراهم السّاقطة رأسا فمضافا إلى أنّه لا يترتّب أثر على بقائه في الذمّة لا يمكن أن يتعلّق به الضّمان شرعا لأنّ ما لا يمكن أداؤه كيف يبقى في الذمّة فلا بدّ من القول بسقوط المثل عن الذمّة كسقوط خصوصيّة العين عنها بعد تلفها و لكنّه فاسد

أمّا عدم ترتّب الأثر على بقاء المثل في الذمّة ففيه أنّ له أثرا و هو عدم إمكان إلزام الضّامن المالك بأخذ القيمة و ثبوت التّخيير للمالك بين المطالبة و الصّبر و في هذا الأثر كفاية لأنّه قد يتّفق أن دفع الضّامن القيمة موجب لتضرّر المالك و كون المال في ذمّة الضّامن أنفع له

و أمّا مسألة أنّ ما لا يمكن أداؤه لا يمكن أن يكون في الذمّة ففيه أنّه و إن لم يمكن تعلّق التّكليف بالردّ إليه لخروجه عن القدرة إلّا أنّ الوضع لا يتوقّف على القدرة فالأقوى في جميع الصّور الأربع من التعذّر البدوي و الطّاري الموقّت و الدائمي عدم الانقلاب و لا يقاس المثل المتعذّر على العين الشّخصيّة إذا تلف فإنّ العين التّالفة لا يمكن دخولها في الذمّة رأسا فإنّ الذمّة ظرف للكليّات لا الأعيان فتلف العين موجب لسقوط الخصوصيّة الشّخصيّة و هذا بخلاف تعذّر المثل فإنّه لا وجه لسقوطه عن الذمّة

الثّالث بعد ما ثبت أنّ للمالك التّجاوز عن الخصوصيّة و مطالبة القيمة فيتفرّع عليه أنّ المناط في معرفة القيمة مع عدم وجود المثل هل بفرض وجوده في غاية العزّة أو بفرض وجوده كثيرا مبذولا أو المتوسّط بينهما وجوه و الحقّ هو الأول و لكن لا في مورد صار عزّة وجوده موجبا لأن يعد مثله عادم النّظير بل المقصود أنّه لو صار عزّة وجوده موجبا لغلائه فقيمته في حال غلائه يستقرّ في ذمّة الضّامن لأنّ المال حينئذ مثليّ فإنّه آخر أزمنة وجود المثل و بعد ذلك لو وصل عزّته بحيث لا يباع إلّا بإزاء عتاق الخيل فهذا يعدّ متعذّرا

ثم إنّ هذا بناء على عدم الانقلاب و أمّا بناء على الانقلاب سواء قيل بانقلاب العين أم المثل فمقدار القيمة معلوم لأنّ العين أو المثل في يوم الضّمان أو يوم التّلف أو يوم الإعواز إمّا موجود أو كان موجودا ثم تلف أو أعوز فلا تخفى قيمته الرابع قد عرفت أنّه لو أخذ المالك قيمة المثل المتعذّر فليس له مطالبة المثل لو تمكن الضّامن منه لأنّ قبض المالك ما عينه مصداقا لوفاء ماله يوجب تعيين حقه في المقبوض و أمّا لو لم يقبضها فنفس المطالبة و إسقاط الخصوصيّة غير موجب للتّعيين لأنّ غاية الأمر أنّه يصير القيمة بالمطالبة من أحد مصاديق الكلّي الثّابت في الذمّة و تعيين الكلّي في المصداق الخاصّ إنّما هو بقبض المالك فلو لم يقبضه لم يكن وجه لتعيّنه بل لو قيل بالانقلاب أيضا يمكن القول بأنّ الانقلاب ما دام التعذّر فبعد التمكّن يرجع الأمر إلى ما كان عليه

و على أيّ حال فبناء على عدم الانقلاب لا إشكال في أن للمالك مطالبة الضّامن بالمثل عند تمكّنه إنّما الكلام في أنّ له المطالبة به و لو في غير بلد الضّمان أو لا و هذا النّزاع يجري في مطالبة العين و القيمة أيضا

ص: 146

و توضيح ذلك أنّ في المقبوض بالعقد الفاسد و نحوه تارة يكون العين موجودة و أخرى تالفة و على الثّاني إمّا يكون العين قيميّة أو مثليّة و على الثّاني إمّا المثل موجود أو متعذّر فلو كان العين موجودة قيل بجواز مطالبة المالك بها من الضّامن في أي بلد أراد سواء كان قيمة العين في بلد المطالبة أزيد عن قيمتها في بلد الضّمان أم لا لعموم النّاس مسلّطون على أموالهم و لقوله ص حتّى تؤدّي فيجب من باب المقدّمة ردّها إليه

و فيه أنّ عموم السّلطنة إنّما هو باعتبار أنحائها من البيع و الصّلح و نحوهما و أمّا بالنّسبة إلى الأشخاص الّذين كانت الأموال في عهدتهم فلا عموم لها و أمّا على اليد فلا يدل إلّا على وجوب أداء المضمون و أمّا ردّه إلى شخص المالك أو وكيله أو الحاكم الشّرعي فليس في مقام بيان ذلك فلو كان المالك في بلد الغصب و الغاصب أخرج المال إلى بلد آخر فليس على الضّامن إلّا تخلية اليد عن المال لا رده إلى مالكه و إن فعل محرّما بالإخراج إلّا أنّ الظّاهر من الفقهاء أنّ للمالك إلزام الغاصب بالرّد إلى بلد الغصب

و على أيّ حال لو كان للأمكنة خصوصيّة في الماليّة بحيث عدّ عرفا كونه في هذا المكان من صفات المال كسائر الصّفات من السّمن و الكتابة و نحوهما فيجب على الغاصب تفاوت القيمة أو رد المال إلى بلد الضّمان بل لو أخرج المال إلى بلد يكون المال فيه في غاية الغلاء ثمّ ردّه إلى بلد الرّخص يجب عليه ردّ تفاوت القيمة لأنّه بمنزلة صيرورة المغصوب كاتبا عند الغاصب أو سمينا ثم زال سمنه أو كتابته عنده

و أمّا لو كان المالك في غير بلد الضّمان فلا يجب على الضّامن ردّ المال إليه و لا تفاوت القيمة لو كانت قيمة المال في البلدة الّتي كان المالك فيها أزيد من بلد الضّمان لأنّه لم يدل دليل على تسلّط المالك بالمطالبة في أيّ بلد أراد و لا موجب لضمان الضّامن تفاوت القيمة بين البلدتين في هذه الصّورة و أمّا لو كانت العين تالفة فإذا كانت مثليّة فحكم المثل حكم العين في التّفصيل المتقدم و أمّا لو كانت قيميّة أو تعذّر المثل فيجب عليه قيمة العين أو المثل مع الخصوصيّة على ما تقدم

و بالجملة لو لم يكن للمال خصوصيّة من حيث الزّمان أو المكان فوجوب ردّه إلى شخص المالك في أيّ بلد طالبه لا دليل عليه بل يرد إلى وكيله أو إلى الحاكم الشّرعي أو إلى عدول المؤمنين أو إلى فسّاقهم و مع تعذّر المراتب الطّولية السّابقة يعزله عن ماله و يحفظه لمالكه و لو تلف فحكمه حكم ضمان الدّين و الخمس و الزّكاة بل الضّمان في باب الغصب و المقبوض بالعقد الفاسد لا إشكال فيه فإنّه ليس داخلا في الأمانات الشّرعيّة أو المالكيّة فتأمّل

ثم لا يخفى أنّه بناء على دخل الأزمنة و الأمكنة في ماليّة الأموال لا وجه لما أفاده المصنف في مسألة خروج المثل عن القيمة كالماء على الشّاطئ و الجمد في الشتاء من احتمال ضمان آخر مكان أو زمان سقط المثل فيه عن الماليّة لأنّه يجب عليه ردّ جميع هذه الخصوصيّة فيلاحظه قيمة الماء في المفازة و قيمة الجمد في الصّيف

[السّابع لو كان التّالف المبيع فاسدا قيميّا فقد حكي الاتّفاق على كونه مضمونا بالقيمة]
اشارة

قوله قدّس سرّه السّابع لو كان التّالف المبيع فاسدا قيميّا فقد حكي الاتّفاق على كونه مضمونا بالقيمة إلى آخره

قد تقدّم أنّ المرتكز في الأذهان لزوم ردّ المثل في المثلي التّالف و القيمة في القيمي و تقدم ميزان المثليّة و القيميّة فإذا كان أداء القيمة في القيميّات ارتكازيا فلو لم يقم دليل على خلافه فلا بدّ من الالتزام به و حمل الأدلّة العامّة عليه هذا مع أنّ الأخبار الخاصّة الدالّة على وجوب القيمة في العبد و الغنم و نحو ذلك تشهد للمدّعي و لم ينقل الخلاف إلّا عن الإسكافي و الشّيخ و المحقّق في الخلاف و الشّرائع في باب القرض

ص: 147

و لكنّه يمكن توجيه كلامهما بأنّ المتعارف في باب القرض لا سيّما بالنسبة إلى الرّغيف أنّ وجوب ردّ مثله و لو في بعض الصّفات من باب الشّرط الضّمني و تقدم أيضا أنّه لم ينهض دليل على وجوب ردّ الأقرب إلى التّالف مع أنّه ليس له ميزان مضبوط لإمكان أن يكون شي ء أقرب إلى التّالف من جهة و شي ء آخر من أخرى فوجوب ردّ القيمة في القيميّات لا إشكال فيه إنّما الكلام في أنّ المدار على قيمة يوم دخول العين تحت العهدة أو يوم التّلف أو يوم الدّفع أو أعلى القيم من زمان أخذ العين و دخولها تحت الضّمان إلى زمان التّلف أو إلى زمان الدّفع وجوه بل أقوال منشأ القولين الأوّلين الاختلاف في فعليّة الضّمان يوم الأخذ و تعليقيّته

فمن قال بتحقّق الضّمان فعلا بمجرّد الأخذ غاية الأمر أنّه مشروط بشرط متأخّر و هو تلفها قال بقيمة يوم الأخذ و من قال بأنّ الضّمان تعليقيّ أي يجب الخروج عن عهدة العين إذا تلفت قال بيوم التّلف ثم إنّ الاختلاف في صحّة ضمان الأعيان و عدمها ناش عن الاختلاف في الفعليّة و التّقديريّة لأنّه لو كان الضّمان حين وجود العين فعليا بحيث يجب الخروج عن عهدة قيمتها فعلا فيصحّ لغير الآخذ أن يضمنها لأنّه ليس ضمانا لما لم يجب و أمّا لو كان الضّمان تعليقيّا فضمان الغير ضمان لما لم يجب و منشأ القول بيوم الدّفع أمران

الأوّل أنّ العين بخصوصيّتها الشخصيّة في عهدة الضّامن حين وجودها و حين تلفها لأنّ الذمّة أمر وسيع و لا وجه للانقلاب إلى القيمة بمجرّد التّلف فإذا أمكن أن يتعلّق بها الضّمان على نحو الجامع بين الحالتين فنتيجته تختلف باختلاف الأحوال فمع التمكّن من ردّ العين يجب أن تردّ بشخصها و مع التعذّر لغرق و نحوه يردّ بدل الحيلولة و مع تلفها و ما بحكم التّلف كخروجها عن الماليّة شرعا يجب ردّ مثلها إن كانت مثليّة و إلّا فقيمتها و لكنّك خبير بأن هذا مما لا يمكن الالتزام به

أمّا أوّلا فلما عرفت من أنّ جعل الأداء غاية للتعهّد و الضّمان ملازم لاعتبار تعلّق الضّمان بما يمكن أداؤه و شخص العين حين التّلف ممّا لا يمكن أداؤه فلا يمكن أن تكون بنفسها تحت الضّمان و تقدم أنّ الذمّة ظرف للكليّات لا الخارجيّات و ثانيا أنّ لازم ذلك إمّا الالتزام بسقوط الضّمان و إمّا بعدم تعيّن قيمة يوم الأداء لأنّ الخصوصيّة لو كانت مضمونة حين التّلف لزم التّكليف بغير المقدور فلا بدّ أن يسقط الضّمان و أداء القيمة ليس أداء للمصداق فلا وجه لسقوط ما في الذمّة بأمر مباين له إلّا بالتراضي و لا يعقل تعين القيمة للبدليّة بنفسها و لو لم تكن مضمونة حين التّلف إلى زمان الأداء فلا موجب لتعيّن قيمة يوم الأداء

الثّاني أن قوام الشي ء بماليّته و أمّا خصوصياته الشخصيّة و المثليّة فهي من قبيل الفضلة فما يبقى في الذمّة ما هو الرّكن للشّي ء و هو ماليّته الّتي هي عبارة عمّا ينتفع به من غير تقديرها بقيمة فلو كان المأخوذ هو الحقّة من الحنطة مثلا فإذا تلفت بقي في الذمّة ما يشبع عشرة أنفس إلى زمان المطالبة فإذا طالبها المالك فيقوم بقيمة هذا اليوم لا يوم الأخذ و التّلف و منشأ القول بأعلى القيم هو كون تفاوت الرّغبات أي القيمة السّوقيّة مضمونة

ثم إنّ ضمان الأعلى مع كون المبدإ يوم الأخذ و المنتهى يوم التّلف أو الدّفع مبتن على أمور ثلاثة الأوّل كون الضّمان يوم الأخذ فعليا الثّاني تعلّق الضّمان بالأمور الخارجة عن ماليّة الأموال فيكون حكم قلّة المال و كثرة الرّاغب حكم الصّفات أو الاعتبارات فكما يضمن الكتابة و السّمن لو زالا سواء حصلا

ص: 148

بفعل اللّٰه سبحانه أم بفعل الضّامن و سواء كانا موجودين حين الأخذ أم حصلا عند الضّامن و زالا و كذا يضمن خصوصية كون المال في زمان كذا أو مكان كذا الّتي هي من الأمور الاعتبارية العقلائيّة فكذلك يضمن الرّغبات

و بالجملة ما يوجب زيادة القيمة على أقسام ثلاثة قسم من قبيل السّمن و الصوف الّذي لا إشكال في دخوله تحت عهدة الضّامن بتبع المال و قسم من الاعتباريات ككون الجمد في الصّيف و الماء في المفازة و قسم من الأمور الخارجيّة الاتّفاقيّة ككثرة الرّاغب أو قلّة المال

الثّالث بناء على كون المنتهى يوم التّلف يجب الالتزام بانقلاب العين إلى القيمة في ذاك اليوم فإنّها لو انتقلت إلى القيمة فليس للقيمة علوّ و نقيصة لأنّ عشرة دنانير مثلا لا تنقص و لا تزيد و بناء على كونه يوم الدفع يجب الالتزام ببقاء المضمون في الذمّة إلى يوم الدّفع سواء قلنا ببقاء خصوصيّة العينيّة إلى ذاك الزّمان كما على الوجه الأوّل أم قلنا ببقاء الماليّة غير متقدّرة بقيمة كما على الوجه الثاني أو قلنا بانتقال العين إلى الأقرب إلى التّالف بمجرّد التّلف كما احتملوا هذا الوجه في ترديد المحقّق في كون المنتهى يوم التّلف أو يوم الدّفع فيبتني كون منتهى الأعلى يوم الدّفع على بقاء الأقرب في الذمّة بعد تلف العين

و بالجملة لا بدّ بناء على القول بالأعلى من تعلّق الضّمان بالرّغبات و كون الذمّة مشغولة بغير القيمة حتى يلاحظ أعلى القيم من زمان الأخذ إلى يوم التّلف أو إلى يوم الدّفع ثم لا يخفى أنّ لازم تعهّد الضّامن للرّغبات أن يكون كذلك حتى مع ردّ العين و لا يلتزمون به فيلزم التّناقض بين القول بالأعلى و عدم ضمان نقصان القيمة عند ردّ العين

[تحقيق حول صحيحة أبي ولّاد]
اشارة

قوله قدّس سرّه فالمهم صرف الكلام إلى معنى الصّحيحة إلى آخره

وجه الأهميّة إمّا لكون المقبوض بالعقد الفاسد حكمه حكم المغصوب كما ذكره الحلّي قدّس سرّه و إمّا من جهة استفادة قاعدة كليّة من الصّحيحة في جميع موارد ما يضمن بالقيمة فإذا دلّت على أنّ الاعتبار بقيمة يوم الغصب تكشف عن عدم اقتضاء إطلاقات الضّمان اعتبار قيمة يوم التّلف و إلّا لزم أن يكون الضّمان في الغصب أقلّ من غيره في بعض الموارد كما إذا كانت قيمة يوم الغصب أقلّ من قيمة يوم التّلف فيلزم خروج المغصوب عن سائر ما يتعلّق به الضمان خروجا حكميا

و بالجملة لو دلّت الصحيحة على عدم وجوب التّدارك إلا بقيمة يوم المخالفة فيستكشف منها أنّ ما عدّوه مصداقا للتّدارك من قيمة يوم التّلف أو الدّفع خطأ و إلّا يلزم أضعفيّة الغصب و عدم وجوب تدارك قيمته بمقدار ما يتدارك به سائر المضمونات و لو في بعض الموارد نعم لو دلت الصّحيحة على ضمان أعلى القيم فلا محذور في خروج المغصوب عن سائر المضمونات

و كيف كان فالصّحيحة تدلّ على أنّ المدار على قيمة يوم الأخذ في موضعين الأوّل قوله ع نعم قيمة بغل يوم خالفته سواء كان يوم خالفته مضافا إليه للقيمة أو مضافا إليه لمجموع المضاف و المضاف إليه أو كان قيدا للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل أو كان متعلّقا بنعم الّذي معناه يلزمك أمّا على الأوّلين فواضح لأن معنى الحديث على الأوّل يلزمك قيمة البغل قيمة يوم المخالفة و على الثّاني يلزمك القيمة الثّابتة للبغل يوم المخالفة

و أمّا بناء على أن يكون متعلّقا بنعم بأن يكون الظّرف لغوا متعلّقا بشبه الفعل الّذي معناه يلزمك فإنّه و إن لم يدلّ بالمطابقة على قيمة يوم المخالفة لأن معناه أنّه يلزمك يوم المخالفة القيمة إمّا قيمة ذلك اليوم أو قيمة يوم التّلف أو يوم الدّفع فالحديث ساكت عنه إلّا أنّه

ص: 149

بالالتزام يدلّ على أنّ المدار على قيمة يوم المخالفة فإنّه لو لم يكن يوم المخالفة إلّا يوم دخول نفس العين في العهدة لكان ذكر القيمة بلا موجب لأن ماليّة المال إذا قدر بالقيمة يوم المخالفة فلا محالة يكون القيمة قيمة ذلك اليوم لأنّه لا يعقل أن يكون الضّمان بقيمة يوم المخالفة فعليّا و يقدر قيمة يوم ما بعد المخالفة

نعم وجوب الأداء يمكن أن يكون متأخّرا و لكن قيمة اليوم المتأخر لا يمكن أن تكون هي قيمة اليوم المتقدم و بالجملة كلّ من قال بضمان قيمة يوم التّلف لكون الضّمان بالقيمة في هذا اليوم فعليا فلا يمكن أن يجعل المدار على قيمة غير هذا اليوم فالتزام المشهور بقيمة يوم التّلف ليس إلّا لفعليّة الضّمان بالقيمة في هذا اليوم و هكذا على القول بيوم الدّفع فلا وجه لما تمحّله المصنف قدّس سرّه من جعل اليوم قيدا للقيمة أو لقيمة البغل مع ما فيهما من المخالفة للقواعد العربيّة و الخروج عن طريقة أهل اللّسان لأنّه لو كانت القيمة مضافة إلى البغل فلا يعقل أن يضاف في عرض هذه الإضافة إلى أمر آخر فإنّه يتوقف على لحاظين مستقلّين متباينين

و هكذا لو أضيف مجموع المضاف و المضاف إليه إلى اليوم الّذي هو ظاهر المتن فإنّ قوله قدّس سرّه فيكون إسقاط التعريف للإضافة صريح في أنّ البغل أيضا مضاف إلى اليوم كإضافة القيمة التي هي مضاف إلى البغل إليه فإنّه لو كان مقصوده إضافة القيمة إلى اليوم لا إضافة البغل إليه لما كان لسقوط حرف التعريف وجه و على أيّ حال فإضافة المجموع أيضا لا معنى له لأنّه يلزم الجمع بين اللّحاظ الآلي و الاستقلالي في لحاظ واحد فإنّ جهة إضافة المضاف هي معنى حرفيّ و لا بدّ من لحاظها مستقلّا في الإضافة الثّانية كما لا يخفى

نعم يجوز الإضافة الطولية نحو مثل دأب قوم نوح أو حافر فرس جبرئيل و لكن الإضافة الطّوليّة لا معنى لها في المقام لعدم معنى لقولك بغل يوم المخالفة فإنّ البغل لا يمكن أن يتخصّص بيوم المخالفة و هكذا لا يمكن أن يتعلّق اليوم بالاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل فإنّه معنى حرفيّ فالأوفق بالقواعد العربيّة تعلّق الظّرف بنعم و هو أيضا يدلّ بالالتزام على أنّ المدار على قيمة يوم المخالفة

بل لو قيل إنّ المقام من قبيل تتابع الإضافات و حيث لا يختلف الأعيان باختلاف الأيّام فبدلالة الاقتضاء لا بدّ أن يكون إضافة البغل إلى اليوم باعتبار قيمته في ذلك اليوم لكان المدار أيضا على قيمة يوم المخالفة هذا مع أنّ البغل في بعض نسخ الكافي و الإستبصار محلى باللّام فيكون يوم المخالفة حالا من القيمة بل لو كان غير محلّى بالألف و اللّام يمكن أن يكون منونا بدلا عن اللّام

و بالجملة ظهور هذه الفقرة في أنّ المدار على قيمة يوم المخالفة ممّا لا ينبغي التّشكيك فيه لأنّه لو كان السّؤال عن أصل الضّمان لكان اللّازم الاكتفاء بقوله ع نعم فتعقيبه بقوله ع قيمة بغل يوم خالفته كاشف عن أنّ أصل الضّمان كان مفروغا عنه عند السائل و لذا قال أ رأيت لو عطب أو نفق سيّما بعد فتوى أبي حنيفة بأنّ الضّمان موجب لسقوط الكرى من باب الخراج بالضّمان و إنّما كان سؤاله عن مقدار الضّمان فأجاب الإمام عليه السّلام بعد تقريره له أصل الضّمان بقوله نعم عن المقدار بقوله ع قيمة بغل يوم خالفته أو قيمة البغل يوم خالفته بنصب اليوم

الثّاني قوله ع أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فإنّ إثبات قيمة يوم الاكتراء في خصوص المورد ليس إلّا من حيث إنّه يوم المخالفة و التعبير به عنه لنكتة إمكان إقامة الشّهود لأنّ الاكتراء يقع غالبا بمحضر

ص: 150

من النّاس و على هذا فلا ينبغي طرح الرّواية من باب دلالتها على ضمان العين المستأجرة بلا شرط الّذي هو مخالف للقواعد لأنّها لم تدلّ على ضمان يوم الاكتراء الّذي وقع الإجارة فيه صحيحا و بلا شرط الضّمان بل تدلّ على ضمان يوم المخالفة و هذا على طبق القواعد

و حاصل الكلام أنّ ظهور الصّحيحة في أنّ المدار على قيمة يوم المخالفة لا شبهة فيه إنّما الكلام في ما يتخيّل أنّه موهن لهذا الطّهور و هو أمور الأوّل قوله ع عليك قيمة ما بين الصّحة و العيب يوم ترده عليه و ظاهره أنّ المدار في القيمة على قيمة يوم الردّ لا يوم المخالفة سواء كان اليوم قيدا للقيمة أو متعلّقا بأفعال العموم المقدّرة أو متعلّقا بعليك أمّا بناء على كونه قيدا للقيمة أو متعلّقا بأفعال العموم فواضح لأنّ معناه عليك ما يتقوم به يوم الردّ أو القيمة الثّابتة يوم الردّ و ما أفاده المصنف في ردّ تعلّق الظّرف بالقيمة بقوله إذ لا عبرة في أرش العيب بيوم الردّ إجماعا ففيه أنّه لم ينعقد الإجماع على عدم اعتبار يوم الردّ بل قد انعقد على تبعيّة النّقص الحادث في تعيّن يوم قيمته ليوم قيمة أصل العين فلو قيل في أصل العين بيوم الردّ فيتبعها الصفات أيضا فليكن هذه الصّحيحة دليلا ليوم الردّ بناء على التبعيّة الّتي هي مسلّمة

و أمّا بناء على كونه متعلّقا بعليك فلما ذكرنا من الملازمة بين فعليّة الضّمان في زمان و زمان القيمة و لكنّك خبير بأنّ هذا لا يوجب الوهن أصلا و إن اخترناه في تعليقتنا سابقا و ذلك لظهور هذا الكلام في تعلّق الظّرف بعليك و الملازمة ممنوعة في المقام لأنّها ثابتة في مقام اشتغال الذمّة لا في مقام الفراغ و الرّواية ليست في مقام بيان أنّ نقص الصّفات موجب للضّمان في يوم الردّ بل مفادها أنّ يوم ردّ البغلة عليك التفاوت بين الصّحيح و المعيب و لا تعرّض فيها على أنّ التّفاوت يلاحظ يوم الغصب أو يوم تلف وصف الصّحة أو نفس هذا اليوم الّذي يرد فيه

و ردّ المصنف هذا الموهن بوجه آخر و هو احتمال أن يكون اليوم قيدا للعيب أي العيب الموجود حال الردّ يوجب الضّمان و لكن ضعّفه بأنّ العيب قد يرتفع أو ينقص يوم الردّ و لازم كون اليوم قيدا للعيب أن لا يوجب ضمانا في هذين الصّورتين مع أنّ مقتضى الفتوى خلاف ذلك و فيه أنّه ليس عدم سقوط الضّمان مقتضى فتوى الكل بل المسألة خلافيّة فقيل بسقوط الضّمان مطلقا و قيل بعدم سقوطه مطلقا كما عليه الفاضل في التّذكرة و قيل بالتّفصيل بين الوصف القابل للزيادة كالسّمن و ما لم يكن كذلك كوصف الصّحة فإذا زال السّمن و رجع فعليه الضّمان بخلاف ما إذا حدثت نقطة في عين الدابّة و ارتفعت و هذا الاختلاف جار في العيب الموجود حال العقد أو الحادث بعده إذا زال قبل القبض

و لكن الأقوى في الغصب عدم ارتفاع الضّمان بارتفاع الوصف سواء ارتفع بفعل اللّٰه سبحانه أم بفعل الغاصب أم الأجنبي لأنّ ارتفاعه حصل في ملك المالك فلا ينتفع به الغاصب و الأقوى في باب العقد ارتفاع الضّمان لأنّ المدار في هذا الباب تسليم المبيع صحيحا و على أيّ حال ليس ضمان الوصف في باب الغصب مطابقا لفتوى جميع الفقهاء هذا مضافا إلى أنّ كون أحد الاحتمالات مخالفا للفتوى لا يوجب ظهور الكلام في غيره فإنّ الظّهور لا بدّ أن يكون مستندا إلى اللّفظ

فالصّواب أنّ العيب غير قابل لأن يتعلّق به الظّرف لأنّ المراد منه هنا الحاصل من المصدر و هو معنى اسميّ ليس فيه معنى الفعل و لا يمكن إشراب معناه فيه و لا يمكن أن يجعل اليوم صفة للعيب بأن يكون الظّرف مستقرّا لأنّه نكرة و العيب

ص: 151

معرّف باللّام و الظّرف المستقر منحصر في النّعت و الصّلة و الحال و الخبر و كلّ منها لا محلّ له في المقام

الثّاني قوله ع أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون على أنّ قيمة البغل يوم اكترى كذا و كذا فيلزمك فإنّه لو كان العبرة بيوم المخالفة لم يكن وجه لكون القول قول المالك مع كونه مخالفا للأصل فإنّ الأصل براءة ذمّة الضّامن عمّا يدّعيه المالك و هذا بخلاف ما إذا قلنا بيوم الدفع فإنّ القول قول المالك لكونه مطابقا للأصل لأنّ القول بيوم الدّفع مرجعه إمّا إلى بقاء العين بخصوصيتها إلى يوم الدّفع في عهدة الضّامن و إمّا إلى بقاء ماليّتها الغير المتقدّرة بالقيمة فإذا ادّعى المالك زياد قيمة العين أو الوصف يوم الدّفع فالقول قوله لأنّ الأصل عدم فراغ ذمّة الضّامن بما يدفعه بدلا عن التّالف فإنّ ظاهر السّؤال في قول السّائل فمن يعرف ذلك هو السّؤال عن صورة التّنازع فكون قول المالك موافقا للأصل منحصر في أن يكون المدار على يوم الدّفع

و فيه أنّه يمكن النزاع في تنزّل القيمة يوم المخالفة مع اتّفاقهما في القيمة قبل ذلك فيدّعي الغاصب التنزّل فالقول قول المالك الثّالث أنّ سماع البيّنة من المالك لا يجتمع مع كون القول قوله فلا بدّ من أن يجعل سماع البيّنة منه في مورد و كون القول قوله في مورد آخر و هذا يتمّ على القول بيوم التّلف بحمل الرّواية على صورتين الأولى ما إذا اختلفا في تنزّل القيمة يوم التّلف مع اتّفاقهما على قيمته سابقا فيدّعي الغاصب التنزّل فالقول قول المالك الثّانية ما إذا اختلفا في قيمته سابقا مع اتّفاقهما على بقائه عليها إلى يوم التّلف فالقول قول الغاصب لأصالة البراءة و على المالك إقامة البيّنة على ما يدّعيه

و أمّا بناء على يوم المخالفة فلا بدّ إمّا من حمل النّص على التعبّد و أنّ البيّنة تسمع من المنكر في خصوص الغصب أو غصب الدابّة و إمّا من حمل كون قول المالك موافقا للأصل على ما إذا اتّفقا على القيمة قبل الغصب و اختلفا في التنزّل يوم الغصب فيدّعي الغاصب التنزّل و كلاهما بعيد و فيه أوّلا أنّ مجرّد الاستبعاد لا يثبت المدّعى لأنّ للخصم دعوى الاستبعاد في بعض الموارد على الوجه الآخر أيضا فكما يمكن فرض مورد سماع البيّنة من المالك غير مورد كون القول قوله بناء على القول بيوم التّلف فكذا يمكن اختلاف الموردين على القول بيوم المخالفة و ثانيا يمكن حمل الرّواية على صورة واحدة و هي دعوى الغاصب كون الدابّة معيوبة حين اكتراها فالأصل مع المالك لأصالة الصّحة أو دعواه التنزّل عمّا اتّفقا عليه سابقا قبل يوم المخالفة و سماع البيّنة منه إنّما هو لدفع اليمين عن نفسه فيكون الصّحيحة من الأدلّة الدالّة على سماع البيّنة من المنكر كما في قضيّة السّرج المعروفة و هي أنّ عيسى بن موسى أمر رجلا في السّعي أن يدّعي البغلة الّتي عليها أبو الحسن موسى عليه السّلام فأتاه و تعلّق باللّجام و ادّعى البغلة فثنى أبو الحسن ع رجله و نزل عنها و قال لغلمانه خذوا سرجها و ادفعوها إليه فقال السّرج أيضا لي فقال ع كذبت عندنا البيّنة بأنّه سرج محمّد بن علي و أمّا البغلة فإنّا اشتريناها منذ قريب و أنت اعلم بما قلت

هذا تمام الكلام في مدرك القول بأنّ المدار على قيمة يوم المخالفة و أمّا مدرك سائر الأقوال فمدرك أعلى القيم وجوه الأوّل ظهور الصّحيحة فإنّ قوله ع يوم خالفته بيان لأنّ المخالفة موجبة للضّمان و المفروض أن كلّ ما كان الشّي ء تحت سلطنة الغاصب فالغاصب خالف المالك فيه

ص: 152

و لا موجب لأن يكون القيمة ملحوظة في أوّل حدوث المخالفة بل إذا فرض قيمة العين في يوم أعلى من سائر الأيام فيضمنها الغاصب و إن تنزّلت بعد ذلك أو لم يكن بهذا المقدار في أوّل الأيام و لامتناع اجتماع الضّمانات لعين واحدة يدخل الأدنى تحت الأعلى و ينحصر الأعلى الثّاني ما تقدم من أنّ تفاوت الرّغبات أيضا كالصّفات يدخل تحت الضّمان الثّالث ما ذكره المصنف قدّس سرّه من أنّه إذا تلفت العين في يوم ارتفاع قيمتها فلا إشكال في ضمان الأعلى بناء على الاعتبار بيوم التّلف فكذلك إذا حيل بينهما و بين المالك حتّى تلفت فيضمن الأعلى و لو تنزّلت يوم التّلف لكون الغاصب منع المالك عن التصرّف في اليوم الّذي ارتفعت قيمتها الرّابع قاعدة نفي الضّرر

و لكن لا يخفى أنّ هذه الوجوه كلّها تقتضي عدم الفرق بين ردّ العين و بين تلفها مع أنّهم لا يلتزمون بذلك و لو قيل بأنّ ضمان الأعلى مشروط بالتّلف لقلنا بأنّ هذا يمكن بناء على الوجه الأوّل و الثّالث و أمّا الثّاني و الرّابع فلا وجه لتقدير التّلف في العين بل نفس تلف الوصف كاف لثبوت ضمانه على الغاصب هذا مع أنّ التمسّك بقاعدة الضّرر لا وجه له في مثل المقام لأنّ نفي الضّرر حاكم على الأدلّة المثبتة للتّكاليف و ليس مثبتا لحكم يرفع به الضّرر فالحكم بوجوب دفع الأعلى حتى لا يرد الضّرر لا يستفاد من لا ضرر و أمّا مدرك يوم الدّفع فمن وجوه أيضا

الأوّل الصّحيحة فإنّ قوله ع يوم ترده عليه ظاهر في أنّ المدار على يوم الردّ و فيه ما تقدّم من عدم الدلالة و حكي عن صاحب الجواهر أنّ لفظ يوم ليس في نسخة التّهذيب المصحّحة فبناء عليه عدم الدلالة على يوم الدّفع في غاية الوضوح و لكن ما أفاده معارض أوّلا بنسخ الكافي الّذي روى التّهذيب عنها فإنّ لفظ يوم موجود فيها كما هو موجود في الوسائل و غيره و ثانيا في مقام الدّوران بين الزيادة و النقصان التّرجيح مع عدم الزّيادة و لا ينافي ذلك اشتراك كلّ منهما في الأصل العقلائي و هو أصالة عدم الغفلة لأنّ الغفلة بالنّقص أقرب إلى الإنسان من الغفلة بالزيادة فإنّ زيادة الرّاوي من عند نفسه في غاية البعد و ثالثا مقتضى القواعد العربيّة لو لم يكن لفظ يوم أن يقال تردّها عليه لانحصار المرجع في القيمة و هذا بخلاف ما إذا كان لفظ يوم في العبارة فإنّ مرجع الضّمير هو البغل لعدم إمكان إرجاع الضّمير إلى القيمة لأنّه لا معنى لأن يقال عليك قيمة ما بين الصّحة و العيب يوم تردّ القيمة لأنّه ليس للقيمة قيمة يوم الردّ

الثّاني قوله ص على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي بناء على ما استظهرناه منه من أنّه ظاهر في استقرار نفس المأخوذ في عهدة الآخذ و تلفه لا يقتضي انقلابه إلى القيمة بل يبقى المال غير متقدّر بالقيمة إلى يوم الأداء الثّالث تسالم الأصحاب على صحّة المصالحة بين التّالف و أي مقدار من القيمة و لو كان التّلف موجبا للانقلاب إلى القيمة لم تصحّ المصالحة إلّا على مقدار ما يساوي قيمة التّالف و إلّا لزم الرّبا فعدم ملاحظة أحكام الرّبا كاشف عن أنّ العوضين ليسا متجانسين

و أمّا مدرك القول بيوم التّلف فهو الأخبار الواردة في باب الرّهن و العتق أمّا الأوّل ففي الوسائل عن أبي حمزة سألت أبا جعفر ع عن قول عليّ عليه السّلام يترادان الفضل فقال كان عليّ ع يقول ذلك قلت كيف يترادان فقال إن كان الرّهن أفضل ممّا رهن به ثم عطب ردّ المرتهن الفضل على صاحبه و إن كان لا يسوى ردّ الرّاهن ما نقص من حقّ المرتهن قال و كذلك كان قول عليّ ع في الحيوان و غير ذلك

و فيه أيضا عن إسحاق بن عمّار

ص: 153

سألت أبا إبراهيم ع عن الرّجل يرهن الرّهن بمائة درهم و هو يساوي ثلاثمائة درهم فيهلك على الرّجل أن يردّ على صاحبه مائتي درهم قال نعم لأنّه أخذ رهنا فيه فضل و ضيعه قلت فهلك نصف الرّهن قال على حساب ذلك قلت فيترادّان الفضل قال نعم فهذان الخبران يدلان على أمرين

الأوّل أنّ القيمي بمجرّد التّلف ينتقل إلى القيمة الثّاني أنّه يحتسب التّالف قهرا في مقابل الدّين و التّهاتر القهري لا يمكن إلّا بالانتقال إلى القيمة في يوم التّلف و إلّا كان على الرّاهن أن يؤدّي الدّين و يأخذ حقّه من المرتهن إمّا بقيمة يوم الإتلاف أو يوم الدّفع أو أعلى القيم أو يوم التّفريط لو كان غير يوم التّلف و حملهما على الاحتساب بالتّراضي لا شاهد له لا سيّما الأخير فإنّ ذيله و هو قوله ع على حساب ذلك يدلّ على أن مجرّد التّلف يوجب فراغ ذمّة الراهن بمقدار ما تلف بتفريط المرتهن

نعم لا بدّ من حملهما على أنّ الرّهن قيميّ لا مثلي و أنّ الدّين من النّقدين و لا بعد فيه كما يدلّ عليه ذيل الخبر الأوّل حيث قال ع و كذلك كان قول علي عليه السّلام في الحيوان و لو نوقش فيهما ففي الباب أخبار صريحة في السّقوط كقوله ع و إن كان الرّهن سواء فليس عليه شي ء و قوله ع و إن كان الرّهن يسوى ما رهنه فليس عليه شي ء و في خبر آخر و إن كان الرّهن يسوى ما رهنه عليه فالرّهن بما فيه أي الرّهن بدل عن الدّين

و أمّا الثاني فعن عبد الرّحمن عن أبي عبد اللّٰه ع عن قوم ورثوا عبدا جميعا فأعتق بعضهم نصيبه منه هل يؤخذ بما بقي فقال ع نعم يؤخذ منه بقيمته يوم أعتق و في معناه روايات أخر و استدلّوا أيضا بالأخبار الواردة في باب الإجارة و لكن لا يخفى ما في الجميع فإنّها واردة في باب الإتلاف و لو فرض أنّ إطلاق أخبار الرّهن يشمل صورة التّلف فلا بدّ من حمله على صورة التعدّي و التّفريط و إلّا فليس المرتهن ضامنا عند التّلف و موضوع البحث هو صورة التّلف و لا دليل على اشتراكهما في الحكم

هذا مع أن يوم الإتلاف و التعدّي في باب عتق شقص من العبد و في مسألة الرّهن و الإجارة هو يوم المخالفة غالبا فإنّ يوم التعدّي و التّفريط الّذي هو يوم المخالفة هو اليوم الّذي يتلف الرّهن فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ كون المدار على يوم المخالفة هو أقوى الأقوال و بعده يوم الدّفع بل لا يبعد أن يقال إنّ المتفاهم بحسب العرف و العادة كون اليد و الاستيلاء على العين سببا لتقدير القيمة و كون العين بماليّتها الغير المتقدّرة في عهدة الضّامن ليس أمرا ارتكازيا لأنّ المال عند العرف هو المقدر بالقيمة

هذا مع أنّ حكمهم بجواز مطالبة المالك لقيمة العين في صورة تعاقب الأيدي مع إمكان مطالبته ممّن يكون العين تحت استيلائه ظاهر في أنّ الغصب سبب لتحقّق الضّمان فعلا بقيمة المغصوب و إلّا لم يكن وجه لجواز مطالبته من الغاصب الأوّل مع وجود العين في يد الغاصب الثّاني بل لا يمكن الجمع بين عدم فعليّة الضّمان إذا كان العين موجودة و لم يتمكّن الغاصب من ردّها إلى مالكها و بين القول بوجوب بدل الحيلولة مع أنّ القول بيوم الدّفع بناء على كون العين في الذمّة يقتضي ضمان منافعها أيضا و الظّاهر بل المتيقّن عدم التزامهم به فيكشف عن أنّ المدار على زمان وضع اليد على العين

و كيف كان فالمسألة مشكلة و الالتزام بآثار الأقوال أشكل كما سيظهر ذلك إن شاء اللّٰه

فينبغي لتوضيح جميع ما تقدم من التّنبيه على أمور
الأوّل قد يتخيّل في بادي النّظر التّنافي

بين ما تسالم عليه المشهور من صحة المصالحة

ص: 154

على المال التّالف بأيّ مقدار من الدّرهم أو الدّينار و بين قولهم بيوم التّلف لأنّه لو كان المال منتقلا إلى القيمة يوم التّلف فالمصالحة على العين لا وجه له بل قد يتّفق مضافا إلى ذلك صيرورة المعاملة ربويّة فالمصالحة عليها إنّما يصحّ على القول بيوم الردّ كما تقدّم أنّه أحد الوجوه الدالّة عليه و لكنّه يمكن الجمع بينهما بأن يكون مقتضى الأصل هو يوم الدّفع و مقتضى الدّليل هو يوم التّلف بمعنى أنّ القائل بيوم التّلف لا يقول بانتقال العين في يوم التّلف إلى القيمة حتّى لا يصحّ المصالحة عليها بل يلتزم ببقاء المال غير متقدّر بالقيمة إلى يوم الدّفع و لكن يوم الدّفع إذا قدّر بالقيمة يقدر بقيمة يوم التّلف للأدلّة الدالّة على تعيين قيمة ذاك اليوم و نظير ذلك اجتماع الضّمان يوم المخالفة مع بقاء العين في ذاك اليوم فإنّ معنى كون المدار على يوم المخالفة ليس بمعنى انتقال العين إلى القيمة في ذاك اليوم و لا بمعنى اجتماع ضمان العين و القيمة معا بل معناه أنّ يوم التّلف يقوم بقيمة يوم المخالفة

نعم مقتضى ذلك أن يكون القول قول المالك عند الاختلاف سواء قلنا بقيمة يوم المخالفة أو يوم التّلف و لا يختصّ بما إذا قلنا بقيمة يوم الدّفع لأنّ الشكّ بناء على كون العين بماليّتها الغير المتقدّرة في الذمّة يرجع إلى الشكّ في الخروج عن العهدة لا إلى الشكّ في الاشتغال فإنّ رجوع الشكّ إليه إنّما يصحّ بناء على الانتقال إلى القيمة

الثّاني قد تقدّم أنّ تلف الوصف أيضا كتلف العين موجب للضّمان

و هذا من غير فرق بين الأوصاف الخارجيّة كوصف الصحّة و الكتابة و السّمن و نحو ذلك و الأوصاف الاعتباريّة ككون الشّي ء في زمان كذا أو مكان كذا فإنّه ممّا يزيد في ماليّة المال و ليس كتفاوت الرّغبات و قلّة المال أي فرق بين نقصان القيمة السّوقيّة و نقص القيمة الحاصل باختلاف الزّمان و البلاد فلو ردّ العين في غير هذا الزمان أو المكان وجب تدارك نقص قيمتها و بناء عليه يجب ردّ النّقص الخاص لا ردّ قيمة آخر الأزمنة أو الأمكنة الّذي يخرج العين فيه عن القيمة لأنّه لو كان للزّمان أو المكان خصوصية فلا وجه لتدارك قيمة قبيل خروج العين عن الماليّة فلو نقل الماء عن مفازة الحجاز إلى محلّ آخر للماء قيمة فيه أيضا وجب تدارك النّقص

نعم نقصان القيمة السوقيّة بناء على القول بوجوب تداركه مختصّ بما إذا تلف العين لا مطلقا و ذكرنا أنّ هذا ينافي القول باعتبار الأعلى لأنّ القول به معناه إلحاق القيمة السّوقيّة بسائر الصّفات فاعتبار تلف العين فيه مشكل

الثّالث لو تعذّر الوصول إلى العين فهل حكمه حكم التّلف
اشارة

قولان المشهور ذلك و تبعهم المصنف قدّس سرّه

فقال ثم إنّ في حكم تلف العين في جميع ما ذكر من ضمان المثل أو القيمة حكم تعذّر الوصول إليه و إن لم يهلك كما لو سرق أو غرق إلى آخره

لا يخفى أنّه يسمّى هذا الضّمان ببدل الحيلولة

و توضيح ذلك يتوقّف على بيان أمور

الأوّل في تنقيح مورده

و هو على ما يستفاد من كلمات الأعلام صرف التعذّر لا التّلف و ما بحكمه كما إذا خرج المال عن الماليّة شرعا أو سرق و لم يعرف السّارق بحيث لا يتمكّن من ردّه إلى مالكه عادة و نحو ذلك ممّا يعدّ تالفا عرفا كما في الغرق و نحوه فإنّ في هذه الموارد لا يضمن إلّا قيمة المال أو مثله لا بدل الحيلولة

نعم في بعض الموارد يشكّ أنّه من مصاديق التعذّر أو التّلف كما لو غرق و لم يحصل اليأس من الوصول إليه فالأولى تأسيس الأصل في المسألة ثم بيان موارد الغرامات الّتي يكون التعذّر منها ثم بيان أقسام التعذّر أمّا الأصل في المسألة

ص: 155

فقد يقال إنّ مقتضى قوله ص على اليد ما أخذت حتّى تؤدي أن يكون المال بجميع خصوصياته الشّخصية و المثليّة و الصّفات و الماليّة و السّلطنة عليه في عهدة الضّامن بمجرّد وضع اليد عليه خرج منه صورة ردّ العين إجماعا فيبقى الباقي فيشمل صورة التّلف و ما بحكمه و صورة التعذّر بأقسامه لأنّه لو كان المال بماليّته و خصوصيّته في عهدة الغاصب مشروطا بعدم ردّه فإذا لم يمكن ردّ عينه فللمالك مطالبة بدله سواء صدق التّلف أو التعذّر أم لم يصدق خرج المال عن القيمة أم لم يخرج كان التعذّر عقليا أم عرفيا كان زمانه قصيرا أم طويلا حصل اليأس من العين أم لم يحصل

و قد يقال كما هو المتبادر بدوا أنّ عموم على اليد لا يقتضي إلّا ضمان ماليّة المال عند التّلف لا ضمان شخص المال فضلا عن توابعه إلّا بمعنى ردّه تكليفا فكون العين تحت سلطنة المالك ليس ممّا يدخل تحت ضمان الغاصب حتى يجب أن يخرج عن عهدة ذلك مع بقاء العين فثبوت البدل عند التعذّر و إلحاقه بالتّلف يتوقّف على دليل ثم بناء على هذا يصير الأصل على عكس الأصل بناء على الأوّل لأنّه إذا شكّ في صدق التّلف أو التعذّر فالأصل براءة ذمّة الغاصب و من بحكمه

و أمّا موارد الغرامات فأربعة الأوّل التّلف الحقيقيّ الثّاني تلف جميع الانتفاعات في جميع الأزمنة و هذا على قسمين قسم يخرج العين فيه عن الملكيّة و لا يبقى إلّا حقّ الاختصاص كصيرورة الخلّ خمرا و الدّهن نجسا بناء على عدم جواز الانتفاع بهما أصلا أو عدم الانتفاع المعتدّ به و قسم لا تخرج فيه عن الملكيّة كما إذا انكسرت المرآة أو الظّروف الصّينيّة و نحوهما الثّالث تلف بعض الانتفاعات الّذي ليس ممّا يتقوّم به الملكيّة في جميع الأزمنة كما لو صار الحيوان موطوءة فإنّه لم يتلف منه إلّا الانتفاع به دائما في بلد الوطي لا في سائر البلاد الرّابع تلف جميع الانتفاعات في بعض الأزمنة كاللّوح المنصوب في السّفينة الّذي يخاف بنزعه على النّفس المحترمة و لو كان هو الغاصب أو تلف مال غير الغاصب

و لا شبهة في أنّ الثّاني ملحق بالأوّل فإنّه في حكم التّلف إمّا شرعا أو عرفا و أمّا الثّالث فلو لا الدّليل على الضّمان لكان مقتضى القواعد العامّة عدمه لعدم فوت معظم الانتفاعات و أمّا الرّابع فهو مورد البحث في ثبوت بدل الحيلولة و عدمه و على أيّ حال بدل الحيلولة لا يقتضي دخول المبدل في ملك الضامن فإنّه غرامة عن المبدل لا أنّه عوض عنه

فتفصيل المصنف بين غرامة الحيوان بالوطي و سائر الغرامات حيث اختار دخول الحيوان في ملك الغارم دون غيره لا وجه له لأنّ وجوب الغرامة لو اقتضى ملكيّة المتدارك من باب عدم إمكان الجمع بين العوض و المعوّض لاقتضى في الجميع و لو لم يقتض ذلك لا يقتضي في الجميع و توهّم أنّه إذا خرج الحيوان عن ملك المالك فلا بدّ أن يدخل في ملك الغارم و إلّا يبقى الملك بلا مالك فاسد

أمّا أوّلا فلأنّه لا موجب لخروجه عن ملك المالك فإنّ الغرامة ليست عوضا حتى يقتضي دخولها في ملك المضمون له خروج العين الّتي وجب على الضّامن غرامتها عن ملكه و أمّا ثانيا فلأنّ خروجها عن ملكه لا يقتضي دخولها في ملك الغارم لإمكان دخولها في بيت المال إلّا أن يقال إنّ تفصيل المصنف مستفاد من نفس الرّواية الدالّة على غرامة الحيوان فإنّ قوله ع يغرم ثمنه ظاهر في أنّ الحيوان بالوطي يدخل في ملك الواطئ فإنّ التّعبير بالثمن

ص: 156

إنّما هو لبيان ذلك

و أمّا أقسام التعذّر فأصولها أربعة الأوّل أن يكون لسرقة المال المضمون مع معرفة السّارق أو لإباق العبد و حاصله ما تمكّن الضّامن من ردّه ذاتا و إنّما تعذّر لعارض خارجيّ الثّاني أن يكون لعدم التمكّن خارجا كالرّطوبة الباقية على أعضاء الوضوء الثّالث أن يكون لخروج المال بالردّ عن الماليّة كالخيط المغصوب الّذي خيط به الثوب فإنّه قد يكون إخراجه من الثوب مفضيا إلى التّلف الرّابع أن يكون لخلطه بمال آخر و لا يخفى أن بدل الحيلولة إنّما يجري في القسم الأوّل دون غيره و سنشير إلى ذلك إن شاء اللّٰه

الأمر الثاني في الأدلّة الّتي أقاموها على لزوم بدل الحيلولة

و هي أمور الأوّل قاعدة لا ضرر و فيه أن هذه القاعدة كقاعدة لا حرج إنّما تكون حاكمة على الأحكام الثّابتة في الشّريعة الشّاملة بإطلاقها لمورد الضّرر فكلّ مورد استلزم من تشريع الحكم فيه ضرر على المكلّف فهذا الحكم مرفوع و أمّا الحكم الغير الثّابت الّذي يلزم من عدم ثبوته ضرر على شخص فبقاعدة لا ضرر لا يمكن إثباته لأنّ القاعدة ناظرة إلى نفي ما ثبت من الأحكام الشّرعيّة و عدم حكم الشّارع بالضّمان ليس من الأحكام المجعولة في الشّريعة الثّاني أن فيه جمعا بين الحقّين بعد فرض رجوع البدل إلى الضّامن

و فيه أنّه لو ثبت حقّ للمالك على الضّامن مع بقاء عين ماله لكان دفع القيمة إليه ما دام العين خارجة عن تحت استيلائه جمعا بين الحقّين و هذا يتوقّف على كون مجرّد وضع اليد على العين مع بقائها موجبا لتعلّق حقّ فعليّ بالبدل للمالك على الغاصب و هذا ممّا لا يلتزم به أحد حتى بناء على القول بأنّ المدار في القيمي على يوم المخالفة لأنّه ليس معناه فعلية الضّمان بالقيمة و العين بل فعليّته بالنّسبة إلى القيمة مشروطة بالتّلف غاية الأمر أنّه يلاحظ قيمة يوم المخالفة و أمّا بدون تلف العين فلا حقّ له إلّا على العين الثّالث عموم النّاس مسلّطون و فيه أنّه لا سلطنة له إلّا على العين و عموم السّلطنة لا يثبت الصّغرى الرّابع كون الغاصب حائلا بين المالك و ملكه

و فيه أنّ الحيلولة ليست من موجبات الضّمان مستقلّا إلّا إذا دخل تحت اليد أو الإتلاف و المفروض أنّ قاعدة اليد لا تقتضي ردّ البدل مع عدم التّلف و المفروض عدم الإتلاف الخامس أنّه فوت سلطنة المالك فيجب عليه تداركها و فيه أنه ليس للمالك إلّا الملك و أمّا السّلطنة عليه فهي من أحكام الملك فلا معنى لتعلّق الضّمان بها و هذا مراد المحقّق الثّاني الّذي هو ترجمان الفقهاء من قوله جعل القيمة في مقابل الحيلولة لا يكاد يتّضح معناه

و حاصل إشكاله أن مجرّد منع الضّامن عن أعمال المالك سلطنة في ماله و حيلولته بينه و بين ماله لا يوجب أن يكون القيمة واجبة عليه إلّا أن يقال ليس المراد من السّلطنة الّتي التزم المصنف قدّس سرّه بتداركها هي الحكم الشّرعي بل المراد هي الجدة الاعتباريّة فالبدل بدل لهذه الجدة الّتي هي عبارة عن كون المال تحت استيلاء المالك يتقلّب فيه ما يشاء و يتصرّف فيه ما يريد بل قيل هذه هي الّتي تقع متعلّقة للإجارة في مثل الدّار و الدّكان فإنّ الأجرة تقع بإزاء كون العين تحت يده فإذا كان الضّامن سببا لتفويت هذه الخصوصيّة على المالك وجب عليه تداركها و هو لا يتحقّق إلّا بأداء ما هو بدل المال من المثل أو القيمة حتّى يتصرف المالك فيه على مشيّته

و فيه أنّ مقتضى ذلك إمّا ضمان المنافع أو التّفاوت بين كون العين تحت استيلائه و بين كونها خارجة عنه لا بدلها فإنّ المالك و إن لم يقدر على جميع أنحاء التقلّبات في ماله

ص: 157

بواسطة الحيلولة إلّا أنّ هذا لا يقتضي إلّا ضمان المنافع أو النّقص فإمّا يستحقّ أجرته أو أرشه فالأولى الاستدلال له بما أشرنا إليه في صدر المبحث و هو أن على اليد يقتضي كون الضّامن ضامنا للمأخوذ بجميع خصوصياته الشخصيّة و النّوعيّة و الماليّة و الصّفات و السّلطنة فإذا كان ماليّته في عهدته فإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين أن يكون التعذّر دائميا أو موقتا

نعم يرد عليه أنّ مع بقاء العين لا وجه لدخول ماليّة المال في عهدة الآخذ بل تعلّق الضّمان بماليّته إنّما هو في طول تعلّق الضّمان بالعين فإنّ ظاهر الحديث أنّ نفس المأخوذ في عهدته غاية الأمر أنّ وجوب الردّ حيث إنّه ليس حكما تكليفيّا محضا يقتضي أداء ما هو هو عند التّلف إلّا أن يقال إنّه بمناسبة الحكم و الموضوع يستفاد عرفا من الحديث الشّريف أنّ الآخذ إمّا يجب عليه ردّ المأخوذ بشخصه و إمّا ما يصدق عليه أنّه أداء له ما لم يتمكّن من ردّ شخصه و لا يرى العرف فرقا بين التّلف و التعذّر من حيث دلالة الحديث فإنّ استقرار العين في عهدة الضّامن يقتضي أن يخرج من تبعات ماليته

نعم إذا كان زمان التعذّر قصيرا جدا فليست هذه المناسبة متحقّقة كما أنّه لا يصدق الضّرر أيضا

الأمر الثّالث هل المدار في التعذّر على التعذّر المسقط للتّكليف

بردّ العين أو الأعمّ منه و من التعذّر العرفي وجهان مبنيان على ما تقدّم من الاختلاف في تقريب الأصل في المسألة

و لكن مقتضى الأدلّة عدم الفرق بين الصّورتين فإنّ فوت سلطنة المالك و الضّرر عليه مشترك بينهما ففي مورد التعذّر العرفي و إن وجب على الضّامن السّعي في تحصيل العين إلّا أنّ هذا لا ينافي وجوب البدل في زمان السّعي و لا وجه لإجراء استصحاب عدم تسلّط المالك الّذي كان قبل التعذّر فإنّه محكوم بإطلاق على اليد و عموم السّلطنة و قاعدة لا ضرر و غير ذلك من الأدلّة الّتي أقاموها على ثبوت البدل و استحقاق المطالبة

كما أن مقتضى الأدلّة أيضا عدم الفرق بين العلم بحصول العين و اليأس منه و رجائه و لا وجه لاختصاصه بمورد اليأس و ليس دليل بدل الحيلولة لبيّا حتى يكون المتيقّن منه صورة اليأس ثم لا يخفى أنّ جهة البحث في التعذّر العقليّ أو العادي غير جهة البحث في تقييد التعذّر بمورد اليأس أو إطلاقه لأنّ اليأس من الحصول قد لا يوجب سقوط التّكليف لعدم كونه متعذرا عقلا كما أنّ العلم بوجدانه فيما بعد أو رجاء وجدانه قد يوجب سقوط التّكليف فعلا لكونه متعذّر الحصول عقلا في هذا الحال إمّا للمنع الشّرعي الّذي هو كالامتناع العقلي كما في اللّوح الّذي يوجب نزعه تلف النّفس المحترمة أو مال غير الغاصب و إمّا للمنع الخارجيّ التكوينيّ فكل من مورد اليأس و العلم قابل لتقسيمه إلى التعذّر العقليّ و العرفي كما أنّ طول الزّمان و قصره أيضا قابل لتقسيمه إليهما و إلى اليأس و العلم

فما أورده السيّد قدّس سرّه في حاشيته بعد قول المصنف ثم الظّاهر عدم اعتبار التعذّر المسقط للتّكليف بقوله لا يخفى أنّ هذا ليس مطلبا آخر بل هو نفس الوجه الأخير الّذي أيّده بأن فيه جمعا بين الحقين كما أنّ تعبير البعض بالتعذّر هو نفس الوجه الأوّل و هو اليأس من الوصول فلا وجه للتكرار غير وارد فتدبر و كيف كان لو قلنا بأنّ المالك يستحقّ المطالبة بالبدل من الضّامن بمجرّد أخذ المبدل غاية الأمر أنّه مشروط بالتلف أو التعذّر فلا فرق بين أقسام التعذّر إلّا أن يكون زمانه قصيرا جدا

الأمر الرابع في الأحكام المتفرّعة عليه بعد ثبوته و هي في ضمن مسائل
الأولى هل البدل ملك للمالك أو مباح له وجهان

ص: 158

و الأقوى كونه ملكا له لأنّه لو ثبت للمالك حق في أخذه البدل فهو ملك له و لو لم يثبت فلا يباح له أيضا و الالتزام بالإباحة حتى لا يجتمع العوض و المعوّض في ملك المالك لا موجب له لأنّه يمكن أوّلا الالتزام بكون العين المتعذّر ردّها ملكا للضامن كما اختار ذلك صاحب الجواهر قدّس سرّه في بعض أقسام التعذّر كالخيط الّذي برده يتلف أو يتلف المخيط و الرّطوبة الباقية على أعضاء الوضوء و اختار ذلك السيد المحشي قدّس سرّه في جميع أقسام التعذّر بل في التّلف الحقيقيّ و هذا و إن لم يستقم كما سيجي ء وجهه إلّا أنّه يرفع إشكال الجمع و ثانيا وجوب البدل ليس إلّا من باب الغرامة لا المعاوضة فإذا كان كلّ واحد من البدل و العين المتعذّر ردّها ملكا للمالك فلا محذور فيه لأنّ اجتماعهما كاجتماع الأرش و العين المعيبة

و لكن الصواب أن يقال لو كان البدل بدلا عن الماليّة بأن استفدنا وجوبه عن عموم على اليد فهو ملك للمالك و لو كان بدلا عن السّلطنة الفائتة فمقتضاه كونه مباحا له كالإباحة في المعاطاة لأنّ ما فات عن المالك هو آثار الملك و هي التصرّف و التقلّب فيه كيف شاء فلا بدّ أن يقام مقامه ما جاز للمالك التصرّف فيه حتّى المتوقّف على الملك كما كان له السّلطنة على عينه قبل التعذّر و مقتضى ذلك هو الإباحة المطلقة و الالتزام بالملكيّة آنا ما في التصرّف المتوقّف على الملك لا الملكيّة من أوّل الأمر

و كيف كان لم يجتمع عند المالك العوض و المعوّض و لا البدل و المبدل لأنّ الغرامة لو كانت مباحة له كانت بدلا عن السّلطنة الفائتة و لو كانت ملكا له فهي بدل عن مالية ماله الّتي فاتت منه زمان التعذّر

الثانية هل البدل بدل للعين دائما أو ما دام التعذّر

أو ما لم يردّ العين أو تفصيل بين القول بالملكيّة و الإباحة وجوه و الأقوى كونه موقّتا مطلقا فيعود إلى ملك الغارم أو إلى تحت سيطرته بعد التمكّن أو بعد ردّه العين على الوجهين الآتيين و ذلك لأنّ من مناسبة الحكم و الموضوع يستفاد أن الحيلولة أو التعذّر موضوع للحكم بوجوب الغرامة و عنوان له لا أنّه علّة له حتى يمكن أن تبقى الغرامة للمالك دائما لاحتمال كون حدوثه آنا ما كافيا لبقائها له أبدا كما في مسألة التغيّر الّذي هو علة لثبوت النّجاسة في الماء لا عنوانا للموضوع بل لو شكّ في كونه عنوانا أو علّة لكفى في عدم جريان استصحاب بقاء حقّ المالك

و بالجملة بعد التمكّن أو بعد ردّ العين لا وجه لبقاء الغرامة في ملك المالك أو تحت سلطانه فإنّها و إن لم تكن عوضا بل كانت إمّا بدلا عن السّلطنة أو بدلا عن الماليّة إلّا أن بدليّتها كانت موقّتة لا دائميّة إلّا أن يقال إنّها لو كانت بدلا عن السّلطنة فحيث إنّها كانت بدلا عن السّلطنة الفائتة الّتي لا ترجع إلى المالك أبدا فتبقى هذه أيضا على البدليّة دائما بل يمكن أن يقال أيضا بالملكيّة الدّائميّة على القول بالملك من جهة عدم ثبوت الملك الموقّت في الشرع

و لكن الحقّ عدم إمكان الالتزام بالسّلطنة الدّائميّة و لا بالملكيّة كذلك و لا يجري الاستصحاب على الوجهين أمّا بناء على بدليّتها عن السّلطنة فلأنّ مقدار ما فاتت من السّلطنة تتدارك بالغرامة فإذا عادت فتعود الغرامة أيضا إلى الغارم و أمّا بناء على كونها بدلا عن الماليّة فلأنّ القول بأنّ الملكيّة الموقّتة غير ثابتة في الشرع غير مسموع لأنّ ثبوتها كذلك لم يقم برهان على امتناعه إلّا في البيع لقيام الإجماع على بطلانه كذلك فإذا اقتضى الدّليل التوقيت في غير البيع فيتبع هذا مع أنّ في الأوقاف الخاصّة الملك للبطون ليس دائميا

الثالثة هل العين الّتي يجب على الضّامن

ص: 159

غرامتها ملك للضّامن مطلقا أو باقية في ملك المالك مطلقا أو تفصيل بين الغرامات وجوه قد تقدّم أنّ كلّ مورد دلّ الدّليل على كون الغرامة ثمنا فيستكشف منه أنّ وجوب دفع الغرامة من باب المعاوضة الشّرعيّة القهريّة و ما لم يقم دليل عليه فلا موجب لدخول العين في ملك الغارم من غير فرق بين التعذّر بأقسامه و التّلف الحقيقيّ و العرفيّ و جريان الربا فيها لا يدلّ على كون الغرامات من باب المعاوضة إلّا إذا قلنا بالتّلازم بينهما و بناء عليه لا نلتزم بجريان الرّبا فيها فإنّ عدم صحّة ردّ الزّائد أو الناقص في المكيل أو الموزون و بدلا عن التّالف أو المتعذّر ليس اتّفاقيا و بناء على ثبوت الاتّفاق ليس اختصاص الرّبا بالمعاوضات اتّفاقيّا

و بالجملة الغرامة لا معاوضة مالكيّة و لا شرعيّة قهريّة فإنّ الدّليل الدالّ على الضّمان لا يقتضي كون العين ملكا للضّامن سواء صارت تالفة حقيقيّة أم عرفا كما إذا خرجت عن قابلية الانتفاع بها كالأواني المكسورة و الماء المصبوب على أعضاء الوضوء أو شرعا كما إذا صار الخلّ خمرا أو صارت متعذّرة كمورد بدل الحيلولة بل في التّلف الحقيقيّ لا يعقل دخول التّالف في ملك الضّامن و للقطع باتّحاد الحكم في جميع موارد الغرامات نحكم بعدم دخول المبدل في ملكه مطلقا بل يبقى في ملك مالكه و ذلك لأنّ في التّلف الحقيقيّ إمّا أن يقال بدخول التّالف في ملكه قبل التّلف أو بعده فلو قيل بدخوله قبله كدخوله في تلف المبيع قبل قبضه آنا ما في ملك البائع و كذلك في المعاطاة

ففيه أوّلا أنّه يلزم تقدّم المعلول على علّته بيان الملازمة واضح فإنّ التّلف علّة للغرامة و الغرامة علّة لدخول التّالف في ملك الغارم فكيف يدخل في ملكه قبل التّلف الّذي هو علّة لعلّته و القول بأنّ في الرّتبة السّابقة على التّلف يقدر التالف ملكا للضّامن لا في الزّمان السّابق عليه لا يستقيم لامتناع التقدّم الرّتبي أيضا و ثانيا أنّ هذا يقتضي التقدير في التّلف الحكمي و التعذّر بأقسامه فيلزم أن يكون التعذّر بنفسه موجبا لملكيّة المتعذّر للغارم و لازم ذلك أن تكون منافعه قبل أداء الغرامة له و لا أظنّ أن يلتزم به أحد و لو كان بعده فدخول المعدوم في الملك أمر لا يعتبره العقلاء و فرضه موجودا لا يجعله موجودا مع أنّه بلا موجب

و بالجملة حيث إنّ الغرامة سادّة للثّلمة الّتي وردت على ملك المالك فلا يقتضي لزومها على الغارم دخول عين المالك في ملكه لأنّها ليست بدلا عن نفس العين فبقاء العين في ملك المالك لا يقتضي الجمع بين العوض و المعوّض و لا المبدل ثم إنّ مقتضى ذلك أنّه لو خرج العين عن قابلية التملّك كما إذا صار الخلّ خمرا كان المالك أولى من الضّامن به و يبقى حقّ الاختصاص له

و لا يقال لم يكن له حق الاختصاص في عرض الملك لأن لكلّ منهما موردا مستقلا و لا يجتمعان في مورد واحد حتى يبقى أحدهما بعد زوال الآخر فإذا زالت الملكيّة فإمّا يلحق بالمباحات الأصليّة فهو لكلّ من سبق إليه و إمّا للغاصب لكونه في يده و على أيّ تقدير فثبوت الأولويّة للمالك مشكوكة لأنّها جديدة تتوقّف على سبب و الأصل عدمه

لأنّا نقول ليس الحق أمرا مغايرا للملك بل هو من شئونه و مراتبه الضّعيفة المندكّة تحت القوى لأنه عبارة عن إضافة خاصّة بين المستحقّ و المستحقّ عليه و هي حاصلة للمالك و محفوظة في جميع الحالات المتواردة على الملك فهي كالهيولى لا تزول بزوال الصّور النوعيّة فإذا صار الخشب رمادا لا يزول عنه إضافة المالك بل قد لا تزول الصورة كالماء الخارج

ص: 160

عن المفازة و الجمد الباقي من الصّيف إلى الشّتاء و لا يصحّ قياس الملك و الحقّ على الوجوب و الاستحباب لأنّهما متغايران بالملاك و لكلّ منهما مصلحة مستقلّة فإذا نسخ الوجوب لانتهاء مصلحته فلا تبقى مرتبة ضعيفة من الطّلب حتى يبقى الاستحباب فإنّه يحتاج إلى ملاك مستقلّ و الجامع الطّلبي لا يكفي للحكم بالاستحباب و لذا عدّا حكمين متضادّين

نعم لو أحرزنا ملاك الاستحباب في ضمن ملاك الوجوب لقلنا ببقائه بعد نسخ الوجوب ثم إنّ هنا قولا بالتفصيل بين من كان يده يدا تبعيّة كيد الوكيل و الودعي و المرتهن و كلّ يد أمانيّة فحقّ الاختصاص للمالك و من كان يده يدا استقلاليّة كالغاصب و الآخذ بالعقد الفاسد فهو له و لكن الأقوى ما عرفت من بقاء حقّ الاختصاص للمالك مطلقا لكونه من مراتب الملك بل لو قيل بأنّه من أحكام السّلطنة و آثارها فهو له أيضا لأنّه إذا كان من آثار السّلطنة على الشّي ء ثبوت حقّ الاختصاص فيه فهذا غير قابل للزّوال بزوال الملكيّة

نعم لو قيل بأنّ الحق و الملك متغايران ذاتا و موردا فيجي ء النّزاع في أنّه لمن سبق إليه أو للمالك مطلقا أو لمن كان يده يدا استقلاليّة و على هذا لا يجري استصحاب وجوب الردّ الثّابت سابقا سواء كان هو المتأصّل في الجعل و الملكيّة أو الحق منتزعة عنه أم كان المجعول هو الملكيّة أو حق الاختصاص و كان وجوب الردّ من أحكامه أمّا على الأخير فواضح للعلم بزوال الملكيّة و الشكّ في ثبوت حق الاختصاص و أمّا على الأوّل فلأنّ الوصف العنواني و هو الملك أو الحق له دخل في وجوب الردّ و ليس الموضوع هو ذات الشّي ء و لا أقلّ من الشكّ فلا مجال لاستصحابه فتأمل

و لكن هذا القول ضعيف جدّا و لا يشهد له الاختلاف في باب إحياء الموات و هو أنّ من عمّر أرضا خربة تركها أهلها هل ينتفع بها بلا حقّ لصاحبها الأصلي أو مع إعطائه طسقا لأنّ الاختلاف فيه إنّما هو لاختلاف الأخبار في بقاء الملك على ملك المالك الأصلي فيستحقّ الطّسق أو زواله فلا يستحقّ شيئا و لا تدلّ على عدم بقاء حق الاختصاص لصاحبه الأصلي مع بقاء الملك على ملكه بل من نفس هذه الأخبار يظهر صدق ما ادّعيناه من أنّ الحقّ من مراتب الملكيّة لظهورها في أنّ من حجر مكانا يستحقّه اختصاصا لا ملكا و إذا عمره يصير ملكا له فيحصل له أوّلا حقّ الاختصاص ثم الملكيّة و لا شبهة في أنّ الحقّ لا يزول بعد حصول الملك بل يندرج فيه

و كيف كان لا إشكال في أنّ الخمر إذا صار خلّا عاد إلى ملك المالك اتّفاقا إذا لم يسبقه سابق ثم إنّ ممّا يتفرّع على هذه المسألة عدم جواز المسح بالبلل الباقي على أعضاء الوضوء فإنّ الماء و إن كان تالفا عرفا فيجب على الضّامن بدله إلّا أنّه لم يخرج عن ملك المالك لما عرفت أنّ الضّمان في حدّ نفسه لا يقتضي دخول المضمون في ملك الضّامن و لذا لم يلتزم أحد بأنّ الضّامن لدين الغير يملك الدّين و عرفت أنّ جريان الرّبا في الضّمان لا يلازم كونه معاوضة و لذا ينسب إلى المشهور جريانه في الضّمان العقدي فقالوا لا يجوز أن يصير الشخص ضامنا لدين في ذمّة الغير أزيد ممّا في ذمّته إذا كان مكيلا أو موزونا مع أنهم لا يلتزمون باقتضاء الضّمان المعاوضة مطلقا

اللّٰهمّ إلا أن يقال بالفرق بين الخمر و الرطوبة الباقية على أعضاء الوضوء فإنّ الخمر قابل للتّخليل فيبقى حق الاختصاص للمالك أو هو مباح لكلّ من سبق إليه و أمّا الرّطوبة فلا هي مال و لا فيها حقّ اختصاص لعدم إمكان ردّها إلى المالك خارجا و عدم قابلية الانتفاع بها لغير المتوضّي

و بالجملة الرّطوبة شي ء لا يمكن أن يتعلّق بها وجوب الردّ تكليفا و لا هي في عهدة الضّامن وضعا

ص: 161

لأنّ ما لا يمكن أدائه أبدا لا معنى لأن يتعلّق الضّمان به فإذا خرجت عن المملوكيّة عرفا فلا مانع لأن ينتفع بها من هي على أعضائه فتأمل

الرابعة هل دفع البدل حقّ للضّامن أو المطالبة به حقّ للمالك أو لكليهما

و الأقوى هو الثاني كما اختاره المصنف قدّس سرّه

فقال ثم إنّ ثبوت القيمة مع تعذّر العين ليس كثبوتها مع تلفها في كون دفعها حقّا للضّامن

و وجهه واضح فإن مجرّد التعذّر لا يوجب انقلاب العين إلى القيمة كما قلنا بذلك في المثلي المتعذّر مثله فليس للضّامن إلزام المالك بأخذ البدل بحيث لو امتنع منه ردّه إلى الحاكم بل للمالك الإغماض عن الخصوصيّة الشخصيّة و المطالبة بالبدل و له الصّبر لأنّه لو كان العذر أبديّا لم يكن المتعذّر قابلا لأن يتعلق به وضع كما لا يمكن أن يتعلّق به تكليف

و أمّا العذر الموقّت فهو و إن استلزم سقوط الحكم التّكليفي ما لم يتمكّن الضّامن من الردّ و لو بالسّعي في مقدّماته إلّا أنّه لا وجه لسقوط الخصوصيّة الشخصيّة فالخيار للمالك و هذا من غير فرق بين القول بأنّ البدل بدل عن الماليّة أو عن السّلطنة و القول بأنّه بدل عن كون العين تحت الاستيلاء لأنّ الخصوصيّة الشخصيّة تسقط على جميع التّقادير لا وجه له و مجرّد إرادة الضامن تفريغ ذمّته عن تبعات العين من ضمان المنافع و ارتفاع القيمة السّوقيّة و نحو ذلك من نقص الأوصاف لا يقتضي أن يكون حق الدّفع له

الخامسة أنّه لا إشكال في أنّ الضّامن قبل دفع الغرامة يضمن منافع العين المتعذّرة

و لو تلفت يضمن ارتفاع القيمة السّوقيّة بناء على القول بأعلى القيم فإنّ العين في عهدته بجميع تبعاتها و لا فرق بين ضمان المنافع و ارتفاع القيمة و ما استظهره المصنف من كلام بعض من تعرّض لضمان المغصوب من عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقيّة الحاصل بعد التعذّر و قبل الدّفع حيث عطف التعذّر على التّلف ففيه أنّ العطف لا يقتضي الاتّحاد بين المعطوف و المعطوف عليه من جميع الجهات فعدم ضمان ارتفاع القيمة بعد التّلف لا يقتضي عدمه بعد التعذّر و قبل الدّفع

و على أيّ حال فالحق هو ما اختاره قدّس سرّه من اتّحاد حكمهما لو تلفت العين و إنّما الفرق بينهما من جهة أخرى و هي أنّ ضمان ارتفاع القيمة مشروط بالتّلف لأنّه لو ردّ العين فلا يجب غيرها و أمّا المنافع فيضمنها مطلقا

و بالجملة لا إشكال في أنّه يضمن المنافع و ارتفاع القيمة إنّما الإشكال في أنّه يضمن كذلك بعد الدّفع أيضا أو يخرج عن عهدة جميع ذلك بالدّفع و الأقوى خروجه عن جميع التبعات بعد ما قوّينا أنّ وجوب البدل إنّما هو من باب تدارك الماليّة أو كون العين تحت اليد لأنّه سقط خصوصيّة العين بالتعذّر و أدّى الماليّة فلم يبق في ذمّته شي ء يستتبع المنافع فيكون هذا نظير ما إذا أدّى القيمة في المثلي المتعذّر مثله نعم لو كان وجوبه من باب تدارك السّلطنة فيبقى جميع التبعات على عهدته

السّادسة إذا ارتفع العذر و تمكّن من ردّ العين إلى مالكه وجب الردّ فورا

حتى على القول بالمعاوضة القهريّة الشّرعيّة لأنّ حكم الشّارع بالمعاوضة مترتّب على عنوان التعذّر و يدور مداره و لا يمكن قياس المقام على المثليّ المتعذّر مثله بعد أداء قيمته حيث قلنا بأنّه لا يجب ردّ المثل بعد التمكّن فإنّهما و إن اشتركا في أنّ الخصوصيّة العينيّة أو المثليّة غير قابلة للإسقاط بنفسها إلّا أنّهما مفترقان في أنّ المثليّة أمر كلّي تدخل في الذمّة فإذا أغمض المالك عنها

ص: 162

و لم يصبر إلى زمان تمكّن المثل و طالب الماليّة فيقع كلّ ما أدّاه الضّامن مصداقا لما في ذمّته و بدلا عن الكلّي

و لا شبهة أنّ كلّ ما وقع بدلا عن الدّين يوجب سقوطه و لو كان من غير جنسه و هذا بخلاف العين الشّخصيّة فإنّها إذا سقط أداؤها بالتعذّر و طالب المالك ماليّتها فوقوع كلّ ما يؤدّيه الضّامن بدلا عن العين يحتاج إلى معاوضة مالكيّة أو شرعيّة أبديّة لا دائرة مدار التعذّر لأنّ العين لا تدخل في الذمّة حتى يبرأ ذمّة الضّامن عنها بأداء بدلها فإذا ارتفع التعذّر يجب ردّ العين و هذا أيضا مقتضى قوله ص على اليد ما أخذت المغيّى بأداء المأخوذ

السّابعة قد عرفت أنّ الغرامة ليست ملكا دائميا للمالك

على جميع التّقادير إنّما الكلام في أنّه يرجع إلى الغارم بمجرّد تمكّنه من ردّ العين أو بردّها خارجا وجهان و الأقوى هو الثّاني و ذلك لأنّ التعذّر و إن أوجب استحقاق البدل إلّا أنّه علّة للوجوب لا أنّه موضوع له حتى يبطل البدليّة بمجرّد التمكّن و ذلك لأنّ التمكّن لا يخرج العين عمّا هي عليه من انقطاع سلطنة المالك عنها و عدم كونها تحت يده فما لم يرجع العين لا تدخل تحت سلطنته و يده و لا تعدّ مالا من أمواله فالموضوع هو خروج العين عن تحت السّلطنة لا التعذّر فإنّه علّة للوجوب كالتغيّر الّذي هو علّة العروض النّجاسة على الماء فإذا شكّ في أنّه علّة محدثة فقط أو علّة محدثة و مبقية أيضا فيستصحب بقاء البدل على ملك المالك و لازم ذلك عدم ثبوت الضّمان الجديد فإنّ منشأ توهّم الضّمان الجديد هو عود الغرامة إلى الغارم و منشأ العود هو كون التعذّر ركنا لثبوت تملك المالك للغرامة و كونه ركنا يتوقّف على أن يكون التمكّن موجبا للجمع بين العوض و المعوّض عند المالك مع أنّ مجرّد التمكّن لا يخرج العين عمّا هي عليه من انقطاع سلطنة المالك و لا تعدّ مالا من أمواله فلا وجه لخروج البدل عن ملك المالك قبل ردّ العين و لا وجه للضّمان الجديد بل العين قبل الردّ مضمونة بالبدل فإذا تلفت بعد التعذّر و قبل الردّ يتعيّن البدل للبدليّة و على هذا لا وجه لاستحقاق الغارم لحبس العين لأنّه لا يستحقّ الغرامة إلّا بردّ العين فإذا كان علّة استحقاقه هو الردّ فكيف يتقدم المعلول على علّته

و لا يقال مقتضى ذلك عدم جواز مطالبة المالك العين من الغارم لأنّه ما لم يرد الغارم العين إليه يبقى بدليّة الغرامة على حالها فإنّ سقوط البدليّة و ارتفاعها على الفرض إنّما هو بالردّ فمع بقاء البدليّة كيف يجوز له المطالبة نعم بناء على كون البدل بدلا عن السّلطنة يمكن التّفكيك بين الأحكام الوضعيّة فيبرأ الضّامن عن بعض آثار المضمون دون بعضها الآخر فيجوز للمالك المطالبة مع بقاء البدل في ملكه

لأنّا نقول لا تنافي بين براءة ذمّة الضّامن عن ماليّة المال و عدم عود البدل إلى ملكه بمجرّد التمكّن و بين جواز مطالبة المالك بحق مالكي و ذلك لأنّ براءة ذمّة الضّامن ليس إلّا لأنه لم يبق من حيث ماليّة المال في عهدته شي ء و لكن علقة المالك بالنّسبة إلى ملكه باقية و لذا يصحّ في هذا الحال بيعه أو صلحه من غير الغارم فاستحقاق المالك إنّما هو لبقاء علقته كما في الخل الّذي صار خمرا و كما في الأواني المكسورة و حيث إنّه لا يمكن ردّ العين إلّا في ضمن ماليّتها فيجب عليه ردّ المال و بعد ذلك يستحقّ البدل لئلّا يجتمع البدل و المبدل عند المالك بل يمكن أن يقال ليس للغارم حقّ حبس العين و لو قيل ببطلان البدليّة بمجرّد التمكّن

ص: 163

و توضيح ذلك أنّ النزاع في استحقاق الغارم حبس العين إلى أن يدفع المالك الغرامة و عدمه يقع في مقامين الأول فيما لو وصل العين في يده و الثاني مجرّد التمكّن من ردّها مع بقائها في يد الغير أو المحلّ الذي كانت فيه فمعنى حبسها هو الأعمّ من حبسها تحت يده و عدم إقدامه على تحصيلها و المصنف رجّح أوّلا عدم ثبوت حقّ له لأنّ العين لم تكن معوّضة عن البدل بل كانت السّلطنة معوّضة عنه ثم رجّح ثانيا ثبوت الحقّ له لأنّ العين و إن لم تكن معوّضة بل كان المعوّض هو السّلطنة إلّا أنّ حبس السّلطنة لما كان متوقّفا على حبس العين لتضمّن العين السّلطنة عليها فلا مانع من حبس العين و ذلك كما يحبس الخيّاط الثّوب المخيط لتضمّنه الخياطة الّتي هي معوّض عن الأجرة و كذلك حبس القصّار الثوب

و لكنّك خبير بأنّ المورد الّذي دلّ الدليل على جواز الحبس فيه هو مورد المعاوضات قبل الفسخ و بعده أمّا قبله فللشّرط الضّمني من المتعاوضين فإن بناءهما بحسب العادة هو التّسليم و التسلّم بحيث صار ذلك من الأمور الارتكازيّة عند العرف فللبائع جنس المبيع ليأخذ الثّمن و للمشتري حبس الثمن ليتسلّم المبيع و أمّا بعد الفسخ فحقّ الحبس و إن لم يكن خاليا عن الإشكال لأن العقد إذا بطل بطل بتوابعه و منها الشرط الضّمني إلّا أنّه ادّعى الإجماع على أنّ لهما حقّ الحبس أو أنّ الشّرط الضّمني اقتضى حقّ الحبس بعد الفسخ أيضا و بطلانه لبطلان متبوعه لا يقتضي ذهاب أثره لأنّ هذا الأثر أثر لمطلق وجوده لا لبقائه و إذا ثبت حقّ الحبس إمّا للشّرط الضّمني أو الإجماع ارتفع إشكال الأردبيلي قدّس سرّه من أنّ ظلم أحدهما لا يسوّغ ظلم الآخر و أمّا ثبوته في المقام فلا دليل عليه سواء قلنا بأن باب الغرامات باب المعاوضات أو قلنا بأنّه ليس إلّا تدارك الفائت و سواء قلنا بعود الغرامة بمجرّد التمكّن أم بعد ردّ العين و ذلك لأنّه لو قلنا بأنّ الغرامة لا تعود إلّا بردّ العين فلا يتحقّق موضوع لحقّ الحبس فإنه نظير الخيار الحاصل بردّ مثل الثمن فإنّه ليس للبائع حبس الثّمن لأخذ المثمن لعدم تحقّق الخيار له إلّا بعد ردّ الثمن

و أمّا لو قلنا بأنّ الغرامة تعود بمجرّد التمكّن فلو قلنا بالمعاوضة بين الغرامة و العين فهذا و إن كان نظير بعد الفسخ إلّا أنّ الدّليل الدال على ثبوت حقّ الحبس بعد الفسخ لا يدلّ على ثبوته في المقام لأنّ الحبس فيه إنّما هو لفسخ المعاوضة المالكيّة و في المقام معاوضة شرعيّة قهريّة فيتوقّف ثبوت الحقّ فيه على دليل بالخصوص و لو قلنا بأنّه من باب الغرامة فأمره أظهر لأن باب الغرامة لم يثبت فيها جواز الحبس للغارم فلا يشبه بالعقد بعد الفسخ أيضا و هذا من غير فرق بين كون الغرامة بدلا عن السّلطنة أو الماليّة لعدم ثبوت الحقّ للضّامن على أيّ تقدير و حاصل الكلام أنّه لا وجه لعود الغرامة إلى الضّامن بمجرّد تمكّنه من ردّ العين فلا يضمن ضمانا جديدا و ليس له حقّ الحبس

و لا يقال فيما إذا دخل العين تحت يد الضّامن لا يمكن الالتزام بعدم ضمانه ضمانا جديدا و إلّا يلزم أن يكون التصرّف في مال الغير بغير إذنه خارجا عن أدلّة الضّمانات مع أنّه ليس أمانة شرعيّة و إذا التزمنا بالضّمان الجديد في هذه الصورة فلا بدّ من الالتزام بأن مجرّد التمكّن يوجب عود الغرامة إلى الضّامن و يوجب الضّمان الجديد أيضا و إلّا لزم القول بالفصل في المسألة مع اتّفاق الأعلام على أحد القولين إمّا عود الغرامة إليه بمجرّد التمكن و إمّا بردّ العين فعودها إليه في بعض أقسام التمكّن

ص: 164

دون بعض قول ثالث

لأنّا نقول أخذ العين و وضع اليد عليها إمّا لمحض الردّ إلى المالك و إمّا للتصرف فيها عدوانا فلو كان للردّ إلى المالك فإمّا أن يتصرّف فيها بمقدار يتوقّف الردّ عليه و إمّا زائدا عليه فلو كان مقدّمة للردّ و تصرّف فيها بمقدار ما يتوقّف عليه الردّ فالحق عدم تعلّق الضّمان الجديد بها لأن تصرّفه فيها إمّا من باب الإذن الشّرعي الّذي نشأ من وجوب الردّ تكليفا و إمّا لمطالبة المالك و إمّا لحقّ الحبس بناء على ثبوته له و لو قبل عود الغرامة إليه

و على أيّ تقدير فيد الغارم يد أمانة لا يد عدوان و يد الأمانة خارجة عن عموم على اليد إمّا تخصّصا أو تخصيصا و كون قبضه لمصلحة نفسه ليس من موجبات الضّمان في حدّ ذاته كما أنه ليس رافعا للضّمان أيضا مع أنّ القبض ليس أصلح له دائما كما إذا كانت الغرامة أغلى قيمة و أكثر نفعا من العين و بالجملة العين الّتي وجب ردّها إلى المالك عين مسلوب الماليّة فإذا تصرّف فيها مقدمة للردّ و لم يماطل فيه فلو تلفت بقيت الغرامة على البدليّة و تكون العين مضمونة بها لا بشي ء آخر فلا وجه للضّمان الجديد و بطلان الضّمان الأوّل

و أمّا لو تصرف فيها زائدا عمّا يتوقّف الردّ عليه أو عدوانا فلا إشكال في ثبوت الضّمان بالنّسبة إلى المنافع و ارتفاع القيمة لأنّه تصرّف بلا إذن مالكيّ و لا شرعيّ و أمّا ضمان نفس العين غير الغرامة بحيث لو تلفت بطلت بدليّة الغرامة و رجعت إلى ملك الغارم و ضمن العين بالضّمان الجديد فلا تعرف له وجها هذا مضافا إلى ما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ الاستصحاب يقتضي كون العين مضمونة بالغرامة و عدم طروّ ما يزيل ملكيّة المالك عن الغرامة أو يحدث ضمانا جديدا

بقي هنا فروع لا بأس بالتعرّض لها
اشارة

و إن كان بعضها سيجي ء إن شاء اللّٰه في تعاقب الأيدي و في خيار الغبن

الأوّل لو أقرّ أحد بمال في يده لزيد ثم أقرّ أنّه لعمرو

أو باع ذو اليد ما في يده ثم أقرّ أنّه لغيره أو قامت البيّنة على أنّ ما في يد زيد لعمرو و أقرّ زيد بأنّه لبكر فهل الغرامة الّتي يغرمها المقرّ في هذه الموارد من باب بدل الحيلولة أو من باب الإتلاف أو فرق بين خروج المال عن يد الغارم بسبب منه كإقراره أوّلا أو بيعه و خروجه بسبب غيره كالبيّنة وجوه نسب صاحب الجواهر قدّس سرّه إلى ظاهر الأصحاب أنّ الغرامة في الجميع من باب بدل الحيلولة و احتمل هو قدّس سرّه أن تكون من باب الإتلاف

ثمّ إنّ كلامه قدّس سرّه في انتقال العين الّتي هي مبدل الغرامة إلى الضّامن مختلف ففي باب الغصب يظهر منه أنّه ينتقل التالف إلى الغارم دون المبدل في بدل الحيلولة فإنّه باق على ملك مالكه و في أبواب أخر يظهر منه العكس و قد يظهر منه عدم الانتقال مطلقا و قد يظهر منه الانتقال مطلقا و حيث إنّ المسألة خلافيّة فلا بأس باختلاف الأنظار للفقيه الواحد و المختار عدم الانتقال مطلقا فعليه نتيجة البحث واضحة فإنّه لو كان وجوب الغرامة من باب الإتلاف فالاعتبار بقيمة يوم البيع أو الإقرار الأوّل أو الشّهادة لأنّ هذا اليوم يوم التّلف على المقرّ له ثانيا بعد الإقرار الأوّل و نحوه فارتفاع القيمة بعد هذا اليوم غير مضمون و كذلك المنافع و الأوصاف

و أمّا لو كان من باب الحيلولة فالاعتبار بقيمة يوم الدّفع إلى المقر له و يضمن المنافع و الأوصاف و ارتفاع القيمة من يوم البيع مثلا إلى يوم الدّفع بناء على المختار من براءة الضّامن عن المنافع و نحوها بدفع الغرامة و الحقّ أنّ وجوب الغرامة في المقام من باب بدل الحيلولة لما عرفت من أنّ المناط في بدل الحيلولة هو كون العين باقية على حالها من دون نقص في قيمتها و لا تغيير في هيئتها و إنّما

ص: 165

امتنع الردّ للغارم لبعض الموانع و في المقام العين كذلك لبقائها على ما كانت عليه و إنّما امتنع الردّ إلى مالكه لإقراره أو بيعه أو الشّهادة من غيره

هذا مع أنّه ليس فيه مناط التّلف و ما بحكمه لأنّ المناط فيه هو كون العين معدومة أو في حكم المعدوم كالماء الباقي على أعضاء الوضوء و المسروق بالسّرقة الّتي لا يعلم سارقها و لا يعلم بقاء العين أو تلفها أو الخيط الممتنع نزعه أو المزج و نحو ذلك و توهّم أنّه في حكم التّلف لعدم إمكان ردّه أبدا فاسد لإمكان تكذيب المقر له أولا للمقر و تصديقه الإقرار الثّاني و إمكان تصديق المشتري أو رده المبيع بفسخ أو إقالة و إمكان الشّراء منه و هكذا يمكن رجوع الشّاهدين عن الشّهادة

و بالجملة ليس الإقرار الأوّل و البيع و الشّهادة إلّا كالخروج عن يد الغارم بالإباق أو الغصب أو السّرقة مع العلم ببقاء العين على حالها و العلم بمكانها أو العلم بالسارق الّتي قد عرفت أنّ هذه جميعها من موارد بدل الحيلولة فتدبّر

الثّاني المدار في بدل الحيلولة هو تعذّر ردّ العين على الضّامن

سواء تمكّن المالك من أخذ العين أم لا لأنّ أخذ مال الغير يقتضي أن يكون عهدة المال على الآخذ فإذا تلف فعليه القيمة و إذا غصبه غاصب أو وقع في البحر فعليه بدل الحيلولة

و تمكّن المالك لا يرفع الضّمان و على هذا لو تعاقبت الأيدي على العين فتمكّن المالك من أخذ العين من الثّاني فلا يخرج اليد الأولى عن الضّمان فللمالك أن يرجع إلى الضّامن الأوّل و يأخذ الغرامة منه و أن يرجع إلى من كان العين في يده نعم لو رجع إلى الثّاني لا يجوز له الرّجوع إلى الأوّل ثم هل يجوز للغاصب الأوّل قبل دفع البدل إلى المالك الرّجوع إلى الثّاني مطلقا أو لا يجوز له مطلقا أو فيه تفصيل الأقوى هو التّفصيل لأنّ مع عجز الثّاني عن ردّ العين إلى المالك و إلى الغاصب الأوّل لا وجه لرجوع الأوّل إليه و أمّا مع تمكّنه فقد يقال بأنّه لا يجوز للأوّل أيضا الرّجوع إليه لا بإلزامه بدفع البدل لعدم استقرار البدل للغاصب الأوّل في عهدة الثاني قبل دفعه إلى المالك و لا بإلزامه بدفع العين لأنّها باقية في ملك مالكها

و لكن الأقوى أنّه يجوز له إلزامه بدفع العين إمّا إليه و إمّا إلى مالكه و يجوز للثّاني الردّ إليه أيضا لأنّ الأوّل حيث يكون قصده الإحسان و إيصال المال إلى مالكه فلا مانع من ردّه إليه نعم لو تلف عنده فلم يخرج عن الضّمان لأنّ الأوّل لم يكن وكيلا عن المالك و أمّا بعد دفع البدل إلى المالك ففي مورد عجز الثّاني يجوز له مطالبة البدل عنه لأنّ مقتضى ضمان كلّ لاحق لسابق بمقتضى أخذه العين منه مع عدم كونه مغرورا منه أن يكون في عهدة كلّ ضامن لاحق تدارك ما اغترمه السّابق

و بعبارة أخرى ضمن اللّاحق شيئا له البدل فهو يضمن على سبيل البدليّة واحدا من البدل و المبدل و المفروض أنّ المبدل خارج عن تحت يده و لم يؤدّ البدل إلى المالك أيضا لرجوع المالك إلى الأوّل فيجب عليه دفع البدل إلى السّابق و أمّا في مورد تمكّنه عن العين فلو قلنا بدخولها في ملك الأوّل بدفع الغرامة إلى المالك فلا إشكال في وجوب ردّ الثّاني إليه و أمّا لو لم نقل بالمعاوضة فلو قلنا بأنّ الغارم له حق الحبس فيجوز له مطالبة العين من الثّاني لأن يحبسها على مالكها حتى يأخذ الغرامة منه

و أمّا لو لم نقل به فهل يستحقّ مطالبة العين أو لا يستحقّ إلّا إلزامه بردّ العين إمّا إلى مالكه أو إليه كما كان له إلزامه كذلك قبل دفع البدل وجهان و الحقّ استحقاقه

ص: 166

مطالبة نفس العين لأنّ مقتضى ضمان كل لاحق لسابق إمّا بالبدل أو المبدل على سبيل البدليّة أن يكون الغاصب الأوّل مستحقّا لها لأنّ المفروض أنّ العين تحت يد الثّاني فليس مورد بدل الحيلولة و المفروض أنّه لا يمكن أن لا يكون ضامنا للأوّل فإذا كان ضامنا له و لم يكن مورد بدل الحيلولة فلا محالة يضمن له العين

ثم ممّا يتفرع على تعاقب الأيدي جواز مطالبة المالك من كلّ من وصل المال إليه و دخل تحت استيلائه سواء كان باقيا أم تالفا لأنّ كلّا من الأيدي يد ضمان على نحو الواجب الكفائي فضمان كلّ منها بالنّسبة إلى المالك ضمان استقراريّ فعليّ مشروط بعدم سقوطه بأداء الآخر و لذا تقدم أنّه لو تمكن أحدهم من ردّ العين و تعذّر على البقيّة فيلاحظ حكم كلّ منهم على حسب تكليف نفسه فلا يختصّ مطالبة بدل الحيلولة بصورة التعذّر على الكلّ بل لو رجع إلى الأوّل و لم يتمكن من ردّ العين غرم البدل و لو رجع إلى الأخير فهو لا يرجع إلى أحد و لو رجع إلى الوسط فهو لا يرجع إلّا إلى لاحقه و يلاحظ حكم كلّ لاحق بالنّسبة إلى السّابق لا بالنّسبة إلى المالك فلو رجع إلى الثاني و أخذ البدل منه في صورة وجود العين عند غيره رجع الثّاني إلى الثّالث فلو تمكّن من ردّ العين فهو المطلوب و إلّا فالبدل و لو رجع إلى الثّاني في صورة تلف العين عند الثّالث أخذ القيمة من الثّاني و يأخذها الثّاني من الثّالث

الثّالث قد تقدم حكم قسمين من أقسام التعذّر و بقي قسمان
أحدهما ما تعذّر ردّه لأدائه إلى تلف نفس

أو مال محترم كالخيط المخيط به جرح حيوان أو ثوب

الثّاني ما تعذّر ردّه بسبب الخلط أو المزج

أمّا الخيط فإذا كان المخيط به جرح حيوان يؤدّي إخراج الخيط منه إلى تلف الحيوان فلا يجوز لمالك الخيط مطالبة نفس الخيط سواء أدّى إخراجه إلى تلف الخيط أم لا لعدم جواز إتلاف النّفس المحترمة فله قيمة الخيط لأنّه بحكم الشّارع تالف

و أمّا لو كان المخيط به ثوبا فلو كان الثّوب من غير الضّامن فكذلك أيضا لأنّه مال محترم لا يجوز إتلافه و أمّا لو كان منه ففيه خلاف فقيل باستحقاق نزعه و حينئذ فلو لم يبق له قيمة فعلى الضّامن تمام القيمة و إلّا فعليه التّفاوت بين صحيحه و معيبه و قيل باستحقاقه قيمته لأنّ إتلافه لا يجوز حتّى من المالك فهو بمنزلة التّلف و الأقوى حصول الشّركة بين مالك الخيط و الثوب لأنّه لم يتلف فعلا و لا يصحّ إتلافه فيكون كالثّوب المصبوغ لو كان الصّبغ من غير مالك الثّوب فيباع الثوب و يؤخذ القدر المشترك بين كونه مخيطا و غير مخيط لمالك الثّوب و قيمة الخيط لمالكه إذا كان كونه في الثّوب أقلّ قيمة أو مساويا لما لم يكن كذلك و قيمته الفعلي إذا كان أزيد لأنّ الزيادة حصلت في ملكه و هذه الأقوال جارية في الفسخ بالخيار و الإقالة أيضا و منشؤها النّزاع في أنّ فساد الخيط هل هو بمنزلة التّلف الحقيقي أو ليس كذلك و سيجي ء في خيار الغبن إن شاء اللّٰه تعالى حكم الثوب الّذي صبغه من عليه الخيار فإن حكمه حكم المقام و إن كان بينهما فرق و هو احترام عمل الصباغ في تلك المسألة بخلاف المقام فانتظر

و أمّا مسألة الخلط أو المزج فتوضيحها متوقّف على تمهيد مقدّمتين الأولى أنّ ملاك بدل الحيلولة لا يجري في الخلط أو المزج فإنّ المدار فيه على تعذّر ردّ المال و عدم إمكان رده لا صحيحا و لا ناقصا لا منضما و لا مفروزا و أمّا إذا أمكن ردّه و لو منضما مع غيره فلا وجه لوجوب البدل عليه فإنّ خصوصيّة المال و شخصيّته و إن زالت

ص: 167

لأنّ ما لا يمكن امتيازه لا يمكن أن تتعلّق به إضافة مالكيّة و لا أن يتعلّق به الضمان أيضا إلّا أنّه مع بقائه عند الضّامن و عدم تلف ماليّته عرفا و شرعا لا وجه لثبوت بدل الحيلولة كما لا وجه لإجراء حكم التّلف عليه أيضا في غير مورد الاستهلاك الثّانية أنّ الاستهلاك إنّما يتصوّر في المزج بغير الجنس إذا زال صورته النّوعيّة حقيقة أو عرفا فالحقيقيّ كمزج حقّة حليب بمائة كرّ من الماء فإن تفرّق أجزاء الحليب في الماء الكثير موجب لذهاب صورته النوعيّة بالدقّة و العرفي كخلط حقّة من طحين الشّعير بعشر حقق من طحين الحنطة

و أمّا المزج بالجنس و كذا الخلط كذلك فلا معنى لاستهلاكه و هكذا المزج أو الخلط بغير الجنس مع بقاء صورتهما النّوعيّة كمزج حقّة من الحليب بحقة من الماء إذا عرفت ذلك فإذا امتزج مثلا شي ء بغيره فالمزج قد يقع من غير المالكين و قد يكون من فعل أحدهما و الأخير إمّا بحقّ كأحد المتبايعين و إمّا بغير حقّ كالغاصب و من بحكمه

ثم إنّه قد يكون بالجنس و قد يكون بغيره و المزج بالجنس تارة يكون بالمساوي و أخرى بالأجود أو الأردإ و المزج بغير الجنس تارة يكون موجبا للاستهلاك و أخرى لا يكون كذلك فإذا امتزجا من دون اختيار المالكين فلو كان المزج بالجنس المساوي فيحصل الشّركة في العين و في غير المساوي يحصل الشّركة في المالية فيباع المجموع و يعطى كلّ من المالكين مقدار قيمة ماله و لو نقص قيمته بسبب المزج أو زاد فالنقصان ليس على أحد المالكين و الزيادة موهبة من اللّٰه

ثم إنّ الفرق بين المزج بالمساوي و غيره واضح فإنّ الشركة في العين في الأوّل لا يستلزم الرّبا بخلاف الثّاني فإن صاحب الجودة لو أعطي مقدار من العين بدل جودة ماله لزم أن يستحقّ زائدا على مقدار ماله من العين و حيث إنّ صفة ماله محترمة فيباع العين و يعطى من القيمة مقدار ماله مع الخصوصيّة نعم نفس الامتزاج لو صار موجبا للزّيادة فلا شي ء له بل هذه موهبة لكليهما

و لو كان المزج بغير الجنس ففي صورة الاستهلاك إذا لم يوجب زيادة مالية في المزيد عليه كما لو استهلك ماء الورد في الدّهن فلا شي ء لمالكه لأنّه تلف من غير ضمان له على أحد و لو أوجب كاستهلاك الحليب في الماء أو دهن الجوز في الزّيت فيشتركان بمقدار مالية مالهما من نفس العين لعدم لزوم الربا في غير الجنس لأنّ مقتضى القاعدة هو الشركة من نفس العين إلّا إذا استلزم محذورا و في غير صورة الاستهلاك في كم الشّركة في العين أيضا بمقدار الماليّة

و لو امتزجا بفعل أحد المالكين فلو كان المزج بحقّ فإذا كان بالجنس المساوي يحصل الشّركة في العين و إذا كان بأردأ من مال صاحبه فعليه الأرش لعدم التّنافي بين جواز المزج و ثبوت الضّمان عليه فهما يشتركان في العين و على المازج الأرش و إذا كان بأعلى منه فليس له الأرش لأنّ المزج صار بفعله نعم حيث إنّه كان بحق و كان صفة الجودة محترمة يحصل بينهما الشركة في الماليّة و في الخلط بغير الجنس إذا أوجب الاستهلاك فهو بمنزلة التّلف و إلّا فيتحقّق الشّركة في العين بمقدار الماليّة

و لو كان بغير حق كالغاصب و الأخذ بالعقد الفاسد فحكمه حكم المزج بالحقّ إلّا أنّ صفة الجودة هنا غير محترمة حتّى في المقبوض بالعقد الفاسد لأنّ كونها ملكه لا أثر له فإن حصول صفة في مال غيره بفعله لا يوجب استحقاقه الأرش من الغير لأنّ الزيادة الحكميّة ليست كالزّيادة العينيّة من الغاصب محترمة فظهر ممّا ذكرنا الفرق بين المزج القهري و الاختياري

ص: 168

و الفرق في الاختياري بين من له الحق و غيره فإنّ النّقص الحاصل قهرا لا يضمنه أحد المالكين بخلاف النقص الحاصل بالمزج الاختياري و أنّ الزيادة الحكميّة من غير الغاصب محترمة بخلاف الزيادة الحكميّة الحاصلة من الغاصب و من بحكمه هذا بحسب ما هو الحقّ عندنا

و لكن نسب إلى ابن إدريس قدّس سرّه أنّه قال في مورد الغصب الخلط بمنزلة التّلف حتى في الجنس المساوي و نقل المحقّق و الشّهيد الثّاني قولين في الخلط بالجنس في الأردإ و الأجود و لم يرجّحا أحد القولين ففي الشرائع إذا غصب دهنا كالزّيت أو السّمن فخلطه بمثله فهما شريكان و لو خلطه بأجود أو أدون قيل يضمن المثل لتعذّر التّسليم و قيل يكون شريكا في فضل لجودة و يضمن المثل في فضل الرّداءة إلّا أن يرضى المالك بأخذ العين انتهى و الشّهيد الأوّل حكم بضمان المثل في المزج بالأردإ و الشركة في العين في المزج بالأعلى أو المساوي و قال في الشّرائع أمّا لو خلطه بغير جنسه لكان مستهلكا و ضمن المثل و احتمل الشهيد الثّاني في الرّوضة في مورد الخلط بالأجود الانتقال إلى المثل للاستهلاك

هذا و لكن ممّا بيّنا في المقدمتين ظهر أنّ الإلحاق بالتّلف منحصر في مورد الاستهلاك و هو في غير الجنس و أمّا مجرّد عدم الامتياز فليس في حكم التّلف و كيف كان فقد ظهر ممّا ذكرنا أنه ليس مورد يكون التّخيير للغاصب بين دفع المثل أو القيمة و لا للمالك بين أخذ العين الممتزجة مع الأرش في مورد النّقصان و أخذ القيمة لأنّ المزج لو كان بحكم التّلف تعيّن القيمة و إلّا فليس للمالك إلّا العين مع أخذ الأرش في مورد النّقصان

ثم إنّ ما ذكرنا من تعين القيمة في مورد التّلف إنّما هو بحسب الكبرى و أمّا تعيين الصّغرى ففي غاية الإشكال و لذا ذهب شيخ الطّائفة بأنّه لو زرع الحبّ أو استفرخ البيض فليس على الغاصب إلّا المثل أو القيمة و عن الخلاف أنّ القائل بأنّ الفرخ عين البيض و الزّرع عين الحبّ مكابر و ذهب صاحب الجواهر إلى عكسه و ادّعى بأنّ القائل بأنّ الزّرع و الفرخ للغاصب مكابر و منشأ النّزاع أنّ تلف الصورة النّوعيّة مع بقاء الماليّة هل هو بمنزلة التّلف أو أنّ المدار في التّلف هو تلف المال و أمّا تبدّل الصورة بصورة أخرى مع بقاء المادة الجامعة بين الصّورة فلا يوجب الانتقال إلى القيمة أو المثل بل على الضّامن الأرش لو حصل النّقصان

و على هذا ففي الخلط بغير الجنس لو بقي مقدار من الماليّة كما إذا امتزج الحليب بالماء في البلاد الّتي للماء فيها قيمة ينشأ الإشكال لأنّ نقصان القيمة لا يقتضي إلّا الأرش مع الشركة في العين لا المثل أو القيمة فالمسألة في غاية الإشكال و يمكن الجمع بين كلماتهم بأن يقال كلّ من حكم بأنّ المزج بغير الجنس بمنزلة التّلف مقصوده صورة الاستهلاك بنحو خاصّ فإنّ الاستهلاك على قسمين قسم لا يوجب زيادة الماليّة في المزيد عليه كاستهلاك الجلّاب في الدّهن و قسم يوجب الزّيادة كاستهلاك الحليب في الماء أو استهلاك دهن اللّوز في الزّيت فالقسم الأوّل ملحق بالتّلف و الثّاني حكمه الشركة في الماليّة ثم الشّركة في المالية على قسمين قسم يقوم المال و يؤخذ حق المضمون له من عين المال و هذا فيما لم يلزم منه ربا و قسم يعطى القيمة إذا كان مال الضّامن أردأ فتأمّل جيّدا

[الكلام في شروط المتعاقدين]

[مسألة المشهور كما عن الدّروس و الكفاية بطلان عقد الصبيّ]

قوله قدّس سرّه المشهور كما عن الدّروس و الكفاية بطلان عقد الصبيّ إلى آخره

أقول تقدم في صدر الكتاب أنّ شروط العقد على أنحاء ثلاثة شروط الصّيغة و المتعاقدين و العوضين و تقدم حكم الأوّل و أمّا الثّاني فمن جملتها بلوغ العاقد و لا إشكال في تحقّقه بالاحتلام

ص: 169

و الإنبات و أمّا تحقّقه بالسّن فالمشهور أنّه بتمام خمسة عشر في الرّجل و قيل بتحقّقه بعشر سنين

ثم إنّهم اختلفوا في اعتبار البلوغ في جميع الأحكام المتعلقة به و عدمه فبعضهم فرق بين الفروع و الأصول فلم يعتبره في إسلامه و بعضهم استثنى من الفروع وصيّته الشاملة لتدبيره لأنّه وصيّة أيضا كما يظهر من قضيّة وصيّة عيسى بن موسى المذكورة في صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج و كذلك طلاقه و عتقه و معاملته الصّادرة منه امتحانا للرّشد فإنّ الامتحان قبل البلوغ إنّما هو بالمعاملة الحقيقيّة لا الصوريّة و غير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه فإنّ هذه المستثنيات و إن لم تكن إجماعيّة إلّا أنّ جملة من المحقّقين التزموا بصحّتها من الصّبي المميّز أو ممّن بلغ عشرا

و على أيّ حال لا إشكال في إسلام الرّشيد الغير البالغ و خروجه به عن تبعيّة الوالدين لأنّ المدار فيه على الإدراك و الاقتدار على الاستدلال و لو إجمالا فكلّ من عرف أنّ للعالم صانعا و أنّ له سفراء و حججا فهو مسلم حقيقة و بهذا نفتخر على مخالفينا بأن عليا عليه الصّلاة و السّلام أوّل القوم إسلاما و أقدمهم إيمانا

و كيف كان فليس المقام مقام تنقيح ذلك و لا بيان المستثنيات فإنّ عقد البحث إنّما هو في صحّة معاملاته بمجرّد الرّشد مطلقا أو أنّ صحّتها موقوف على الرّشد و البلوغ فإذا قلنا بالثّاني يتفرّع عليه النزاع من جهات أخرى الأولى أنه هل ينفذ تصرفاته في ماله بإذن الوليّ كنفوذ تصرفات الرّاهن بإذن المرتهن أم لا الثانية هل يصحّ وكالته عن الوليّ في تصرفاته في ماله الّذي يرجع سلطنته إلى الوليّ أم لا الثّالثة أنّه هل يصحّ وكالته عن الغير أم لا فهنا جهات أربع الأولى استقلاله في التصرّف و الثّانية صحّته بإذن الوليّ و الثالثة وكالته عن الوليّ و الرابعة وكالته عن غيره

و منشأ النزاع في هذه الجهات هو أنّ الصبيّ الرّشيد هل هو من المحجورين أو لا و على القول بأنّه محجور فهو من أيّ قسم من أقسامه فإنّ المحجور لا يخلو أمره من أحد أمرين لأنّه إمّا محجور عن الاستقلال و إمّا محجور عن أصل السّلطنة و الأوّل على قسمين أحدهما من كان سبب حجره تعلّق حق مالكيّ على ماله كالراهن و المفلس بعد حكم الحاكم و الثّاني من كان سبب حجره تعلّق ولاية شرعيّة عليه كالبالغة الباكرة بناء على اعتبار إذن الولي في صحّة نكاحها و الثّاني أيضا على قسمين فإنّ كونه محجورا عن أصل التصرف إمّا لتعلّق حق مالكي عليه كالعبد لكون ملكه لمولاه و إمّا لتعلّق حقّ الولاية عليه و هذا على قسمين أحدهما من كان منشأ تعلّق حقّ الولاية عليه كونه مسلوب العبارة و كون فعله كالعدم كالمجنون و الثّاني من لا يكون محجورا من حيث الفعل بل من حيث المعاملة لنفسه و التصرف في ماله كالسّفيه فإنّه ليس محجورا عن العقود الراجعة إلى الغير و وجه الخلاف الاختلاف في ما يستفاد من الكتاب و السّنة

أمّا الكتاب فهو قوله عزّ من قائل وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ فإنّه يمكن أن يكون قوله فإن آنستم تفريعا على الابتلاء أي اختبروهم قبل البلوغ من زمان يمكن رشدهم فيه إلى زمان البلوغ فإن آنستم منهم الرّشد في خلال هذه الأزمنة فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ فعلى هذا يكفي الرّشد لنفوذ تصرّفهم و لو لم يبلغوا

و يمكن أن يكون تفريعا على الامتحان بعد البلوغ أي امتحنوهم من زمان قابليتهم للامتحان إلى زمان البلوغ فإذا بلغوا راشدين فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ و الظّاهر هو الثاني أمّا أولا فلأنّه سبحانه لمّا أمر بإيتاء الأيتام أموالهم بقوله عزّ شأنه وَ آتُوا الْيَتٰامىٰ أَمْوٰالَهُمْ و نهى

ص: 170

عن دفع المال إلى السّفيه بقوله وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ بين الحدّ الفاصل بين ما يحلّ ذلك للوليّ و ما لا يحلّ فجعل لجواز الدفع شرطين البلوغ و إيناس الرّشد فلا يجوز قبلهما و ثانيا لو لم يكن قوله فادفعوا تفريعا على إحراز الرّشد بعد البلوغ لم يكن وجه لجعل غاية الابتلاء هو البلوغ و كان المناسب أن يقال وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ

و لا يقال لو كان المدار على الرشد و البلوغ لا وجه لإيجاب الامتحان قبل البلوغ فإنّ ظاهر كلمة حتّى أنّها غاية للامتحان فلا محالة يكون مبدؤه قبل البلوغ لأنّا نقول إيجاب الامتحان قبله إنّما هو لإحراز الرّشد حتى تدفع إليهم أموالهم بمجرد البلوغ و لا يكون الوليّ ممّن يأكل أموالهم إسرافا و بدارا أن يكبروا فإنّ الأولياء لو أمروا بالامتحان مقارنا للبلوغ يحتمل أن يكون رشد الصبيّ من باب الاتّفاق فأمر سبحانه بالابتلاء من زمان القابليّة إلى زمان البلوغ حتى يرد أموالهم إليهم من دون تأخير مع بقاء الرشد الممتحن إلى هذا الزمان

بل قيل إن إذا للشرط و جوابها مجموع الشّرط و الجزاء و حتى حرف ابتداء و غايتها مضمون الجملة الّتي بعدها و هو دفع المال عقيب إيناس الرشد الواقع عقيب بلوغ النّكاح و على هذا فقوله حتى إذا بلغوا جملة مستأنفة

و كيف كان فظهور مجموع الكلام في اعتبار الرّشد و البلوغ ممّا لا مجال لإنكاره و هذا هو المستفاد من أغلب التّفاسير كما في المجمع و الصّافي و الكشاف و الرازي و حاشيته ففي تفسير الفخر و شرط في دفع أموالهم إليهم شرطين أحدهما بلوغ النّكاح و الثاني إيناس الرّشد إلى آخره نعم استدلّ أبو حنيفة على صحّة تصرفات الصبيّ بإذن الولي بهذه الآية و قال لأن قوله وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ يقتضي أنّ هذا الابتلاء إنّما يحصل قبل البلوغ و المراد من هذا الابتلاء اختبار حاله في أنّه هل له تصرف صالح للبيع و الشّراء و هذا الاختيار إنّما يحصل إذا أذن له في البيع و الشّراء و إن لم يكن هذا المعنى نفس الاختبار فهو داخل في الاختبار بدليل أنه يصحّ الاستثناء يقال وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ إلّا في البيع و الشّراء و حكم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل فثبت أنّ قوله وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ أمر للأولياء بأن يأذنوا لهم في البيع و الشّراء قبل البلوغ و ذلك يقتضي صحّة تصرّفاتهم إلى آخره

و أجاب عنه الشّافعيّ بما حاصله أنّ اللّٰه سبحانه أمر بدفع المال إليهم بعد البلوغ و إيناس الرّشد و إذا ثبت بموجب هذه الآية أنّه لا يجوز دفع المال إليه حال الصّغر وجب أن لا يجوز تصرّفه حال الصّغر لأنه لا قائل بالفرق

ثم إنّ المستفاد من هذه الآية و الآية الّتي قبلها و هي قوله عزّ من قائل وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ أنّ الصّبي إذا بلغ سفيها لا يدفع وليّه أمواله إليه فإنّ المراد من الأموال في قوله عزّ من قائل وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ هو أموال نفس الأيتام كما في التّفاسير و يشهد له أيضا وقوع هذه الآية الشريفة بين قوله عزّ اسمه وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَهُمْ و قوله وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ

ثم لا فرق في الوليّ بين الوصيّ و الأب و الجدّ و الحاكم لأنّ الخطاب شامل للوصيّ أيضا فالقول بالتفصيل بين الأب و الجدّ و الحاكم و بين الوصيّ في عدم انقطاع سلطنة الثلاثة دون الوصيّ لا وجه له و كيف كان يستفاد من الآية المباركة عدم استقلال الصبيّ في التصرّف في أمواله و إن كان رشيدا لا مباشرة و لا توكيلا إنّما الكلام في استفادة سائر المراتب منها و هي نفوذ تصرّفه في ماله بإذن الوليّ و وكالته عنه و وكالته عن غيره فنقول أمّا

ص: 171

عدم نفوذ تصرّفه في ماله بإذن الوليّ فيستفاد منها أيضا بضمّ مقدّمة عقليّة

و أمّا عدم صحّة وكالته عنه و عن الغير فلا يستفاد منها بل يستفاد من القواعد العامّة و توضيح ذلك يتوقّف على تمهيد مقدمات الأولى أنّه كما لا يمكن اجتماع مالكين مستقلّين على مال واحد و لا مالك مستقلّ و مالك كان شريكا معه فكذلك لا يمكن اجتماع سلطنتين مستقلّتين و لا سلطنة تامة و ناقصة في مال واحد فإنّ البرهان على الامتناع واحد في كليهما و هو أنّه ليس الملكيّة أو السّلطنة إلّا إضافة بين المالك أو السّلطان و المال و ليستا عبارة عن أمر موهوم كأنياب الأغوال حتى يتخيّل للملك مالكان و مسلّطان و الإضافة إذا كانت مرتبطة بشخص على نحو الاستقلال بحيث كان له التصرّف في المال من دون توقّف على إذن غيره و كان له المنع من تصرف الغير فيه يمتنع أن يكون في عرض هذا الشخص شخص آخر تكون له هذه الإضافة تامّة كانت أو ناقصة

نعم يمكن ثبوت الإضافة الطوليّة و الإضافة على نحو الإشاعة و الإضافة النّاقصة الّتي لم يكن لصاحبها منع غيره لأشخاص متعدّدة فالأوّل كإضافة ملك العبد إلى العبد و مالكه و هكذا سلطنة الوكيل و موكله و الثّاني كإضافة الشريكين و الثّالث كسلطنة الأب و الجدّ أو الوكيلين أو حكام الشرع و أمّا إضافتان مستقلّتان عرضيّان بحيث يكون لكلّ منهما طرد الآخر و منعه عن التصرّف فغير معقول فإذا امتنع هذا امتنع إضافة مستقلّة مع إضافة منضمّة إذ مع استقلال واحد في التصرّف يمتنع أن يكون تصرّفه منوطا بضمّ الآخر إليه بل لا بدّ أن يكونا كالشّريكين أو كسلطنة الرّاهن و المرتهن فإنّ ثبوت نصف الإضافة لأحد لا يجتمع مع ثبوت تمام الإضافة لغيره لأنّه خلف و مناقضة

و بتعبير آخر أنّ الولاية الثابتة للوليّ لا بدّ أن يكون بمقدار حجر المولى عليه فإن كان محجورا عن أصل السّلطنة كالمجنون و العبد فالوليّ مستقلّ في التصرّف و لو كان محجورا عن الاستقلال كالرّاهن و الباكرة فيجب أن يكون ولاية الولي بنحو الانضمام فلا يمكن أن يكون للصبيّ حقّ التصرّف منضمّا إلى الولي و كان للولي التصرّف بالاستقلال

و حيث إنّ الوليّ بمقتضى الآية الشّريفة له تمام السّلطنة قبل قابليّة الصبيّ لأن يمتحن و يختبر و يبقى له هذه السّلطنة قبل البلوغ و الرّشد على ما استفدناه من الآية فتأثير إذنه للصبيّ إمّا يرجع إلى كونه وكيلا من قبل الولي فسيجي ء حكمه و إمّا يرجع إلى كونه ضميمة مع الوليّ في التصرّف كتصرف السّفيه بإذن الولي و الراهن بإذن المرتهن فهذا غير معقول

و بالجملة مقتضى هذه المقدّمة عدم صحّة بيع الصبيّ لنفسه بإذن الولي أيضا لاستفادة السّلطنة التامّة الاستقلاليّة للوليّ من الآية الشّريفة ثم إنّه كما لا يجوز له مباشرته و لو بإذن الوليّ فكذلك لا يجوز له توكيله الغير لأنّه لا يصحّ التّوكيل إلّا في فعل يكون مملوكا للموكل بحيث يصحّ له مباشرته بنفسه فتوكيله الغير في هذه الصّورة نظير صورة عدم إذن الوليّ الثّانية أنّهم اعتبروا في الوكيل أمورا منها البلوغ إلّا فيما استثني و منها كمال العقل و منها أن يكون ما وكّل فيه ممّا يجوز له أن يليه بنفسه لنفسه و لا يعتبر المباشرة فيه فكلّ ما لا يجوز للوكيل صدوره من حيث إنّه فعله و من جهة الإصدار فلا يجوز أن يصير وكيلا عن غيره فيه و فرعوا على ذلك عدم صحّة وكالة المحرم لابتياع الصيد و إمساكه و عقد النّكاح و إن كان الموكل محلّا و صحّة وكالة المفلس و السّفيه و المرتدّ

أمّا عدم صحّة وكالة المحرم

ص: 172

فلحرمة هذه الأفعال عليه من حيث السّبب و لو مع قطع النّظر عن المسبّب و أمّا صحّتها عن المفلس و السّفيه و المرتد فلأنّ منع هؤلاء يرجع إلى التصرّف المالي في أموالهم لا لقصور فعلهم من حيث إنّه فعل فإنّ المفلس يتعلّق بماله حق الغرماء و السّفيه يتعلّق عليه حقّ الولاية و المرتد لا ذمّة له و بالجملة يعتبر في الوكالة كون الفعل ممّا يجوز وقوعه من النّائب و أن لا يعتبر فيه المباشرة و على هذه المقدّمة يترتّب أمران أحدهما عدم جواز وكالته عن الوليّ في أن يتصرّف في مال نفسه الّذي يرجع ولايته إلى الوليّ بالفرض و ثانيهما عدم وكالته عن النّاس في التصرّف في أموالهم لأنّه إذا ثبت أنّ الصبيّ كالمجنون في كونه مسلوب العبارة فحيث إنّ إجراء الصّيغة منه لا أثر له في ماله فوكالته أيضا كالمباشرة

نعم إثبات هذه المقدّمة و هي اعتبار البلوغ كاعتبار العقل و إنّ الصبيّ لا ينفذ منه البيع من حيث جهة الإصدار موقوف على قيام دليل على ذلك و على هذا فكلّ ما ثبت جواز تولية الصبيّ فيه بنفسه يصحّ وكالته فيه كما يصحّ توكيله إلّا إذا اعتبر المباشرة في الموكل ففي العتق و الطّلاق و الوصيّة كما يجوز أن يليها بنفسه فكذلك يجوز أن يتوكّل عن غيره و أن يوكل غيره عن نفسه

الثّالثة أنّ الأغراض بالنّسبة إلى الآثار المترتّبة على الأفعال مختلفة فقد يتعلّق الغرض بحصول الأثر في الخارج من دون دخل لفاعل خاصّ أي المقصود حصول النّتيجة و قد يكون الغرض حصوله من شخص خاصّ بحيث كان فعله موضوعا للحكم و القسم الأخير هو المقصود في باب الوكالة لأنّ البيع مثلا مترتّب على فعل الوكيل من حيث إنّه هو الفاعل و نظيره في الأحكام التّكليفيّة الفعل العبادي فإنّ المقصود منه حصوله من شخص المكلّف و أمّا القسم الأوّل الّذي نظيره في التّكاليف هو الفعل التوصّلي فهو خارج عن باب الوكالة

فعلى هذا عدّ إيصال الهديّة و الإذن في دخول الدّار من مستثنيات معاملات الصبيّ لا وجه له لأنّ هذه الأمور ليست من باب الوكالة بل الغرض وصول الهديّة إلى المهدي إليه و لو كان بتوسّط حيوان و هكذا في مسألة الدّخول في الدار الغرض استكشاف رضاء صاحب الدّار بل لو قلنا في باب المعاطاة أنّ الغرض منها وصول كلّ واحد من العوضين إلى مالك الآخر كما قيل به في مسألة كوز السقّاء و صندوق الحمّامي فلا بأس بأن يكون الصبيّ مقام الكوز و الصّندوق و دعوى صاحب الجواهر قدّس سرّه أنّ السّيرة الثّابتة في مثل إيصال الهديّة و الإذن في الدّخول من المسامحين لا المتديّنين لا وجه لها فإنّ خروج ذلك من باب معاملات الصبيّ خروج موضوعي

أمّا السّنة فهي على طوائف ثلاث الأولى ما دلّ على جواز أمر اليتيم بعد الاحتلام و عدم خروجه عن اليتم قبله الثانية ما دلّ على رفع القلم عنه الثّالثة ما دلّ على أنّ عمده و خطاءه واحد أمّا الطائفة الأولى فالاستدلال بها غير مفيد لأنّها في مقام بيان أنّ الاحتلام شرط في نفوذ أمر الصبيّ و ليست في مقام بيان عدم نفوذ أمره قبله و لو مع إذن الوليّ و أمّا الثّانية فالحق دلالتها على كونه مسلوب العبارة فإنّ الظّاهر من قوله ع رفع القلم عنه ما هو المتعارف بين النّاس و الدّائر على ألسنتهم من أنّ فلانا رفع القلم عنه و لا حرج عليه و أعماله كأعمال المجانين فهذه الكلمة كناية عن أن عمله كالعدم و رفع عنه ما جرى عليه القلم فلا ينفذ فعله و لا يمضى عنه فإنّ ما صدر عنه لا ينسب إليه نعم يختصّ رفع القلم بالفعل الّذي لم يكن موضوعا لحكم بذاته لأنّ الظّاهر من هذا الحديث الشّريف أنّ الأفعال الّتي تترتّب عليها

ص: 173

الآثار لو صدرت من البالغ العاقل المستيقظ فهي إذا صدرت من الصبيّ و مثله فلا أثر لها و أمّا الأفعال الّتي تترتّب عليها الآثار من دون فرق بين الالتفات و غيره و من غير فرق بين الاختيار و غيره فهذه خارجة عنه تخصّصا

فعلى هذا لا يشمل الحديث مثل الإتلاف و الجناية بل مطلق الحدث و الجناية الموجبة للدّية و نحو ذلك و على هذا لا يرد المناقشات الّتي أوردها المصنف قدّس سرّه على هذه الطّائفة بقوله أولا إنّ الظّاهر منه قلم المؤاخذة و ثانيا أنّ المشهور على الألسنة أنّ الأحكام الوضعيّة لا تختصّ بالبالغين و ثالثا لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعا للأحكام المجعولة في حق البالغين فيكون الفاعل كسائر غير البالغين خارجا عن ذلك الحكم إلى وقت البلوغ

أمّا في الأولى الّتي مرجعها إلى اختصاص الرّفع بالأحكام التكليفيّة دون الوضعيّة فلما أوضحنا في الأصول في حديث الرّفع من أنّ الرّفع التّشريعيّ يصحّ تعلّقه بالأمور الخارجيّة من دون توقّف على تقدير المؤاخذة أو غيرها و الرّفع التشريعيّ يقتضي رفع جميع الآثار ففي المقام يمكن تعلّق الرّفع بنفس القلم أي رفع قلم جعل الأحكام عنه سواء كانت موجبة للمؤاخذة على مخالفتها كالأحكام التكليفية أم لم تكن كالوضعيّة

و أمّا في الثّانية فلأنّ اشتراك غير البالغ مع البالغ في الأحكام الوضعيّة التي هي محلّ البحث كعقد الصبيّ أوّل الكلام بل المشهور عدمه نعم يشتركان في مثل الإتلاف و نحوه

و أمّا في الثّالثة فلأنّه مضافا إلى عدم إمكان تفكيك الآثار بين البالغ و غيره فيما كان ذات الفعل موضوعا للأثر بل فيما كان الأثر مترتّبا على الفعل القصدي أيضا فإنّه لو أفاد عقد الصبيّ الملكيّة فلا يمكن أن لا يكون مؤثرا فعلا و يصير ذا أثر بعد البلوغ أنّ كون فعله موضوعا للأحكام المجعولة في حق البالغين فرع أن يكون فعله مؤثرا و هذا أوّل الكلام لأنه يحقل أن يكون وجوده كعدمه كما في عقد المجنون و مثله فكيف يمكن أن يكون هذا الّذي صدر من مثل المجنون موضوعا لحكم البالغ العاقل

و بالجملة ظهور الحديث في كون عبارته كالعدم بقرينة جعله رديفا للمجنون و النّائم ممّا لا ينبغي المناقشة فيه و أمّا الثّالثة فدلالتها على أنّ أفعاله القصدي كالفعل الصّادر عن غيره بلا قصد واضحة نعم يمكن دعوى ورودها في مورد خاصّ و هو باب الديات أو عمومها للكفّارات أيضا و عدم شمولها لجميع أفعاله كالعقود و الإيقاعات و ذلك لأنّ الخطأ و العمد لم يؤخذا موضوعا لحكم إلّا في الجنايات و الكفّارات الواجبة على المحرم فإن في تلك المسألتين قوبل العمد مع الخطإ و أمّا في غيرهما فالحكم أمّا مترتّب على ذات الفعل و هو الغالب أو على خصوص العمد أو خصوص الخطإ أو ما هو مرادف لهما من القصد و الاختيار أو السّهو و النّسيان و الاضطرار و يشهد لذلك تذييل بعضها بقوله ع تحمله العاقلة فإنّ تحمل العاقلة إنّما هو الدّية في الجنايات

و لكن يمكن الجواب عن هذا الإشكال بأن تذييل بعضها بقوله تحمله العاقلة لا يوجب حمل الأخبار المطلقة على باب الجنايات هذا مضافا إلى ما ورد في رواية أبي البختري عن عليّ عليه السلام أنّه كان يقول المجنون و المعتوه الّذي لا يفيق و الصبيّ الّذي لم يبلغ عمدهما خطأ يحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم فإنّ قوله ع و قد رفع عنهما القلم بمنزلة العلّة لقوله ع عمدهما خطأ و مقتضاه أنّ الأفعال الّتي تترتّب عليها الآثار إذا صدرت عن قصد من غير الصبيّ و المجنون إذا صدرت عنهما فكالصّادرة عن غيرهما بلا قصد لأنّ قلم جعل الأحكام

ص: 174

مرفوع عنهما فمقتضى التّعليل هو التعدي إلى غير الجنايات بل يستفاد منه أنّ الطّائفة الثانية و الثّالثة وردتا لمعنى واحد و كلّ منهما مخصوصان بالأفعال القصديّة لا الأفعال الّتي تكون موضوعات للأحكام بذواتها

و على هذا فلا وجه لقول المصنف قدّس سرّه بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الأخبار في قتل المجنون و الصبيّ استظهار المطلب من حديث رفع القلم إلى آخره لأنّه بعد ما عرفت من اتّحاد معنى الفقرتين لا وجه لاستظهار الاتّحاد من هذه الرّواية بالخصوص بل في جميع الرّوايات الواردة هذه الكلمة يراد منها مع قطع النّظر عن معناه الكنائي رفع فعله القصدي فإنّ معنى رفع قلم الأحكام هو أن عمدهما خطأ فإنّ اشتراكه مع المجنون في رفع القلم عنه و كون عمده خطأ يقتضي أن يكون المرفوع هو الفعل القصدي

ثم لا يخفى أنّه لا وجه لتقدير المؤاخذة ثم تعميمها للآثار الأخرويّة و الدنيويّة فإنّ المؤاخذة بناء على لزوم تقديرها ظاهرة في العقوبة الأخرويّة ثم لا وجه لاحتمال العليّة و المعلوليّة كليهما في رفع القلم فإنّ الظّاهر منه كونه علّة لأنّه أعمّ موردا من قوله تحمله العاقلة و العلّة بمنزلة الكبرى الكليّة و الحكم المعلّل بمنزلة الصّغرى و جعله معلولا لقوله ع عمدهما خطأ لا يستقيم لأنّهما إما متّحدان معنى بناء على أن يكون المراد من رفع القلم رفع الأفعال القصديّة و إمّا يناسب العليّة لو كان المراد الأعمّ منها و من غيرها

و بالجملة و إن أجاد المصنف قدّس سرّه فيما أفاد من أنّ المرفوع عن الصبيّ هو الأحكام المترتبة على الأفعال الّتي بذاتها موضوعات لها لظهور الخبر في أنّ الصبيّ كالمجنون إلّا أنه لا وجه لالتزامه بتعلّق الرّفع بالمؤاخذة ثم تعميمها للآثار الدنيويّة ثم تمسّكه بإطلاق الرّفع لما إذا صدر الفعل عن الصبيّ بإذن الوليّ فإنّ التمسّك بالإطلاق في هذا المقام من الغرائب على مذهب من اختار من أنّ التّقابل بينه و بين التّقييد تقابل العدم و الملكة فإنّه لو كان المراد من الرفع رفع الأثر رأسا و أن فعله كالعدم و قصده كعدم القصد فلا موقع للتمسّك بالإطلاق لأنّ الإذن لا يمكن أن يؤثر في الفعل الّذي هو بمنزلة العدم حتى يتوهّم تقييد عدم الأثر بمورد الخلوّ عن الإذن فيتمسك بالإطلاق لرفع هذا التوهّم و لو كان المراد منه أنّ الصبيّ ليس مستقلا في التصرّف فهو كالرّاهن أو الباكرة فلا يصحّ التمسّك بالإطلاق لأنّه ينقلب الفعل في مورد الإذن عمّا عليه فلا يصحّ أن يقال الرّاهن لا يستقلّ بالتصرّف سواء أذن له المرتهن أم لا

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ قصد الصبيّ كالعدم و فعله العمدي خطأ لا مؤاخذة عليه و لا دية في ماله و لا يلزم بالإقرار و لا حدّ عليه و لا تعزير على أفعاله و لو قام دليل على أنّه يعزّر فليحمل على التأديب لئلّا يتمرّن على الفعل المحرّم نعم لو ثبت لزوم تعزيره في مورد ثبوت الحدّ على البالغ لكان ثبوت هذه العقوبة من أثر فعله القصدي و أمّا لو ثبت لزومه في غير هذه المعصية فليس المراد منه إلّا التأديب أي ليس العقوبة عليه لأجل ما صد منه بل لئلّا يصدر منه بعد البلوغ بحيث لو علم موته قبل البلوغ فتأديبه أيضا لا وجه له إلّا أن يكون نفس صدور الفعل منه نقصا لأقربائه

و كيف كان لو ثبت لزوم التعزير عليه فيدخل في المستثنيات لما بيّنا أنّ الصبيّ كالمجنون فهو داخل في هذا القسم من المحجورين فلا يترتّب على إنشائه أثر و لا يؤاخذ على فعل من أفعاله و إذا ثبت صحّة فعل منه بدليل خاصّ يكون مخصّصا لحديث رفع القلم و أمّا لو لم يثبت كما قيل بالنسبة إلى عباداته فيقتضي أن تكون

ص: 175

تمرينيّة لا شرعيّة

ثم كلّ ما ثبت صحّته مطلقا و لم يدلّ دليل على اعتبار صدوره من فاعل خاصّ يصحّ فيه توكيله للغير و وكالته عن الغير و هذا كلّه في الأفعال الّتي يعتبر فيها القصد و أمّا الّذي لا يعتبر فيه فخروجه عن الحديث بالتخصّص فالفروع الّتي ذكرها العلّامة قدّس سرّه في التذكرة مبتنية على إحدى القاعدتين أي كلّ فعل اعتبر فيه القصد كحصول الملك في الهبة و تعيّن الكلّي بالقبض فقبول الصبيّ فيه و قبضه كالعدم سواء كان بإذن الولي أم لا و سواء كان لنفسه أو للوليّ أو لغيره

و كلّ ما لا يعتبر فيه القصد كقبض مال معيّن من الوليّ بإذن الوليّ فقبضه فيه كقبض الوليّ كما أنّ من عليه الخمس أو الزّكاة يبرئ ذمّته منهما لو دفعهما إلى الصبيّ أو صرفهما في مصارف الصبيّ لأن قبضه هنا لا يعتبر فيه القصد

قوله قدّس سرّه ثم إنّه ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا فرق في معاملة الصبيّ بين أن يكون في الأشياء اليسيرة أو الخطيرة إلى آخره

و إن كان مقتضى الأدلّة السّابقة ما ذكره قدّس سرّه من عدم الفرق إلّا أنّه بعد ما يشاهد من النّاس أنّهم لا يعاملون مع الصبيّ معاملتهم مع المجانين بل سيرة أهل العرف من كلّ ملّة و نحلة الإيكال إلى الصبيّ باختلاف المعاملات فيوكلون إلى من بلغ أربع سنين معاملة البقول و إلى من بلغ ثمانية بيع اللّحوم و إلى من تجاوز العشرة معاملة الثّياب و هكذا

فلا بدّ إمّا من القول بخروج هذه الأشياء عن معاملات الصبي بالتّخصيص و المخصّص لها هو السّيرة و لكن الالتزام بهذا مشكل كما أفاده قدّس سرّه لأنّ السّيرة مختلفة باختلاف الأشياء و ثبوت السّيرة من عصرنا إلى عصر الأئمّة ع من المتديّنين بهذا التّفصيل مشكل بل المعلوم عدمها فإنّا نرى تحرّز المتديّنين عن المعاملة مع الصبيّ في مثل اللّحم و نحوه فضلا عن الثّياب و إمّا من القول بأن السّيرة جارية بين من لا يبالي بالمحرمات و لا يخفى أنّ الالتزام بهذا أشكل فإنّ شراء البقول و نحوها منه معمول بين المتديّنين و إمّا بجعل الصبيّ في الموارد الّتي ثبتت السّيرة فيها بمنزلة الآلة و الواسطة في الإيصال و هذا على وجوه

أحدها ما ذكره كاشف الغطاء بأنّ المعاملة في الحقيقة واقعة مع الوليّ و الطّرف الآخر فيكون الأخذ من الطّفل مثلا موجبا وكالة من قبل الوليّ و قابلا من قبل نفسه فيكون فعل الصبيّ من قبيل فتحه باب الدار و الإذن في دخول الأغيار من كونه كاشفا عن رضا الوليّ و فيه أوّلا أنّ دخول عمل طرف الصبيّ في عنوان الوكالة مشكل لأنّ الوليّ لم يعيّنه لها و مجرّد رضا المالك لا يدخله في هذا العنوان و ثانيا أنّ ما هو الواقع في الخارج ليس إلّا المعاملة مع الصبيّ للعلم بعدم إنشاء التّوكيل من الوليّ و عدم قصد الطّرف الوكالة عنه و ثالثا مقتضى ذلك اختصاص الصّحة بما إذا كان المال من غير الصبيّ و أمّا إذا كان منه و لم يعلم له وليّ إجباريّ فلا يجوز مع أنّ بناء النّاس ليس على التّفحّص

و ثانيها أن يكون المنشئ للمعاملة هو الوليّ مع طرف الصبيّ و كان الصبيّ واسطة في إقباض المالين و إيصاله إلى المالكين كإيصاله الهديّة إلى المهدي إليه و فيه أوّلا أنّ إنشاء التّمليك لشخص غير معلوم بوجه لا يدخل تحت أحد العناوين التّمليكيّة و ثانيا أنّ الفصل بين هذا الإنشاء و الإنشاء من طرف الصبيّ قد يكون أزيد من سنة و ثالثا أنّ ما هو الواقع في الخارج ليس كذلك غالبا بل دائما

و ثالثها الاكتفاء في المعاملة بوصول كلّ من المالين إلى مالك الآخر مع رضا الطّرفين و قد تقدم في المعاطاة ما يدلّ على صحّة ذلك

ص: 176

فإنّه إما من مصاديقها بناء على عدم اعتبار التعاطي فيها و إمّا أنّه ملحق بها حكما بناء على ما تقدّم من أنّ المعاطاة إنّما تدل على التّسليط المالكي فلو أنشأ التّسليط عن المالك بعوض معيّن فكلّ من أقدم على إعطاء العوض فهو مسلّط على المعوض فإنّه لا يعتبر في حقيقة التّسليط تعيين المباح له كما في نثار العرس و لا الموالاة بين الإيجاب و القبول فهذا لو كان داخلا في عنوان العقود فيدلّ على صحّتها عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لو لم يكن داخلا فيكفي في صحّتها السّيرة الجارية بين المتديّنين

نعم لا بدّ من الاكتفاء بما هو المتيقّن من جريان سيرة المتديّنين عليه و هو المعاملة الّتي لا تحتاج إلى المساومة بل كانت قيمة العين معيّنة في الخارج بحيث كان الصبيّ آلة صرفة و واسطة في الإيصال

[مسألة و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد]
اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد إلى آخره

توضيح هذه المسألة يقع في طي مباحث

الأوّل أنّ بعض الجمل مختصّ بالإنشاء

كصيغة الأمر و النّهي فإنّ مفادهما إيقاع النسبة بين الفاعل و المادّة تشريعا أو سلبها عنه كذلك و بعبارة أخرى مفاد الأمر البعث نحو المطلوب تشريعا و مفاد النّهي الزجر عنه كذلك و هذان المعنيان متمحّضان في الإنشائية و بعض الجمل مختص بالأخبار كالجملة الّتي كان محمولها أمرا خارجيّا كقوله زيد قائم و بعضها مشترك بين الأمرين كالفعل الماضي و المضارع و الجمل الاسميّة الّتي يكون محمولها قابلا لأن يوجد بالإنشاء فالفعل الماضي يصحّ أن ينشأ بها عناوين العقود و الفعل المضارع يصحّ أن ينشأ بها الأحكام

و السرّ في اختصاص كلّ واحد بباب هو أنّ الفعل الماضي للنّسبة التحقّقية و الفعل المضارع للنّسبة التلبسيّة فالماضي أمسّ بإيجاد عناوين العقود به و المضارع أمسّ بتشريع الأحكام به فإن إيجاد عنوان العقد لا يناسبه التلبّس و إيجاب متعلّقات الأحكام لا يناسبه التحقّق و أمّا الجمل الاسميّة فكاسم الفاعل في قوله هي طالق و اسم المصدر في قوله أنت حرّ و نحو ذلك كقوله أنت وصيّي أو وكيلي و كلّ ما كان من هذا القبيل و لا يخفى أنّ كون الجملة مفيدة للإنشاء أو الإخبار إنّما هو باقتضاء المقام و من المداليل السّياقيّة فإنّ لكلمة بعت معنى إذا كان المتكلّم به في مقام الحكاية يكون إخبارا و إذا كان في مقام إيجاد المادّة بالهيئة يكون إنشاء و هكذا سائر الصّيغ القابلة للمعنيين

ثم إنّه لا شبهة أنّ لكلّ من الإخبار و الإنشاء مراتب ثلاث الأولى القصد إلى اللّفظ لا بمعنى أن يكون اللّفظ بالنّظر الاستقلالي ملحوظا فإنّ هذا خارج عن استعمال اللّفظ في المعنى فإنّ الاستعمال عبارة عن إلقاء المعنى باللّفظ فاللّفظ غير منظور فيه و فان صرف بل بمعنى أن لا يكون اللّفظ صادرا عن غير الملتفت و الغافل كالنّائم و الغالط فإنّ اللّفظ إذا صدر في حال النوم أو على غير عمد بأن سبق اللّسان إليه فلا أثر له

و الثّانية أن يكون قاصدا للمعنى باللّفظ أي بعد كونه قاصدا لصدور اللّفظ كان قاصدا لمدلوله لا بمعنى كونه قاصدا لأصل المعنى فإنّه بعد قصده اللّفظ و علمه بمعناه لا يعقل عدم قصده معناه فإنّ استعمال اللّفظ عبارة عن إلقاء المعنى باللّفظ بل بمعنى كونه قاصدا للحكاية أو الإيجاد أي كان داعيه على استعمال اللّفظ في المعنى الحكاية عن وقوع هذا المدلول في موطنه من ذهن أو خارج أو إيجاد المنشأ بهذا اللّفظ الّذي هو آلة لإيجاده فلو كان قصده الهزل و اللّعب فلا أثر له و فقد هذين المرتبتين في الإخبار يوجب عدم صدق الحكاية عليها

ص: 177

و أمّا في المنشئات ففي العقود يوجب عدم صدق عنوان العقد و في الأحكام يوجب عدم صدق الحكم الواقعي بل يطلق عليه الحكم الصّوري أو الهزليّ أو نحو ذلك من الدّواعي

و المرتبة الثّالثة في الإخبار أن يكون مدلول اللّفظ مطابقا لما يحكي عنه و إلّا يكون كذبا و في الإنشاء أن يكون المنشأ متحقّقا في عالم الاعتبار بأن لا يكون المبيع خمرا مثلا و لا يخفى أنّ هذه المرتبة في الإخبار و الإنشاء خارجة عن اختيار المتكلّم لأنّها أمر خارجي و ليست من مدلول لفظه أيضا

و قد ظهر ممّا ذكرنا أمور الأوّل أن جعل القصد من شرائط العقد أولى من أن يجعل من شرائط المتعاقدين إذ بدونه لا يتحقق العقد كعدم تحقّقه بالفصل بين الإيجاب و القبول و بعدم تطابق الإيجاب و القبول و مجرّد أن عدم تحقّقه نشأ من قبل العاقد لا يوجب عدّه من شرائطه و إلّا لصحّ أن يقال و من شرائط العاقدان لا يتلفّظ بالفارسي و أن لا يقدم القبول على الإيجاب

الثّاني أن قياس الأمر الصّوري على الكذب في الإخبار لا وجه له لأنّ الكذب مرتبة ثالثة في الإخبار و الأمر الصّوري يشبه الهزل في الإخبار لأنه لم يقصد به البعث نحو المطلوب و هكذا في العقود لو لم يقصد إيجاد المادّة بالهيئة بل قصد الهزل و نحوه فحكمه حكم الهازل في الحكاية و شبيه الكذب في الإخبار منحصر في الإنشاء في عدم وقوع المنشإ في عالم الاعتبار و عدم المطابقة في الإخبار كعدم وقوع المنشإ في الإنشاء كلاهما خارجان عن مدلول اللّفظ و إمكان القصد إليه

الثّالث ما أفاده في المسالك من عدم تحقّق القصد في عقد الفضولي و المكره خلط قصد بقصد فإن القصد يستعمل في موارد أحدها قصد اللّفظ و ثانيها قصد المعنى فإنّهما معتبران في أصل صدق العقد فإن عقد النّائم و عقد الهازل ليسا بعقد فإنهما لم يقصدا إيجاد المادّة بالهيئة ثالثها قصد وقوع العقد خارجا عن طيب في مقابل وقوعه عن كره فإنّ العاقد مع قصده اللّفظ و المعنى تارة داعيه على وقوع مضمون العقد إكراه المكره و أخرى غيره من الدّواعي النّفسانيّة و رابعها قصد وقوع المضمون عن العاقد في مقابل وقوعه عن غيره كبعض أقسام عقد الفضولي و لا يخفى أنّ اعتبار القصدين الأخيرين إنّما هو لأمر تعبّدي لا لتحقّق مفهوم العقديّة فإنّ عقد المكره و الفضولي من حيث جهة العقديّة لا يقصر عن غيره فما أفاده في المسالك من أنّهما قاصدان إلى اللّفظ دون مدلوله لا وجه له لأنّهما قاصدان للمدلول أيضا و إنّما الفرق أن قصد وقوع مضمون العقد في المكره ليس عن داع اختياري و قصد نفسانيّ بل عن وعيد المكره بالكسر مع عدم إمكان التورية أو مطلقا على ما سيجي ء و في الفضولي هذا المعنى أيضا موجود و إنّما المفقود قصد وقوع المضمون عن نفسه و على هذا فقياس المكره على الفضولي أيضا لا وجه له لأنّهما ليسا في وزان واحد

المبحث الثّاني في اعتبار قصد المالكين و عدمه

و توضيحه يتمّ برسم أمور الأوّل لا شبهة أنّ تعيين العوضين في العقود التمليكيّة كتعيين الزّوجين في النّكاح الثّاني أنّ مقتضى المعاوضة و المبادلة دخول كلّ من العوضين في ملك مالك الآخر الثّالث بعد تحقّق المعاوضة تعقيبها بما ينافيها لا يوجب بطلانها بل يقع لغوا و برهان الجميع واضح أمّا اعتبار تعيين العوضين من حيث الجنس و المقدار في العقود المعاوضيّة فلأنّ عيش بني آدم يتوقّف على تبديل الأموال و لا يتمّ ذلك إلّا بتعيين ما يقع المال بإزائه من حيث الجنس و المقدار فإنّ المال يقع بإزاء الصّور النّوعيّة لا بإزاء

ص: 178

المادة المشتركة ثم لا يقع أي مقدار من المال بإزاء أي مقدار من الصورة النوعيّة فيجب تعيين كلتا الجهتين و سيجي ء توضيح ذلك في محلّه

و أمّا اقتضاء حقيقة المعاوضة دخول كلّ واحد من العوضين في ملك مالك الآخر فقد تقدّم وجه ذلك في أوّل البيع و إجماله أنّ المعاوضة تبديل طرف إضافة بطرف إضافة أخرى مع بقاء الطرف الآخر من كلّ من الإضافتين على حاله أي يتبدّل المملوكين لا المالكين فإذا كان المالكان على حالهما في المعاوضة و لم يقم مقام مالك المال مالك آخر كمسألة الإرث بل تبدّل طرف الإضافة القائمة بالمال بطرف الإضافة القائمة بمال آخر فلا بدّ أن يقع كل من المضافين مكان الآخر في الملك و يجب أن يدخل البدل في ملك من يخرج عنه المبدل و هذا لا يمكن إلّا إذا دخل المبدل في ملك من خرج عنه البدل و مجرّد عدم المجانية و وقوع مال بإزاء مال ليس معاوضة لأنّ العقد هو الأثر الحاصل من فعل المتعاقدين و ليس الثّالث طرفا لهما

فلو كان أثر تمليك البائع تمليك المشتري غير البائع لزم أن يكون هنا عقدان لو احتاج كلّ تمليك إلى قبول أو إيقاعان لو لم يتوقّف و قد تقدم أيضا أنّه لو قام دليل على صحّة ما لو قال اشتر بمالي لنفسك طعاما فلا بدّ من حمله إمّا على هبة المال له قبل الشّراء و إمّا على هبة الطعام له بعد الشّراء و إمّا على إعطائه له أحدهما قرضا و هكذا لو قام دليل على صحّة بيع معلّقات الكعبة المشرفة و تملّك ثمنها فلا بدّ من حمله على غير البيع من أنحاء التصرّف أو تملّكها آنا ما قبل البيع ثم بيعها و أمّا عدم بطلان المعاوضة بعد تحقّق أركانها بذكر ما ينافيها بعدها فلأنّه لا موجب لإبطال الأمر اللّاحق الأمر الصّحيح المتقدم نعم لو لم يتحقّق ركن المعاوضة و هو تبديل المالين فذكر ما ينافيها يوجب بطلانها كقوله بعتك بلا ثمن و آجرتك بلا أجرة على التفصيل الّذي تقدّم في قاعدة ما يضمن

إذا عرفت ذلك فنقول تارة يكون العوضان شخصيّين و أخرى كليّين و ثالثة يكون أحدهما شخصيّا و الآخر كليّا فإذا كانا شخصيّين فلا يعتبر تعيين مالكهما سواء كان العقد من المالكين أم من غيرهما وكيلا كان أم لم يكن عقبه بما ينافيه أم لم يعقّبه فإنه بعد ما عرفت من أنّ المعاوضة تقتضي دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوض و بالعكس فلو بدل المبيع الشخصي بالثّمن الشخصي و قال بعتك هذا بهذا أو قال بعت هذا بهذا صار المثمن لمالك الثّمن و الثّمن لمالك المثمن و لا يعتبر تعيين المالكين لكونهما معيّنين في الواقع و لا يضرّ تعقيب العقد بما ينافيه بأن يقول بعتك هذا بهذا لزيد مع عدم كون زيد مالكا لأحد العوضين بل و لا يضر ذكر المنافي بين الإيجاب و القبول بأن يقول بعت هذا الّذي لزيد بهذا الثّمن الّذي لعمرو فإنّه يقع التبديل بين الثّمن و المثمن و قصد كونه لزيد أو ذكره لغو لا يوجب البطلان و لا يقاس على قوله بعتك بلا ثمن لما عرفت من الفرق بينهما

و بالجملة لم يقم دليل تعبّدي على اعتبار قصد المالكين و لا على بطلان قصد الخلاف و لا يتوقّف عنوان العقديّة أيضا على قصد المالكين أو ذكرهما و لا يمكن أن يؤثر قصد الخلاف في البطلان كما لا يمكن أن يتعدّد وجه وقوع العقد أيضا حتّى يتوقّف على التّعيين

و أمّا إذا كانا كلّيين فلا بدّ من تعيين ذمّة شخص بالنّسبة إلى أحد العوضين و العوض الآخر لو لم يجعله العاقد في ذمّة غيره يتعلّق بذمته ظاهرا فلو قصد الإبهام و قال بعت أو اشتريت منّا من الحنطة

ص: 179

بعشر قرانات فلا يصحّ لأنّ الكلّي ما لم يضف إلى ذمّة شخص لا يكون مالا و لا ملكا فإنّه و إن لم يعتبر الملكيّة و الماليّة قبل العقد و يكفي تحقّقهما بنفس العقد كما في السّلم إلّا أن تحقّقهما به يتوقف على تعيين ذمّة شخص فإنّ المنّ من الحنطة بدون تعيين ذلك مفهوم و المفهوم بما هو مفهوم لا ماليّة له و إنّما ماليته باعتبار انطباقه على المصاديق الخارجيّة و ما لم يعيّنه في ذمّة شخص لا ينطبق على مصداق و لا دليل على كفاية تعيين المبهم بعد العقد كشفا أو نقلا

و بالجملة القدر المشترك بين الذّمم لا ماليّة له و لا يقاس على عتق أحد العبدين و طلاق إحدى الزّوجتين و بطلان الزّائد على الأربع من دون تعيين فيما لو أسلم الكتابيّ على الزائد عليهن فإنّه يمكن الفرق بين المقام و بين الأمثلة أولا بأنّ الأمثلة من باب الشّبهة المحصورة و يمكن أن يقال إنّ إحدى الذمّتين في المقام أيضا لها اعتبار الملكيّة دون ذمّة من في العالم و ثانيا بأنّ هذه الأمثلة ثبتت بالتعبّد لا على طبق القاعدة فإنّ القاعدة لا تقتضي تعلّق الطّلاق بإحدى الزّوجتين فإنّ طلاق القدر المشترك لا معنى له و لا معين في الواقع أيضا حتى يتعيّن بالقرعة فالقاعدة تقتضي البطلان

و أمّا إذا كان أحدهما كليّا فإن كان الشخصيّ ملك شخصه وجب تعيين من يقع الكلّي في ذمّته و أمّا لو انعكس فلا يجب التّعيين و ذلك لأنّه لو كان الشخصيّ ملك غيره تعلّق الكلّي بذمّة نفسه لأنّ ذمّة الغير يحتاج إلى التّعيين و إلّا انصرف إلى النّفس حتّى فيما لو كان وكيلا عن الغير و نظير ذلك النّيابة و الأصالة في العبادات فإنّه لو اشتغل ذمّته بفريضة لنفسه و كان أجيرا للغير أيضا فلو صلّى و لم يقصد النّيابة وقعت عن نفسه و لو لم يشتغل ذمّة نفسه بها وقعت لغوا فالانصراف إلى النّفس لا مئونة له

نعم لو قصد الإبهام وقع في نفس الأمر باطلا و إن كان ملزما في الظّاهر بالالتزام المعامليّ كما سيجي ء في العنوان الآتي نظير ذلك ثم إن اعتبار تعيين البائع أو المشتري في الكلّيين ليس كاعتبار طرفي العقد في غير باب المعاوضات كالنّكاح و الوصيّة و الهبة و الوقف و نحو ذلك فإنّ الزّوجين و الموصى له أو الوصيّ أو المتّهب أو الموقوف عليه ركن في هذه الأبواب و بدون التّعيين لا ينعقد العقد و لا يرتبط إنشاء الموجب بإنشاء القابل لأنّه ليس قصد الواهب مثلا الهبة لكلّ من يقبلها و أمّا المعاوضات فاعتبار التّعيين فيها إنّما هو لاعتبار العوض فيها حيث إنّ تحقّق الماليّة في الكلّي إنّما هو بتعيين المالك و إلّا فما هو الرّكن فيها هو العقد و العوضين فلو تمّ شرائطهما لم يعتبر شي ء آخر أصلا

و على هذا فلا يخفى ما في كلام المحقّق التّستري من النّظر أمّا أوّلا فلأنّ اعتبار التّعيين في الكلّي ليس لاعتبار قصد المالكين بل لاعتبار العوضيّة فإنّ قوام العقد بجعل العوض في مقابل المعوض و بالعكس و الكلّي ما لم يضف إلى ذمّة شخص ليس مالا و تعيين الذمّة بعد العقد لا يكفي في تحقّق العقديّة لأنّ الإنشاء من الإيجاديّات و الإيجادي في الحال لا يعقل تحقّقه في الاستقبال فلو قام دليل على كفاية تحقّق ما يجب أن يتحقّق فعلا فيما بعد فلا بدّ من تنزيله منزلة تحقّقه فعلا و إلّا لا يمكن وجود شي ء في ظرف أن يكون وجودا له في غير هذا الظّرف فلا يمكن قياس المقام على العتق و نحوه

و على هذا فلو سلمنا صدق العقد على الكلّي و لو لم يضفه إلى شخص فقوله لا دليل على تأثير التّعيين المتعقّب فيه أنّ الدّليل عليه عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و قوله و لا على صحّة العقد المبهم لانصراف الأدلّة إلى الشّائع المعهود ففيه أن التّعارف

ص: 180

بنفسه لا يوجب الانصراف و قوله قبل ذلك و الدّليل على اشتراط التّعيين و لزوم متابعته في هذا القسم أنّه لو لا ذلك لزم بقاء الملك بلا مالك ففيه أنّ هذا لا يتمّ في جميع الصّور لأنّه لو كان كلّ من العوضين كليّا فقبل التّعيين لا يتحقّق نقل حتى يبقى الملك بلا مالك

و أمّا ثانيا فقوله و لو اشترى لنفسه بمال في ذمّة زيد فإن لم يكن وكيلا عن زيد وقع عنه و تعلّق المال بذمّته لا عن زيد ليقف على إجازته و إن كان وكيلا فالمقتضي لكل من العقدين منفردا موجود و الجمع بينهما يقتضي إلغاء أحدهما و لما لم يتعين احتمل البطلان للتدافع إلى آخره ففيه أنّه لا فرق بين صورة الوكالة و غيرها في أنّ التصريح بالخلاف لا يضرّ بالعقد و لا يقاس على مثل بعتك بلا ثمن مع أن احتمال البطلان يجري في غير صورة الوكالة أيضا فإن مجرّد قابليّة وقوع العقد عن الموكل لو كان منشأ للتّدافع بين قوله اشتريت لنفسي و قوله في ذمّة زيد فقابليّة وقوعه عن زيد فضولا أيضا يوجب التّدافع لأنّ كلّ ما صحّ عن قبل الموكل في صورة الوكالة صحّ عن المالك في صورة الفضولي فالتّفصيل بينهما لا وجه له

نعم يعتبر في قابليّة وقوع العقد عن قبل الموكل أو المالك أن يكون العقد جامعا لشرائط الصّحة من جميع الجهات إلّا أنّه في صورة الوكالة لا يحتاج استناده إلى الموكل إلى الإجازة منه بعد وقوع العقد و هذا بخلاف عقد الفضولي فإنّ استناده إلى المالك يتوقّف على الإجازة

و على هذا فيرد على عبارة المتن

في قوله و إذا لم يقصد المعاوضة الحقيقيّة فالبيع غير منعقد فإن جعل العوض من عين غير المخاطب الّذي ملكه المعوّض فقال ملّكتك فرسي هذا بحمار عمرو فقال المخاطب قبلت لم يقع البيع لخصوص المخاطب لعدم مفهوم المعاوضة معه و في وقوعه اشتراء فضوليا لعمرو

كلام يأتي فإن مع تصريحه بعدم انعقاد البيع لا وجه لوقوعه اشتراء فضوليا لعمرو فإنّ العقد الفضولي لا بدّ أن يكون المقصود منه المعاوضة الحقيقيّة حتّى في بيع الغاصب لنفسه و أمّا مع عدم قصد البيع أصلا فلا يصحّ رأسا

و ما وجّهنا به هذه العبارة سابقا و هو عدم قصد المعاوضة مع المخاطب لا عدم قصد أصل المعاوضة لا يستقيم لأنّه لو لا قوله فالبيع غير منعقد لكان لهذا التوجيه وجه و أمّا معه و مقابلة قوله و إذا لم يقصد المعاوضة مع قوله سابقا فالمقصود إذا كان المعاوضة الحقيقيّة فلا وجه له فتأمل لعلك تتصوّر وجها له ثم لا بأس بالإشارة إلى ما أفاده المصنف في توجيه ما أفاده المحقّق التّستري فيما إذا كان العوضان معيّنين بناء على عدم اعتبار التّعيين فقال المحقّق التّستري و على الأوسط لو باع مال نفسه عن الغير وقع عنه و لغى قصد كونه عن الغير

و قال المصنف و أمّا ما ذكره من مثال من باع مال نفسه عن غيره فلا إشكال في عدم وقوعه عن غيره و الظّاهر وقوعه عن البائع و لغوية قصده عن الغير لأنه أمر غير معقول لا يتحقّق القصد إليه حقيقة و هو معنى لغويّته و لذا لو باع مال غيره عن نفسه وقع للغير مع إجازته إلى أن قال إلّا أن يقال إنّ وقوع بيع مال نفسه لغيره إنّما لا يعقل إذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقيّة لم لا يجعل هذا قرينة على عدم إرادته من البيع المبادلة الحقيقيّة أو على تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكيّة المبيع إلى آخره

و حاصل ما أفاده أنّه بعد تحقّق المعاوضة و تبديل مال معيّن بمال آخر كذلك فذكر ما ينافي ذلك لا يضرّ فلو قصد بيع مال نفسه للغير يقع لنفسه و لو قصد بيع مال غيره لنفسه كالغاصب فيقع للغير لأن بعد قصد المعاوضة لا أثر

ص: 181

لقصد ما ينافيها نعم لو قيل بأن قصد بيع مال نفسه للغير كاشف عن عدم قصد المعاوضة فلا موجب للصحة كما أنّه لا موجب لها أيضا لو نزل الغير منزلة نفسه فأوقع المعاملة بين ذلك الغير و المشتري فإنّه بهذا التّنزيل أخرج نفسه عن الطّرفيّة فلا تقع له و لا يمكن أن يقع أيضا للغير بإجازته لأنّه غير مالك و لا إضافة بينه و بين المبيع فهذا التّنزيل موجب للبطلان عكس ما إذا نزل الغاصب نفسه منزل المالك فإنّه موجب للصحّة

ثم إنّ بعض المحشّين أورد على الشقّ الأوّل من الترديد بأن كون عدم المعقولية قرينة على عدم إرادة المعاوضة الحقيقيّة إنّما يتمّ إذا شكّ في قول الغير و أمّا مع صدور المعاملة الخاصّة عن نفسه فلا معنى لجعله قرينة إذ هو مطّلع على ما قصد و على الشقّ الثّاني من التّرديد بأنّ تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكيّة المبيع وجه للصحّة لا للبطلان كما في تنزيل الغاصب نفسه منزلة المالك و فيهما ما لا يخفى

أمّا في الأوّل فلأنّ القرينة الواقعة في الإنشاء ليست كالقرينة الواقعة في الإخبار كاشفة عن المراد حتّى يقال إن المتكلّم مطلع على مراده بل قرينيّة القرينة في الإنشاء معناها أنّ العقد المتحصّل من إنشاءين إذا لم يتعقّب بما ينافيه فهو يقع على طبق ما أنشأ و أمّا إذا اقترن بما ينافيه كقوله بعتك بلا ثمن فلا يقع الإنشاء للتّدافع ففي مثل بيع مال نفسه عن غيره يحتمل الصّحة بأن يجعل قصد الغير لغوا و يحتمل البطلان بأن يجعل قصد الغير بمنزلة بلا ثمن في كونه إيجادا لما ينافي إنشاءه و هذا هو معنى قرينيّته لعدم قصد المعاوضة الحقيقيّة

و أمّا في الثّاني فللفرق بين قصد المالكيّة في بيع الغاصب و تنزيل الغير منزلة نفسه في بيع المالك و هو أنّ القصد في الأوّل مصحّح للمعاملة دون الثّاني و ذلك لأنّ العناوين الواقعيّة أو الجعليّة قد يكون الأثر فيها مترتّبا على المعنون بها أولا و بالذّات و بتوسط انطباقها على المصداق يرتب على هذا المصداق ثانيا و بالعرض فإنّ زيدا يجب عليه الحجّ لكونه مستطيعا

و قد يكون الأثر مترتّبا على المصداق لكونه معنونا فالعنوان من قبيل الدّاعي و واسطة في الثّبوت مثلا لو اقتدى بالعادل و تخيّل أنّه عمرو فبان أنّه زيد صحّت صلاته و لو اقتدى بعمرو لكونه عادلا فتبيّن أنّه زيد بطلت صلاته ففي الأوّل قصد كونه مالكا من الدّواعي و من قبيل الخطإ في التّطبيق فإنّ المقصود إيقاع المبادلة بين المالين من المالكين و حيث يعلم بأن كلّا منهما ليسا له يبني على مالكيّة نفسه حتّى يتحقّق قصد المعاوضة حقيقة فإذا تمّت المعاوضة و أجاز المالك وقعت له

و أمّا في الثّاني فقصد كون ماله لغيره لا يمكن أن يكون من قبيل الخطإ في التّطبيق بل يكون ضدّ ذلك لأنّه يرى نفسه خارجا عن طرف المعاوضة فصحّته عن قبل نفسه لا يعقل بعد إخراج نفسه عن المالكية و صحّته عن الغير أيضا لا معنى لها بعد عدم تأثير إجازته و بالجملة تنزيل الغير منزلة النّفس موجب للبطلان لأنه لا يعقل دخول البدل في ملك الغير مع عدم خروج المبدل عن ملكه و لا وقوعه عن نفسه لإخراج نفسه عن المالكيّة و تعقيب إنشائه بما ينافيه

نعم بناء على ما ذكرنا من أنّ ذكر ما ينافي العقد بعد تحقّق أركانه يقع لغوا و لا يوجب بطلانه فهذا القصد لغو و على أيّ حال هذا القصد ليس مصحّحا للمعاملة بل إمّا يقع لغوا أو موجبا للبطلان

المبحث الثالث في تعيين الموجب لخصوص المشتري و القابل لخصوص البائع

و فيه أيضا جهات من البحث الأولى في أنّه هل فرق بين هذا المبحث و المبحث الثّاني أو لا فرق بينهما و الحقّ

ص: 182

عدم الفرق بينهما ففيما إذا كان العوضان شخصيّين فكما لا يعتبر تعيين البائع من يبيع له و لا تعيين المشتري من يشتري له فكذا لا يعتبر أن يعلم البائع بأنّ المشتري يشتريه لنفسه أو لغيره و أنّ الثمن ملك له أم لا و هكذا في طرف المشتري لأنّ التبديل يقع بين المالين فكلّ من هو مالك للثمن ينتقل إليه المثمن و بالعكس

نعم في غير باب المعاوضات كعقد النّكاح و الهبة و الوقف و الوصيّة و نحو ذلك كالضّمان و الحوالة يعتبر العلم بالطّرف فإنّ خصوصيّات الأشخاص لها ركنيّة و دخل تام في نظر الطّرف و بالجملة من يتعلّق العقد به تارة هو ركن في العقد و أخرى ليس كذلك فلو كان ركنا فلا بدّ من تعيينه فلو لم تعلم الزّوجة بأنّ القابل هو الزّوج أو وكيل عنه لم يصحّ العقد و هذا بخلاف البيع

الثّانية إذا علم بأنّ الطّرف الآخر وكيل أو وليّ فهل يصحّ في مقام إجراء الصّيغة المخاطبة مع الطّرف مطلقا بأن يقول أنكحتك أو لا يصحّ مطلقا أو التّفصيل بين البيع و ما يحذو حذوه و بين النّكاح و ما يتلو تلوه و الحقّ هو التّفصيل لا للفرق بين وكيل الزّوج و وكيل البائع بأن يقال يطلق على وكيل البائع بأنّه بائع و أمّا وكيل الزوج فلا يقال بأنّه زوج فإنّ هذا باطل لعدم الفرق بين الإطلاقين كما أشار إليه المصنف بقوله فتأمل بل لأنّ ما لم يعتبر فيه أن يكون شخصا خاصا صحّ مخاطبته بما أنّه هو أو بما أنه وكيل لا بمعنى أن كاف الخطاب وضع في البيع و نحوه للأعمّ فإنّه باطل بل بمعنى أنّه في البيع يتعارف تنزيل الغير منزلة المخاطب فلو علم بالوكالة نزل الوكيل منزلة نفس الموكل فيخاطبه بقوله بعتك بما أنت موكلك و أمّا لو يعلم بها فيخاطبه بقوله بعتك بما أنت أنت و هذا بخلاف باب النّكاح فإنّه لا يتعارف فيه ذلك فمع أنّ المخاطب في كلتا الصّورتين هو العاقد يختلف كيفيّة الخطاب اعتبارا

الثّالثة بعد صحّة البيع و لو لم يعلم بأنّ الطّرف يشتريه لنفسه أو لغيره فهل الملزم بالالتزام العقدي نفس العاقد و لو ثبت بأنّه وكيل أو يفصل بين ما إذا ثبت وكالته فالملتزم هو الموكل و ما لم يثبت فالعاقد وجهان و الأقوى هو الأوّل

و على هذا فلا يسمع دعوى الوكالة لأنّ الدعوى إنّما تسمع فيما إذا كان الأثر مترتّبا على المدّعى به و أمّا لو لم يكن له الأثر سواء كان ثابتا في الواقع أم لا فلا وجه لسماع الدّعوى فالعمدة إثبات أنّ الملتزم بالالتزامات نفس العاقد فيما لم يعلم أنه وكيل لأنّه لو علم كونه وكيلا فالملتزم هو الموكل بلا شبهة لأنّ الخطاب و إن كان متوجّها إلى الوكيل إلّا أنّه لا بما هو هو بل بما أنه موكله فكأنّ الطرف مع علمه بوكالة المخاطب جعل الالتزامات العقديّة على الموكل و أمّا لو يعلم بها فالملزم هو الوكيل و لو ثبت كونه وكيلا بعد هذا غاية الأمر أنّه أيضا يرجع إلى الموكل لأنّ الطّرف حيث إنّه جاهل بوكالته فينشئ الالتزامات الصّريحة أو الضّمينة معه بل لعلّه لو كان عالما بوكالته لما أوقع المعاملة مع الموكل لأنّ النّاس في السّهولة و الصّعوبة و العسر و اليسر و المماشاة و المماطلة مختلفون فالوكيل المفوّض كما هو مفروض الكلام لو لم يصرّح بالوكالة فهو الملزم بالتّسليم و سلامة المبيع و نحو ذلك من الشّروط الضّمنيّة و الصّريحة لأنّه بإنشائه التزم أمرين

أحدهما الالتزام بكون المبيع عوضا عن الثمن و أثر هذا الالتزام انتقال كلّ واحد من العوضين من أي مالك كان إلى مالك الآخر فعليه إلزام موكله بأخذ الثّمن أو المثمن منه و تسليمه إلى الطّرف و للطّرف الرّجوع إليه ابتداء و ثانيهما الالتزام بعدم العيب و الغبن و نحو ذلك من الشّروط الضمنيّة أو الصّريحة و أثر هذا الالتزام أيضا رجوع الطرف إليه

ص: 183

ابتداء و بعد رجوعه إليه فهو أيضا يرجع إلى موكله

نعم لو كان كاف الخطاب موضوعا للأعمّ لكان سماع الدّعوى منه في غاية الوضوح لأنّ ظهور الإطلاق في كونه هو الأصيل لا ينافي سماع الدعوى منه فإنّ مورد سماع الدعوى هو كون الأثر على المدّعى به مع كونها مخالفة للأصل أو الظّاهر فمع الالتزام بكون الكاف موضوعا للأعمّ لا وجه لعدم سماع قول من يدّعي الوكالة

و لعلّ قوله فتأمّل

إشارة إلى ذلك

[مسألة و من شرائط المتعاقدين الاختيار]
اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة و من شرائط المتعاقدين الاختيار إلى آخره

قد تقدم أنّه يعتبر في تحقّق عنوان العقديّة أمران الأوّل أن يكون قاصدا للّفظ بما أنّه فان في المعنى و حاك عنه و قصده كذلك مع عدم قصد المعنى لا يجتمعان فإنّ قصده كذلك الّذي هو عبارة عن استعماله في المعنى ملازم لقصد المعنى منه نعم قصد اللّفظ موضوعيّا كمن يتكلّم تقليدا أو غير عالم بالمعنى لا يلازم قصد المعنى الثّاني أن يكون الداعي على الاستعمال بعد قصد اللّفظ وقوع المدلول في الخارج فعقد الهازل لا أثر له لأنّه و إن قصد المعنى بتوسّط قصده اللّفظ إلّا أنّه غير قاصد لوقوع المدلول في الخارج أي لم يقصد من قوله بعت إيجاد المادة بالهيئة خارجا بل قصد صورة و هزلا

و يعتبر في نفوذ العقد و مضيّه شرط ثالث و هو أن يكون إرادة الفعل ناشئة عن طيب النّفس أي يكون الموجب لإرادة الفعل و الدّاعي لها الّذي هو بمنزلة العلّة للإرادة و إن لم تكن علّة و إلّا لزم القول بالجبر كما برهن في محلّه طيب نفسه لا إكراه المكره فإنّ المكره بالفتح و إن كان قاصدا للّفظ و قاصدا لوقوع مدلوله في الخارج أيضا إلّا أن هذا القصد نشأ عن غير رضاه منه فلو كان هذا القصد أيضا ناشيا عن الرّضا خرج عن عنوان الإكراه و لو انتهى إلى غير الرّضا كما أنه لو كان أصل صدور الفعل عن غير اختيار فهو أيضا خارج عن عنوان الإكراه

و بعبارة واضحة هنا أمور ثلاثة اثنان منها خارج عن عنوان الإكراه و الإكراه متوسّط بينهما الأوّل ما إذا صدر الفعل عن غير إرادة كمن وجر في حلقه مفطر أو كتف و ألقي في السفينة و الثّاني ما إذا صدر الفعل عن إرادة و نشأت هذه الإرادة عن داع نفسانيّ إلّا أنّ الدّاعي على هذا الدّاعي غير الرّضا و الاختيار كمن كان جائعا فباع ثوبه ليشتري بثمنه خبزا بحيث لو لم يكن مضطرّا لما باعه و المكره واسطة بين هذين الشّخصين فإنّه مختار في الفعل إلّا أنّ هذا الاختيار نشأ عن غير اختيار و أمّا الجائع و نحوه كمن أكره على إعطاء مائة دينار فباع داره لإعطاء الدّنانير فإرادة الفعل أيضا نشأ عن الاختيار إلّا أنّ هذا الاختيار نشأ عن أمر غير اختياريّ و كيف كان فموضوع البحث في عقد المكره وجود جميع الشرائط سوى الرضا بالمعاملة فما عن العلّامة و الشّهيدين قدّس اللّٰه تعالى أسرارهم من أنّ المكره قاصد إلى اللّفظ دون مدلوله ليس مقصودهم ما هو ظاهر عبارتهم أمّا مراد الشّهيدين فبالنّظر إلى قياسهما الكره على الفضولي يظهر أن مقصودهما من قولهما أنّ المكره قاصد إلى اللّفظ غير قاصد إلى مدلوله هو أنّ المكره لم يقصد ما هو ظاهر إنشاء كلّ منشئ من رضائه بوقوع المدلول في الخارج كما أنّ الفضولي لم يقصد ما هو ظاهر المعاملة من وقوعها لنفسه و أمّا العلّامة فمقصوده من قوله في التحرير لو أكره على الطّلاق فطلّق ناويا فالأقرب وقوع الطّلاق إذ لا إكراه على القصد هو التّفصيل بين أقسام المكره و هو أنّ كلّ من لم يتمكّن من التورية فهو مكره و أمّا من أمكن له التورية فإذا لم يوروا وقع المعاملة فليس مكرها بل صدرت المعاملة عنه عن طيب

و بالجملة فمحلّ الكلام

ص: 184

في المقام هو أنّ الدّاعي الذي ينشأ منه إرادة الفعل يجب أن يكون اختياريا فعدم قصد وقوع المدلول في الخارج كما في الهازل لا يدخل تحت هذا العنوان كما أن انتهاء جميع الدّواعي في السّلسلة الطّولية إلى الاختيار أيضا لا دليل على اعتباره و إلّا لزم عدم صحّة أغلب المعاملات فلو كان محلّ البحث هو البيع الصّادر عن إرادة ناشئة عن الإكراه لصحّ التمسّك لاعتبار الاختيار المقابل لهذا المعنى بالأدلّة العامّة و الخاصّة

أمّا الأدلّة العامّة فكقوله عزّ من قائل إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و قوله ع لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه و قوله ص رفع ما أكرهوا عليه فإنّ الإكراه على إرادة المعاملة يخرجها عن التّجارة النّاشئة عن الرضا بها و عن طيب النّفس فإنّ المكره و إن كان راضيا بالفعل بمعنى أنّه يصدر عنه بالاختيار إلّا أنّه غير راض بحاصل فعله و بإرادته للفعل الّذي يترتّب عليه الأثر فلم يصدر التّجارة عن رضا

و أمّا حديث الرّفع فبناء على ما بيّنا مفاده في الأصول من أنّ الرفع رفع تشريعيّ و لا يحتاج إلى التّقدير فدلالته على المقصود واضحة و لا يتوقّف التمسّك به على ضمّ استشهاد الإمام ع به على رفع أثر الحلف بالطّلاق إذا كان الحالف مكرها لما بيّنا من دلالته بنفسه مع قطع النّظر عن الخارج و على أيّ حال المناقشة في الاستشهاد بحمل نفس الاستشهاد على التّقية غير صحيحة لأنّ الظّاهر أنّ الإمام ع في استشهاده بحديث الرّفع بيّن الحكم الواقعي و إنّما اتّقى في تطبيق الحديث على المورد ففي بيان الكبرى لا تقيّة فيدلّ الحديث على رفع الآثار الوضعية كرفع الآثار التّكليفيّة في حال الإكراه

و نظير المقام ما ورد عن الصّادق ع في قوله ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا فإنّ الظّاهر من هذا الحديث أنّه ع لم يتّق في ثبوت الهلال بحكم إمام المسلمين بل في تطبيق الإمامة على المنصور الّذي أمر الإمام ع بإفطار آخر يوم الصيام كما أنّ الإشكال عليه بأن مقتضاه بطلان البيع عن اضطرار مع عدم إمكان الالتزام به غير وارد لأنّ الحديث حيث ورد في مقام الامتنان فلا امتنان في رفع أثر المعاملات الصادرة عن اضطرار هذا مع أنّ الاضطرار إلى المعاملة عبارة عما يكون نفس المعاملة اضطراريّة و أمّا إذا كانت المعاملة ممّا يدفع بها الاضطرار فلا يدلّ الحديث على رفعها كما أنّه لو كان الخطأ أو النّسيان متعلّقا بأمر آخر غير نفس المعاملة و صدرت المعاملة عن عمد و التفات فهذه لا ترتفع بالحديث

و على أيّ حال سواء قلنا برفع الآثار الوضعيّة أيضا كرفع الأحكام التكليفيّة كما هو ظاهر استشهاد الإمام ع بالحديث أم لم نقل به بأن يحمل نفس الاستشهاد على التقيّة فعدم مضي المعاملة إذا كانت إكراهيّة لا إشكال فيه لأنّ الإكراه موجب لفقد الرّضا مع أنّ رفع الآثار الوضعيّة به في الجملة لا إشكال فيه و تمام الكلام في الأصول

و أمّا الأدلّة الخاصّة فهي الأخبار الواردة في الطّلاق و العتق فعن زرارة عن أبي جعفر ع عن طلاق المكره و عتقه فقال ع ليس طلاقه بطلاق و لا عتقه بعتق و عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام لا يقع الطّلاق بإكراه و لا إجبار و لا مع سكر و لا على غضب إلى غير ذلك من الأخبار

ثم إنّه لا ينافي الصّحة مع الرضا اللّاحق في العقود البطلان مطلقا في الطّلاق و العتق لأنّ البطلان فيهما إنّما هو لخصوصيّة كونهما إيقاعيّين و الإيقاع لا يقبل الرضا المتأخّر كما أنّه لا محذور في الجمع بين ما لا إرادة في الفعل كما في السّكر و الغضب الّذي أريد منه مورد سلب الشّعور و الإجبار

ص: 185

إذا أريد منه سلب الاختيار كحركة المرتعش و ما فيه الإرادة كالإكراه لاشتراك القسمين في الجامع و هو بطلان الطّلاق

قوله قدّس سرّه ثم إنّ حقيقة الإكراه لغة و عرفا حمل الغير على ما يكرهه إلى آخره

بعد ما تبيّن حكم الإكراه و أنّه لا يترتّب الأثر على العقد أو الإيقاع الصادر عن المكره

يجب التّنبيه على موضوع الحكم و بيان القيود المعتبرة فيه
اشارة

و فيه جهات من البحث

الأولى في بيان حقيقته

و قد ظهر ممّا قدّمنا أنّ الإكراه المبحوث عنه بين الأعلام هو الواسطة بين مثل حركة المرتعش و الاضطرار فهو عبارة عن تحقق إرادة وقوع المضمون عن غير رضا و طيب و هذا هو مقصود المصنف قدّس سرّه

في قوله فالمعيار في وقوع الفعل مكرها عليه سقوط الفاعل من أجل الإكراه المقترن بإيعاد الضّرر عن الاستقلال في التصرّف بحيث لا يطيب نفسه بما يصدر منه و لا يتعمّد إليه عن رضا و إن كان يختاره دفعا للضّرر

و توضيح ذلك أنّ الغرض من المعاملة قد تكون هو التّجارة و قد تكون حاجة عارضة و هذه الحاجة تارة هي دفع ضرر ترك المعاملة و أخرى دفع ضرر آخر فلو كان مكرها بدفع شي ء فباع داره لتحصيل المكره عليه أو كان مضطرّا لشراء ما يسدّ به خلّة عياله فباع داره لتحصيل ثمن ما يحتاج إلى شرائه فهذا ليس مكرها على المعاملة بالداعي الأولى و إن كان مكرها عليها ثانيا و بالعرض و أمّا لو كان مكرها على المعاملة أوّلا و كان الحامل لها أمر المكره فهو موضوع البحث و اعتبار كون التّجارة عن تراض يقتضي خروج هذه المعاملة عمّا تعلّق الإمضاء الشّرعيّ به لكونها عن غير رضا لا القسم الأوّل فإنّه و إن انتهى إلى عدم الرّضا إلّا أنّه لا يصدق عليه أنّه غير راض لأنّه و إن أوجد المعاملة لدفع الضّرر إلّا أنّه مستقلّ في فعله

ثم بعد اعتبار الإكراه على نفس المعاملة و كون وقوعها ناشيا عن حمل الغير على ما يكرهه لا مجرّد استرضاء خاطره من دون طلب منه يعتبر توعيد الطّالب على التّرك ثم يعتبر الظنّ أو الاحتمال العقلائي على ترتّب ذلك الوعيد على التّرك فمجرّد أمر الغير مع عدم اقترانه بتوعيد منه لا يدخل في موضوع البحث و إن خاف من تركه ضررا سماويا أو الضّرر من شخص آخر غير الأمر كما أنه مع عدم احتماله الترتّب ليس داخلا في عنوان الإكراه لأنّ الشّخص في هذه الصّور إمّا مستقلّ في التصرّف و إمّا أن صدوره منه ليس لعنوان الإكراه بل للاضطرار و نحوه و على هذا فمثل أمر الوالدين أو أمر من لا يمكن مخالفته حياء لا يدخل في عنوان الإكراه إلّا إذا خرج صدور الفعل من الفاعل عن داعي حصول اسم المصدر و على هذا يحمل ما دلّ على رفع أثر الطّلاق الصادر مداراة بأهله أو على عدم قصد المضمون

كما أن رواية ابن سنان عن الصادق ع قال لا يمين في قطيعة رحم و لا في جبر و لا في إكراه قلت أصلحك اللّٰه و ما الفرق بين الجبر و الإكراه قال الجبر من السّلطان و يكون الإكراه من الزّوجة و الأم و الأب و ليس ذلك بشي ء الدالّة على دخول إكراه الزّوجة و الأبوين في عنوان الإكراه لا بد أن تحمل على خصوص الإكراه في اليمين لأنّها حيث تكون مرجوحة فلا أثر للإكراه عليها و لو كان من قبل الأبوين و الزّوجة و على هذا فالاستدلال بها للمقام غير مستقيم لأنّ البيع ليس مرجوحا فإذا لم يخف البائع من تركه و صدر منه فهو مستقلّ في التصرّف

ثم إنّ قوله و ليس بشي ء يرجع إلى صدر الحديث أي ليس اليمين في مورد الإجبار و الإكراه بشي ء فيكون السّؤال و الجواب جملتين معترضتين بين الصّدر و الذّيل و منشأ الفصل عدم إمهال السائل لإتمام الإمام ع كلامه

ص: 186

ثمّ إنّ ممّا ذكرنا من الفرق بين الاضطرار و الإكراه ظهر اندفاع ما يتوهّم من التّناقض بين كلامي المصنف

وجه التوهّم هو أنّ توجيهه قدّس سرّه كلام الشهيدين و هو أنّ المكره و الفضولي غير قاصدين لمدلول العقد بأن المراد من القصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع مناقض لما ذكره في أوّل العنوان من أنّ المراد من الاختيار هو القصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب النّفس في مقابل الكراهة فإنّ قوله في أوّل العنوان ظاهر في أنّ المكره قاصد لوقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع إلّا أنّه نشأ قصد وقوع مضمونه في الخارج عن إكراه و كلامه في التوجيه ظاهر في أنّ المكره لا يكون قاصدا لوقوع مضمون العقد مضافا إلى كونه غير راض به

وجه الدفع يتوقّف على تمهيد مقدّمة و هي أنّ الفعل المحرّم الصادر عن الإنسان كشرب الخمر يقع على أنحاء منها شربه تشهيا و منها شربه علاجا و منها شربه مكرها عليه و لا إشكال في أنّ القسم الأوّل يصدر عنه بتمام الاختيار من حيث اختيار الفعل و اختيار الأثر الحاصل منه و هو السّكر و أمّا الثّاني فالفعل و قصد حصول الأثر المرغوب عنه و إن صدرا بالاختيار إلّا أن قصد الأثر حصل لدفع الضّرر فهو نشأ عنه ثانيا لا أوّلا و بالذات و أمّا الثّالث فالفعل و إن صدر عنه بالاختيار إلّا أنّه لم يقصد حصول الأثر حتّى في المرتبة الثّانية لأنّه لا يكون غرضه في صدور الفعل حصول النّتيجة و الثّاني يسمّى بالمضطرّ إليه و الثّالث بالمكره عليه

إذا عرفت ذلك ظهر أن مراده في التوجيه من أنّ المكره غير قاصد لمضمون العقد ليس كونه غير قاصد للانفعال الّذي هو أثر الفعل مع قصده الفعل بل مراده أنّ نتيجة فعله أي الأثر المترتب عليه كالانتقال الخارجيّ الذي هو بمعنى اسم المصدر لم يصدر عنه باختيار و رضا

و بعبارة أخرى يشترك المضطرّ مع المكره في قصدهما المعنى المصدريّ إلّا أنّهما يفترقان في قصد اسم المصدر فإنّ المضطرّ قاصد له كقصده المعنى المصدريّ عن طيب بخلاف المكره فإنّه لم يقصد حاصل المصدر عن رضا و يمكن أن يكون هذا مراد العلّامة قدّس سرّه في قوله لو أكره على الطّلاق فطلّق ناويا فالأقرب وقوع الطّلاق إذ لا إكراه على القصد أي نوى الحاصل من المصدر و قصد تحقّق مضمون العقد لا بمعنى أنّه قصد مدلوله بل بمعنى كون الفعل ناشئا عن قصد حصول الأثر

و بعبارة أخرى قد يكون قصد المعنى المصدريّ تبعا لقصد اسم المصدر فإن المقصود توجه أولا إلى قصد اسم المصدر و حيث إنّه حاصل من المصدر فيقصد المعنى المصدريّ مقدّمة و المضطرّ كذلك لأنّه لمّا توقّف علاج مرضه على السّكر فيقصد الشرب المحصّل له مقدّمة و أمّا المكره فلا يريد السّكر أصلا بل الشّرب هو المقصود الأصلي له فعلى هذا يصحّ أن يقال إنّ المكره غير قاصد لوقوع مضمون العقد أي المتحصّل من العقد و الأخبار المصرّحة بأنه لا طلاق لمن لا يريد الطّلاق ناظرة إلى هذا المعنى

و حاصل الكلام أنّه ليس مقصود المصنف قدّس سرّه من أنّ المكره لا يكون الدّاعي له من الإنشاء قصد وقوع مضمونه في الخارج أنّ المكره لا يقصد إيجاد المادّة بالهيئة بل مقصوده أنّه لا غرض له من إيجاد المادّة بالهيئة و إن أوجدها بها فإنّ غرضه و داعيه هو دفع الضّرر الّذي ينشأ من تركه إيجادها فهو يوجدها بها لا عن رضا بخلاف المضطرّ فإنّه يوجدها بها عن رضا منه فهو مستقلّ في التصرّف دون المكره

الجهة الثّانية ما أشاره إليه المصنف

بقوله قدّس سرّه ثم إنّه هل يعتبر في موضوع الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي عن الضرر المتوعّد به

ص: 187

بما لا يوجب ضررا آخر إلى آخره

و حاصله أن إمكان دفع الضرر بالوقوع في ضرر آخر لا يخرج الفعل عن عنوان الإكراه و لذا لو أكره على الطّبيعي فكلّ واحد من مصاديقه يصدق عليه أنّه وقع مكرها عليه و هكذا لو أكره على أحد الشّيئين فاختيار أحدهما لا يخرجه عن عنوان الإكراه

و توهّم كونه مختارا في اختيار الخصوصيّة فاسد جدا لأنّ الخصوصيّة إذا صدرت لدفع إيعاد المكره فليست صادرة عن طيب و هذا لا إشكال فيه إنّما الإشكال في أنّه إذا أمكنه دفع الضّرر بالتوصّل إلى شخص ليدفع ضرر المكره أو بالتّورية فهل يكون مكرها مطلقا أو لا يكون كذلك مطلقا أو يفصل بين التّورية فيكون مكرها و غيرها فلا وجوه و الأقوى هو التّفصيل

و توضيحه يتوقّف على رسم أمور الأوّل في معنى التّورية و المشهور أنّها عبارة عن إلقاء الكلام الظّاهر في معنى و إرادة خلاف ظاهره مع إخفاء القرينة على الخلاف و في مجمع البحرين وريت الخبر تورية إذا سترته و أظهرت غيره حيث يكون للّفظ معنيان أحدهما أشيع فتنطق به و تريد الخفي إلى آخره و في القاموس و ورّاه تورية أخفاه و في تلخيص المفتاح و منه التّورية و تسمّى الإيهام أيضا و هو أن يطلق لفظ له معنيان قريب و بعيد و يراد البعيد إلى آخره

و الظّاهر عدم انحصار التورية بما عرفوها به فإنّ هذا الّذي ذكر في تعريفها ينحصر في الإخبار و الجامع بين الإخبار و الإنشاء هو أن تعرّف بمطلق إخفاء المقصود سواء كان بهذا النحو الّذي ذكر أم بنحو ذكر اللّفظ و عدم قصد المعنى بأن لا يكون ذكره اللّفظ استعمالا بل ناظرا إليه بالنّظر الموضوعيّ و بعبارة أخرى استعمال اللّفظ عبارة عن إلقاء المعنى باللّفظ فإذا لم يكن مقصود اللّافظ هو الاستعمال إمّا بأن لا يلقي ما هو معناه و إمّا بأن لا يلقي به معنى أصلا بل ينظر إليه لا بما هو فان و آلي بل بالنّظر الاستقلاليّ كاستعمال اللّفظ و إرادة شخص هذا اللّفظ كقوله زيد لفظ فهو الموري

و على هذا فالتورية في الحكايات قد تكون عبارة عن إراءة استعمال الألفاظ في المعاني حكاية مع أنّه ليس داعيه إلّا صرف التلفّظ و في الإنشائيات عبارة عن كونه مرائيا بأنّه يوجد المواد بالهيئات و ينشأ المعاني بالألفاظ مع أنّه ليس كذلك

و على أيّ حال لا يخرج الكلام عن الكذب بالتّورية لأنّه عبارة عن مخالفة ما هو ظاهر اللّفظ مع ما هو الواقع خارجا سواء كان اللّافظ مريدا للظّاهر أم لا قاصدا لاستعمال اللّفظ في المعنى أم لا الثّاني قد تقدم أنّه يعتبر في رفع الإكراه أثر المعاملة ترتّب الضّرر على مخالفة الفعل المكره عليه و محلّ بحث الأعلام في عدم اعتبار إمكان التفصّي مطلقا أو اعتباره كذلك أو التّفصيل بين إمكانه بغير التورية و إمكانه بها إنّما هو بعد الفراغ عن اعتبار ترتّب الضرر على مخالفة الفعل المكره عليه و أمّا لو قلنا بأن مجرّد حمل الغير على ما يكرهه يكفي في ارتفاع أثره لصدق الإكراه فالنزاع في اعتبار إمكان التفصّي مطلقا أو عدم اعتبار إمكانه كذلك أو التّفصيل لغو و ذلك لصدق الإكراه بمجرّد عدم رضاء المكره بالنتيجة و من هنا صحّ تمسّك المصنف برواية ابن سنان الدالّة على عدم اعتبار إمكان التفصّي مطلقا و لا يرد عليه ما أورد بأنّ الظّاهر من الرّواية تحقّق الإكراه بدون التوعيد بالضّرر لا أنّ التفصّي بغير التّورية أيضا غير لازم فلا دخل لها بمسألة إمكان التفصّي و عدمه و ذلك لما عرفت من أنّ محلّ البحث إنّما هو بعد اعتبار ترتب الضّرر و الرّواية حيث دلّت على أنّ إكراه الزّوجة أو الوالدين ليس بشي ء

ص: 188

مع أنّ التفصّي بغير التورية بالنّسبة إلى مخالفتهم أيضا ممكن فتدلّ على عدم اعتبار العجز عن التفصّي مطلقا

نعم قد يورد عليه أنّ الرّواية مختصّة بمسألة الإكراه في مورد اليمين لا مطلقا و كيف كان فثمرة هذا النّزاع إنّما هو بعد الفراغ عن اعتبار ترتّب الضّرر على مخالفة الفعل المكره عليه الثّالث يظهر من المصنف أنّ الفرق بين التخلّص من التورية و غيرها من وجهين أحدهما من حيث الحكم و ثانيهما من حيث الموضوع أمّا من حيث الحكم فحاصله أنّ الإكراه و إن لم يكن صادقا موضوعا على ما إذا تمكّن من التفصّي مطلقا إلّا أنّ إطلاق الأخبار و معاقد الإجماعات تلحقان القادر على التفصّي بالتورية بمن لا يقدر عليه

أمّا عدم صدق الإكراه موضوعا على مورد إمكان التفصّي فلما عرفت أنّه يعتبر في وقوع الفعل عن إكراه أن يكون الدّاعي إليه هو خوف ترتب الضّرر الموعود على التّرك و مع القدرة على التفصّي و لو بالتّورية لا يكون الضّرر مترتّبا على ترك المكره عليه بل على تركه و ترك التفصّي معا فدفع الضرر يحصل بأحد الأمرين فإذا اختار الفعل و لم يورّ فهو مختار فيه و لا يقاس على اختيار أحد فردي المكره عليه كما إذا أكرهه على بيع داره أو بستانه في أنّ اختيار كل واحد لا يخرج الفعل عن كونه مكرها عليه للفرق بينهما فإنّ المكره لم يكرهه إمّا على المعاملة أو على التفصّي فليس التفصّي عدلا للمكره عليه بل هو من قبيل شرط الوجوب و مسقط للتّكليف و موجب لذهاب الموضوع و لذا لو تفصّى بعقد آخر غير ما أكره عليه وقع صحيحا و ليس ذلك إلّا أنّه ليس فردا لما أكره عليه و لا عدلا له

و أمّا دخول إمكان التفصّي بالتّورية في حكم الإكراه فلإطلاق معاقد الإجماعات و الأخبار و بعد حملها على صورة العجز عن التّورية لجهل أو دهشة و فيه ما لا يخفى من الغرابة فإنّه لو سلّم أنّ مع القدرة على التفصّي و لو بالتّورية ليس مكرها عليه فكيف يشمله إطلاق معاقد الإجماعات و الأخبار فإنّ الإطلاق يؤخذ به في أفراد الموضوع أو أحواله و مع خروجه موضوعا لا يعقل شمول نفس هذا الإطلاق له نعم لو نهض دليل آخر على إلحاقه به حكما أو قام إجماع على عدم اعتبار العجز عن التّورية في رفع الإكراه أثر الفعل المكره عليه لصحّ دعوى الإلحاق الحكمي و لكن أنّى لنا بإثباته مع أنّ الإجماع إذا كان مستنده صدق الإكراه فلا يفيد

و قوله قدّس سرّه مع أنّ العجز عنها لو كان معتبرا لأشير إليها في تلك الأخبار الكثيرة المجوّزة للحلف كاذبا عند الخوف و الإكراه خصوصا في قضيّة عمّار

ففيه أنّ عدم الإشارة إليها في باب الحلف كاذبا عند الخوف و الإكراه إنّما هو لعدم فائدة للتّورية في الخروج عن الكذب كما تقدم من أنّ الكذب هو مخالفة ما هو ظاهر الكلام مع ما هو الواقع في الخارج و أمّا في قضيّة عمّار فلا أثر للتّنبيه عليه بأن يوري إذا ابتلى بعد ذلك

أمّا أولا فلأنّ الألفاظ الكفريّة يحرم التلفّظ بها و لو لم يقصد بها معانيها لأنّ لها موضوعيّة من وجه و إن كانت طريقيّة من وجه آخر فالتبرّي من اللّٰه سبحانه و رسوله و الأئمّة الهدى صلوات اللّٰه عليهم أجمعين يحرم و إن لم يقصد به معناه كما قيل في عكس ذلك بالنسبة إلى الشّهادتين في أن بعض الآثار مترتّب على نفس التنطّق باللّسان و إن لم يقصد بهما معناهما لعدم اعتقاد المتلفّظ بمدلولهما

و بالجملة في مورد ترتب الأثر على الواقع قد أشير في بعض الأخبار بأنّه يجب التّورية كما في الحلف كذبا و أمّا في مورد ترتّب الأثر على اللّفظ فلا يفيد التورية و ثانيا

ص: 189

أنّ مثل عمّار لا يحتاج إلى التنبيه لأنّ المؤمن لا محالة لا يقصد معنى لفظ الكفر لو أكره عليه فمع أنّه يوري لا محالة ورد قوله عزّ من قائل إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ و أمّا من حيث الموضوع فلأنّ الإكراه يصدق مع إمكان التفصّي بالتّورية و لا يصدق مع إمكان التفصّي بغير التّورية و ذلك لأنّ المكره بالفتح لو ورى و التفت المكره بالكسر إلى توريته لأوقعه في الضّرر الّذي أوعده به نعم قد لا يلتفت إلى توريته و امتناعه ممّا أكرهه عليه و أمّا لو توسّل إلى غيره لدفع ضرر المكره و امتنع عن الفعل المكره عليه لم يوقعه في الضّرر

و بعبارة واضحة لا بدّ في تحقّق الإكراه من أمرين أحدهما اطّلاع من يكره أحدا على فعل بأن المكره ممتنع حتى يوصل الضّرر إليه و أمّا لو لم يعلم بأنّه يمتنع أو لا يمتنع فلا معنى لتوعيده و ثانيهما أن يوقعه في الضّرر الّذي أوعده و أمّا لو اطّلع بالامتناع و لم يمكن له أن يوقعه في الضّرر فهذا ليس إكراها

و على هذا فإذا تمكّن المكره من دفع ضرر المكره بالتشبّث بذيل من يرفع ضرره أو بإذهاب الموضوع الّذي أكرهه عليه فهو ليس مكرها لأنّ مع اطّلاع المكره على امتناعه لا يقدر أن يوقعه في الضّرر و هذا بخلاف من يتفصّى بالتّورية فإنّه لو اطّلع المكره على امتناعه أوقعه في الضّرر و علمه بامتناعه يتوقّف على أن يكون الموري أيضا مكرها و إلّا فمن أين يطّلع على أنّه امتنع أو لم يمتنع لأنّ المكره إذا أوقع صورة البيع من دون قصد معناه فلم يمتنع ظاهرا و لكنّه امتنع واقعا فامتناعه إنّما يتحقّق بأن لا يوقع صورة البيع أيضا

و الحاصل أنّ في مورد التفصّي بغير التّورية لا يلازم وقوعه في الضّرر الّذي توعّد عليه مع علم الحامل بالامتناع و أمّا في مورد التفصّي بها فأوّلا لا يعلم الحامل على الامتناع فلا معنى لتوعيده و ثانيا يوقعه في الضّرر لو اطّلع على الامتناع فلا يفيده التفصّي بها و لكنّك خبير مضافا إلى أنّ هذا البيان مرجعه إلى أنّ الأمور القصديّة لا معنى لتعلّق الإكراه به فيقع الإكراه على ذات الفعل فمخالفة المكره يتحقّق بأن لا يقع منه ذات الفعل لا أن لا يقصد معناه أنّ غاية الفرق أنّ المتمكّن من التفصّي بغير التّورية يمكنه التخلّص من الضّرر و المتمكن من التفصّي بها لا يمكنه التخلّص من الضّرر و مجرّد هذا الفرق لا يفيد لأنّ المدار في صدق الإكراه أن يكون قصد وقوع المضمون لا عن طيب النّفس و المتمكّن من التفصّي مطلقا يقع قصد وقوع المضمون عنه عن طيب النّفس فكما أنّ المتمكّن من التشبّث بذيل الغير لرفع إكراه المكره إذا لم يتشبّث و لو لعدم تحمّل المنّة و أوقع المعاملة يقع المعاملة منه اختيارا فكذلك المتمكّن من التّورية إذا لم يور و قصد وقوع المضمون يقع المعاملة منه اختيارا و عن طيب و من هذا الوجه قال العلّامة قدّس سرّه و لو أكره على الطّلاق فطلّق ناويا فالأقرب وقوع الطّلاق لأنّ هذا الطّلاق صدر عن نيّة إليه و طيب النّفس به

و يمكن أن يكون قوله فافهم إشارة إلى هذا فالأولى أن يقال بأنّ التّورية لمّا كانت مغفولا عنها غالبا و على خلاف طبع الاستعمال فمع تمكّنه منها لو لم يور و أوقع البيع أو الطّلاق فلا يكون إيقاعه ناشيا عن الاختيار و طيب النفس بوقوع المضمون بل مع كراهته له أوقع البيع أو الطّلاق بمقتضى جبلّته الّتي تقتضي قصد المعنى من اللّفظ و أمّا مع تمكّنه من دفع ضرر المكره بغير التورية بنحو من الأنحاء فلا محالة إذا لم يتفصّ فهو راض

ص: 190

بوقوع المضمون خارجا

الجهة الثّالثة هل المدار في إمكان التفصّي بغير التّورية للخروج عن موضوع الإكراه

هو الإمكان الفعلي أو الإمكان المطلق أي المدار على القدرة الفعليّة أو القدرة على أن يقدر كاف في صدق عدم الإكراه لا إشكال في أنّ المسوّغ للمحرّم هو العجز المطلق حتّى عن القدرة بإقدار نفسه فمن يمكن له التخلّص عن شرب الخمر المكره عليه و لو بسير مسافة بعيدة غير حرجيّ فضلا عن خروجه عن الدار و التمسّك بذيل الأخيار فلا يجوز له شرب الخمر و لو كان بالفعل عاجزا

و أمّا الإكراه الرّافع لأثر المعاملة فهو الأعمّ من ذلك أي العجز الفعلي كاف لأنّ المدار فيه على عدم حصول المصدر بداعي اسم المصدر خارجا نعم يعتبر فيه صدق العجز الفعليّ فمن كان خادمه حاضرا و لا يتوقّف دفع الإكراه إلّا على الأثر فهو قادر فعلا على التفصّي

و بالجملة الإكراه الرّافع لأثر المعاملة أعمّ من الإكراه الرافع للحرمة نعم مع قطع النّظر عن عنوان الإكراه النّسبة بين العلّة الرّافعة للحكم التكليفيّ و الرّافعة للحكم الوضعيّ هي الأعمّ من وجه فإنّ المناط في الأوّل هو دفع الضّرر سواء كان للإكراه أم لا و المناط في الثّاني عدم الإرادة و طيب النّفس سواء كان لرفع الضّرر أم لا

الجهة الرابعة قد تقدّم أنّ الإكراه على القدر المشترك

سواء كان حقيقيا أو انتزاعيا إكراه على الأفراد فاختيار أحد الأفراد لا يخرجه عن الإكراه كما هو واضح إنّما الكلام في أنّ ذلك يطّرد في مطلق الإكراه على القدر المشترك التأصّلي أو الانتزاعي أو يختصّ بما إذا كان الأفراد متساوية الإقدام بالنّسبة إلى القدر المشترك و أمّا لو كان لأحدها خصوصيّة لا تكون لغيره أو كان لأحدها خصوصية زائدة لا تكون لغيره فاختيار المتخصّص بها لا يقع عن إكراه أو اضطرار وجهان بل قولان و الأقوى هو الفرق بين الصّور و توضيح ذلك يتمّ بذكر الصّور المتصوّرة في المقام

فمنها الإكراه على الأفراد الطّوليّة و الظّاهر في هذه الصورة الفرق بين المحرّمات و المعاملات فلو كان مكرها أو مضطرّا إلى شرب الخمر موسّعا فلا يجوز له المبادرة إليه في أوّل الوقت سواء احتمل التخلّص منه لو أخره أم لم يحتمل إذ لا بدّ في ارتكاب المحرّم من المسوّغ له حين الارتكاب فإذا لم يكن حين الشّرب ملزما فاختياره فعلا لا مجوّز له نعم لو كانت المبادرة من جهة خوف عدم الإمكان بعد ذلك و الوقوع في الضّرر فلا إشكال في جوازها و أمّا لو كان مكرها في بيع داره موسعا فلو كان مأيوسا من التخلّص و لكن الأولى أن يقال إنّ الفرق بينهما أنّ التّورية ليست في مترتبة صدور اسم المصدر لأن المفروض في موضوع البحث انقسام العقد إلى الإكراه و الاختيار و أمّا الموري فليس قاصدا لمعنى العقد فلم يصدر عنه المصدر أصلا حتّى ينقسم إلى الإكراه و غيره و أمّا المتمكّن من التفصّي بغير التّورية فلا محالة يصدر عنه اسم المصدر بالاختيار لأنّ صدور المصدر عنه إنّما هو بداعي حصول اسم المصدر و لو من باب عدم تحمّل المنّة و بعبارة أخرى المكره لا محالة يأمره بقصد وقوع المضمون و لا يأمره بذات القول فخروج الفعل عن عنوان الإكراه إنّما هو بأن لا يقع الفعل على النحو الّذي أمره الآمر به و لا يترتّب على تركه ضرر لا بأن يموّه المأمور على الآمر و يلقيه في الخلاف فإراءته أنّه فعل الفعل بسبب أمره غير أنّه تخلّص عن ضرره لو امتنع ثم لا يخفى أنّ السيد في حاشيته مثل للتفصّي بغير التورية بعين ما هو التفصّي بالتّورية نعم مثاله ذلك هو التّورية في الأفعال لا في الأقوال فراجع و كيف كان الفرق بين التفصّي بالتورية و غيرها واضح و إمكان التفصّي بها لا يخرج الفعل عن الإكراه لو لم يتفصّ و أوقع الفعل منه عفي عنه

ص: 191

عنه فإقدامه على البيع في أوّل الوقت لا يخرجه عن الإكراه و أمّا لو احتمل التخلّص فلو باع أوّل الوقت فهو مختار و الفرق واضح

و منها الإكراه على الأفراد العرضيّة كالإكراه على شرب الخمر أو الماء فلو اختار شرب الخمر فلا يكون مكرها و هكذا لو أكره إمّا على العقد الصّحيح أو الفاسد فلو اختار الصّحيح فلا يكون مكرها و ما أفاده المحقّق الخراساني قدّس سرّه في حاشيته من أنّ الإكراه على أحد الأمرين كاف في وقوع ما اختاره مكرها عليه مطلقا كان لكلّ واحد منهما بخصوصه أثر أو كان لخصوص أحدهما نعم يمكن أن يقال إنّ دليل ذي الأثر في الفرض أظهر ففيما أكره على مباح أو محرّم أو عقد فاسد أو صحيح يقدم دليله على دليل رفع الإكراه إلى آخره

ففيه أن الإكراه على القدر المشترك إكراه على الأفراد لو كان الأفراد متساوية و أمّا لو كانت مختلفة فيتوجّه الإكراه ثبوتا على ما لا أثر له أو على ما كان أثره أقلّ أو أخف فلو أكره على شرب أحد الإناءين اللّذين أحدهما نجس و الآخر نجس و مغصوب فالإكراه إنّما يتعلّق بالنّجس فلا يجوز شرب ما هو مغصوب و نجس

و هكذا لو أكره على شرب الخمر و الماء فالإكراه يتعلّق بالماء و ذلك لأنّ الحامل له على العمل و إن لم يتعلّق غرضه بخصوص ما لا أثر له بل غرضه تعلّق بالقدر المشترك و انطباقه على الأفراد عقليّ إلّا أنّ هذا يصحّ فيما كان الأفراد متساوية و أمّا لو لم تكن كذلك بل كان أحد الأفراد ممتنعا تكوينا أو شرعا فالانطباق يقع على ما عدا ذلك لوضوح الفرق بين الإكراه على أحد الإناءين اللّذين كلّ منهما خمر و الإكراه على أحد الإناءين اللّذين أحدهما خمر و الآخر ماء فإنّ المكره لا يكون في الثاني مكرها على شرب الخمر و إن كان مكرها على شرب المائع بخلاف الأوّل فإنّه على أيّ حال لا مفرّ له منه

و لو قلنا بأنّ في المثال الثّاني أيضا مكره عليه فلا وجه لتقديم أدلّة المحرّمات على أدلّة الإكراه مع أنّ الحكومة بالعكس بل الحقّ أنّه ليس مكرها على المحرّم لأنّ اختيار ما له أثر زائد على القدر المشترك ليس إلّا عن طيب النّفس به

و منها الإكراه على أحد المحرّمين اللّذين أحدهما أشدّ عقوبة من الآخر و في هذه الصّورة لا يخفى أنّه لا يمكن ثبوتا أن يتعلّق الإكراه بالمباح أو بما هو أخفّ عقوبة من الآخر مع تعلّق غرض المكره بالقدر المشترك و لا يمكن قياس المقام على الاضطرار بارتكاب أحد الإناءين اللّذين علم حرمة أحدهما حيث نقول بتعلّق التّرخيص بالمباح دون المحرم فيكون المحرّم من المتوسّط في التنجّز أمّا أوّلا فلعدم صحّة ذلك في تلك المسألة أيضا فإنّ المباح الّذي لا يمكن تمييزه أبدا كيف يتعلّق التّرخيص به فعلى هذا يكون الحرام من المتوسّط في التّكليف كما بيّنا وجهه في الأصول و أمّا ثانيا فللفرق بين البابين فإنّ في باب العلم الإجمالي يمكن أن يقال إنّ جواز دفع الاضطرار بأحدهما متوجّه ثبوتا إلى المباح لوجود المانع عن تعلّقه بالحرام فإنّ مع تحريم الشّارع أحدهما و عدم اضطرار المكلّف بارتكابه بالخصوص لا وجه لتعلّق الترخيص به و أمّا في الإكراه فليس للمكره غرض إلّا وقوع أحدهما لا على التّعيين فكلّ واحد منهما مصداق للمكره عليه نعم حيث تقدم أنّ المسوّغ لارتكاب المحرّمات ليس مجرّد الإكراه فمع إمكان التخلّص من ارتكابها لا يكون حديث الرّفع حاكما على دليل المحرّمات و بالجملة عدم تجويز العقل و العقلاء ارتكاب المحرّم أو ما هو أشدّ عقوبة ليس لعدم صدق الإكراه عليه إذا كان عدلا للمباح أو لما هو أخف بل لكون الإكراه الرافع لأثر الحكم التّكليفي أخصّ من الإكراه الرّافع لأثر المعاملات و على هذا فلو أكرهه على بيع صحيح أو فاسد يرتفع أثر الصحيح لأنّه يكره عليه لو فرض أنّه لو لا الإكراه لما أقدم عليه فتأمل جيدا منه عفي عنه

ص: 192

ارتكاب الأشد و إن لم يجز إلّا أنّه لا لكونه مختارا فيه بل لكون الآخر أقلّ قبحا منه فإنّه على أيّ حال مكره على ارتكاب المحرّم و لكنّ العقل يحكم بتقديم الأقلّ قبحا و يمكن أن يقال في هذه الصورة أيضا ارتكاب أشدّهما عقوبة أيضا يخرج عن عنوان الإكراه فإنّ القدر المشترك هو أصل الحرمة و الزيادة بمنزلة عنوان آخر يختصّ بفرد دون الآخر

و منها ما لو أكره على بيع شي ء أو أداء مال مستحقّ عليه فإذا اختار البيع لم يكن مكرها كما لو أكره إمّا على شرب الخمر أو فعل الصّلاة الواجبة عليه فإنّ اختيار شرب الخمر يقع عن غير كره و السّر في ذلك أنّ القدر المشترك لا أثر له و الخصوصيّة غير مكره عليها و إلّا لوقع الإيفاء أو الصّلاة أيضا باطلا و هكذا لو أكره الرّاهن عند حلول الدّين على بيع العين المرهونة أو بيع غيرها مما لا يستحقّه المكره فاختار غيرها فيقع صحيحا

و السرّ في ذلك أنّ بيع المرهونة ليس عدلا لبيع غيرها لأنّ رضا الرّاهن ساقط و يشترط في رفع الإكراه أثر المعاملة أن يكون رضا الفاعل معتبرا فيها و لذا لو أكره من عليه الدّين مع كونه مليّا و مماطلا ببيع ماله فهذا البيع ليس إكراهيا نعم هنا كلام آخر و هو أنّ في مثل هذا المورد هل يسقط شرطيّة رضاه بالبيع أو يسقط شرطيّة مباشرته الأعم من فعل نفسه أو استنابته وجهان بل وجوه قد يقال بأنّه لا وجه لرعاية أحد الشّرطين بالخصوص لدوران الأمر بين سقوط المباشرة أو الرّضا فالحكم التّخيير و قد يقال بأنّ للرضا دخلا في حقيقة المعاملة و قوامها به و المباشرة لا دخل لها فيها و لذا يجوز التّوكيل فيرجّح جانب الرّضا و يسقط المباشرة فينوب عنه الحاكم و يبيع عن طيب به و الأقوى أنّ ولاية الحاكم ثابتة فيما يمتنع صدور الفعل عن المالك أو وكيله فليس فعل الحاكم في عرض فعل المالك لأنّ الفعل المباشري يشترط فيه الرّضا فإذا صدر بالمباشرة و كان مكرها فلو كان الصّدور واجبا عليه يسقط رضاه و إلّا كان إكراهيا فعلى الحاكم إجباره على البيع فإذا امتنع فهو حينئذ وليّ الممتنع

الجهة الخامسة إكراه أحد الشّخصين على فعل واحد

بمنزلة إكراه شخص واحد على أحد الفعلين مثاله في المحرّمات واضح و أمّا في المعاملات كإكراه أحد من الأب و الجد على بيع مال اليتيم أو أحد الوكلاء المفوّض إليهم أمر بيع شخصيّ و لكن قيل بأنّه يعتبر في صدق المكره على كلّ واحد عدم علمه بصدور الفعل أو المعاملة من الآخر و أمّا لو علم بأنّ الآخر يفعله إمّا لعدم اطلاعه على حال صاحبه أو لكونه مريدا له بلا إكراه فلو بادر هذا فلا يكون مكرها لأنّه لا يكون قصده حينئذ دفع ضرر المكره الحامل على الفعل بل لو احتمل صدوره عن الآخر و مع ذلك بادر إلى الفعل تقربا إليه مثلا لم يكن مكرها لأنّ داعيه على الفعل في هذه الصّورة ليس إكراه المكره بل التقرّب إليه فإنّ الفعل الإكراهي ما كان تمام العلّة لصدور الفعل هو إكراه المكره و أمّا لو انضمّ إليه التقرّب إليه فلا يكون إكراهيّا فلو أمر الجائر بأخذ مظلوم على جميع أهل البلد و علم بعض بأنّه يأخذه غيره فلو بادر إلى أخذه فالأخذ هنا لا يكون عن كره فعلى هذا كلام المصنّف لا يمكن الأخذ بإطلاقه سيّما إذا أتى بالفعل كلّ واحد منهما على التّعاقب بل في هذه الصورة لو أتى به كلّ واحد منهما دفعة فليس الفعل من كلّ منهما إكراهيّا و على هذا لو أكره أحد الشخصين على أحد الفعلين فمع احتمال كلّ منهما إقدام الآخر فصدور أحد الفعلين عن أحدهما و صدور الفعلين عن الشّخصين لا يدخل في عنوان الإكراه و لكنّه لا يخفى عليك الفرق بين المحرّمات و المعاملات

ص: 193

و توضيح ذلك أنّ في المحرّمات كما لو أكره أحد أهل البلد على أخذ مظلوم أو أكره أحد الشّخصين على شرب الخمر فمع علم أحدهما بإقدام الآخر أو احتماله لا يجوز له الإقدام عليه نعم لو علم بعدم إقدام أحد فيجب عليه الإقدام لدفع الضّرر عن نفسه أو أخيه

و أمّا مسألة الأب و الجدّ فمع علم أحدهما بإقدام الآخر لو أقدم على بيع مال اليتيم فلا يكون البيع اختياريا فضلا عن الشكّ و وجه الفرق أنّ في باب المعاملات يرجع أمر مال اليتيم إلى كلّ من الأب و الجد و هكذا يرجع أمر مال الموكل إلى كلّ من الوكيلين أو إلى كلّ من الوكيل و الموكل فاقد أم كلّ واحد لا يخرج المعاملة عن عنوان الإكراه فعلم الأب مثلا بأنّ الجدّ يقدم على البيع لدفع الإكراه لا يخرج المعاملة عن الإكراه إذا سبق الأب إلى البيع لدفع ضرر المكره عن نفسه و أبيه نعم لو فرض قصده التقرب إلى الحامل أو قصده البيع على أيّ حال كما إذا باع بعد بيع الجدّ عن كره فهذا خارج عن الفرض كما أنّه لو كان المكره على البيع شخص خاص و لكنّه باع عن طيب بحيث إنّه لو لم يكن إكراه لباعه أيضا فهذا خارج لأن محلّ البحث ليس مجرد وقوع معاملة بعد إكراه بل موضوعه ما لو كانت المعاملة لإكراه الحامل بحيث نشأ إرادة الفاعل عن إرادة الحامل و في هذا الفرض لو أقدم على البيع كلّ من الأب و الجد لدفع الضّرر عن نفسه و غيره فلا يخرج عن كونه مكرها و لو علم بأنّ الآخر يقدم عليه لو لم يقدم هذا

بل يمكن أن يقال إنّ حكم المحرّمات أيضا حكم المعاملات في هذه الصّورة و هو ما إذا علم أحدهما بأنّ الآخر يفعله لدفع الإكراه لا للشّهوة فيجوز للعالم أن يقدم على شرب المحرّم لدفع الإكراه عن نفسه و أخيه لأن مجرّد علمه بأنّ الآخر يفعله لا يدخله في عنوان الاختيار إذا فعل العالم لدفع ضرر الحامل و هكذا لو أكره أحد الشّخصين على أحد الفعلين فإنّ كلّ واحد منهما لو أقدم على أحد الفعلين لدفع الضّرر عن نفسه و أخيه فهو مكره و إن علم بأنّ الآخر يفعله لدفع الضّرر فتدبّر جيّدا و كيف كان فالحكم في مسألة الأب و الجدّ واضح

الجهة السّادسة لو تعلّق الإكراه بالمالك دون العاقد أو بالعاقد دون المالك

فهل حكمه حكم ما لو تعلّق بالمالك العاقد مطلقا أو لا يكون محكوما بحكمه مطلقا أو فرق بين الصّورتين وجوه و الأقوى أنّه في الجهة الّتي هي موضوع البحث و هي رفع الإكراه أثر كلّ ما صدر عن كره لا فرق بين الصّور و إنّما الاختلاف في نتيجة الرّفع فقد ينتج الصّحة إذا لحقه الرّضا و قد لا يفيد الرّضا المتأخّر

و توضيح ذلك أنّه لو أكره الزّوج على التّوكيل في طلاق زوجته فالتّوكيل الصّادر عنه بمنزلة العدم فيقع طلاق الوكيل بلا إذن من الموكل فيكون فضوليا و لا إشكال في أنّه لو لم يلحقه الإجازة أصلا وقع باطلا و أمّا لو لحقه الإجازة فإذا أجاز الطّلاق الواقع من الموقع فلا يؤثر الإجازة في الصّحة بناء على ما سيجي ء في الفضولي من أنّ الإيقاعات كليّة لا تصحّ بالإجازة اللّاحقة إجماعا

و أمّا لو تعلّق الرّضا بالتّوكيل الّذي صدر عنه كرها فصحّته بالرّضا اللّاحق مبنيّة على دخول العقود الإذنيّة في عنوان الفضولي و على القول بأنّ الإجازة كاشفة حقيقة أو حكما و أمّا على القول بكونها ناقلة فلا يصحّ التّوكيل إلّا حينها لأنّ الرّضا في زمان الإجازة بناء على النّقل يكون بمنزلة القبض في الصّرف و السّلم فالتّوكيل المتعقّب بالإجازة إنّما يؤثّر بعد مجي ء الإجازة و لا فائدة في عقد الوكالة السّابقة إلّا عدم الاحتياج إلى إعادته فيكون كلّ ما وقع

ص: 194

من الوكيل قبل الإجازة نظير وقوعه من الأجنبي و إنّما يؤثر ما وقع منه بعدها

و أمّا لو انعكس الأمر بأن أكره الوكيل دون الموكل فالإكراه تارة من قبل الموكل و أخرى من غيره و على كلا التقديرين تارة يقع على العقود و أخرى على الإيقاعات ثمّ الإكراه على العقود تارة يتعلّق بالعقود الّتي تتعلّق الالتزامات العقدي فيها بالوكيل و أخرى يتعلّق بغيره فإذا كان المكره هو الموكل فلو أكرهه على الطّلاق فلا إشكال في الصّحة لأنّ المفروض أنّ الإيقاع الصّادر من المكره من حيث جهة الإيقاعيّة لا يقصر عن إيقاع غيره فليس عبارة المكره كالعدم و رضا الزّوج حاصل بالقرض

و لا أثر يترتّب على فعل الموقع من حيث إنه فعله حتّى يرتفع بالإكراه لأنّ حديث الرّفع حيث إنّه ورد في مقام الامتنان فلا بدّ أن يرفع الأثر الثّابت على المكره بالفتح لو لا الإكراه و الوكيل لو لا الإكراه لا يرتبط وقوع الطّلاق به فلا يرفع أثره بالإكراه و هذا هو مقصود المصنف لا أنّ المرفوع هو الحكم الذي عليه لا له حتى يناقش بأنّ لازمه صحّة قبول الهبة إكراها لأنّ المصنف قدّس سرّه لم يفرّق بين ماله و عليه حتّى ينتقض عليه بقبول الهبة بل ادّعى أنه لا بدّ أن يكون لفعل المكره أثر حتى يرتفع بالإكراه و أمّا لو لم يكن له أثر فلا يشمله الحديث هذا مع أنّ المدار إذا كان على الامتنان فلا امتنان على قبول الهبة لأنّ كون الإنسان مقهورا في التملّك خلاف الامتنان

و بالجملة لا بدّ أن يقال في مفروض الكلام إنّ الإكراه لا يرفع أثر الإنشاء و أمّا لو قلنا بأنّه يرفع أثره فالقول بصحّة الطّلاق لتحقق رضاء الزّوج غير مستقيم أمّا أولا فلأن مجرّد الرضاء لا يصحّح الاستناد كما أنّ الكراهة الباطنيّة ليست ردّا إلّا أن يقال إنّ الرّضا في المقام ليس مجرّد الرّضا الباطني بل مظهره نفس الإكراه الحاصل من الزّوج على طلاق زوجته و هو يصحّح الاستناد و أمّا ثانيا فلأن رضاء الزّوج إنّما يفيد فيما إذا تمّ شرائط الإيقاع من حيث الصّيغة و غيرها و إذا فرض أنّ الإكراه يرفع أثر اللّفظ فالرضا وحده لا أثر له

فالصّواب أن يقال بأنّه بعد ما فرض أنّ الزّوج هو الحامل للوكيل على الطّلاق فهو قاصد لنتيجة فعل المطلق أي قاصد لاسم المصدر و الوكيل أيضا قاصد لمعنى المصدر فلا مانع من صحّته و احتمال كون ألفاظ الوكيل كالعدم لا وجه له إلّا إذا احتمل في حقّه عدم القصد و هذا الاحتمال مندفع بأصالة تحقّق القصد في كلام كلّ متكلّم عاقل ملتفت إلّا أن يمنع بناء العقلاء على إجراء أصالة القصد هنا كما أشار إليه المصنف بقوله فتأمّل

و بالجملة فالحقّ أنّ المدار في الصّحة على صدور الفعل عن الوكيل بقصد منه إلى اللّفظ و المعنى و رضا المالك بوقوع المدلول في الخارج و هذا حاصل في الوكيل المكره مع كون الموكل مختارا و يؤيّد الصّحة في المقام حكم المشهور بصحّة بيع المكره بعد لحوق الرّضا فإنّ الرّضا الحاصل منه بعد العقد لا يصحّح الألفاظ بل يوجب استناد قصد النّتيجة إليه فلا بدّ أن يكون مفروض كلامهم عدم بطلان أثر اللّفظ بالإكراه على العقد

و أمّا لو أكرهه على البيع أو النّكاح فإذا كان الطّرف عالما بوكالته فحيث إنّ الالتزامات العقدي على الموكل فالعقد يصحّ سواء كان عالما بكونه مكرها أم لا و أمّا لو لم يكن عالما بوكالته فحيث إنّ الالتزامات العقدي عليه فيرتفع هذه الالتزامات بواسطة الإكراه و أمّا لو كان المكره غير الموكل و كان الموكّل راضيا فإشكال الاستناد هنا أقوى لأن مجرّد رضا المالك لا يصحّح الاستناد و هذا الإشكال و إن أمكن دفعه فيما إذا كان المكره هو الموكّل كما تقدم بيانه

ص: 195

إلّا أنّه لا يمكن دفعه فيما إذا كان المكره غيره

و لا يخفى أنّ هذه الصورة هي الفرع الثّاني المذكور في المسالك و هو قوله لو أكره الوكيل على الطّلاق دون الموكل ففي صحّته وجهان إلى آخره ثم إنّه يمكن أن يكون مراده من الوكيل و الموكل هما اللّذان يتّصفان بهذين العنوانين فرضا و يمكن أن يكون مراده من اتّصفا بهذين العنوانين فعلا كما لو أكره الوكيل المفوض و على أيّ حال أقوى الوجهين هو عدم الصّحة

الجهة السّابعة لو أطاع المكره من جهة و خالف من أخرى فهل يعدّ هذا إكراهيّا أم لا
اشارة

فنقول المدار في صدق الإكراه على أن تكون إرادة الحامل هي الدّاعي لإرادة المأمور بحيث ينشأ إرادة المأمور من إرادة الأمر و كانت إرادته تابعة لإرادته فيصدر المعنى المصدري الاختياري لا لداعي وقوع اسم المصدر و أمّا مجرّد تحقّق إكراه مشتمل على إيعاد ضرر من شخص و وقوع فعل عقيبه من آخر مع صدوره بداعي وقوع النّتيجة و عن طيب النّفس إليه فهذا ليس إكراهيا

فهناك صور لا بدّ من البحث فيها الأولى ما إذا أكرهه على بيع أحد العبدين لا على التّعيين فباعهما دفعة و الحق عدم كون كلّ منهما إكراهيا لأن ما صدر عنه خارجا غير ما أكره عليه و ما أكره عليه لم يصدر و مجرّد اشتمال المجموع على أحدهما لا يوجب صدق الإكراه على أحدهما فضلا عن كليهما

و احتمال كون المجموع باطلا من باب وقوع أحدهما مكرها عليه و بطلان الترجيح بلا مرجّح لا وجه له كاحتمال بطلان أحدهما و تعيينه بالقرعة لأنّ الاحتمالين إنّما يجريان فيما إذا صدر أحدهما عن كره و لم يعلم أنّ المكره عليه أيّ منهما و في المقام ليس كلّ واحد واقعا عن كره لأنّ ما أكره عليه لم يقع و ما وقع لم يكره عليه فيقع المجموع صحيحا

و لا يقاس المقام على بيع ما يملك و ما لا يملك بأن يقال ما قصد و هو بيع المجموع لا يقع شرعا و ما وقع شرعا و هو بيع ما يملك لم يقصده و ذلك للفرق بين المقامين فإنّ في بيع ما يملك و ما لا يملك و أن تعلّق القصد بالمجموع إلّا أنّ من تعلّق القصد به ينشأ قصد تبعيّ بالأجزاء و لازم وقوع المجموع بإزاء المجموع وقوع البعض مقابل البعض و في المقام لم يتعلّق إرادة الأمر بالمجموع حتى يكون إرادة المأمور بالبعض تبعا لإرادة الآمر بالكل نعم لو فرض أنّ إرادة الآمر بالبعض تتعلّق في الواقع بالكل كما لو أكرهه على بيع أحد مصرعي الباب و نحو ذلك فباعهما دفعة فيمكن أن يكون المجموع إكراهيّا و لذا لو فرض أنّ إرادة المكره لم تتعلّق إلّا بأحدهما وحده لارتفاع حاجته ببيع مصراع واحد فباع المأمور كليهما وقع الكلّ صحيحا لأن إرادة الآمر صارت علّة لرفع المأمور يده عن المجموع فيقع الكلّ صحيحا

الثّانية هذه الصورة مع وقوعهما تدريجا و الأقوى وقوع الأوّل إكراهيا لانطباق عنوان أحدهما عليه و الثّاني صحيحا و احتمال الرّجوع إلى المأمور في تعيين المكره عليه عن غيره لا وجه له لأنّ انطباق أحدهما على الأوّل قهريّ و لزوم تصديق دعوى ما لا يعلم إلّا من قبل المدعي لا دليل عليه في جميع الدّعاوي الثّالثة لو أكره على المعيّن فضمّ إليه غيره و باعهما دفعة فالصّحة في غير ما أكره عليه لا إشكال فيه إنّما الكلام فيما أكره عليه و لا يبعد أن يقال إنّ مجرّد ضمّ غيره إليه لا يخرجه عن كونه مكرها عليه فإنّ كلّ واحد ناش عن إرادة غير ما نشأ منه الآخر إلّا أن يكون هناك أمارة على تحقّق الدّاعي له في بيع المجموع فيتبع الأمارة

و توضيح ذلك أنّه قد يكون بناء المالك إبقاء من أكره عليه

ص: 196

من عبديه مثلا لخدمة نفسه و بيع الآخر الّذي لم يكره عليه فإذا باعهما دفعة وقع البيع بالنسبة إلى ما أكره عليه إكراهيّا و أمّا إذا كان بناؤه على عدم بيع واحد منهما أو بيع كليهما فإذا أكره على واحد معيّن فباعهما دفعة وقع المجموع صحيحا لأنّه وقع الفعل على خلاف ما أكره عليه و كيف كان فلا إشكال في هذه الصورة أنّه لو باعهما تدريجا لحق كلّا منهما حكمه

الرابعة لو أكره على واحد فباع نصفه فتارة يشمل إكراه المكره على بيع مجموع النّصفين لبيعه دفعتين و أخرى لا يشمله فإذا لم يشمله فلا إشكال في أنّ النّصف يقع صحيحا لأنّ ما وقع غير ما أكره عليه و أمّا إذا شمله فتارة يبيعه لرجاء أن يقنع المكره بالنّصف و أخرى يبيعه لا لذلك بل لكونه مكرها عليه فيبيع نصفه فعلا و النّصف الآخر بعد ذلك لرفع ضرر الحامل فلو باعه رجاء وقع صحيحا لأن إكراهه صار داعيا لبيع النصف فهو يرفع اليد عن نصف ماله لدفع ضرر المكره على المجموع

و لا وجه لما أفاده المصنف من كونه إكراهيّا فإنّ البيع كذلك غير ما تعلّق الإكراه به فإن رجاء قناعته بالنّصف يوجب تحقّق الطيب و الرضاء ببيع النّصف و تقدم أن مجرّد وقوع فعل بعد الإكراه ليس مصحّحا لصدق عنوان الإكراه عليه و أمّا لو باعه لكونه مكرها عليه فيندرج في موضوع الإكراه

[القول في الإكراه على الطلاق]

قوله قدّس سرّه بقي الكلام فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في تحرير الأحكام قال في تحرير الأحكام لو أكره على الطّلاق فطلّق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق

لا يخفى أن الاحتمالات المتصورة في كلام العلامة على وجوه إلّا أنه لا بدّ أن يؤخذ بما يمكن أن يتصوّر فيه الصّحة و الفساد و نحن نذكر الاحتمالات حتى يتّضح أنّ المتعيّن منها في كلامه ما هو فالأوّل أن لا يكون الإكراه مؤثرا في إرادة الفاعل أصلا بل كان بانيا على الطّلاق لكن لمّا كان الآمر جاهلا بحاله أكرهه عليه و هذا لا يتطرّق فيه الوجهان بل لا شبهة في صحته و الثّاني أن يكون كلّ من الإكراه و الرّضا سببا مستقلّا بحيث لو لا الإكراه لأوقعه و لو لا الرّضا لأوقعه أيضا دفعا للإكراه و حيث لا يمكن توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد فيصير كلّ واحدة إذا اجتمعتا جزء السّبب و الفعل يستند إليهما معا

و هذه الصورة يحتمل فيها وجهان و لكن الأقوى فيها الفساد لأنّها و إن لم تكن إكراهيا إلّا أنّها لا تكون تجارة عن تراض أو أنّها و إن كانت عن رضاء إلّا أنّها عن إكراه أيضا و كلّ علّتين مستقلّتين إذا وردتا على معلول واحد و كان بينهما تدافع فلا يؤثر كلّ منهما كاجتماع الرّياء و قصد الأمر في العبادات بل كاجتماع التبريد و قصد الأمر نعم لو كان التبريد ضميمة لا داعيا مستقلّا صحّت العبادة و في المقام لو كان الإكراه ضميمة لصحت المعاملة كما أنّه لو كان الرّضا ضميمة لفسدت

و بالجملة لو كان كلّ من السّببين مستقلّا فلا يؤثر كلّ منهما إلّا أن يقال ليس المقام من تعارض المقتضيين بل من قبيل تعارض المقتضي و اللامقتضي فإنّ الإكراه غايته أن لا يقتضي الصّحة لا أنّه يقتضي الفساد فيؤثر الرّضا و فيه ما سيجي ء الثّالث أن يكون كل منهما جزء السّبب بحيث إنّه لو لا اجتماعهما لا يؤثر كلّ منهما و هذه الصورة أيضا يحتمل فيها الوجهان و لكن قد يقال بأنّ الأقوى فيها الصحّة لأنّه و إن انضمّ الإكراه إلى الرّضا إلّا أنّ الإكراه لا يقتضي الفساد حتى يعارض ما يقتضي الصّحة و لكنّ الأقوى فيها الفساد لأنّ قوله عزّ من قائل إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و قوله ع لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه ظاهران في اعتبار الرّضا

ص: 197

و الطّيب مستقلا فإذا كان جزء السّبب بأن ورد مع الإكراه دفعة على المسبّب فالفعل مستند إليهما و الإكراه و إن لم يقتض الفساد إلّا أنّ المقتضي للصحّة أيضا لم يتحقّق لعدم صدق التّجارة عن تراض

و بالجملة فإذا ورد الجزءان في عرض واحد لم يتحقّق مقتضى الصّحة نعم إذا كان أحدهما في طول الأخر فالفعل يستند إلى الجزء الأخير للعلّة التّامّة فإذا صار الإكراه منشأ لتحقّق الرّضا فالفعل يستند إلى الرّضا كما أنّه إذا صار الأمر بالعكس فحكمه العكس و سيجي ء الكلام في هذه الصورة الرّابع أن يطلّق من غير تورية مع علمه بأنه يمكن التلفّظ بلا قصد المعنى أو إرادة خلاف الظّاهر و لا يخفى أنّ هذا الاحتمال ليس مراده لأنّ عدم إمكان التفصّى بالتورية لا دليل على اعتباره أولا

ثم بناء عليه لا وجه لاحتمال فساده ثانيا مع أنّه يرجع إلى الوجه الأوّل لأنه طلّق زوجته راضيا بالطّلاق فلا وجه لعده وجها آخر ثالثا الخامس أن يكون الإكراه داعيا للدّاعي على الطّلاق فالفعل مستند إليهما طوليا و هذا يتّفق كثيرا فإذا أكره على بيع الدار يوطّن نفسه على بيعها و يصير الإكراه داعيا على الرّضا بنتيجة الفعل أي باسم المصدر و هذه الصورة أيضا يتطرّق فيها الوجهان و الأقرب هو الصّحة لأنّه طلّق ناويا و مريدا للطّلاق و يحتمل البطلان أمّا لأنّ الإكراه صار علة لإرادة اسم المصدر فالفعل بالأخرة يستند إليه و أن كان الدّاعي الثّانوي اختياريا و إما لأنّ الإكراه أسقط أثر اللفظ لأنّ اللّفظ وقع تبعا لإكراه المكره و النيّة المجرّدة عن اللّفظ لا أثر له

و هذان الاحتمالان و أن كانا ضعيفين كما ظهر وجه ضعفهما في طيّ ما ذكرناه فإن الاحتمال الأوّل مستلزم لبطلان أغلب المعاملات فإنّها بالأخرة تنتهي إلى غير الاختيار و الثّاني يرجع إلى الأوّل لأنّ سقوط أثر اللّفظ بالإكراه إنّما هو لكونه داعيا للدّاعي على التلفّظ مع أن اختيارية التلفّظ بهذا المعنى لا برجوعه إلى تلفّظ النّائم و الغالط لا دليل عليه إلّا أن منشأ احتمال الفساد في كلام العلامة قدّس سرّه هو هذا كما وجّهه به ثاني الشّهيدين قدّس سرّه و منشأ احتمال الصّحة و اقربيّتها هو كون الإكراه داعيا على الدّاعي لا داعيا على الفعل فهذه الصّورة هي المتعيّن بين الصّور

ثم بناء عليه فالإكراه إذا كان داعيا على الدّاعي لا يوجب البطلان سواء كان الضّرر المتوعّد به ضررا على نفس المكره بالفتح أم على المكره بالكسر كما لو قال له ولده طلّق زوجتك و إلّا قتلت نفسي أو قتلتك فطلّق الوالد خوفا من قتل الولد نفسه أو قتل الغير له إذا تعرض لقتل والده أم وقوع المكره بالكسر في المعصية كما لو قال طلّق زوجتك لأزوّجها و إلّا زنيت بها فالطّلاق في جميع هذه الصّور صحيح لأنّ الإكراه صار داعيا على الطّلاق عن طيب كما قد يكون الدّاعي له أمور أخر و لا وجه لإشكال المصنف فيه فضلا عن قوله إلّا أن تحقّق الإكراه أقرب بل لا يخفى أن عدم تحقّقه أقوى و أقرب

الجهة الثامنة في تحقيق ما أفاده المصنف قدّس سرّه

في قوله ثم المشهور بين المتأخرين أنّه لو رضى المكره بما فعله صحّ العقد إلى آخره

و تنقيحه يتوقف على بيان أمرين الأول أنّ وجه توهّم عدم قابليّة عقد المكره للصحّة بالرّضا المتأخر أمور كلّها فاسدة الأوّل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك في صدق العقد و وجه الفساد ما تقدّم في أوّل العنوان من أن عقد المكره من جهة العقديّة لا يقصر عن سائر العقود لأنّه قاصد للّفظ و المعنى و إنّما لم يصدر قصده اسم المصدر عن داع اختياري فإذا لحقه الرّضا يتمّ أركان العقد هذا مضافا إلى أنّ لازم هذه الدّعوى

ص: 198

عدم كون عقد الفضولي أيضا عقدا حقيقة فإنّهما مشتركان في عدم مقارنة طيب نفس المالك للعقد الثّاني اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده أي العاقد لا بدّ أن يكون راضيا بإنشاء ما ينشئه

و فيه أولا أنّ هذا الإشكال يتوجّه في بعض صور الإكراه و هو ما إذا كان المكره هو المالك العاقد و ما إذا كان المالك أكره العاقد و أمّا إذا كان المالك مكرها على التوكيل و العاقد مختارا فلا يتوجّه و ثانيا قد تقدم أنّه لا دليل على اعتبار اختيار العاقد من حيث إنشائه لأنّ العقد من حيث إنّه عقد لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود في المالك المكره

بالجملة عقد المكره ليس فاقدا لما كان الفضولي واجدا له بدعوى أنّه مشتمل على المفسد و هو عدم رضى العاقد بإنشائه و بمنشئه فإنّ عدم رضائه بهما لا يضرّ بصدق العقديّة بعد قصده اللّفظ و مدلوله و لا دليل على اعتبار الرّضى بالإنشاء فإنّ اللّفظ الصادر عن غير النّائم و الغالط إذا قصد به المعنى بأن لا يكون هازلا يؤثر في النّقل و الانتقال مراعى بالرضا بهما فحكم عقده حكم عقد الفضولي لو لم يكن أولى منه لكونه واجدا لما كان الفضوليّ فاقدا له و هو الاستناد إلى المالك فمع الالتزام بصحّة عقد الفضولي على القاعدة لا محيص إلّا عن الالتزام بصحّة عقد المكره فإنّ اشتمال عقد الفضولي على الرّضى بالمنشإ لا أثر له بعد عدم مدخلية رضاء غير المالك

نعم لو قلنا بأنّ عقد الفضولي يصحّ على خلاف القاعدة فلا دليل على إلحاق عقد المكره به فضلا عن كونه أولى منه لاحتمال خصوصيّة في الفضولي دونه و لو كانت المباشرة فيه موجودة

الثّالث دعوى اعتبار مقارنة طيب النّفس للعقد في تأثيره شرعا و فيه أنّها خالية عن الشّاهد يدفعها الإطلاقات لأن غاية ما يتوهم لاعتبار مقارنة طيب النفس للعقد أمران أحدهما عدم شمول المطلقات مثل أحلّ اللّٰه البيع و الصّلح جائز و نحوهما له لأنّ عناوين العقود موضوعة للمسبّبات و المكره في إرادته المسبّب مقهور فلا يندرج عقده تحت الإطلاقات و ثانيهما تخصيص المطلقات بالأدلّة الدالة على اعتبار الرّضى المقارن كقوله عزّ من قائل تجارة عن تراض و قوله ع لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه و قوله ص رفع عن أمّتي تسعة و كلاهما ضعيفان

أمّا خروج عقده عن المطلقات فلا وجه له أصلا لأنّه أوّلا ليس عنوان العقود أي المنشأ بها من قبيل المسبّبات و العقود من قبيل الأسباب بل من قبيل الإيجاد بالآلة و المكره و إن كان مقهورا في إيجاده المنشأ إلّا أنّه لا دليل على اعتبار الاختيار في الإيجاد فيصدق البيع على بيع المكره قبل الرّضى و بعده و إنّما أخرجته أدلّة اعتبار الرّضا عن حكم البيع فلا يكون في حال من الأحوال خارجا موضوعا حتى يقال كيف يخرج عنه في حال و يدخل فيه في حالة أخرى و ثانيا المقهورية في المسبّب لا يخرج العقد عن الاختياريّة كما تقدم أنّ المناط في اختيارية العقد كونه قاصدا للّفظ و مدلوله

و أمّا دلالة الأدلّة على اعتبار الرّضى المقارن ففيه أمّا آية إلّا أن تكون تجارة عن تراض فلا تدلّ إلّا على اعتبار الرّضى في نتيجة المصدر و نحن نلتزم به و نقول باشتراط الرّضى المتأخّر و ليس المراد من التجارة هي العقد حتى يعتبر أن يكون عن رضى بل هي الاكتساب و لا يحصل شرعا إلّا بعد تحقّق الرّضى كما هو الحق في المقام من النّقل أو الكشف الحكمي نعم بناء على الكشف الحقيقي فيشكل الأمر و لكن لا موجب للالتزام به

فالصّواب في الجواب عن الآية المباركة منع دلالتها على اعتبار الرّضى المقارن للعقد

ص: 199

و أمّا ما أفاده المصنف قدّس سرّه من منع دلالتها على الحصر مع تسليمه دلالتها على اعتبار الرّضى المقارن للعقد ففيه أولا أن كلامه هنا مناف لمختاره في سائر الأبواب فإن استدلاله بها على أصالة اللّزوم لا يتمّ إلّا على فرض دلالتها على الحصر لأنّ الأكل بالفسخ لو لم يكن حلالا فلا وجه له إلّا عدم كونه تجارة عن تراض فيجب أن يكون أكل الحلال منحصرا بالتّجارة عن تراض و ثانيا لا وجه لإشكاله في الحصر إلّا كون المستثنى منقطعا و أمّا كونه غير مفرغ فلا دخل له في الإشكال مضافا إلى أنّه قيد توضيحيّ لأنّ الاستثناء المنقطع لا ينقسم إلى قسمين مفرغ و غير مفرغ لأنّ كلّ مفرغ لا محالة الاستثناء فيه متّصل لأنّه لا موجب لتقدير المستثنى منه معنى لا يشمل المستثنى فلو قيل ما جاءني إلّا حمار فيقدر ما جاءني حيوان فيصير متّصلا

و بعبارة أخرى المتّصل ينقسم إلى قسمين مفرغ و غيره و المفرغ مفيد للحصر قطعا و المنقطع لا يكون إلّا غير مفرغ و كونه غير مفرغ لا يوجب عدم إفادته الحصر لأنّه بناء على عدم إفادة غير المفرغ الحصر فإنّما هو في المتّصل لا المنقطع فإنّه مفيد له و لو كان المستثنى منه مذكورا بل هو أبلغ في الحصر من المتّصل المفرغ لأنّه لا يصحّ التّعبير بالانقطاع إلّا فيما كان بين المستثنى منه و المستثنى ارتباط ما و مناسبة في الجملة فكل ما يناسب مع المستثنى منه يخرج عنه بأداة الاستثناء و لا يبقى إلّا خصوص المستثنى فقوله ما جاءني إلّا حمار أي من كل من احتمل أن يجي ء من القوم و من دوابهم ما جاءني إلّا حمارهم فانحصر الجائي بالحمار و هكذا مفاد الآية الشّريفة أي كل كسب و اكتساب أكل بالباطل إلّا الكسب عن الرّضا

و بالجملة وجه توهم عدم إفادة الاستثناء المنقطع للحصر عدم محصورية المستثنى بالخروج و كون الخارج ممّا لا يتناهى فإنّ المنقطع من القوم ليس خصوص الحمار فإنّ البقر و الفرس و غيرهما أيضا غير داخل في القوم فلا يفيد نفي المجي ء عن القوم و إثباته للحمار اختصاصه به لإمكان اشتراك سائر الحيوانات معه و هذا التوهّم فاسد فإنّ المستثنى في المنقطع ليس كلّ ما لا يرتبط بالمستثنى منه حتّى يكون ممّا لا يتناهى بل لا بدّ في صحّة المستثنى المنقطع من عناية و تنزيل فينحصر فيما يناسب مع المستثنى منه و لو كان أدنى مناسبة فإذا انتفى المجي ء من القوم و ما يناسبهم و انحصر الجائي و الحمار فيفيد اختصاص الحكم به و نفيه عمّا عداه ففي الحقيقة كلّ منقطع راجع إلى المتّصل

هذا مضافا إلى أنّه لا يمكن في خصوص المقام عدم إفادة الجملة للحصر لأنّ أكل المال بالباطل لا يمكن أن يكون حلالا في مورد من الموارد فيكون الاستثناء في المقام من قبيل التخصّص لا التّخصيص لأنّه لم يستثن موضوع من الموضوعات من حكم الأكل بالباطل بل التّجارة عن تراض مغايرة للأكل بالباطل و يكون مفاد الآية الشريفة أنّ كل كسب و اكتساب متداول بينكم من النّهب و السّرقة و القمار أكل للمال بالباطل إلّا التّجارة عن تراض فإنّها ليست كذلك فيكون قوله عزّ من قائل بالباطل بمنزلة التّعليل لقوله لا تأكلوا فيرجع مفاد المعلّل و التّعليل إلى قوله لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بوجه من الوجوه لأنّ كل وجه باطل إلّا التّجارة عن تراض و هذا راجع إلى المتّصل

و أمّا دلالة قوله ع لا يحلّ مال امرئ على اعتبار المقارنة ففيها ما لا يخفى فإنّه غير ناظر إلى اعتبار الطّيب حال العقد أصلا بل على أنّ مال النّاس لا يحلّ إلّا بالطّيب و نحن نلتزم به حين تحقّق النتيجة

ص: 200

و صيرورة المبيع مالا للمشتري و أمّا حديث الرّفع فقد ناقش فيه المصنف أوّلا بأنّه يدلّ على رفع المؤاخذة لا مطلق الآثار و لكنّك خبير بأنّه لا وجه لهذا الاستظهار

ثم تعميم المؤاخذة لمطلق الأحكام الّتي يتضمّنها عقد المكره و لو كانت دنيوية حتّى يحتاج إلى الجواب بقوله و الحكم بوقوف عقده على رضاه راجع إلى أنّ له أن يرضى بذلك و هذا حقّ له لا عليه و حاصل هذا الكلام أنّ سوقه في مقام الامتنان يقتضي صحّة عقد المكره إذا تعقّبه الرّضا لأنّ المرفوع بالإكراه هو الحقّ الثّابت عليه لا له و وقوف عقده على رضاه راجع إلى ثبوت اختيار العقد له

و فيه أنّه لا وجه لاختصاص المرفوع بالآثار المتعلّقة بالمكره بل المرفوع مطلق آثار الفعل مع أن أصل الدعوى و هي أنّ الحكم بوقوف عقده على رضاه راجع إلى أنّ له أن يرضى بذلك و هذا حق له لا عليه ممنوعة لأنّه ليس وقوف عقده على إجازته من الحقّ الثّابت له لو لا الإكراه لأنّ موقوفيّة العقد على الإجازة حكم شرعيّ مستفاد من الآية الشّريفة و هي قوله عزّ من قائل إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و من حديث الرّفع و لو لا هذه الأدلّة كان عقد المكره من حيث العقدية مثل سائر العقود فلم يكن من آثار العقد لو لا الإكراه الوقوف على الإجازة حتى يقال إنّ الحديث لا يرفعها لأنّ هذا الحقّ له لا عليه بل لو لا حديث الرّفع و أمثاله من قوله عزّ و جل تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ لم يكن عقده موقوفا على الإجازة

و بعبارة أخرى كلّ قيد صار وجوده موجبا للانقلاب فالأثر المرفوع به هو الأثر المترتّب على الفعل المطلق كالمرفوع بالخطإ و النّسيان فيجب أن يكون المرفوع بالإكراه هو الأثر المترتّب على مطلق الفعل لا الأثر بوصف الاختيار و لا الأثر المترتّب عليه بوصف الإكراه و ليس من آثار الفعل المطلق الوقوف على الإجازة حتّى يقال إنّ هذا الحقّ له لا عليه فلا يرتفع بالحديث فالصواب في الجواب هو ما أفاده بقوله ثانيا

و حاصله أنّ المرفوع بالإكراه هو الأثر الثّابت على فعل المكره لو لا الإكراه أي الأثر المترتّب على الفعل المجرّد عن عنوان الإكراه و الاختيار كما أنّ المرفوع بالخطإ و النّسيان أيضا كذلك لأنّ الأثر المترتّب على الفعل بعنوان العمد يرفع بمجرد فقد نفس القيد لا بحديث الرّفع كما أنّ الأثر المترتّب على الفعل بعنوان الخطإ يستحيل أن يرتفع بالحديث فإنّ ما كان علّة الوضع لا يمكن أن يكون علّة للرفع فإذا كان الأمر كذلك فبانضمام مقدمة أخرى إلى ذلك و هو عدم كون ذات العقد ذا أثر شرعا لاعتبار الرّضا فيه بالأدلّة الخاصّة الموجبة لتقييد عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و نحو ذلك تنتج عدم إمكان عروض البطلان لعقد المكره الملحوق بالرّضا لأنّ قبل لحوق الرّضا لا أثر للعقد حتّى يرتفع بالإكراه و بعد لحوقه ينقلب العقد عمّا هو عليه

و غاية ما يتوهّم لفساد عقد المكره أمران أحدهما ما أفاده المصنف بقوله لكن يرد على هذا أن مقتضى حكومة الحديث على الإطلاقات هو تقييدها بالمسبوقيّة بطيب النّفس فلا يجوز الاستناد إليها لصحّة بيع المكره و وقوفه على الرّضا اللّاحق فلا يبقى دليل على صحّة بيع المكره فيرجع إلى أصالة الفساد و لكن أجاب عنه بقوله اللّٰهمّ إلّا أن يقال و حاصله أنّ دليل الإكراه لا يمكن أن يكون حاكما في المقام لأنّه حاكم على الحكم الثّابت في الشريعة و المطلقات بإطلاقها ليست أحكاما ثابتة في الشّريعة حتى ترتفع بالإكراه بل الحكم الثّابت هو البيع المقيّد بالرّضا سبقه الرّضا أو لحقه و بعد تحقّق الرّضا يخرج البيع عن كونه إكراهيا

و بعبارة أخرى لو دلّت أدلّة الرّضا على اعتباره في العقد سابقا لكان الرّضا

ص: 201

اللّاحق لغوا و أمّا لو كان الأعمّ معتبرا فالكره الواقع في المقام لو بقي على ما كان لكان العقد باطلا و أمّا لو رضي المكره بما فعله فلا وجه لبطلان العقد و قياس الإكراه على الرياء باطل فإنّه لو أتى بالجزء رياء فيبطل هذا الجزء و ليس قاتلا للحوق سائر الأجزاء به و أمّا الإكراه على العقد فلا يرفع أثره إلّا إذا لم يلحقه الرّضا و إلّا يخرج عن كونه إكراهيا و ثانيهما ما أفاده بقوله إلّا أن يقال إنّ أدلّة الإكراه كما ترفع السّببيّة المستقلّة الّتي أفادتها الإطلاقات قبل التقييد كذلك ترفع مطلق الأثر عن العقد المكره عليه لأن التأثير النّاقص أيضا استفيد من الإطلاقات بعد تقييدها بالرّضا الأعم من اللّاحق انتهى

و لا يخفى أنّ هذه العبارة ليست في النسخ المصحّحة و لا ينبغي أن تكون فإنّ قوله و هذا لا يفرق فيه أيضا بين جعل الرّضا ناقلا أو كاشفا و قوله و كيف كان فذات العقد المكره عليه مع قطع النّظر عن الرّضا أو تعقبه له لا يترتّب عليه إلّا كونه جزءا لمؤثّر التّام و هذا أمر عقليّ إلى آخره لا يرتبطان بهذا الكلام بل يرجعان إلى قوله و هذا لا يرتفع بالإكراه لأنّ الإكراه مأخوذ فيه بالفرض و على فرض وجودها في النّسخ و كونها من كلام الشيخ قدّس سرّه كما هو ظاهر المحقّق الخراساني حيث أورد على هذه العبارة بقوله إنّما ترفع مطلق الأثر فيما كان ذاك الأثر بمقتضى الإطلاقات نفسها لا فيما إذا كان ثبوته بملاحظة أدلّة الإكراه كما هو الفرض

فنقول منشأ توهم ارتفاع الأثر النّاقص بأدلّة الإكراه أمران الأوّل قياس هذا الأثر النّاقص على الأثر الثّابت لأجزاء المركب المصحّح لأجزاء الأصل بالنّسبة إلى كلّ جزء فكما يجري استصحاب الإطلاق أو الطّهارة أو كليهما مع أنّ الأثر الشرعيّ مترتب على المجموع فكذلك يصحّ رفع الأثر النّاقص للعقد بحديث الرّفع و لكنّك خبير بالفرق بينهما لأن الأثر الثّابت للجزء و إن كان جزءا لأثر إلا أنّه كان له لنفس دليل الجزء لا للأصل الجاري فيه أي كان هذا الأثر لجزء المركّب شرعا و لذا صار محلّا للأصل

و أمّا الأثر الثّابت للمقام فإنّما هو بنفس دليل الرّفع أي صار دليل الرفع موجبا لتقييد العقد بالرّضا و عدم صحّة عقد المكره وحده و أثر المقيد يرفع بحديث الرّفع إذا كان له مع قطع النّظر عن التّقييد لا إذا حصل له بلحاظ التّقييد و بعبارة أخرى الأثر الثّابت للجزء في المقام أثر قهري عقليّ نشأ من دليل الرّفع و إلّا كان العقد سببا مستقلا و النّاشي منه لا يمكن أن يرتفع به و الثّاني أن يكون حديث الرّفع مقيدا آخر للمطلقات غير أدلّة الرّضا كما توهّمه المحقّق الطّباطبائي

و حاصل هذا الوجه أن يكون نتيجة المطلقات بعد تقييدها بقوله عز من قائل إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ صحّة العقد المرضي به سبقه الرّضا أو لحقه فالعقد أيضا جزء السّبب و نتيجة حكومة حديث الرّفع اعتبار الرّضا السابق و فيه أنّ أدلّة المقيّدات سواء كانت بلسان الحكومة كما في حديث الرّفع أم بلسان التّخصيص كما في آية التّجارة كلّها بمساق واحد و في عرض الآخر توجب تقييد المطلقات و لا وجه لتقييدها أولا بطائفة ثم تقييد المقيّد بطائفة أخرى و ليس الإكراه عنوانا مستقلا غير خلو عقد المكره عن الطّيب و الرّضا

و ما توهّمه من أنّ عقد المكره واجد لجميع الشّرائط حتى الرّضا في المرتبة الثّانية و أنّ البطلان نشأ من جهة أخبار الإكراه ففيه ما لا يخفى من الفرق بين عقد المكره و عقد من اضطرّ إليه لقوت عياله و نفقة من يجب عليه إنفاقه فإنّ المكره غير راض بما ينشئه و لا يشكر اللّٰه سبحانه منه بخلاف المضطر فإنّه يثني على اللّٰه جلّت آلاؤه بإعطائه إياه ما ينفق به عياله فتأمّل جيّدا كي لا يختلط عليك الأمر

و بالجملة جميع هذه الأدلّة تدلّ على اعتبار الرّضا سواء كان سابقا و لاحقا فالعقد

ص: 202

المقيّد بالرّضا لا يمكن أن يلحقه الإكراه و قبل لحوق الرضاء له ليس له أثر يقبل أن يرتفع بالإكراه هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل الثّاني أنّ الرضاء المتأخّر كاشف أو ناقل و تنقيحه يتمّ برسم أمور الأوّل في بيان الفرق بين الشّروط المتأخّرة الّتي تصلح لأن تكون كاشفة أو ناقلة و بين ما لا يكون إلّا ناقلا فقط

و ضابط الفرق على ما يظهر من المحقّق الثّاني أنّ كلّ شرط كان ناظرا إلى ما وقع من سائر أجزاء العقد و أركانه فهو ممّا وقع فيه هذا النّزاع كالإجازة فإنّها ناظرة إلى ما وقع من العقد و كلّ شرط كان هو بنفسه من شرائط العقد و متمّماته فهو ليس إلّا ناقلا و بعبارة أخرى كلّ ما يرجع إلى تنفيذ ما سبق و إمضائه فهو محلّ هذا النّزاع و أمّا كل ما كان متمّما و هو بنفسه من الأجزاء و ممّا له دخل في تأثير البقيّة فلا يجري فيه هذا النّزاع بل يكون ناقلا و على هذا فمثل القبول مطلقا و القبض في الصرف و السّلم و نحو ذلك ناقل و أمّا مثل الإجازة و أداء من باع ماله المشتمل على الزكاة مقدار الزكاة فهو محلّ هذا النّزاع و على هذا فذهاب المحقّق الثّاني إلى كون إجازة المرتهن ناقلة مع قوله بالكشف في إجازة الفضولي إنّما هو للنّزاع في الصّغرى أي إجازة المرتهن ليست ناظرة و تنفيذا لما صدر من الرّاهن بل حيث إنّ من أركان البيع الطّلقيّة أي خلو المبيع من حقّ غير البائع فإذا أسقط المرتهن حقّه أو أدى الرّاهن الدّين أو أبرأه المرتهن تمّ جميع أركان العقد و من المعلوم أنّها تتمّ حين الإسقاط فلا معنى لكونه كاشفا و هذا الكلام و إن لم يكن صحيحا لأنّ الإسقاط كالإجازة ناظر إلى تنفيذ العقد السّابق إلّا أنّ الكبرى صحيحة و على هذا فيجري النّزاع في إجازة العمّة و الخالة العقد الواقع على بنت الأخ و الأخت و إجازة الدّيان بيع الورثة و إجازة المرتهن بيع الرّاهن بناء على ما قلنا و نحو ذلك من إسقاط المرتهن حقّه و أداء الرّاهن الدّين الّذي عليه الرّهن الثّاني هل الأصل أن تكون الإجازة ناقلة أو كاشفة الأقوى هو الأوّل لأنّ لازم دخلها بوجودها الخارجي كما هو ظاهر الأدلّة عدم تحقّق النّقل إلّا بعد تحقّقها نعم لو ساعد العرف و الاعتبار على دخل وصف التعقّب كما في شرطيّة الأجزاء اللّاحقة في الصّلاة للأجزاء السّابقة فنلتزم بالكشف و أمّا في خصوص الإجازة فمضافا إلى أنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على اعتبار الرّضا و الطّيب كونها بوجودها الخارجي شرطا العرف و الاعتبار أيضا يساعدان على ذلك و قد قيل إنّ مقتضى الأصل هو الكشف لأنّ إجازة العقد السّابق عبارة عن الرّضا بما دلّ عليه العقد و هو نقل الملك حين تحقّقه و فيه أن مفاد العقد ليس إيجاد المنشإ حين صدور الإنشاء و فرق بين وقوع الإنشاء في زمان من باب أن كلّ زمانيّ يقع في الزّمان لا محالة و دلالة اللّفظ على الإيجاد في زمان الإنشاء فلو كان مفاد بعت أوجدت البيع الآن كما هو ظاهر بعض النّحويّين في مفاد الأمر و النّهي من كونهما موضوعين للطّلب في الحال لكان الأصل هو الكشف و أمّا لو كان مفاده أصل إيجاد البيع و استفيد وقوع المنشإ في الحال من أدلّة أخرى كمقدمات الحكمة الجارية في الإجارة و نحوها و هي كون المنشئ بصدد الإيجاد و عدم تقييد منشئه بقيد و نظير مقدمات الحكمة الجارية في البيع و نحوه فلا يكون الرّضا كاشفا لأنّ العلم بمدخليّة الرّضا في النّقل من قبيل تقييد الملكيّة بقيد متأخر فما لم يحصل القيد لا يحصل الملك و المنشئ و إن لم يقيّد إنشاءه بقيد و لكن تقييد الشّارع

ص: 203

بمنزلة تقييد نفس العاقد فحصول النّقل في نظر الشّارع يتبع زمان حكمه النّاشي من اجتماع جميع ما يعتبر في الحكم و ممّا يعتبر فيه الإجازة

و ما أجاب بعض المحقّقين عن هذا من أنّ المنشأ بنظر العاقد لا يتخلّف عن زمان إنشائه و التخلّف عند الشارع لا يضرّ بالكشف فإنّ المجيز يمضي ما أوجده العاقد و عقده و إن لم يدلّ على الإيجاد في زمان التلفظ و لكن مقتضى وقوع الإنشاء في ذاك الزّمان و تحقّق المنشإ بنظره لتحقّق كل اسم مصدر بإيجاد المصدر وقوع المنشإ في زمان الإنشاء فإذا أمضى المجيز ما أوجده العاقد فينفذ من ذاك الزّمان غير مفيد لأنّ الأمور الاعتباريّة تحقّقها باعتبار من بيده الاعتبار فتحقّق المنشإ بنظر المنشئ لا أثر له بعد دخل الرضاء فيه شرعا فيكون الإجازة كالقبول و كالقبض في الصرف و السّلم و الهبة

ثم لا يخفى أنّه إذا ثبت كون الإجازة ناقلة صحّ تنظيره بالقبض و القبول و أما في مقام إثبات ذلك فلا يصحّ القياس عليهما فما أفاده المصنف في قوله و لذلك كان الحكم بتحقّق الملك بعد القبول إلى آخره لم يقع في محلّه لأنّ القبول و القبض هما بأنفسهما من أركان العقد و متمّماته و لا يجري نزاع الكشف و النّقل فيهما و هذا بخلاف الإجازة فإنّها ممّا به يرفع توقيفيّة العقد عن تأثير ما اقتضاه

و كيف كان فالأقوى هو النّقل بمقتضى الأصل الأوّلي الثّالث بعد ما ظهر أن مقتضى القاعدة الأوليّة هو النّقل فهل الكشف الحكمي الثّابت في الفضولي تعبّدا ثابت في المقام أيضا أو لا وجهان و الأقوى هو الأوّل لأنّ من نفس الأخبار الواردة في الفضولي يظهر أنّه لا خصوصيّة لإجازة المالك عقد الفضولي بل كل ذي حقّ له أن ينفذ العقد الواقع على متعلّق حقّه فعلى هذا حكم الرّضا المتأخر في المقام حكم الإجازة في العقد الفضولي من حيث الأصل الأولي و الثّانوي

بقي هنا أمران الأوّل أنّه لا وجه لاستفادة حكم الرّضا في المقام من حكم فسخ ذي الخيار فكون الفسخ حلّا للعقد من حين الفسخ لا حين العقد لا يلازم كون الرّضا و الإجازة كذلك أيضا فإنّ الفسخ مقابل لإجازة ذي الخيار و كلّ زمان أعمل الخيار فيه بإزالة العقد أو إقراره فيؤثر في ذلك الزّمان و أمّا الإجازة أو الرّضا في المقام فمقابل لردّ عقد الفضولي و ردّ المالك كما يؤثر من حين العقد فيمكن أن يقاس عليه الرضاء من المكره و الإجازة من المالك

ثم لا يخفى أنّ المحقّق الطّباطبائي و إن أجاد في قوله إنّ الفسخ ليس مثل الإجازة إلّا أنّه لا وجه لتنظيره الفسخ بالرّضا بالمضمون فإنّ الفسخ نظير اختيار العقد كما تقدم لا الرّضا بالمضمون في عقد المكره فإنّه بعينه كالإجازة في الفضولي و لا فرق بينهما في الكشف و النّقل فلو قيل بأنّ الرّضا ناقل فكذلك الإجازة لأن كلّا منهما يرفع توقيفيّة العقد و لا فرق بين إنفاذ نتيجة العقد أو إنفاذ مفاده فلو قيل بأنّ التوقيف يرتفع حين الرّضا فلا بدّ أن يقال بأنّ مدلول العقد أيضا ينفذ حين الإجازة

و لو قيل بأنّ الإجازة تؤثر من حين العقد فكذلك الرّضا لأنّ محلّ البحث في الكشف و النّقل ليس فيما كان بمدلوله اللّفظي متعرّضا للعقد كما لو قيل أجزت العقد أو رضيت بما صدر من العاقد بل في الأعمّ منه و ممّا كان ناظرا إلى النتيجة سواء كان بلفظ أجزت العقد أو رضيت به أم كان بلفظ أجزت النّقل أو رضيت به و سواء كان بالقول أم كان بالفعل كأداء من عليه الزكاة الزكاة من غير المال الزكويّ

ص: 204

و أداء الراهن الدّين

الثّاني هل للطّرف الغير المكره عليه أن يفسخ قبل رضاء المكره أم لا ظاهر المتن أنّ هذا النّزاع يجري بناء على الكشف و أمّا بناء على النّقل فلا إشكال في تأثير فسخه و لكن الأقوى جريان النّزاع على المسلكين و سيجي ء في باب الفضولي توضيح ذلك

[مسألة و من شروط المتعاقدين إذن السيّد لو كان العاقد عبدا]
اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة و من شروط المتعاقدين إذن السيّد لو كان العاقد عبدا إلى آخره

لا يخفى أنّ البحث في هذا العنوان يقع من جهات الأولي في جواز تصرفاته الرّاجعة إلى ما في يده المترتّبة عليه الآثار حين عبوديّته الثّانية في نفوذ معاملاته المترتّبة عليها الآثار بعد حرّيته الثّالثة في معاملاته الراجعة إلى الغير كوكالته عنه

ثم إنّ محلّ البحث في المقام أعمّ من القول بعدم مالكيّة العبد و القول بمالكيّته لما في يده لإرث و نحوه كما أنّ محلّ البحث أيضا بعد الفراغ عن عدم كونه مسلوب العبارة بحيث لا يترتّب على فعله و عبارته أثر فليس كالمجنون و الصبيّ بحيث لا يؤثّر إذن المولى في قوله و فعله و تنقيح هذه الجهات يتوقف على بيان ما يستفاد من الآية الشّريفة ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ

فنقول إنّ الأصل في القيد و إن كان الاحترازيّة إلّا أن قوله عزّ من قائل لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ قيد توضيحيّ كقوله مملوكا فإن العبد كما لا ينقسم إلى مملوك و غير مملوك فكذلك لا ينقسم إلى القادر و العاجز فإنّ المملوكيّة مساوقة للعجز و منافية للاستقلال في التصرّف كما أنّ العبودية مساوية للمملوكيّة و منافية للحريّة

ثم إنّ المراد من عدم القدرة شرعا سلب القدرة عمّا يناسب المقدور فإن كان الشّي ء من متعلقات الأحكام التكليفيّة فعدم القدرة عليه عبارة عن حرمته عليه و إن كان من متعلّقات الأحكام الوضعيّة فعدم القدرة عليه عبارة عن عدم نفوذه و مضيّه عنه و المراد من الشي ء بقرينة رواية زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه سلام اللّٰه عليهما قالا المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه إلّا بإذن سيّده قلت إن كان السيّد زوجه بيد من الطّلاق قال بيد السيد ضرب اللّٰه مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شي ء فشي ء الطّلاق إلى آخره هو الشّي ء الّذي يعد في العرف و العادة شيئا فليس المراد منه هو مفهومه العام الشّامل لكلّ حركة و سكون حتّى مثل التكلّم و النّظر و أمثال ذلك فإنّها خارجة من الشي ء خروجا موضوعيا لا حكميا كما توهّم لأنّ مساق الآية مساق لا يقبل التّخصيص

كما أنّ التّكاليف الإلهيّة كالواجبات و المحرّمات المشتركة بين الأحرار و العبيد خارجة عنه موضوعا فإن هذه تحت ملك السيّد الأصلي لا المالك العرضي لأنّ الآية في مقام بيان ما يختصّ بالعبد لا ما يشترك بينهما ثم إنّ الأقوال في المسألة بين إفراط و تفريط و اعتدال فقيل بمحجوريّته عن كلّ شي ء إلّا الضّروريّات الّتي بها قوام عيشه فلا يجوز له التمدّد و المشي و نحو ذلك و قيل بنفوذ جميع تصرفاته إلّا ما يرجع إلى التصرّف في سلطان مولاه فيجوز له الوكالة عن الغير و ضمانه عنه الّذي يتعلّق برقبته بعد العتق و قيل بأنّه لا يجوز له كلّما يعدّ شيئا من غير فرق بين عناوين المسبّبات من النّكاح و الطّلاق و الوكالة و التوكيل و غير ذلك

و الأقوى هو الأخير لما عرفت أنّ ظاهر الآية الشريفة أن كلّما يعدّ شيئا بحسب العرف و العادة كالطّلاق و نحوه فالعبد لا يقدر عليه و لا ينفذ منه و على هذا فلا يجوز وكالته عن الغير و لو في إجراء الصّيغة فضلا عما إذا كان وكيلا مفوّضا لا لتوقّف صدور اللّفظ منه على إذن مولاه حتى يرد عليه ما أورده عليه صاحب الجواهر قدّس سرّه بأن مع نهي السيّد أيضا يصحّ عقده فضلا عن الوقوع بغير إذنه إذ أقصاه الإثم في التلفّظ و النّهي لا يقتضي الفساد

ص: 205

إذا رجع إلى الأسباب بل لأن نفس الوكالة عن الغير هو بنفسه شي ء لا يقدر عليه العبد و هو غير قادر على إيجاد العلقة الملكيّة بين المالك و المملوك كما هو غير قادر على سلب علقة الزوجيّة عن نفسه و زوجته و هكذا لا يقدر على الالتزام بشي ء و التعهّد بدين و إن تعلّق الدين بذمته بعد حرّيته فإنّ الضّمان أيضا شي ء و هكذا نذره و عهده و سائر ما يتعلّق برقبة بعد العتق

و على هذا فلا تشمل الآية المباركة مثل التكلّم و المشي و تمدّد الأعصاب و نحو ذلك من الأمور الغير المعتدّ بها و يدلّ عليه أيضا صحيحة زرارة المعبر فيها من الشّي ء بالطّلاق و لا تختصّ أيضا بما يرجع إلى التصرّف في سلطان المولى بدعوى أن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي أنّ جهة المملوكيّة هي الموجبة للحجر و هذه تقتضي حجره عمّا يرجع إلى المولى لا وكالته عن الغير و ضمانه عنه و نحو ذلك لما عرفت من أنّ العموم لا وجه له و الاختصاص أيضا لا دليل عليه فإنّ الطّلاق لا خصوصيّة فيه فإذا لم يكن منه نافذا مع أنّه لا يتعلّق بالمولى فلا ينفذ وكالته عن الغير و ضمانه و نذره

ثم إنّه لا ينبغي الإشكال في أن إذن السيّد يرفع حجره إنّما الكلام في أنّ الإجازة اللّاحقة أيضا كالإذن السّابق تفيد الصّحة مطلقا سواء كان عمله راجعا إلى ملك المولى أو راجعا إلى نفسه حال عبوديّته أو راجعا إلى ما يتعلّق برقبته بعد الحريّة أم إلى غيره أم تفصيل بين الموارد وجوه

و توضيح الحقّ يتمّ برسم أمور الأوّل لا شبهة أن إذن المولى يرفع الحرمة التكليفيّة و أمّا الإجازة اللّاحقة فلا تؤثّر في رفع الحرمة لأنّ الفعل لا يتغيّر عمّا وقع عليه فلو قيل بأن نفس تلفظ العبد و كذلك قصد معنى اللّفظ أي استعمال اللّفظ في المعنى محرم بلا إذن فالإجازة اللّاحقة لا ترفع الحرمة إلّا أنّك قد عرفت أنّ مثل ذلك لا يشمله عموم الشّي ء الثّاني أنّ النّهي المتعلّق بالمعاملات تارة يرجع إلى الأسباب و أخرى يرجع إلى المسبّبات فإذا رجع إلى الأسباب فلا يوجب الفساد و إذا رجع إلى المسبّبات فيوجبه و توضيحه موكول إلى الأصول

و إجماله أن حرمة السّبب إمّا لمزاحمته لواجب كالبيع وقت النداء أو لتعلّق النّهي به بالخصوص كحرمة تلفظ العبد بألفاظ العقود لا يلازم عدم ترتّب الأثر عليه فتحقّق المنشإ بالألفاظ المحرّمة من جهة كونها فعلا من أفعال المكلّف لا محذور فيه و أمّا حرمة المسبّب فمرجعها إلى سلب قدرة المكلّف عن وقوعه و إخراجه عن عموم السّلطنة

ثم المراد من السّبب هو قصد المعنى من اللّفظ و المراد من المسبّب هو النّقل و الانتقال أي إيجاد المنشإ و موجديّته بهذا الإيجاد أي المصدر و اسم المصدر اللّذان فرقهما اعتباري فمن حيث نسبة الأثر إلى الفاعل يقال أوجده و أثّر فيه و من حيث نسبته إلى المنفعل يقال موجد و أثر و هذه الأمور كلّها صادرة من العاقد فالعبد في مقام البيع يصدر منه اللّفظ الّذي اعتبر فيه الماضويّة و العربيّة و عدم كونه غلطا و يقصد المعنى في مقابل كونه هازلا و يقصد إيجاد المادّة بالهيئة في مقابل استعمال اللّفظ في المعنى لداع آخر كالأخبار و نحوه و يقصد اسم المصدر أيضا تبعا من حيث إنّه فعل توليدي له و الإجازة اللّاحقة تؤثر في الأمرين الأخيرين لا في الأوّلين أمّا عدم تأثيرها في الأوّلين لما عرفت من أنّ الفعل الخارجي سواء كان جوارحيا أو جوانحيا لا ينقلب عمّا وقع عليه

و أمّا تأثيرها في الأخيرين فلأنّ إيجاد النّقل و الانتقال لا خارجيّة لهما إلّا باعتبار من بيده إنفاذهما و إلّا فمجرّد قوله بعت لا يؤثر في تحقّق الملكية للمشتري

ص: 206

فلو أنفذ من بيده الإنفاذ فسواء رجع إنفاذه إلى جهة الصّدور و حيثيّة إيجاد المعنى بالقول كإيجاده في المعاطاة بالفعل أم رجع إلى المضمون و اسم المصدر لصحّ ما وقع من دون استلزامه لانقلاب الشي ء عمّا وقع عليه حتّى يستحيل بل لأنه لم يقع شي ء في عالم الاعتبار بل كان مراعى

و إن كان واقعا في نظر المنشئ فحيث كان مراعى بإنفاذ من بيده الأمر فيؤثر إنفاذه و سيجي ء مزيد توضيح لذلك في المقام و في باب الفضولي الثّالث لا يمكن استفادة شرطيّة كون العاقد حرّا أي شرطيّة كون الصّيغة صادرة من الحرّ من الآية الشّريفة بحيث تكون الرقيّة كالفارسيّة و غير الماضويّة لما عرفت من أن عدم القدرة قد استعمل في الوضعي و التّكليفي بجامع واحد من دون مجاز و لا عموم مجاز فعدم القدرة بالنّسبة إلى أفعاله عبارة عن أنّ طرفي فعلها و تركها ليسا تحت اختياره أي تحرم عليه بلا إذن من سيّده و هذا لا يمكن استفادة الشّرطيّة منه

و بعبارة أخرى كون عبارة العبد كعبارة المجنون لا يستفاد من مثل قوله تعالى لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ و على هذا فلا يقصر عقد العبد من حيث جهة العقديّة عن عقد غيره

غاية الأمر على فرض عموم الشّي ء لكلّ شي ء يكون محرّما من حيث إنّه فعله الرّابع أنّ العقد الواقع من العبد تارة يتعلّق بما في يده من مال المولى أو مال نفسه الراجع إلى ملك المولى طولا أو يتعلّق بنفسه الّتي هي ملك المولى كإجارة نفسه و تزويجه و أخرى يتعلّق برقبته بعد العتق و ثالثة يتعلّق بالأمور الراجعة إلى الغير كوكالته عن الغير و كلّ واحد من هذه الأصناف الثّلاثة كما يصحّ بالإذن السّابق فكذلك يصحّح بالإجازة اللّاحقة

غاية الأمر أنّ كلّما كان تصرف العبد راجعا إلى ملك المولى فإجازة المولى ترجع إلى مضمون العقد و هو معنى الاسم المصدري و ما كان تصرّفه راجعا إلى ملك الغير أو إلى ذمّة نفسه يتبعه بعد العتق فإجازته ترجع إلى جهة المصدر و كلّ منهما قابل للإجازة لأنّ إيجاده المعنى حيث إنّه لا يقدر عليه موقوف على الإذن و حيث إنّ الإجازة كالإذن فيما لم يكن من الأفعال الخارجيّة فالإجازة تصحّح إيجاده

و بعبارة أخرى سيجي ء في باب الفضولي أنّه كما يكون إجازة المالك بمقتضى القاعدة مصحّحة لعقد الفضولي فكذلك إجازة المرتهن عقد الرّاهن و إجازة العمّة أو الخالة العقد الواقع على بنت الأخ أو الأخت و إجازة الغرماء للمفلّس و إجازة الديان للورثة و نحو ذلك من الأمور المتوقّفة على إذن الغير و المناط في الجميع أن كلّ ما كان العقد واقفا و غير ماض إلّا بإذن الآخر فإجازته بمنزلة إذنه فعلى هذا تصحّ تعلّق إجازة المولى بالعقد الواقع من العبد وكالة عن الغير فإنّ مضمون العقد و إن لم يرجع إلى المولى إلّا أنّ إيجاد العبد العلقة بين الشيئين من الأشياء الّتي لا يقدر عليها العبد و هذا يكون واقفا و غير ماض فالإجازة ترفع وقوفه و تجعله ماضيا

إذا عرفت ذلك ظهر أنّ ما لا يقبل الإجازة و هو السّبب لا يتوقّف على الإجازة لعدم الدّليل على حرمته أوّلا و عدم الدّليل على فساده ثانيا و ما يقبل الإجازة كالمسبّب فالمفروض تحقّقها من غير فرق بين تعلّقها باسم المصدر أو بالمصدر فإنّ الفرق بينهما اعتباري فلو فرض أنّ إيجاد العبد من حيث كونه إيجادا موقوف على إذن المولى و بالإذن يصحّ فيصحّ بالإجازة اللّاحقة أيضا

و ما أفاده المصنف قدّس سرّه في وجه عدم الصّحة بالإجازة اللّاحقة من أنّ المنع راجع إلى نفس الإنشاء الصّادر و ما صدر على وجه لا يتغيّر منه بعده غير وارد أصلا لأنّه لو كان المراد من الإنشاء في كلامه

ص: 207

هو تلفّظ العبد و قصده المعنى لكان إشكاله واردا و لكن حيث إنّه ليس المراد من الإنشاء في كلامه ذلك لأنّه يصرّح في ردّ صاحب الجواهر بأن هذه التصرّفات لا دليل على حرمتها ثم لا دليل على فساد العقد بها بل هو إيجاد العبد من حيث المسبب أي المصدر فإذا كان هو المراد من الإنشاء فقوله و ما صدر على وجه لا يتغيّر منه بعده غير صحيح لأنّه لم يقع الإنشاء في عالم الاعتبار و لم يتحقّق ما أوجده بل هو مراعى و موقوف على الإجازة فكما أنّ الإجازة تصحّح المضمون إذا كان راجعا إلى المولى فكذلك تصحّح هذا الإيجاد الصادر من العبد لكون إنشاء هذا المضمون قائما بعبده

ثم إنّه قدّس سرّه رفع الإشكال بوجوه ثلاثة الأوّل التمسّك بعموم أدلّة الوفاء بالعقود خرج منها عقد العبد بلا إذن رأسا لا سابقا و لا لاحقا و بقي الباقي لأنّ المخصّص إذا كان مجملا مفهوما بأن كان مردّدا بين الأقل و الأكثر يؤخذ بالقدر المتيقّن منه إذا كان منفصلا و المتيقّن منه عقده بلا إذن و لا إجازة لا العقد الملحوق بالإجازة الثاني الصّحيحة المتقدّمة الدالّة على صحّة النّكاح و الطّلاق بالإذن و حيث قام الدّليل على أنّ النّكاح يصحّ بالإجازة اللّاحقة أيضا فيصحّ جميع العقود بالإجازة لعدم الفرق بينها

ثم تفطّن لإشكال وارد على التّعميم و هو أن لازمه صحّة الطّلاق بالإجازة أيضا و لا يلتزمون بها و دفعه بأنّه خرج الطّلاق بالدّليل الخارجي و إلّا لقلنا بصحّته بها من جهة التّعميم و لا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة لأنّ الكلام مسوق لنفي استقلال العبد في الطّلاق لا لصحّته مطلقا حتّى بالإجازة الثّالث الأخبار الدالّة على أنّ إجازة المولى موجبة لصحّة نكاح العبد مطلقا سواء كان هو المباشر للصّيغة أم غيره من جهة ترك الاستفصال فإذا صحّ نكاحه لنفسه مطلقا فيصحّ كلّ تصرف منه مطلقا و لو كان وكالة عن الغير و هذا لوجهين

أحدهما أنّ إجازة المولى إذا كانت موجبة لصحّة عقد العبد الصّادر منه مباشرة من جهة المضمون أي من جهة رجوعها إلى متعلّق حقّ المولى و هو تصرّف العبد في سلطان المولى فلا محالة موجبة لجهة الإصدار أيضا لأنّه لا يمكن أن يصحّ اسم المصدر و لا يصحّ الإنشاء أي جهة الإصدار فإذا صحّ المصدر بالإجازة في نكاح العبد لنفسه يصحّ مطلقا بها و لو كان راجعا إلى غير المولى كما لو كان وكيلا عن الزّوجة في هذا العقد أو كان وكيلا عن غيرها في غير هذا العقد و هذا الوجه موقوف على استفادة التّعميم من ترك الاستفصال من جهتين من جهة عمومها لصدور النكاح لنفسه مباشرة و توكيلا و من جهة عمومها لصدور العقد منه لغيره و هذا لا يخلو عن إشكال كما سنشير إليه

و ثانيهما أنّ تعليل الصّحة بأنّه لم يعص اللّٰه في قوّة أن يقال كلّما لم يكن العبد إلّا عاصيا لسيّده فبإجازة السيّد يرتفع وقوف تصرّفه فمعيار الصحّة في معاملة العبد بعد عدم كونها مخالفة للّه سبحانه هو إذن السيّد أو إجازته و هذا الوجه أيضا كما يمكن أن يكون مدركا لحكم ما يتعلّق مضمونه بالمولى كذلك يمكن أن يكون مدركا لحكم ما لا يتعلّق مضمونه بالمولى لأنّ المدار في صحّة عقد العبد على رضاء المولى و لو لم يكن مضمونه راجعا إلى المولى بل كان جهة معصيته لمولاه إيجاده ما لم يأذن فيه و هذا أيضا لا يخلو عن مناقشة لأنّ الأخبار الواردة في نكاح العبد راجعة إلى المعصية الفعليّة الرّاجعة إلى التصرف في سلطان المولى لأن نكاح العبد و طلاقه لنفسه كإجارة نفسه بلا إذن من المولى فهو تصرّف في نفسه الّتي هي ملك للمولى و أين هذا من استفادة حكم المخالفة الغير الرّاجعة

ص: 208

إلى سلطان الوليّ من حيث الإصدار و إيجاد المادّة بالهيئة

و على أيّ حال فالوجوه الأخر واضحة الفساد أمّا التمسّك بالعموم فهو فرع إجمال المخصّص و هو مبيّن فإنّ دليل اعتبار الإذن ظاهر في الإذن السّابق و الإجازة غير الإذن و أمّا الدّليل الثّاني ففيه أوّلا أن صحّة النّكاح بالإجازة اللّاحقة لا تكشف عن أعميّة الإذن مفهوما بل غاية الأمر أنّ الدّليل الدالّ على صحّة النّكاح بالإجازة حاكم على الدّليل الدالّ على اعتبار الإذن و يوسع دائرة الموضوع تعبّدا و ثانيا يصحّ دعوى عكس ما استظهره قدّس سرّه من الصحيحة بأن يقال لما كانت الصّحيحة مشتملة على الطّلاق الّذي لا يصحّ بلحوق الإجازة نستكشف أنّ المراد من الإذن فيها خصوص الإذن السّابق و صحّة النّكاح بالإجازة فإنّما هي لدليل خارج و لا يلزم تأخير البيان لأنّ الكلام المذكور مسوق لبيان نفي استقلال العبد في النّكاح و الطّلاق بحيث لا يحتاج إلى رضى المولى

و لا يخفى أنّ العكس أولى ممّا استظهره قدّس سرّه فإنّه لو كانت الصّحيحة بصدد بيان صحّة النّكاح و الطّلاق بالأعم من الإذن و الإجازة للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة و قوله قدّس سرّه إنّ الصّحيحة مسوقة لبيان نفي استقلال العبد بالطّلاق لا يدفع المحذور فإنّه لو كانت الصّحيحة مسوقة لهذا لكانت مسوقة بالنّسبة إلى النّكاح أيضا لبيان نفي استقلال العبد به لا لصحّته بالأعمّ من الإذن و الإجازة فمن أين تستفاد الصّحة بالإجازة من الصّحيحة و لا خصوصيّة في الطّلاق حتى يقال إنّها بالنّسبة إليه ناظرة إلى نفي الاستقلال دون النّكاح فتدبّر جيّدا

و أمّا الدّليل الثّالث فقد أوضحنا ما في التّقريب الثّاني منه الّذي أمر بأن يفهم و يغتنم جزاه اللّٰه تعالى عن العلماء خير الجزاء و أمّا التقريب الأوّل ففيه أنّ ترك الاستفصال و إن كان مفيدا للتّعميم في باب النّكاح و نحوه إلّا أنّه للتعدي إلى غير مورده لا يفيد لأنّه لو فرض بأنّه ع صرّح بأنّ نكاح العبد يصحّ بالإجازة و لو باشره بنفسه لما أمكن التعدّي إلى مورد وكالة العبد لغيره أو إجرائه الصّيغة و إيجاده العلقة فضولا لأن صحّة نكاحه لنفسه و إن استلزم تصحيح جهة إصداره أيضا حيث إنّ الإجازة يرجع إلى ما يتعلّق مضمونه بالمولى فصحّة جهة إصداره إنّما لوحظ معنى حرفيا و إذا دلّ الدّليل على صحّة النّتيجة بالإجازة فيدلّ على صحّة جهة الإصدار لأنّها من مقدمات حصول النّتيجة إلّا أنّ هذا الدّليل لا يمكن أن يدل على صحّة جهة الإصدار إذا لوحظت معنى اسميّا و عقد العبد لغيره فضولا أو وكالة جهة توقّفه على إجازة المولى هو جهة إصداره و إلّا فمضمونه غير راجع إلى المولى و لم يدلّ دليل على أنّ الإجازة أيضا كالإذن في جهة الإصدار كما لا يخفى

إلّا أن يقال إنّ الأخبار الدالّة على صحّة نكاح العبد إذا أجازه المولى الواردة في ردّ حكم بن عيينة و إبراهيم النّخعي ظاهرة في إعطاء قاعدة كليّة و هي أنّ كلّما رجع جهة الصّحة إلى إذن السيّد فإجازته كإذنه و كيف كان فممّا ذكرنا من أنّ المراد من الشّي ء في الآية المباركة هو الشي ء المعتدّ به و أن إيجاد العبد العلقة المالكيّة و نحوها شي ء لا يقدر عليه العبد إلّا بإذن سيّده يظهر أنّ الوكالة من الغير أو إيقاع العبد العقد للغير فضولا أيضا محتاج إلى إذن السيّد فما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه من صحّة عقد العبد للغير و إن لم يسبقه إذن و لم يلحقه إجازة استدلالا بهذه الأخبار الدالّة على أنّ معصية السيّد لا يقدح بصحّة العقد و إنّما تدلّ على التوقّف على الإجازة فيما يرجع مضمونه إلى السيّد دون ما لا يرجع إليه غاية الأمر

ص: 209

أنّه عصى السيّد في التصرّف في لسانه و النّهي إذا كان راجعا إلى المعاملة من حيث السّبب لا يدلّ على الفساد

ففيه أنّه كما يتوقّف المضمون إلى الإذن أو الإجازة إذا رجع إلى المولى فكذلك يتوقّف المعنى المصدريّ إلى الإذن أو الإجازة و لو لم يرجع مضمونه إلى المولى لأنّه شي ء لا يقدر عليه العبد فوجه بطلان عقد العبد لغيره إذا لم يكن مأذونا و لا مجازا هو هذا لا لكونه تصرّفا في لسانه الّذي هو ملك السيّد فإنّه لا دليل على حرمته أوّلا و حرمته لا يوجب الفساد ثانيا فلا يكون حرمته منشأ لالتزام المشهور بفساد عقد العبد للغير بلا إذن و لا إجازة مع أنه لو كان هذه الأخبار دالّة على أنّ معصية السيّد في تحريك اللّسان لا يوجب الفساد لكان مقتضى التّعليل فساد البيع لو عصى اللّٰه سبحانه كما في البيع وقت النّداء مع أنه لم يقل به أحد فهذه الأخبار ناظرة إلى إعطاء قاعدة كليّة و هي أنّه كلّما رجع أمر العبد إلى المولى من جهة من الجهات فهو موقوف إمّا على الإذن أو الإجازة

[فرع لو أمر العبد آمر أن يشتري نفسه من مولاه فباعه مولاه صحّ]

قوله قدّس سرّه فرع لو أمر العبد آمر أن يشتري نفسه من مولاه فباعه مولاه صحّ إلى آخره

لا وجه للإشكال في صحّة اشتراء العبد نفسه من مولاه بوكالته من المشتري لأنّ الإشكال بأن الموجب و القابل متحد و هو المولى فإنّ لسان العبد لسان المولى واضح الاندفاع لأن الاتّحاد تنزيلا غير الاتّحاد خارجا و يكفي التّغاير الخارجي في اعتبار التغاير بين الموجب و القابل كما أنّه يكفي الاتّحاد خارجا مع التّغاير اعتبارا كما أنّ الإشكال يتوقّف وكالته إلى إذن المولى و هو حين إيجاب المولى غير مأذون منه و إنّما يصير وكيلا بعد الإيجاب فيجب إعادة الإيجاب ثانيا غير وارد لعدم الدليل على اعتبار الإذن حين الإيجاب فإنّ الشّروط المعتبرة في العقد على أنحاء

منها ما يعتبر في مجموع العقد و منها ما يعتبر حين صدور الإنشاء ممّن بيده صدوره فيكفي للصّحة وكالة العبد حين إنشائه القبول للمشتري الآمر له كما أنّه لو لم يكن القابل مأذونا حين الإيجاب و صار مأذونا بعده قبل القبول لكفى لصحّته هذا مضافا إلى أن اعتبار الإذن حين الإيجاب يوجب مدخليّة إجازة المولى بعد القبول لا بطلان العقد

و بعبارة أخرى إنشاء العبد يحتاج إلى إذن مولاه أو إجازته و إلى إذن المشتري أو إجازته فلو لم يتحقّق الإذن من أحدهما أو كليهما كفت الإجازة اللّاحقة و ليست عبارة العبد كعبارة الصبيّ و المجنون هذا لو وكّله المشتري في الاشتراء من نفس المولى و أمّا لو وكّله في الاشتراء من وكيل المولى فلو كان وكيله وكيلا في خصوص بيع العبد لا في بيعه و إذنه للعبد في وكالته عن الغير فلا شبهة في احتياج الاشتراء إلى الإجازة من المولى في وكالته و أمّا لو كان وكيلا حتّى في التوكيل أيضا فإيجاب الوكيل بمنزلة إيجاب المولى فيعود النّزاع المتقدم فظهر أنّ الحقّ هو التّفصيل بين الموردين و لعل وجه نظر المحقّق و الشهيد الثّانيين إلى الصورة الأولى

[القول في بيع الفضولي]
اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة و من شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع إلى آخره

لا إشكال في أنّ العقد بالإذن من المالك أو ممّن له حقّ في العين كذي الخيار و المرتهن و الغرماء و أمثالهم يخرج من الفضولي إنّما الكلام في خروجه منه بمجرّد الرّضا الباطني من دون أمارة عليه اختار المصنف في المقام خروجه منه و عدم التوقّف على الإجازة اللّاحقة سواء علم به العاقد أو انكشف له بعد حصول العقد بأنّه كان حين البيع راضيا أم لم ينكشف له أصلا لأنّ المناط في الصّحة الواقعيّة هو الرّضا واقعا

و الحق عدم خروج العقد

ص: 210

الصادر من غير من بيده زمام أمر المعقود عليه بمجرّد الرّضا الباطنيّ من المالك و من له الحقّ مرتهنا كان أو مولى و ذلك لأنه لو كان أمر العقد موقوفا و غير ماض إمّا لعدم كون العاقد مالكا أو لعدم كونه مستقلّا فلا يخرج عن التّوقيف إلّا باستناده إلى المالك أو ذي الحقّ و الاستناد و التّنفيذ من الأمور الإنشائيّة و يكونان كسائر الإيقاعات لا بدّ من إيجادهما إمّا باللّفظ أو بالفعل فلا الكراهة الباطنيّة ردّ و لا الرّضا الباطني إجازة بل كلّ منهما يحتاج إلى كاشف

و أمّا ما اختاره المصنف فمضافا إلى أنّه ينافيه استدلاله لصحّة عقد المكره مع لحوق الرّضا بفحوى الفضولي لأنّ الأولويّة فرع فقد الفضولي أمرين الاستناد و الرّضا و أمّا لو قلنا بعدم اعتبار الاستناد و كفاية الرّضا الباطني من المالك و لو كان المباشر غير المالك فلا أولويّة لأنّ ملاك الفضولي و المكره في الاحتياج إلى شرط واحد على حدّ سواء يرد عليه أن ما استدلّ به لا دلالة فيه

أمّا قوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فلأن مقابلة الجمع بالجمع يقتضي التّوزيع أي كلّ مكلّف يجب عليه الوفاء بعقده و عقد الفضولي لا يكون عقد للمالك بمجرّد رضائه به لأنّ كونه عقدا له يتوقّف على مباشرته أو نيابة الغير عنه بالإذن أو الإجازة بعد صدور العقد من الفضولي و في حكم هذه الآية قوله أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ لأن البيع هنا بمعناه المصدري فيصير معناه أحلّ اللّٰه إيجاد هذا المعنى و إيجاد المالك ينفذ إذا صار إيجادا له

و بعبارة أخرى معناه أحلّ اللّٰه بيوعكم و البيع يصير بيعا له إذا استند إليه و إلّا فليس بيعا منه و أمّا قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ فهو أظهر في اعتبار الاستناد إلى المالك لأنّ التّجارة بمعنى التكسّب و لا يكون التكسّب منه إلّا بالمباشرة أو الإذن أو الإجازة و الرّضا الباطني ليس منها لأنه لا يصير به التّجارة من الغير تجارة منه و أمّا قوله ع لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه ففيه أولا أنّه ليس إلّا في مقام بيان اعتبار الطّيب و الرّضا لا في مقام بيان أنّ مجرّد الطّيب كاف فهو نظير قوله ع لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب و لا صلاة إلّا بطهور و ثانيها الحلية في المقام هي الحليّة التّكليفيّة أي إنّ التصرّف بالأكل و الشّرب و نحوهما في مال الغير لا يجوز إلّا برضاء مالكه و كلامنا في نفوذ التصرّف الوضعيّ

و أمّا قضية عروة فلا دلالة فيها أصلا لاحتمال كونه وكيلا مفوّضا و أمّا كلمات الأصحاب فالرّضا المذكور فيها هو بمعنى الاختيار لا طيب النّفس فإنّه يطلق على الاختيار أيضا و من ذلك قول السيّد في الدرّة كما ارتضاه المرتضى و قوله ع فذلك رضا منه الوارد في أنّ إحداث ذي الخيار يوجب سقوط خياره و قوله ع و رضيكم خلفاء و قول العامّة إنّما سمّي الرّضا عليه السّلام بالرّضا لأنّ المأمون اختاره وليّ العهد فقولهم إنّ الشّرائط كلّها حاصلة إلّا رضا المالك أي إلّا اختياره فلا شبهة أنّ الاختيار معنى إنشائي لا بدّ من حصوله بكاشف فعلي أو قوليّ

و أمّا قولهم إنّ الإجازة لا يكفي فيها السّكوت لأنّه أعمّ من الرّضا فدلالته على ما اعتبرناه أظهر لأنّ ظاهره اعتبار الاختيار و إلّا قد يكون السّكوت في محلّ خاصّ كاشفا عن الرّضا و الطّيب كما في سكوت الباكرة فالأولى استدلال المصنف بسكوت الباكرة كما استدلّ بما دلّ على أنّ علم المولى بنكاح العبد و سكوته إقرار منه و الاستدلال بصحيحة محمّد بن مسلم و الحميري الآتيتين فإنّ في الأولى منهما لا تشترها إلّا برضاء أهلها و في الثّانية منهما الضّيعة لا يجوز ابتياعها إلّا عن مالكها أو بأمره أو

ص: 211

رضا منه و تقريب الاستدلال واضح و لكن الأقوى عدم دلالة كل ذلك على مختاره أمّا سكوت الباكرة فهي قبل العقد و كفاية الرّضا الباطني للتوكيل غير كفايته بعد العقد مع أنّ السّكوت في مقام الاستيذان و في مقام الفسخ و الإجازة من الكواشف العرفيّة عن الإذن أو الإجازة و لذا في ما كان الخيار فوريّا لو سكت ذو الخيار مع علمه بالخيار يستكشف منه الإجازة

و يؤيّد ذلك قوله ع إن سكوتهم إقرار منهم أي إثبات للنّكاح و اختيار له فتأمل و أمّا الخبران فأوّلا لا يدلان إلّا على اعتبار الرّضا لا على كفايته مطلقا كما في قوله لا يحلّ و ثانيا يمكن حملهما على الرّضا بمعنى الاختيار و بالجملة العناوين المتعلّقة بها الوضع سواء كانت عقدا أم إيقاعا لا بدّ لها من كاشف قوليّ أو فعليّ و لذا لا نلتزم بتأثير الشّروط البنائيّة نعم في العقود الإذنيّة يكفي الرّضا الباطني و لكنّها في الحقيقة ليست عقدا و على هذا لا فرق بين تعلّق الحقّ المالكي بعقد الفضولي أو حقّا آخر ماليا كان كما في الرّهن و التّفليس و نحو ذلك أو ولاية سواء كانت جهة الولاية راجعة إلى المال كعقد العبد لنفسه أو لغيره أم لم تكن إلّا صرف السّلطنة على العقد كحق العمّة و الخالة

فتفصيل المصنف بين عقد العبد و غيره لا وجه له فإن معصيته ليست راجعة إلى التّكليف حتى تخرج عنها بمجرّد رضا المالك باطنا و إلّا لم يكن وجه للتّفصيل بين معصية اللّٰه و معصية السيّد لأنّ معصية السيّد معصية اللّٰه بل المعصية هنا بمعنى المخالفة الوضعيّة حيث إنّه تصرّف في سلطان المولى و الخروج عن المخالفة الوضعيّة يتوقف على كاشف قوليّ أو فعليّ

و بالجملة هذه المراتب الثلاث و هي بيع مال الغير و بيع الرّاهن و نحوه و نكاح العبد و نحوه كلّها متوقّفة على إذن ذي الحقّ أو إجازته و التّفصيل بينها لا وجه له و ذلك لأنّه ثبت من الأدلّة الخارجيّة عدم استقلال العبد و الرّاهن و الباكرة و كلّ من كان من قبيل هذه الطّوائف الثّلاث في عقودهم و لا يخرجون عن الاستقلال بمجرّد رضاء ذي الحقّ فإنّ به لا يسند العقد إليه و عدّ سكوته في بعض المقامات إجازة فهو من باب أن من لا يميل إلى شي ء لا يقدر على إمساك نفسه طبعا فلو سكت في محلّ الإمضاء و الردّ فسكوته كاشف عرفي عنها و لذا عبّر في الأخبار عن الإمضاء بالسّكوت الّذي هو نظير الأمر الوجودي لا بمثل عدم الرّدع و نحوه و الظّاهر أنّ المسألة لا تحتاج إلى أزيد من ذلك فإنّ بالمراجعة إلى نظائرها يظهر صدق ما ادّعيناه فراجع باب الفسخ و الردّ و الرّجوع

قوله قدّس سرّه بعد اتّفاقهم على بطلان إيقاعه إلى آخره

لا يخفى أنّه لم يتحقّق الإجماع على بطلانه في جميع الإيقاعات نعم الظاهر تحقّقه في العتق و الطّلاق و مع ذلك يمكن أن يكون مدرك المجمعين هو قوله ع لا عتق إلّا في ملك و قوله ع الطّلاق بيد من أخذ بالسّاق و كيف كان بناء على ما سيجي ء من أنّ الفضولي في البيع على مقتضى القاعدة فيلحق به سائر العقود و جميع الإيقاعات إلّا ما خرج كما في الرّجوع إلى الزوجيّة بالفعل فإنّه لا يقبل الفضولي

و بالجملة يجري الفضوليّ في جميع الإيقاعات بمقتضى القاعدة الأوّليّة نعم لا يجري في جملة منها لمانع آخر سنشير إليه في العنوان الآتي

[المسألة الأولى أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك]
اشارة

قوله قدّس سرّه فهنا مسائل ثلاث الأولى أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك إلى آخره

محلّ الاتّفاق من القائلين بصحّة الفضولي في مقابل البطلان هذه الصّورة و أمّا إذا باع للمالك مع سبق المنع منه و ما إذا باع لنفسه كالغاصب فهو محلّ الخلاف حتى بين القائلين

ص: 212

بصحته فالأولى تنقيح أن مقتضى القاعدة هل صحّته في جميع الصّور أو بطلانه كذلك أو التّفصيل و على أيّ حال الإيقاعات ملحقة بالعقود

و ينبغي أوّلا تمهيد مقدّمة و هي أنّ الأفعال المترتّبة عليها الآثار و المصادر الصّادرة من الأشخاص على قسمين قسم يتحقّق اسم المصدر فيه بنفس تحقّق المصدر و لا ينفكّ منه إلّا بتخلّل فاء التّرتيب و هو ما كان من سنخ الخارجيّات كالضّرب و الغسل و الكسر فإن نتيجتها حاصلة بنفس حصول الفعل بل لا فرق بين الفعل و الانفعال إلّا اعتبارا

و قسم لا يتحقّق فيه الأثر المرغوب منه بنفس تحقّق الفعل و هو ما كان من قبيل الاعتباريات فإن خارجيّته ليس بإيجاد كلّ موجد و صدوره من كلّ شخص بل لا بدّ من تحقّقه بإيجاد من ينفذ إيجاده و أمّا من لم ينفذ إيجاده فهو و إن كان بنظره لا ينفكّ الوجود عن الإيجاد إلّا أنّه ليس بنظر العقلاء إيجادا فمجرّد إيجاد العلقة المالكيّة بقوله بعتك السماء لا يوجب تحقّقها و في كلّ من القسمين لو لم يعتبر صدور الفعل من مباشر خاصّ يصحّ التّوكيل و الاستنابة فيه كالأمر بالضرب و إيجاد العقد و لكنّه ليس كلّما يقبل النّيابة يقبل الإجازة فإنّ القسم الأوّل مع قبوله النّيابة لا يقبل الفضولي لأنّ الفعل الخارجي الّذي لا ينفكّ أثره عنه لا يتغيّر بالإجازة عما وقع عليه و لا يستند الضرب إلى غير الضّارب بالإجازة منه و لا ينافي ذلك ما ورد من أنّ الراضي بعمل قوم كالدّاخل فيهم فإنّه كالدّاخل حكما لا أنّ الفعل صدر منه بالرّضا اللّاحق

فما ينسب إلى كاشف الغطاء من أن كلّ ما يقبل النّيابة يقبل الفضولي ليس بإطلاقه صحيحا بل لا بدّ أن يقيّد بأنّه كلّما يقبل النّيابة و التبرّع فهو يقبل الفضولي و هو أيضا منتقض بأداء الدين من الغير تبرّعا و أمّا القسم الثاني فحيث إنّ نفس الإنشاء ليس علّة تامّة لتحقّق المنشإ خارجا أي في عالم الاعتبار فبإجازة من له حق الإجازة يتحقّق المنشأ و يستند إلى المجيز و السرّ فيه هو أنّ في الاعتباريات حيث إنّ المنشأ لم يتحقّق بعد فبالإجازة يتحقّق

نعم نفس الإنشاء بما هو لفظ و معنى أيضا غير قابل للإجازة و لكن لا يعتبر في تحقّق المسبّب أن يكون سببه أيضا مستندا إلى من له الحق ثم إنّه كما يعتبر أن يكون ما يقبل الفضولية من الاعتباريات كذلك يعتبر أن لا يكون نفس الإجازة علة تامّة لتحقّق المنشإ و إلّا يخرج عن عنوان الفضولي لأنه لو كان إمضاء ذي الحق و إجازته بنفسه إيجادا للمنشإ سواء كان هناك عقد الفضولي أم لم يكن فلا معنى لعدّه من الفضولي

و بعبارة أخرى يعتبر في صحّة العقد الفضولي بالإجازة أمران أحدهما عدم كون الفعل علّة تامة لتحقّق أثره و ثانيهما عدم كون إجازة المجيز علّة تامّة لتحقّق أثرها بل لا بدّ أن تكون الإجازة راجعة إلى إنفاذ فعل الفضولي بحيث كان عقده أو إيقاعه معدّا و موجبا لقابليّة تحقّق الإجازة كبيع الفضولي أو عتقه أو طلاقه بحيث إنّه لو لم يكن عقده أو إيقاعه كان قوله أجزت لغوا و أمّا لو كان الإجازة بنفسها علّة تامّة فيخرج عن عنوان الفضولي

و بمقتضى الأمر الأوّل يخرج جملة من الإيقاعات عن عنوان الفضولي كالقبض و الإقباض و إعطاء الدين بل إعطاء الخمس و الزكاة لو قيل بجريان التبرّع فيهما و جامعه ما كان تحقّقه بالفعل سواء اعتبر فيه المباشرة أم صحّ بالوكالة أو النّيابة الرّاجعة إلى فعل الموكل أو المنوب عنه ببدنه التّنزيلي و لم يكن له أثر آخر ممكن الترتّب و عدمه لأنّ الفعل لا يتغيّر بالإجازة عمّا هو عليه و مقتضى الأمر الثاني يخرج العقود الإذنيّة كالوكالة

ص: 213

في التصرف و العارية و الوديعة و جملة من الإيقاعات كالفسخ و الإجازة و الإبراء و الجعالة بناء على كونها منها لأن وقوع هذه العقود و الإيقاعات من الفضولي و عدمه على حدّ سواء فإن إجازة هذه بنفسها تكون وكالة و عارية و وديعة و فسخا و إجازة و إبراء و جعلا

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ المصنف قدّس سرّه حيث لم يعتبر في العقد استناده إلى من بيده أمره و إنّما اعتبر الرّضا فقط فقد استدلّ على كون الفضولي مطابقا للقاعدة بالعمومات لأنّ المتيقّن من تخصيصها فقد الإذن و الإجازة معا و لكنّا حيث اعتبرنا الاستناد فينبغي الاستدلال بها لصحّته بتقريب آخر و هو أنّه و إن اعتبر الرّضا و الاستناد معا في صيرورة العقد عقدا لمالك إلّا أنّ المتيقّن من اعتبارهما إنّما هو في ناحية المسببات و أمّا صدور الأسباب ممّن له حقّ الإجازة أو نائبه فلا دليل عليه بل لا إشكال في عدم اعتباره لأنّ في جهة الصدور لا فرق بين المالك أو الوكيل و الفضولي فإنّ كلّا منهم ينشئ المقابلة بين العوضين فيقول بعت هذا بهذا لا أنّ المالك يقول بعت مالي بمال المشتري و الوكيل يقول بعت مال الموكل

و بالجملة فحيث إن جهة الصدور لا تختلف باختلاف المالكيّة و الفضوليّة فلا وجه لاعتبار استناده إلى المالك بل المعتبر استناد خصوص المسبّب و النّتيجة و هذا يحصل بإجازة المالك و لو اعتبر استناد نفس الصّدور من حيث السّبب أيضا إلى المالك فالإجازة لا تغير الفعل عمّا وقع عليه و لكن لم يقم دليل على ذلك و لو شكّ في اعتباره فالمرجع هو الإطلاقات

و حاصل الكلام أنّه ليس الفضولي فاقدا لخصوص الرّضا كما أفاده المصنف قدّس سرّه حتى يجعل صحّة الفضولي بضميمة الرضاء اللّاحق مطابقة للقاعدة بل قد يكون الرّضا حاصلا فالعمدة كونه فاقدا للاستناد مع أنّه لو دلّ الدّليل على اعتبار الإذن فالظّاهر منه الإذن السّابق لأنّه كسائر الشّروط لا بدّ أن يكون مقارنا للعقد و إلّا يصير كلّ شرط قابلا لأن يتأخّر

و بالجملة جهة كونه مطابقا للقاعدة أنّه لا يعتبر الرّضا و الاستناد إلّا في المسبّب و حيث إنّه لم يتحقّق بإيجاد الفضولي بل يتوقّف على إجازة المالك فبإجازته يتحقّق و يستند إليه

[أدلة صحة بيع الفضولي]
[من أدلة صحة الفضولي قضية عروة]

قوله قدّس سرّه و استدلّ عليه بقضيّة عروة البارقي إلى آخره

قد ظهر ممّا ذكرنا في تقريب الاستدلال بالعمومات أن عقد الفضولي صحيح بمقتضى الأدلّة العامّة و القواعد الكليّة فالاستدلال لصحّته بالأدلّة الخاصّة إنّما هو لمزيد إتقان فلو نوقش فيها بما ذكر في كلمات الأصحاب رضوان اللّٰه تعالى عليهم فلا يضرّ بالقول بالصّحة

فمن الأدلّة الخاصّة قضية عروة و الظّاهر أن محلّ الاستدلال بها إنّما هو في بيعه لا في شرائه لأنّه مسبوق بالإذن الفحوى حيث إنّ إذنه صلّى اللّٰه عليه و آله له بشراء شاة بدينار يقتضي إذنه و رضاه بشراء شاتين بهذا المبلغ بطريق أولى ثم إنّ دخول بيعه في الفضولي يتوقّف على عدم كون عروة وكيلا مفوّضا فإنّه لو كان كذلك أو احتمل كونه كذلك بطل الاستدلال بالقضية فالعمدة هذا الإشكال و أمّا المناقشة الّتي ذكرها المصنف من أنّ مع علم عروة برضا النّبي صلّى اللّٰه عليه و آله يخرج بيعه عن الفضولي و إلّا يلزم أن يكون قبضه و إقباضه حراما

ففيه ما عرفت من أنّ الرّضا الباطني لا يخرج البيع عن الفضوليّة و لا تلازم بين كون البيع فضوليا و حرمة التصرّف في الثّمن أو المثمن لأنّ العلم بالرّضا الباطني يفيد جواز التصرف التّكليفي و إن

ص: 214

لم يفد الوضعي ثمّ لا وجه لتأييد الخروج عن الفضوليّة بما ذكره قدّس سرّه من أنّ الظّاهر وقوع معاملة عروة على جهة المعاطاة و المناط فيها هو الرّضا و مجرّد وصول كلّ من العوضين إلى مالك الآخر و ذلك لأنّه لا وجه للظهور مع أنّ الإنشاء القوليّ في كمال السّهولة

ثم إنّه كيف يكفي للملك مجرّد وصول العوضين إلى مالك الآخر مع الرّضا نعم بناء على الإباحة يمكن القول بكفايته و لكن الظّاهر من قوله ص بارك اللّٰه في صفقة يمينك أنّ المعاملة صدرت من عروة قولا أو فعلا لا أنّه كان آلة للإيصال

[من أدلة صحة الفضولي صحيحة محمد بن قيس]

قوله قدّس سرّه و استدلّ له أيضا تبعا للشهيد في الدروس بصحيحة محمّد بن قيس إلى آخره

لا يخفى أنّ الاستدلال بهذه الصّحيحة تارة لحكم الإمام عليه السّلام بصحّة البيع في هذه القضيّة الشخصيّة و أخرى لحكمه ع بأنّ بيع الفضولي لو تعقّبه الإجازة يصحّ فلو كان على الوجه الثّاني فالمناقشة في نفس هذه القضيّة لا توجب المنع عن الاستدلال بها لأنّ الكبرى تستفاد منها على أي تقدير نعم لا بدّ من توجيه نفس القضيّة لئلّا يلزم خروج المورد و لو كان على الوجه الأوّل فلا يصحّ الاستدلال بها لما يرد عليه من الإشكالات و لكنّها ضعيفة إلّا واحد منها و هو ظهور الرّواية في كون الإجازة بعد الردّ

فمنها حكمه ع بأخذ الوليدة قبل سماع دعوى المشتري فلعلّه يدّعي وكالة ابن السيّد و منها عدم استفصاله ع من السيّد في الإجازة و عدمها و حكمه بأخذه الوليدة قبله و منها حكمه ع بأخذ ابنها معها مع أنّه تولّد حرّا لعدم علم أبيه بالحال فكان الوطي شبهة و إلّا لم يكن وجه لقوله ع خذ ابنه الّذي باعك لينفذ البيع فإنّه لو كان الواطئ عالما بأنّ الوليدة كانت لغير البائع لم يكن له وطيها و كان الولد رقّا و منها حكمه ع بأخذ ابن السيّد مع أنّ حبسه لا يجوز و منها تعليمه ع الحيلة مع أنّها ليس من وظيفة الحاكم و منها و هي العمدة ظهور كون الإجازة بعد الردّ لوجوه الأوّل أنّ ظاهر المخاصمة ذلك الثاني إطلاق الحكم بتعيين أخذ الجارية و هو لا يصحّ إلّا بعد ردّ السيّد و إلّا وجب التّفصيل الثالث تشبّث المشتري بالإمام ع للعلاج في فكّ ولده و لو لم يرد السيّد لم يكن وجه له الرّابع ظاهر قول المشتري لا أرسل ابنك حتّى ترسل ابني فإنّ كلامه صريح في أنّ السيّد أخذ ابن الوليدة و ظاهر أنّ أخذه إياه ليس إلّا من جهة ردّه البيع فأخذه إمّا لدعواه رقيّته فيكون ملكا له و إمّا لأخذه قيمته يوم الولادة لكونه من نماء ملكه

و لكنّك خبير بأنّ المناقشات الخمس الأول غير واردة فإنّ القضايا الّتي صدرت من أمير المؤمنين عليه السّلام المنقولة عن الأئمّة الطّاهرين ليست منقولة بخصوصيّاتها الخارجيّة بين المتخاصمين فليس غرض أبي جعفر عليه السّلام عن نقل هذه القضيّة إلّا حكم عليّ عليه السّلام بأنّ البيع على مال الغير قابل للإجازة و ليس ع بصدد أن حكم عليّ عليه السّلام و قطعه الخصومة على أيّ طريق كان فهذه الإشكالات رأسا ساقطة

مع أنّه يرد على الأوّل بأنّ المشتري لعلّه كان معتقدا بأنّ الابن هو المالك و لم يدع الوكالة و على الثّاني بأنّ هذا الإيراد لا يجتمع مع الإيراد بأنّ الصّحيحة ظاهرة في الردّ فإنّها لو كانت كذلك فلا وقع للاستفصال و لو لم تكن كذلك فحكمه ع بأخذ الوليدة إنّما هو من حيث البيع الفضولي مع قطع النّظر عن طروّ الإجازة و لحوقها فإنّ المال في طبعه يقتضي أن يكون بيد مالكه حتى يتبيّن حاله من حيث انتقاله إلى الغير و عدمه و على الثّالث بأنّ

ص: 215

أخذ الولد كان لأخذ قيمته يوم الولادة فلا ينافي كونه حرّا مع جواز أخذه و على الرّابع بأنّه لا مانع من حبس الغاصب لاستيفاء المال الّذي أخذه بلا حقّ و على الخامس بأنّ تعليم هذه الحيل لا مانع عنه خصوصا مع علم الحاكم بأنّ الولد كان في الواقع وكيلا و أنكر الأب ذلك فالعمدة ظهور الرّواية من الوجوه الأربعة بأنّ الإجازة كانت بعد الردّ و لذا التزم بعض المحشّين بأنّه لا وجه لعدم تأثير الإجازة بعد الردّ متمسّكا بهذه الرّواية و لكنّك خبير بأنّه لا يمكن الالتزام بما التزم به فإنه مضافا إلى دعوى الإجماع على عدم تأثيرها بعده أنّ القاعدة تقتضي أيضا ذلك كما سيجي ء توضيحه في محلّه فلا بدّ من توجيه يرفع استهجان تخصيص المورد

فنقول لا إشكال في صراحة الصّحيحة بأنّ بيع مال الغير قابل لأن يصحّ بإجازة مالكه فإنّ قول الباقر عليه السّلام في مقام الحكاية فلما رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع الولد صريح في أنّ للمالك أن يجيز العقد الواقع على ملكه فإذا كانت صريحة في ذلك و قلنا بعدم تأثير الإجازة بعد الردّ فلا بدّ من توجيهها و حملها على معنى ينطبق مع الحكم بصحّة عقد الفضولي الّذي تعقّبه إجازة المالك و هو أنّ مجرّد المخاصمة و كذلك إطلاق الحكم بتعيين أخذ الجارية ليس كاشفا عن الردّ لأنّ مخاصمته كان لاستيفاء حقّه و كذلك الحكم بأخذ الجارية إنّما كان لاستيفاء ثمنها

و بالجملة و إن كان ظاهر الصّحيحة كراهة السيّد البيع إلّا أن مجرّد الكراهة ليس ردا مع أنّ كراهته أيضا غير معلومة لأنّ المردّد بين الردّ و الإجازة أيضا يرفع أمره إلى الحاكم حتى لا يفوت حقّه و يستوفيه إمّا بأخذ ماله أو ثمنه و الحكم بحبس الجارية و الولد أيضا إنّما كان لانكشاف الحال

و أمّا تشبّث المشتري بالإمام ع و قوله لا أرسل ابنك حتّى ترسل ابني فليس ظاهرا في ردّ المالك أصلا لأنّ الولد على أيّ حال لا يملكه المالك فهو كان متشبّثا به لئلّا يحبس ولده على قيمته يوم الولادة أي يتشبث بالإمام عليه السّلام لأنّ يعلّمه طريق عدم ردّ المالك و كيف كان لمّا كان ظاهر نقل أبي جعفر عليه السّلام حكم عليّ عليه السّلام صحّة عقد الفضولي و قابليّة للحوق الإجازة به فالاستدلال به خال عن المناقشة و إن نوقش في نفس هذه القضيّة الشخصيّة من جهات

[من أدلة صحة الفضولي الروايات الواردة في النكاح]

قوله قدّس سرّه و ربما يستدلّ أيضا بفحوى صحّة عقد النّكاح من الفضولي في الحرّ و العبد إلى آخره

يمكن الاستدلال بالرّوايات الواردة في صحّة عقد النّكاح الصّادر من العبد بلا إذن إذا لحقه إجازة المولى بتقريب آخر غير الأولويّة حتّى يورد عليها بأنّها ظنيّة لأن مصالح الأحكام خفيّة و هو أنّ ظاهر قوله ع إنّه لم يعص اللّٰه إنّما عصى سيّده أنّ المناط في البطلان هو عدم تشريع اللّٰه سبحانه المنشأ بالعقد و أمّا إذا كان مشروعا من قبله سبحانه و لكنّه في عقده تصرّف في سلطان الغير فهو منوط بإجازته فإذا أجاز جاز فقوله ع إذا أجاز جاز بمنزلة كبرى كلية و خصوصية كون العاقد عبدا و كون ذي الحقّ سيّدا ملغى قطعا لأنّه عليه السّلام في مقام بيان أن كلّ من تصرّف في متعلّق حقّ الغير فأمر هذا التصرّف راجع إلى ذي الحقّ إن شاء أبطله و إن شاء أجازه و على هذا فلو فرض أنّ نكاح العبد من قبيل بيع الراهن لا من قبيل بيع مال الغير فلا يضرّ بالاستدلال لأنّ المناط في صحّة الفضولي توقف العقد على إجازة الغير سواء كان جهة الوقوف كون المال مال الغير أم كونه متعلّقا لحقّ الغير كتعلّق حقّ الرهانة أو حقّ الغرماء و الدّيان أو حقّ السّادات و الفقراء و نحو ذلك

ص: 216

مع أنّ كون نكاح العبد من قبيل بيع الرّاهن لا وجه له لما عرفت أنّ نكاحه لنفسه من قبيل بيع الفضوليّ مال غيره لأنّه تصرف في ملك المولى لأنّ نفسه ملك لسيّده

نعم نكاحه للغير و ضمانه و نذره و كلّ ما يتعلّق برقبته بعد العتق لا يرجع نتيجته إلى سيّده و على هذا فما عن ابن حمزة قدّس سرّه من أنّ نكاح العبد و كذا نكاح الحرّ لغيره كنكاح الوليّ الشّرعيّ و العرفيّ إنّما يصحّ بالإجازة لخصوصيّة خاصّة في كلّ مورد فالتعدّي من هذه الموارد إلى مطلق نكاح الفضولي فضلا عن سائر عقوده مشكل لا وجه له لأنّ المناط في الاستدلال إذا كان العلّة المنصوصة فيتعدّى منها إلى كلّ مورد توجد فيه العلّة

و بالجملة استفادة حكم غير ما ذكر في النصّ عمّا ذكر فيه على أنحاء منها ما إذا علم عدم الفرق بين ما ذكر فيه و غيره كما إذا سئل عن رجل صلّى بغير وضوء فقيل يعيد و منها ما إذا اشتمل الكلام على عموم يشمل المورد و غيره كما إذا سئل عن رجل شكّ في السّجود بعد ما قام فقيل كلّما شككت في شي ء و دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء و منها ما إذا كان مشتملا على علّة لا يحسن التّعليل بها إلّا إذا كان العلّة بمنزلة الكبرى الكليّة و المورد بمنزلة الصّغرى كما لو قيل لا تشرب الخمر لأنه مسكر و أخبار باب نكاح العبد من هذا القبيل و يمكن أن يكون من قبيل القسم الأوّل بإلغاء خصوصيّة السّيادة

و على أيّ حال لا يبتني الاستدلال على الأولويّة مع أنّ دعوى كونها قطعيّة ليست مجازفة نعم لا يصحّ الاستدلال بالأخبار الواردة في نكاح الحر لغيره كنكاح الأب لابنه و نكاح الوليّ العرفيّ من الأخ و العمّ و الأمّ للأخ و ابن الأخ و الابن إلّا من باب الأولويّة لأنّ في هذه الأخبار ليس عموم و لا تعليل موجب للتعدّي و تقريب الأولويّة أن تمليك بضع الغير إذا لزم بالإجازة كان تمليك ماله أولى لأنّ النّكاح أحرى بشدّة الاهتمام به فإذا صحّ في الأهم ففي غيره يصحّ بطريق أولى

و لكن يشكل التمسّك بها للرّواية الواردة في ردّ العامّة القائلين بالفرق بين بيع الوكيل المعزول الغير العالم بكونه معزولا و نكاحه حيث حكموا بالصّحة في البيع دون النّكاح و هي قوله عليه السّلام ما أجود هذا الحكم و أفسده إنّ النّكاح أحرى و أجدر أن يحتاط فيه و هو فرج و منه يكون الولد الحديث فإنّ ظاهر هذه الرّواية أنّه إذا صحّ بيع الوكيل المعزول فصحّة نكاحه أولى فجعل فيها صحّة البيع أصلا و صحّة النّكاح فرعا له فكيف يمكن العكس في الفضولي و يقال صحّة النّكاح يستلزم صحّة البيع بطريق أولى

و لكنّك خبير بأنّ هذه الرّواية لا ينافي المقام بل يؤكده و ذلك لأنّ من هذه الرّواية تستفاد أهميّة النّكاح و مقتضى كونه أهمّ أن يكون كلّما هو سبب لتحقّق علقة الأهم فلا محالة من أن يكون سببا لغيره فلو صحّ نكاح الفضولي صحّ بيعه أيضا لأنّ التوسعة في أسباب الأهم بمعنى عدم توقّفه على الإذن السّابق تقتضي التوسعة في غيره بالأولويّة و أمّا نفوذه معاملة الوكيل مع كونه معزولا على موكله بحيث يكون مالكا للمعاملة و ينفذ إقراره المتعلّق بها من باب أنّ من ملك شيئا ملك الإقرار به فحيث إنّه حكم مستلزم للضّيق يقتضي أن يكون على عكس ما يكون موسعا أي لو كان ما لا أهميّة فيه موجبا لنفوذه على الموكل بمجرّد توكيله السّابق فنفوذ الأهمّ عليه أولى

هذا مع أنّه يمكن أن يكون الإمام بصدد ردّ العامّة القائلين بالفرق و مقصوده عدم تأثير العزل مطلقا أو كفاية الوكالة السّابقة مطلقا لتأثير عقد الوكيل واقعا فإذا احتمل الصّحة

ص: 217

في البيع فاحتمال الصّحة في الواقع في النّكاح أولى بالرّعاية فلا يمكن التّفكيك بينهما إلّا بالطّلاق فتأمّل

و بالجملة يمكن أن يكون الإمام عليه السّلام بصدد بيان أصل الأهميّة و كون النّكاح أولى بأن يحتاط فيه من دون بيان طريق الاحتياط و معلوم أن مقتضى الاحتياط أن لا يحكم بالصّحة و لا البطلان بل إمّا أن يجدّد العقد أو يطلق و يمكن أن يكون بصدد بيان صحّة النّكاح كما حكموا بصحّة البيع و أولويّة النّكاح عن البيع في هذا الحكم لا ينافي أولويّة البيع عن النّكاح في الصّحة بالإجازة اللّاحقة فإن مسألة الفضولي حيث إنّها في مقام بيان الحكم التّسهيلي و عدم احتياج صحّة العقد إلى الإذن السّابق على العقد فما هو الأهم إذا كان من حيث السبب لا يحتاج إلى الإذن فغير الأهم أولى بعدم الاحتياج و أمّا في باب الوكالة فحيث إنّ نفوذ عقد الوكيل على الموكل ضيق على الموكل فإذا نفذ غير الأهم فنفوذ الأهم أولى

ثم إنّه يمكن الاستدلال بالروايات الواردة في نكاح الأمة المشتراة من الغنائم فإن قوله ع فقد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب و لتطيب مواليدهم إلى آخره يدلّ إمّا على إجازة النّكاح أو على إجازة الشراء فإنّ هذه الهبة من علي عليه السّلام بعد قوله فيستولي على خمسي من السّبي و الغنائم و يبيعونه فلا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه يدلّ على أنّ الإجازة اللّاحقة تؤثر

و في بعض هذه الرّوايات ما يدلّ على استرضاء بعضهم من تحليل الفروج من الصّادق عليه السّلام فقال ع هذا لشيعتنا حلال

[من أدلة صحة الفضولي روايات كثيرة وردت في مقامات خاصّة]

قوله قدّس سرّه ثم إنّه ربما يؤيّد صحّة الفضولي بل يستدلّ عليها بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصّة إلى آخره

لا يخفى أنّ هذه الرّوايات الّتي استدلّ المصنف قدّس سرّه بها أو جعلها مؤيّدة لا تدلّ على المطلوب و لا مؤيّدة له أمّا أخبار باب المضاربة فهي على قسمين

قسم تعلّق النّهي فيه بسفر العامل دون أصل المعاملة كخبر أبي بصير عن الصّادق ع في الرّجل يعطي مالا مضاربة و ينهاه أن يخرج به إلى أرض أخرى فعصاه قال ع هو ضامن له و الرّبح بينهما إذا خالف شرطه و عصاه و نحوه غيره ممّا يدلّ على أنّه لو هلك المال فهو له ضامن و إن خسر فيه فالوضيعة عليه و إن ربح فالرّبح بينهما و قسم تعلّق النّهي فيه بنفس المعاملة كخبر أبي الصّلاح عن أبي عبد اللّٰه ع في الرّجل يعمل بالمال مضاربة قال ع له الرّبح و ليس له من الوضيعة شي ء إلّا أن يخالف عن شي ء ممّا أمر به صاحب المال و في معناه روايات أخر كصحيح الحلبي و غيره ممّا هو مذكور في المتن

أمّا القسم الأوّل فمرجع النّهي فيه إلى النّهي عن المعاملة الّتي فيها خسران و أمّا المعاملة التي فيها ربح فغير منهيّ عنها و ذلك لأنّ النّهي عن السّفر ليس لكراهة نفس السّفر و لا لكراهة المعاملة الّتي فيها نفع بل إنّما هو لأنّ السّفر مظنّة لهلاك المال أو نقص وصفه أو قيمته فأصل المضاربة باقية فتدخل المعاملة الّتي فيها ربح في عمومها و إنّما تخرج المعاملة الّتي فيها وضيعة

و أمّا القسم الثّاني فاشتراكهما في الرّبح ليس للإجازة اللّاحقة بل لصحّة المضاربة بنحو الترتّب و ذلك لأنه معلوم أنّ غرض المالك ليس إلّا الاسترباح فينهى عن معاملة خاصّة لما يراها بلا منفعة فكأنّه قال لا تبع هذا إلّا أن تراه ذا ربح فيخرج المعاملة عن عقد المضاربة في صورة الخسران دون صورة النّفع و القرينة لهذا التّفصيل هو العرف و العادة من أنّ المقصود الأصلي هو الاسترباح ثم إنّ كون الوضيعة عليه مع أن في صورة البطلان لا وضيعة

ص: 218

محمول على ما إذا لم يمكن استرداد المبيع فيتحقّق الخسران و يمكن هذا الحمل في باب التّجارة في مال اليتيم أيضا و سيجي ء ذلك

و على أيّ حال كون المقام من الفضولي بعيد غايته و أمّا الأخبار الواردة في الاتّجار بمال اليتيم فيمكن تخصيصها بما إذا كان المتّجر وليّا فيخرج عن موضوع البحث و وجه ضمانه للمال مع كونه وليّا اعتبار صحّة تصرّفه بما إذا كان مليّا فإنّ الوليّ الغير المليّ حكمه حكم غير الولي في حرمة تصرّفه في مال اليتيم و يستفاد هذا التّفصيل من نفس الأخبار قال ع إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الرّبح و أنت ضامن و إن كان لا مال لك و عملت به فالرّبح للغلام و أنت ضامن و عنه ع في سؤال زرارة في رجل عنده مال اليتيم فقال ع إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمسّ ماله و إن هو اتّجر به فالرّبح لليتيم و هو ضامن

و لو أخذ بإطلاق الرّوايات لا سيّما في مثل خبر سعيد سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول ليس في مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به فإن اتّجر به ففيه الزكاة و الرّبح لليتيم و إن وضع فعلى الّذي يتّجر ففيه أوّلا أنّه ليس في هذه الأخبار دلالة على كون هذا العقد ممّا لحقه الإجازة بل و لا تعرّض فيها لما إذا كان لليتيم وليّ و حمله على إجازة الولي فيما كان له وليّ و إجازة حاكم الشرع فيما لم يكن له وليّ في كمال البعد و ثانيا الجمع بين كون الرّبح لليتيم و الوضيعة على التّاجر لا يتصوّر في بيع الفضولي لأنّ الوليّ لو أمضى هذه المعاملة فالوضيعة على اليتيم و لو ردّها فلا وضيعة حتى تكون على التّاجر فلا بدّ من حمل هذه الأخبار على تجارة الوليّ فيما لم يكن مليّا فإنّ الرّبح لليتيم و يضمن المال و عليه النّقص

و أبعد من ذلك إدخالها في مسألة الفضوليّ بالإجازة الإلهيّة بل لا معنى لذلك أصلا فإنّ المتّجر لو كان مأذونا من قبل اللّٰه سبحانه فليس عقده فضوليا و إن لم يكن مأذونا فلا يلحقه الإجازة قطعا

و أمّا رواية ابن أشيم الّتي رواها عن أبي جعفر ع قال له عبد لقوم مأذون له في التّجارة دفع إليه رجل ألف درهم فقال اشتر بها نسمة و أعتقها عنّي و حجّ عنّي بالباقي ثم مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشترى أباه و أعتقه عن الميّت و دفع إليه الباقي ليحجّ عن الميّت فحجّ عنه و بلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميّت جميعا فاختصموا جميعا في الألف فقال موالي العبد المعتق إنّما اشتريت أباك بمالنا و قال الورثة إنّما اشتريت أباك بمالنا و قال موالي العبد إنّما اشتريت أباك بمالنا فقال أبو جعفر ع أمّا الحجّة فقد مضت بما فيها لا ترد و أمّا المعتق فهو ردّ في الرق لموالي أبيه و أيّ الفريقين بعد أقاموا البيّنة على أنّه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقّا إلى آخره

فمضافا إلى ضعف سندها كما قيل و إن سبق على ابن أثيم ابن محبوب و مضافا إلى مخالفتها للقواعد و هي حجّية عمل العبد المأذون الظاهر في أنّه اشترى أباه بأمر الدافع دلالتها على الفضولي بأحد التّقريبين الأوّل أن يكون فضوليا بالنّسبة إلى ورثة الدافع حيث إنه مات الدافع فبطل وكالة العبد المأذون فاشتراؤه بلا إذن من الورثة أو بالنسبة إلى مولى المأذون بناء على عدم شمول إذنه له في التّجارة لشراء العبد أو بالنّسبة إلى مولى الأب لعدم كونه مأذونا أن يشتري عبده بماله بل لا يصحّ فاختصموا لأنّ كلّ واحد منهم ادّعى أنّه اشترى بماله له و الثّاني أن يكون ادعاء كلّ واحد منهم من حيث إنّه اشترى العبد بماله لغيره فيكون كشراء الغاصب بمال الغير لنفسه و لا يخفى أنّ كلّا من التقريبين خلاف الظّاهر أمّا دعوى مولى العبد المعتق فناظرة إلى إبطال الشراء

ص: 219

لدعواه بأنّ العبد المأذون اشترى عبده من ماله فيكون العقد باطلا بل لو ادّعى أنّه اشترى بماله لغيره يكون العقد باطلا أيضا لأنّه لا يمكن أن يتملّك عبد نفسه بإجازته الشّراء

و المراد من الاختصام في الألف أن مولى الأب و مولى العبد المأذون كانا ينكران الشّراء بالألف و ورثة الدافع كانوا يدعون بأنّه اشتراه منه و أمّا دعوى الورثة و مولى المأذون فلا تدلّ على أنّه اشترى بمالهم لهم أو لغيرهم بلا إذن منهم حتى تكون مطالبة المبيع من باب إجازة بيع الفضولي بل ظاهر الاختصام و دعوى كلّ منهم أنّه اشترى بماله أنّه كان لكلّ منهم أموالا عند العبد المأذون و كان هو مأذونا في التّجارة لكلّ منهم حتى لورثة الدافع و كان يدّعي كلّ منهم أنّ العبد له لأنّه اشتراه بماله و ليس ظاهرا في الإجازة و لا وجه لحمله على الفضولي

ثم إنّ الظاهر من الرّواية أنّ الدّافع دفع الألف بعنوان الوصيّة فورثته يدعون الشّراء بالألف ليكون ولاء العتق لهم و يؤيّد ذلك قوله ع أمّا الحجّة فقد مضت بما فيها لا تردّ فالورثة لا ينكرون الوصيّة حتى يكون شراء العبد المأذون أباه فضوليا و لا ينافي ذلك قوله ع و أيّ الفريقين بعد أقاموا البيّنة على أنّه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقّا لإمكان حمله على لحاظ حال الانقضاء لا التلبس

و كيف كان فظهور الرّواية في مسألة الفضولي ممنوع فضلا عن الصّراحة نعم قابل للحمل عليه فتدبّر و على أيّ حال ما يقال من مخالفتها للقواعد من الوجوه الستّة الأوّل منها اشتمالها على صحّة تصرّف المأذون بالتّجارة في غير ما أذن له الثّاني صحّة استيجار أبيه للحجّ مع ظهور الأمر في أن يحجّ عنه بنفسه الثّالث صحّة حجّ العبد بلا إذن من مولاه الرّابع تقديم قول مولى الأب من باب الاستصحاب على قول الآخرين مع أنّ أصالة الصّحة حاكمة عليه الخامس عدم تقديم قول مولى المأذون مع كونه ذي اليد السّادس عود العبد رقّا لمولاه مع اعترافه بالبيع و إن ادّعى فساده ففيه ما لا يخفى

أمّا الأوّل فلأنّه لم يعلم أنّ العبد تصرّف في غير ما أذن له نعم بناء على أن يكون دعوى كلّ واحد من الخصماء هو اشتراء العبد بماله لغيره و ثبوت هذا المعنى واقعا يكون تصرّف العبد في غير ما أذن له و هذا فرض في فرض و أمّا الثّاني فأمر الدافع إن كان وصيّة فظهورها في كون نفس الوصيّ نائبا عنه في الحجّ ممنوع و لو كان استيجار أو استنابة للحجّ النّدبي فكونه بالمباشرة لا وجه له أيضا و كون الأصل في التّكليف الإلهي اعتبار المباشرة لا ربط له بالمقام و أمّا الثالث فهو متفرّع على الثّاني مع أنّه لو كان نفس العبد المأذون مأمورا بالحجّ فظهور الرّواية في كونه مأمورا بأن يحجّ بلا إذن ممنوع

و أمّا الرابع فهي و إن كانت مخالفة للقاعدة لأنّ الظّاهر من القضية أنّ هذا العبد كان عنده المال من جميع الخصماء و كان مأذونا في التّجارة لمولاه و لمولى أبيه و مأذونا في اشتراء العبد و عتقه و إعطاء بقيّة الألف للحجّ من قبل الدّافع فإقراره ماض على كلّ واحد لأنّ من ملك شيئا ملك الإقرار به و الظّاهر من عمله الخارجي أنه كان مقرّا بأنّه اشترى العبد من دراهم الدافع فحجّية عمله أو إقراره يقتضي نفوذه على مولى الأب فعود العبد رقا على خلاف القاعدة إلّا أن كونه مخالفا لأصالة الصّحة غير معلوم لا من باب أنّ أصالة الصّحة في طرف كلّ واحد من المدّعيين للصّحة معارضة بأصالة الصّحة في الطّرف الآخر و يرجع إلى أصالة عدم الانتقال من مولى الأب بل لأن أصالة الصّحة تجري فيما إذا كان الشكّ راجعا إلى شرائط العقد و في المقام

ص: 220

قابليّة هذا الشراء من حيث العوض غير معلومة لاحتمال شرائه عبد شخص بمال هذا الشخص

و أمّا الخامس فكون مولى المأذون ذا يد على عبده غير ملازم لأن يكون ذا يد على الألف الّذي اختصموا فيه مع أنّ المأذون في التّجارة عمله مطابق لدعوى ورثة الدّافع و أمّا السّادس فكونه حرّا غير ثابت إلّا من باب عمل العبد المأذون و من هذه الجهة عوده رقا إلى مولاه مخالف للقاعدة و أمّا من غير هذه الجهة فلم يعلم كونه حرّا حتى يمتنع عوده رقّا

و كيف كان كون هذه الرّواية مطابقة للقاعدة أو غير مطابقة ظهورها في المدّعى ممنوع و مجرّد الإشعار أو الاحتمال لا يفيد و أمّا صحيحة الحلبي عن الرّجل يشتري ثوبا و لم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ثمّ ردّه على صاحبه فأبى أن يقبله إلّا بوضيعة قال لا يصلح له أن يأخذ بوضيعة فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ردّ على صاحبه الأوّل ما زاد فدلالته على الفضولي موقوفة على أن يكون الثّوب ملكا للمشتري و لم يكن البائع مأذونا في البيع و أمّا إذا كان مأذونا في البيع كما هو الظّاهر لجهل كلّ منهما ببطلان الإقالة فيتخيّل المشتري أنّ الثوب ملك للبائع فيأذن له أن يبيع لنفسه و يردّ عليه ثمنه فباعه البائع بتخيّل أنّه ملكه فيكون عكس من باع مال أبيه بظنّ حياته فبان موته فاحتياج هذا البيع إلى الإجازة و كونه من الفضولي محلّ كلام

و يحتمل أن يكون البائع اشتراه من المشتري ثانيا فيكون ردّ الزائد استحبابيا و يشهد لهذا قوله ع صاحبه الأوّل فإنّ التّعبير بصاحبه الأوّل لا يناسب مع كون الثّوب ملكا للمشتري فعلا و أمّا موثقة عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه ع عن السّمسار يشتري بالأجر فيدفع إليه الورق فيشترط عليه أنّك تأتي بما تشتري فما شئت أخذته و ما شئت تركته فذهب ليشتري المتاع فيقول خذ ما رضيت و دع ما كرهت قال لا بأس فالظّاهر منها هو الاحتمال الثّاني المذكور في المتن و هو أن يشتري لصاحب الورق بإذنه مع جعل الخيار له على بائع الأمتعة نعم التّعبير بالفسخ كان أنسب من التّرك و لكن مجرّد هذا لا يجعل الرّواية ظاهرة في الفضولي

ثم إنّ هاهنا أخبارا آخر لم يذكرها المصنف مع أنّها أظهر في الدّلالة على صحّة الفضولي مما ذكره و حيث أثبتنا صحّتها بمقتضى القواعد العامّة فلا يهمّنا ذكرها و بيان دلالتها

[و احتجّ للبطلان الأدلّة الأربعة]
[أمّا الكتاب]

قوله قدّس سرّه و احتجّ للبطلان الأدلّة الأربعة أمّا الكتاب فقوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ إلى آخره

تقريب الاستدلال بالآية المباركة من وجهين الأوّل مفهوم الحصر على ما بيّناه سابقا فإنّ مفاد المستثنى و المستثنى منه هو أن لا تأكلوا أموالكم بينكم بوجه من الوجوه فإنّه من الباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض فتدلّ على بطلان عقد الفضولي لأنّه ليس تجارة عن تراض

و الثّاني سياق التحديد فإنّ كلّ وصف ورد في مقام التحديد يدلّ على اختصاص الحكم بمورد الوصف و إن قلنا بأنّ الوصف لا مفهوم له فإنّ ذاك النّزاع إنّما هو في غير مورد التّحديد و أمّا في مقام التحديد فحيث إنّه يعتبر في الحدّ أن يكون جامعا و مانعا يدلّ على الحصر في مورد الوصف فمفاد الآية الشّريفة هو أنّ التّجارة لا عن تراض من أقسام الباطل و لا يخفى أن كلا من الوجهين لا يفيد المستدلّ لأنّ التجارة هي المسبب و اعتبار مقارنة الرّضا معه لا إشكال فيه و أمّا العقد فلا يطلق عليه التّجارة حتى يعتبر صدوره عن رضى المالك و هذا لا ينافي اللّزوم من طرف الأصيل مع عدم تحقّق المسبّب كما سيأتي لأن وجوب الوفاء عليه من جهة التزامه العقدي و التزامه تحقّق و إن لم تتحقّق الملكيّة لتوقّفها على رضاء الطّرف

ص: 221

الآخر بل لو لم يتمّ العقد أيضا كالإيجاب قبل القبول يمكن أن يقال ليس للموجب الفسخ قبل تحقّق القبول لأن مقتضى مقابلة الجمع بالجمع في أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هو التوزيع فكل مكلف ملزم بالالتزام الّذي التزم لطرفه و إن لم يلتزم الطّرف بعد و لذا نلتزم بوجوب التزام كلّ منهما بما التزم في باب الصرف و السّلم قبل القبض و إن توقّف الملكيّة على القبض

و بالجملة وجوب الالتزام على الأصيل من أثر العقد المتحقّق بينه و بين الفضولي لا من أثر تحقّق التّجارة الّتي هي المسبب فتوقّف التّجارة على رضا المالك لا يلازم بطلان الفضولي و لا وجه لإنكار الحصر و لا لدعوى أنّ القيد وارد مورد الغالب و لا لإنكار القيد و جعل قوله عزّ من قائل عن تراض خبرا بعد خبر لتكون بأن يكون مفاد الآية لا تأكلوا أموالكم إلّا بنحو التّجارة و إلّا بنحو الإباحة من المالك و رضاه بالتّصرف لأنّ مع التقييد و الحصر أيضا لا يدل على بطلان الفضولي

[و أمّا السّنة]

قوله قدّس سرّه و أمّا السّنة فهي أخبار منها النبويّ المستفيض و هو قوله ص لحكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك إلى آخره

لا يخفى أنّ هذه الرّواية مرويّة عن طرقنا و عن طرق العامّة فإنّ في مسند أحمد بن حنبل ذكر قضايا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله عن عبادة الصّامت الّذي هو من أجلّاء الصّحابة و من أقضيته ص قوله لحكيم بن حزام الّذي كان دلالا لا تبع ما ليس عندك و يقرب منها قوله ص لا بيع إلّا فيما يملك بناء على أن يكون مفاده لا بيع فيما لا يملكه البائع و أمّا بناء على أن يكون يملك مبنيا للمفعول فلا ربط له بما نحن فيه و هكذا التّوقيع المبارك لا يجوز بيع ما ليس يملك و لكن جميع ما ورد بهذا المضمون ظاهر في النّهي عن بيع العين الشخصيّة الّتي للغير من المشتري ثم مضى البائع لأن يشتري من صاحبها و يسلّمها إلى المشتري لأنّ بيع الكلّي سلفا أو حالا جائز باتّفاق الفريقين مع أنّ المبيع ليس عنده فهذا النّهي يدلّ على اعتبار المالكيّة في ناحية المسبّب و أنّ المشتري لا يملك ما باعه الدلّال من مال غيره و غير ناظر إلى النّهي عن إجراء العقد فلا دلالة فيه على أنّ الملكيّة لا تحصل للمشتري بإجازة مالكه بعد إنشاء البيع من حكيم بن حزام و غيره

و أمّا رواية الحميري فدلالتها على صحّة الفضوليّ أظهر من دلالتها على فساده فإنّ مقابلة الرّضا بالأمر في قوله أرواحنا له الفداء أنّ الضّيعة لا يجوز ابتياعها إلّا عن مالكها أو بأمره أو رضاء منه ظاهرة في كفاية الإجازة اللّاحقة فإنّ الرّضا المقابل للشراء عن المالك أو بأمره هو الرضاء اللّاحق الّذي هو عبارة عن الإجازة لا الرّضا المقارن فإنّه متحقّق حين الأمر

فحاصل التّوقيع أنّ الضّياع لا يجوز ابتياعها إلّا بمباشرة المالك أو بوكالة منه أو بإجازته بعد ذلك و أمّا صحيح محمّد بن مسلم فلا يدلّ إلّا على أنّ في مورد نزاع أهل النيل الّتي هي بلدة بالفرات و أهل الأستان الّتي هي بلدة ببغداد لا بدّ من إحراز مالك الأرض و أنّ المعاملة لا تصحّ إلّا إذا اشتريت الأرض من أهلها و ليس في مقام أنّ إجازة المالك لا تنفع أو أنّ الصّيغة لا بدّ أن تكون مقرونة برضا المالك و أمّا صحيح محمد بن قاسم فهو على صحّة الفضولي أدلّ فإنّ الإمام ع قال قل يمنعها أشدّ المنع أي لا يقبضها الثّمن و لم يقل بأنّ البيع لا يصحّ

ثم لا يخفى أنّه لو سلم دلالتها فلا يمكن تخصيصها بالأدلّة الدالّة على صحّة الفضولي لأنّ تعارضهما ليس بالعموم و الخصوص المطلق بتقريب أن مفاد الأدلّة المانعة هو أن بيع مال الغير لا يجوز سواء قصد لنفسه أم للمالك و سواء أجاز أم لم يجز و مفاد الأدلّة المجوّزة

ص: 222

صحّة البيع للمالك إذا أجاز لأنه لم يكن البيع لنفسه أو للمالك بلا إجازته محلّا لتوهّم الصّحة حتّى يرد المنع بنحو العموم بل التّعارض بينهما بالتّباين فإنّه لو سلم إطلاق هذه الروايات و شمولها لما إذا قصد الفضولي البيع للمالك أو لنفسه مع المنع و عدمه فلا إشكال في شمول الرّوايات الدالّة على الصّحة لجميع الأقسام

و بتقريب آخر لو سلّم دلالة أدلّة المانعين فتسليمها عبارة عن الاعتراف باعتبار الرّضا في ناحية الأسباب لأنّه لا معنى لأن يرد هذه الأدلّة في مقام بيان اعتبار الرّضا في المسبّبات فإنّ اعتباره فيها لم يكن موردا للتوهّم فإذا دلّت أدلّة المجوّزين على عدم اعتبار الرّضا إلّا في ناحية المسبّبات فبالالتزام تدلّ على عدم اعتباره في ناحية الأسباب فيتعارضان على نحو التباين

[الثّالث الإجماع]

قوله قدّس سرّه الثّالث الإجماع إلى آخره

لا يخفى أنّ دعوى الإجماع مع مخالفة نفس المدّعي أو مخالفة من في عصره أو من كان قبله لا تستقيم إلّا أن يكون المراد منه الإجماع على القاعدة الكليّة مع حدس المدّعي أوّلا من أن المورد من صغرياتها و مخالفة نفسه ثانيا أو غيره في هذا الحدس أو سائر المحامل الّتي ذكرها المصنف في فرائده فمثل هذه الإجماعات لا اعتبار بها

[الرابع ما دلّ من العقل و النّقل على عدم جواز التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه]

قوله قدّس سرّه الرابع ما دلّ من العقل و النّقل على عدم جواز التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه إلى آخره

و لا يخفى أنّه قدّس سرّه أورد عليه أوّلا بأن مجرّد إنشاء العاقد متوقّعا لإجازة المالك ليس تصرّفا

و توضيح ذلك هو أنّ التصرّف في الأموال مختلف عرفا باختلاف الأثر المرغوب منها فمثل الاستظلال تحت خيمة الغير يعدّ تصرّفا فيها بخلاف الاستظلال بحائطه لأنّ الفائدة المعتدة بها من الفسطاط ليست إلّا الاستظلال بخلاف فائدة الحائط و إنشاء البيع ليس تصرّفا في المبيع سواء كان بلا إذن كالفضولي أو معه كالوكيل في إجراء الصّيغة بل التصرّف فيه عبارة عن إيجاد ما هو من شئون المالك إيجاده كتصرف نفس المالك بالبيع أو بيع الوكيل المفوّض أو بيع الغاصب فإنّه تصرّف في المغصوب و بيع المقامر فيما أخذه بالقمار فإنّ الغاصب و المقامر يوجدان البيع حقيقة من قبل أنفسهما و لا يفرقان بين ما ملكاه بالإرث و الغصب أو القمار فهما متصرّفان في المبيع كتصرّف المالك و الوكيل المفوض و هذا بخلاف الفضولي فإنه و إن كان قاصدا للبيع أي ليس غالطا و هازلا إلّا أنّه يرى نفسه نائبا من المالك و هو متوقّع لإجازته لا بمعنى أنه يعلّق بيعه على إجازته بل بمعنى أنّه يوجد مادّة البيع القابلة للاستناد إلى المالك بإجازته

و أورد عليه ثانيا بأنّه لو قيل بأنّ هذا تصرّف فليس كل تصرّف حراما بل هو من قبيل الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير و ناره ممّا استقلّ العقل بجوازه و لكن لا يخفى أن هذين لا يعدّان تصرّفا بل انتفاعا و إلا لو كان تصرّفا كالاستظلال تحت خيمة الغير فاستقلال العقل بجوازه ممنوع

و أورد عليه ثالثا بأنّه قد يفرض المسألة فيما إذا علم الإذن فيه بشاهد حال أو قرينة مقال بناء على أنّ ذلك لا يخرجه عن الفضولي و فيه أنّ دعوى المستدل بحكم العقل على بطلان الفضولي لا تشمل هذا المورد فيمكن التزامه بالصّحة في هذا المورد و البطلان في سائر الموارد إلّا أن يقال إنّ القائل بالصّحة يكفيه الإيجاب الجزئي في مقابل السلب الكلّي

و أورد عليه رابعا بأنّ التّصرّف على فرض حرمته لا يوجب الفساد و فيه أنّه لا يوجب الحرمة الفساد إذا رجع النّهي إلى السّبب من حيث إنه فعل من أفعال البائع كحرمة البيع وقت النّداء و أمّا إذا تعلّق بالمسبّب كما هو مبنى الإيراد الخامس فلا ينبغي الإشكال في فساده

ص: 223

كبيع المصحف من الكافر على ما بيّناه في الأصول

و إجماله أن ما كان واجبا أو حراما يخرج عن تحت قدرة المكلّف لأن معنى كون الشّي ء مقدورا أن يكون كلا طرفي الفعل و الترك تحت اختياره و التصرّف في المقام لو قيل بحرمته فالحرمة راجعة إلى التّمليك الحاصل من السّبب فالأوجه هو الإيراد الخامس و هو أنّ الفساد من قبل الفضولي لا ينافي الصّحة من قبل المالك بإجازته فإن الفضولي أوجد المادّة القابلة لأن تتصور بصورة المالكيّة بإجازة المالك لأنّ جميع شروط البيع المالكي موجودة فيه سوى الرّضا و الاستناد إليه فإذا تحقّقت الإجازة تحقّقت الشّرائط طرّا لأنّ المفروض أنّ العقد من حيث الإنشاء تامّ و توهّم فساده من حيث عدم قدرة العاقد على التّسليم و فقدان قصده ضعيف فإنّ من اعتبر قدرته عليه و هو المالك قادر و من هو عاجز فلا يعتبر قدرته

و أما فقد القصد فقد ظهر ما فيه في عقد المكره و إجماله أنّ ما هو مناط العقديّة و هو كون العاقد قاصدا للّفظ و المعنى موجود في عقد الفضولي و ما هو مفقود في عقد الفضولي و المكره و هو قصد النّتيجة ليس مناطا في العقديّة حتّى في عقد المالك أيضا فإنّ تحقّق المنشأ في عالم الاعتبار الّذي هو من الأحكام الشرعيّة الإمضائية لا يعتبر قصده من المالك أيضا بل لا يمكن أن تتعلّق إرادته به و إنّما هو من دواعي الإنشاء فلا يمكن إنشاء هذا المعنى من المالك فضلا عن الفضولي الّذي ليس زمام أمره بيده لأنّ ما يمكن إنشاؤه و إيجاده هو العلقة بين المال و الطّرف و أمّا تحقّقه بحيث يكون ممّا تعلّق به الإمضاء الشّرعي فهو من أحكام هذا الإنشاء لا من منشئات المنشئ

و كيف كان فلا يعتبر في صدق العقد سوى قصد اللّفظ و المعنى و هو حاصل من الفضولي كحصوله من الوكيل في إجراء الصّيغة و لا فرق بينه و بين الفضولي إلّا أنّ الاستناد إلى المالك حاصل حين عقد الوكيل و أمّا الفضولي فيحصل بعد عقده و أمّا في سائر الآثار كعدم القدرة على التّسليم و عدم التمكّن من قصد النتيجة حتى بنحو الدّاعي فهما مشتركان

[المسألة الثّانية أن يسبقه منع المالك]

قوله قدّس سرّه المسألة الثّانية أن يسبقه منع المالك إلى آخره

الكلام في هذه المسألة يقع تارة بناء على صحّة الفضولي من حيث القاعدة و أخرى بناء على صحّته للأدلّة الخاصّة أمّا على الأوّل فالأقوى عدم الفرق بين هذه المسألة و المسألة السّابقة لأن منع المالك قبل العقد لا يؤثر إلّا في سلب استناد العقد إليه و هو كان حاصلا و لو لم يكن منع كما في الصورة السّابقة و لا يمكن أن يكون ردّا للعقد الّذي لم يوجد بعد نعم قد يتوهّم أن بقاء الكراهة المستمرّة من زمان المنع إلى بعد العقد و لو آنا ما كاف في ردّ العقد و لكنّه فاسد لأنّ الكراهة الباطنيّة كالرّضى الباطني لا يؤثران في الردّ و الإجازة و لا في الفسخ و الإمضاء و فسخ عقد الوكيل لو كان خياريا بحلف الموكل على نفي الإذن في اشتراء الوكيل لو سلّم فإنّما هو لأماريّة الحلف على الفسخ لا لمجرّد كراهة الموكل باطنا بل لا يبعد أن يكون نفس إنكار الوكالة فسخا كما أن إنكار الطلاق رجوع

و بالجملة مجرّد الكراهة الباطنيّة لا يؤثر في رفع أثر العقد فلا يضرّ المنع السّابق و يؤيّد ذلك صحّة عقد المكره إذا لحقه الإجازة و دعوى كونها للإجماع لا يصغى إليها للمنع عنه صغرى و كبرى فإنّه على فرض تحقّقه مستند المجمعين معلوم و أمّا على الثّاني فشمول الأدلّة الخاصّة لهذه الصورة مشكل أمّا صحيحة محمّد بن قيس فعدم الاستفصال فيها إنّما هو لظهور القضية

ص: 224

في كون ابن مالك الوليدة باع الأمة بلا إذن من أبيه كما هو صريح قول والده حيث قال وليدتي باعها ابني بغير إذني

و احتمال كونه مسبوقا بالنّهي بعيد و إلّا كان الأنسب في مقام المخاصمة أن يقول باعها مع النّهي بل مقتضى الطّبع أن من يقصد السّفر لا ينهى أولاده و أولياءه عن بيع أمواله فعدم استفصال الإمام عليه السّلام لا يدلّ على العموم و أمّا أدلّة النّكاح فقد عرفت أنّ المعصية المذكورة فيها ليست بمعنى مخالفة النّهي بل التّعدي على المولى و التصرّف في سلطانه بلا إذن منه و استيذان عنه و أمّا نهي ربّ المال عن المعاملة الخاصّة أو السّفر إلى جهة خاصّة و نحو ذلك فقد عرفت عدم دلالته على كون معاملة العامل فضوليا لأن نهيه عنه طريقي ناش عن خوف الخسران فلا يشمل صورة ظهور الرّبح

و على هذا فحمل أخبار باب المضاربة على التعبّد كما في المسالك لا وجه له مع أنّ إعمال التعبّد في المعاملات بعيد و على أيّ حال أخبار باب المضاربة ليس دليلا على صحّة الفضولي لو سبقه منع المالك هذا مضافا إلى عدم التعرض فيها لإجازة ربّ المال بعد معاملة العامل و قد ذكرنا أنّ الأخبار الواردة في التّجارة في مال اليتيم أيضا لا تعرّض فيها لإجازة الوليّ و دخولها في باب الفضولي ممنوع فضلا عن أن تكون مؤيّدة للصورة الثّانية لكن الّذي يسهل الخطب أنّ الفضولي صحيح على القاعدة و نهي المالك قبل العقد لا أثر له

[المسألة الثّالثة أن يبيع الفضولي لنفسه]

قوله قدّس سرّه المسألة الثّالثة أن يبيع الفضولي لنفسه إلى آخره

لا يخفى أنّ الاستدلال لهذه الصّورة بالعمومات يتوقّف على أمرين الأوّل عدم مانعيّة قصد الغاصب أو الجاهل البيع لنفسه إمّا بأن يعلم عدم مانعيّته أو يشكّ حتّى يتمسّك بالعموم لرفع الشكّ و إلا فلو علم بمانعيته فلا معنى للتمسك بالعموم

و بالجملة لو لم يكن القصد لنفسه لغوا فلا يفيد إجازة المالك لأنّ إجازة العقد الواقع لغيره لا تؤثر في الاستناد إلى المجيز و على هذا فلا معنى للتمسّك بفحوى الصّحة في النّكاح لصحّة بيع الفضولي لنفسه لأنّ النّكاح الّذي يتعلّق به الإجازة إمّا نكاح العبد لنفسه و إمّا نكاح الفضولي لغيره و كلّ منهما لا يرتبطان بالمقام إلّا بعد لغويّة قصد العقد لنفسه في المقام أمّا نكاح العبد فلأنّ إجازة المولى تتعلّق بما هو المنشأ من العبد و هو العقد لنفس العبد فصحّته لا تلازم صحة البيع الّذي تتعلّق الإجازة به للمالك

و أمّا نكاح الفضولي لغيره فهو داخل في إحدى المسألتين السّابقتين الثّاني إمكان تحقّق قصد المعاوضة الحقيقيّة و هو دخول أحد العوضين في ملك من خرج عن ملكه العوض الآخر و العمدة رفع هذا الإشكال العويص فإنّه لو ارتفع هذا فقصد الغاصب أو الجاهل البيع لنفسه لغو قطعا كما أنّ سائر وجوه المنع مثل التمسّك بقوله لا تبع ما ليس عندك و مثل أنّ بيع الغاصب مقارن دائما لمنع المالك لأنّ الغصب أمارة عدم الرّضا و مثل أنّ المنشأ غير مجاز و المجاز غير منشأ فإنّ المنشأ هو العقد لنفسه و المجاز وقوع التّبديل لغير العاقد فيها ما لا يخفى

أمّا قوله لا تبع ما ليس عندك فقد عرفت أنّه لا يدلّ على عدم وقوعه للمالك إذا أجاز لو لم نقل بأنّه وارد في بيع العين الشخصيّة قبل اشترائه من مالكه و أمّا كون بيع الغاصب مسبوقا بالمنع ففيه أوّلا أنّ محلّ البحث هو الأعمّ من الغاصب و غيره كالجاهل بأنّه ملك الغير فيبيعه لنفسه كما في مورد الإقالة بوضيعة و ثانيا أنّ المنع متوجّه إلى البيع للغاصب لا إلى البيع مطلقا لإمكان تحقّق الرضا من المالك

ص: 225

في أصل البيع و ثالثا أنّ مجرّد الكراهة لا تؤثر شيئا و أمّا كون المنشأ غير المجاز فهذا متفرّع على عدم إمكان تحقّق قصد المعاوضة الحقيقيّة و إلّا فالمنشأ هو المجاز كما سيتّضح إن شاء اللّٰه فالعمدة رفع هذا الإشكال و لكن الحقّ إمكان تحقّق قصد المعاوضة الحقيقيّة من الغاصب فضلا عن الجاهل المعتقد بأنّه ملكه

أمّا إجمالا فلما نرى خارجا من قصد المعاوضة حقيقة من الظّلمة و السّراق بل لا يفرّقان بين ملكهما الموروثي و الملك الّذي بيدهما من غيرهما و أمّا تفصيلا فلأن صدور المعاملة من الغاصب مبني على تجعّل منه في المالكيّة بمعنى أنّه يغصب الإضافة الحاصلة بين المالك و ملكه و يسرقها و كأنه يقطع حبل الملكيّة المتّصلة بين المالك و ملكه و يوصله بنفسه فبعد سرقة الإضافة يرى السّارق نفسه ذا إضافة و ذا جدة اعتباريّة فيبيع ما هو ملك له كسائر أمواله الّتي تحت سلطنته و بهذا الاعتبار يصدر المعاوضة منه حقيقة و يوقع التبديل بين ملكي المالكين

ثم لا يخفى أنّ هذه المقدّمة المطويّة أي رؤية نفسه مالكا لا يضرّ بالمعاملة و ليس من موانع العقد كمانعيّة الفصل بين الإيجاب و القبول و نحو ذلك فإنّ هذا البناء و التّشريع كالبناء في العبادات الغير المضرّ بعباديّتها و توضيح ذلك أنّه لو قصد وصفا مخالفا لما هو وصف المأمور به كما لو قصد الوجوب في مكان الاستحباب أو القضاء في مكان الأداء أو عكس ذلك فتارة يكون جاهلا بالوصف الواقعي و أخرى عالما به و على التقديرين تارة يقيد قصده بهذا الوصف المخالف و أخرى لا يقيده به بل يقصد الأمر الواقعيّ و لكن يطبقه على الّذي يقصده جهلا أو تشريعا فإذا أناط قصده بهذا الوصف المخالف و قيده به بحيث لو لم تكن صلاة اللّيل مثلا واجبة عنده لم يصلّها فهذه الصّلاة باطلة و أمّا لو قصد أمرها الواقعي و أخطأ في التّطبيق كالجاهل أو بنى تشريعا على أنّها واجبة فهذا لا يوجب البطلان

ففي مقامنا لو قصد المعاوضة بين ملك نفسه و ملك غيره بأن باع مال الغير لنفسه من دون بنائه على ملكيّة المبيع أو اعتقاده فهذه المعاوضة فاسدة لأنّه قصد تملّك الثّمن بلا تمليك المثمن من ماله و أخرى يقصد المعاوضة بين ملكي المالكين مع اعتقاده أو بنائه على أنّه مالك فهذا البناء و الاعتقاد يلغى و يصح العقد بالإجازة و المنشأ هو المجاز لأن الإجازة تعلّقت بالتبديل بين ملكي المالكين لا بالقصد المقارن أو الخطاء في التّطبيق

ثم إنّه بعد سرقة الإضافة لا يحتاج حين صدور البيع إلى تنزيل نفسه منزلة المالك حتى يقال لو سلمنا هذا التجعّل و البناء من الغاصب غالبا فلا نسلّمه دائما و لو كان الملاك ذلك لزم في الحكم بصحّته بالإجازة إحراز هذا البناء إلى آخر كلام هذا القائل و ذلك لأنّ التّنزيل المصحّح لبيع الغاصب الّذي جعله المصنف قدّس سرّه ملاكا لو كان هو التنزيل حال العقد لكان لهذا الإيراد وقع و بعبارة أخرى لو كان مالكيّة الغاصب من قبيل الدّاعي و كان غرض المصنف أنّ تخلّف الدّاعي لا يضرّ بحقيقة العقد لكان هذا الإيراد واردا لعدم إحراز هذا الداعي دائما مع أنّه يجب أن يختلف الحكم باختلاف نحوي الإنشاء لأنه قد يكون داعيه صدور المعاملة منه بما أنّه هو المالك و قد يكون داعيه صدورها بما أنّ المالك هو المالك

و أمّا لو كان هو التّنزيل جاز السّرقة بمعنى جعل نفسه عدوانا هو المالك كما هو حال من كان شغله السّرقة و النهب و الغارة فإنّه يبنى على أن إضافة الملكيّة

ص: 226

و الجدة الاعتباريّة منسوبة إليه باعه أو لم يبعه فإذا باع ما هو ملكه بعد سرقة الإضافة فلا يرد هذا الإيراد أصلا

و بالجملة فصدور المعاوضة الحقيقيّة مبني على هذا الجعل و هو المصحّح لقصد البيعيّة فينشئ تبديل طرف إضافة بطرف إضافة أخرى و تتعلّق الإجازة بعين ما أنشأه لأنه لم ينشئ إلّا أصل التبديل كما ينشئ ذلك نفس المالك لا أنّه ينشئ التبديل عن قبل نفسه فعلى هذا لا يرد أيضا الإشكال بأنّ المنشأ غير المجاز و المجاز غير منشأ

ثم إنّه لا فرق بين أن يكون الغاصب بائعا أو مشتريا كانت الصّيغة بعت و اشتريت أو كانت ملكت و تملّكت كان الإيجاب مقدّما على القبول أو مؤخّرا فلا وجه لإشكاله قدّس سرّه فيما لو كان الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير لأنّ كون إنشاء البائع متوجّها بالصّراحة أو الظهور إلى المشتري لا يقدح في الصّحة بعد بناء المشتري على مالكيته للثمن ثمّ قبوله تبديل البائع بين المثمن و الثمن أو إنشائه التبديل بين الثمن و المبيع كما لو قدم القبول فإنّ في جميع الصّور لا إشكال فيه لا من باب أن كاف الخطاب وضع للأعمّ من المالك الحقيقيّ و الجعليّ كما قد يتوهّم في الخطاب المتوجّه إلى الشّخص المردّد بين كونه وكيلا أو أصيلا بل لأنّ الغاصب بعد سرقته الإضافة يكون هو المالك و هو المخاطب بهذا الخطاب كما أنّ الموكل هو المخاطب في معاملة الوكيل بالبدن النّيابي فإذا أنشأ الملكيّة بين الشّيئين و تعلّق الإجازة بهذا الإنشاء صحّ من مالك الشّيئين

و بالجملة لو قصد العاقد إدخال الثمن في ملك من لم يخرج عن ملكه المثمن و بالعكس فهذه المعاملة باطلة و لذا قلنا بالبطلان لو قيل اشتر بمالي لنفسك طعاما إذا لم يقصد من هذا القول تمليك الثمن قبل الشّراء و لا تمليك الطعام بعد الشراء و أمّا لو قصد التبديل بين العوضين كما هو المتعارف فتخيّله أو بناؤه بأنّ واحدا من الثمن و المثمن ملكه مع أنّه ليس كذلك لا يضرّ بالمعاملة

و توهّم أنّه لو قال تملّكت الثوب بهذه الدّراهم فهو من قبيل القسم الأوّل فاسد فإنّه لم يقصد إدخال الثوب في ملكه و إخراج الثمن عن ملك غيره حتّى يكون فاسدا بل بعد بنائه على أنّه مالك للثمن قصد إخراج الثّمن عن ملك من يدخل في ملكه الثّوب فلا فرق بين أن يكون الغاصب بائعا أو مشتريا قدم القبول على الإيجاب أو أخّره كان القبول بلفظ تملكت أو اشتريت

[فيما أفاد المحقق القمي في الإجازة]

قوله قدّس سرّه و أمّا القول بكون الإجازة عقدا مستأنفا فلم يعهد من أحد من العلماء و غيرهم إلى آخره

لا يخفى أنّه بعد ما عرفت من أنّ المنشأ هو المجاز لأنّ المنشأ هو التبديل بين المالين و هو الرّكن في باب العقود المعاوضيّة من دون دخل كون مالك المالين هو العاقدين أو غيرهما فلا إشكال حتّى يدفع بما أجاب به المحقّق القميّ قدّس سرّه مع أنّه لا يسمن و لا يغني فإنّه لو كان مفاد الإجازة تبديل العقد الواقع بين الغاصب و طرفه بالعقد الواقع بين المالك و الطّرف و كانت الإجازة كبيع التّولية لتوقّف صحّته إلى قبول الطّرف و لا يعقل أن تكون الإجازة وحدها إيجابا و قبولا و لو قيل إنّ القبول المقدم من الطّرف ينضمّ إلى الإجازة الّتي هي إيجاب من المجيز كما حكي عن شيخ كاشف الرّموز ففيه أنّ هذا لا يمكن على تقرير المحقّق القميّ من أنّ الإجازة تبديل عقد بعقد لا أنّها إنفاذ للعقد السّابق أو إعادة للإيجاب

و أمّا تنظير المقام بمسألة من باع شيئا ثم ملكه ففيه أنّه لا اشتراك بينهما فإنّ في تلك المسألة الإجازة توافق ما قصده المتعاقدان فإنّ البائع قصد البيع

ص: 227

لنفسه فإذا صار مالكا و أجازه وقع لنفسه و مفروض كلام المحقّق القميّ أنّ في مسألتنا الإجازة تخالف المنشأ و لو قيل إن في تلك المسألة أيضا الإجازة تخالف المنشأ فنقول إنّ هذا منشأ القول بالبطلان فيها فالصواب في الجواب هو ما تقدم من موافقة المجاز للمنشإ

قوله هذا مع أنّه ربما يلتزم صحّة أن يكون الإجازة لعقد الفضولي موجبة لصيرورة العوض ملكا للفضولي إلى آخره

توضيح ذلك هو أنّ المصنف قدّس سرّه بعد ما أجاب عن المحقّق القميّ بمنع مغايرة ما وقع لما أجيز اعترف بها فيما لو كان الغاصب مشتريا لأنّ ظاهر قوله تملّكت منك هذا الثوب بهذه الدّراهم إنشاء تملّكه للمبيع فإجازة هذا المنشأ تقتضي تملّك الفضولي للمثمن

ثم أجاب عنها أولا بأنّ قصد الغاصب التملّك لنفسه إنّما هو لبنائه على أنّه مالك الثمن فالإجازة تتعلّق بالمعاملة الواقعة بين مالك الثمن و المثمن و أجاب عنها ثانيا بما نقله عن كاشف الغطاء و حاصله أن غاية ما يلزم من إشكال مغايرة المجاز للمنشإ أن لا تكون الإجازة موجبة لصحّة العقد للمالك و أمّا بطلان المعاملة رأسا فلا وجه له لأنّها يمكن أن تكون صحيحة بالإجازة على أن يصير المال للغاصب الفضولي و هذا على وجهين الأوّل أن تكون الإجازة متضمّنة للتّمليك الضّمني كتضمّن الإذن في الاشتراء للتّمليك في قوله اشتر بمالي لنفسك طعاما فعلى هذا وقع العقد حقيقة في ملك الغاصب الثّاني أن تكون الإجازة كالإذن في الاشتراء المصحح لوقوع الطّعام في ملك المأذون مع خروج عوضه عن ملك غيره و لا دليل على اشتراط خروج العوض عن ملك من يدخل في ملكه المعوّض فإنّ البيع لا يقتضي إلّا عدم المجانيّة فإنّه مبادلة بمال و أمّا كون أحد المالين لا بدّ أن يكون خارجا عن ملك من يدخل في ملكه المال الآخر فلا دليل عليه

و لا يخفى ما فيهما أمّا في الثّاني فقد عرفت أن العقود المملّكة تختلف أفرادها حقيقة و الهبة غير البيع و حقيقة البيع أن يتبدّل طرف إضافة بطرف إضافة أخرى مع بقاء أصل الإضافة فخروج الثمن عن ملك زيد يقتضي دخول المثمن في ملكه فإذا خرج المثمن من ملكه إلى ملك عمرو فلا معنى لدخول المثمن في ملك بكر و إن هذا إلّا هبة من زيد لعمرو و هبة من عمرو لبكر و البيع و إن كان مبادلة مال بمال إلّا أنّه مبادلة بينهما في طرفي الإضافتين فلا يعقل أن لا يدخل المعوض مكان العوض

و أمّا الأوّل ففيه أوّلا أنّ الحكم في المقيس عليه ممنوع فإنّ الإذن لا يتضمّن التّمليك فإنّه ليس مشرعا و قياسه على مسألة أعتق عبدك عنّي و ألق مالك في البحر و علي ضمانه و نحو ذلك قياس مع الفارق و تقدم صحّة مسألة العتق و فساد اقتضاء الإذن التّمليك في فروع المعاطاة مفصّلا و ثانيا على فرض اقتضاء الإذن التّمليك آنا ما من باب أنّ من أنحاء سلطنة المالك اقتضاءه له إلّا أنّ الإجازة لا تقتضي ذلك للزوم الخلف و المناقضة لأنّ اعتبار إجازة المالك و الاحتياج إليها إنّما هو لو تعلقت بنفس تبديل الملكين للمالك الواقعيّ منهما فاقتضاؤها تمليك الفضولي ممتنع إلّا إذا تعلّقت بالملكيّة البنائيّة من الغاصب و هذان ممّا لا يجتمعان

و بعبارة أخرى لبيع الغاصب اعتباران اعتبار أنّ المبيع ملكه و اعتبار إنشائه التّبديل بين الملكين لمالكهما الواقعي و بالاعتبار الأوّل لا موقع للإجازة لأنّ الشّخص لو باع مال نفسه فبيعه لا يتوقّف على إجازة غيره فما يتوقّف على الإجازة و يصحّ بها هو الاعتبار

ص: 228

الثاني و هو لا يقتضي تمليك الغاصب بل يضادّه لأنّه يقتضي وقوع البيع في ملك المجيز لا العاقد و هذا الإشكال لا يرد في الإذن السّابق بناء على تأثيره لأن بعد تحقّق الإذن يقع التبديل في ملك المأذون

و بالجملة قياس الإجازة على الإذن إنّما يصحّ لو وقع تمليك فضولي من الغاصب لنفسه بأن وهب مال المالك لنفسه فضولا ثم باع الموهوب و تعلّق الإجازة بالهبة و أمّا لو لم يقع من الغاصب إلّا البيع بعد البناء على كونه مالكا عدوانا فإجازة البناء ليس أمرها بيد المالك حتى يصحّ بالإجازة و نفس الإجازة أيضا ليست مشرعة للملك ابتداء من دون أن يقع من الغاصب شي ء تتعلّق الإجازة به بل لو قلنا بأن إجازة البناء أيضا بيد المالك فهذه تقتضي فساد المعاملة لا صحّتها لما تقدم أن وجه بطلان بيع الغاصب لنفسه هو قصده مالكيّة نفسه فإنّ هذا القصد يقتضي عدم إمكان قصد المعاوضة الحقيقيّة فتصحيح بيع الغاصب لنفسه لا يمكن إلّا أن يكون قصد البيع لنفسه من الدّواعي و كان المنشأ هو التبديل بين المالين الّذي هو القابل لأن يصحّ بإجازة مالك المال

و حاصل الكلام أن قياس الإجازة على الإذن لا وجه له في المقام فإنّ الإذن إنّما يؤثر التّمليك الضّمني بسبقه لا بما هو إذن حتى يقال كلّما يؤثر فيه الإذن يؤثر الإجازة فيه ثمّ لا يخفى عدم ورود إشكال التّناقض بين كلامي المصنف قدّس سرّه من قوله لأنّ الإذن في البيع يحتمل أن يوجب الملكيّة آنا ما اقتضاء و قوله لأنّ الإذن في التملّك لا يؤثّر التملّك فكيف إجازته و ذلك للفرق بينهما إذ يمكن أن يكون الإذن في البيع بمنزلة إيجاب التّمليك و وقوع البيع من المأذون بمنزلة القبول عكس الاستدعاء و الإيجاب في أعتق عبدك عنّي و هذا لا يمكن في الإذن في التملّك فإنّه ليس إلّا هو و لم يتحقّق من المأذون فعل آخر يكون أحد ركني العقد

و على هذا فيظهر الفرق بين الإذن و الإجازة أيضا بنحو ما ذكر فإنّ الإجازة أيضا ليست إيجابا متأخّرا إذا فرض عدم وقوع هبة من الغاصب لنفسه فضولا من قبل المالك ثم إنّه كما لا يكون إجازة المالك متضمّنا لتمليك الغاصب فيما لو بنى الغاصب أنّ المغصوب لنفسه ثم أوقع التبديل بين المالين فكذلك لا تؤثر في التّمليك لو لم يتحقّق منه هذا البناء بأن باع مال غيره لنفسه أو اشترى بثمن غيره طعاما لنفسه فإنّه مضافا إلى عدم تحقّق قصد المعاوضة الحقيقيّة لا تفيد الإجازة للتّمليك و لا تصحّح المعاملة

قوله قدّس سرّه ثم إنّ ممّا ذكرنا من أن نسبة ملك العوض حقيقة إنّما هو إلى مالك المعوض لكنه بحسب بناء الطّرفين على مالكيّة الغاصب للعوض يظهر اندفاع إشكال آخر في صحّة البيع لنفسه مختصّ بصورة علم المشتري إلى آخره

لا يخفى أنّ معاملة الأصيل مع علمه بأنّ الطّرف غاصب مستلزم لإشكالين أحدهما نظير الإشكال المتقدم في قصد الغاصب و هو أنّ الأصيل كيف يقصد المعاوضة الحقيقيّة مع علمه بأنّ الطرف غاصب و ثانيهما أنّه مع حكم الأصحاب بأنّ في صورة ردّ المالك لا يجوز للأصيل استرداد الثّمن من الغاصب كيف تؤثر إجازة البيع من المالك مع أنّه بيع بلا ثمن لأنّ الثّمن الّذي دفعه الأصيل إلى الغاصب لو كان عوضا عن المبيع لكان اللازم أن يرد إلى الأصيل بردّ المالك المعاملة الواقعة بينه و بين الغاصب فعدم وجوب رده كاشف عن عدم جعلهما الثّمن بإزاء المبيع

أمّا الإشكال الأوّل فقد ظهر جوابه و أمّا الثاني فوروده يتوقّف على أمور ثلاثة الأوّل ثبوت هذا الحكم من الأصحاب

ص: 229

و لم ينقل إلّا من بعضهم فإنّ المسألة ذات أقوال ثلاثة قول بوجوب ردّ الثمن أو بدله إلى الأصيل لأنّه سلمه إلى الغاصب وفاء للمعاوضة فإذا بطلت من جهة ردّ المالك فيرد عينه إلى الأصيل في صورة بقائه و بدله في صورة تلفه و قول بوجوب رده إليه إذا كان باقيا لا بدله إذا كان تالفا و قول بعدم وجوب ردّه مطلقا و هذا القول شاذ

و على أيّ حال لا يبتني على أساس لأنّه لا يزيد تسليط المالك للغاصب على الهبة المجانية و الهبة عقد جائز للواهب ردّه إذا لم يتصرف المتّهب في العين الموهوبة و لم يكن ذا رحم و الثاني كون تسليطه الغاصب على الثّمن محرزا على كلتا صورتي الإجازة و الردّ و أمّا لو قيل بعدم التّسليط في صورة الإجازة فلا يكون البيع بلا ثمن و الثّالث كون الإجازة ناقلة و أمّا على الكشف فلا يرد الإشكال لأنّ تسليط الأصيل بالدّفع إلى الغاصب تسليط على مال غيره لأنّ الثمن بمجرّد المعاملة يدخل في ملك المالك فالإجازة لا تتعلّق بالبيع بلا ثمن

ثم إنّ ما ذكره في الرّياض من بطلان بيع الفضولي استنادا إلى ما في التذكرة من نسبة القول بعدم الخلاف في البطلان إلى مذهبنا ليس في محلّه لأنّ ما ذكره في التذكرة هو ما إذا باع لنفسه على أن يشتريه من المالك و يسلّمه إلى الأصيل لا ما إذا أجاز المالك على أن يصير البيع له و الفساد في الأوّل كما هو ظاهر قوله ص لا تبع ما ليس عندك لا يلازم الفساد في الثاني

[بقي هنا أمران]
[الأوّل أنّه لا فرق على القول بصحّة بيع الفضولي بين كون مال الغير عينا أو في ذمّة الغير]

قوله قدّس سرّه بقي هنا أمران الأوّل أنّه لا فرق على القول بصحّة بيع الفضولي بين كون مال الغير عينا أو في ذمّة الغير إلى آخره

لا يخفى أنّ لبيع ما في الذمّة صورتين الأولى أن يتعلّق العقد الصّادر من الفضولي على الثّمن أو المثمن الّذي يكون في الذمّة فعلا كأن يشتري عينا من زيد بدين كان لعمرو في ذمّة بكر أو في ذمّة نفسه أو يبيع الحنطة الّتي في ذمّة زيد لعمرو بدراهم موجودة من بكر الثّانية أن يجعل الثّمن أو المثمن دينا في ذمة غيره كما إذا اشترى عينا و جعل ثمنها في ذمّة زيد أو باع منّا من الحنطة سلما في عهدة زيد بدراهم لبكر و حكم الصّورتين حكم ما لو باع العين الخارجيّة بدراهم خارجيّة في أنّه لو أجاز مالك الكلّي أو من جعل الكلي في ذمّته بيع الفضولي يقع للمجيز لعدم الفرق بين العين الشخصيّة و الكليّة

ثم إنّك قد عرفت سابقا أنّ الكلي لا يعدّ مالا إلّا إذا أضيف إلى ذمّة شخص و الإضافة تتحقّق بأحد من الأمور الأربعة الأوّل بأن يقول بعت عشرة أمنان من الحنطة لزيد الثاني بأن يقصد كونها من زيد الثّالث بأن يضيف إلى ذمّة زيد الرابع بأن يقصد بيعها عن ذمّة زيد فإضافة البيع إلى الغير أو قصد البيع له يوجب صرف الكلّي إلى ذمّة ذلك كما أنّ تعيين ذمّته لفظا أو قصد ذمّته يوجب وقوع البيع له و لو لم يقل بأنّه بعت الكلي في ذمّة زيد لزيد فعلى هذا لو أضاف الكلّي إلى ذمّة الغير أو قصد هذا المعنى ثم قصد البيع لنفسه أو تلفّظ به كذلك يقع التنافي بينهما ظاهرا مثلا لو قال اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي أو اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمّة فلان يقع التّنافي كما أنّه لو قصد الشراء لفلان و أضاف إلى ذمة نفسه أو قصد الشراء لنفسه و أضاف إلى ذمّة غيره يقع التنافي بينهما ظاهرا

و هذا لا إشكال فيه إنّما الإشكال في أنّه هل يصحّ المعاملة مطلقا بإلغاء أحد القيدين أو تبطل مطلقا أو يفصل بين الشراء للغير بمال نفسه فيقال بالبطلان مع احتمال الصّحة بإلغاء

ص: 230

أحد القيدين و بين الشّراء للنّفس بمال الغير فيقال بالصّحة بإلغاء أحد القيدين من دون احتمال البطلان لأنّه من قبيل بيع العين الشخصيّة الّتي هي من الغير للنّفس غاية الفرق بينهما أنّه أتى هنا بالمنافي فيحتمل إلغاء كون المبيع لنفسه و وقوعه لفلان بإجازته و يحتمل إلغاء قوله في ذمّة فلان و وقوعه لنفسه

ثم إنّ دوران الأمر بين إلغاء أحد القيدين إنّما هو فيما لو أقرّ من له العقد بأنّ الفضولي قصده ثم أجاز أو أجاز ما إذا قصد الفضولي البيع لنفسه و أمّا لو ردّ المعاملة رأسا فهل يقع العقد للفضولي ظاهرا أو يقع له واقعا وجهان و هذا النّزاع يجري في الوكيل المفوّض كالعامل في باب المضاربة و حاصل النّزاع أن كلّ مقام ادّعى العاقد وقوع العقد لغيره كما لو ادّعى الوكيل قصد الموكل أو إضافة اللّفظ إليه أو ادّعى الفضولي قصد غيره و أنكر الموكل و من وقع العقد له فقيل بأنّه يقع العقد للوكيل أو الفضولي ظاهرا و قيل بأنّه يقع لهما واقعا

ثم إنّ محلّ البحث إنّما هو لو صدق الأصيل الّذي هو طرف الوكيل أو الفضولي الموكل و من له العقد و أمّا لو صدق الفضولي أو الوكيل في أنّه قصد غيره فلا وجه لوقوعه للوكيل أو الفضولي لا ظاهرا و لا واقعا فهنا مسألتان الأولى في حكم ما لو جمع بين المتنافيين و أجاز من قصد أو أضيف اللّفظ إليه و الحقّ في المثالين هو الصّحة و وقوع العقد لنفس العاقد و لا أثر لإجازة الغير

و توضيح ذلك يحتاج إلى بيان أمرين الأوّل أنّ العقد الصّادر من شخص يقتضي في طبعه وقوعه لنفس العاقد أي هو ملتزم بالمنشإ فلو أوقع العقد على الكلي يقتضي أن يكون الكلّي في ذمّته بحيث لو أراد وقوعه للغير و تعلّق الكلّي في ذمّة الغير فلا بدّ من صرفه من نفسه إلى الغير و بعبارة أخرى ليس واقع الحال مردّدا بين وقوعه لنفسه و وقوعه لغيره لأنّ وقوعه للغير ليس في عرض وقوعه للنّفس بل وقوعه للغير مترتب على عدم وقوعه للنّفس فإطلاق العقد يقتضي أن يكون الملزم به هو نفس العاقد الثّاني أن كلّ قيد وقع بعد تماميّة أركان العقد بحيث لم يكن منافيا لمقتضاه و كان منافيا لبعض الخصوصيات الخارجة عن حقيقته فيقع لغوا و لا يضرّ بصحّة العقد

إذا عرفت ذلك فسواء قال اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمّة زيد أم قال اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي يقع الشراء في الصورتين لنفسه و يقع قيد في ذمّة فلان أو لفلان لغوا لأنّ وقوع الشراء لفلان إمّا بإضافة الذمّة إليه أو لقوله لفلان إنّما يصحّ لو لم يعقّبه بما ينافيه أو لم يقدم عليه ما ينافيه فإذا جمع بين المتنافيين لا يؤثر ما يوجب الصّرف لتعارض القيدين فيتساقطان فيؤثر إطلاق العقد أثره

و تقدم أحد القيدين لا يوجب تقديم مقتضاه إذا ابتلي بالقيد الآخر الّذي ينافيه و التّقييد بالمتنافيين أيضا لا يوجب بطلان العقد من أصله بعد تحقّقه بجميع أركانه و عدم كونه من قبيل بعتك بلا ثمن و ذلك لأنّ العاقد ليس ركنا في المعاوضات و ليس البيع كالنّكاح

هذا مع أنّه لا فرق بين قوله اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي و قوله اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمّة فلان فاحتمال المصنف قدّس سرّه البطلان في الأوّل و عدمه في الثاني لا وجه له لأنّه يمكن تصحيح الصورة الأولى بأخذ كلا القيدين من دون تناف بينهما و هذا على وجهين الأوّل أن يكون قوله بدرهم في ذمّتي متضمّنا للهبة كما يقال ذلك فيما لو قال اشتر بمالي لنفسك طعاما الثّاني أن يكون راجعا إلى الضّمان فيكون معنى

ص: 231

كلامه أنّه اشتريت لفلان بدرهم في ذمته و لكني تعهّدت الدّرهم و ضمنت و اشتغال ذمّة فلان و إن لم يتحقق فعلا إلّا أنّ الضّمان حيث وقع مترتّبا على سبب الاشتغال فلا محذور فيه و لذا يصحّ قوله وكلتك في الطّلاق ثلاثا مع أنّ الطّلاق الثاني لا يصحّ إلّا بعد الرّجوع و هكذا لو قال أنت وكيل في تزويج فلانة و طلاقها و شراء رق و عتقه و هكذا

و بالجملة بعد إمكان تصحيح المعاملة و رفع التنافي لا وجه للحكم بالبطلان المسألة الثّانية في وقوع العقد للعاقد واقعا لو ردّ الموكل أو من ادّعى وقوع العقد له ظاهر كلمات جملة من الأساطين ذلك و يمكن تطبيقه على القواعد أمّا ظهور كلماتهم في ذلك ففي الشّرائع في باب المضاربة فيما لو اشترى الوكيل من ينعتق على الموكل تصريح بذلك و قال في التّذكرة في مقامنا هذا و إن كان في الذمّة لغيره و أطلق اللّفظ قال علماؤنا يقف على الإجازة فإن أجاز صحّ و لزمه الثّمن و إن ردّ نفذ عن المباشر انتهى

و مقصوده أنّه لو اشترى في ذمّة نفسه لغيره من دون إضافته في اللّفظ إلى الغير مع كون غرضه وقوعه للغير كان من المثال المتقدّم أو مقصوده أنّه اشترى و قصد كون الثّمن في ذمّة الغير من دون إضافة الذمّة إلى الغير في اللّفظ و على أي حال فمراده أنّه لو ردّ الغير يقع عن المباشر واقعا فيما لم يضفه إلى الغير في اللّفظ و أمّا تطبيقه على القواعد فلأنّه لا إشكال فيه إلّا ما استشكل عليه المصنف قدّس سرّه على سبيل التّرديد و لنا اختيار كلا شقّي التّرديد أمّا قوله إن جعل المال في ذمّته بالأصالة مع اشترائه للغير فيجب الحكم إمّا بالبطلان لو عمل بالنيّة و إمّا بوقوعه لنفس المباشر لو ألغى النيّة و على أيّ حال لا معنى لوقوعه للغير لو أجاز ففيه أنّه لا مانع من ذلك و يكون نظير بيع التّولية غاية الأمر أنّه يتوقّف على إحراز أن قصده للغير من قبيل جعل التّولية له و إجازة الغير من قبيل القبول

و أمّا قوله و إن جعل المال في ذمّته من حيث النّيابة فيجب أن يقع العقد فاسدا في صورة ردّ المنوب عنه لا وقوعه عن المباشر ففيه أنّ جعل المال في ذمّته نظير الضّمان عن الغير بناء على مذهب الجمهور من عدم انتقال الضّمان من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضّامن فيكون كلّ منهما ضامنا بنحو الطّوليّة ففي المقام يكون المباشر هو المتعهّد للمال و هو الملزم به أولا و لكن إذا أجاز من قصد العقد له ينصرف عن المباشر إليه و إذا ردّ يبقى في ذمّته

و كما أنّ في المضاربة لو لم يضف الوكيل وقوع البيع في اللّفظ إلى الموكل بل قصده له و لكنّه في اللّفظ قال اشتريت يقع له لو أنكر الموكل فكذلك في الفضولي فقصد الفضولي وقوع العقد للغير مع إضافة الشّراء إلى ذمّة نفسه من حيث جعل نفسه نائبا عن الغير لا يوجب عدم وقوع العقد له لو ردّ من وقع العقد له و هذا مبني على ما تقدم من أنّ المعاملة ليست في الواقع مردّدة بين المباشر و المنويّ بل متعلّقة بنفس المباشر و لكن إذا أجاز المنويّ ينصرف عن المباشر إليه لبناء المباشر على أن يكون ثمن العين في ذمّته و أن يأخذه ممّن قصد إجازته فيتعلّق الثّمن بذمّة المجيز طولا و مترتّبا على ذمّة المباشر و لذا لو ردّ يتعيّن في ذمّة المباشر

و بهذا الملاك حكموا في المضاربة الفاسدة أنّه لو اشترى العامل في الذمّة و كان قصده أداء ما في الذمّة بعين مال المالك بأنّ الرّبح للمالك إذا أدّى ما في الذمّة بعين ماله و للعامل أجرة المثل فإن وقوع الرّبح للمالك ليس إلّا من باب أنّ العامل التزم بأداء الثّمن

ص: 232

من مال المالك مع أنّه اشترى في ذمّة نفسه و هكذا في التجارة في مال اليتيم فإنّ كون الرّبح لليتيم مع أنّ المتّجر قد يشتري بعين مال اليتيم و قد يشتري في الذمّة و يقصد أداء ما في الذمّة من مال اليتيم لا يتمّ إلّا بأن يكون قصد الأداء من مال اليتيم موجبا لتعلّق حقّ طولي لليتيم في المعاملة

و بهذا الملاك حكموا في باب الوكالة بأنّه لو باع الوكيل و ظهر العيب في المبيع و لم يسند المعاملة في اللّفظ إلى الموكل بأنّ الوكيل هو الملزم بأداء تفاوت الصّحيح و المعيب و هذا ليس إلّا من باب أنّ الملزم بالمعاملة هو نفس المنشئ و لذا قد يفرق بين علم الطّرف بالوكالة و عدمه بل قد يقال إنّ مع العلم أيضا لو لم يسند المعاملة إلى الموكل يكون نفس الوكيل هو الملتزم بعدم العيب فيستكشف من هذه الأبواب أنّ المعاملة ليست مردّدة في الواقع بين المباشر و المنوي بل تقع للمباشر و لكنّه لما قصد أداء الثّمن من مال غيره فلو أجاز الغير تقع له و أمّا لو ردّ فلا وجه للانصراف فتقع من نفس المنشئ واقعا

و بالجملة إذا أسند المعاملة إلى الغير لفظا فليس هو ملزما بها بل تقع للغير إذا أجاز و تبطل إذا ردّ و أمّا لو قصد الغير من دون إشارة في اللّفظ إليه فلو ردّ الغير تقع للعاقد و لو أجاز تقع لنفسه أمّا وقوعها للعاقد إذا ردّها فلأمور مسلمة في باب المعاملات أوّلها أنّ الأمور البنائية و الأغراض المنويّة لا أثر لها ما لم تنشأ بما هو آلة لإنشائها من القول أو الفعل و ثانيها أنّ الالتزامات العقدية يملكها كلّ من المتعاقدين على الآخر إلّا أن يجعل ملك كلا الالتزامين لواحد منهما إمّا بجعل شرعيّ كالخيارات الشّرعيّة أو بجعل من المتعاقدين فيما لهما حقّ الجعل لا في النّكاح و أمثاله و ثالثها عدم اعتبار تعيين المالكين في المعاوضات

و مقتضى هذه الأمور أن يكون نفس العاقد هو الملزم بالالتزامات الصّريحة و الضمنيّة و أنّ طرفه يملك هذه الالتزامات عليه كما أنّه يملك التزامات طرفه فلا وجه لبطلان المعاملة لو ردّ من قصده العاقد و أمّا وقوعها له لو أجاز أو أقرّ بالوكالة فلأنّ القصد و إن لم يؤثر في صرف الالتزامات إلى الغير إلّا أنّه لا ينفكّ عن أثره التّكويني فيجعل المعاملة كالمادة الهيولائيّة القابلة لصرفها إلى الغير بإجازته أو إقراره فيكون القصد كجعل التولية للغير و يكون الإجازة أو الإقرار بمنزلة قبول التّولية فالقول بأنّ المعاملة تقع لنفس المباشر واقعا إذا ردّ من قصدت له منطبق على القواعد و قياسها على ما إذا أسندها إلى الغير لفظا مع الفارق

[الثّاني الظّاهر أنّه لا فرق فيما ذكرنا من أقسام بيع الفضولي بين العقديّ و المعاطاة]

قوله قدّس سرّه الثّاني الظّاهر أنّه لا فرق فيما ذكرنا من أقسام بيع الفضولي بين العقديّ و المعاطاة إلى آخره

لا يخفى أنّ الكلام في جريان الفضولي في المعاطاة يتوقف على أن يكون التّعاطي محقّقا للبيع و آلة للتّمليك و التملك لا أن يكون السّبب المستقل لهما هو تراضي المالكين و إلّا يكون الفضولي دائما واسطة في الإيصال فيكون كالصبي و الحيوان

و لكنّا قد بيّنا في المعاطاة أنّ التراضي ليس معاملة فإذا كان تحقّق المعاملة بالفعل فهل تجري الفضولي في المعاطاة مطلقا أو لا تجري مطلقا أو فرق بين القول بالإباحة فلا تجري و القول بالملك فتجري أو فرق بين كون الفضولي على خلاف القاعدة فلا تجري مطلقا و كونه على طبقها فتجري كذلك وجوه و الأقوى عدم جريان الفضولي

ص: 233

فيها لا للوجوه المذكورة في المتن و غيره من أنّ الفعل الّذي يحصل به التّمليك محرّم من الفضولي فلا يوجد المنشأ به و من أنّ المعاطاة منوطة بالتّراضي مع قصد التّمليك أو الإباحة و كلاهما من وظائف المالك و من أنّ حصول التّمليك بالفعل على خلاف القاعدة و إنّما ثبت بالسّيرة فيختصّ حصوله به بما قامت السّيرة عليه و هو التّمليك الحاصل بفعل المالك فإنّ هذه الوجوه فاسدة

أمّا كون الفعل محرّما ففيه أنّه قد لا يتوقف المعاطاة على الإقباض كما لو اشترى الفضولي لغيره في الذمّة بناء على كفاية العطاء من طرف واحد و قد لا يكون الإقباض محرّما كما لو علم برضا المالك بناء على ما هو الأقوى من عدم خروج المعاملة المقرونة بالرّضا الباطني من المالك عن الفضوليّة مع أنّ الحرمة الموجبة للفساد من قبل الفضولي لا ينافي الصّحة للمالك و إن كانت راجعة إلى المسبّب لا السّبب كما هو كذلك في المقام و تقدم توضيحه في أدلّة المبطلين للفضولي

و أمّا كون قصد الإباحة أو التّمليك مع الرّضا الباطني من وظائف المالك ففيه أنّ قصد الإباحة أو التّمليك يتمشّى من الفضولي أيضا لا سيّما إذا كان غاصبا فإنّه بعد سرقته الإضافة يرى نفسه مالكا و لذا لا إشكال في الإنشاء القولي من الفضولي مع أنّه يتوقّف على القصد و أمّا الرّضا فالمفروض تحقّقه من المالك بإجازته

و أمّا كون المعاطاة على خلاف القاعدة ففيه أنّه لو فرض أنّ الفعل بعنوانه الثّانوي مصداق للبيع فلا فرق بين الفعل الصّادر من المالك و الفعل الصادر من الفضولي و أمّا كون الفضولي على خلاف القاعدة ففيه ما عرفت فهذه الوجوه المذكورة ليست علّة لعدم جريان الفضولي فيها إلّا الوجه الثّاني بتقريب آخر

بيان ذلك أمّا على الإباحة فلأنّ مجرّد قصدها و إن كان بلا مئونة إلّا أنّ الإباحة المؤثّرة هي التّسليط المالكي لا تسليط غيره و إجازة المالك تسليط الغير هي بنفسها مؤثّرة لا لكونها إجازة لإباحة الغير لأنّ العقود الإذنيّة و الأمور المتقوّمة برضا المالك لا تتوقّف على سبب خاصّ فإجازة الإباحة هي بنفسها إباحة و محلّ النّزاع في الفضولي هو ما كانت الإجازة قابلة للنزاع في الكشف و النّقل فيها

و أمّا بناء على الملك فلأنّ الفعل الواقع من الفضولي لا يعنون إلّا بعنوان الإعطاء و التّبديل المكاني و أمّا تبديل طرف الإضافة فمصداقه إمّا إيجاد المادّة بالهيئة و إمّا فعل المالك فإنّه حيث يقع في مقام البيع أو الشّراء يعنون بالعنوان الثّانوي بتبديل طرف الإضافة و الفرق بينه و بين القول هو أنه يمكن انفكاك حاصل المصدر من المصدر في الإنشاء القولي فإذا أجاز المالك و أسنده إلى نفسه وقع له و أما الفعل فاسم المصدر منه لا ينفكّ عن مصدره بمعنى أنّه ليس للإعطاء اسم مصدر غير العطاء و هذا لا ينفك عنه و بإجازة المالك لا ينقلب الفعل عمّا وقع عليه و نفس الإجازة أيضا ليست مصداقا للتّمليك حتى تكون كإجازة الإباحة و لو كانت كذلك لكانت هي المملكة لا إعطاء الفضولي

و بالجملة يصحّ أن يقال إنّ التبديل بالفعل و الإباحة من وظائف المالك و لا أثر لفعل الغير و إباحته فإنّ فعله الخارجي غير قابل للاستناد إلى غير فاعله بالإجازة و ليس حكم الإجازة حكم التوكيل كما لا يخفى

[القول في الإجازة و الردّ]
[القول في الإجازة و حكمها]
اشارة

قوله قدّس سرّه القول في الإجازة و الردّ إلى آخره

نسب إلى المشهور أنّ الإجازة كاشفة عن تماميّة السّبب و هو العقد و اختلفوا

ص: 234

في جهة كشفها على أنحاء فمنها ما عن المحقّق الرّشتي من أنّ الإجازة كاشفة عن الرّضا التقديري بمعنى أنّها تكشف عن رضا المالك لو التفت إلى العقد و الرّضا المعتبر في العقد هو الأعمّ من الحقيقيّ الفعليّ و التقديري و فيه منع الصغرى و الكبرى أمّا الصّغرى فلأنّه قد لا يكون المالك راضيا حين العقد لو التفت إليه لكونه ذا مفسدة عنده في ذاك الزّمان مع كونه راضيا حين الإجازة لانقلابها إلى المصلحة مع أنّ لازمه جواز التصرّف قبل الإجازة إن علم برضاه لو التفت إليه و أمّا الكبرى فلأنّه لم يقم دليل على كفاية الرّضا التقديري و منها ما عن الفصول و أخيه المحقّق من أنّ وصف التعقّب بالإجازة شرط في تأثير العقد و هو حاصل حين العقد فإنّه ينتزع عنوان التعقّب و المسبوقيّة عن نفس العقد فالعقد الموصوف بهذا الوصف هو المؤثّر التامّ لا الإجازة بوجودها الخارجي

و فيه أنّ أخذ عنوان التعقّب أو ضدّه إنّما يصحّ في مثل أجزاء الصّلاة و نحوها من الأمور التدريجيّة الارتباطيّة لمساعدة العرف و الاعتبار عليها بل لا يمكن أن يكون الرّكوع مثلا بوجوده الخارجيّ شرطا لصحّة القراءة إلّا أنّ في مثل الإجازة لا يساعد العرف و الاعتبار على دخل العنوان الانتزاعي بل ظاهر الأدلّة شرطيّة نفس الرّضا بوجوده الخارجي و منها ما عن المحقّق و الشّهيد الثّانيين من أنّ العقد سبب تامّ في الملك لعموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تماميّته في الفضولي يعلم بالإجازة فإذا أجاز المالك تبيّن كونه سببا تاما و إلّا يلزم أن لا يكون الوفاء بالعقد فقط بل به مع شي ء آخر

و فيه أنّ هذا الكلام في بادي النّظر خلف يرد عليه ما أورد عليه المصنف قدّس سرّه بما حاصله أنّه لو كان العقد بنفسه سببا تامّا فلا مدخليّة للإجازة فيه و يلزم أن يكون اعتبار الرّضا بلا موجب و لو لم يكن بنفسه سببا بل هو مع الرّضا فبالإجازة لا يعلم تمام السّبب من قبل بل بها يتم السّبب

و لكنّه يمكن توجيه كلامهما بأنّه فرق بين الإجازة و سائر ما يعتبر في العقد كالقبض في الوقف و الصرف و السّلم فإن مثل القبض لا يتصوّر نزاع الكشف و النقل فيه بل هو جزء المؤثر و النّقل لا يتمّ إلّا به و أمّا الإجازة فهي ليست جزء المؤثر بل المؤثر هو نفس العقد و لذا لو أنشأه المالك فالمؤثر للنقل هو ذات عقده لا بما أنّه صادر منه بحيث يكون صدوره منه جزء عقده فعقد الفضولي بنفسه أيضا تمام السّبب و اعتبار الإجازة فيه إنّما هو لتصحيح الاستناد إلى المالك لا لمدخليّتها في التّأثير

و بالجملة حيث لا يكون عقد الفضوليّ عقدا للمالك إلّا بالإجازة فمنها يعلم بأنّه عقد تام منسوب إليه و بهذا البيان يتمّ قولهما فإذا أجاز تبيّن كونه تاما يوجب ترتّب الملك عليه هذا و لكنّه مع ذلك يرد عليه أنّ ذات العقد إنّما يكون مؤثرا إذا كان مقارنا لرضا المالك أو ملحوقا به و إلّا يكون عقد المكره تامّا و إن لم يلحقه الرّضا فإذا كان الرّضا دخيلا و لو من جهة استناد اسم المصدر إلى المالك فكيف يتحقّق النقل بلا رضا منه و منها ما استدلّ له الثّانيان قدّس سرّهما أيضا و هو أنّ الإجازة متعلّقة بالعقد فهي رضا بمضمونه و ليس إلّا نقل العوضين من حينه أي الإجازة إنفاذ للعقد السّابق و العقد السّابق تمّ حين صدوره من العاقدين من دون دخل نفس هذا الإنفاذ في النّقل نظير ما إذا أنفذ حاكم حكم مجتهد آخر

و فيه أوّلا أنّ مضمون العقد ليس

ص: 235

هو النّقل من حينه بل أصل النّقل كما أنّ الإيجاب ليس الإيجاد من حينه بل أصل الإيجاد و لذا يتحقّق النّقل بعد القبول مع أنّه رضا بالإيجاب و ثانيا سلّمنا كون مضمون العقد هو النّقل من حينه و لكن لا بمعنى أنّ وقوعه في الحين جزء لمدلوله حتى يقال ليس معنى بعت أوجدت البيع في الحال بل بمعنى أن وقوع الإنشاء في الحال يقتضي تحقق منشئه حالا و لا يمكن أن يتأخّر المنشأ عن الإنشاء و لو كان المنشأ منفعة الدّار في السّنة الآتية فإنّ المتأخّر هو المملوك لا الملكيّة و لكنّه مع ذلك لا يقتضي تحقّق السّبب التامّ حال العقد فإنّ الإجازة و إن كانت إنفاذا لما تقدم إلّا أنّه من المعلوم أنّ مع اعتبارها شرعا في تأثير ما تقدم فقبل تحقّقها لا يمكن تحقّق ما تقدم عليها بصفة التّأثير فإنّ تحقّق المنشأ حال الإنشاء حيث إنه من موجداته أو فعله التوليدي لا يتخلّف عن إنشائه كعدم تخلّف الانكسار عن الكسر و كلّ اسم مصدر عن المصدر إلّا أنّه من حيث تحقّقه في عالم الاعتبار بحيث يرتّب عليه الآثار شرعا أو عرفا يمكن تخلّفه عن إنشائه إذا كان لتحقّقه شرط آخر كالقبض أو الإجازة

نعم يمكن أن يقال بالفرق بين القبض و الإجازة و هو أنّ القبض جزء المؤثر و لكن الإجازة صورة للمادّة المتحقّقة و إنفاذ من المالك لما سبق كإنفاذ الحاكم حكم مجتهد آخر فما يمكن ترتيبه من السّابق بإنفاذ المالك يجب ترتيبه فعلى هذا تكون واسطة بين الكشف الحقيقي و النّقل و هذه عبارة عن الكشف الحكمي فيكون الكشف الحكمي مطابقا للقاعدة

و توضيح ذلك أنّه بعد ما ظهر أنّ الإجازة إنفاذ لما سبق فمن جهة أنّ السّبب التام للنّقل لا يتحقّق بدونها فإنّ إنشاء الفضولي ليس سببا للنّقل في عالم الاعتبار فالإجازة ناقلة و من حيث إنّها إنفاذ لما تحقّق فيجب من حين الإجازة ترتيب الآثار الّتي لها اعتبار وجود حين الإجازة من حين العقد فهي كاشفة

فعلى هذا يقع التّفكيك بين الملك و آثاره من النّماء و المنافع لأنّ الملكيّة لا يمكن تحقّقها من قبل بعد دخل الإجازة في تحقّقها و ليس للملكيّة السّابقة اعتبار وجود في الحال و هذا بخلاف المنافع فإنّه يمكن تحقّق ملك المنفعة من قبل لأنّ لها اعتبار وجود في الحال باعتبار تعلّق الضمان بها فلو أجاز المالك استيفاء المنافع المستوفى المنفعة تسقط أجرتها و ضمانها و لذا يصحّ الصّلح على المنافع السّابقة و لا يصحّ على الملك السّابق

و السّر فيه أنّ المنافع باعتبار وجودها في الحال بوجود أجرتها يصحّ تعلّق الإجازة بها الّتي مرجعها إلى إسقاط الضّمان فبالنّقل في الحال يصحّ تحقّقها من قبل كما يصحّ تحقّقها بعد ذلك بالنقل في الحال كما في إجارة الدار المتعلّقة بالسّنة الآتية

و بعبارة واضحة كما يمكن اعتبار التأخّر في المملوك مع عدم إمكان تأخر الملك كذا يمكن اعتبار التقدم فيه مع عدم إمكانه في الملك فإذا تحقّقت الإجازة فالنّقل و إن حصل حينها إلّا أنّ المنقول باعتبار آثاره يتحقّق من قبل و هذا هو معنى الكشف الحكمي فإنّ النّقل من حين الإجازة إذا تعلّق بالمنقول السّابق فنتيجته الكشف حكما أي النّقل الحقيقيّ مع ترتيب الآثار السّابقة الّتي أمكن ترتيبها على العقد بوصف السّبق و منها ما عن فخر الدّين في الإيضاح من أنّها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود لأنّ العقد حالها عدم

و حاصل

ص: 236

برهانه أنّه لو قلنا بالنّقل فلازمه أن لا يتحقّق المنشأ بإنشاء المنشئ بل يتحقّق حال الإجازة و في هذا الحال الإنشاء معدوم فلازمه أن يؤثر المعدوم في الموجود و على هذا التقريب لا يرد عليه النقض بالأمور المتصرّمة و الأجزاء المتدرّجة في الوجود فإنّه لا ينكر إمكان ترتب المعلول على علّة ذي أجزاء متصرّمة و المترتب على الأمور التّدريجي بل ينكر تخلّف اسم المصدر عن المصدر

فالحقّ في الجواب عنه هو ما تقدم أنّ المنشأ بنظر المنشئ لا يتخلّف عن إنشائه و إنّما المتخلّف هو المنشأ في عالم الاعتبار العقلائي أو الشّرعي و هو إذا كان متوقّفا على رضا المالك لا يتحقّق بمجرّد إنشاء الفضولي و منها أنّه يمكن تحقّق الملك حين العقد مع كونه مشروطا بالشرط المتأخّر و هو الإجازة الّتي شرط بوجودها الخارجي فإنّها من قبيل سائر الشّروط المتأخّرة الواردة في الشّريعة فإذا تحقّقت في موطنها انكشف بها تحقّق المشروط من قبل و إذا تحقّق كذلك يترتّب عليه جميع آثاره من حين تحقّقه

و فيه ما لا يخفى فإنّ الشّرط المتأخّر غير معقول كما أوضحنا ذلك في الأصول و ملخّصه أنّه لا يعقل تحقّق المعلول بدون أجزاء علّته فإن حكم العلل التّشريعيّة حكم العلل التكوينيّة سواء قلنا بجعل السببيّة كما عن المحقّق الداماد من قوله بأنّ السببيّة لا يمكن انتزاعها عن الحكم التّكليفي فإنّ الحكم التكليفيّ و الوضعيّ مختلفان محمولا و موضوعا و على تعبيره قدّس سرّه حاشيتي العقد مختلفان أم قلنا بجعل الأحكام عند تحقّق أسبابها

أمّا على الأوّل فلأنّها من أفراد العلّة التكوينيّة فكما لا يمكن تحقّق الضّوء بلا علّته فكذلك لا يمكن تحقّق الملك بلا إجازة المالك لأنّ الشّارع أنشأ السببيّة للإيجاب و القبول و الرّضا فبدون تحقّق جميع أجزاء السّبب لا يعقل تحقّق المسبّب و ما يقال من أنّ الأسباب الشّرعيّة معرفات لا علل لا يستقيم في المقام لأنّها علّة كالعلّة التّكوينيّة بل هي هي بناء على قابليّة تعلّق الجعل بالسببيّة نعم هذا التّعبير يصحّ في علل التّشريع

و أمّا على الثّاني فلأنّ ملاك الامتناع في التّشريعيّات نظير ملاكه في التّكوينيّات لا عينه و ذلك لأنّه لو أنشأ الحكم على نحو القضيّة الحقيقيّة على الموضوعات المقدّر وجودها بحيث انحلّ هذا الحكم إلى أحكام متعدّدة بحسب تعدّد موضوعه كحكمه بوجوب الحجّ على المستطيع فكيف يعقل تحقّق الحكم و فعليّته قبل الاستطاعة و هل هذا إلّا الخلف و المناقضة فكون الإجازة بوجودها العيني شرطا لتحقّق الملكيّة و مع ذلك يحصل الملك بالإيجاب و القبول دون الإجازة موجب لتحقّق الحكم بلا موضوعه نظير تحقّق المعلول التكويني بلا علّته فعلى هذا كلّ ما ورد في الشريعة من هذا القبيل ظاهرا فلا بدّ من حمله بدليل الاقتضاء على أنّ الشرط هو الوصف الانتزاعي كالتعقّب

و لا يبعد أن يكون نظر صاحب الجواهر قدّس سرّه إلى ما ذكرناه فإنّ قوله إن الشّروط الشرعيّة ليست كالعقليّة ليس ناظرا إلى أنّ الشّرط في الشّرع مع كونه شرطا بوجوده الخارجي يمكن جعله متأخّرا عن المشروط بل غرضه أنّ الأمور الاعتباريّة وجودها على كيفيّة جعلها فيمكن أن يكون لحوق الإجازة شرطا لا الإجازة العينيّة

كما أنّ ما نسب إلى المصنف قدّس سرّه من أنّ الشّرط ليس متأخّرا بل المتأخّر شرط يرجع إلى وصف

ص: 237

اللّحوق و التعقّب و إلّا لا فرق بين كون الشّرط متأخّرا و كون المتأخر شرطا و بالجملة لا يمكن مع دخل أمر في تحقّق شي ء تحقّقه بدون ذاك الأمر لا في التكوينيات و لا في التشريعيّات و ليس ملاك الإشكال إلّا تحقّق المعلول قبل تحقّق علته بناء على جعل السببيّة أو فعليّة الحكم قبل وجود موضوعه بناء على جعل الحكم عند تحقّق موضوعه الّذي يعبّر عنه بالشّرط أو تحقّق الامتثال قبل تحقّق ماله ربط فيه كتحقّق امتثال الصوم قبل تحقّق الغسل في اللّيل مع اعتباره في امتثال الصّوم بناء على القول به كما قيل لاستفادته من الخبر الدالّ على أنّ المستحاضة إذا اغتسلت ارتفع بغسلها الحدث السّابق على الغسل

و أمّا على المشهور من أنّ بالغسل يرتفع الحدث اللّاحق فلا يرد إشكال الشّرط المتأخّر كما أنّه لو قيل بأنّ الامتثال يتحقّق حين الغسل لا حين الصوم مع دخل الغسل في امتثال الصوم فلا يرد هذا الإشكال أيضا

نعم يرد إشكال تأثير المعدوم في الموجود لكنه ليس بإشكال أصلا لأنّ المؤثر في المعلول المترتّب على الأمور التدريجيّة كالكون على السّطح المترتّب على الصّعود درجة درجة هو الجزء الأخير و سائر الأمور معدّات و كلّ منها يؤثر أثر نفسه حين حصوله و هو القرب إلى السّطح بهذا المقدار فإذا قلنا في المقام بأنّ العقد يؤثّر حين الإجازة فلا يرد إشكال الشّرط المتأخّر

فما توهّم من ورود هذا الإشكال على كلّ شرط و جزء منصرم و منقض حين تحقّق الشّرط أو الجزء الأخير في غير محلّه كما أن رفع الإشكال بجعل لحاظ المتأخّر أو المتقدّم شرطا ممّا ظهر في الأصول حاله فإنّه من الخلط بين علل الجعل و التّشريع و شرائط المجعول فما هو لحاظه شرط للتّكليف هو علّة الجعل أي الموجب لإرادة الفاعل الّذي هو عبارة أخرى عن العلّة الغائيّة الّتي هي مقدّمة تصوّر أو مؤخّرة خارجا و محلّ البحث إنّما هو في شرائط المجعول و فيما له دخل في تحقّق التّكليف أو الوضع كشرطيّة البلوغ و نحوه للوجوب و شرطيّة الإجازة و نحوها للملك و هذه الشّرائط شرائط بوجودها الخارجي

نعم لو قيل بأنّ الأحكام الشرعيّة أخبار عن الإنشاءات فيما سيأتي رجع جميع شرائط المجعول إلى علل الجعل و قد ذكرنا في مسألة الترتّب و مقدّمة الواجب و الحكم الوضعي ما يوضح ذلك

[في أنحاء كاشفيّة الإجازة]

قوله قدّس سرّه و قد تحصّل ممّا ذكرنا أن كاشفيّة الإجازة على وجوه ثلاثة إلى آخره

لا يخفى أنّ كاشفية شي ء عن شي ء إمّا لمناسبة تكوينيّة بينهما ككاشفيّة الدّخان عن النّار و إمّا لمناسبة جعليّة ككاشفيّة النّصب عن الفرسخ و الألفاظ عن المعاني على وجه فكاشفية الإجازة عن تحقّق السّبب التام لا بدّ أن تكون بأحد الوجهين ثم إنّ طريق الاستكشاف فيها يتصوّر على أنحاء منها أن تكون كاشفة عن الرّضا التقديري و منها أن تكون كاشفة عن حصول شرط واقعي مقارن للعقد لا نعرفه و منها أن تكون كاشفة عن ثبوت وصف التعقّب و منها أن تكون كاشفة عن الموضوع الّذي رتب الشّارع عليه الأثر أي العقد الّذي يتعقّبه الإجازة صحيح في علم اللّٰه من أوّل الأمر من دون دخل الرّضا أو شي ء آخر فيه و الّذي لا يتعقّبه الإجازة باطل كذلك و على أحد هذه الوجوه لا مدخليّة للإجازة في التّأثير

و هنا وجهان آخران للكشف الحقيقيّ مع مدخليّة الإجازة الأوّل أن تكون شرطا بوجودها الخارجيّ الزّمانيّ الثّاني أن تكون شرطا بوجودها

ص: 238

الدهريّ المجتمع مع مشروطها في وعاء الدّهر فإنّ الطوليّات الزّمانيّة عرضيات في عالم الدّهر و لا يخفى ما في هذه أمّا كاشفيّتها عن الرّضا التقديري فلا مناسبة بينهما لا ذاتا و لا جعلا مع أنّه لا دليل على كفاية المنكشف و أمّا كاشفيّتها عن شرط واقعيّ لا نعرفه فتتوقّف على مناسبة جعليّة بعد وضوح عدم مناسبة ذاتيّة بينهما و الجعل غير معلوم و أمّا كاشفيّتها عن وصف التعقّب فهذا لا إشكال فيه

و توهم أنّ التعقّب ليس مقارنا للعقد لأنّه منتزع عن أمر متأخّر و ما لم يتحقّق منشأ انتزاعه كيف يتحقّق المنتزع فاسد فإنّ عنوان التعقّب و السّبق و ما يراد فهما في المعنى كاللّحوق و القبلية و البعديّة من الأمور الّتي تنتزع من نسبة الزّماني إلى الزّمان فإذا اجتمع شيئان في زمان واحد ينتزع عن اجتماعهما التّقارن و إذا وقعا في زمانين فتنتزع القبلية من السّابق و البعديّة من اللّاحق و هكذا يصحّ هذه العناوين في نفس أجزاء الزّمان فيقال لليوم إنّه بعد الأمس و قبل الغد مع كون الأمس و الغد معدومين

و بالجملة عنوان التعقّب صحيح و مقارن مع العقد إلّا أنّك قد عرفت أنّ الدليل لا يساعد على كون هذا العنوان الانتزاعي شرطا و أمّا كاشفيّتها عن الصّحيح في علم اللّٰه فتحتاج إلى جعل و ليس و أمّا كونها شرطا بوجودها الخارجي مع تحقّق المشروط قبله فهذا خلف و مناقضة و أمّا كونها شرطا بوجودها الدّهري ففيه أنّ شرط الزّماني لا بدّ من أن يكون زمانيّا فتتميم الكشف الحقيقي على جميع ما قيل أو يقال فيه بالقواعد مشكل

و هنا وجه آخر من وجوه الكشف اصطلحوا عليه بالكشف الحكمي و لهم في إثبات هذا المعنى مسالك ثلاثة الأوّل ما نقله المصنف عن أستاده شريف العلماء قدّس سرّهما و هو حكم الشارع تعبّدا بإثبات آثار الكشف من أوّل العقد و لازم ذلك إثبات الآثار الممكنة من حين العقد لأنّ التعبّد يصحّ فيما يمكن التعبّد به فحكم الشّارع في المقام نظير حكمه في باب الاستصحاب بإبقاء المتيقّن في ظرف الشكّ عملا نعم بينهما فرق و هو أنّ الحكم في باب الاستصحاب ظاهريّ لأخذ الشكّ في موضوعه و في المقام واقعيّ و الثّاني ما نقله شيخنا الأستاذ مد ظلّه عن شيخه المحقّق في عصره الشّيخ محمد باقر الأصبهاني قدّس سرّه نجل صاحب الحاشية و هو كون الكشف الحكمي مطابقا للقاعدة و سريانه في أغلب أبواب الفقه كباب الخمس و الزكاة و الرّكوع و نحو ذلك

و حاصله أنّ كلّ ما يكون موضوعا لحكم من الأحكام بتوسط الأمر المتأخّر و العنوان اللّاحق بحيث كان الأمر السّابق بمنزلة المادّة الهيولائيّة و العنوان المتأخر بمنزلة الصّورة النوعيّة فمقتضى القاعدة ترتيب آثار الموضوع من أوّل تحقّقه مثلا أخذ عنوان فاضل المئونة موضوع الخمس و ذاته يتحقّق أوّل زمان ظهور الرّبح و لكن اتّصافه بعنوان فاضل المئونة إنّما هو بعد انقضاء السّنة و هكذا موضوع الزكاة في الغلّات هو بلوغ المال بعد انعقاد الحبّ حدّ النّصاب و لكنّه معنون ببلوغه هذا الحدّ بعد التّصفية فبعد التّصفية لو كان بهذا الحدّ يكشف عن تعلّق الزكاة به حين انعقاد الحبّ و ثمرة هذا الكشف في باب الخمس و الزكاة هي صحّة أدائهما قبل تحقّق هذا العنوان و لو أتلفهما من تعلّقا بماله يحسبان عليه

و هكذا صحّة بيع الزّكويّ متوقّفة على إخراج حقّ الفقراء فلو أخرجه السّاعي أو الوالي أينما وجده يكشف عن صحّة البيع من أوّل الأمر و هكذا في مسألة الرّكوع فإنّه بناء على أن يكون من أوّل التقوّس إلى آخر حدّ الانحناء ركوعا يتوقّف اتّصاف الجزء الأوّل بكونه ركوعا على لحوق

ص: 239

الجزء الأخير و لكنّه بعد اللّحوق يكشف عن كونه ركوعا من أوّل الأمر

و بالجملة كلّ أمر متأخّر كان بمنزلة الصورة للأمر المتقدّم فالمتقدم يتحقّق من أوّل الأمر و ينكشف بهذا المتأخّر وجود المتقدم في ظرف وجوده و فيه أنّه إذا كان العنوان اللّاحق بمنزلة الصورة و السّابق بمنزلة المادّة فلا بدّ من الالتزام بالنّقل لأنّ فعليّة الشّي ء إنّما هي بالصورة

و بالجملة مع دخل المتأخّر في تحقّق اتّصاف السّابق بوصف الموضوعيّة يستحيل اتّصافه بهذا الوصف قبل تحقّق المتأخر و مجرّدا عنه و الثّالث ما بيّناه سابقا في توجيه كلام المحقّق و هو يختصّ بباب الإجازة و هو أن كلّ ما كان إنفاذا للأمر السّابق فمقتضى القاعدة أن يكون الآثار الّتي إنفاذها بيد المجيز مترتّبة عليه من أوّل الأمر و فيه أوّلا أنّ النّزاع في المقام ليس مختصّا بما كان ناظرا إلى ما وقع كأجزت و أنفذت و رضيت و نحو ذلك بل يجري فيما إذا أخرج السّاعي مقدار الزكاة و ما إذا أبرأ المرتهن الدّين و ما إذا فكّ الرّاهن الرهانة و نحو ذلك و ثانيا إذا كان الشي ء غير نافذ إلّا بأمر لاحق فكيف يترتّب عليه الآثار من قبل

فظهر ممّا ذكرنا أنّ هذه الشّروط الّتي تتعلّق بإنفاذ العقد السّابق كإجازة المالك و الغرماء و المرتهن و الورثة فيما زاد على الثلث و الشّروط الّتي تقتضي صحّة العقد السّابق كإبراء المرتهن و فكّ الرّاهن الرهانة و إخراج الزّكاة من المال الزكوي أو من غيره حكمها حكم سائر الشّروط الّتي لا ترجع إلى إنفاذ العقد بل هي بنفسها من أركان المعاملة كالقبض في الصرف و السّلم في أنّ مقتضى القاعدة فيهما هو النّقل لا الكشف الحقيقيّ و لا الواسطة بينهما

فثبوت الواسطة الّتي تعبّر عنها بالكشف الحكمي تتوقّف على دليل و الأدلّة الّتي أقاموها على الكشف الحكمي لا تستقيم فإنّه مضافا إلى أنّ إعمال التعبّد في أبواب المعاملات بعيد فإنّ الظّاهر أنّهم عليهم السّلام حكموا على طبق ما ارتكز في أذهان العقلاء دلالتها على الكشف الحقيقي أظهر من دلالتها على الكشف الحكمي

أمّا صحيحة محمّد بن قيس فلأنّ بيان الإمام ع علاج تخلّص الولد بأخذ ابن المالك البائع للوليدة ظاهر في أنّ إمضاء المالك للبيع إمضاء لما أنشأه ابنه حين الإنشاء لظهور قوله ع حتّى ينفذ لك البيع في ذلك و هكذا قوله فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه فظاهر هذين الكلامين أنّ الإجازة تكشف عن تحقق الملك حين بيع الولد

و أمّا صحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج الصّغيرين فضولا فلأنّها ظاهرة في أنّ المقصود من الإجازة لا بدّ أن يكون نفس الازدواج لا التوارث و لذا أمر ع بحلف الزّوجة على ذلك فإنّها لو كانت دالّة على الكشف الحكمي لكانت دالّة على لزوم ترتيب الآثار الممكنة من الزّوجية و هي ليست إلّا الوراثة بعد موت الزّوج إلّا أن يقال لا دلالة فيهما على تحقّق نفس الملكيّة و الزوجيّة من السّابق

أمّا إجازة بيع الولد فلأنّها ناظرة إلى الآثار و هي النماء و نحوه و قوله ع حتى ينفذ لك البيع لا يدلّ على تحقّق البيع سابقا و مجرّد تعلّق الإنفاذ بالبيع السابق لا يلازم الكشف الحقيقي فإنّ هذا هو مورد البحث في أنّ الإنفاذ المتأخّر يكشف عن تحقّق المنفذ سابقا أو هو بنفسه جزء المؤثر أو واسطة بينهما و أمّا مسألة الحلف فهي تناسب الكشف الحكمي أيضا فإنّ ترتيب الآثار من السّابق بالإجازة اللاحقة إنّما هو بعد فرض تحقّق الإجازة من المجيز و الحلف إنّما هو لاستكشاف الإجازة و إنّها ليست صوريا بحيث يكون المقصود

ص: 240

هو الوراثة

نعم هنا إشكال آخر و هو أنّه لو قلنا بدلالتهما على الكشف الحكمي فسريان هذا الحكم في غير مورد النصّ مشكل إلّا بدعوى القطع باتّحاد المناط في جميع أبواب العقود و الإنصاف أنّ المسألة مشكلة جدّا و لذا سلك كلّ واحد من الأساطين مسلكا و سدّ باب إشكال و فتح أبوابا فانظر ما في حاشية المحقّق الخراساني قدّس سرّه فإنّه بعد كلام له في تنقيح الشّرط المتأخّر قال فلا وجه للقول بالكشف بمعنى تحقّق المضمون قبل ذلك لأجل تحقّق الإجازة فيما بعد

نعم بمعنى الحكم بعد الإجازة بتحقّق مضمونه حقيقة ممّا لا محيص عنه بحسب القواعد فلو أجاز المالك مثل الإجازة الفضوليّة بعد انقضاء بعض مدّتها أو الزّوج أو الزّوجة عقد التمتّع كذلك فيصحّ اعتبار الملكيّة حقيقة للمستأجر و الزّوجيّة لهما في تمام المدّة الّتي قد انقضى بعضها بل و لو انقضى تمامها لتحقّق منشإ انتزاعها فإن قلت كيف يصحّ هذا و كان قبل الإجازة ملكا للموجر و لم يكن هناك زوجيّة إلّا أن يكون مساوقا لكون شي ء بتمامه ملكا لاثنين في زمان واحد و اجتماع الزوجيّة و عدمها كذلك قلت لا ضير فيه إذا كان زمان اعتبار ملكيّة لأحدهما في زمان غير زمان اعتبار الملكيّة للآخر في ذاك الزمان لتحقّق ما هو منشأ انتزاعها في زمان واحد لكلّ منهما في زمانين و كذا الزّوجيّة و عدمها إلى آخره

فإنّ ما أفاده من الحكم بعد الإجازة بتحقّق مضمون العقد حينه حقيقة لا يختصّ بالكشف الحكمي فإنّ تأثير إجازة المالك في الإجارة قبل زمان الإجازة و كذا تأثير إجازة الزّوج أو الزّوجة في عقد التمتّع من قبل يلائم مع النقل أيضا لأن نقل المنافع عبارة عن تأثير الإجازة في نقل المملوك مدّة زمان الإجارة فإن جميع مدة الإجارة بمنزلة عين واحدة خارجيّة فكما أنّه لو أجاز العقد الواقع على العين الشخصيّة تنتقل العين بأجمعها إلى الطّرف من حين الإجازة كذلك في الإجازة المتعلّقة بمدّة سنة تنتقل جميع منافع المدّة إلى الطّرف من حين الإجازة و لو انقضى بعض المدّة أو جميعها فيجب على مالك العين أجرة المثل لأنّ منفعة ملكه بإجازة عقد الإجارة انتقلت إلى غيره و منفعة ملكه عبارة عن منفعة مدّة الإجارة

و بعبارة أخرى المملوك مقدّم في باب الإجارة لا الملك فإنّ السّنة بمنزلة الكم و مقدار المنفعة هذا المقدار فبالإجازة جميع هذا المقدار يصير للمجاز له انقضى تمامه أو بعضه أو لم ينقض منه شي ء و المتعة بناء على ما هو ظاهر بعض الآيات و الأخبار من كونها إجارة فحكمها حكم الإجارة و أمّا بناء على ما هو الحقّ من كونها زوجيّة فحكمها حكم الدّائم من كونها متحقّقة حين الإجازة على ما هو مقتضى القواعد الأوّليّة و إن كان مقتضى الصّحيحة المتقدّمة هو الكشف

ثم لا يخفى ما في جوابه عن إشكال اجتماع مالكين في ملك واحد لأنّ اختلاف زمان اعتبار الملكيّة للاثنين لا يدفع إشكال اجتماع المالكين في ملك واحد في زمان واحد فإن اختلاف زمان الاعتبار بمنزلة اختلاف زماني الإخبار بوقوع المتناقضين في زمان واحد و بمنزلة اختلاف زماني الحكم بحكمين متضادّين فإن حكم الحاكم في يوم الجمعة بكون عين شخصيّة لزيد في هذا اليوم مع حكمه في يوم السّبت بكون شخص هذا العين في يوم الجمعة لبكر متناقض

و نظير ما أفاده قدّس سرّه في هذا المقام ما أفاده صاحب الفصول في الخروج عن الدّار المغصوبة و بالجملة كما أنّ الكشف بنحو الشّرط المتأخر محال لاستحالة تحقّق الحكم أو المعلول

ص: 241

قبل تحقّق موضوعه أو علّته كذلك يستحيل تحقّق الملك حقيقة حين العقد من حين تحقّق الإجازة لأنّ الشي ء إذا لم يتحقّق في زمان لعدم تحقّق تمام سببه فكيف يتحقّق في هذا الزّمان بتحقّق بعض سببه في زمان آخر و مجرّد كون الملك من الأمور الاعتباريّة لا يوجب صحّة اعتباره لاثنين في زمان واحد و لو كان زمان اعتباره كذلك في زمانين هذا تمام الكلام فيما قيل أو يقال في هذا المقام

و لكن أقوى الوجوه هو الواسطة بين الكشف الحقيقيّ و النّقل الّتي يعبر عنها بالكشف الحكمي و لكن لا من باب التعبّد الصّرف بأن يكون مقتضى القاعدة هو النقل و إنّما ثبت الكشف بالتعبّد بل لأنّه هو مقتضى القاعدة و ذلك للفرق بين الأمور المتأخّرة الّتي لها دخل في المتقدّم فإنّها لا تخلو عن أحد أقسام ثلاثة الأوّل كالقبض في الصرف و السّلم و القبض في الهبة و الوقف و نحو ذلك و الثّاني كالإجازة من المالك و المرتهن و نحوهما و الثّالث كإخراج الزّكاة بعد بيع الزكويّ و إبراء الدّين من المرتهن و فكّ الرّاهن الرّهانة و نحو ذلك أمّا القسم الأوّل فيتوقّف تأثير العقد على وجوده و لا مجال لتوهّم الكشف فيه مطلقا سواء كان جزء المؤثر كالقبض في الصرف و السّلم أم كان شرطا للصحّة كالقبض في الرّهن و الهبة و الوقف و أمّا الثّاني فحيث إنّه ناظر إلى ما وقع و تنفيذ لما سبق فيوجب تأثيره فيما سبق بالنّسبة إلى ما يمكن أن يتعلّق به الإنفاذ

و أمّا الثالث فهو و إن لم يكن في الظّهور مثل الثاني إلّا أنّه في نظر العقلاء حكمه حكم الثّاني فإنّ العرف و العادة بحسب ما ارتكز في أذهانهم يرون الأمر الّذي يصير موضوعا للحكم بتوسط العنوان المتأخّر أنّه هو الموضوع فالآثار المترتّبة على هذا الموضوع تترتّب عليه من أوّل الأمر و هذا المتأخر بمنزلة الواسطة في الثّبوت و الأدلّة الواردة في هذا الباب إمضاء لما ارتكز في أذهان العقلاء و ناظرة إلى ما هم عليه و الجامع بين القسمين الأخيرين أنّ موضوع الحكم هو المنفذ و الإنفاذ و ما يرجع إليه ناظر إلى المنفذ نعم هذا يختصّ بما إذا كان السّابق تمام الموضوع بالنّسبة إلى الآثار كما هو كذلك بالنّسبة إلى النماء و المنافع فبالإجازة ينكشف تحقّق حرّية الولد في مسألة الوليدة من قبل و لكنّه لا ينكشف بها أنّ وطي الزّوجة الّتي عقدها الفضولي زناء بذات البعل كما أنّه لا ينكشف بها تحقّق أصل الزّوجيّة و السرّ في ذلك هو ما عرفت أنّ ترتيب الآثار من قبل إنّما هو بالنّسبة إلى الآثار الّتي لها اعتبار بقاء في زمان الإجازة لا الآثار الّتي ليست كذلك و لا تحقّق نفس المنشأ من قبل فتدبّر جيدا

[بقي الكلام في بيان الثّمرة بين الكشف باحتمالاته و النّقل]
اشارة

قوله قدّس سرّه بقي الكلام في بيان الثّمرة بين الكشف باحتمالاته و النّقل إلى آخره

لا يخفى أنّ ما ذكره من الثّمرة بين الكشف الحقيقيّ بمعنى كون الإجازة بوجودها المتأخّر شرطا و بينه بمعنى كون الشّرط تعقّب العقد بها من عدم جواز تصرف كلّ منهما فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي و إن علم بإجازة المالك بناء على الأوّل و جوازه بناء على الثّاني لا وجه له لأنّ جواز التصرّف من آثار تحقّق الملكيّة حين العقد و المفروض تحقّق الملكيّة قبل تحقّق شرطها بناء على تعقّل الشّرط المتأخّر فلا مانع من جواز تصرّف كلّ منهما فيما انتقل إليه إذا علم بإجازة المالك

و لا بدّ أن يكون جواز التصرّف مطّردا على جميع وجوه الكشف الحقيقي ثم لو سلّمنا الفرق فلا وجه للحكم بحليّة الوطي واقعا على جميع أقسام الكشف الحقيقيّ حتى بناء على الشّرط المتأخّر بل يجب الفرق بين التعقّب و الشّرط المتأخّر فيقال بالجواز واقعا و الحرمة ظاهرا على الأوّل و الحرمة مطلقا على الثّاني لأنّ التعقّب

ص: 242

حاصل حين العقد دون الإجازة الخارجيّة

و بالجملة بناء على الكشف الحقيقيّ لا فرق بين أقسامه فيجوز له التصرف مطلقا لو علم بالإجازة و يجوز واقعا مع حرمته ظاهرا لو لم يعلم بها نعم على الكشف الحكمي يحرم التصرّف واقعا كحرمته ظاهرا لأنّ الحرمة لا تنقلب عما هي عليه بالإجازة و على هذا فالحق عدم صيرورة الموطوءة أم ولد بناء على الكشف الحكمي لأنّه إذا حرم عليه الوطي واقعا لعدم كونها ملكا له فبالإجازة لا يمكن ترتيب هذا الأثر من حين العقد لأنّ كون الموطوءة أم ولد مترتّب على الملك لا على ما هو في حكم الملك و لو قلنا بأن الكشف الحكمي مطابق للقاعدة لأنّه ليس للمالك قلب الحرمة إلى الحليّة و لا قلب غير الملك إلى الملك بل له إنفاذ ما وقع بالنّسبة إلى الآثار الّتي يكون العقد بالنّسبة إليها تمام الموضوع

و تقدم أنّه لا ينكشف بالإجازة كون الزّوجة الّتي زوّجها الفضولي ذات بعل و لا يكون الزّنا بها زناء بذات البعل لأنّ كونه كذلك موقوف على الزّوجيّة الواقعيّة و هكذا كون وطي الأمة المشتراة وطيا في الملك يتوقّف على كونها مملوكة حقيقة و هذا لا ينافي كون ولدها حرّا لأنّ الولد من النماء ثم لا يخفى في ما أفاده من الفرق بين الحكمي و الحقيقيّ في الإجازة بعد نقل المالك ما باعه الفضولي و ذلك لأنّه لا فرق على المسلكين في أنّ المالك يجوز له التصرّف في متعلّق عقد الفضولي و لو كان عالما بصدور العقد منه فإذا جاز له التصرّف نفذ تصرّفه و إذا نفذ فلا يبقى محلّ للإجازة لصيرورة المالك أجنبيّا

و احتمال بطلان تصرّفه لكشف الإجازة عن وقوعه في ملك الغير دور واضح لأنّ الإجازة إنّما تكشف عن ذلك لو كان المحلّ محلّا للإجازة و بقاء المحل فرع بطلان التصرّف و بطلانه فرع بقاء المحلّ للإجازة و بعبارة أخرى قد ذكرنا أن كاشفيّة شي ء عن شي ء إمّا لمناسبة تكوينيّة أو لمناسبة جعليّة و التكوينيّة مفقودة و الجعليّة ثابتة في صورة إجازة المالك لا الأجنبيّ و المالك الّذي تصرّف في متعلّق عقد الفضولي صار أجنبيا

نعم لو لم يكن للإجازة دخل في التأثير أصلا بل كانت كاشفة عن حكم الشّارع بصحّة العقد الّذي يتعقّبه الإجازة في علم اللّٰه أمكن أن تؤثر في بطلان النّقل و لكنّه مع هذا لا يمكن الالتزام به لأنّ إجازة الأجنبي ليست كاشفة عن حكم الشّارع ثم لا وجه لحكمه بصحّة النّقل على الكشف الحكمي و وجوب القيمة على المجيز لأنّه لو كان النّقل صحيحا لم يتحقّق حقّ للمشتري الّذي هو طرف الفضولي حتّى يعطي القيمة من باب الجمع بين حقّه و صحّة النّقل

و قياس الإجازة على الفسخ الخياري مع انتقال متعلّقه بنقل لازم قياس مع الفارق لأن الفسخ حلّ العقد و لا يتعلّق حق الخيار بالعين و إلّا لم يكن تصرّف من عليه الخيار نافذا فإذا كان متعلّقا بالعقد و لم يكن النّقل اللّازم ممّن عليه الخيار مانعا من إعمال ذي الخيار حقّه فمقتضى الجمع بين بقاء الحقّ و صحّة النقل أن يرجع بدل العين إلى الفاسخ و هذا بخلاف الإجازة فإنّها بعد انتقال المبيع بالنّقل الصّحيح اللّازم إلى غير طرف الفضولي لا يبقى محلّ لها حتّى يجمع بين نفوذها و صحّة النّقل بإعطاء القيمة إلى طرف الفضولي

ثمّ إنّ في بعض نسخ المتن سقط لفظ الأم و العبارة هكذا و لو نقل المالك الولد عن ملكه قبل الإجازة فأجاز بطل النّقل على الكشف الحقيقي لانكشاف وقوعه في ملك الغير مع احتمال كون النّقل بمنزلة الردّ و بقي صحيحا على الكشف الحكمي و على المجيز قيمته إلى آخره فتوهّم أنّ هذه العبارة

ص: 243

لا يرد عليها إشكال لأن بيع الولد لا يوجب عدم بقاء محلّ الإجازة بالنّسبة إلى الأم فإذا باعه المالك و أجاز عقد الفضولي الواقع على الأم فيجمع بين نفوذ البيع و صحّة إجازته فإذا حكم بمقتضى الكشف الحكمي بترتيب الآثار الممكنة من حين العقد فمن الآثار النّماء و هو الولد لأنّه تابع للعين فيصحّ نقل الولد و يجب قيمته على المجيز لأنّ نقله بمنزلة إتلافه

و لا يخفى أنّ هذا مضافا إلى مخالفته لسائر النّسخ الموجود فيها لفظة الأم و أنّ ظاهرها تعلّق الإجازة بعين ما تعلّق به النّقل يرد عليه أنّ مثل هذا النّماء المنفصل المستقلّ لا وجه لكونه تبعا للعين فلو أجاز بيع الأم فبناء على الكشف الحقيقيّ يصحّ أن يقال الولد للمجاز له تبعا لأنّه حدث في ملكه و أمّا بناء على الكشف الحكمي فالمفروض أنّه لم يحدث في ملكه و إنّما يحكم تعبدا أو قاعدة أنّه في حكم حدوثه في الملك و هذا التعبّد أو القاعدة إنّما يصحّ إذا كان للإجازة محلّ و بعد صحّة النّقل لا يتعلّق للمجاز له حقّ به حتى يجب على المجيز بدله جمعا بين الحقّين

قوله قدّس سرّه و ضابط الكشف الحكمي الحكم بعد الإجازة بترتّب آثار ملكيّة المشتري من حين العقد إلى آخره

لا يخفى أنّه سواء قلنا بأنّ الالتزام بالكشف الحكمي من باب التعبّد الصرف أم قلنا بأنّه من المرتكزات العقلائيّة فما لم يتحقّق الإجازة لا يؤثر العقد و لكنّه إذا تحقّقت فتترتب جميع الآثار الممكنة الترتّب على نفس السّبب و هو العقد في ظرف حصوله و من الآثار الممكنة في العقد المعاوضي المنافع أو النّماء فما كانت موجودة حين الإجازة كالصّوف و أثمار الأشجار و نحوهما يحكم بأنّها ملك لطرف الفضولي بجميع مراتب وجودها من حين العقد إلى زمان الإجازة و ما كانت تالفة كالمنافع المستوفاة أو التّالفة من غير استيفاء فمعنى ترتيبها من حين العقد هو الحكم بضمان المجيز لها للطّرف و لازم الضّمان الحكم بملكيّتها للطّرف لا الحكم بالملكيّة أولا ثم الضّمان فإنّ الملكيّة لا يعقل تحقّقها حين العقد مع تأخّر الإجازة لأنّ جهة الامتناع مشتركة بين العين و النماء

هذا مع أنّ ملكيّة النماء أو المنافع ليس لإنشاء معامليّ في عرض العين أو في طولها بل إنّما هي لحكم شرعيّ أو عقلائي تبعيّ و التبعيّة دائرة مدار المتبوع و بالجملة الحكم بملكيّة النّماء أو المنافع إنّما هو لاعتبار بقائهما من حين العقد إلى زمان الإجازة و هو يقتضي الضّمان فبهذا اللّحاظ يكونان من الآثار الممكنة الترتّب من زمان العقد و منها أيضا الوراثة فإنّها قابلة للتحقّق من زمان العقد إلى زمان الإجازة سيّما بناء على كون الكشف الحكمي من باب التعبّد الشرعي فإنّ إعمال التعبّد فيها بمكان من الإمكان و ليس موت أحد الزوجين كتلف العين فإنّ الزّوجين و إن كانا كالعوضين في باب البيع ركنين في النّكاح إلّا أن عدم قابليّة العين التّالفة لتعلّق الإجازة بها ليس لتلفها حتى يقاس موت الزّوج على التّلف بل للغويّة الإجازة فإن المبيع إذا تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه فلا يؤثر الإجازة في نقل المبيع إلى المشتري لوقوع التّلف في ملك البائع و هذا بخلاف موت أحد الزّوجين فإنّه لا يمنع من تعلّق الإجازة بعقد النّكاح فيرتّب عليه الإرث

فتحصّل ممّا ذكرنا أمور ينبغي الإشارة إليها الأوّل أنّ القائل بالكشف الحكمي قد جمع بين الكشف الحقيقيّ و النّقل فإنّ القائل بالكشف الحقيقي التزم به من جهة أن الإجازة ليست كسائر الأجزاء و الشّرائط مما له دخل في السّبب النّاقل بل هي راجعة إلى إنفاذ العقد

ص: 244

السّابق القاصر من حيث السّببيّة إمّا بحسب الاقتضاء كعقد الفضولي و إمّا لوجود المانع من تأثيره كعقد الراهن و نحوه ممّا يتعلّق به حق الغير و القائل بالنقل التزم به من جهة مدخليّة الإجازة على أيّ حال في سببيّة السّبب و القائل بالكشف الحكمي جمع بين النّظرين فحكم بترتيب الآثار الممكنة الترتّب من حين العقد بعد تحقّق الإجازة دون ما لا يمكن للزوم الاستحالة و منشأ التزامه به هو كون الإجازة راجعة إلى إنفاذ الإنشاء السّابق و الإنشاء السّابق و إن لم يكن من أجزاء مدلوله وقوع المنشأ حين الإنشاء إلّا أنّه حيث كان ظرفه قبل ذلك فمقتضاه وقوع منشئه حين الإنشاء

و الإنشاء قد يصدر ممّن يؤخذ بجميع مدلولات كلامه المطابقيّة و الالتزاميّة كالرّاهن فإنّ له الالتزام بما أنشأه و قد يصدر ممّن ليس له الالتزام بما أنشأه لعدم كونه تحت قدرته كالفضولي فالّذي يتوقّف على الإجازة في بيع الراهن هو مدلوله المطابقي و هو إيجاد المادة بالهيئة دون التزامه بما أوجده و في الفضولي كلا الالتزامين فالإجازة من المرتهن تنفيذ للبيع وحده و من المالك تنفيذ للبيع و التزام منه أيضا بما أنشأه الفضولي و لا شبهة أنّ ما أنشأه الرّاهن أو الفضولي هو إيجاد البيع فإجازة المرتهن أو المالك إنفاذ للمدلول المطابقي أو لكلا المدلولين

الثّاني أنّ الإجازة إنّما تؤثّر عند بقاء محلّها كما إذا لم يتصرّف المالك أصلا أو تصرف تصرّفا غير مناف لها كما لو آجر الدّار الّتي باعها الفضولي فيجمع بين صحّة الإجارة و ترتيب آثار ملكيّة المشتري بأخذ بدل الأجرة من المالك و أمّا لو تصرف بالتصرّف المنافي كالبيع و العتق و الوطي و نحو ذلك أو أتلفه أو تلف بنفسه فلا يبقى محل للإجازة للزوم الدّور كما عرفت من غير فرق بين الجميع أمّا في مورد التّلف فلانفساخ العقد به قبل القبض الصّحيح و أمّا في مورد الإتلاف فلعدم قابليّة التّالف لأن يكون ملكا للمجيز فلا يؤثر إجازته نعم لو قيل ببقاء محلّ الإجازة فالحقّ الرّجوع إلى البدل و لو بالتصرّف البيعيّ فضلا عن العتق لا بطلان التصرّف لأنه ليس من الآثار الممكنة فإنّه وقع من مالكه في محلّه فمقتضى نفوذ تصرّفه و إجازته جمعا هو الرّجوع إلى البدل ثم هل يلحق الرّهن بالإجازة أو بالبيع وجهان و الأقوى هو الأوّل لأنّ الرّهن ليس مفوّتا لمحلّ الإجازة لأنّ للرّاهن البيع غاية الأمر أنّ نفوذه موقوف إمّا على فكّ الرّهن و إمّا على إسقاط المرتهن حقّه فله الإجازة أيضا فحكم الإجازة حكم أصل بيع المال المرهون و بيع المفلس و بعبارة أخرى كون المال رهنا لا يوجب عدم مالكيّة المالك لإنشاء البيع فلا يوجب عدم مالكيّته لإجازة البيع الّذي أوقعه الفضولي

الثّالث قد تبيّن ممّا تقدم أنّ القائل بالكشف الحكمي له دعويان أولاهما بمنزلة الكبرى و هي أنّ مفاد الإجازة الالتزام بترتيب الآثار الممكنة من حين العقد و ثانيهما بمنزلة الصغرى و هي أنّ المنافع و النّماءات من الآثار الممكنة و قد ظهر صدق الصّغرى باعتبار أنّ لهما آثارا وجودية بحسب الضّمان فبقي الكلام في تنقيح الكبرى و هو أنّه هل مفادها ترتيب جميع الآثار حتى تكون بمنزلة الأمارات في إثبات لازمها و ملزومها و ملازمها بناء على الطّريقيّة بحيث لو وطئ المشتري الجارية قبل الإجازة لسقط عنه الحدّ بإجازة المالك و كان الولد له لا للمالك و كانت الجارية أم ولد أو مفادها مفاد الأصول فلا يترتّب عليها إلّا الآثار الشّرعيّة دون العادية و العقليّة و دون ملزوماتها أو مفادها مفاد الأمارات بناء

ص: 245

على السّببية التّصويبيّة وجوه

و الصّواب هو التّفصيل و هو أنّه لو قلنا بأنّ الكشف الحكمي على طبق القاعدة فلا بدّ من الالتزام بأنّ مفاد الإجازة مفاد الأمارات على السّببيّة و ذلك لأنّ الكشف الحكمي في الحقيقة راجع إلى النّقل غاية الأمر حيث إنّ مفاد الإجازة تنفيذ العقد السّابق فيرتّب الآثار الممكنة على العقد السّابق و لكن الحكم بترتيبها عليه من حين الإجازة فكان العقد حقيقة وقع حينها و لكن المجيز التزم بترتيب الآثار من حين العقد فليس للآثار قبل الإجازة وجود واقعيّ تكشف عنها الإجازة حتى تكون الإجازة كالأمارة القائمة على كون الملك ملكا لطرف الفضولي من حين العقد فيرتّب عليه جميع الآثار أو تكون كالاستصحاب القائم على كون الملك ملكا للطّرف من حين العقد فيرتّب عليه الآثار الشّرعيّة المترتّبة على المستصحب بلا واسطة فيحكم بكون الجارية المستولدة أمّ ولد بناء على أن يكون موضوعه الوطي في زمان الملك لا الوطي حال الملك الذي هو عنوان منتزع من الوطي الوجداني و الملكيّة المستصحبة بل الإجازة هي بنفسها علة للحكم بترتيب الآثار و ليس لترتيبها واقع انكشف بالإجازة فعلى هذا يجب أن تكون الآثار الّتي تترتّب على العقد بسبب الإجازة خصوص الآثار الّتي التزم بها المتعاقدان مطابقة أو تضمّنا و تبعيّا كالمنافع و النماء و إرث الزّوجين و نحوها دون الآثار الشرعيّة المترتّبة على العقد الواقع كالحكم بحليّة الوطي و كون الموطوءة أم ولد لأن جميع الأحكام التّكليفيّة تعبديّة شرعيّة لا مالكية

و هكذا بعض الأحكام الوضعيّة كسقوط الحدّ و صيرورة الموطوءة أم ولد و تغسيل أحد الزّوجين للآخر فإنّ هذه الأحكام لم يلتزم بها العاقد لا مطابقة و لا تبعا نعم لو كانت الآثار الشرعيّة من الآثار الّتي رتّبها الشّارع على الملك لا تعبّديّة محضة كالمنافع فتترتّب على العقد فإنّها و إن لم تكن ممّا التزم بها العاقد بل كان ترتّبها على العقد لتعبّد شرعيّ إلّا أنّها من الآثار المترتّبة على الملك لا التعبديّة الصّرفة و أمّا لو قلنا بأنّ الكشف الحكمي من باب التعبّد فلا بدّ في ترتيب الآثار من النّظر إلى مقدار التعبّد و حيث إنّه ليس في الأخبار عموم أو إطلاق فيقتصر على القدر المتيقّن و هو الآثار المترتّبة على الملك و نحوه لأن الأخبار الدالّة على هذا المعنى كصحيحة محمّد بن قيس و خبر نكاح الصّغيرين لا يستفاد منها إلّا هذا المقدار من الأثر فإنّ الثّاني لا يدل إلّا على الحكم بالإرث و الأوّل لا يدلّ إلّا على أخذ الوليدة مع ابنها قبل الإجازة و نفوذ بيع الفضولي بعد الإجازة بالنّسبة إلى حريّة الولد و هي من آثار الوطي في الملك

فعلى هذا لا فرق بين المسلكين في ترتيب خصوص الآثار الّتي لها اعتبار وجود في ظرف الإجازة ثم إنّ هذه الآثار تترتّب على العقد إذا كانت ممّا التزم به المجيز على نفسه أي كانت عليه و أمّا إذا كانت ممّا التزم به الطّرف على نفسه فلا دليل على ترتيبها على العقد بالإجازة إلّا من باب التزام الطّرف بها فلو وطئ المالك الأمة المبتاعة فضولا قبل إجازته و صارت مستولدة وقع الوطي في ملكه فالولد حرّ و أمّه أمّ ولد فلو كانت ممّن لا يجوز بيعها يصير الوطي كالعتق مفوّتا لمحلّ الإجازة و لو كانت ممّن يجوز بيعها كما في ثمن رقبتها في مورد إعسار المولى فللإجازة محلّ و لكنّها لا تكشف عن وقوع وطي المجيز في غير ملكه و أنّ الوطي كان حراما و أنّ الولد رقّ للمجاز له لأنّ الحكم برقيّته الحرّ و حرمة الحلال ليسا من الآثار

ص: 246

الممكنة

و أمّا لو وطئها المشتري قبل إجازة المالك و استولدها ثم أجاز المالك فيمكن الحكم بحريّة الولد لأنّ صيرورة الرقّ حرّا من الآثار الممكنة و من الآثار الثّابتة على المجيز لا الثّابتة له

و لو انعكست المسألة بأن كان المالك البائع أصيلا و وطئها قبل إجازة المشتري الّذي اشتريت له فضولا فاستولدها ثم أجاز المشتري فالإجازة لا تكشف هنا عن صيرورة الولد رقا لأن الأمة بناء على النّقل و الكشف الحكمي قبل إجازة المشتري تكون في ملك البائع الأصيل فالولد انعقد حرّا فبإجازة المشتري لا تنقلب الحريّة إلى الرقّية بل الأمر كذلك و لو قلنا بأنّ الوطي من المالك حرام لالتزامه بخروج الأمة عن ملكه و أنّ الولد رق لأنّ الحكم بالرقيّة ليس من باب الإجازة فإنّها من الآثار الّتي له لا عليه بل من باب التزام طرفه بكونه له كما في ميراث أحد الزّوجين من الآخر بناء على أن يكون الإرث من الآثار الّتي التزمه الزّوجان على أنفسهما أو من الآثار الشّرعيّة المترتّبة على الزّوجية فإنّ الحكم بإرث المجيز المال الّذي تركه الآخر الميّت ليس لإجازته بل لحكم الشّارع أو لالتزام الميّت

به ثم إنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ النزاع بين الكشف الحقيقي و الحكمي ليس علميّا صرفا و ممّا لا يترتّب عليه الأثر و ذلك لاختلاف المسلكين في ترتيب جميع الآثار أو بعضها فإنّ القائل بالكشف الحكمي لا يمكنه الالتزام بترتيب جميع الآثار

[منها أن فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له على القول بالنقل دون الكشف]

قوله قدّس سرّه و منها أن فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له على القول بالنقل دون الكشف إلى آخره

لا يخفى أنّ المراد من الكشف هنا الكشف الحقيقيّ لا الحكمي فإنّه في هذه الثّمرة مثل النّقل

ثم لا يخفى ما يرد على كلامه قدّس سرّه من المناقشات منها أنّ الفرق بين الكشف و النّقل في هذه الثّمرة يصحّ في غير الشّرط المتأخر فإنّ العقد تام من طرف الأصيل لو كان مقارنا للرّضا التقديري أو مقارنا لوصف التعقّب أو كان هذا النّحو من العقد تاما في علم اللّٰه و أمّا لو كانت الإجازة شرطا متأخّرا فالعقد ليس من طرفه أيضا تامّا لأنّا و إن قلنا بالمحال و هو تحقّق الملكيّة قبل تحقّق موضوع الملك و شرطه إلّا أنّه لم يتحقّق نفس العقد أيضا قبل تحقّق أركانه الّتي منها الإجازة و منها أنّ قوله بل قبل تحقّق شرط صحّة العقد كالقبض في الهبة و الوقف و الصّدقة لا يصحّ بإطلاقه فإنّ حكم القبض الّذي يتوقّف صحة العقد عليه ليس مطلقا حكم القبول قبل الإيجاب أو الإيجاب قبل القبول في جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء صاحبه فإنّ في الصّرف و السّلم لا يجوز لكلّ منهما إبطال ما أنشأه بعد تماميّة العقد قبل القبض مع أنّ الملكيّة متوقّفة على القبض بل يجب عليهما الإقباض لأنّ كلّا منهما ملزم بما التزم على نفسه و هو التّسليم و التسلّم فإنّهما من الشّروط الضمنيّة الّتي ينشئها المتعاقدان

نعم الظّاهر أن جواز الإبطال في الوقف قبل القبض مسلّم و يمكن أن يكون جوازه من جهة إيقاعيّته و لذا استشكل في الرّهن و منها ما يرد على قوله فالأولى في سند المنع إلى آخره لأن حاصل كلامه أنّ إنكار تحقّق الثّمرة بالمنع من جواز الإبطال على القول بالنّقل أيضا لا يستقيم فالأولى في سند منكر ثبوت الثّمرة أن يقال إطلاقات صحّة العقود يدفع احتمال شرطيّة عدم تخلّل الفسخ بين العقد و الإجازة

و حاصل الإيراد عليه أنّه ليس الكلام في احتمال شرطيّة عدم تخلّل الفسخ شرعا حتى يتمسّك بالإطلاق بل لو كان شرطا لكان الفسخ مضرّا بصدق العقد و ذلك لأنّ الإجازة بناء على النّقل حكمها حكم الإيجاب و القبول في أنّها من

ص: 247

أركان العقد فلو فسخ الأصيل بعد الإيجاب و القبول قبل الإجازة فهو كما لو فسخ الموجب بعد الإيجاب قبل القبول إلّا أن يمنع ذلك و يقال بالفرق بين الإجازة و الإيجاب و القبول و لو بناء على النّقل كما سيجي ء

ثم لو سلّمنا أنّ الإيجاب بدون القبول عقد إلّا أنّه لو احتمل أنّ بالفسخ ينهدم عقديّته فلا وقع للتمسّك بإطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لا يقاس على الفسخ بعد العقد للشكّ في عقديّته بعد صدور الفسخ في المقام و الإطلاق لا يثبت موضوعه بخلاف الفسخ بعد تماميّة العقد و لعلّه قدّس سرّه إلى ذلك أشار بقوله و لا يخلو عن إشكال

[و منها جواز صرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النّقل]
اشارة

قوله قدّس سرّه و منها جواز صرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النّقل إلى آخره

لا يخفى أنّه لو قلنا بأنّ الفسخ قبل الإجازة بناء على النّقل مبطل لإنشاء الأصيل فحكم التصرف حكم الفسخ بالقول لأنّه فسخ فعليّ و أمّا لو لم نقل بإبطاله فهل يجوز له التصرّف فيما انتقل عنه بناء على النقل دون الكشف أو لا يجوز مطلقا أو يجوز مطلقا وجوه و الأقوى أنّه لا يجوز تصرّفه مطلقا بناء على استفادة الحكم التكليفي من قوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لدلالته على أنّ كلّ منشئ و معاهد ملزم بإنشائه و عهده فإنّ وجوب الوفاء تكليفا لا معنى له إلّا تعلّقه بفعل المتعاقدين أي يتعلّق بالمعنى المصدري فيجب على كلّ منهما الالتزام بما ألزم على نفسه و هو إيجاده المادة بالهيئة سواء تحقّق الالتزام من الآخر أم لا

نعم لو كان الوجوب متعلّقا بنتيجة المصدر جاز تصرّفه على النّقل لا الكشف و لو على نحو الشّرط المتأخّر لأنّه بناء على النّقل لم تحصل الملكيّة بعد و بناء على الكشف حاصلة مطلقا حتى بناء على الشّرط المتأخر سواء كان المتأخّر شرطا للسّبب النّاقل أم كان شرطا لمؤثرية السّبب لأنّ الملكيّة على كلّ تقدير حاصلة و لذا قلنا باستحالة تحقّقها مع عدم تحقّق سببها الّذي منه الإجازة و على الوجه الأخير حمل المصنف الشّرط المتأخّر الّذي التزم المشهور به كما استفاده من كلام المحقّق و الشهيد الثّانيين من قولهم إنّ العقد سبب تام

و بالجملة لو كان الوفاء متعلّقا بنتيجة الفعل يمكن التفصيل بين الكشف و النّقل و أمّا لو كان متعلّقا بنفس الفعل فالالتزام من طرف الأصيل مطلقا حاصل و على أي تقدير فالجواز مطلقا لا وجه له

و توضيح ذلك مع توضيح هذه الثمرة و الثمرة المتقدّمة يحتاج إلى تمهيد أمور الأوّل في إمكان الفرق بين الفسخ الفعليّ و القولي و عدمه الثّاني في إمكان وجوب الالتزام على أحد المتعاقدين بما أنشأه مع عدم حصول الالتزام من الآخر و عدمه الثّالث في إمكان الفرق بين البيع و النّكاح في وجوب الالتزام على الأصيل و عدمه الرابع في بيان إمكان الفرق بين النقل و الكشف و عدمه ثم الفرق في أقسام الكشف أمّا الأوّل و الثّالث فتنقيحهما يتوقّف على الثّاني و الحقّ فيه إمكان التفصيل في وجوب الالتزام بالنّسبة إلى أحد المتعاقدين و ذلك لأنّه متعلّق بما هو فعل العاقد و لا شبهة أنّ المعنى المصدري من طرف الأصيل تام لتحقّق أركان العقد من الإيجاب و القبول و إنّما النّاقص هو الاستناد إلى المالك

و بعبارة واضحة تارة أحد المتعاقدين يعطي التزامه الآخر و تنقطع إضافته عن ماله كما في المقام بالنّسبة إلى الأصيل و الصّرف و السّلم بالنّسبة إلى كلا المتعاقدين و أخرى يعطي التزامه الآخر و ينشئ البيع و لكن لا ينقطع ملكه عنه كما في الإيجاب قبل القبول فإنّ في الفضولي التزام الأصيل تام لتحقّق المادة القابلة لفعليّتها بإجازة المالك بخلاف الإيجاب قبل القبول فإنّه وقع

ص: 248

ما أنشأه الموجب غير تام و لا متعلّق بأحد بل مراعى بقبول الآخر و لا يتوقف تحقّق الالتزام من طرف على تحقّق الملكيّة و هي اسم المصدر لأنّ وجوب الالتزام ليس من آثار تحقّق النّتيجة و لذا يجب على المتعاقدين الإقباض في باب الصرف و السّلم لو لم يكن لهما خيار المجلس مع أنّ الملكيّة تتوقّف على القبض و ذلك لأنّ الإقباض من آثار المعنى المصدري الّذي تحقّق بالإيجاب و القبول

و بعبارة أخرى وجوب الالتزام مقابل لثبوت الخيار و لا معنى للخيار قبل القبول و أمّا بعد القبول و لو قبل حصول الملك فلا مانع من ثبوته كما في خيار المجلس في بيع الصّرف و السّلم لأنّ الخيار ملك حلّ العقد و إقراره فوجوب الالتزام متفرّع على تحقّق العقد لا الملك و المفروض في باب الفضولي أنّ العقد تامّ و لو لم يكن مؤثرا من باب عدم استناده إلى مالكه و لا ينافي وجوب الالتزام على شخص عدم وجوبه على آخر و إن كان تملك أحدهما الثّمن منوطا بتملّك الآخر المثمن فإنّ التزام أحدهما لا يناط بالتزام الآخر لأنّ نتيجة مقابلة الجمع بالجمع في قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ التّوزيع فكلّ واحد ملتزم بالوفاء بالعقد من طرفه فلا ينافي حرمة التصرّف على الأصيل فيما ينتقل عنه عدم جواز تصرّفه فيما ينتقل إليه لأنّ جواز تصرّفه فيه من آثار الملكيّة و من آثار التزام الآخر الّذي لم يتحقّق في الفضولي قبل الإجازة فعلى هذا لا يؤثر فسخ الأصيل و يحرم عليه التصرّف و لا ينفكّ أحدهما عن الآخر

نعم لو شكّ في وجوب الالتزام عليه أمكن التّفكيك بينهما في الأصول العمليّة فإنّ مقتضى الاستصحاب جواز التصرف و لا أصل في تأثير الفسخ القولي و عدمه و ممّا ذكرنا ظهر أيضا عدم إمكان التفكيك بين أحكام البيع و النّكاح فلو قيل بتأثير عقد النّكاح من طرف الأصيل في أحكام المصاهرة كما هو صريح القواعد يجب القول بتأثير عقد البيع لحرمة تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه لأنّ أحكام المصاهرة كما لا تناط بالزّوجيّة بل بالعقد على امرأة فكذلك أحكام البيع لا تناط بالملكيّة بل بإنشائها و ذلك ظاهر

و أمّا الرابع فتارة يتكلّم في الفرق بين أقسام الكشف و أخرى بين النّقل و الكشف أمّا الفرق بين أقسام الكشف فيظهر من المصنف قدّس سرّه أنّه بناء على وصف التعقّب لا مانع من تصرّف الأصيل لأنّ مجرّد احتمال انتقال المال عنه في الواقع لا يقدح في السّلطنة الثّابتة له و لا وجه لإلقاء أصالة عدم الإجازة فإنّ إلغاءها يدور مدار التعبّد ففي كلّ مورد ألغاها الشّارع كما في إجازة أحد الصّغيرين بعد موت الآخر و لذا حكم بوجوب عزل الميراث نقول به و في كلّ مورد لم يقم دليل خاصّ على إلغائها نتمسّك بها

و أمّا بناء على الشرط المتأخّر بأن يكون الإجازة شرطا لمؤثريّة العقد فلا يجوز التصرّف حتى مع العلم بعدم الإجازة فعلى هذا لا يفيد إجراء أصالة عدم الإجازة و فيه أنّه لا وجه للتّفكيك بين أقسام الكشف لأنّه لو سلم جواز التصرّف بناء على شرطيّة وصف التعقّب من باب الشكّ في الشّرط لجاز بناء على الشّرط المتأخّر لأنّ مدخليّة الإجازة في التّأثير لا إشكال فيها فعلى أيّ حال الشّرط مشكوك

نعم لو قيل بعدم مدخليّة الإجازة أصلا و كان وجودها كعدمها لكان للفرق بينهما وجه و الالتزام بهذا ينافي مدخليّتها في التّأثير و أمّا الفرق بين النّقل و الكشف بجواز التصرّف على الأوّل دون الثّاني ففيه أنّه لو قلنا بأنّ التزام أحد المتعاقدين غير منوط بالتزام الآخر و أنّ العقد من طرف الأصيل تام و قلنا بالفرق بين النّذر المشروط و التزام الأصيل

ص: 249

و هو تعليق النّذر على حصول الشّرط دون الالتزام فإنّه لم يعلّق بإجازة الآخر فلا وجه للفرق بين النّقل و الكشف فإنّ التصرف على أي حال حرام لأنّ التزام الأصيل تام مطلقا

تنبيه قد يستدلّ بالخبر الوارد في تزويج الصّغيرين فضولا على حرمة تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه

بتقريب أنّه لو جاز تصرّفه مع احتمال انتقال المال عنه لجاز تصرّف الورثة فيما تركه أحد الزوجين قبل إجازة الآخر فحرمة تصرّفهم و وجوب العزل يكشف عن أنّ الشّارع راعي احتمال انتقال المال عن مالكه إلى غيره و فيه أنّ مسألة العزل لا دخل لها بالمقام فإن إجازة أحد الزّوجين ليست موجبة لانتقال المال من الورثة إليه

و بعبارة أخرى مجرّد موت المورث غير موجب لانتقال المال إلى الورثة حتى ينتقل المال بسبب الإجازة منهم إلى المجيز بل مال الميّت بمقدار حقّ الزّوج لا ينتقل إلى أحد و يبقى في حكم ماله حتّى يجيز المجيز فيرثه أو يرد فيرثه الورثة فبقاء حقّ الزّوج كبقاء حقّ الحمل و بقاء حق من أسلم قبل القسمة و بالجملة ليس حرمة تصرف الورثة من جهة تعلّق حق للغير بالمال كتعلّق حقّ المرتهن و لا لاحتمال خروج المال عنهم بالتزام مورّثهم به كالتزام الأصيل بخروج المال عن ملكه بل لبقائه في حكم مال الميّت إلّا أن يقال وجه بقائه في حكم مال الميّت ليس إلّا التزام الميّت بخروجه إلى ملك الزّوج و المفروض أنّ الوارث بمنزلة مورّثه فيحرم عليه التصرّف لالتزام مورثه بالخروج نعم لو قيل بأنّ العزل حكم تعبّدي فلا دخل له بالمقام و الحقّ أنّ الأمر كذلك و لذا لو قلنا بجواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه و نفوذ فسخه القولي قبل الإجازة لا نقول بجواز ذلك للورثة و ليس إلّا لعدم دخول حقّ الزّوج أو الحمل في ملكهم فحرمة تصرّفهم ليست دليلا لحرمة تصرف الأصيل

[مسألة النذر المشهورة]

قوله قدّس سرّه مسألة النذر المشهورة بالإشكال إلى آخره

لا يخفى أنّ بيان حكم أقسام النّذر و إن كان خارجا عن المقصود إلّا أنّه لا بأس بالإشارة إلى ما هو الحقّ فيه إجمالا فنقول تارة يتعلّق النذر بالنّتيجة و أخرى بالفعل و على الثّاني قد يكون منجّزا و قد يكون معلّقا و على الثّاني تارة تحقّق المعلّق عليه بعد النّذر و أخرى لم يتحقّق و على الثّاني قد يعلم بتحقّقه و قد يشكّ و التّعليق تارة على أمر اختياري و أخرى على غيره و بعض الأساطين و إن جوّز تصرّف النّاذر في أغلب الصّور إلّا أنّ الحقّ في جميع الأقسام عدم جواز التصرّف لا لتعلّق حقّ الفقراء أو غيرهم به ممّن يرجع فائدة النذر إليه لأنّ ذلك ممنوع فإن نذر كون الحيوان صدقة لا يوجب ثبوت حقّ للفقير متعلّق بالحيوان فإنّ الفقير في النذر هو المصرف فهو كالأجنبي الّذي شرط أحد المتعاقدين على الآخر إعطاءه درهما فليس للأجنبي إسقاط الشرط و لا المطالبة به و لا يرثه وارثه لأنه ليس هو المشروط له و الفقير أيضا كذلك ليس له و لا لوارثه بعد موته المطالبة بوفاء النذر

و بالجملة يتعلّق للّه سبحانه على النّاذر حق و لا يتعلّق للغير حقّ عليه فليس المنع من جهة تعلّق حقّ الغير به بل لأنّ النّاذر بسبب النّذر سلب عن نفسه حق جميع تصرفاته في المنذور سوى تصرّفه في جهة نذره فلا يجوز له تصرّفه في غيرها و لا ينفذ منه

[ثم إنّ بعض متأخّري المتأخرين ذكر ثمرات أخر]

قوله قدّس سرّه ثم إنّ بعض متأخّري المتأخرين ذكر ثمرات أخر

لا يخفى أنّ في الثّمرة الأولى لا فرق بين القول بالكشف و القول بالنّقل في أنّ موت أحد المتعاقدين لا يوجب بطلان العقد و فوات محلّ الإجازة لأنّ المال ينتقل إلى الوارث

ص: 250

على نحو كان للمورث فسواء مات الأصيل أن من له الإجازة يبقى العقد على حاله

و أمّا سائر الثمرات فيظهر من صاحب الجواهر أنّها ليست بثمرة أيضا لأنّه لا فرق بين القولين في فوات محلّ الإجازة بعروض الارتداد الفطري في مطلق البيع و الارتداد الملّي في خصوص بيع المصحف و المسلم و بعروض تلف أحد العوضين أو نجاسته أو فقد شرط حال العقد أو حال الإجازة و قال قدّس سرّه ببطلان محلّ الإجازة في الثّمرة الأولى أيضا

و حاصل ما ذكره وجها لبطلان العقد في مورد انسلاخ أحد المتعاقدين عن قابليّة التملّك كالموت و الكفر و في مورد انسلاخ أحد العوضين عن قابليّة التملّك كالتّلف و عروض النّجاسة هو ظهور الأدلّة في اعتبار استمرار القابليّة للمالك و المملوك من حين العقد إلى حين الإجازة فلو لم يكن أحد المالكين حين الإجازة حيّا أو لم يكن الملك باقيا على ملكهما لا يفيد الإجازة لا سيّما في الثّاني ضرورة كون المعتبر على الكشف و النّقل رضا المالك و المفروض انتفاء مالكيّته بانتفاء قابليّة العين للتملّك و لا سيّما إذا كانت القابليّة أو الشّرط مفقودا حين العقد و إن تجدّدا حين الإجازة كما لو باع الخمر ثم صار خلا أو باع المجهول ثم تعيّن

أمّا على الكشف فواضح و أمّا على النّقل فلأنّ الإجازة ليست بنفسها عقدا بل هي راجعة إلى العقد فلو لم يكن المبيع حال العقد قابلا للتملّك لا يفيد قابليته حال الإجازة و اعترض عليه المصنف قدّس سرّه بما حاصله أنّه لا وجه لاعتبار استمرار القابليّة و لا استمرار التملّك المكشوف عنه بالإجازة إلى حينها كما لو وقعت بيوع متعدّدة على ماله فإنّهم صرّحوا بأنّ إجازة الأوّل توجب صحّة الجميع مع عدم بقاء مالكيّة الأوّل مستمرّا أو كما يشعر به بعض الأخبار حيث إنّ ظاهر بعضها و صريح الآخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة مع أن خبر الصّغيرين يدلّ على عدم اعتبار بقاء الملكيّة للمال بالملازمة لأنّ الزّوجين في باب النّكاح كالعوضين في باب البيع انتهى

أقول أمّا اعتبار الحياة فقد عرفت ما فيه و أمّا بقاء القابليّة فالنّقض بوقوع البيوع المتعدّدة في غير محلّه لأنّ المالك الأوّل أي المشتري من الفضولي و إن لم يبق ملكه إلى حال الإجازة سواء أجاز المالك الأصيل أم ردّ لأنّه بناء على الإجازة يقع للأخير و بناء على الردّ يبقى في ملك الرادّ إلّا أنّ عدم بقاء تملّكه إنّما هو بسبب الإجازة و إلّا فيستمرّ الملك في ملكه إلى حينها لأنّ المالك الأخير يتلقّى الملك من المشتري الأوّل فملك الأخير من آثار تملّك الأوّل كما أنّ تملّك الأوّل من آثار تحقّق الإجازة من المالك الأصلي

و بعبارة أخرى لا شبهة في بقاء مالكيّة المالك الأصلي إلى حين الإجازة و المالك الثّاني أي المشتري من الفضولي يستمرّ مالكيّته إلى زمان الإجازة أيضا و لذا بردّ المالك يبطل الجميع و بإجازته يصحّ الجميع و معنى صحّة الجميع مالكيّة الأوّل حين الإجازة ثم مالكيّة الثّاني ثم الثّالث إلى آخر البيوع فإجازة الأوّل موجبة لأمرين تملّك المشتري الأوّل و خروج الملك عن ملكه أيضا كما في الثّاني و الثّالث إلى أن ينتهي إلى آخر البيوع

فالأولى أن يقال أمّا مسألة التّلف فمن حيث الملكيّة لا يتفاوت الأمر بين الكشف و النّقل لأنّ المبيع لو تلف قبل القبض فهو من مال بائعه مطلقا سواء قلنا بالكشف أم بالنقل و حينئذ فعلى النّقل فات محلّ الإجازة لما ذكرنا سابقا من اعتبار بقاء المحلّل للإجازة و على الكشف يرجع إلى الأصيل

ص: 251

بالإجازة تنكشف صحّة البيع و دخول المبيع آنا ما قبل التّلف في ملك البائع

و أمّا من حيث النماء فلو فرض حصول من حين العقد إلى زمان التّلف ظهرت الثمرة بين القولين و أمّا تجدّد القابليّة بعد العقد قبل الإجازة أو حصول الشّرط بعده قبل الإجازة أو بالعكس فالبحث فيه تارة يقع في شرائط العقد و أخرى في شرائط العوضين ثالثة في شرائط المالكين فما كان من الأوّل كاعتبار البلوغ و العقل في العاقدين فتجدّده بعد العقد لا يفيد و لو على النّقل لأنّ الإجازة تنفيذ للعقد السابق لا أنّها سبب مستقلّ فإذا كان الشّرط عند العقد مفقودا فلا يفيد تحقّقه حين الإجازة و ما كان من الثّاني و الثّالث اللّذين يرجعان إلى شرط أثر العقد و هو الملكية ككون العوضين ممّا يتموّل عرفا و شرعا و بدو الصّلاح في بيع الثّمرة و كون مشتري المسلم مسلما فلو قلنا بظهور الأدلّة في اعتبار استمرار هذه الشّرائط من حين العقد إلى حين الإجازة كما اختار صاحب الجواهر فلا فرق بين القولين

و لو قلنا بما ارتضاه المصنف فبناء على الكشف يشترط تحقّق الشّرائط عند العقد و لو انعدمت حال الإجازة و بناء على النّقل يشترط تحقّقها حين الإجازة فإذا ارتدّ المسلم بعد شرائه المصحف قبل الإجازة لا يملكه على النّقل و يجبر على البيع على الكشف و لو انعكس بأن كان المشتري كافرا حين العقد و أسلم حين الإجازة فالأمر بالعكس

و لكن الأقوى هو الفرق بين هذه الشّرائط أيضا فإنّ المبيع تارة يخرج بعد العقد عن قابليّة التملّك شرعا و يعود قبل الإجازة إلى ما كان كما إذا صار الخلّ بعد العقد خمرا ثم صار خلّا قبل الإجازة فالحقّ في هذه الصورة تأثير الإجازة سواء قلنا بالكشف أو النّقل و هكذا لو صار المالك بعد العقد مفلسا ثم صار مليّا قبل الإجازة

و أخرى يخرج عن ملك المالك بالنّقل بعد العقد ثم يعود إلى ملكه بالاشتراء أو الفسخ أو الإقالة و الأقوى هنا عدم تأثير الإجازة لأنّ التصرّفات النّاقلة يخرج العقد عن قابليّة تعلّق الإجازة به و في إلحاق الرّهن بالتصرّفات النّاقلة أو بمسألة الفلس بعد العقد وجهان و الأقوى هو الثّاني لأنه كما لو صار المالك بعد العقد مفلسا ثم صار مليا قبل الإجازة فأجاز لا يضرّ عدم استمرار الشّرط لأنّ نفس المجيز لم يحدث في العين حدثا و إنّما طرأ عليها حقّ و ارتفع فكذلك في الرّهن إذا فكّه ثم أجاز لا ينبغي الإشكال في صحّة العقد نعم لو لم يفكّه توقّف صحّة العقد على إجازة المرتهن و ذلك لأنّ حكم الإجازة حكم البيع البدوي و مجرّد الرّهنية لا يوجب عدم صحّة البيع فلا يضرّ الرهانة بعد العقد إذا ارتفعت قبل الإجازة في تأثير الإجازة

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ ما اختاره صاحب الجواهر و المصنف لا يصحّ بإطلاقه فتأمّل جيّدا

[و ربما يقال بظهور الثّمرة في تعلّق الخيارات]

قوله قدّس سرّه و ربما يقال بظهور الثّمرة في تعلّق الخيارات إلى آخره

لا يخفى أنّ الأحكام المترتّبة على ملكيّة أحد المتبايعين تختلف على الكشف و النّقل كتعلّق الخمس و الزكاة و الأيمان و النّذور المتعلّقة بملك أحدهما و تعلّق الخيارات كخيار الحيوان أو العيب و الغبن

نعم لا يبعد سقوط خيار المجلس في المقام لأنّ مجلس العقد لا اعتبار به و لو على الكشف إلّا الكشف بمعنى عدم دخل الإجازة في التّأثير أصلا كما إذا قلنا بصحّة العقد في علم اللّٰه لو أجاز المالك و ذلك لاعتبار الإجازة في تأثير العقد على سائر الأقوال و مجلس الإجازة أيضا لا اعتبار به لأنّه ليس مجلس العقد فلو بقي المجلس إلى زمان الإجازة

ص: 252

فهو و إلّا يصير مجلس العقد كمجلس الوكيلين في أجزاء الصّيغة

و هكذا يشكل الأمر في مجلس الصّرف و السّلم فإنّ القبض المعتبر فيهما لا يمكن الالتزام باعتباره في مجلس العقد و لو على القول بالكشف و لا باعتباره في مجلس الإجازة و لو على النّقل و الالتزام ببطلان الفضولي فيهما أشكل و هكذا ثبوت حقّ الشّفعة بمجرّد العقد و لو على الكشف مشكل و بعد الإجازة و لو على النّقل أشكل لا سيّما بناء على الفوريّة

و يظهر ثمرة القولين فيما لو باع الفضولي حصّة أحد الشّريكين من زيد و قبل الإجازة باع الشّريك الآخر صحّته من عمرو ثم أجاز الشّريك فعلى الكشف يكون حقّ الشّفعة لزيد لأنّه صار شريكا للبائع الثّاني و على النّقل يصير لعمرو لأنه صار شريكا للمجيز فلزيد الأخذ بالشّفعة من عمرو على الكشف و لعمرو الأخذ بالشّفعة من زيد على النّقل و أمّا ثمرة القولين في ترتّب العقود على الثّمن أو المثمن فسيأتي الكلام فيها إن شاء اللّٰه تعالى

[و ينبغي التّنبيه على أمور]
[الأوّل أنّ النّزاع في حكم الإجازة إنّما هو في حكمها شرعا لا في معناها لغة]

قوله قدّس سرّه و ينبغي التّنبيه على أمور الأوّل إلى آخره

ريب في أنّ النّزاع في حكم الإجازة إنّما هو بحسب اعتبارها شرعا و عرفا في عقد الفضولي لا في معناها لغة و عرفا فالقائل بالكشف يقول حيث إنّ المالك يسند إلى نفسه ما وقع من الفضولي في موطنه فيقتضي أن يكون إجازته مؤثرة في الملكيّة حال العقد و القائل بالنّقل يدعي أنّ العقد يتمّ حين الاستناد فهما مختلفان في عالم الثبوت في أنّ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هل تعلّق بالمالك حين العقد أو حين الإجازة فإذا كان الأمر كذلك فلو قصد القائل بالكشف إنشاء الالتزام بمضمون العقد من حين الإجازة و قصد القائل بالنّقل عكس ذلك ففي صحّة الإجازة وجهان

ثم إنّ الكلام في صحّتها يقع في مقامين الأوّل صحّتها على طبق ما قصد منها و الثّاني أصل صحّتها بمعنى الاكتفاء بها و عدم الافتقار إلى إجازة جديدة على طبق ما اعتقده المجيز من القولين

أمّا الكلام في المقام الأوّل فبعد ما عرفت أنّ اختلاف القولين إنّما هو في اقتضاء عقد الفضولي الّذي تعقّبه إجازة المالك للكشف أو النّقل بحسب الثبوت شرعا فلا يمكن القول بصحّة الإجازة و وقوعها على طبق ما قصد لأنّ اقتضاءها ذلك ليس من قبيل الاقتضاء بحسب الإطلاق لو خلي و طبعه حتى يمكن تقييده أي ليس من قبيل اقتضاء العقد سلامة المبيع حتّى يمكن إسقاط خيار العيب بالشّرط فيقال في المقام بأنّ الإجازة تقتضي الكشف أو النّقل إطلاقا فيمكن تقييده بالنّقل و لو على الكشف و بالكشف و لو على النّقل بل هي بحسب الحكم الشّرعيّ تقتضي تحقّق الملكيّة من حين العقد أو من حينها فلا يمكن أن تقع على طبق ما قيّدها المجيز

و أمّا الكلام في المقام الثّاني فالحقّ أنّ تقييدها بما يضادّ مختاره لا يوجب فسادها لأنّ غاية الأمر أن يكون من قبيل الشّرط المخالف للكتاب و السّنة و سيجي ء في محلّه أنّ الشّرط الفاسد لا يسري فساده إلى المشروط سواء كان المشروط عقدا أم إيقاعا بل الأمر في الإيقاع أظهر فإن مضمون الإيقاع يحصل بمجرّد الإنشاء فيلغو ما ينافيه بعده و ليس الشّرط موجبا للتّعليق بل و لو قلنا في العقد بأنّ التّمليك منوط بالشرط و لا تمليك بدونه إلّا أنّه ليس حكم الإيقاع حكمه لأن وقوع الأثر المترتّب عليه لا يناط بالشّرط فإن الإيقاعات ليست من باب المعاوضة

و بالجملة فساد الإجازة يدور مدار القول بفساد العقد و الإيقاع بفساد الشرط و على القول به

ص: 253

يتوقّف عقد الفضولي على إجازة أخرى لأنّ فساد الإجازة لا يؤثر في فساد العقد و ليس كالإجازة بعد الردّ

[الثّاني أنّه يشترط في الإجازة أن تكون باللّفظ]

قوله قدّس سرّه الثّاني أنّه يشترط في الإجازة أن تكون باللّفظ إلى آخره

الكلام في هذا التّنبيه يقع من جهات الأولى في كفاية الرّضا الباطني و عدمها الثّانية بعد اعتبار إنشاء الرّضا و عدم كفاية الرّضا الباطني هل يكفي الفعل أو يعتبر القول الثّالثة بعد اعتبار القول هل يشترط أن يكون باللّفظ الدالّ على الإجازة بالصّراحة العرفيّة أو يكفي الكناية

و الحقّ في الجهة الثّالثة كفاية الكناية و إن لم نقل بها في العقود لأنّ المحذور الجاري فيها لا يجري في الإجازة فإنّ الكناية عبارة عن استعمال اللّفظ في معناه لينتقل ذهن السامع منه إلى لازمه أو ملزومه بحيث يكون الانتقال من دواعي الاستعمال فإن كان معناه غير المعنى المقصود من العقد فلا يفيد كون الداعي عنوان أحد العقود لأنّ الدّواعي و الأغراض لا اعتبار بها في العقود و هذا بخلاف الإجازة فإنّ المقصود بها ليس عنوانا خاصا بل يكفي فيها كلّ ما يدلّ على الرّضا و كلّ لفظ يوجد به الاستناد فإذا عدّ المعنى الكنائي للفظ مصداقا لما ينشأ به الرضاء و الاختيار كقوله بارك اللّٰه في صفقة يمينك أو أحسنت و أجملت أو جزاك اللّٰه خيرا و نحو ذلك فلا مانع من إنشاء الرضاء به و لا وجه لاعتبار خصوص لفظ أجزت أو أمضيت

و الحقّ في الجهة الثانية كفاية الفعل لأنّه كالقول مصداق الإنشاء الرّضا و إيجاد الاستناد فلو سلّم المالك المبيع إلى المشتري أو مكّنت الزّوجة نفسها من الزّوج أو تصرّف المالك في الثّمن و هكذا فلا يحتاج إلى إجازة لفظيّة و ذلك واضح بعد ملاحظة أدلّة المعاطاة و باب الخيارات و أمّا الكلام في الجهة الأولى فالأقوى عدم كفاية الرّضا الباطني و اعتبار فعل أو قول ينشأ به الاستناد و ما ذكره المصنف شاهدا لكفايته لا يخلو من منع أمّا ما استظهره من النّصوص و الفتاوى ففيه نظر أمّا النّصوص فخبر السّكرانة لا يدلّ إلّا على كفاية تمكين الزّوجة لا على عدم اعتبار الإنشاء أصلا و خبر نكاح العبد فظاهر قوله ع سكوتهم عنك إقرار منهم بالنّكاح أنّ السّكوت عرفا كسكوت البكر إمضاء

و خبر التّوقيع و هو لا يحلّ مال امرئ لا يدلّ إلّا على جواز تصرّف الغير مع إذن المالك و رضاه لا على حصول التّمليك و التملّك بمجرد الطيب و أمّا الفتاوى فلا تدلّ إلّا على عدم اعتبار اللّفظ لا على كفاية كلّ شي ء حتّى الرّضا الباطني كما أن مفاد لا يحلّ أيضا ليس إلّا اعتبار الرّضا لا عدم اعتبار شي ء آخر و المفروض أنّ الفضولي فاقد لأمرين طيب نفس المالك و استناد العقد إليه و قد ذكرنا ما يزيد توضيح ذلك في أوّل بحث الفضولي

و بالجملة التمسّك بمثل هذه الأدلّة لكفاية الرّضا الباطني مع عدم كفاية الكراهة الباطنيّة للردّ في غاية الوهن و أمّا التمسّك بالعمومات فحاله كذلك لأنّ عقد المالك يصير عقدا له لو أنشأ الإمضاء و مجرّد رضاه باطنا لا أثر له بل يعتبر صدور ما هو مصداق للإمضاء منه كأجزت أو رضيت أو التصرّف في المنتقل إليه أو تسليم المنتقل عنه و هكذا كل قول أو فعل كان مصداقا للرّضا و الإمضاء و لا يبعد أن يكون مراد من اكتفى بالرّضا هو عدم خصوصيّة للفظ مخصوص بل المدار في الإجازة هو اختيار ما أوجده الفضولي و ارتضاؤه إياه و قد تقدم أنّ الرّضا يطلق على معنيين أحدهما الاختيار و يتعدّى بالنّفس أو بمن و ثانيهما الطّيب المقابل للكراهة و يتعدى بالباء

هذا مع أنّه لو سلم ظهور الفتاوى في كفاية الرّضا الباطني إلّا أنّ الكلام في صحّة

ص: 254

ما هو ظاهر الفتاوى مع عدم تحقّق الإجماع على كفاية مجرّد الطّيب ثم بعد اعتبار الاختيار في العقد القاصر من حيث الاقتضاء كعقد الفضولي فهل يلحق به ما هو قاصر من حيث المانع كعقد الرّاهن و نحوه أو يكفي مجرّد طيب النّفس من المرتهن أو الغرماء الأقوى أنّه من قبيل القصور في المقتضي لأن بعد تعلق الحقّ به يجب إسقاطه بالإجازة و أمثالها و الرّضا الباطني ليس إسقاطا نعم لو استكشفنا في مورد أن تعلّق الحق من باب احترام ذي الحق و رعاية شأنه كتوقّف العقد على بنت الأخ و الأخت على إذن العمّة و الخالة فالحق كفاية مجرّد رضاه و عليك بالتأمل في أبواب العقود و المتتبّع في موارد الحقوق

[الثالث من شروط الإجازة أن لا يسبقها الردّ]

قوله قدّس سرّه الثالث من شروط الإجازة أن لا يسبقها الردّ إلى آخره

استدلّ قدّس سرّه على اعتبار عدم تخلّل الردّ بين العقد و الإجازة بأمور ثلاثة الأوّل الإجماع الثاني أن الردّ موجب لانحلال العقد فهو بمنزلة ما يتخلّل بين الإيجاب و القبول ما يوجب خروجهما عن صدق العقد على ما ذكرنا في شروط الصّيغة من أنّ التعاقد و التّعاهد بين الموجب و القابل و عدّ كلا منهما عقدا إنّما هو لارتباط كلام كلّ واحد منهما بالآخر و إلّا كانا إيقاعين فالردّ الواقع بين العقد و الإجازة بمنزلة ردّ الإيجاب الواقع بين الإيجاب و القبول و بمنزلة فسخ ذي الخيار كما أنّ الإجازة بمنزلة إمضاء العقد و إنفاذه الثّالث أن مقتضى سلطنة المالك على ماله هو تأثير ردّه في قطع علاقة الطّرف الآخر عمّا انتقل إليه و لكنّك خبير بأنّ الوجهين الأوّلين قابلان للمناقشة

أمّا الإجماع فتحقّقه ممنوع بل قد يقال بأنّه لا إشعار به في كلمات العلماء إلّا كلام الشّهيد في القواعد و على أيّ حال إذا كان مدرك الجمعين الوجهين الأخيرين أو احتمل ذلك فلا اعتبار به و أمّا كون الردّ بمنزلة ما يتخلّل بين الإيجاب و القبول فممنوع أيضا لأنّ ردّ الموجب قبل القبول و هكذا ردّ القابل قبل قبوله لو قلنا بأنّه في حكم ردّ الموجب قبل قبول القابل إنّما يكون مضرا لكونه إبطالا للعهد و العقد و أمّا ردّ المالك فهو لا يضرّ بصدق العقد

نعم العقد لا ينتسب إليه إلّا بعد الإجازة و لا يضرّ الردّ بالانتساب فأيّ مورد تحقّق الإجازة يتحقّق الانتساب و لو بعد الردّ و بالجملة فرق بين ردّ الموجب إيجابه قبل القبول و ردّ المالك عقد الفضولي قبل الإجازة فإنّ الردّ في الأوّل يوجب بطلان العقد و معه لا يصدق المعاهدة و المعاقدة بخلاف الردّ في الثاني فإنّه بعد تحقّق العقد من الفضولي و الأصيل لا يؤثر ردّ المالك في إبطال العقد إلّا أن يضمّ إلى هذا الوجه الوجه الثّالث و يقال إنّ الردّ لما كان موجبا لرفع علاقة الطّرف كان موجبا لانحلال العقد و إذا انحلّ فلا تؤثر الإجازة بعده فالأولى البحث عن الوجه الثّالث

فنقول قد يقال إنّه ليس من أنحاء السّلطنة على المال السّلطنة على إسقاط عقد الفضولي عن قابليّة لحوق الإجازة فإنّه السّلطنة على الحكم لا على المال و ليس الردّ في المقام كردّ أحد المتعاقدين قبل إنشاء الآخر في كونه مبطلا لإنشاء الآخر لأنّ العقد في المقام تام من طرف الفضولي فانتسابه إلى المالك يحتاج إلى الإجازة و أمّا ردّه فلا يبطل أثر العقد فله الإجازة بعد الردّ

هذا مع أنّه لا نسلّم حصول العلقة للطّرف الآخر حتى يكون الردّ قاطعا لها بل المال بعد بيع الفضولي باق بحاله و لم يتعلّق به حقّ الغير نعم للمالك أن ينقله إليه بالإجازة كما كان له أن ينقله إليه قبل بيع الفضولي و حاصل الكلام

ص: 255

أنّ للمالك قبل بيع الفضولي البيع و عدمه و ليس له بعد ذلك إلّا الإجازة و عدمها و أمّا ثبوت أمر وجودي له و هو إلغاء بيع الفضولي عن التأثير بحيث لا يقبل الإجازة بعد الردّ لا من نفسه و لا من وارثه إذا مات فلا دليل عليه و عموم السّلطنة لا يقتضي إلّا أنّ طرفي النّقيض بيده

و أمّا ثبوت ضدّين وجوديّين كما في الخيار الذي هو ملك إقرار العقد و إزالته فلم يقم عليه دليل و لم يتصرّف الفضولي في ماله حتّى يكون له إبطاله فليس له إلّا السّلطنة على الإجازة و عدمها و مثل هذا حكم شرعيّ و لا يعدّ من العلقة هذا مع أنّ قاعدة السّلطنة تقتضي تأثير الإجازة بعد الردّ أيضا ثمّ إنّ هذا كلّه بعد تسليم عموم القاعدة و أمّا لو قلنا بأنّها ليست مشرعة و لا تنفع إلّا في نفوذ ما ثبت في الشّرع جوازه فالتمسّك بها في المقام لا أساس له أصلا للشكّ في ثبوت هذه السّلطنة للمالك

هذا محصّل ما أورده الأعلام الميرزا الرّشتي و المحقّق الخراساني و السيّد الطّباطبائي في حواشيهم على المتن و لكن الإنصاف عدم ورود هذه الإشكالات عليه و إن أشار إليها أو إلى بعضها بقوله قدّس سرّه فتأمل أمّا مسألة كون إسقاط العقد عن قابليّة لحوق الإجازة من الأحكام لا من الحقوق فهذه دعوى لا شاهد لها بل كونه راجعا إلى الحقوق الماليّة ظاهر فإنّ البيع من الغير من السّلطنة الماليّة و ثبوتها للمالك بأدلّة نفوذ البيع أيضا واضح فردّ البيع أيضا من أنحاء السّلطنة و شمول عموم القاعدة لهذا النّحو من السّلطنة لا ينبغي الإشكال فيه بل لو لم نقل بأنّ السّلطنة على إسقاط العقد من السّلطنة على المال بل هو من الأحكام الشّرعيّة الثّابتة للمالك كثبوت جواز البيع و الهبة و نحوهما له إلّا أنّه لا شبهة أنّ هذا الّذي ثبت له شرعا إذا تحقّق منه ينفذ عليه و لا يمكنه حلّه و إيجاد ضدّه فردّه عقد الفضولي كجواز البيع له فكا لا يجوز له فسخ البيع بعد صدوره منه فكذلك لا ينفذ منه إبطال ردّه بعد تحقّقه منه

و على هذا فمعنى سلطنته أن يكون كلا طرفي الإجازة و الردّ راجعا إليه فإذا أعمل أحدهما فلا يبقى محلّ للآخر و ليست السّلطنة عبارة عن ملك الإجازة و عدمها كما أفاده المحشون بل هي مثل سلطنة ذي الخيار على الفسخ في أنّ طرفيها وجودي أي له إقرار العقد و حلّه فلو ردّه تبطل المعاملة بين المالين فإنّ كون طرفي العقد تحت سلطنة يقتضي أن يكون ردّه كإجازته غير قابل لطروّ ضدّه عليه

و بالجملة و إن لم يتصرّف الفضولي في ملك المالك و لم يتحقّق المنشأ بإنشائه في عالم الاعتبار إلّا أنّه تحقّق منه المنشأ بنظره فإنّه أوقع التبديل بين المالين و مقتضى السّلطنة المطلقة الثّابتة للمالك بمقتضى النّاس مسلّطون على أموالهم أن يكون له إبطال هذا الإنشاء و إلّا فيكون سلطنته قاصرة و على هذا يؤثر ردّه كإجازته

نعم رد المرتهن بيع الرّاهن ليس موجبا لزوال أثر عقده لأنّ المرتهن ليس له سلطنة على العقد الواقع على المال و إنّما له استيفاء دينه من العين المرهونة و مجرّد العقد عليها لا يكون مزاحما لهذا الحقّ فيؤثر عقد الرّاهن لو فك الرهانة و إن فسخ المرتهن فينحصر بطلان عقده ببيع المرتهن خارجا لأن به يذهب موضوع عقده و هكذا الحكم في فسخ ذي الخيار فإنّ من عليه الخيار لو باع المال و قلنا بتعلّق الحق بالعين فلذي الخيار ردّ العين إلى ملكه لا إبطال العقد الواقع ممّن عليه الخيار فلو فسخ عقده لا يؤثر فسخه نعم لو فسخ العقد الأوّل بطل الثّاني

و أمّا قولهم بأنا لا نسلّم حصول العلقة للطّرف حتى يكون

ص: 256

الردّ قاطعا ففيه أنّه و إن لم تحصل له العلقة شرعا لكنّها حصلت له عرفا فالردّ يبطل هذه العلقة هذا مع أنّ تأثير الردّ في إبطال أثر العقد لا يتوقّف على تحقّق العلقة فعلا بل يكفي شأنيّة تحقّقها و لا شبهة أن عقد الفضول مادّة قابلة للحوق الإجازة عليها بحيث لا تحتاج إلى إنشاء جديد و ليست الإجازة عقدا مستأنفا فالردّ مقابل للإجازة و هو يسقط العقد عن القابليّة

و أمّا دعوى أن قاعدة السّلطنة متعارضة و كما أنّها تقتضي تأثير الردّ في إبطال أثر العقد فكذلك تقتضي تأثير الإجازة بعد الردّ أيضا ففيه ما لا يخفى لأنّ بعد بطلان العقد بالردّ و ذهاب أثره به ليس هناك موضوع تؤثر الإجازة فيه

و توهّم دلالة الصّحيحة الواردة في بيع الوليدة على تأثير الإجازة بعد الردّ في غير محلّه لما تقدم أنّه لم يعلم الردّ من مالك الوليدة و مجرّد أخذ المبيع لا يكشف عن الردّ فإنّ الردّ عنوان إنشائي يتوقف تحقّقه على قول أو فعل كان مصداقا له و ليس أخذ الجارية ردّا فعليا لإمكان أن يكون أخذها من باب التمسّك بالملكيّة الفعليّة الثّابتة للمالك قبل الإجازة

و قد تقدم أيضا أنّه يمكن أن يكون الإمساك لأجل أخذ الثّمن لا لردّ بيع ابنه و بالجملة مجرّد إمساك المبيع ليس ردّا من مالكه فإنّه من مقتضى طبعه الأصلي و هو تصرف كلّ مالك في ملكه و ليس مطلق التصرّف ردّا فعليا بل لو سلمنا أن تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه إقرار للعقد و فيما انتقل عنه فسخ لكن تصرف المالك في ماله في المقام ليس كاشفا عن ردّه عقد الفضولي لعدم كونه كاشفا نوعيّا عنه و لا مصداقا فعليا منه لأن تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه تشبث بالملكيّة السّابقة فبه يتحقّق الفسخ و إلّا يكون تصرّفا في مال الغير و لذا يتحقّق بكل فعل ينافي صدوره منه مع كون المال ملكا للغير كالعرض على البيع و العقد الفاسد و نحوهما و أمّا تصرّف المالك في المقام فحيث إنّه في ملكه و بمقتضى طبعه الأصلي فليس مصداقا للردّ

[الرابع الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك على ماله]

قوله قدّس سرّه الرابع الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك على ماله إلى آخره

محصّل ما أفاده في هذا التّنبيه أنّ ثبوت الإجازة للمالك و تأثيرها منه ليس من قبيل ثبوت الخيار لذي الخيار من الحقوق القابلة للإسقاط و الانتقال إلى الغير بموت و نحوه بل هو من الأحكام الشّرعيّة الثّابتة للمالك كجواز البيع و الهبة و الصّلح و نحو ذلك له فكما أنّ للمالك بيع ماله ابتداء مباشرة أو توكيلا فكذلك له أن يجيز ما وقع عليه فضولا و على هذا فلو مات المالك لم تورث الإجازة لأنّها ليست ممّا تركه الميّت

نعم لمن انتقل إليه المال إجازة بيع الفضولي بناء على جواز المغايرة بين المالك حال العقد و المالك حال الإجازة و لكن لا من باب إرث الإجازة بل من باب إرث المال و على هذا فمن لا ينتقل إليه المال بموت المالك حال العقد ليس له الإجازة و بالجملة الفرق بين إرث الإجازة و إرث المال ظاهر فإنّه على الأوّل يكون كإرث الخيار فيشترك جميع الورثة فيها حتّى من ليس له نصيب من المال كالزّوجة في بعض الموارد على أشهر الأقوال كما سيجي ء إن شاء اللّٰه في أحكام الخيار بخلاف الثّاني فإنّها ليست للزّوجة

[الخامس إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثّمن و لا لإقباض المثمن]

قوله قدّس سرّه الخامس إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثّمن و لا لإقباض المثمن إلى آخره

البحث في هذا التّنبيه يقع من جهات الأولى أنّه لا ملازمة بين إجازة البيع أو الشّراء و بين إجازة قبض الثمن أو المثمن و لا لإقباضهما و ذلك لعدم جريان دلالة الاقتضاء في العقود الّتي لم يكن القبض جزء المؤثر و لا شرطا لصحّتها نعم فيما كان

ص: 257

كذلك كباب الصّرف و السّلم و باب الوقف و الرهن و الهبة فإجازة العقد إجازة للقبض أيضا بل يمكن أن يقال باختصاص ذلك بباب الصّرف و السّلم فإن حكم القبض فيهما حكم الإيجاب و القبول و لذا لو أقرّ بالبيع فإقراره به إقرار بجميع أجزاء العقد و هذا بخلاف باب الوقف و نحوه فإنّه لو قال وقفت الدار لا يحكم بأنّه أقرّ بإقباضه الدار نعم لو أقرّ بأنّ هذا الدار وقف يحكم بالقبض أيضا و الفرق واضح

و بالجملة لا ملازمة بين إجازة البيع و إجازة القبض مطلقا الثّانية هل القبض أو الإقباض قابل للإجازة أم لا قد يقال بأنّ الفعل الخارجي لا ينقلب عما هو عليه بالإجازة و لكنّك خبير بأنّ الفعل لا ينقلب عمّا هو عليه بالنّسبة إلى الآثار الماضية و أمّا الآثار الباقية فبالإمضاء و الإجازة يمكن أن يؤثر فيها نعم لو قيل بأنّ النّزاع في الكشف و النّقل لا يجري في إجازة القبض و الإقباض بل لا بدّ من الالتزام بالنّقل لكان في محلّه فالصّواب أن يقال إنّ البحث يقع تارة في قابليّة القبض و الإقباض للإجازة و أخرى في جريان نزاع الكشف و النّقل فيها ثم إنّ البحث تارة في قبض العين الشخصيّة و أخرى في الكلّي أمّا الثاني فالحقّ عدم الفرق فيه بين الكلّي و الشّخصي لا لعموم أدلّة الفضولي حتى يمنع عنه كما في المتن بل لعموم أدلّة الوكالة فكما أن لنفس المالك تعيين الكلّي في الشخص و جعل الشّخص مصداقا لما في الذمّة فكذلك لوكيله أو المأذون من قبله ذلك فلو أجاز قبض الكلّي أو إقباضه فلا مانع من تأثير الإجازة و صيرورة الكلّي مشخّصا في المقبوض

و أمّا البحث الأوّل فأصل تأثير الإجازة فيهما لا ينبغي الإشكال فيه من غير فرق بين وقوع أصل المعاملة بين المالكين أو الفضوليّين أو المختلفين مثلا لو أجاز المالك الّذي بيع ماله فضولا قبض هذا الفضولي أو الفضولي الآخر ثمن ماله كان الفضولي وكيلا في قبض ماله فيكون بمنزلة نفسه في قبض الثّمن و لو أجاز إقباض الفضولي المبيع إلى المشتري كان وكيلا من قبله

و على أيّ حال القبض و الإقباض لا يعتبر فيهما المباشرة فلا مانع من تأثير الإجازة فيهما نعم لا يجري فيهما نزاع الكشف و النّقل لأنّ الإجازة المتعلّقة بهما كالإجازة المتعلّقة بالعقود الإذنيّة تؤثر من حينها فلو وقع التّلف بين القبض و الإجازة فلا يمكن أن لا يؤثر هذا التّلف في الانفساخ لتعقّب القبض بالإجازة بل لا يبقى محلّ للإجازة نعم لو تلف المبيع بعد الإجازة خرج عن ضمان البائع لأنّ بالقبض ينتقل الضّمان و ينقلب المعاوضي منه إلى الضّمان بالمثل و القيمة كما سيجي ء في محلّه

و بالجملة لا إشكال في تأثير الإجازة في القبض و الإقباض و يكونان بمنزلة تحقّقهما من المالك لا لما أفاده المصنف في وجه ذلك من أنّ مرجع إجازة القبض إلى إسقاط الضّمان عن عهدة المشتري فإن هذا إنّما يصحّ لو قلنا بأنّ ضمان المشتري الثمن بمقتضى القاعدة أي من باب الشّرط الضّمني فيكون إجازة البائع قبضه إسقاطا للشّرط و أمّا لو قلنا بأنّه من باب التعبّد الثّابت في المثمن و تسريته إلى الثّمن من باب جعل المبيع مثالا في قوله ع كلّ بيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه فيمكن منع شمول النصّ لقبض الفضولي لأنّه لا أثر لإسقاط الضّمان و لو صرّح به المالك فإنّه بناء على هذا يكون تلف المبيع على البائع حكما تعبّديا غير قابل للإسقاط بل الوجه فيه هو ما ذكرناه من أنّ مرجع الإجازة إلى التوكيل

و على أيّ حال فلا بدّ

ص: 258

من الالتزام بالنّقل و ليست الإجازة في جميع الأبواب قابلة لنزاع الكشف و النّقل فيها و لذا التزم المحقّق الثّاني مع توغّله في الكشف بالنّقل في إجازة المرتهن و ما التزم به في مسألة الرّهن و إن لم يصحّ كما تقدم وجهه و هو أنّ الإجازة ترجع إلى العقد و العقد قابل لأن ينقلب بالإجازة إلّا أنّه يصحّ في مسألة الفعل فإنّه بالإجازة لا ينقلب عمّا هو عليه و السّر في ذلك هو ما تقدم الإشارة إليه سابقا من أنّ تأثير الإجازة فيما قبلها إنّما هو في الأمور الاعتباريّة لا الأمور التّكوينيّة فإنّها لا تكون مراعى برضاء أحد و إجازته

الثالثة قد ظهر أنّه لو كان القبض جزء المؤثر من العقد فإجازة العقد إجازة له أيضا و لكن هذا يصحّ لو كان المجيز عالما بذلك و أمّا في صورة الجهل فلا تتمّ دلالة الاقتضاء ثمّ إنّ تماميّة دلالة الاقتضاء في صورة العلم إنّما هو فيما لو يعقّب إجازة العقد بما ينافي صحّته فلو قال أجزت العقد دون القبض يبطل العقد و لا وجه لاحتمال لغويّة ردّ القبض و إلّا لجرى ذلك في الشرط المنافي لمقتضى العقد مع أنّهم لا يلتزمون بلغويّته بل يحكمون بأنّه مفسد للعقد بلا إشكال و إنّما يكون نزاعهم في الشرط الفاسد من جهة أخرى في أنّه هل مفسد للعقد مطلقا أو لا مطلقا أو التّفصيل بين الموارد

و السرّ في ذلك هو أنّ الأخذ بظاهر الكلام إنّما هو بعد فراغ المتكلّم عن كلامه و أمّا ما دام متشاغلا به فله أن يلحق به ما يخرجه عن الظّهور التصوّري فإذا عقّب العقد بما ينافيه كقوله بعتك بلا ثمن أو قوله أجزت العقد دون القبض بطل و احتمال الغويّة المنافي لا وجه له مع أنّ الكلام تدريجيّ و ذكر الثمن و توابع العقد كالشّروط ينشأ تدريجا

[السادس الإجازة ليست على الفور للعمومات]

قوله قدّس سرّه السادس الإجازة ليست على الفور للعمومات إلى آخره

لا يخفى أنّ الموارد الّتي يقال فيها بالفوريّة كخيار الغبن و الشّفعة و نحوهما إنّما يقال بها فيها لأنّ الطّبع مجبور على دفع ما يكرهه و الأخذ بما يحبّه فإذا لم يعمل الخيار مع علمه بثبوته فلا محالة إمّا مقدم على الضّرر أو مسقط لحقّه و هذا المعنى لا يجري في الفضولي فلا وجه لأن يكون فوريّا هذا مع دلالة صحيحة محمّد بن قيس على جواز التّراخي

ثم لو لم يردّ و لم يخبر فهل للأصيل إلزامه بأحد الأمرين أو له الخيار بين الفسخ و الإمضاء أو مخيّر بين الأمرين أو ليس له حقّ أصلا وجوه ثم إنّ هذه الوجوه هل تجري على القول بالكشف أو مطلقا وجهان و الصّواب ابتناء الجهة الأخيرة على ما اختاره المصنف قدّس سرّه و ما اخترناه فعلى ما اختاره قدّس سرّه من جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النّقل تختص بالكشف لأنّه بناء على النقل لا يتضرّر الأصيل و أمّا بناء على المختار من عدم جواز تصرّف الأصيل لا فيما انتقل عنه و لا فيما انتقل إليه مطلقا و لو بناء على النّقل فتجري على كلا المسلكين

و أمّا الجهة الأولى فإجبار المالك على أحد الأمرين من الإجازة أو الردّ فرع ثبوت حق للأصيل على المالك و ثبوت حق له عليه ممنوع و لا يمكن قياس المقام على الخيارات فإنّ في ذاك الباب الالتزام بالمعاوضة يقتضي أن يكون لمن عليه الخيار إلزام ذي الخيار بالفسخ أو الإجازة لو تضرّر بمماطلة من له الخيار و في المقام ليس بين المالك و الأصيل إلزام و التزام فلا وجه لثبوت حق الإجبار بين الردّ و الإجازة للأصيل فالوجه الأوّل لا وجه له

و أمّا الوجه الثّاني فمدركه أنّ الجزء الأخير من العلّة التامّة لتضرّر الأصيل هو لزوم العقد عليه فإذا انتفى اللّزوم يكون له الخيار بين الفسخ و الإمضاء و لكن يشكل هذا في باب النّكاح فإنّ ثبوت الخيار لأحد الزّوجين في غير الموارد المنصوصة مشكل لما بيّنا في محلّه أنّ لزوم

ص: 259

النّكاح حكميّ و لذا لا يصحّ جعل الخيار فيه و لا يجري فيه الإقالة

و أمّا الوجه الثالث و هو تخيير الأصيل بين إلزام المالك بأحد الأمرين من الإجازة و الردّ و بين اختيار الفسخ أو الصّبر فلتوهّم أنّ سلطنة المالك على ماله و لزوم العقد كليهما ضرر عليه فإذا ارتفعا بقاعدة نفي الضّرر ثبت التّخيير له بين فسخ العقد و الصّبر و بين إجبار المالك على أحد الأمرين و لكنّه فاسد لأنّ نفس سلطنة المالك في حدّ ذاتها ليست موجبة لضرر الأصيل و إنّما الموجب له و الجزء الأخير من العلّة التامّة له هو لزوم العقد من طرفه فلا بدّ أن يكون المنفي خصوص اللّزوم

و أمّا الوجه الرابع فلتوهّم إقدام الأصيل على الضّرر فلا يكون له حق أصلا لأنّه كان يحتمل أن لا يقدم المالك على الردّ أو الإجازة بل يبقى المعاملة معلّقة و مع احتماله ذلك فالضّرر يستند إليه لا إلى لزوم العقد كما سيجي ء في باب خيار الغبن أن احتمال الغبن موجب لعدم ثبوت الخيار للمغبون و فيه أنّ هذا مختصّ بالاحتمال العقلائي و هذا لا يتطرّق في باب الفضولي فإنّ المالك بحسب طبعه الأصلي أمره دائر بين الإجازة و الردّ و أمّا إبقاء المعاملة معلّقة فاحتماله بعيد فلا وجه لعدم ثبوت الخيار

[السّابع هل يعتبر في صحّة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا أم لا]

قوله قدّس سرّه السّابع هل يعتبر في صحّة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا أم لا إلى آخره

لا يخفى أنّ ما اختاره قدّس سرّه من عدم اعتبار مطابقة الإجازة للعقد الواقع عموما أو خصوصا بحسب الأجزاء هو الحقّ بحسب القواعد لأنّ حكم الإجازة حكم البيع ابتداء فكما يجوز للمالك بيع بعض ماله ابتداء فكذلك يجوز له إجازة بعضه و قياس المقام على مسألة الفسخ بالخيار في عدم جواز التّبعيض في إعماله إلّا في مختلفي الحكم قياس مع الفارق بل المقام نظير البيع الابتدائي و ذلك لأن في باب الخيار إنّما نقول بعدم جواز الفسخ في بعض أجزاء المبيع إذا كانت متّفقي الحكم من جهة أنّ الحقّ لا يتبعّض إلّا إذا كان متعلّقه متعدّدا ابتداء أو طرأ عليه التعدّد كما إذا انتقل إلى الورثة

و أمّا المبيع الواحد الشّخصي كحيوان خاصّ فليس لذي الخيار إعمال الخيار في بعضه لأنّ العقد على الحيوان الشّخصي لا ينحلّ إلى عقود متعدّدة و لا يقع نصف الثمن بإزاء نصف المبيع مثلا فملاك جواز الفسخ بالنّسبة إلى البعض هو انحلال العقد إلى عقود متعدّدة من حيث اختلاف أجزاء المبيع في الحكم كما إذا كان مالكها مختلفا أو كان بعضها ممّا لا يقبل التملّك أو كان بعضها حيوانا و بعضها غير حيوان و نحو ذلك

و أمّا ملاك الإجازة فهو بعينه ملاك البيع الابتدائي فيجوز للمالك جعل المبيع متعدّدا بحسب الإجازة فيجيز في بعضه حتّى يصير للمجاز له و يرد في بعضه حتى يبقى على ملكه فيتعدّد مالكه و بالجملة لم يقم دليل على المنع من جعل المبيع متعدّدا من حيث الحكم و ليس جواز الإجازة و الردّ للمالك كثبوت الخيار له الّذي هو من الحقوق لأنّه من الأحكام و من آثار السّلطنة على المال فيجوز له تنفيذ عقد الفضولي بالنّسبة إلى بعض متعلّقه غاية ما في الباب أنّ الإجازة في البعض تخالف الشّرط الضّمني و هو انضمام بعض أجزاء المبيع إلى الآخر

فالصّواب ابتناء مسألة مخالفة الإجازة للعقد بالنّسبة إلى بعض المبيع على مخالفتها له من حيث الشّرط فينبغي تحرير حكم الشّرط أوّلا ثم إلحاق الجزء به ثانيا فنقول الشّرط تارة يقع في ضمن العقد و أخرى في ضمن الإجازة و على الأوّل فتارة يكون للمالك على الأصيل و أخرى للأصيل على المالك فلو كان للمالك

ص: 260

فلا إشكال في صحّة إجازة العقد بلا شرط على ما هو التّحقيق من أنّ الشّرط في ضمن العقد لا يوجب التّعليق بل هو التزام في التزام فلو أجاز المالك التزام الفضولي بأصل المعاوضة و لم يجز التزام الأصيل بالشّرط على نفسه بل تجاوز عنه فلا ينبغي الإشكال في أنّ له ذلك لتجاوزه عن حقّه الّذي التزم به الأصيل على نفسه و أمّا لو كان للأصيل على المالك فأجاز العقد بلا شرط فالأقوى صحّة العقد و ثبوت الخيار للأصيل لأنّ المقام نظير تعذّر الشّرط الواقع بين الإيجاب و القبول الّذي يكون ضميمة لأحد العوضين فكما أنّ تعذّره لا يوجب بطلان العقد بل غايته ثبوت الخيار للمشروط له فكذلك المقام فإنّه و إن لم يتعذّر خارجا إلّا أنّ امتناع المجيز و عدم قبوله الشرط بمنزلة التعذّر و لا وجه لبطلان العقد إلّا على القول بالتّقييد و الإناطة و الحق عدمه و لذا نقول بأنّ الشّرط الفاسد غير مفسد للعقد إلّا إذا صار موجبا لاختلال أحد أركان العقد

و بالجملة هنا مسائل ثلاث ينبغي أن يكون حكم الجميع واحدا الأولى تعذّر الشّرط خارجا الثّانية تعذّره شرعا كالشّرط المخالف للكتاب و السنّة و الثّالثة مقامنا هذا و هو عدم رضا المالك بالشّرط و لا وجه للحكم ببطلان العقد بمجرّد عدم مطابقة الإجازة له هذا إذا كان الشّرط في ضمن العقد و أمّا إذا كان العقد مجرّدا و أجاز مع الشّرط فالشّرط أيضا تارة على المجيز و أخرى على الأصيل فلو كان على نفسه فلا إشكال في حكمه و أمّا لو كان على الأصيل أي الطّرف فتارة يرضى به و أخرى لا يرضى به فلو رضي به فلا ينبغي الإشكال أيضا في صحّته لأنّ الحقّ بينهما غاية الأمر أنّه من الشّروط الابتدائيّة لأنّه لم يقع في ضمن العقد فيبتني لزومه على لزومها

و على أيّ حال صحّة الإجازة لا إشكال فيها لمطابقتها لأصل الالتزام العقدي بل قد يقال بأنّه إذا رضي الأصيل بالشّرط فيخرج عن الشّروط الابتدائيّة و يدخل في الشّروط الواقعة في ضمن العقد و لكنّه غير وجيه لأنّ مجرّد الرّضا لا أثر له بل لو صرّح بقوله رضيت بذلك لا يدخل في الشّروط الواقعة في ضمن العقد لأنّها هي الّتي تقع بين الإيجاب و القبول لا بعد تماميّة العقد بل لو وقعت بين الإيجاب و القبول و لم تكن ضميمة لأحد العوضين لا تخرج من الشّروط الابتدائيّة و سيجي ء إن شاء اللّٰه في باب الشّروط أنّ منشأ عدم لزومها عدم تحقّق ملزم لها لكونها في حكم الهبة الغير المعوّضة و أمّا لو لم يرض به الطّرف فحكمه حكم تعذّر الشّرط و لا وجه لبطلان الإجازة فعلى هذا لا وجه لما أفاده المصنف قدّس سرّه من قوله أقواها الأخير

[القول في المجيز]
اشارة

قوله قدّس سرّه و أمّا القول في المجيز فاستقصاؤه يتمّ ببيان أمور إلى آخره

الكلام في المسائل المتعلّقة بشرائط المجيز من جهات الأولى أن يكون جائز التصرّف حال الإجازة الثّانية في اعتبار وجود المجيز الفعلي حال العقد و عدمه الثّالثة لو قيل باعتبار وجوده فهل يشترط أن يكون جائز التصرّف حال العقد أم لا ثم عدم جواز تصرّفه إمّا لتعلّق حقّ الغير بماله و إمّا لكونه غير مالك ثم صار مالكا حال الإجازة

أمّا الجهة الأولى فاشتراط جواز تصرّف المجيز

فيما يتعلّق إجازته به حال الإجازة من القضايا الّتي قياساتها معها لأنّ حكم الإجازة حكم البيع الابتدائي فيشترط فيها ما يشترط فيه من البلوغ و العقل و الرّشد و هكذا فلو باع الفضولي ما تعلّق به حقّ الغرماء أو المرتهن فإجازة المفلّس أو الرّاهن بنفسها لا تؤثر سواء قلنا بالكشف أم النّقل و سواء تعلّق حق الغير

ص: 261

بمال المجيز قبل العقد أم بعده و توهم الفرق بين الكشف و النّقل فاسد كما تقدم وجهه و هو أن تأثير الإجازة مع تصرف المجيز بما ينافي الإجازة دور واضح فإنّ بطلان تصرّفه يتوقّف على تأثيرها و تأثيرها يتوقّف على بطلانه و لا عكس فإن تصرّفه وقع من أهله في محلّه فإرهان المالك المبيع قبل الإجازة يوجب عدم تأثير الإجازة و السرّ في ذلك هو ما ذكرناه من أنّ الإجازة كالبيع الابتدائي و ثبوت الإجازة للمجيز و نفوذها منه إنّما هو حكم شرعيّ من آثار السّلطنة على المال فإذا كان المالك ممنوعا من التصرّف في ماله فهو ممنوع من الإجازة أيضا فلا يقاس مسألة الإجازة على مسألة إعمال الخيار من المفلّس و المريض لأنّ الخيار حقّ مستقلّ في عرض المال و لا يدور مدار جواز التصرف في المال فالمنع من التصرّف فيه لا يلازم المنع من إعمال الخيار و هذا بخلاف الإجازة فإنّها تابعة للملك و حكم شرعيّ يدور مدار السّلطنة على المال

و أمّا الثّانية فالأقوى عدم اعتبار وجود مجيز فعليّ نافذ الإجازة حال العقد

فلو بيع مال اليتيم بلا مصلحة له أو زوّج مع عدم وجود الأب و الجدّ و لا الوصيّ من قبلهما فلا مانع من صحّة العقد بحيث إذا بلغ أجازه لأنّه لم يقم دليل تعبّدي على اعتبار وجود المجيز حال العقد في نكاح الصّغير بل الدّليل على خلافه فإنّ الأخبار الواردة في تزويج الصّغار فضولا لو لم تكن ظاهرة في مورد عدم وجود المجيز على ما هو منصرفها فلا أقلّ من إطلاقها و لا تقتضي القاعدة أيضا اعتبار وجود المجيز لأنّ أهليّة العقد و شأنيّته لإلحاق الإجازة به تكفي لصحّته

فقول العلّامة بأنّ صحّة العقد و الحال هذه ممتنعة و إذا امتنع في زمان امتنع دائما لا وجه له صغرى و كبرى أمّا الصّغرى فلأنّه لا وجه لامتناعه إلّا إذا كان مفاد عقد النّكاح أو البيع هو تحقّق المنشأ حين الإنشاء و أمّا إذا لم يكن مفاد العقد إلّا أصل الإنشاء فكلّ زمان تحقّقت الإجازة تتمّ أركانه و أمّا الكبرى فلأن وجه امتناعه فعلا ليس من باب اختلال أحد أركان العقد كشرائط الصّيغة و العوضين بحيث إذا امتنع العقد من جهة اختلال شرطه امتنع دائما بل من جهة عدم وجود المجيز فعلا فلو وجد بعد ذلك من له أهليّة الإجازة و أجاز لصحّ من حين الإجازة

و أمّا الثّالثة فتنقيحها في ضمن مسائل
اشارة

لأنّ جهة عدم جواز تصرّف المجيز حال العقد إمّا واقعيّ و إمّا وهميّ و الواقعيّ على قسمين قسم يكون منشأ عدم جواز تصرّفه في متعلّق العقد تعلّق حقّ الغير به كحقّ المرتهن و الديان و قسم يكون منشأه عدم كونه مالكا حال العقد مع صيرورته مالكا بعده إمّا بإرث أو اشتراء كمن باع مال أبيه ثم مات أبوه بعد العقد و انتقل المبيع إليه أو باع مال غيره ثم اشتراه و أمّا الوهميّ فهو كما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرّف فبان كونه جائز التصرّف إمّا لملك أو ولاية كمن باع مال أبيه بزعم كونه حيّا فبان كونه حال العقد ميّتا أو مال الصّغير مع اعتقاد كونه أجنبيّا فبان كونه وليا أو مأذونا أمّا المسألة الأولى فهي الّتي عنونها المصنف قدّس سرّه بقوله

الأولى أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة

لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرّف لحجر

و البحث فيها يقع من جهات الأولى في أصل صحّة بيعه و الثّانية في احتياجه إلى الإجازة بعد ارتفاع حجره و عدمه و الثّالثة في جريان نزاع الكشف و النّقل في رافع الحجر و عدمه أمّا صحة بيع

ص: 262

ما تعلّق به حق الغير فلا ينبغي الإشكال فيها سواء باعه نفس المحجور عليه أم باعه غيره فضولا لما عرفت من عدم اعتبار وجود مجيز حال العقد فضلا عن المقام الّذي له مجيز شأنيّ

و لا يقال إنّه لو وقع البيع عن المحجور عليه لوقع فاسدا لكونه ممنوعا عن التصرّف لأنّا نقول هذا من أحد أدلّة القائلين ببطلان الفضولي و قد عرفت ضعفه صغرى و كبرى أمّا الصّغرى فلأنّ مجرّد إجراء العقد على متعلّق حقّ الغير ليس تصرّفا و أمّا الكبرى فلمنع الملازمة بين حرمة التصرّف و فساد البيع بل يكون البيع مراعى بإجازة من له الحقّ كتصرّف من عليه الخيار فإن نفوذه يتوقف إمّا على انقضاء مدّة الخيار أو إسقاط ذي الخيار خياره

و بالجملة عقد الرّاهن و المفلّس ليس أسوأ حالا من عقد الفضولي و من عليه الخيار فأصل الصّحة لا إشكال فيه و التّفصيل الّذي اختاره بعض من قارب عصر المصنف بين بيع المرتهن و الرّاهن من الحكم بالصّحة في الأوّل و الفساد في الثّاني معللا بأنّ الأوّل داخل في الفضولي و الثّاني في من عصى اللّٰه لتصرّفه في حق المرتهن لا وجه له و سيجي ء تفصيل ذلك في بيع العين المرهونة نعم التّفصيل بين البيع و العتق من كونه مراعى بإجازة المرتهن أو فكّ الرهانة في الأوّل و ملزما على العتق له وجه فإنّ العتق لا يمكن أن يكون موقوفا على الإجازة

هذا مضافا إلى أنّ الإجازة إنّما تؤثر فيما يؤثّر الردّ فيه و ردّ الحرّ إلى الرقّ غير ممكن و تأثير العتق من الرّاهن حيث إنّه مالك للعين لا إشكال فيه خصوصا مع كون العتق مبنيا على التّغليب فلا بدّ إمّا من لزوم أداء الدّين و فكّ الرّهانة على الرّاهن و إمّا من استسعاء العبد في فكاك رقبته بفكّ الرهانة و سيجي ء في اشتراط كون الملك طلقا الإشكال في جريان نزاع الكشف و النّقل في عتق المالك العين المرهونة و وقفها فإنّ كونهما معلّقا على الإجازة مشكل و القول بالنّقل في خصوصهما أشكل و صحّتهما و نفوذهما بدون إجازة المرتهن بعيد و رجوع العين عن الحريّة و هكذا خروجها عن الوقفية بردّ المرتهن أبعد

و لكن الّذي يهوّن الخطب أنّه لا مانع من تعليقهما على أمر كما في مسألة الاستيلاد في العتق و مسألة القبض في الوقف و تمام الكلام في محلّه و أمّا احتياجه إلى إجازة المحجور عليه بعد ارتفاع حجره فالأقوى عدمه لأنّه لم يكن مانع عن الصّحة إلا تعلّق حق الغير به فإذا وقع العقد من نفس المحجور عليه و المفروض ارتفاع المانع إمّا بأداء الرّاهن أو المفلّس دينه و إمّا بإسقاط المرتهن أو الغرماء حقّهم و إمّا بانقضاء مدّة الخيار أو إسقاط ذي الخيار حقّه في تصرّف من عليه الخيار فلا موجب لإجازته لأن بعد رفع الحجر تمّ أركان العقد نعم لو وقع العقد من الفضولي فلا شبهة في توقّفه على إجازة المالك بعد ارتفاع حجره

و أمّا جريان نزاع الكشف و النّقل في مثل إسقاط المرتهن و ذي الخيار حقّهما و مثل فكّ الرّهن و انقضاء مدّة الخيار فقد تقدّم أنّ ظاهر المحقّق الثاني مع توغّله في الكشف عدم جريانه في أمثال ذلك بل لا بدّ من القول بالنّقل فإنّه قدّس سرّه و إن ذكر ميزانا تامّا فيما يجري فيه النّزاع و ما لا يجري كما أشرنا إليه إلّا أنّه قدّس سرّه في مقام الصّغرى عدّ مثل مسألة الفكّ ممّا لا يجري فيه النّزاع و لكن الأقوى أنّ حكم فكّ الدّين حكم الإجازة في أنّه ليس ممّا يعتبر في الانتقال بل هو متمّم للعقد

و لا يقال إنّ مفاد أسقطت الدّين و هكذا لازم أداء الدّين ليس إلّا سقوط الدّين حين الإسقاط أو الأداء لا حين العقد لأنّا نقول و إن كان الأمر كذلك إلّا أنّ النّزاع ليس في مفاد

ص: 263

الإسقاط و لازم الأداء و إلّا لا يجري النّزاع في الإجازة مع أن مفادها ليس الإجازة من حين العقد بل النّزاع إنّما هو في أنّ الإسقاط مثلا هل يرجع إلى العقد من حين الإسقاط أو من حين العقد كالنّزاع في الحكم الشّرعي في الإجازة من أنّها كاشفة لرجوعها إلى تنفيذ ما وقع سابقا أو ناقلة لتحقّقها من الحين

نعم لا يبعد أن يكون منشأ قياس سقوط الدّين و نحوه على القبض في الصرف و السّلم دون الإجازة هو أنّ الإجازة لا دخل لها في تتميم الملكيّة و إنّما هي لاستناد المنشأ إلى المالك و حيث تحقّق ما أنشأه الفضولي حين العقد يمكن أن تكون الإجازة كاشفة و أمّا إسقاط المرتهن حقّه أو فك الراهن و نحوه فليس إلّا متمّما للمنشإ لأنّ المال كأنّه بحسب الكيفيّة و السّلطنة مشترك بين الرّاهن و المرتهن فيكون كاشتراكه بين الشّخصين بحسب الكميّة فكما أنّه إذا باع أحد الشريكين حصّته في زمان و باع الآخر حصّته بعد ذلك انتقل جميع المال إلى المشتري حين بيع الشريك الثّاني فكذلك إذا باع الرّاهن لا ينتقل المال إلى المشتري إلّا حين إسقاط المرتهن حقّه لأن إسقاطه ليس تنفيذا لبيع الرّاهن و لا نظر له إليه بل مرجعه إلى التّجاوز عن حقّه المتعلّق بالمال بحسب الكيفيّة

و يتفرّع على هذا احتياج عقد الراهن بعد إسقاط المرتهن حقّه إلى إجازة الرّاهن بعده لأنّه من صغريات من باع شيئا ثم ملكه لأنّ السّلطنة المشتركة بينهما ترجع كلّها إلى الرّاهن بعد السّقوط و حيث ملكها ملكا جديدا يحتاج إلى الإجازة و لكنّك خبير بفساد القياس على القبض لأنّ عقد الرّاهن تامّ من حيث المنشأ و مسند إلى مالك المال حين الإنشاء و إنّما المانع عن نفوذه تعلّق حقّ الغير به فإذا سقط حقّه انكشف تأثير العقد حين صدوره بناء على القول بالكشف و ليس للمرتهن شركة في المال لا كما و لا كيفا غير أنّ المال مخرج لدينه و وثيقة عليه و هذا غير قابل لأن يملكه الرّاهن حتى يكون المال من أفراد ما باعه غير مالكه ثم اشتراه فيحتاج إلى الإجازة لأن هذا المعنى و هو كون المال مخرجا للدّين معنى لا يمكن أن يقوم بغير صاحب الدّين و يستحيل أن ينتقل إلى شخص الرّاهن

و بالجملة النّزاع في الكشف و النّقل يطّرد في هذه الأمور و إنّما لا يجري في خصوص ما كان المتأخّر جزء المؤثر للعقد لا فيما يتوقّف مؤثريّته عليه و سيجي ء في بيع العين المرهونة مزيد توضيح لذلك

و أمّا المسألة الثانية [من باع شيئا ثم ملك]

و هي عدم كون المجيز مالكا حال العقد مع كونه مالكا حال الإجازة إمّا بالاشتراء و نحوه و إمّا بالإرث فالبحث فيها يقع أيضا من جهات الأولى هل فرق بين ما إذا قصد البيع لنفسه و ما إذا قصده للمالك أو لا فرق بين الصّورتين الثّانية هل يتوقّف صحّة عقده على إجازته مطلقا أو لا يتوقّف عليها مطلقا أو تفصيل بين الصّورتين الثالثة في جريان نزاع الكشف و النّقل و أنّ الكشف في المقام هل هو الكشف في سائر المقامات و هو الكشف عن تحقق الملك حين العقد أو هو بمعنى آخر و توضيح جميع الجهات إنّما هو في ذيل شرح ما في المتن

قال قدّس سرّه أمّا المسألة الأولى فقد اختلفوا فيها فظاهر المحقّق في باب الزّكاة إلى آخره

و حيث إنّه لا إشكال ظاهرا في صحّة ما إذا قصد البيع للمالك عنوان المصنف قدّس سرّه ما إذا قصد البيع لنفسه ثمّ اشتراه من مالكه فأجاز لأنّه إذا صحّ هذه الصورة فصحّة ما إذا قصده للمالك أولى و يظهر من المحقّق في المعتبر صحّتها و توقّفها على الإجازة و من الشّيخ على ما استظهره المحقّق صحّتها و عدم توقّفها عليها لأن المحقّق قاس بيع المال الزكوي على

ص: 264

مسألة من باع شيئا ثم ملك و اختار أنّ اغترام المالك حصّة الفقراء بمنزلة الملك الجديد فيحتاج إلى الإجازة و نسب إلى الشيخ عدم توقّف صحّة بيع المال الزكوي إذا اغترم المالك إلى الإجازة فلازم كلام المحقّق حيث جعل المسألتين من باب واحد أنّ الشّيخ قائل بعدم توقف مسألة من باع شيئا ثم ملك إلى الإجازة و لكنّك خبير بأنّ هذا الاستظهار إنّما يتمّ على بعض الوجوه

و توضيح ذلك أنّهم اختلفوا في كيفيّة تعلّق الزكاة بالمال الزّكوي فقيل إنّه لا يتعلّق حقّ للفقراء بالعين أصلا و إنّما يتعلّق النّصاب بذمّة المالك و قيل إنّ الفقير شريك مع المالك في العين ثم إنّ القائلين بالشركة اختلفوا بين كونها على الإشاعة و على نحو الكلّي في المعيّن و الثّمرة بين القولين إنّما يظهر في صورة تلف مقدار من المال الزكوي فعلى الإشاعة التّلف يجب على المالك و الفقير كليهما و على الكلّي في المعيّن إنّما يحسب على المالك و قيل بتعلق حقّ الفقراء بالعين و القائلون به اختلفوا على وجوه ثلاثة فقيل بأنّه من قبيل حق الرهانة و قيل بأنّه من قبيل حق الجناية

و قيل بأنّه قسم ثالث ففي بعض الآثار يشبه حق الرهانة و في بعضها الآخر يشبه حقّ الجناية فمن حيث إنّه يجوز للمالك إخراج حصّة الفقراء من غير المال الزّكوي يشبه حق الرهانة لا الجناية لأنّه ليس لمالك الجاني إبقاء الجاني في ملكه فيما إذا لزم القصاص على جنايته و أمّا مالك المرهون فله فكّ الرهانة بأداء الدّين و من حيث إنّ السّاعي يتبع المال الزّكوي أينما وجده و يأخذ الزّكاة ممّن انتقل إليه يشبه حق الجناية

ثم إنّ الفرق بين حقّ الرهانة و حقّ الجناية هو أن حق الرهانة لا بدّ أن يستوفي من ملك الرّاهن بحيث إذا باع الرّاهن العين المرهونة فإمّا أن يبطل الرّهن و إمّا أن يبطل البيع لأنّه إذا صحّ البيع و انتقلت العين إلى ملك غير الرّاهن فلا يمكن أن تكون مخرجا للدّين و هذا بخلاف حقّ الجناية فإنه يجتمع فيه صحّة البيع و بقاء الحقّ لأنّ المجني عليه أو وارثه يستوفي حقّه من رقبة العبد أينما انتقل و لا يتوقّف استيفاؤه على كون العبد باقيا في ملك المالك حين الجناية

و كيف كان فالأقوال في ما إذا قصد البيع لنفسه ثلاثة الأوّل البطلان و الثّاني الصّحة مع اعتبار الإجازة و الثّالث الصّحة بدون التوقّف عليها و الأوّل مختار صاحب المقابس و اختار المصنف الثاني و الثّالث نسبه المحقّق إلى الشّيخ و نحن تابعنا المصنف قدّس سرّه في الدّورة السّابقة و لكن الإنصاف ورود بعض الإشكالات الّتي أورد على هذا القول و الأولى ذكرها على سبيل الإجمال حتّى يتبيّن الحال

فنقول الأوّل هو الإشكال المتقدّم في بيع الغاصب و هو من وجوه الأوّل عدم إمكان قصد المعاوضة الثاني مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان الثّالث دلالة الأخبار النّاهية عن بيع ما ليس عندك على الفساد و يظهر من المصنف أنّ الجواب عن الإشكال الأوّل هو الجواب عن بيع الغاصب و لكنّك خبير بأنّ مبنى الجواب عن الأوّل هو أنّ الغاصب لما سرق الإضافة و رأى نفسه مالكا فأجرى العقد بين ملكي المالكين

و بعبارة أخرى كان مبنى صحّته تحليل داعيه إلى أمرين الأوّل وقوع التبديل بين ملكي مالكهما و الثّاني تخيّل أنّ المالك لأحد العوضين هو نفسه فيلغى هذا الخيال و التّطبيق و يؤخذ بقصده المعاوضة بين ملكي المالكين و هذا الجواب لا يجري في المقام لأنّه لم يسرق الإضافة و لم يغصب المال فكيف يقصد المبادلة بين الثّمن الّذي يقصد تملّكه و المثمن الّذي هو ملك لغيره مع أنّها تقتضي دخول الثّمن في ملك

ص: 265

من خرج عنه المثمن

إلّا أن يقال إنّ قصد البيع لنفسه حيث يقع ممّن يطمئنّ بتملّك المبيع فكأنّه يرى نفسه صاحب المال المشارفة فيبيع ما يملكه فعلا بلحاظ ملكه فيما بعد فتأمل و أمّا الإشكال الثّاني فغير وارد في بيع الغاصب فضلا عن المقام لما ذكرنا أنّ الغاصب يقصد أمرين الأوّل وقوع المبادلة بين ملكي المالكين و الثّاني كون مالك أحد العوضين هو نفسه و الإجازة تتعلّق بالأوّل أو بهما معا و تعلّقها بالثّاني لغو لا أثر لها و بالنّسبة إلى الأوّل تطابق ما قصده الغاصب فتؤثر و توجب استناد النّقل إلى المالك الحقيقيّ و هو المجيز

و أمّا الإشكال الثالث فلا يمكن التفصّي عنه بمثل ما تفصّى به في مسألة الغاصب لما أجبنا عنها في تلك المسألة بأنّها في مقام بيان عدم وقوع البيع لغير المالك و نلتزم بمفادها و نقول بعدم وقوع البيع للغاصب بل يقع للمالك بإجازته و هذا الجواب لا يجري هنا لأنّ الغرض من صحّة البيع وقوعه لنفس العاقد إذا ملك المبيع بالاشتراء بل مصبّ هذه الأخبار هو النّهي عن بيع ما لا يملكه فعلا و إن قصد شراءه هذا تمام الكلام في الإشكال الأوّل

و أمّا الإشكال الثّاني فحاصله أنّه يعتبر في العاقد أن يكون راضيا بالعقد و قادرا على التّسليم و مالكا للمبيع فإذا كان العاقد هو المالك و قادرا على التّسليم و مختارا في البيع فهو و إلّا فنقول بكفاية حصول ذلك للمالك المجيز لأنّه البائع حقيقة فيعتبر في صحّة عقد الفضوليّ قدرة المالك حين العقد و رضاه به لو اطّلع عليه فلو كان المالك حال العقد هو المجيز فهو و إلّا كما في مفروض المقام فمن هو قادر حال العقد لا يجيزه و لا يعتبر إجازته و رضاه و من يجيزه لم يكن حين العقد قادرا و لا كان لرضاه أثر

و حاصل جواب المصنف أمّا في الرّضا فلا يعتبر إلّا ممّن كان أمر العقد بيده و المجيز في المقام هو مالك أمر العقد و رضاه حاصل و أمّا في القدرة فلا ننكر اعتبارها في المالك حال العقد فلو فرض أنّ المالك الأصلي الّذي يشتري البائع الفضوليّ منه غير قادر على التّسليم نلتزم بفساد المعاملة لأنّ كلامنا في صحّة هذا البيع بعد استجماعه لشرائط الصّحة و أمّا لو كان قادرا حال العقد و لم يكن قادرا حين الإجازة فلا يضرّ بالصّحة كما أنّ في الفضولي لو لم يكن قادرا حال العقد و كان قادرا حين الإجازة لا يضرّ بالصّحة

و بالجملة ما دام المالك الأصلي مالكا يعتبر قدرته و مفروض كلامنا حصولها و ما دام الفضولي مالكا يعتبر قدرته و المفروض حصولها و لا يقتضي اعتبار قدرة المالك حال العقد اتحاد المالك حال العقد و المجيز فإنّ هذا شرط آخر لم يقم عليه برهان

و حاصل الكلام أنّه لو عم العمومات هذا البيع و قلنا إن تبدّل المالكين حال العقد و حين الإجازة كقيام الوارث مقام مورّثه فلا يرد إشكال اعتبار القدرة و الرّضا لأنّ قدرة من يعتبر قدرته و رضاء من يعتبر رضاه موجودان و لا دليل على اعتبار بقاء قدرة المالك حال العقد إلى حال الإجازة هذا مضافا إلى أنّ اعتبار القدرة حال العقد ممنوع فإنّ هذا الشّرط يعتبر حين التّسليم

ثم لا يخفى أنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ المصنف قدّس سرّه لم يلتزم بورود الإشكال لتصريحه باعتبار القدرة في المالك حال العقد لا باعتبارها فيمن له العقد حتّى يقال إنّ من له العقد و هو المالك حال الإجازة غير مالك حال العقد فليس قادرا حينه و المالك حال العقد و إن كان قادرا إلّا أنّه ليس مجيزا

و أمّا الإشكال الثالث فحاصله أنّه بناء على الكشف يلزم كون البائع الفضولي مالكا قبل اشترائه المبيع من المالك الأصلي و إلّا لزم خروج المال عن ملكه

ص: 266

إلى ملك المشتري قبل دخوله فيه

ثم لا يخفى أنّ هذا الإشكال و الإشكال الرابع و الخامس الّذي عدّه من الأعاجيب واردة على فرض لزوم الالتزام بتملّك المشتري حقيقة من حين العقد بناء على الكشف و أمّا لو قلنا بأنّه يتلقّى الملك من المجيز فهو يملك من حين تملّك المجيز فلا يرد إشكال أصلا و ذلك لأنّ اجتماع المالكين على ملك واحد يتوقّف على كون المشتري مالكا حال العقد فيجتمع ملكه مع ملك المالك الأصيل الّذي لا بدّ لنا من الالتزام به حتى يصحّ اشتراء البائع منه و هكذا اجتماع الوجود و العدم كليهما في العقد الأوّل و الثّاني مبني على هذا المبني فإنّ مالكيّة المشتري مانع عن شراء البائع من مالك المبيع و شراء البائع منه متوقّف على عدم مالكيّة المشتري

و هكذا توقّف صحّة إجازة المجيز على إجازة المشتري للبيع الثاني و توقّف صحّة إجازة المشتري على إجازة البائع لأصل البيع مبني على مالكيّة المشتري من حين العقد حتّى لا يصحّ الإجازة من البائع إلّا بإجازة المشتري لأنّ البائع يشتري ملك المشتري فيتوقف إجازته على إجازته المشتري للبيع حتى يملك المبيع فيجيز

و هكذا توقف صحّة كل من العقدين على إجازة المشتري أمّا العقد الثّاني فلأنّه واقع في ملكه و أمّا العقد الأوّل فلتوقّفه على إجازته بالواسطة فإنّه يتوقّف على إجازة البائع المتوقّفة على البيع الثّاني المتوقّف على إجازة المشتري

و هكذا يلزم عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثّمن و المثمن أمّا الثمن فلأنّ المبيع ملك للمشتري فالبائع الفضولي يشتري منه حقيقة فلا بدّ من أن يسلّمه إلى المشتري و أمّا المثمن فلأنّه بالبيع الأوّل تملّكه المشتري

و هكذا يلزم تملّك المشتري المبيع بلا ثمن لو اتّحد الثّمنان كما لو باعه الفضولي بعشرة ثم اشتراه بهذا المقدار من الأصيل فيجب عليه ردّه إلى المشتري و يلزم تملّكه المقدار من المبيع مجانا لو زاد ثمن الأوّل كما لو اشتراه بعشرة و اشتراه البائع من الأصيل بخمسة و يلزم تملّكه تمام المبيع مجانا مع الزيادة لو نقص ثمن الأوّل كما لو اشتراه بخمسة و اشترى البائع من الأصيل بعشرة

و بالجملة هذه المحاذير إنّما يلزم لو قلنا بتملّك المشتري حين العقد حقيقة و هذا يلزم خروج المال عن ملك المالك قبل دخوله في ملكه و هو محذور لا يمكن الالتزام به و يلزم اجتماع مالكين في ملك واحد و هذان الإشكالان هما العمدة و أمّا مع الغضّ عنهما فلا الإجازة تتوقّف على الإجازة و لا العقدين عليها و لا يلزم مجانيّة المبيع أو مقدار منه لأنّ بيع مال المشتري يتوقّف على إجازته إذا كان ذلك المال ماله مع قطع النّظر عن هذا البيع و هكذا ثمن البيع الثّاني يكون له إذا كان الملك ملكا له و أمّا إذا لم يكن له إلّا بلحاظ هذا البيع فلا

هذا مع أن مقتضى الإيراد الثّالث وقوع التزاحم من المالك الأصيل و المشتري على الثّمن فإنّ صحة البيع الأوّل بالإجازة تقتضي كون الثّمن للمالك الأصيل لأنّه الّذي انتقل منه المبيع إلى المشتري و صحّة شراء البائع تقتضي كون الثّمن للمشتري فإنّ البيع الثّاني وقع في ملكه

ثم إن خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه يتوقّف على القول بالكشف بنحو دخل الإجازة شرطا متأخّرا و معنى دخلها كذلك توقّف الملكيّة عليها حقيقة الّذي قلنا باستحالته للزوم تقدّم المعلول و هو الملك على بعض أجزاء علته و هو الإجازة و إذا التزمنا بهذا المحال فلا يرد إشكال اجتماع ملاك ثلاثة كما ذكره المصنف لأنّ المشتري و المالك الأصيل مالكا إلى زمان البيع الثّاني و المشتري و المجيز مالكان بعد البيع الثّاني إلى زمان الإجازة و لا موجب

ص: 267

للالتزام بكون المجيز مالكا من حين العقد الأوّل إلى زمان الإجازة حتى يجتمع ملاك ثلاثة في زمان واحد على مال واحد لأنّ المشتري و إن كان يتلقّى الملك عن مالكه لا محالة إلّا أنّه لا يجب أن يكون هو المجيز بالخصوص بل إمّا هو أو الأصيل

فتلخّص ممّا ذكرنا أن ورود هذه الإشكالات موقوف على اقتضاء الإجازة الكشف عن مالكيّة المشتري من حين العقد فلو ادّعى المستدلّ على البطلان اقتضاؤها في المقام كاقتضائها في سائر الموارد الكشف من حال العقد فلا يستقيم الجواب عنه بما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ مقدار الكشف تابع لصحّة البيع لأنّ للمستدلّ المنع عن أصل اقتضاء البيع للصحّة في المقام لما مرّ في الوجه السادس من أنّ بيع الأصيل ماله من البائع الفضولي يقتضي بطلان بيع الفضولي لأنّ الردّ كما يتحقّق بالقول يتحقّق بالفعل أيضا

ثم لو سلّم تحقّق المقتضي فله أن يدعي وجود المانع عن الصّحة بدعوى أنّه لا خصوصيّة للإجازة في المقام تقتضي التأثير من حين اشتراء البائع لا من حين العقد فإذا امتنع العمل بما تقتضيه في المقام كان اللّازم فساد البيع و لا يمكن تصحيحه بأنّ مقدار كشف الإجازة تابع لصحّة البيع إلّا بعد ورود الدّليل على صحّة هذا البيع حتّى يكون تخصيصا لما اقتضته الإجازة من كشفها عن تحقّق الملك حين العقد و إلّا يكفي للبطلان عدم إمكان العمل بما تقتضيه و صحّته تتوقّف على أمرين

الأوّل عدم اعتبار كون شخص خاصّ طرفا للمعاوضة لا بمعنى إمكان كونه كليّا فإنّ هذا غير معقول لأنّ الإضافة تتوقّف على مضاف إليه معيّن بل بمعنى عدم اعتبار خصوص كونه زيدا أو بكرا فلو اشترى من شخص باعتقاد كونه زيدا فتبيّن كونه بكرا لا يضرّ و ليس البيع كالنّكاح الثّاني كون مسألة من باع شيئا ثم ملك كمسألة اختلاف المالك حال العقد و الإجازة بسبب الموت و الوراثة بأن يكون تبدّل الملك كتبدّل المالك فإذا تمّ هذان الأمران فلا محيص عن الالتزام بالصّحة في المقام و إن كان اقتضاء الإجازة كشفها الملك من حين العقد في جميع المقامات

و الأمر الأوّل لا إشكال فيه و أمّا الثّاني فقد ظهر في أوّل مباحث البيع الفرق بين الإرث و البيع و أنّ في الإرث التغيير و التّبديل في المالك و في البيع التبديل في الملك فإذا باع الفضولي ملك المورّث ثم انتقل إلى الوارث فحيث إنّ الملك على حاله و دلّ الدّليل على قيام الوارث مقام المورّث فالوارث يجيز نفس هذا التبديل و أمّا لو باع الفضوليّ مال زيد ثم انتقل إلى نفسه فإجازته لا تتعلّق بما وقع أولا لأنّ التبديل وقع بين ملك زيد و المشتري و الإجازة تتعلق بملك المشتري و الفضولي الّذي لم يكن ملكه طرف الإضافة

و بالجملة كلّ ما تعلّقت الإجازة بما انتقل من المجيز إلى الآخر و لو في عقود متتابعة فهي مؤثّرة و أمّا لو تعلّقت بغيره فلا تؤثر و إن كان الملك حين الإجازة ملكا له لأنّ الإجازة ليست عقدا ابتدائيا حتّى يقع التّبديل بها فعلا و لو على النّقل فضلا عن الكشف و لا يمكن قياس مسألتنا هذه على مسألة الإرث لأنّه لو أجاز الوارث العقد الواقع على ملك مورّثه تؤثر إجازته بناء على الكشف من حين العقد و لا يمكن الالتزام بهذا في المقام و ليست جهة الفرق إلّا أنّ تبديل المالك و اختلافهما لا يوجب تفاوتا في المملوك و في المقام يوجب ذلك فالمنشأ لا تتعلّق به الإجازة و المجاز ليس هو المنشأ

ثم إنّه ينبغي التّنبيه على أمور الأوّل قد ظهر أنّه بعد الالتزام بالكشف من حين العقد و خروج الملك عن ملك المجيز

ص: 268

إلى ملك المشتري قبل دخوله في ملك المجيز لا يلزم الالتزام باجتماع ملاك ثلاثة بل الملك من حين العقد الأوّل إلى زمان العقد الثّاني ملك للمشتري و المالك الأصيل و من حين العقد الثّاني إلى زمان الإجازة ملك للمالك الفعلي و هو المجيز و المشتري لأنّ المجيز ليس مالكا قبل شرائه و الأصيل ليس مالكا بعد بيعه الثّاني أنّه و إن كان مبنى الإشكالات أمرا واحدا إلّا أن كلّ واحد منها يغاير الآخر و ليس من الإعادة بتقرير آخر الثّالث أنّ ما دفع به المستشكل إشكال اجتماع المالكين في ملك واحد في مطلق الفضولي لا يرجع إلى محصّل مضافا إلى ما في تعبيره من الملك الصّوري باستصحاب الملك فإنّ الاستصحاب المصطلح إنّما يجري في مورد الشكّ في بقاء المتيقّن و ذلك لأن الملك لو لم يكن للمجيز بعد العقد فإجازته غير مؤثّرة و المفروض أنّها شرط متأخر

فالصّواب أن يقال إنّه و إن اجتمع مالكان على ملك واحد في زمان واحد إلّا أنّه إذا كان ملك أحدهما في طول ملك الآخر فلا دليل على امتناعه و أدلّ الدليل على إمكانه وقوعه كما في ملك العبد الّذي يملكه المولى و إنّما الممتنع اجتماع مالكين عرضيين ففي المقام حيث إنّ ملك المجاز له مترتّب على ملك المجيز و قوامه به فاجتماعهما لا يضرّ

قوله قدّس سرّه و الجواب أن فسخ عقد الفضولي هو إنشاء ردّه إلى آخره

لا يخفى أنّ مبنى الجواب عن سادس الوجوه هو إمكان اختلاف الملك حين العقد و الإجازة فإذا أمكن ذلك فكلّ من هو مالك للمبيع فله الإجازة فإذا أجاز المالك الأوّل يصير العقد له و إذا فات محل الإجازة بانتقاله عنه فللمالك الثّاني أن يجيز و هكذا

و هذا إنّما يصحّ لو كان البيع مجرّد التبديل بين المالين من دون اعتبار قيام العوض مكان المعوّض في طرف الإضافة أو كانت الإضافة قابلة لتعلّقها بالكلّي من دون خصوصية مالك أصلا و أمّا لو قلنا بأنّ البيع تبديل طرف إضافة بطرف إضافة أخرى مع اعتبار تعلّق الإضافة بشخص خاصّ و إن لم يعتبر تعيينه حال العقد فلا إشكال في أنّ هذا العقد غير قابل للإجازة لأنّ الملك خرج عن ملك المالك الأصيل بسبب بيعه فلا تؤثر إجازته و ردّه بعد بيعه

و أمّا الفضولي الّذي اشترى المبيع فلأنّه حين العقد لم يكن طرفا لإحدى الإضافتين و لذا لا يؤثر ردّه فلا يؤثر إجازته فالبيع كالنّكاح مفوّت لمحلّ الإجازة و إن لم يلتفت المالك إلى عقد الفضولي فالقول بأنّ التّزويج موجب لفوات محلّ الإجازة مطلقا حتى فيما لو مات الزّوج الثّاني بخلاف البيع فإنّه موجب لفواته بالنّسبة إلى الأصيل لا يستقيم

و بالجملة بعد ما تبيّن أنّ الإجازة ليست عقدا مستأنفا فلا بدّ أن تتعلّق بالعقد السّابق و إذا بطل العقد السّابق لانتقال الملك عن الأصيل إلى غيره فلا يبقى محلّ للإجازة فما ذكره المستدل من أنّ حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود الجائزة سواء كان الجواز فيها حكميا كالهبة أم حقّيا كالبيع الخياري هو الحقّ بل البطلان فيه أولى منها لأنّه قد حصل الملك للمتّهب و من عليه الخيار و لو متزلزلا بخلاف مسألة الفضولي فإذا أوجب تصرّف الواهب و من له الخيار بالبيع و نحوه بطلان العقد فكذلك تصرّف المالك في المقام و لذا لو عاد الملك إلى الواهب و من له الخيار بالملك الجديد لا يرجع عقده الأوّل إلى ما كان قبل التصرّف فكذلك ملك البائع في المقام ملك حادث و هو غير ما وقع عليه العقد

قوله قدّس سرّه السّابع الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النّبي ص عن بيع ما ليس عندك إلى آخره

ص: 269

الإنصاف أن الأخبار العامّة و الخاصّة ظاهرة في فساد بيع من لا يكون المبيع له و إن اشتراه و أجازه لأنّ النّهي ظاهر في كونه إرشادا إلى اعتبار قيد في المعاملة فلا يمكن الجواب عن الأخبار العامّة فضلا عن الخاصّة الظّاهرة في المبيع الشّخصي بما أجيب عنها في بيع الغاصب لأنّ في بيع الغاصب يمكن أن يكون المنع راجعا إلى عدم قدرته إلى التّسليم كما لو باع لنفسه غير مترقّب لإجازة المالك أو راجعا إلى وقوعه لنفس الغاصب فلا يدلّ على الفساد لو أسنده المالك إلى نفسه بإجازته و في المقام لا يجري شي ء منهما أمّا الأوّل فلأن مورد البيع قبل الشّراء مورد يطمئن البائع بأنّ المالك يبيعه إياه و إلّا لا يقدم أحد مع عدم اطمينانه بذلك على الإيجاب

و بعبارة أخرى مورده مورد يصحّ دعوى المالكيّة مجازا بقرينة المشارفة و أمّا الثّاني فلأنّ عدم الملازمة بين فساد البيع للغاصب مع الفساد للمالك إنّما يكون منشؤه أنّ الخطاب الموجّه إلى الغاصب بعدم وقوع العقد له لا إطلاق له بالنّسبة إلى المالك و أمّا في المقام فلا يمكن إنكار الإطلاق لأنّ إجازة البائع و عدمها من حالات بيعه فيشمل النّهي بإطلاقه صورة الإجازة أيضا

و بالجملة لا يخفى ظهور الأخبار في عدم صحّة البيع قبل الاشتراء و أنّه يشترط في البيع الثّاني عدم سبق إلزام و التزام سابق على هذا البيع من البائع و المشتري فلو التزم المشتري الثّاني في البيع الأوّل على تسليم المبيع إلى المشتري الأوّل بحيث لا يستطيع على صرف المبيع عنه لبطل كما أنّه يشترط في البيع الأوّل عدم التزام المشتري بالشراء بأن لا يكون هناك إيجاب و قبول بل صرف مقاولة و أمّا لو كان ملزما بالشّراء فصريح الأخبار بطلانه و المفروض أنّ المشتري في مسألة من باع ثم ملك ملزم بالشّراء على ما تقدم من أنّه ليس للأصيل فسخ المعاملة

و لا يمكن الجواب عنه بما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ ظاهر الأخبار البطلان لو كان كلّ منهما ملزما بإنشائه دون ما إذا كان أحدهما ملزما به و ذلك لأنّ ظاهرها الصّحة فيما لو كان كلّ منهما مختارا فمفهومها البطلان لو لم يكن كذلك و أمّا حمل الأخبار على الكراهة لورود أكثرها في بيع الكلّي الّذي استقرّ مذهب الخاصّة على جوازه و لو لم يكن البائع مالكا له فبعيد جدّا

أمّا أوّلا فلعدم ظهورها فيه إلّا خصوص صحيحة معاوية بن عمار في بيع الحرير و أمّا صحيحة ابن مسلم فتنكير المتاع لا يدلّ على كونه كلّيا لوقوعه في كلام السّائل و غرضه السّؤال عن كلّ فرد من أفراد الأمتعة من دون خصوصيّة قسم خاصّ و إلّا فيقتضي أن يكون المتاع المبهم من جميع الجهات مفروض سؤال السّائل و هذا لا يقع في الخارج أصلا لأنّ الأثمان تقع بإزاء الصّور النوعيّة لا المادّة المشتركة فلا يمكن أن يكون قوله سألته عن رجل أتاه رجل فقال له ابتع لي متاعا هو طلب شراء المتاع المبهم القابل لانطباقه على كلّ شي ء هذا مضافا إلى ظهور قوله لعلّي أشتريه منك بنقد أو نسية في المبيع الشّخصي

و أمّا ثانيا فظهور أكثرها في الكلّي لا يوجب حمل جميعها عليه فما كان ظاهرا في الكلّي يحمل على الكراهة بقرينة أنّ المذهب استقرّ على صحّة بيعه و ما كان ظاهرا في الشّخصي فيحكم بفساده على ما هو ظاهر النّهي فإنّه كاشف عن اعتبار قيد في المعاملة و هو كون البائع مالكا للمبيع ثم لا يخفى أنّه لو قلنا بصحّة هذا البيع فلا تتوقّف على الإجازة لأنّ الغرض منها إما حصول الرّضا من المالك أو الاستناد إليه و كلّ منهما حاصلان بصدور البيع عنه لنفسه فلا يمكن حمل الأخبار على صورة عدم

ص: 270

الإجازة مع أنّها مثل صورة الإجازة في الصّحة و الفساد

هذا كلّه مع اعترافه قدّس سرّه بأن رواية الحسن بن زياد الطائي تدلّ على ما اختاره صاحب المقابس و العجب أنّه قدّس سرّه حمل النّهي على ما يترتّب بعد البيع من عدم تسليم المبيع و نحوه فإنّ النّهي الظّاهر في اعتبار قيد في نفس المعاملة كيف يحمل على ما يترتّب عليها بعد فرض صحّتها و الإنصاف أنّه لم يكن المناقشة في دلالة الأخبار على الفساد لائقة بمقامه فتدبّر جيّدا

قوله قدّس سرّه ثم إنّ الواجب على كلّ تقدير هو الاقتصار على مورد الرّوايات إلى آخره

لا يخفى أنّه لا فرق في البيع الشّخصي بين صوره فإنّ الأخبار العامّة و الخاصّة يشمل عمومها أو إطلاقها لجميع صور المسألة فالأقوى هو البطلان سواء باعه لنفسه أم باعه عن مالكه فصار مالكا بأن انتقل إليه بعد البيع أم باعه لثالث فاتّفق صيرورة الثّالث مالكا أو اتّفق صيرورة نفسه مالكا و على التقديرين لا فرق بين تحقّق الإجازة و عدمه و في جميع صور المسألة لو أجاز المالك الأصيل قبل بيعه من البائع صحّت المعاملة لأنّها من أفراد بيع الفضولي غاية الفرق هو اختلاف كيفيّة تحقّق قصد المعاوضة

و بالجملة المبحوث عنه في المقام هو وقوعه لمن لم يكن حال العقد مالكا و صار مالكا بعده و أصول أقسامه ثلاثة البيع لنفسه و عن مالكه و عن ثالث أجنبيّ فلو باع لنفسه فالأقوى بطلانه سواء باعه بداعي كونه ملزما بالاشتراء عن مالكه و تسليمه إلى المشتري كما في البيع الكلّي الّذي يجب عليه تحصيله أم بداعي أنّه لو اتّفق صيرورته مالكا يسلّمه إلى المشتري

و يظهر من المصنف أن مورد الأخبار هو مورد البناء على لزوم التّحصيل عليه من غير ترقّب لإجازة مجيز أصلا لا من المالك و لا من البائع إذا ملك و كذلك الصورة الثّانية إذا لم يخبر بعد الشّراء دون ما إذا باع على أن يكون العقد موقوفا على الإجازة من المالك أو البائع بعد تملّكه و استظهر هذا المعنى من العلّامة أيضا فإن استدلاله بالغرر و عدم القدرة على التسليم ظاهر في مورد يقع البيع على وجه يلزم على البائع تسليمه

و لكنّك خبير بأنّ الأخبار صريحة في أنّ البيع قبل تملّك البائع لا يصحّ سواء كان البائع بانيا على لزوم التّحصيل أم كان مترقّبا للإجازة تحقّقت الإجازة أم لا و مجرّد بنائه على لزوم التّحصيل عليه لا يؤثر في الفساد و ترقبه للإجازة و تحقّقها لا يؤثران في الصّحة فإنّ البناء القلبي لا يؤثّر في الفساد و الصّحة في باب المعاملات

و استدلال العلّامة قدّس سرّه على الفساد بالغرر و العجز عن التّسليم لا يصلح لحصر الفساد في صورة دون أخرى لأنّ هذين المحذورين و إن لم يجريا في جميع الصّور إلّا أنّ النّهي يشمل جميعها و لو باع عن المالك فاتّفق أنّه صار مالكا فلو قلنا بالصّحة فلا إشكال في توقّفها على إجازته لأنّ رضاه سابقا لا يفيد لوقوع المعاملة عنه فصحّتها تتوقّف على رضاه حين الملك حتّى يستند البيع إليه عن طيب

و لكن الكلام في صحّته فإن الأخبار و إن لم تعمّ هذه الصورة إلّا أن بعد ما عرفت من الفرق بين التّبديل في المالك و الملك فحكم هذا القسم حكم ما لو باع لنفسه لأن تبديل الملك يوجب اختلاف المنشأ و المجاز بل الاختلاف فيه أظهر لأنّ في القسم الأوّل باع لنفسه و هو المجيز و في القسم الثّاني باعه عن مالكه و هو لا يجيز و إنّما يجيزه المالك حال الإجازة و قياسه على ما إذا باع لنفسه فإجازة المالك لنفسه لا وجه له لأنّ صحّة هذا القسم إنّما هو لإلغاء قصد البيع للنّفس كإلغائه في مورد الغاصب فإذا تحقّق قصد المعاوضة و ألغى قيد لنفسه صحّ تعلّق إجازة المالك بها و أمّا قصده للمالك الأصيل فلا يمكن إلغاؤه فإجازة

ص: 271

غيره لا ترتبط بالعقد و يمكن أن يكون قوله فتأمّل إشارة إلى هذا

و لو باعه لثالث فاتّفق أنّ الثّالث صار مالكا فحكمه حكم ما لو باع لنفسه ثم ملك سواء أجاز الثّالث أم لم يجز أمّا في صورة عدم الإجازة فواضح و أمّا في صورة الإجازة فلأنّ النّهي التّكليفي و إن لم يشمله كما في الصورة الثّانية و هي ما لو باعه عن المالك إلّا أنّ الوضعيّ المستفاد من الأخبار و هو شرطيّة كون البائع مالكا يشمل كلتا الصّورتين هذا مع أنّ التبديل في الملك الموجب لاختلاف المنشأ و المجاز كاف في الفساد

فظهر ممّا ذكرنا أنّ الحكم في جميع الصّور هو الفساد و لا فرق بين أقسام الصورة الأولى فسواء باعه عن نفسه منجّزا أم باعه على أن يكون العقد موقوفا على الإجازة فاتّفقت الإجازة منه بعد تملّكه أو تبايعا على أن يكون اللّزوم موقوفا على تملّك البائع دون إجازته فالحكم في الجميع هو البطلان و لا وجه لتخصيصه قدّس سرّه الفساد بالصّورة الأولى و الثّانية إذا لم تتفق الإجازة دون ما إذا علّق العقد على الإجازة فتحقّقت و دون ما إذا علّق اللّزوم على التملّك مع أنّه نقل عن الدّروس فساد هذه الصورة الأخيرة

هذا مع أنّه لو كان المراد من التّعليق في العقد هو التّعليق البنائي فقد تقدم أنّ البناء القلبيّ لا أثر له في باب العقود و الإيقاعات و لو كان المراد هو التّعليق في ضمن العقد فهذا هو التّعليق في المنشأ الّذي أجمعوا على بطلانه ثم إنّه ليس لتعليق اللّزوم على التملك معنى محصّل في المقام لأنّه عبارة عن جعل الخيار و هو إنّما يكون مقابلا للالتزام العقدي من المالك و ليس العقد منسوبا إلى البائع في المقام و الاسم المصدريّ الغير الحاصل لا معنى لجعل الخيار فيه فمقصود صاحب الدّروس ليس ما هو ظاهر عبارته بل غرضه تعليق اللّزوم على الانتقال على نحو الدّاعي و لذا عبّر عنه بقوله و لو أراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده

قوله قدّس سرّه ثم إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا في المسألة المذكورة حال المسألة الأخرى و هي ما لو لم يخبر البائع بعد تملّكه إلى آخره

قد تقدم أنّه لو قلنا بصحّة أصل البيع و عدم مانعيّة التّبديل في طرف الملك فلا وجه لاعتبار الإجازة أصلا لأنّه لم يقم دليل تعبّدي على اعتبارها و إنّما نحتاج إليها في الفضولي لتحقّق الاستناد و الرّضا و هما في المقام حاصلان فالعمدة بيان وجه أصل الصّحة و الأولى البحث أولا عن إمكان إدراج هذا البيع في العمومات ثم البحث ثانيا عن الأدلّة المانعة لأنّه لو لم يعمّه العمومات فلا موقع للبحث عن الأدلّة المانعة

و يظهر منه قدّس سرّه شمول أَوْفُوا بِالْعُقُودِ له إلّا أنّه جعل المقام أوّلا من موارد الرّجوع إلى استصحاب حكم الخاص لا من موارد الرّجوع إلى عموم العام لأنّ البائع قبل تملّكه لم يكن مأمورا بالوفاء بالعقد فيستصحب ثم أضاف إليه ثانيا أنّ عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ معارض بعموم النّاس مسلّطون على أموالهم و عدم حلّها لغيرهم إلّا بطيب النّفس فحكم باعتبار الإجازة من باب النّاس مسلّطون

و في كلامه ما لا يخفى على المتأمّل كما أمر بالتأمّل لأنّ مقام الرّجوع إلى الاستصحاب أو العام إنّما هو في الفرد المعلوم فرديّته الخارج عن حكم العام في قطعة من الزّمان و البائع في المقام قبل أن يشتريه لم يكن مأمورا بالوفاء بعقده و إنّما الشكّ في أنّه بعد ما اشتراه هل هو مأمور بالوفاء أو لا فهو قبل أن يشتريه لم يكن مصداقا للعام و كان كشخص لم يكن عالما في زمان ثم صار عالما فلا يمكن أن يقال هذا الفرد من العام لم يكن واجب الإكرام فيستصحب حكم المخصّص لأنّ البائع خارج عن العام تخصّصا مع أنه لو قيل بأنّ

ص: 272

كل من له ربط بالعقد يجب وفاؤه به إلّا أن محلّ الرّجوع إلى حكم العام أو الخاصّ إنّما هو في مورد الشكّ بالنسبة إلى عمود الزّمان كالشكّ بعد زمان الأوّل في البيع الغبني بأنّه محكوم حكم الخيار أو بحكم العام لا فيما كان المخصّص من الزّمانيّات كما إذا خصّص وجوب الوفاء بالعقود بمورد خاصّ و شكّ في أنّ هذا هو المورد الخاصّ أو غيره

ثمّ لا يخفى أنّه لو قلنا بأنّ المقام من موارد الرّجوع إلى عموم العام فلا يمكن أن يعارض بدليل السّلطنة و اعتبار الطّيب لأنّ معنى وجوب الوفاء بالعقد هو لزومه عليه قهرا و وجوب الالتزام بآثاره شرعا

و حاصل الكلام أنّه لا يمكن تصحيح البيع الشّخصي لمن لا يملكه سيّما إذا قصد البيع لنفسه لأنّه لو صحّ له فلا يمكن وقوعه للمالك الأصيل إذا أجاز مع أنّه لا إشكال في وقوعه له إذا أجاز قبل بيعه من البائع لأنّ معنى وقوعه للبائع أنّه قصد خروج المال عن ملكه بعد فرض نفسه مالكا بالأوّل و المشارفة فهو في الحقيقة يوقع المبادلة بين ملكه بما هو ملكه و بين ملك الطرف فالمالك الأصيل أجنبيّ عن العقد و لا يمكن قياسه على الغاصب لأنّه بعد سرقة الإضافة يوقع المبادلة بين ملكي المالكين و لا يلاحظ شخص نفسه إلّا على نحو الدّاعي بل المقام نظير البيع الكلّي في إجراء البائع المعاملة على ملك شخصه

و بالجملة الأمر يدور بين أن يجعل البائع أجنبيا أو الأصيل و المفروض أنه يقع للأصيل إذا أجاز فلا مناص عن جعل البائع أجنبيّا و يكون كمجري الصّيغة و على أيّ حال فقد ظهر ممّا ذكرنا من صدر المبحث إلى هنا أنّه لا فرق بين تحقّق الملك للبائع بالشّراء و تحقّقه بالإرث

نعم هناك فرق بينهما من جهة أخرى و هي أنّ الوارث حيث إنّه يقوم مقام مورّثه فله الإجازة لا من باب أنّه ملك ما باعه بل من باب أنّه هو المورّث فيكون حكمه حكم المالك الأصيل في نفوذ إجازته قبل بيعه من البائع و حكمه حكم نفس المورّث لو أجاز حال حياته نعم لو قلنا بأن في مسألة من باع ثمّ ملك بالشّراء لا يصحّ الإجازة من المالك الأصيل لعدم إمكان الجميع بين قابليّة انتساب العقد إلى كلّ من المالك و البائع فالوارث في المقام أيضا ليس له الإجازة من باب قيامه مقام مورّثه بل هو من أفراد من باع شيئا ثمّ ملك فالفرق بينهما لا وجه له فتأمّل في أطراف الكلام جيّدا

[المسألة الثّالثة ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرّف فبان كونه جائز التصرّف]

قوله قدّس سرّه المسألة الثّالثة ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرّف فبان كونه جائز التصرّف إلى آخره

لا يخفى أن ربط هذه المسألة بالمسألتين السّابقتين منوط بما ذكرنا في الجهة الثّالثة من الجهات الرّاجعة إلى شرائط المجيز و هو أنّ عدم جواز تصرّف المجيز حال العقد إمّا واقعيّ و إمّا خياليّ و نقّحنا الواقعيّ في ضمن مسألتين فإنّ عدم جواز التصرّف واقعا إمّا لتعلّق حق الغير بالمال و إمّا لعدم كونه مالكا فبقي حكم الخيالي و هو على صور أربع لأن اعتقاد عدم جواز التصرّف المنكشف خلافه إمّا لعدم الولاية فانكشف كونه وليا و إمّا لعدم الملك فانكشف كونه مالكا و على كلا التقديرين فإمّا يبيع لنفسه أو عن المالك

فالصّورة الأولى أن يبيع عن المالك فانكشف كونه وليا و الظّاهر من المصنف قدّس سرّه صحّتها من دون توقّف على إجازة المالك و لا يخفى أنّ الولاية على قسمين إجباريّة و اختياريّة و الإجباريّة إمّا بموهبة من اللّٰه سبحانه كولاية الأب و الجدّ و إمّا بموهبة من المخلوق كولاية العبد المأذون من قبل المولى في التّجارة و الاختياريّة كولاية القيّم على الصّغار و الوكيل

ثم لا يخفى أنّ صحّة هذه المعاملة و فسادها مبنيان على أن يكون العلم بالولاية أو الالتفات بالوكالة طريقيّا أو موضوعيّا فلو قلنا بالطّريقيّة فلا إشكال

ص: 273

في الصّحة و الأقوى كونه كذلك لأنّ الأحكام تدور مدار موضوعاتها واقعا و كونها منوطة بالعلم بها يتوقف على دليل نعم ولاية العبد ليست في الظّهور كولاية سائر الأولياء فإنّه بعد ما دلّ الدّليل على حجره و عدم قدرته على شي ء يشكّ في خروجه عن العجز بمجرّد إذن المولى واقعا مع عدم علمه به و كون إعطاء الإذن من آثار سلطنة المولى لا ينافي فساد بيعه لاعتبار علمه برفع الحجر

و بالجملة فكما أنّ العجز في امتثال الخطابين المتزاحمين لا يتحقّق إلّا مع العلم بهما فكذلك القدرة لا تتحقّق للعبد إلّا بوصول الإذن إليه لعدم صدق كونه قادرا مع عدم العلم بها و لكن الأقوى عدم الفرق بين القدرة و الوكالة و الولاية في أنّ العلم في كلّ منها طريقيّ

هذا مع أنّ الّذي يهوّن الخطب أنّ العبد و إن لم يصر قادرا شرعا بالإذن الواقعيّ إلّا أنّه ليس كالصبيّ و المجنون مسلوب العبارة فيكون بيعه لمولاه من أفراد الفضوليّ فيتوقّف على إجازة المولى كما أنّه لو باع مال غير المولى يتوقّف صحّة بيعه على إجازة صاحب المال و المولى كما أنّه لو قلنا بموضوعيّة العلم في جميع أنحاء الولاية فمع عدم العلم بها يدخل البيع في الفضولي و لكن احتمال موضوعيته في باب ولاية الأب و الجد و الحاكم الشّرعي و القيّم ضعيف فعلى القول ببطلان الفضولي يصحّ هذا البيع لخروجه عنه بالإذن الشّرعي أو المالكيّ و في هذه الصّورة لا يتوقّف الصّحة على الإجازة لأنّ الإذن السّابق لا يقصر عنها

و الصورة الثّانية أن يبيع لنفسه فانكشف كونه وليا و الأقوى صحّته و عدم توقّفه على الإجازة أمّا صحّته فلأنّ قصد بيعه لنفسه لغو بعد أن أوقع التبديل بين طرف الإضافة المالكيّة و الطّرف الآخر و أمّا عدم توقّفه على الإجازة فلأنّ الإذن السّابق لا يقصر عن الإجازة

و بالجملة لو كان القصد لنفسه منافيا لقصد المعاوضة فلا ينفعه الإجازة اللّاحقة و لو كان لغوا فيكفي لصحّته الإذن السّابق و الثالثة أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا و هذا على قسمين الأوّل أن يبيع عن المالك مع اعتقاده أنّ المالك أبوه بأن يطبق المالك على أبيه و الثّاني أن يبيع عن شخص أبيه و الفرق بينهما كالفرق بين الوصف و الإشارة أمّا القسم الأوّل فلا إشكال في صحته لأنّه قصد البيع عن مالك المال فأوقع التّبديل بين الملكين و تطبيق المالك على الأب لا يضرّ بصحّة المعاملة و وقوعها لنفسه إنّما هو لكونه أحد طرفي الإضافتين و هو المالك واقعا إنّما الإشكال في القسم الثّاني و الصّورة الرّابعة و هي أن يبيع لنفسه و كلّ منهما يختصّ بإشكال لا يجري في الآخر و إن توهّم بعض ورود الإشكال المختصّ بالصّورة الرّابعة على القسم الثّاني أيضا على ما نقله المصنف عن النّهاية و الإيضاح

و حاصل إشكالهم على ما إذا قصد بيع ماله عن أبيه هو أنّه قصد البيع عن أبيه لا عن نفسه فلو انكشف كون المال لنفسه فكيف يصحّ المعاملة و تقع له بمجرد كونه في الواقع له هذا مع أنّ هذا البيع و إن كان منجّزا في الصورة إلّا أنّه معلّق واقعا و التقدير إن مات مورّثي فقد بعتك هذا مضافا إلى أنّه كالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبيع لغيره

و لا يخفى أنّ الإشكال الثّاني مع أنّه لا صغرى له و لا كبرى في المقام لا يجتمع مع الإشكال الأوّل أمّا عدم الصغرى فلأنّ المفروض أنّ الوارث يظنّ حياة أبيه و يبيعه أيضا عن أبيه فكيف يكون تقدير هذا البيع إن مات مورثي فقد بعتك بل هذا التّعليق المعنوي يجري في خصوص ما إذا باع لنفسه مع ظنّه بحياة مورّثه

و أمّا عدم الكبرى فلأنّ التّنجيز صورة كاف في صحّة المعاملة

ص: 274

و إن كان في الواقع معلّقا و أمّا عدم اجتماعه مع الإشكال الأوّل فلأنّ الإشكال الأوّل هو أنّه مع قصد البيع عن الأب كيف يقع لنفسه فلا يرد إشكال التّعليق و هو إن مات مورّثي فقد بعتك لأن مرجعه إلى أنّه قصد البيع لنفسه

و أما الإشكال الثّالث فهو الإشكال المعروف الوارد على التشريع و حاصله في المقام أنه مع اعتقاده بأنّ المال لأبيه كيف يقصد المعاوضة الحقيقيّة و قد أجبنا عنه في بيع الغاصب بأنّ البناء على أمر يعتقد خلافه بمكان من الإمكان ثم إنّ المصنف قدّس سرّه أجاب عن الإشكال الأوّل بأن قصد نقل الملك عن الأب لا يضرّ بوقوعه لنفسه لأنّه و إن قصد عن أبيه إلّا أنّه قصده من حيث كونه مالكا ففي الحقيقة قصد النقل عن المالك أي الحيثيّة في المقام تقييديّ و الموضوع هو الأب المالك

و لكنّك خبير بأنّ الحيثيّة التقييديّة لا يمكن الالتزام به في الموضوعات الشخصيّة لأنّ الفرد الخارجي غير قابل للتعدّد فتقييده ممتنع فالأب إذا كان هو الّذي بيع عنه فهو ملحوظ بخصوصيّته و توصيفه بأنّه المالك حيثيّة تعليليّة و الحيثيّة التّعليليّة لا أثر لها لاتّحاد المنشأ و المجاز و بالجملة النّزاع في أنّ الحيثيّة تقييديّة أو تعليليّة إنّما هو في الأحكام الكليّة المتعلّقة بالعناوين كتعلّق الأمر بالصّلاة و النهي بالغصب فيقع النزاع في أن متعلّق الحكمين هو المعنون و العنوان جهة تعليليّة أو نفس العنوان و تعلّقه بالمعنون إنّما هو لانطباق العنوان عليه و أمّا لو تعلّق حكم أو إشارة بشخص خاص مع اتصافه بعنوان كوجوب إكرام زيد العالم أو الاقتداء بعمرو العادل فلا شبهة في أنّ الحيثيّة تعليليّة فإذا قصد نقل المال عن أبيه فلا يمكن أن يقال إنّ المقصود هو النّقل عن المالك و لو عنون أباه بالمالك

نعم أصل الإشكال غير وارد لأن قصد نقل المال عن شخص معيّن مع إيقاع التبديل بين المعوّض و العوض الشّخصيين لا يضرّ بوقوع المعاملة عن مالكيهما و لذا لو اشترى من شخص بتوهم أنّه زيد فبان كونه عمرا يقع المعاملة بينه و بين عمرو

و بالجملة هذا الإشكال المختصّ بما إذا باع عن أبيه لا وقع له في العوض و المعوّض الشّخصيّين و أمّا الإشكال المختص بما إذا باع لنفسه مع اعتقاده بأنّه لغيره فهو التّعليق في المعنى و الجواب عنه أنّ التّعليق الواقعي لا يضرّ مع التّنجيز في الصورة هذا مضافا إلى أنّه لو كان هناك تعليق فهو في الحكم الشّرعي لا في المنشأ لا صورة كما هو ظاهر و لا معنى لأنّ المعتقد بحياة أبيه لا يصدر البيع عنه لنفسه إلّا بفرض المال مال نفسه إمّا بالمشارفة و إمّا بالادّعاء و نحوه كالغاصب و إلّا يكون سفيها ثم إنّه بعد الفراغ عن صحّة الصورتين فهل تصحّان مطلقا أو مع الإجازة أو تفصيل بينهما و الحقّ هو الأخير

أمّا الصورة الأولى فتوقّفها بقسميها على الإجازة واضح لأنّه باع عن المالك أو عن أبيه فلم يسند المعاملة إلى نفسه فيتوقّف وقوعها عن نفسه على الإجازة حتى تستند إليه الّذي هو المالك حقيقة و مجرّد الرّضا بأصل التّبديل لا يكفي في الطّيب و الرّضا المعتبر من المالك بعنوان أنّه مالك و ذلك لأنّ مقتضى قوله عزّ من قائل إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و قوله ع لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه و إن كان كفاية رضا المالك و طيب نفسه و لو مع اعتقاده بأنّ المال لغيره و لكن بمناسبة الحكم و الموضوع يستفاد منهما أنّ ذات الرّضا و الطّيب بما هو ليس موضوعا للحكم فإن احترام ماله و توقّف التصرّف فيه على إذنه يناسب أن يكون إذنه بما أنّه مالك دخيلا في جواز التصرّف

و معلوم أن الطّيب

ص: 275

بأصل التبديل ليس طيبا بالتبديل المالكي كما أنّ العمد بأصل التكلّم أو العمد بالأكل ليس عمدا بالتكلّم في الصّلاة أو الأكل في نهار شهر رمضان فيتوقّف شمول الدّليل الدالّ على مانعيّة التكلّم في الصّلاة أو مفطريّة الأكل على العلم بأنّه في الصّلاة و بأنّه في نهار شهر رمضان لأنّ الأحكام المترتّبة على الأفعال بعناوينها الخاصّة إنّما تترتّب عليها بعد صدورها مع قصد هذه العناوين فالإذن في الأكل مع عدم العلم بأنّه ماله و الإذن في العتق مع عدم العلم بأنّه عبده لا يوجب جواز التصرّف للمأذون واقعا و نفوذه بحيث لا يتوقّف على الإجازة اللّاحقة و مجرّد كون المالك هو المباشر للعقد لا يكفي في صحّته فإنّه و إن كان مستندا إليه و صادرا منه عن طيب إلّا أنّه لا بعنوان كونه مالكا فيعتبر الإجازة اللّاحقة حتّى يستكشف الرّضا المالكي و بما أنه ماله كما يعتبر الإجازة من المكره حتى يصحّ ما صدر عنه كرها مع كون الفعل صادرا من نفسه

فالإجازة قد تفيد فائدة الرّضا كإجازة المالك في المقام و إجازة المكره و قد تفيد الرّضا و الاستناد معا كما في الفضولي بل من هذا البيان يمكن اعتبار الإجازة في صحّة عقد من باع عن المالك و انكشف كونه وليا أو وكيلا فإنّه و إن كان هو المباشر للعقد إلّا أنّ بيعه لم يقع بعنوان الولاية فلاعتبار نظرة الوليّ تعتبر الإجازة بعد تبيّن الحال

و كيف كان فاعتبار الإجازة في المقام إنّما هو لما ذكره المصنف قدّس سرّه لا لما يظهر من جامع المقاصد من أنّ البائع لم يقصد البيع النّاقل للملك فعلا بل مع إجازة المالك فإنّ هذا ممنوع أمّا أوّلا فلأنّ البائع لا يقصد إلّا أصل البيع و حصول النّقل حينه أو بعد الإجازة من الأحكام الشّرعيّة لا من منشآت البائع حتّى يختلف تحقّق المنشأ باختلاف أنحاء قصده و أمّا ثانيا فلأنّ هذا ينافي مذهب الكشف فكيف يرضى القائل به أن يقول البائع لا يقصد نقل المال حين العقد ثم إنّ ممّا ذكرنا ظهر مدرك عدم اعتبار الإجازة في الصّحة و مدرك اعتبارها فيها

و حاصل الأوّل هو أنّ المالك حيث إنّه المباشر للعقد فلا وجه لاعتبار الإجازة فيما يرجع إلى تصرّف نفسه في ماله و استدلّوا له بوجه أخر و هو أن قصده إلى نقل مال نفسه إن حصل بمجرّد التّبديل بين المالين المعيّنين و إن لم يعلم بأنّه المالك للمبيع فهو أولى من الإذن لغيره في إيقاع المعاملة فضلا عن إجازته في ذلك و إلّا فيفسد من أصله و تقدم الجواب عن الوجه الأوّل

و أمّا الثّاني ففيه أنّه لا تنافي بين الصّحة و توقّفه على الإجازة لأنّ في أصل الصّحة يكفي قصد التّبديل بين المالين و قصد مال نفسه أو غيره لا ينفع و لا يقدح و لكنّه من جهة الرّضا المالكي من حيث إنّه ماله يتوقّف على الإجازة

و حاصل الثّاني أنّ أدلّة اعتبار الرّضا و طيب النّفس دالّة على اعتبار الرّضا بنقل ماله من حيث إنّه ماله و هو لمّا لم يكن عالما بأنّه ماله فالرضا بهذا النّحو لم يحصل فيتوقّف الصّحة على الإجازة كتوقّف عقد المكره عليها و هنا قول آخر و هو اعتبار الإجازة في اللّزوم دون الصّحة و استدلّوا له بقاعدة نفي الضّرر و حاصل تقريبه أنّ لزوم هذا النّقل على المالك بحيث لا يتوقّف على طيب نفسه بما أنّه ماله ضرر عليه فيكون له الخيار في الردّ و الإجازة و أجاب عنه المصنف بما لا يخلو عن خفاء و إشكال

و حاصل ما أورده على هذا القول هو أنّ التمسّك بقاعدة الضّرر لإثبات الخيار و توقّف اللّزوم على الإجازة إنّما هو بعد الفراغ عن صحّة العقد و الكلام الآن في صحّته لأنّ العقد ناقص من حيث الحدوث و لا من حيث البقاء

ص: 276

و بعبارة أخرى الملاك الموجب لاعتبار الإجازة في عقد الفضولي هو الموجب لاعتبارها في عقد من باع ماله باعتقاد أنه لغيره و هو الأدلّة الدالّة على اعتبار طيب نفس المالك في نفوذ التصرّف في ماله لا الأدلّة الثّانويّة كقاعدة الضّرر الموجبة لثبوت الخيار للمتضرّر كخيار الغبن و العيب نعم يصحّ التمسّك بها في المقام أيضا إلّا أنّ مفادها اعتبار الإجازة في الصّحة لا اللّزوم لأن انتقال ماله بدون اعتبار رضاه بما أنّه ماله ضرر عليه فيرتفع لا أنّ لزومه ضرر عليه بعد الفراغ عن صحّته كما في الضّرر المترتّب على لزوم البيع لأمر راجع إلى أحد العوضين

و لكنّك خبير بأنّه لو اكتفى قدّس سرّه في الجواب بأنّ المقام ليس من مقام التمسّك بالقاعدة الثّانويّة لأنّ نفس الأدلّة الأوليّة قاضية باعتبار الإجازة في انتقال المال لكان في محلّه و لكنّه حيث جعل الضّابط في التمسّك بقاعدة نفي الضّرر كون الضّرر مترتّبا على لزوم البيع لأمر راجع إلى أحد العوضين لا لأمر راجع إلى نفس العقد أو إلى المتعاقدين فإنّه ليس مقام التمسّك بالقاعدة ثم اعترف بصحّة التمسّك بها لنفس الصّحة فيرد عليه

أوّلا أنّه يمكن التمسّك بها لأمر يرجع إلى المتعاقدين كاعتبار علمهما بالعوض و المعوّض فإنّ الجهل بهما يوجب الضّرر و ثانيا أنّ التمسّك بها لنفي الصّحة لا يستقيم رأسا لأنّ الصّحة ليست أمرا مجعولا حتّى ترتفع بها بل هي منتزعة من تحقّق الشّرائط فلو دلّ دليل على اعتبار قيد في ناحية الأسباب و المسببات فنفس هذا الدّليل كاف لإثبات هذا القيد كالدّليل الدالّ على اعتبار رضا المالك بما أنّه ماله و الدليل الدالّ على اعتبار كون المشتري مسلما لو كان المبيع عبدا مسلما أو مصحفا و لو لم يدلّ فلا يمكن إثبات قيد بقاعدة الضّرر و نحوها لأنّها حاكمة على الأحكام الثّابتة و لا يمكن إثبات حكم بها لو لا جعله لزم منه الضّرر

و حاصل الكلام أنّه لو استفدنا من قوله ع لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه اعتبار طيب النّفس على التصرّف بعنوان أنّه مال امرئ إمّا للظّهور اللّفظي أو لمناسبة الحكم و الموضوع فيغنينا عن التمسّك بقاعدة نفي الضّرر و إلّا فلا يمكن اعتبار قيد لولاه لزم منه الضّرر

قوله قدّس سرّه ثم إنّ الحكم بالصّحة في هذه الصورة غير متوقّف على القول بصحّة عقد الفضولي إلى آخره

وجهه أنّه ليس من أفراد الفضولي لأنّه وقع ممّن أمره بيده فلا يشمله الأدلّة الدالّة على فساد الفضولي من الإجماع و الكتاب و السّنة نعم لو قلنا بفساد عقد الفضولي من باب حكم العقل بقبح التصرّف في مال الغير المستتبع لحكم شرعي بحرمة التصرّف المستلزمة للفساد إذا رجعت إلى المسبّب فيتّجه البطلان في المقام و لكنّه لا يخفى أنّ هذا مبنيّ على أن يكون حكم العقل بقبح التصرّف في ما يعلم أنّه مال الغير و ما لا يعلم أنّه مال الغير بمناط واحد نظير حكمه بقبح التّشريع الّذي هو عبارة عن الإسناد إلى الشّارع ما لم يعلم أنّه منه فيتّجه الفساد في المقام

و أما لو قلنا بأنّ العقل يحكم في صورة العلم بأنّه مال الغير و في صورة الشكّ و عدم العلم بمناطين أي في المال الّذي هو في الواقع ليس ماله بمناط واقعي و في المال الّذي هو ماله و لا يعلم بأنه ماله بمناط طريقيّ كحكمية في الظّلم فلا يستلزم الفساد في الفضولي الفساد في المقام لأنّه و إن قبح التصرّف إلّا أن حكمه طريقيّ فالحكم الشّرعيّ المستفاد منه من باب الملازمة أيضا طريقيّ فإذا انكشف مخالفة الاعتقاد للواقع فلا يكون إلّا تجرّيا هذا تمام الكلام في الصورة الأولى

و أمّا الصّورة الثّانية و هي أن يبيع لنفسه باعتقاد أنّه لغيره فانكشف أنّه له فوجه عدم توقّفها على الإجازة تماميّة أركان العقد حتى بيعه بعنوان أنّه ماله لأنّ البائع بعد فرض نفسه مالكا للمال إمّا للمشارفة و إمّا للاستيلاء عليه

ص: 277

عدوانا يبيعه بعنوان أنه ماله و اعتقاد أنّه لغيره لا يوجب توقّف عقده على إجازته

و لكنّه يمكن أن يقال بالفرق بين الغاصب و غيره فإنّ الغاصب بعد ما جعل نفسه مالكا و استولى على المال يبيعه بعنوان أنّه ماله و أمّا الّذي يريد أن يشتري من مالكه و يسلّمه إلى المشتري فهو و إن باعه لنفسه إلّا أنّه لا بعنوان أنّه ماله فعلا فيتوقّف على الرّضا بعد انكشاف الحال كتوقف عقد المكره عليه فإنّ الرضاء بأصل التّبديل غير الرّضا بأنّه ماله فعلا فصحّته تتوقّف على الإجازة فتدبّر

[القول في المجاز]
[الأوّل يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشّروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك]

قوله قدّس سرّه و أمّا القول في المجاز فاستقصاؤه يكون ببيان أمور الأوّل يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشّروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك إلى آخره

لا إشكال في أنه يعتبر في عقد الفضولي جميع ما يعتبر في سائر العقود حتى الشّروط المعتبرة في تأثير العقد مثل القدرة على التّسليم فلا خصوصيّة فيه من بين العقود إلّا أنّه يتطرّق فيه احتمالات بل أقوال لا تجري في غيره و هي اعتبارها حين العقد أو حين الإجازة أو من زمان العقد إلى زمان الإجازة و لا يبعد أن يكون أقوى الاحتمالات هو الأوّل من غير فرق بين الكشف و النّقل

نعم من مناسبة الحكم و الموضوع يستفاد اعتبار بعض الشّرائط حين تسليم المبيع إلى المشتري كالقدرة على التّسليم و كون مشتري المصحف و العبد المسلم مسلما فلا تعتبر حال العقد و لا حال الإجازة إلّا أن يكون زمان الإجازة زمان لزوم التّسليم

أمّا عدم اعتبار وجود هذه الشّرائط حين العقد فلأنّ مناط اعتبارها لا يقتضي إلّا أن يكون حال لزوم التّسليم هذا الشرط موجودا فلو باع الفضولي سلما فوجود القدرة حال العقد أو حال الإجازة لا أثر له و هكذا كون المشتري حال العقد كافرا لا يضرّ بشرائه المصحف أو المسلم إذا كان مسلما حال وصولهما تحت استيلائه لأنّ اعتبار هذا الشّرط إنّما هو لعدم استيلاء الكافر على المصحف و العبد المسلم

و أمّا اعتبار وجود سائر الشّرائط حال العقد فلأنّ المفروض أنّ الإجازة ليست عقدا مستأنفا بل هي إنفاذ للعقد السّابق و إمضاء له فيعتبر فيه ما يعتبر في سائر العقود أمّا شرائط نفس العقد فواضح و أمّا شرائط المتعاقدين من البلوغ و العقل و نحو ذلك و شرائط العوضين من كونه معلوما و مملوكا شرعا و نحو ذلك فلأنّ التبديل و العقد بين الشّيئين إنّما يصدر من الفضولي و طرفه كصدوره من الوكيل المفوض و طرفه فكما يشترط أن يكون طرف الفضولي جامعا للشرائط فكذلك الفضولي

و لا يمكن قياس عقد الفضولي على عقد الوكيل في إجراء الصّيغة من عدم اعتبار علمه بالعوض و أوصافه لأنّ القياس مع الفارق فإنّ الوكيل في إجراء الصّيغة ليس إلّا آلة و هو بمنزلة لسان الموكل و قلم الكاتب و هذا بخلاف الفضولي فإنّه هو الّذي يعقد و يوقع التبديل بين العوضين فعلم المجيز لا أثر له مع جهل الفضولي

هذا و لكن التّحقيق هو اعتبارها حين العقد و الإجازة معا لأنّ الإجازة و إن لم تكن عقدا مستأنفا إلّا أنّها دخيل في الاستناد إلى المالك فمع فقد الشّرائط حينها لا يمكن أن يستند العقد إليه نعم لا يعتبر استمرار جميع الشّرائط من زمان العقد إلى زمان الإجازة فإن بقاء المتعاقدين على شروط الصّيغة لا وجه له بلا إشكال

إنّما الإشكال في شروط العوضين فإنّه لو كان المبيع حين العقد خلا ثم صار خمرا ثم تبدّل و انقلب إلى الخلّ حين الإجازة فتأثير الإجازة في غاية الإشكال لأنّه يمكن أن يقال إنّ الخلّ بمجرّد انقلابه إلى الخمر يخرج عن قابليّة تعلّق الإجازة بالعقد الواقع عليه

و على هذا فالوجوه المحتملة خمسة كفاية وجود الشّرائط حين العقد

ص: 278

و كفاية وجودها حين الإجازة و اعتبار وجودها حينهما و اعتبار استمرارها من حين العقد إلى حين الإجازة و التّفصيل بين شروط العوضين و شروط المتعاقدين و على أيّ حال كفاية وجودها حين الإجازة لا وجه له فإنّ المبيع لو كان خمرا حين العقد فهذا غير قابل لأن تتعلّق به الإجازة و إن انقلب إلى الخلّ قبلها

[الثّاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتّفصيل]

قوله قدّس سرّه الثّاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتّفصيل إلى آخره

لا يخفى أنّه لا يجري في المقام ما يجري في الوكالة فإنّها تصحّ على نحو الإطلاق و إن لم تصحّ على نحو الإبهام و أمّا الإجازة فلا معنى لتعلّقها بالعقد على نحو الإطلاق لأنّ عقد الفضولي وقع على شي ء خاصّ و هو لو كان مجهولا عند المجيز فلا تشمله الأدلّة الدالّة على نفوذ الإجازة بل حكمها حكم تعلّق الوكالة بالأمر المبهم الّتي لا اعتبار بها عند العقلاء مع أنّها تندرج في عموم نهي النّبي صلّى اللّٰه عليه و آله عن الغرر

و بالجملة مقتضى ما ذكرنا من أنّ الاستناد يتحقّق بالإجازة عدم صحّة تعلّقها بالأمر المبهم و تعلّقها بالأمر المشكوك بأن يجيزه على تقدير وقوعه فإنّها تقع لغوا و إن انكشف وقوعه لا لما ذكره المصنف قدّس سرّه من أنّ بالإجازة يخاطب المالك بالوفاء بالعقد فتشبه العقود فبطلان التّعليق فيها مستلزم لبطلانه فيها فإنّ مجرّد الشّباهة لا يوجب الإلحاق في الحكم بل لما ذكرنا من أنّ بها يتحقّق الاستناد و هي من الإيقاعات و الإيقاع لا يقبل التّعليق ثم إنّ هذا كلّه بناء على بطلان التّعليق مطلقا و أمّا بناء على صحّته إذا كان المعلّق عليه حاصلا كما في المقام و صحّته فيما إذا كان موضوعا كتعليق الطّلاق على الزّوجيّة فلا وجه لاحتمال البطلان و لعلّه لهذا أمر قدّس سرّه بالتأمّل

[الثالث المجاز إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير و إمّا العقد الواقع على عوضه]

قوله قدّس سرّه الثالث المجاز أمّا العقد الواقع على نفس مال الغير إلى آخره

لا يخفى أن محلّ البحث إنّما هو في العقود الطّوليّة من حيث الترتّب لا في العقود العرضيّة و لو كانت طوليّة بحسب الزمان و بعبارة أخرى موضوع بحث الفقهاء في العقود المترتّبة على مال المجيز أو على عوضه إنّما هو فيما إذا أوقع المشتري العقد على مال المجيز كما إذا اشترى كتاب زيد من الفضولي ثم باع المشتري الكتاب من عمرو ثم باعه عمرو و هكذا في طرف العوض كما إذا وقع المعاملة على ثمن الكتاب و أمّا إذا وقع عقود متعدّدة من فضول واحد أو متعدّد في زمان واحد أو أزمنة مختلفة على مال المالك فهو خارج عن محلّ الكلام لأنّه ليس للمالك إلّا إجازة واحد منها فلو بيع كتابه بدرهم ثم بيع هذا الكتاب في زمان البيع الأوّل أو بعده بدينار ثم بيع هذا ثالثا بثوب فلا يكون الصّحيح من هذه العقود إلّا ما أجازه المالك و صحّته لا تتوقّف على صحّة غيره و لا تستلزمه فيقع غير ما أجازه باطلا

نعم بناء على عدم اعتبار مالكيّة المجيز حين العقد فللمجاز له إجازة عقد آخر من العقود مطلقا سابقا كان أو لاحقا بناء على الكشف و النّقل لأنّ المجاز له بإجازة المالك صار مالكا فله إجازة أي عقد تعلّق بماله سواء وقع من غيره أو منه و يحتمل أن يصحّ له و لو بلا إجازة إذا صدر منه فإن المقام من صغريات من باع شيئا ثم ملك و بناء على اعتبار مالكيّة المجيز حين العقد فعلى الكشف له إجازة ما وقع بعد عقده دون ما وقع قبله و على النّقل ليس له الإجازة مطلقا

و بالجملة محل البحث إنّما هو في العقود المترتّبة و ترتّبها إمّا بوقوع العقود من أشخاص متعدّدة على نحو تعاقب الأيدي و إمّا بوقوعها على أثمان متعدّدة و لو من شخص واحد و الترتّب تارة يقع في أحد العوضين و أخرى في العوض و المعوّض و المصنف إنّما عدل عن تعبير الفقهاء من أنّ

ص: 279

في العقود الواقعة على المثمن يصحّ المجاز و ما بعده و في العقود الواقعة على الثّمن يصحّ و ما قبله إلى ما ذكره لإدخال الترتّب التّركيبي فإنّ تعبيرهم مختصّ بالترتّب البسيط أي الواقع على أحد العوضين

و حيث إنّ تصوير الصّور في غاية الصّعوبة و إن كان حكمها في غاية السّهولة فلا بأس بذكر جميع الصّور الّتي فرضها المصنف ثم إنّ قوله قدّس سرّه و على كل منهما إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد وقع على المال أو عوضه أو آخره أو وسطه ليس لبيان التّقسيم لكلّ من القسمين بل المراد أنّ المجاز إمّا أوّل عقد وقع على المال و إمّا آخره أو وسطه و هكذا المجاز إمّا أوّل عقد وقع على عوضه أو آخره أو وسطه ثم الوسط إمّا أن يكون مثل الأوّل و الآخر في وقوعه على ما وقعا و إمّا أن يكون غيرهما فلو كان مثلهما فهذا ترتّب بسيط و هو ما عنونه الفقهاء كما لو باع الفضولي عبد زيد بدرهم من عمرو فباع عمرو المشتري العبد بدينار من بكر ثم باعه بكر بثوب من خالد و هكذا فكلّ بائع يبيع العبد الّذي اشتراه و أمّا لو كان واقعا على غير ما وقع الأوّل و الآخر فهذا ترتّب تركيبي

و كلّ وسط من المال أو العوض يتصوّر على أقسام أربعة فيصير المجموع ثمانية و بانضمام الأربعة الواقعة على المال أو العوض يصير المجموع اثني عشر لأنّ العقد المجاز إمّا أوّل عقد واقع على مال المالك أو آخر عقد أو وسط واقع بين عقدين واقعين على مال المالك أو وسط بين عقدين واقعين على عوض مال المالك أو وسط أوّله وقع على المال و آخره على العوض أو بالعكس

و هكذا لو كان المجاز العقد الواقع على العوض فإنّه إمّا أوّل عقد وقع على العوض أو آخر عقد كذلك أو وسط بين عقدين واقعين على العوض أو بين عقدين واقعين على المعوض أو بين عقد وقع على المعوض و عقد وقع على العوض أو بالعكس فهذه اثنا عشر و لكلّ صورة صور كثيرة لإمكان ترامي العقود بالنّسبة إلى كلّ عوض و عوض عوضه و الأمثلة الّتي ذكرها المصنف جامعة لجميع الصّور الاثني عشر فأوّل عقد وقع على مال المالك بيع عبده بفرس و وسطه بيع صاحب الفرس العبد بكتاب و آخره بيع صاحب الكتاب العبد بدينار

و أوّل عقد وقع على عوض مال المالك أي الفرس هو بيع الفضولي الفرس بدرهم و وسطه بيع الدّرهم الّذي هو عوض عن الفرس برغيف و آخره بيع الرّغيف بالعسل فإنّ الرّغيف عوض عن الدّرهم و الدّرهم عوض عن الفرس و الفرس عوض عن العبد و قلنا إنّ الترامي في العوض إنّما هو بتبدّل الأثمان و أمّا تبديل الثّمن الواحد و هو الفرس مرارا فهو كبيع مال المالك مرارا ثم إنّ الوسط الّذي ذكرناه في القسمين هو الوسط الواقع بين عقدين واردين على مورده عوضا كان أو معوّضا

و هذه الأقسام هي الّتي ذكرها الفقهاء فبقي ست صور للوسط ثلاث منها كون الوسط المجاز هو العقد الواقع على مال المالك و كان قبله و بعده واردين على العوض أو كان قبله مثله دون بعده أو بالعكس و ثلاث منها كون الوسط المجاز هو العقد الواقع على عوض مال المالك و كان قبله و بعده واردين على المعوّض أو كان قبله مثله دون بعده أو بالعكس فالأوّل كبيع العبد بكتاب الواقع بين بيع الفرس بالدّرهم و بيع الدّينار بجارية و الثّاني كما لو بيع أوّلا عبد المالك بفرس ثم باع العبد صاحب الفرس بدينار ثم بيع الفرس بدرهم و الثّالث كما لو بيع بعد بيع العبد بفرس الفرس بالدّرهم ثم العبد ثم بالكتاب ثم العبد بالدّينار فإجازة بيع العبد بالكتاب إجازة متعلّقة بالعقد على مال المالك الّذي هو الوسط

ص: 280

بين العقد الواقع على العوض و العقد الواقع على المعوض

نعم في مثل هذه الصورة لا بدّ من فرض أربعة عقود حتى يكون قبل الثالث العقد واقعا على العوض و الرابع كبيع العبد أوّلا بفرس ثم بيع الفرس بدرهم ثم بيع العبد بكتاب و الخامس كبيع الدّرهم الّذي هو بدل البدل برغيف و الرّغيف بعسل ثم بيع العبد بكتاب و السّادس كبيع العبد بفرس ثم العبد بكتاب ثم الفرس بدرهم ثم الدّرهم برغيف

و لا يخفى أنّ بيع الدّرهم بالرّغيف الّذي ذكره المصنف في بدل البدل من جهة هو الوسط الّذي قبله عقد وارد على مورده و هو بيع الفرس بالدّرهم و بعده كذلك أيضا و هو بيع الدّرهم بحمار و من جهة هو الوسط الّذي قبله عقد وارد على غير مورده و بعده كذلك أيضا فإنّ قبله أولا بيع العبد بالفرس ثم بيع الفرس بدرهم فالفرس بدل الدّرهم و العبد بدل الفرس و بعده أولا بيع الدّرهم بحمار ثم بيع الرّغيف بعسل فالرّغيف بدل للدّرهم

ثم لا يخفى أنّ في الصّورتين من تعلّق إجازة المالك بماله و في الصّورتين من تعلّق إجازته ببدل المال لا محلّ للترتّب الطّبعي و إنّما هو ترتّب زماني فلا ترتبط بما هو المهم من محلّ البحث من أنّ إجازة البيع الواقع على المال فسخ لما قبله و مستلزم لصحّة ما بعده و إجازة البيع الواقع على البدل متوقف على إجازة ما قبله و غير متعرّض لما بعده و ذلك لأنّ المجاز لو كان العقد المتعلّق بالمال فلو كان قبله و بعده واردين على مورده أو بعده وحده واردا على غير مورده لكان الأمر كما ذكره المصنف من أن إجازة الوسط إسقاط لما قبله و إجازة لما بعده و أمّا لو كان القبل و البعد كلاهما واردين على غير مورده أو خصوص ما قبله كبيع الفرس بالدّرهم الواقع قبل بيع العبد بالكتاب فإجازة العبد بالكتاب لا تستلزم فسخ بيع الفرس بالدّرهم و إن استلزمت فسخ بيع العبد بالفرس لأن صحّة بيع الفرس بالدّرهم تدور مدار إجازة مالكه و فسخه

و هكذا لو كان بعد بيع العبد بالكتاب وقع عقد على غير مورد مال المالك كبيع الدينار بالجارية هذا حال تعلّق الإجازة بمال المالك و أمّا لو تعلّق ببدل المال فالعقد المجاز لو كان قبله و بعده واردين على مورد البدل أو كان خصوص قبله كذلك فالأمر كما ذكره المصنف

و أمّا لو كان كلّ منهما واردين على غير مورد البدل أي على بدل البدل أو خصوص ما قبله فأين التوقّف لأنّ الترتّب الطبعي لا يتصور بين بدل البدل و نفس البدل إلّا أن يكون البيع واقعا أوّلا على البدل ثم على بدله و أمّا لو كان واقعا أوّلا على بدل البدل ثم على البدل فهذا ليس إلّا ترتّبا زمانيّا كما إذا وقع البيع أوّلا على الدّرهم برغيف ثم بيع الدينار بالجارية

نعم لو كان المراد من بدل البدل بدل المورد لا مطلق بدل بدل المالك فلا محالة العقد المجاز لو كان واردا على بدل المال فقبله هو الواقع على بدل مال المالك كما لو أجاز بيع الدّرهم بالرّغيف الّذي قبله بيع العبد بالفرس و الفرس بدل المورد فإنّ الدّرهم بدل الفرس و بيع العبد بالفرس لا محالة يقع قبل بيع الدّرهم بالرّغيف فإن صحّة بيع الدّرهم به مترتّب طبعا على صحّة بيع الفرس بالدّرهم و بالجملة و إن أجاد المصنف في إدخال الترتّب التّركيبي في محلّ البحث إلّا أنّه لا يدخل في الترتّب الطّبعي إلّا بعض صوره فلا بدّ من تقييد قوله بما يقتضيه الترتّب كذلك

و توضيح ذلك أنّ كلّ عقد يتوقف صحته على صحّة ما قبله فإجازته إجازة لما قبله فإجازة بيع الرّغيف بالعسل تتوقّف على إجازة بيع الدّرهم بالرّغيف و هو على بيع الفرس بالدّرهم و هو على بيع العبد بالفرس و كل عقد

ص: 281

يستلزم صحّة المجاز صحّته فهو يصحّ أيضا بصحّة المجاز فإجازة بيع الفرس بالدّرهم يستلزم صحّة كل عقد وقع على العبد من صاحب الفرس الّذي ملكه أي تستلزم صحّة بيع العبد بالدّينار و بيع الدّينار بالجارية و هكذا

فعلى هذا ينحصر صحّة العقد بالتوقّف أو الاستلزام بما إذا وقع في سلسلة المجاز كما إذا باع بائع الفرس الدّرهم بالرّغيف فإنّ صحّة بيع الفرس بالدّرهم مستلزم لصحّة بيع الدّرهم بالرّغيف و أمّا لو وقع في غيره هذه السلسلة كما إذا بيع العبد أوّلا بفرس ثم باع فضولي آخر غير مالك الفرس الفرس بدرهم ثم بيع الدّرهم برغيف من غير مالك الدّرهم فلا تقتضي صحّة بيع الفرس بالدّرهم صحّة بيع الدّرهم بالرّغيف بل يحتاج إلى إجازة مالك العبد الّذي صار مالكا للفرس فصار مالكا للدّرهم

ثم إنّ توضيح حكم جميع الصّور يتوقّف على تمهيد أمور قد تقدم الإشارة إلى بعضها الأوّل أنّ الترتّب في المال منحصر في صدور العقود من أشخاص متعدّدة و في عوضه في صدوره من شخص واحد على أثمان مختلفة الثاني أن إجازة الوسط لو تعلّقت بالمال تقتضي فسخ ما قبله و تستلزم إجازة ما بعده و لو تعلّقت بالبدل فتتوقّف على إجازة ما قبله و ساكتة عمّا بعده فلو باع الفضولي عبد المالك بفرس ثم المشتري للعبد باعه بكتاب ثم من اشتراه بالكتاب باعه بدينار فإجازة مالك العبد بيع العبد بالكتاب ردّ لبيع العبد بالفرس و مستلزم لصحّة بيعه بالدينار و لو باع الفضولي الفرس الّذي كان بدلا للعبد بدرهم و باع الدّرهم برغيف تتوقّف على إجازة بيع الفرس بالدّرهم و أمّا بالنّسبة إلى الرّغيف بالعسل فلا تستلزم صحّته فلمالك الرّغيف الّذي صار مالكا له بإجازة بيع الدّرهم بالرّغيف إجازة بيعه بالعسل الثّالث أن ما ذكر من حكم الردّ و الاستلزام و التوقّف إنّما هو بالنّسبة إلى سلسلة المعاملات الواقعة على الثمن و المثمن و أمّا المعاملة الواقعة على بدلهما في جميع السّلسلة فليس كذلك

و حكم الجميع أنّه لو أجاز المالك بيع العبد بالكتاب فإجازته فسخ بالنّسبة إلى بيع العبد بالفرس و أمّا بالنّسبة إلى بيع الفرس بالدّرهم فهي غير متعرّضة له فلمالك الفرس إجازته و لو أجاز المالك بيع الدّرهم برغيف فإجازته تتوقّف على إجازة بيع الفرس بالدّرهم و هي على إجازة بيع العبد بالفرس و ساكتة عن بيع الرّغيف بالعسل و لكنّها مستلزمة لصحّة بيع الدّرهم بالحمار لأنّ الدّرهم صار ملكا لصاحب الرّغيف فلو باعه بالحمار صحّ هذا البيع و أمّا بيع صاحب الفرس العبد بالكتاب فإجازة بيع الدّرهم بالرّغيف لا تتوقّف على صحّته بل مستلزم لها

و حاصل الكلام أنّ توقّف صحّة عقد على صحّة عقد آخر إنّما هو بالنّسبة إلى ما كان الثّاني مترتّبا طبعا عليه لا بالنّسبة إلى غيره فكلام المصنف قدّس سرّه لا يتمّ بإطلاقه ثم إن اقتضاء إجازة عقد ردّ عقد آخر أو عدم تعرّضه له غير موجب لبطلان العقد رأسا بل قد يرجع أمر المردود أو المسكوت عنه إلى مالك المال كإجازة بيع الرّغيف بالعسل و قد يرجع أمره إلى الثّالث كبيع الدّرهم بحمار و قد يرجع إلى الطّرف كبيع الفرس بدرهم الرابع أنّ العقود الصّحيحة بالاستلزام إنّما هو على الكشف دون النّقل و أمّا بناء عليه فيبتني على ما تقدم من اعتبار ملكيّة المجيز حال العقد و عدمه ثم إنّ صحّتها بالكشف إنّما هو بعد إجازة من انتقل إليه المال كشفا لما تقدّم من اعتبار كون البيع بعنوان أنّه ماله فلو علم المشتري بكون البائع فضوليا أو غاصبا فلا يبيع ما اشتراه بعنوان أنّه ماله فبعد

ص: 282

تحقّق الإجازة من المالك يتوقّف صحّة بيع المشتري على الإجازة منه

نعم بناء على كفاية بيع المالك الواقعي في الصّحة فبيعه يصحّ بالاستلزام مطلقا

قوله قدّس سرّه ثم إنّ هاهنا إشكالا في شمول الحكم لجواز تتبّع العقود لصورة علم المشتري بالغصب إلى آخره

لا يخفى أن منشأ الإشكال هو فتوى المشهور بأنّ الثّمن إذا تلف عند البائع الغاصب لا يجوز للمشتري مع علمه بالغصب مطالبة الغاصب بمثله أو قيمته فينبغي البحث أولا عن المنشإ و ثانيا عمّا نشأ عنه

أمّا المنشأ فمقتضى تسليط المشتري الغاصب على الثّمن أن لا يكون له المطالبة به و لا يقال إنّه سلّطه عليه بإزاء المثمن لأنّ مع علمه بأنّه ليس له لا يمكن أن يجعله ضامنا بالضّمان المعاوضي بأن يكون الثّمن عوضا عن المثمن و المفروض عدم جريان ضمان اليد فيه أيضا لعلم المشتري بكونه غاصبا و لازمه التّسليط المجاني فيكون من صغريات قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده الّتي أسّست لتشخيص موارد تخصيص قاعدة اليد

و أمّا ما أنشأ عنه و هو البحث عن تتبّع العقود فتارة يقرّر الإشكال بالنّسبة إلى نفس بيع الغاصب حتى يسري منه إلى العقود المترتّبة و أخرى بالنّسبة إلى العقود المترتّبة و بيانه على الأوّل يظهر من حواشي الشّهيد قدّس سرّه و حاصله أن تسليط المشتري الغاصب إنّما هو بنفس المعاملة معه و الاشتراء منه و هذا على وجهين الأوّل أن يكون مرجع الاشتراء من الغاصب إلى هبة و تملّك للمبيع مجّانا فكأنّه صدر منه إيقاعين هبة مجانية بالنّسبة إلى الغاصب و تملّك كذلك بالنّسبة إلى المغصوب منه و الثّاني أن يكون الغرض من اشترائه منه استنقاذ المبيع منه كاشتراء الحرّ المسلم من الكافر و بيع الميّتة من مستحلّيه و نحو ذلك ممّا لا يقصد فيه المعاوضة الحقيقيّة و مقتضى ذلك دخول الثمن في ملك الغاصب مع عدم دخول المبيع في ملك المشتري

و بيانه على الثّاني يظهر من فخر المحقّقين و حاصله أنّ التّسليط إنّما هو بدفع الثمن إليه و إقباضه إياه فعلى الأوّل لا يصحّ للمالك إجازة بيع الغاصب أيضا لأنّه لم يجعل بإزاء المبيع ثمن و على الثّاني لا يصحّ إجازة العقود المترتّبة على الثّمن لأنّ الثّمن بتسليم المشتري إلى الغاصب و تصرّف الغاصب فيه يصير ملكا له فعقده عليه يكون عقدا في ملكه فليس للمالك إجازته و هذا بخلاف العقد الأوّل فإنّ للمالك إجازته و أخذ ثمنه من المشتري

و لكنّه لا يخفى أنّ تقرير الإشكال على الوجه الأوّل فاسد فإنّ هذا إشكال في أصل بيع الغاصب و بعد ما عرفت صحّته لتحقّق قصد المعاوضة منه فيندفع به إشكال قصد المشتري فإنّه لا يقصد بشرائه التّسليط المجاني بل يقصد التبديل بين المالين حقيقة فإنّه يفرض الغاصب مالكا و يعامل معه معاملة المالك مع المالك فلو قلنا بأنّه ليس للمشتري مطالبة الغاصب بالمثل أو القيمة عند التّلف فلا يقتضي عدم صحّة البيع للمالك إذا أجاز مع بقاء عين ماله عند المشتري و تصرف الغاصب فيها بنقلها إلى المشتري ليس بحكم التّلف حتى لا يقبل لتعلّق الإجازة به

و بالجملة توهّم أنّ المشتري لم يقصد المعاوضة بل قصد الهبة أو التملّك أو الاستنقاذ فاسد جدّا فالبيع الأوّل قابل لتعلّق الإجازة به إذا كان الثّمن غير تالف بالتّلف السّماوي سواء أتلفه بالتّلف الخارجي أو الحكمي كما إذا اشترى به الغاصب شيئا أم كان باقيا عنده و سواء قلنا بالكشف أم النّقل لأنّ على جميع هذه التّقادير للمغصوب منه إجازة البيع فيملك الثّمن و يرجع إلى الغاصب بناء على أنّ التّمليك بالتّسليط الخارجيّ مقيّد بصورة الردّ دون الإجازة

ص: 283

و هذا و إن لم يكن في بادي النّظر خاليا عن الإشكال من حيث إنّ المالك لم يقيّد في مقام التّسليم تمليك الغاصب بصورة الردّ إلّا أنّ مقتضى ما ذكرنا من قابليّة العقد الأوّل للإجازة أن يكون التّسليم مبنيّا على المعاوضة و من جهة فرض الغاصب مالكا فله الرّجوع إلى الغاصب إذا أجاز مع بقاء الثّمن عنده بل مع التّلف الملحق بالبقاء و على أيّ حال فنفس المعاملة معه لا يقتضي عدم قصد المعاوضة

و أمّا تقرير الإشكال على الوجه الثّاني ففيه أوّلا أنّ هذا الإشكال مبنيّ على النّقل دون الكشف إلّا أن يقال باطّراده حتّى على الكشف لأنّ التّسليم إلى الغاصب على هذا المبنى و إن كان تسليما من غير المالك فلا يصير الغاصب مالكا إلّا أنّه يشترط في صحّة العقد كشفا بقاء قابليّة العقد للإجازة إلى زمان الإجازة و بعد إتلاف المشتري الثّمن بتسليمه إلى الغاصب و إتلافه الغاصب بنقله إلى الغير لا يبقى محلّ للإجازة فتأمل و ثانيا لا يثمر هذا التّسليط أثرا في المقام لا لما ذكره فخر المحقّقين من أنّ الغاصب يؤخذ بأخسّ الأحوال و المالك بأجودها فإنّ هذا الكبرى على فرض تسليمها لا تنطبق على المقام لأنّ مقتضاها أنّ ما يؤخذ منه يؤخذ بأشقّ الأحوال و أمّا إذا فرض أنّ تسليم المشتري يقتضي تملّك الغاصب الثّمن فتعلّق الحقّ من المالك بالمال ممنوع و حقّ الإجازة ليس من الحقوق بل هو حكم شرعيّ معناه جواز التملّك بها في المحلّ القابل لأنّ التّسليط المالكي لا يقتضي إلّا الإباحة نعم مقتضى الإباحة عدم ضمان المباح له عند التّلف

و بالجملة إنّما قلنا بجواز التصرفات المتوقّفة على الملك في المعاطاة بناء على الإباحة لقيام السّيرة و الإجماع عليه و إلّا فمجرّد التّسليط الخارجي من دون هبة و لا تضمين معاوضي لا يقتضي الملك و المفروض عدم كون التسليم هبة و عدم إمكان تضمين الغاصب أيضا حتّى يملك المضمون فإنّ مع تضمين المغصوب منه الذي هو مقتضى قابلية العقد لإجازته لا يعقل أن يكون في عرض هذا الضمان ضمان آخر فلا يمكن أن يكون التّسليم إلى الغاصب موجبا لتمليكه إلّا في صورة الردّ لأنّه ليس بإزائه شي ء فمرجعه إلى الهبة

فتمليك الغاصب الثمن يتوقّف على أمرين الأوّل أن يكون تسليطا من المالك و الثّاني أن يكون مجّانيا فعلى الكشف كلاهما منتفيان لأنّ المال ليس له حتّى يقتضي تسليطه تمليكا و على النّقل ليس تسليطا مجانيا لأنه دفعه إليه مبنيا على المعاوضة فالتّسليط إنّما هو بإزاء ملك المغصوب منه و لا يمكن قياسه على ما إذا دفع الثّمن إلى الأجنبي للفرق بينهما فإنّ التّسليم إليه ليس مبنيّا على المعاوضة فيقتضي أن يكون هبة و في المقام مبني على المعاملة فيكون الإقباض فيه كالإقباض في العقود الفاسدة و المشتري يسلّط الغاصب على الثمن بإزاء تسليط الغاصب المثمن له لبنائهما على مالكية الغاصب فيوقعان التّبديل بين ملكي المالكين

إن قلت فهذا يقتضي أن يكون الغاصب ضامنا في صورة التلف و إن لم يجز المغصوب منه لأن تسليط الغاصب مبني على كونه مالكا ففي الحقيقة قصد المشتري تسليط المالك فلو تلف عند الغاصب ضمنه لعدم تحقّق رافع الضّمان و بعبارة أخرى إن كان التّسليم مبنيّا على المعاوضة و يسلّمه إليه بما أنّه مالك فلم يقصد التّسليط المجاني فلا وجه لرفع الضّمان عنه عند التّلف فضلا عن الإتلاف أو النّقل إلى الغير و إن لم يكن مبنيا عليها لزم جواز تصرف الغاصب وضعا و تكليفا فليس للمالك تتبّع العقود إذا اشترى به شيئا

قلت لا إشكال في أنّ التّسليم مبنيّ على المعاوضة فإنّه بعد فرض المشتري الغاصب مالكا يملكه الثمن إلّا أنّ هذه الجهة التّعليلية و هي كون الغاصب مالكا ادّعاء مصحّحة للقصد المعاوضي

ص: 284

فقط لا للتّسليم الخارجيّ أيضا و ذلك لأنّ الجهات و العناوين يمكن أن تكون موضوعات للأمورات الاعتبارية كالأحكام الشرعية و الإنشاءات المعامليّة فينشأ المشتري مع الغاصب بما أنّه مالك و بهذا اللّحاظ تصحّ إجازة المغصوب منه و تنفذ إلّا أنّ هذه الجهات لا يمكن أن تكون موضوعات للأمور الخارجيّة فإنّها لا تتغيّر بالقصد و الخيال فلو ضرب أحد لكونه عدوّا وقع الضرب عليه و لو كان صديقا فتسليم المشتري الثمن إلى الغاصب لكونه مالكا لا يجعل المسلّم إليه هو المالك الحقيقي بل المسلّط هو شخص الغاصب و كونه مالكا جهة تعليليّة فلا يمكن تضمين الغاصب بهذا الدّفع لأنّ المفروض أنّ الضّمان المعاوضيّ مع المالك و في مال واحد لا يمكن جعل ضمانين فالتّسليم إليه كالتّسليم إلى الأجنبي فإذا تلف المال عنده لا يضمن لأنّ نفس التّسليط الخارجي يرفع ضمان اليد فلا تنافي بين كون طرف المعاوضة هو الغاصب لكونه مالكا و عدم كونه ضامنا في صورة التّلف السّماوي

نعم يضمنه في صورة الإتلاف لأن التّسليم غير موجب لجواز التصرّف تكليفا و وضعا إلّا إذا أذن له في الإتلاف كما لا شبهة في جواز الاسترداد منه إذا كان باقيا عنده لأنّ التّسليم لا يزيد من الهبة المجانيّة فتلخّص ممّا ذكرنا صحّة ما أفتى به المشهور من عدم ضمان الغاصب إذا تلف الثمن عنده بتلف سماويّ و جواز إجازة المغصوب منه أصل البيع و فروعه و فساد ما ذهب إليه بعض من عدم جواز استرداد الثمن منه و لو كان باقيا عنده و ظهر أيضا عدم جواز تصرّف الغاصب فيه وضعا و تكليفا و كلّ ذلك ليس إلّا لأنّ الغاصب من حيث جهة المعاملة بمنزلة المالك و من حيث التّسليم إليه بمنزلة الأجنبي واسطة في إيصال الثّمن إلى المالك فلو تلف عنده من غير تفريط لا ضمان عليه

تذنيب بعد ما ظهر عدم الفرق في العقود المترتّبة بين أن يكون العقد الأوّل صادرا من الغاصب و أن يكون صادرا من غيره فيجري فيها لو صدر من الغاصب ما يجري فيها إذا صدر من غيره و تقدم أنّ الإجازة المتعلّقة بمال المجيز بناء على الكشف الحقيقيّ مستلزمة لصحّة ما بعده ممّا ورد على مورده و فسخ بالنّسبة إلى ما قبله و الإجازة المتعلّقة بالعوض متوقّفة على صحّة ما قبله و ساكتة عمّا بعده و أمّا بناء على النّقل فيبنى على اعتبار ملك المجيز حين العقد و عدمه و على هذا فيقع البحث في الكشف الحكمي في أنّ التوقّف و الاستلزام هل يجري فيه أيضا أو أنّه في هذا الحكم كالنّقل

و الظّاهر أنّه في مسألة الاستلزام كالكشف الحقيقيّ فإنّ العقود المترتّبة على مال المجيز صحّتها بإجازة العقد السّابق عليها إذا كان من هذه السّلسلة من الآثار الممكنة الترتّب على الإجازة لأنّ من أثر إجازة مالك العبد بيع العبد بالفرس هو أن يصحّ بيع مشتري العبد العبد بكتاب و هكذا بيع الثّالث العبد بدينار و أمّا في مسألة التوقّف فيشكل الأمر لأنّ توقّف صحّة العقد المجاز على صحّة العقد السابق عليه ليس من المداليل اللّفظيّة حتّى يطّرد الحكم بناء على الكشف الحكمي بل مرجعه إلى دلالة الاقتضاء

و حاصلها أن صحة المعلول يتوقف على صحّة ما هو بمنزلة العلّة و جريان هذه الدّلالة الاقتضائيّة على الكشف الحكمي في غاية الإشكال سيّما بناء على كونه من باب التعبّد فإنّ الحكم بتحقّق علّة الأمر المتأخّر سابقا ليس من الأمور الممكنة الترتّب حتى تترتّب من حين العقد بسبب تحقّق الإجازة بعد ذلك بل يمكن منع ذلك بالنّسبة إلى الكشف الحقيقي أيضا فإنّ الالتزام بهذا المحال إنّما هو فرع قابليّة

ص: 285

العقد للإجازة و قابليّته لها إذا توقّفت على صحّة البيع السّابق لا يمكن أن يصحّح البيع السّابق بهذا الإجازة

و بعبارة أخرى لو دلّ دليل على صحّة تعلّق إجازة المالك بأيّ عقد من العقود لقلنا صحّة إجازة العقد الوسط تقتضي صحّة العقد السّابق عليه بدلالة الاقتضاء و أما لو لم يكن هناك دليل خاص فدلالة الاقتضاء غير جارية

[مسألة في أحكام الردّ]
اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة في أحكام الردّ إلى آخره

بعد ما تبيّن سابقا تأثير ردّ المالك كإجازته و أنّ من شرائط الإجازة أن لا يسبقها الردّ فالكلام يقع في أحكام الردّ فمنها اعتبار وقوعه إمّا بالقول الصّريح أو الفعل الّذي هو مصداق لهذا العنوان بالحمل الشّائع و لا يتحقّق بمجرّد الكراهة باطنا و نيّة الردّ قلبا لما تقدم من أنّ عناوين العقود و الإيقاعات من الإنشائيّات فلا بدّ من تحقّقها بما هو آلة لإنشائها من القول أو الفعل

و على هذا فالبحث يقع في مقامين الأوّل في تحقّقه بالقول و هذا لا إشكال فيه لأنّ الألفاظ الدالّة على هذا المعنى آلة لإنشائه فيقع بقوله رددت و فسخت و نحوهما ثم قد تقدم أنّه لو وقع الردّ بالقول بطل العقد رأسا و ليس قابلا لتعلّق الإجازة به لا من هذا الرّاد و لا من غيره فلو انتقل بعد الردّ إلى الغير فلا يؤثّر إجازة الغير أيضا وارثا كان أو غيره

الثّاني في تحقّقه بالفعل و لا إشكال فيه بحسب الكبرى فإنّ الردّ من العناوين القابلة لتحقّقها بالفعل و ليس كالنّكاح الّذي لا يقبل تحقّقه بالفعل فإنّ الفعل فيه من السفاح الّذي هو ضدّ للنّكاح و إنّما الإشكال في الصّغرى فإنّا لا نجد فعلا يكون مصداقا للردّ بالحمل الشّائع الصّناعي و لا يقاس على الخيار في تحقّق طرفيه من الفسخ و الإمضاء بالفعل فإنّ تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه إنّما يكون فسخا لكونه تشبّثا بالملكيّة السّابقة و هو يحصل بكل تصرّف حتّى بالبيع الفاسد و عرض المبيع للبيع بإنكار البيع و أمّا تصرف المالك في المقام فهو بمقتضى طبعه الأصلي فكاشفيّته النوعيّة عن الردّ في محلّ المنع و لو مع التفاته إلى عقد الفضولي فلو قصد الردّ بفعل لا يكون مصداقا له بالحمل الشّائع دخل في القصد المجرّد الّذي لا أثر له في العقود و الإيقاعات و بالجملة الإشكال في الصغرى في محلّه نعم بعض الأفعال ممّا يوجب فوات محلّ الإجازة

و توضيح ذلك أنّ تصرّفات المالك على أقسام ثلاثة الأوّل أن تكون متلفا للموضوع حقيقة أو حكما كأكله و حرقه أو عتقه و وطيه الأمة المزوّجة فضولا و تزويجها من الغير الثّاني إخراجه عن الملك كبيعه و هبته الثّالث استيفاء منفعته إمّا بنفسه أو بإجارته من الغير و يلحق بالإجارة الرّهن على إشكال

و في جميع هذه الأقسام لو قلنا بعدم صحّة الإجازة فليست من جهة كونها فسخا فعليا بل لعدم قابليّة العقد للإجازة و لذا نقول لو باعه فللمشتري إجازة العقد بناء على عدم اعتبار مالكيّة المجيز حال العقد فالبطلان بالنّسبة إليه لا يلازم البطلان رأسا و لكن التّحقيق هو الفرق بين هذه الموارد إذ لا يبقى للإجازة محلّ في القسم الأوّل و الثّاني من غير فرق بين الكشف و النّقل

و توهّم أنّه بناء على الكشف تكشف الإجازة عن وقوعه في ملك الغير فقد ظهر سابقا فساده لأنّه و إن قلنا بالكشف الحقيقي إلّا أنّه لا بدّ من كشف إجازة المالك عن الملك من حين العقد لا إجازة من هو أجنبي لا علقة له بالمال فلو فرض صحّة التصرّف البيعيّ من المالك قبل الإجازة فهو يصير أجنبيّا فكيف يؤثّر إجازته و تكشف عن تحقّق الملك

ص: 286

لمن اشترى له الفضولي حال العقد

و بعبارة أخرى كاشفيّة الإجازة عن الملك ليست أثرا قهريّا للفظ أجزت حتى تفيد صدورها من كلّ شخص بل إنّما هي حكم شرعيّ مترتّب على إجازة المالك حال الإجازة و على هذا فالتصرّف المتلف للمال حقيقة أو حكما أولى بعدم بقاء محلّ للإجازة من التصرّف النّاقل فإنّ المال التّالف يخرج عن ملكيّة المجيز فلا يبقى محلّ للإجازة نعم ثبت بالدليل أنّ موت أحد الزّوجين غير مانع عن إجازة الآخر مع أنّ موت أحدهما كتلف أحد العوضين

و كيف كان ففي القسمين الأوّلين لا تؤثّر الإجازة و لو قلنا بالكشف الحقيقيّ و إنّما الكلام في القسم الثّالث و هو التصرّف الغير المخرج عن الملك إمّا باستيفاء منفعته أو تلفها تحت يده أو إجارته أو تزويج الأمة المبيعة أو جعل حقّ للغير فيه كالرّهن و قبل بيان حكمه ينبغي التّنبيه على أمر و هو أنّ إلحاق مسألة الاستيلاد بهذا القسم لا وجه له لأنّ حكمه حكم القسمين الأوّلين في أنّه مفوّت لمحلّ الإجازة لأنّ المدار في تأثير إجازة المالك صحّة بيعه ابتداء و الاستيلاد مانع من البيع إذا عرفت ذلك فنقول كما يصحّ إجازة المالك إذا فاتت منفعة العين تحت يده و استوفاها بنفسه فكذلك تصحّ إذا تعلّق الإجازة بها فإنّ حكمها حكم استيفاء منفعة العين بنفسه فإنّها من أحد مصاديق استيفاء المنفعة و ذلك لأنّ الإجازة تتعلّق بالعين لا بالمنافع و تملّك المشتري المنافع إنّما هو لتبعيّتها للعين شرعا فبناء على النّقل لا إشكال في أنّ العين تنتقل من حين الإجازة إلى الطّرف فكلّ منفعة تلفت تحت يد المالك أو استوفاها فلا ضمان عليه حتى في مورد الإجازة فإنّ العين تنتقل إلى الطّرف مسلوبة المنفعة في مدّة الإجازة غاية الأمر أنّ له الخيار لو لم يعلم كونها كذلك

و على أيّ حال لا موجب لعدم تأثير الإجازة و لا لضمان المالك و أمّا بناء على الكشف الحقيقيّ فحيث إنّ الإجازة تكشف عن وقوع التصرّف في ملك الغير فعليه أجرة المثل و لا إشكال أيضا في صحّة الإجازة و هكذا حكم تزويج الأمة الّتي بيعت فضولا فإنّ تزويجها لا ينافي الإجازة على النقل و الكشف و إن أوجب الخيار للمشتري في بعض الصّور

و على أيّ حال هذا التّرديد و الدّوران في المتن غير وجيه لأنّه قدّس سرّه في ردّ صاحب المقابس التزم بتأثير الإجازة حين الإمكان فما ذكر أخيرا و هو إيقاع الإجازة على غير ما تقع في سائر المقامات لا سبيل إلى منعه و بالجملة لا ينبغي الإشكال في تأثير الإجازة على النّقل و لا إشكال أيضا على الكشف الحقيقي لأنّ تبعيّة النماء للعين لا تقتضي إلّا ضمان المجيز لو استوفاها فلا ينافي صحّة استيفائه لها مع إجازة العقد الواقع على العين غاية الأمر أنّه يضمنها لأنّ صحّة الاستيفاء إنّما تنافي الإجازة لو كان العقد واقعا على النّماء كأن آجر الفضولي العين و آجرها المالك بعد ذلك من الغير و أمّا بيع الفضوليّ و إجارة المالك فلا تنافي بينهما و إنّما يتوهّم الإشكال على الكشف الحكمي

و حاصل التوهّم هو أنّ تصرّف المالك بالاستيفاء غير موجب للضّمان و الإجازة تؤثر في الآثار الممكنة و ضمان ما لا موجب لضمانه ليس من الآثار الممكنة فالجمع بين عدم ضمان المنافع و كشف العقد عن تبعيّة النماء للعين تعبّدا من حين العقد ممتنع و لكنّه فاسد لأنّ تصرّفاته بمقتضى إجازته وقعت في حكم التصرّف في مال الغير فيضمنها كضمانه لها بناء على الكشف الحقيقيّ

و بالجملة إذا أمكن ملكيّة المجاز له للعين في زمان العقد كما على الكشف الحقيقيّ أمكن ملكيته للمنافع من حين العقد بناء على الكشف

ص: 287

الحكمي فالجمع بين جواز تصرّفه تكليفا و وضعا و كونه في حكم مال الغير هو ضمانه للمنافع الّتي استوفاها فتدبّر جيّدا نعم

يقع الإشكال بناء على الكشف الحقيقيّ و الحكميّ في المنافع الفائتة تحت اليد فإنّ المنافع مطلقا مضمونة بضمان اليد على من انتقل عنه العين قبل القبض و على من انتقل إليه بعده أي لو باع المالك فمنافع المبيع مضمونة عليه قبل تسليمه المبيع إلى المشتري إلّا إذا كان مأذونا من قبل المشتري أو الشّارع فإنّه لا يضمن المنافع الفائتة و بعد القبض يضمنها المشتري أي لو طرأ فسخ أو انفساخ فما استوفاها المشتري أو تلف تحت يده يضمنه للبائع و مقتضى ذلك هو الضمان في المقام فإنّ الإجازة تكشف عن كون المبيع ملكا للمشتري حقيقة أو حكما من حين العقد فمنافعه مضمونة عليه بضمان اليد

و كيف كان لا منافاة بين الإجارة و تأثير الإجازة لأنّ حكمها حكم استيفاء نفس البائع المنفعة و الظّاهر أنّ وجه التأمّل في قوله قدّس سرّه فتأمّل هو عدم الفرق بقي الكلام في حكم الرّهن و نحن في الدّورة السّابقة قوّينا إلحاقه بالإجارة لأنّه ليس من التصرّفات النّاقلة للعين و لا المتلفة لها فلا يفوت به محلّ الإجازة

و لكنّ الأقوى إلحاقه بهما للتنافي بين كون المبيع للمشتري من حين العقد و صحّة رهن المجيز فإنّ رهن مال غير المديون إنّما يصحّ إذا رهنه نفس المالك بالمباشرة أو بالإذن منه و أمّا إذا رهنه غيره فإمّا أن يبطل الرهانة و إمّا الإجازة و المفروض صحّة الرّهن فلا محلّ للإجازة و لا يقال لا مانع من تعلّق إجازة المجيز بما رهنه غاية الأمر أنّه يصير فضوليا و يتوقّف نفوذه على إجازة المجاز له لأنّا نقول لا معنى لكون رهن المجيز فضوليا إلّا إذا كان المال ملكا للمجاز له من غير جهة إجازة المجيز و أمّا لو فرض أنّه بالإجازة ينكشف أنّه مالك فكاشفيّتها تتوقّف على عدم تصرّفه في المال على نحو يخرجه عن الطّلقية

و بعبارة أخرى كون المجيز هو الرّاهن ينافي إجازته و لا شبهة أنّه قبل الإجازة كان هو الرّاهن فكيف ينقلب الأمر بالإجازة و يصير المجاز له هو الرّاهن و لو صحّ ذلك لجرى في البيع و نحوه و على هذا فلا يصحّ الإجازة من مالك العبد الجاني في بعض فروضه كما إذا تعلّق دية الجناية بذمّة المولى فإنّه مع ضمانه لا يمكن أن يكون عبده ملكا لغيره و أمّا إذا تعلّق القصاص على رقبة العبد فلا مانع من الإجازة و تمام الكلام في محلّه

[بقي الكلام في التصرّفات الغير المنافية لملك المشتري من حين العقد]

قوله قدّس سرّه بقي الكلام في التصرّفات الغير المنافية لملك المشتري من حين العقد كتعريض المبيع للبيع إلى آخره

لا يخفى أنّ التّفصيل الّذي أفاده في المقام من كون العرض على البيع ردا لو التفت إلى عقد الفضولي دون ما إذا لم يلتفت به غير وجيه و الفحوى الّذي استدلّ بها غير تامّة فإنّ الدّفع و إن كان أسهل من الرّفع في الجملة و مقتضاه أن يكون ما به يرفع الأمر الثابت يدفع به أثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث بطريق أولى فإذا كان العرض على البيع بل إنكار البيع فسخا من ذي الخيار فكونهما ردّا للبيع الفضولي أولى و لكن هذه الأولويّة معارضة بأولويّة أخرى و هي أنّه إذا لم يكن بيع المالك ردّا فعليا فعرضه على البيع أولى بعدم كونه ردّا

و بالجملة قد تقدّم منّا أنّ قياس المقام على فسخ ذي الخيار قياس مع الفارق لأنّ إجازة ذي الخيار و فسخه ليس إلّا لإعمال الحقّ من إقرار الالتزام أو رفعه و هما يحصلان بمجرّد التشبّث بالمنتقل إليه أو المنتقل عنه لأنّ العقد لا يقتضي بطبعه التصرّف فإذا تصرّف في المعقود عليه فيقتضي أن يكون تصرّفه عن حق و لازمه الفسخ أو الإمضاء

ص: 288

و أمّا تصرف المالك في المقام فليس إلّا لاقتضاء طبع الملك ذلك و ليس التصرف و لو مع الالتفات إلى عقد الفضولي ردّا و إلّا لزم عدم إمكان الإجازة غالبا لملازمة غالب ما وقع عليه العقد فضولا مع تصرّف مالكه فينحصر إمكان إجازة عقد الفضولي بما إذا وقعت الإجازة فورا

و حاصل الكلام أنّ الفعل في المقام ليس كالقول مسقطا لعقد الفضولي رأسا عن قابليّة تعلّق الإجازة به بل إذا باع المالك فللمشتري إجازة عقد الفضولي فإذا لم يكن البيع فسخا بل كان مفوّتا لمحلّ الإجازة بالنّسبة إلى المالك فعدم كون التعريض على البيع فسخا بطريق أولى و أمّا ما استدلّ به قدّس سرّه من الأخبار الدالّة على حصول الردّ بالفعل ففيه نظر أمّا ما ورد في نكاح العبد بغير إذن مولاه كما في موثّقة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده فقال ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه و إن شاء فرق بينهما و كما في خبره الآخر عنه ع سألته عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم اطّلع على ذلك مولاه فقال ع ذلك إلى مولاه إن شاء فرق بينهما و إن شاء أجاز نكاحهما و للمرأة ما أصدقها إلخ فلا يدلّ إلّا على أنّ أمر النّكاح بيد المولى إن شاء أجاز و إن شاء ردّ و أمّا أنّ الردّ بم يتحقّق فلا تعرّض له فيه

و أمّا ما ورد فيمن زوجته أمّه كما في خبر محمّد بن مسلم عن الباقر ع أنّه سأله عن رجل زوجته أمّه و هو غائب قال ع النّكاح جائز إن شاء المزوّج قبل و إن شاء ترك فإن ترك المزوّج تزويجه فالمهر لازم لأمّه فهو في غاية الضّعف من الظّهور لأنّه يدل على أنّ الخيار بيد الزّوج إن شاء أجاز و إن شاء لم يجز و على فرض حمل التّرك على الأمر الوجودي فغايته أنّه كخبر تزويج العبد و دلالته على أنّه بالفعل يسقط العقد عن قابلية لحوق الإجازة ممنوعة

ثم لا يخفى أنّ إلحاق الردّ في المقام بالفسخ في العقود الجائزة حكما كالهبة و الجائزة حقّا كالبيع الخياري و بالفسخ في الوكالة و الوصاية لا وجه له لعدم الجامع بينها أمّا فسخ العقود الجائزة فلما عرفت أنّ المناط في تحقّق الفسخ فيها هو التشبّث بالملكيّة السّابقة و هو يحصل بالفعل كحصوله بالقول و هذا المناط غير موجود في ردّ عقد الفضولي و أمّا العقود الإذنيّة كالوكالة و العارية و نحوهما فلأنّ المدار فيها على الإذن و هو يرتفع بالكراهة الباطنيّة فضلا عن الفعل المنافي و أمّا الوصاية التّمليكيّة و السّبق و الرّماية بناء على القول بجوازهما فالظّاهر إلحاقها بالعقود الجائزة في حصول الفسخ بها بكلّ فعل مناف و تمام الكلام في هذه الأبواب موكول إلى محلّه

و كيف كان الفعل الّذي يتحقّق به الردّ في مقابل الإجازة بحيث يسقط العقد عن القابليّة لا وجود له بين الأفعال

[مسألة لو لم يجز المالك فإن كان المبيع في يده فهو و إلّا فله انتزاعه]
[الأولى أنه يرجع عليه بالثمن]

قوله قدّس سرّه مسألة لو لم يجز المالك فإن كان المبيع في يده فهو و إلّا فله انتزاعه ممّن وجده في يده مع بقائه إلى آخره

تنقيح هذه المسألة يتوقّف على البحث من جهات ثلاث الأولى في حكم رجوع المالك إلى الغاصب الثّانية في حكم رجوعه إلى المشتري الثّالثة في حكم رجوع المشتري إلى الغاصب

أمّا رجوع المالك إلى الغاصب أو المشتري فيقع الكلام تارة في صورة الإجازة و أخرى في صورة الردّ أمّا صورة الإجازة فلو كان الثمن باقيا عند الغاصب أو عند المشتري فله الرّجوع إلى كلّ واحد منهما و لو كان تالفا فتأثير إجازته يتوقّف على عدم انفساخ العقد بتلف الثّمن قبل قبضه كما في صورة إتلاف أحدهما أو الأجنبي و سيجي ء حكمه

و أمّا صورة الردّ فلو كان المبيع في يده فهو و إلّا فمع بقائه فله انتزاعه ممّن وجده في يده

ص: 289

أو إلزام غيره ممّن دخل تحت يده برده لأن كل من أخذه فهو مأمور بالردّ إلّا أن يرجع المالك إلى غيره ممّن كان العين في يده و بالجملة المالك مخيّر في الرّجوع إلى كلّ من ترتّب يده على ماله و له إلزامه بردّه و إن كان فيه مئونة على تفصيل تقدم و يرجع بمنافعه من المستوفاة و غيرها و بصفاته الفائتة إلى كلّ من ترتّب يده عليه إلّا إذا دخل العين خالية من الصفات تحت يد أحد مع عدم تجدّدها بعد ذلك عند من تلقّى منه

و بعبارة واضحة للمالك أن يرجع إلى الضّامن الأوّل بالصّفات الّتي فاتت عند الثّاني سواء كانت هذه الصّفات موجودة في العين حين كانت العين في يده أم تجدّدت في يد الثّاني ثم زالت نعم من لم تحصل في يده و لا في يد من تأخّر عنه فلا يرجع المالك إليه لأنّه تلقاها من السّابق خالية من الصّفات و لم تتجدّد عنده و لا عند من تأخر عنه أيضا فلا يضمنها

ثم إن قرار الضّمان على من تلف الصّفة عنده بمعنى أنّه لو رجع المالك إليه فهو لا يرجع إلى سابقه إلّا إذا كان مغرورا فإنّه يرجع إلى من غرّه و أمّا لو رجع المالك إلى السّابق فهو يرجع إلى اللّاحق الّذي تلفت عنده أو عند من تأخّر عنه و وجه جواز رجوع المالك إلى من تلفت الصّفة عنده هو أن مقتضى تعاقب الأيدي الغاصبة كون كل من وقع المال بيده ضامنا للعين بجميع خصوصيّاتها من ماليّتها و منافعها و صفاتها سواء كانت الصّفة حاصلة بفعله كما لو علم العبد المغصوب صنعة فنسيها أو سمنت الدابّة فهزلت أم كانت حاصلة بفعل اللّٰه سبحانه لأنّ جميع هذه الصّفات موهبة من اللّٰه سبحانه حصلت في ملك المالك فهو يستحقّها لا غير فيضمنها كلّ من وضع يده على هذا المال إلّا من وضع يده عليه بعد تلفها

و أمّا وجه جواز رجوعه إلى السّابق مع أنّ الصّفة لم تتلف عنده بل لم تكن موجودة كما في بعض الموارد فلأنّ مقتضى قوله ص على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي أن يكون ضمان العين مع خصوصياتها من منافعها و صفاتها الموجودة و المتجدّدة على الآخذ فالجميع على عهدته ما لم يرد العين غاية الأمر أنّه لو رجع إليه المالك فله الرّجوع إلى من تأخّر عنه لو لم يكن غارا له هذا مع بقاء العين و تلف المنافع و الصّفات و أمّا لو تلفت هي أيضا فحكمها حكم المنافع و الصّفات في استقرار الضّمان على من تلفت عنده

ثم إنّه لو قلنا في القيميات بقيمة يوم التّلف فالحكم واضح و أمّا لو قلنا بأعلى القيم فمقتضاه أنّ زيادة القيمة السّوقية كنفس القيمة في عهدة الغاصب و على هذا فلو كانت قيمة العين حين ما وقعت في يد الغاصب الأوّل عشرة و حين ما ترتّبت عليها يد الغاصب الثّاني اثني عشر ثم تنزّلت قيمته فدخلت بعد ذلك تحت يد الثّالث فتلفت عنده أو عند الرابع من دون ترق فللمالك مطالبة الأعلى من الأوّل أو الثّاني دون الثّالث أو الرابع لأنّها دخلت تحت يد الثّالث و من بعده نازلة القيمة فلا وجه لضمانها الأعلى و إنّما يضمنان القيمة الّتي وصلت العين إليها

و هذا هو مقصود المصنف قدّس سرّه في قوله و لو كان قبل ذلك في ضمان آخر و فرض زيادة القيمة عنده ثم نقصت عند الأخير اختص السّابق بالرّجوع بالزيادة عليه أي نقصت قبل دخوله تحت يد الأخير و بالجملة حكم تفاوت الرّغبات بناء على القول بأعلى القيم في القيميّات حكم الصّفات التّالفة فمن تلفت عنده أو عند من ترتّبت يده عليه فهو ضامن من دون من أخذه في حال النّقصان و لم يترقّ عنده و لا عند من يده مترتّبة عليه و ذلك واضح جدّا

و أمّا حكم رجوع المشتري إلى الغاصب بعد فرض رجوع المالك

ص: 290

إليه فالكلام فيه تارة في الثمن الّذي سلمه إلى الغاصب و أخرى فيما يغرمه للمالك زائدا على الثّمن فهنا مسألتان الأولى في أصل الثّمن و الكلام فيه تارة مع بقائه عند الغاصب أو عند من انتقل إليه و أخرى عند تلفه أمّا مع بقائه فلا ينبغي الإشكال في جواز رجوعه إليه و استرداده منه سواء كان عالما بالغصبيّة أم جاهلا إلّا إذا اعترف بكونه هو المالك و أمّا لو لم يقرّ بكونه مالكا أو أقرّ و لكن إقراره كان مستندا إلى اليد الّتي ثبت عدم كونها حقا فله الرّجوع إليه و على فرض شمول إطلاق قوله المشهور بعدم جواز الرّجوع إليه إذا كان عالما بكونه غاصبا لصورة بقاء الثّمن فقد عرفت ضعفه لأن الدّفع إليه لا يزيد عن الهبة فمع بقاء الثّمن يجوز له الرّجوع إليه و لو مع العلم بكونه غاصبا لا لما استدلّ به المصنف بقوله إذ لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه شرعا و مجرّد تسليطه عليه لو كان موجبا لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد لتسليط كلّ من المتبايعين صاحبه على ماله و لأنّ الحكم بصحّة البيع لو أجاز المالك كما هو المشهور يستلزم تملّك المالك للثمن فإن تملّكه البائع قبله يلزم فوات محلّ الإجازة إذ يمكن الخدشة في كلا الوجهين

أمّا في الأوّل فلإمكان الفرق بين البيع الفاسد من غير جهة العوض و الفاسد من جهة العوض كما سيجي ء و أمّا في الثّاني فلأنّ القائل بانتقال الثّمن إلى الغاصب بمجرّد التّسليط يمكن التزامه بعدم قابليّة هذا البيع لإجازة المالك كما تقدم الإشكال فيه سابقا أو عدم قابليته لها على النّقل هذا مع أنّه قد تقدّم أنّه يمكن التّفصيل بين الإجازة و الرد فيكون ملكيّة الغاصب مراعى بعدم الإجازة

و بالجملة ليس جواز رجوع المشتري إلى الغاصب في صورة بقاء الثّمن للوجهين المذكورين في المتن كما أشار إلى بطلانهما أو بطلان خصوص الأخير بقوله فتأمل بل لما ذكرنا من أنّ التّسليط لا يزيد على الهبة المجانيّة فلا فرق بين صورة العلم و الجهل

ثم إنّه لا ينبغي الإشكال في حرمة تصرّف الغاصب في الثّمن وضعا و تكليفا لأنّ المشتري دفعه إليه مبنيّا على المعاوضة لا مع الغض عنها فلا ينتقل إليه حتى يجوز تصرّفه فيه تكليفا و ينفذ وضعا و هذا هو ظاهر المتن في صدر المسألة فإنّه قال و هل يجوز للبائع التصرّف فيه وجهان بل قولان أقواهما العدم لأنّه أكل المال بالباطل و لكنّه يظهر من موضعين من كلامه جواز التصرّف الأوّل قوله قدّس سرّه لأنّ طيب النّفس بالتصرف و الإتلاف من دون ضمان له بماله حاصل و الثّاني قوله و حاصله أن دفع المال إلى الغاصب ليس إلّا كدفعه إلى ثالث يعلم عدم كونه مالكا للمبيع فإنّ مقتضى هذين الكلامين جواز التصرّف التّكليفي أو مطلقا فإنّ الإذن في الإتلاف و إن لم يكن مشرعا إلّا أنّه يوجب جواز التصرّف إمّا تكليفا أو مطلقا بناء على أنّ التصرّفات المتوقّفة على الملك نافذة من المباح له و لو في غير المعاطاة

و كيف كان فالأقوى جواز استرداد الثمن منه إذا كان باقيا و أمّا في صورة التّلف فالأقوى هو التّفصيل بين العلم و الجهل فلو كان عالما فقد ظهر في مبحث ترتّب العقود أنّه ليس له الرّجوع إليه بالمثل أو القيمة و أمّا لو كان جاهلا فله الرّجوع كما هو المشهور

و قد يتوهّم أن حكمه حكم صورة العلم و حاصل التوهّم أنّ التّسليم الخارجي كما لا يوجب الضمان على الغاصب في صورة العلم إذ لا يصحّ جعل ضمانين لمال واحد عرضا فكذلك في صورة الجهل لأنّ المفروض أنّ التّضمين وقع على ملك غير الغاصب حقيقة لأنّ المعاملة و إن كانت واقعة بين الغاصب و المشتري إلّا أنّ الغاصب جعل طرفا بعد البناء على كونه مالكا

ص: 291

و لذا صح تعلق إجازة المالك بهذا العقد فمع ضمان المالك لا يمكن أن يكون الغاصب ضامنا

و بعبارة أخرى يجب القول إمّا بعدم قابليّة هذا البيع لإجازة المالك و عدم صحّتها كما في سائر البيوع الفاسدة و إما بعدم ضمان الغاصب و لكن التوهّم فاسد كما قدّمنا وجهه و تنقيحه توضيحا لما سبق و تتميما للجواب موقوف على بيان أمور الأوّل أنّ المناط في الضّمان المعاوضي عدم إقدام المتعاملين على المجانيّة و قد أوضحنا في قاعدة ما يضمن أنّ المقصود من القاعدة أصلا و عكسا إنّما هو تمييز مورد الإقدام على المجانيّة عن عدمه لأنّ اليد تقتضي الضّمان فيبحث عن وجود المانع و عدمه لا في المقتضي و عدمه الثّاني أنّه لا فرق بين العلم و الجهل في العقد الفاسد من غير ناحية العوض فكما أنّ في البيع الفاسد من جهة شروط الصّيغة مثلا مع الجهل بالفساد لم يتحقق رافع الضّمان فكذلك مع العلم لأنّ علمهما بالفساد لا يقتضي المجانية بل لا شبهة أنّ كلّ واحد منهما يضمن صاحبه غاية الأمر أنّ الشّارع لم يمض تضمينهما و لذا لا يصير ما جعلاه مضمونا بدلا عند التّلف بل البدل هو المثل أو القيمة

و بالجملة حكم الشارع بالفساد لا يلازم عدم البناء على الضّمان لأنّ التّضمين العرفي يجتمع مع العلم بأن المبيع لا ينتقل إلى المشتري شرعا الثّالث أنّ التّسليم في العقود الفاسدة طرّا ليس كالتّسليم إلى الأجنبي المحض كالتّسليم إلى غير الوكيل بل هو مبني على المعاوضة فيسلّم المشتري الثّمن إلى الغاصب ليتصرف فيه كما كان يتصرّف في المثمن و يجعله بدلا له الرابع أنّ حكم التّسليم إلى غير المالك مع الجهل حكم التّسليم إلى الطّرف في سائر المعاوضات الفاسدة بخلافه مع العلم و ذلك لأنّ مع الجهل لم يتحقّق رافع الضّمان لأنّه سلّم إليه معتقدا بأنّه مالك و متخيّلا أنّ البدل ينتقل إليه عوضا عمّا سلّمه إليه فجعل التّضمين عليه من ماله لاعتقاده كونه ملكا له و حيث إنّ مالكيّته ليست ركنا في عقود المعاوضة بل التبديل واقع بين المالين و إنّما يبني كونه مالكا لصحّة توجيه الخطاب معه فيلغى اعتقاد كونه مالكا و ينتسب العقد إلى المالك الحقيقي لو أجاز فينتقل الضّمان إلى ذمّته و أمّا لو ردّ و أخذ المبيع من المشتري فيبقى الضّمان في عهدة نفس الغاصب لأنّ لازم جعل الضمان على عهدته تحقّقه طولا و قهرا عليه لأنّ يده ليست يدا أمانية فلم يتحقّق رافع الضّمان و في صورة العلم أيضا و إن كان التّسليم وقع مبنيّا على المعاوضة إلّا أنّه حيث يعلم بأنّه ليس مالكا و يسلّمه إليه فهو مقدم على المجانيّة لما عرفت أن التّسليم الخارجي لا يمكن تقييده بالتّسليم إلى المالك الحقيقي لأنّ البناء و العدوان مصحّح للمعاوضة لا للفعل الخارجي و لم يجعل ضمانا تقديريّا على الغاصب في صورة الردّ فلا يندرج تحت عموم على اليد بعد خروج اليد الغير العادية منه و هذه لو لم تكن أولى في عدم الضمان من الوديعة و العارية و التّسليط على العين المستأجرة فلا أقل من كونها مثلها بل لا يمكن إنكار أولويّتها منها لأنّ المالك سلّطه على التصرّف في العين و إتلافها مجّانا بلا جعل

عوض إذا عرفت ذلك ظهر وجه صحّة تمسّك المصنف قدّس سرّه بفحوى الأمانات لأن غرضه بيان رافع الضّمان و هو الإقدام المجاني و ظهر الفرق بين العلم و الجهل في المقام دون سائر العقود الفاسدة و سيجي ء توضيحه أيضا و ظهر أيضا أنّ عدم الضّمان عند التّلف لا يلازم جواز التصرّف تكليفا و وضعا

قوله قدّس سرّه نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك كالخمر و الخنزير و الحر قوي اطراد ما ذكرنا فيه من عدم ضمان عوضها المملوك مع علم المالك

ص: 292

بالحال إلى آخره

لا يخفى أنّ فساد العقد تارة من غير ناحية العوض و أخرى منها و ظهر أنّ قاعدة ما يضمن أصلا و عكسا أسّست لبيان حكم القسم الأوّل و عرفت أنّ الفساد إذا كان لاختلال شرائط هذا القسم كانتفاء شروط الصّيغة أو المتبايعين أو لزوم الرّبا أو الجهل بأحد العوضين و نحو ذلك فلا فرق بين صورة العلم و الجهل في الضّمان كما تقدم أنّه أحد الأمور المترتّبة على المقبوض بالعقد الفاسد و السرّ فيه ما تقدم أنّ كلّا منهما في العقود المعاوضيّة ضمن الآخر بماله و لو مع العلم بالفساد فلا رافع للضّمان و أمّا الفساد من جهة العوض فله مراتب

منها ما كان أحد العوضين مال الغير كالمعاوضة مع الغاصب و قد ظهر حكمه و منها البيع بلا ثمن و الإجازة بلا أجرة و منها جعل العوض ما ليس مالا عرفا و شرعا كالحشرات و منها جعله ما ليس مالا شرعا كالخمر و الخنزير أمّا البيع بلا ثمن و الإجازة بلا أجرة فقد تقدم حكمه في التّنبيه الثّاني من تنبيهات قاعدة ما يضمن و قوّينا أخيرا عدم الضّمان

نعم لا يبعد القول بالتّفصيل بين ما لو قال بعتك بلا ثمن و ما لو قال بعتك بثمن كذا و أسقطت الثمن بأن يحكم بالضّمان على الأوّل و بعدمه في الثاني و ما يقال في توجيه ما اختاره الشّهيد من عدم الضّمان في الأوّل أيضا من باب أنّ ذيل الكلام يصير قرينة على الصّدر فيدلّ المجموع على أنّ التّسليم مجانيّ ففيه ما لا يخفى فإنّ باب القرينة غير باب ما ينافي مقتضى العقد و إلّا يرجع كلّ شرط مناف لمقتضى العقد إلى القرينة

و حاصل الفرق بينهما أنّ القرينة هي الّتي تنافي الظّهور البدوي لذي القرينة فهي تصرف لفظي في ذيها و هذا بخلاف تناقض الذّيل مع الصدر فإنّ المناقضة بينهما في المعنى لا اللّفظ فلا وجه لجعل الذيل قرينة على الصّدر بل لا بدّ إمّا من الأخذ بما هو مقتضى قاعدة ما يضمن فيحكم بالضّمان و إمّا من القول بأنّ البائع لمّا ناقض صدر كلامه الدال على التّضمين بذيله الرّافع للضّمان فيتساقطان فالتّسليم بعد هذا يكون مجانيا و هذا لا ربط له بمسألة القرينة و جعل مجموع الكلام إنشاء للهبة المجانيّة

و أمّا جعل العوض ما ليس مالا عرفا و شرعا فقد تقدم في التّنبيه الأوّل من هذه القاعدة أيضا أنّ الأقوى فيها الضّمان على ما بيّناه من معنى القاعدة و هو أن كلّ عقد لو فرض صحيحا كان موجبا للضّمان ففاسده أيضا كذلك و فرض صحّة هذا العقد معناه فرض ما ليس مالا مالا فإذا فرض كونه مالا فلا محيص عن الضّمان

و أمّا مسألة الحرّ و نحوه فثبوت الضّمان فيه أظهر لأنّ عدم كونه مالا شرعا لا يوجب أن يكون العقد واقعا بلا تضمين عرفا و المدار في الضّمان على عدم الإقدام على المجّانية و لكن الإنصاف أنّ الحكم في جميع ذلك مشكل لأنّه لا فرق بين عدم جعل العوض أصلا كالبيع بلا ثمن أو جعله ما ليس مالا إمّا لقصور في المقتضي كالحشرات أو لوجود المانع كالطّير في الهواء و السّمك في الماء و الظّبي في البيداء أو جعله ما ليس مالا شرعا كالخمر و نحوه

و على أيّ حال ليس الحكم في تلف الرّشوة كالحكم في تلف المبيع في البيع بلا ثمن لأنّ الرّشوة ليست من قبيل الثّمن و ليس مقصود الراشي شراء الدّين و لا مقصود المرتشي بيعه فلا يلازم عدم الضّمان في مسألة البيع بلا ثمن عدمه في باب الرّشوة بل الأقوى أنّ جهة الضّمان فيها هي جهة الضّمان في باب الرّباء فكما أنّ الشّارع لم يبح للمالك هذا النّحو من السّلطنة و لم يسلّطه على إعطاء الزيادة في المتجانسين فكذلك لم يبح له الرّشوة على الحكم فعلى هذا لو تلف عند المرتشي فحيث إن يده يد عدوان يجب عليه المثل أو القيمة

قوله قدّس سرّه ثم إنّ مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم الرّجوع بالثّمن ثبوت الرّجوع

ص: 293

إذا باع البائع الفضولي غير بائع لنفسه بل باع عن المالك و دفع المشتري الثمن إليه لكونه واسطة في إيصاله إلى المالك فتلف في يده إلى آخره

لا يخفى أنّ الفضولي و إن لم يكن وكيلا عن المالك إلّا أنّه لو أقبضه المشتري الثّمن لإيصاله إلى مالك المبيع يكون وكيلا عن المشتري فإذا لم يفرط فيه و لا أتلفه بل تلف بتلف سماوي فلا وجه لضمانه مع كونه أمينا منه و لو لا قوله إذا لم يسلّطه عليه و لا أذن له في التصرّف فيه فضلا عن إتلافه لقلنا إن قوله فتلف فيه من غلط النّاسخ و الصّواب هو أن يكون فأتلفه و بالجملة في مورد التّلف لا وجه للضمان

نعم يثبت الضّمان لو أخذ البائع الثّمن من دون إذن المشتري لأن يده على هذا ليست يدا أمانيّة كما أنّه يثبت الضّمان لو اشترط على البائع الغاصب الرّجوع إليه بالثمن لو أخذ العين صاحبها لأنّ التّسليط ليس مجانيا فلو تلف أو أتلفه يضمنه بلا إشكال كما لا فرق في عدم الضّمان لو لم يشترط الرّجوع إليه بين الثمن الشّخصي و الكلّي فيما إذا كان عالما بالغصبيّة كما لا فرق بينهما في الضمان إذا كان جاهلا هذا كلّه في بيان حكم الردّ

و أمّا حكم الإجازة فلو لم نقل بانفساخ العقد بالتّلف عند الأجنبي فلو أجاز العقد و الإقباض أيضا و قلنا بتأثير الإجازة في الفعل الخارجي بلحاظ أثره المترتّب عليه و هو رفع الضّمان فإذا تلف عند البائع بتلف سماوي فليس له الرّجوع إلى المشتري لإجازته إقباضه و لا إلى الغاصب لكونه أمينا منه و لو أتلفه فله الرّجوع إليه دون المشتري و أمّا لو لم نقل بتأثير الإجازة في القبض فله الرّجوع إلى كلّ منهما مطلقا كما هو واضح

و أمّا لو أجاز العقد و لم يجز القبض فإن كان الثّمن كليّا فليس له الرّجوع إلى البائع لأنّ المدفوع إليه لم يتعيّن كونه ثمنا و أمّا لو كان شخصيا فله الرّجوع إلى كلّ منهما ثم إنّه لو رجع إلى المشتري فللمشتري الرّجوع إلى البائع مطلقا لأنّ قابليّة العقد للإجازة تقتضي كون الثّمن للغاصب على تقدير الردّ لا على جميع التقادير سواء قيل بالكشف أم النّقل أمّا على الكشف فلأنّ المشتري سلّطه على مال المجيز و أمّا على النّقل فلأنّه و إن سلّطه على مال نفسه إلّا أنّه لم يسلّطه عليه مجانا بل بإزاء المعوّض فإذا انتقل إليه بإجازة المالك فلا محالة ينتقل العوض إلى المالك لا إلى الغاصب

و بالجملة معنى تأثير الإجازة أنّ الثّمن عند البائع مراعى فلا ينتقل إليه بالتّسليط الخارجي منجّزا و ملكا مطلقا و التّسليط الخارجي كما لا يرفع الضّمان مع الجهل مطلقا كذلك لا يرفعه مع العلم في صورة الإجازة لأنّه لا معنى لأن يكون التّسليط مسقطا للضّمان الّذي لم يتحقّق فإنّ الضّمان الحاصل للبائع إنّما هو بعد ردّ المشتري الثمن إلى المالك و قبله لا يكون البائع ضامنا حتّى يكون التّسليط مبرئا له لأنه ضمان ما لم يجب بل و لو قيل بصحّة إسقاط ضمان ما لم يجب أيضا لا يصحّ رجوع كلّ واحد من الغارمين إلى الآخر في خصوص الغرامة الناشئة عن تعاقب الأيدي إلّا بعد رجوع ذي الحقّ إليه فإن قبله لا غرامة حتّى يكون له الرّجوع ليكون له الإسقاط

[المسألة الثانية أنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثّمن]

قوله قدّس سرّه المسألة الثانية أنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثّمن إلى آخره

لا يخفى أنّ البحث في هذا العنوان إنّما هو في مورد الردّ دون الإجازة كما أن مفروض البحث أيضا فيما لو كان المشتري جاهلا و أمّا لو كان عالما فليس له الرّجوع إلى البائع الغاصب أو الفضولي مطلقا بأيّ غرامة اغترمها و ذلك واضح

ثم إنّ الغرامة الّتي قيل بلزومها عليه على أنحاء أربعة الأوّل ما يكون في مقابل العين كزيادة القيمة على الثّمن الّذي اشترى به كما لو اشترى المبيع بعشرة و أخذ منه المالك عشرين إمّا لكونه يسوي عشرين حين البيع أو زادت قيمته بعد ذلك

ص: 294

و على أيّ حال هذه الغرامة إنّما تتوجّه عليه إذا تلف المبيع و أمّا لو كان باقيا فليس للمالك إلّا أخذ العين منه دون زيادة القيمة السّوقيّة نعم لو سقط عن القيمة بالكليّة فهو مطلب آخر تقدّم حكمه في مسألة الجمد في الصّيف و الماء في المفازة الثّاني قيمة المنافع المستوفاة الثّالث قيمة المنافع الغير المستوفاة و لم يبيّن المصنف قدّس سرّه حكم هذا القسم و لعلّه إحالة إلى ما تقدّم منه في المقبوض بالعقد الفاسد أو أدرجه في القسم الآتي الرّابع ما اغترمه من جهة حفر أو غرس أو نفقة أو قيمة ولد أو نقص جزء أو وصف مما لا يرجع نفعه إليه بل و لو رجع إليه كالولد المنعقد حرّا إلّا أنّه لا يعدّه العرف أو الشرع منفعة

و كيف كان فلا إشكال في الجملة أنّ للمالك الرّجوع إلى المشتري و إنّما الكلام في رجوع المشتري إلى البائع و قبل ذكر الأقوال ينبغي بيان ما يمكن به الاستدلال لرجوع المشتري إليه بعد استقرار الضّمان عليه بمقتضى تعاقب الأيدي و هو على ثلاثة وجوه الأوّل قاعدة نفي الضّرر الثّاني قاعدة التّسبيب الثّالث قاعدة الغرور الدالّ عليها النبويّ المعمول بين الفريقين و هو قوله ص المغرور يرجع إلى من غرّه

و تقريب الأوّل أنّه لو لم يجز رجوع المشتري فيما اغترمه إلى البائع لزم الضّرر عليه و حيث إنّه منفيّ في الشّريعة فيحكم بضمان البائع له و بعضهم استشكل في اطّراد القاعدة فيما إذا اغترم في مقابل المنافع المستوفاة و تقريب الثّاني أنّ البائع هو السبب لفوت المنافع أو الأجزاء أو الأوصاف على المالك لضعف المباشر من جهة جهله كما هو المفروض و تقريب الثالث واضح لأنّ البائع في المقام كمقدّم طعام الغير للأكل و لكنّك خبير بما في الاستدلال بالقاعدتين الأوليين أمّا قاعدة الضّرر فلما بيّنا في محلّه أنّها حاكمة على الأحكام الثّابتة في الشّريعة و لا يمكن إثبات حكم بها لو لا تشريعه لزم منه الضّرر فلو لم ينهض دليل على ضمان البائع ما اغترمه المشتري فكون الغرامة ضررا عليه لا يوجب تعلّق الضّمان على البائع

و على هذا فيسقط ما استشكله بعض بأنّ الضّرر لا يطّرد في جميع الغرامات لأنّه ليس المقام مقام التمسّك بقاعدة نفي الضّرر رأسا اطّردت أو لا تطّرد و حاصل الكلام أنّ قاعدة الضّرر لو كانت مثبتة للحكم لما استقام حجر على حجر و لزم تأسيس فقه جديد و لزم تدارك كلّ خسارة من بيت المال أو من الأغنياء و بعض الأعاظم ممّن عاصرناهم و إن أفتى بجواز طلاق زوجة الغائب لرفع ضرر الزّوجة استنادا إليها و لكن لا يمكنه الالتزام بتشريع الأحكام حتّى فيمن تضرّر بالمال و خسر في التّجارة مع أنّ المسألتين من واد واحد و من جوّز من الأصحاب ذلك فإنّما هو للأخبار الواردة في المقام لا لأنّ الصبر ضرر عليها

و أمّا قاعدة التّسبيب فالمسلّم منها ما لا يتوسّط بين فعل الفاعل و الأثر المترتّب عليه فعل فاعل مختار أو إذا لم يكن مستندا إليه شرعا لكونه واجبا عليه فالأوّل كمن فتح قفص الطّائر فطار أو فتح فم قربة السّمن فذابته الشّمس فإنّ فعل الطّائر و الشّمس غير اختياري فالضّمان يستند إلى الفاتح و الثّاني كحكم الحاكم بشهادة شهود الزّور فإنّ المال و إن اغترمه المشهود عليه بحكم الحاكم إلّا أنّه حيث يجب عليه الحكم لعدم علمه بكذب الشهود فهو ليس ضامنا و الضّمان على الشّهود و هكذا فعل المكره بإكراه الجائر و نحو ذلك

و بالجملة قاعدة التّسبيب و إن كانت من القواعد المسلّمة و لذا حكموا بضمان من حفر بئرا في طريق المسلمين إذا وقع أحد فيه فمات و حكموا بضمان من نصب في قعره السكّين إذا مات بالسكّين

ص: 295

و حكموا بضمان من دفع الواقع في البئر و لكنّه إنّما تجري فيما لم يكن هنا واسطة اختياريّة بحيث كان عمله الجزء الأخير للعلّة و كان فعل السّبب هو المعدّ و إلّا يحكم بضمان المباشر كمن باشر بالاختيار أكل طعام الغير و لو لتغرير غيره المقدم إليه بل و لو قيل بأن الضّمان على المقدم هناك إلّا أنّه لا يصحّ القول به في المقام لأن مورد ضمان السّبب هو الّذي يرجع إليه ابتداء لا في مثل المقام الّذي لا إشكال في جواز رجوع المالك إلى المشتري ابتداء فلو قيل بضمان البائع فليس مستنده إلّا قاعدة الغرور

نعم هنا كلام آخر به يصحّ الجمع بين كلامي المصنف في المقام فإنّه بعد منعه من التمسّك بقاعدة التّسبيب بقوله و أمّا قوّة السّبب على المباشر فليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور إلّا إذا كان السّبب بحيث استند التّلف عرفا إليه كما في المكره إلى أن قال و المتّجه في مثل ذلك عدم الرّجوع إلى المباشر أصلا قال فلا بدّ من الرّجوع بالأخرة إلى قاعدة الضّرر أو الإجماع المدّعى في الإيضاح على تقديم السّبب إذا كان أقوى أو بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة فيتوهّم التّنافي بين الصّدر و الذّيل و لكنّه بالتأمل فيما ذكره قدّس سرّه يتّضح عدم التّنافي

و توضيح ذلك أنّ ما يطلق عليه السّبب على أقسام ثلاثة الأوّل ما إذا كان أثر السبب صرف إحداث الدّاعي للمباشر من دون استناد الفعل إلى السّبب كمن أمر غيره بقتل شخص أو علّمه طريق سرقة الأموال فالضّمان هنا على المباشر دون السّبب الثّاني ما إذا كان الفعل مستندا إلى السّبب دون المباشر إمّا لكون المباشر حيوانا أو صبيّا أو كان مختارا خارجا و لكنّه كان ملزما شرعا كالأمثلة المتقدّمة و ما يحذو حذوها فهنا مورد قاعدة التّسبيب و المتّجه في مثل ذلك عدم الرّجوع إلى المباشر أصلا فإذا أمر الحاكم الشّرعي النّافذ حكمه بقتل أحد فلو كان الحاكم جائرا في حكمه واقعا فالضّمان عليه دون المباشر للقتل لوجوبه عليه فهو في حكم غير المختار و إذا كان مستند حكمه شهادة شهود الزّور فالضّمان على الشهود دون الحاكم و الثالث ما إذا كان الفعل مستندا إلى المباشر و لكن كان الضمان المترتّب عليه مستندا إلى السّبب إمّا لكون أمره أمرا بالضّمان كمن أمر غيره بأن يضمن عن دينه و إمّا لكونه موقعا له في الضّمان كمن قدم إلى غيره طعاما ليأكله مجانا فتبيّن عدم كون الطعام له و المتّجه في ذلك تعلّق الضّمان أولا بالمباشر ثمّ بالسّبب برجوع المباشر إليه و على هذا القسم تنطبق قاعدة الغرور أيضا فارتفع التنافي بين كلامي المصنف

نعم يرد عليه المناقشة في المثال فإنّ ضمان ما يؤخذ بشهادة شاهد الزّور ليس من قبيل ضمان الغار فإنّه يجب على الحاكم الحكم على طبق الشّهادة فهو مسلوب الاختيار فيرجع في الضّمان إلى الشهود ابتداء و المثال المطابق للمقام هو ضمان المقدم طعام الغير فإنّ الضّمان على الأكل ابتداء و هو يرجع إلى المقدم و بالجملة إذا كان الفعل مستندا إلى السّبب فهو الضّامن دون غيره و إذا كان الفعل مستندا إلى المباشر و كان غير مقدم على ما يترتّب عليه من الضّمان كمن أكل طعاما بتغرير غيره أنّه له مجانا أو كان إقدامه على الضّمان بإزاء العوض كمن أمره المديون بأداء دينه بإزاء العوض أو ضمن دين غيره كذلك فلا يرجع إلى السّبب إلّا بعد أداء المباشر الغرامة

ثم إنّك بعد ما عرفت أنّ النبويّ الدالّ على رجوع المغرور إلى الغار معمول به بين الفريقين كالنّبوي الدالّ على ضمان اليد فضعفه بالإرسال لا يضرّ بالاستدلال لأنّ العمل يجبره مع أنّ الحكم في الجملة يستفاد من الأدلّة الخاصّة أيضا منها رواية جميل المذكورة في المتن و منها

ص: 296

الأخبار الكثيرة الواردة في النّكاح في باب التدليس و بعضها معلّلة بعلّة مطّردة قال قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة زوّجها وليّها و هي برصاء أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها و أنّ المهر على الّذي زوّجها و إنّما صار عليه المهر لأنّه دلّها و في بعضها علّل بالتّغرير كما في قوله ع و على الّذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غرّ الرّجل و خدعه

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى الأقوال في المسألة و قد اختار صاحب الحدائق ره عدم رجوع المشتري إلى البائع في الغرامة الّتي اغترمها للمالك مع عدم رجوع نفع إليه و لازم كلامه عدم رجوعه إليه فيما اغترمه في مقابل المنافع الّتي استوفاها بطريق أولى و مستنده سكوت الأخبار الخاصّة عن الرّجوع إلى البائع كخبر زريق و رواية زرارة مع أنّها في مقام البيان و لا يخفى أنّ إحراز كونها في مقام البيان من جميع الجهات مشكل بل الظّاهر كونها مسوقة لجواز رجوع المالك إلى المشتري لا رجوع المشتري إلى البائع فلا تعارض بين هذين الخبرين و بين رواية جميل مع أنّه لو أحرزنا كون هاتين الرّوايتين في مقام البيان من جميع الجهات فإن رواية جميل تقدّم عليهما لأنّهما غاية الأمر ظاهرتان في عدم الرّجوع إلى البائع و هي نصّ في الرّجوع إليه و اختار صاحب الرّياض عدم رجوعه إليه فيما اغترمه في مقابل المنافع المستوفاة و مستنده عدم ورود ضرر عليه لاستيفائه المنافع

و فيه أنّ المستند ليس منحصرا في قاعدة الضّرر بل عرفت عدم كونها مستندا هنا أصلا و إنّما المستند للرّجوع هو رواية جميل و الأخبار الواردة في باب النّكاح و قاعدة الغرور و لو منعنا عن كون حريّة ولد المشتري نفعا عائدا إليه إلّا أنّه لا ريب في أن الزّوج الّذي يرجع بالمهر الّذي يؤخذ منه إلى المدلّس انتفع بالبضع

و بالجملة يستفاد من الأخبار الخاصّة أنّ المدار في رجوع المغرور إلى الغار هو مجرّد ضمانه بما يؤخذ منه بسبب إلقائه الغار في الضّمان سواء انتفع أم لم ينتفع و سواء كان الضّمان هو زيادة القيمة على الثّمن أم غيرها ممّا خسره

فتحصّل ممّا ذكرنا أمور ينبغي التّنبيه عليها الأوّل أنّ مورد الرّجوع إلى السبب ابتداء غير مورد الرّجوع إليه في المرتبة الثّانية فإن مورد تعلّق الضّمان بالسبب ابتداء لا بالمباشر هو ما إذا لم يكن الفعل مستندا إلى المباشر إمّا لكونه غير ذي شعور كالطّائر و نحوه و إمّا لكون فعله كالعدم كالصبي و المجنون و إمّا لكونه واجبا عليه كالحاكم و من كان مأمورا من قبله و مورد تعلّق الضّمان ابتداء بالمباشر ثم بالسّبب في المرتبة الثّانية هو ما إذا كان الفعل صادرا منه بالاختيار من دون إكراه خارجي و لا لزوم شرعيّ غاية الأمر كان غيره ملقيا إليه في الضّمان إمّا لالتماس الضّمان منه و إمّا لتغريره له بما يوجب الضّمان

الثّاني أنّ ضمان السّبب في القسم الثّاني إنّما هو بعد أداء المباشر الغرامة و أمّا قبله فلا يؤخذ بالضّمان فليس للمغرور مطالبة الغرامة من الغار ابتداء كما أنّه ليس للضّامن مطالبة المضمون عن المضمون عنه في الضّمان العقدي و سيجي ء في مسألة تعاقب الأيدي أنّ ما يظهر من بعض عبائر القواعد من أنّ للضامن الرّجوع إلى المضمون عنه قبل أدائه المضمون إلى الدّائن لا وجه له

و بالجملة لو لم يرجع ذو الحقّ إلى المباشر فليس للمباشر الرّجوع إلى من ألقاه في الضّمان و هكذا ليس للضّامن قبل مطالبة الدّائن و أخذ الدّين منه الرّجوع إلى المديون المضمون عنه ثمّ من هذين الأمرين تبيّن أنّ مسألة حكم الحاكم من القسم الأوّل لا الثّاني و أنّ قاعدة الغرور من أحد مصاديق القسم الثّاني فإنّ السّبب للضّمان

ص: 297

لا ينحصر في جهل المباشر فإنّ الضّمان بالالتماس و الضّمان في تعاقب الأيدي من موارد القسم الثّاني

الثّالث أنّ الضّمان في القسم الثّاني لا ينحصر في موارد الضّرر على المباشر بل يضمن الغار ما اغترمه المغرور سواء انتفع أم لا لأنّ المدار في تحقّق الضّمان لما يضمنه الغير هو التغرير أينما تحقّق سواء استوفى المغرور نفعا كأكله الطّعام و استيفائه منافع ما اشتراه من الغاصب و نحو ذلك أو لم يستوف نفعا أصلا

و السرّ فيه عدم إقدام المغرور بضمان ما يستوفيه و إنّما ألقاه الغار في الضّمان فعلى هذا يجب على الغار غرامة ما يغرمه المغرور زائدا على القيمة المسمّاة حال العقد فإنّه و إن أقدم على أن يكون ضمان العين و تلفها منه إلّا أنّه أقدم على مقدار ما سمّاه من القيمة لا زائدا عليها فلو اشترى ما يسوي عشرين بعشرة أو اشترى ما يسوي عشرة بعشرة و لكنّه زادت قيمته و تلف فالزّائد على العشرة ليس ضمانه مسبّبا عن الإقدام بل عن التغرير فقرار ضمان الزائد على الغار مع أن مجرّد الإقدام لا يوجب الضّمان و إن قيل بأنّ المشتري أقدم على أن يكون ضمان العين عليه كما استند إليه الشّيخ في ضمان ما يضمن بصحيحه يضمن بفساده و قد ذكرنا ما فيه هناك

و بالجملة جميع ما يغرمه المشتري يرجع به إلى البائع الغار إلّا القيمة الّتي وقع المبيع بإزائها فإنّ خسارتها لم تنشأ عن كذب البائع و تغريره سواء كان في مقابل المنافع المستوفاة أم غيرها ممّا فات تحت يده أو ممّا صرفها بأمر المالك من بناء أو هدم أو غرس أو قلع و سواء كان بإزاء الأجزاء التّالفة أم الأوصاف كذلك و سواء كانت الأوصاف موجودة حال العقد و تلفت أم تجدّدت بعده ثم تلفت و سواء كان في مقابل زيادة القيمة عن الثّمن المسمّى حال العقد أم كان في مقابل القيمة الّتي زادت بعد العقد بل حال زيادة القيمة المتجدّدة و الصّفات الحادثة أولى بوجوب الرّجوع فيها إلى الغار لأنّه يمكن أن يقال إنّ المشتري أقدم على أن يكون التّلف من كيسه إذا كان التّالف موجودا حال العقد

و لكنّه لا يمكن دعوى الإقدام في الأمور المتجدّدة بعد العقد مع أنّ الإقدام على كون التّلف من كيسه فيما كان موجودا حال العقد ممنوع أيضا صغرى و كبرى لأنّه لم يقدم إلّا على ما يقابل الثّمن المسمّى مع أنّ الإقدام بنفسه غير موجب للضّمان لا سيّما إذا كان سببه الغير كما في المقام

و بالجملة لا ينبغي الإشكال في أنّ المشتري يرجع في الزيادة الّتي حصلت بعد العقد و اغترمها للمالك إلى البائع لأنه لم يكن ملتفتا إلى حصولها حتى يقال بأنه أقدم على أن يكون تلفها منه كما أنّ الرّجوع في زيادة القيمة الواقعية على القيمة المسمّاة أولى من الرّجوع إليه فيما اغترمه بإزاء المنافع المستوفاة لإمكان أن يقال باختصاص قاعدة الغرور بمورد الضّرر فما اغترمه بإزاء المنافع لا يرجع فيه إلى غيره و لكنّه لا يمكن أن يقال بعدم رجوعه إليه فيما اغترمه بإزاء زيادة القيمة فإنّه و إن لم يخسر واقعا لفرض كون قيمة المبيع زائدا على المسمّى فهما مشتركان في عدم الخسارة إلّا أن الالتفات إلى حصول المنافع غالبا موجب للإقدام على أن يكون تلفها منه بخلاف زيادة القيمة على المسمّى فإنّه لا يقدم عليها

ثمّ لا يخفى أنّ المصنف قدّس سرّه التزم بالفرق بين وصف الصّحة و غيره من الأوصاف فقال في الغرامة الّتي اغترمها بإزاء وصف الصّحة لا يرجع بها إلى البائع لأنّ هذا الوصف بمنزلة الجزء يسقط عليه الثّمن فتلفه على المشتري لأنّه أقدم عليه كإقدامه في الجزء و أمّا غير وصف الصّحة كالكتابة و نحوها فإذا اغترم لتلفه

ص: 298

يرجع به إلى البائع

و لكنّ الحقّ أنّ الأوصاف مطلقا لا يسقط عليها الثمن كالشّروط و لا ينافي ذلك ما يقال إنّ للوصف أو الشّرط قسطا من الثّمن لأنّ معناه أنّ قيمة العين تزداد بالوصف أو الشّرط لا أنّ مقدارا من الثّمن في الإنشاء العقدي يقابل الوصف أو الشّرط و هذا لا ينافي ثبوت الخيار بين الردّ و الأرش في العيب لما سيجي ء في باب العيب أنّ الأرش ثابت بالتعبّد لا من باب أنّ الثّمن يقسط على الوصف و الموصوف و إلّا وجب أن يكون الأرش من نفس الثّمن

قوله قدّس سرّه ثم إنّ ما ذكرنا كلّه من رجوع المشتري على البائع بما يغرمه إنّما هو إذا كان البيع المذكور صحيحا من غير جهة كون البائع غير مالك إلى آخره

اختصاص قاعدة الغرور في المقام بالعقد الّذي هو قابل للصّحة بإجازة المالك واضح فإنّه لو لم يؤثر إجازة المالك بأن كان العقد فاسدا من جهة فقد سائر الشّرائط أو وجود الموانع فالضّمان الحاصل فيه لا يستند إلى التغرير فإنّ الفساد من جهة أخرى هو أسبق العلل فلا كون البائع غير مالك هو منشأ الفساد و لا المجموع بالتشريك لأنّ العقد الفاسد من جهة كون البائع غير مالك بمنزلة وجود المانع و الفاسد من جهة أخرى بمنزلة فقد المقتضي فلا محالة يستند الفساد إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع لأنّه سواء كان البائع صادقا أم كاذبا كان المشتري ضامنا فلا وجه لرجوعه إلى البائع فيما اغترمه للمالك لو ظهر كذب البائع

و بالجملة مع فساد العقد من جهة أخرى فتمام ما يغرمه للمالك بمنزلة ما يغرمه بإزاء الثّمن المسمّى لو كان الفساد من جهة كون البائع غير مالك و قد عرفت أن كلّما يخسره على تقديري صدق البائع و كذبه فليس له الرّجوع إليه على تقدير كذبه

قوله قدّس سرّه ثم إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أن كلّما يرجع المشتري به على البائع إذا رجع إليه فلا يرجع البائع به على المشتري إذا رجع إليه إلى آخره

لا يخفى عليك أنّه بعد ما ظهر مناط التّسبيب بالضّمان و أنّه فرق بينه و بين التّسبيب بالفعل و أنّ سبب الفعل هو الضّامن لا غير دون الملقى في الضّمان فإنّ المباشر هو الضّامن ابتداء غاية الأمر أنّه يرجع بعد أداء المضمون إلى سبب الضّمان فمقتضاه أمران الأوّل أنّ في سبب الفعل ليس إلّا ضامن واحد و أمّا في سبب الضّمان فهناك ضامنان و الثّاني أنّه ليس للمالك ابتداء الرّجوع إلى السّبب بل هو يرجع إلى المباشر ثم يرجع المباشر إلى السّبب

فما أفاده قدّس سرّه من أنّه كلما يرجع المشتري به إلى البائع إذا رجع المالك إليه فلا يرجع البائع به إلى المشتري إذا رجع المالك عليه منحصر في بعض أقسام التّسبيب في الضّمان و هو مورد بيع الغاصب مع جهل المشتري دون سائر أقسام الضّمان فإنّه لو ضمن أحد بالتماس المديون دينه فالدائن يرجع إلى الضّامن دون المديون و هكذا في بعض موارد التّغرير و التّدليس كما إذا لم يتصرّف الغار في المال الّذي أتلفه المغرور أو تلف تحت يده فإنّ المالك أو الزّوجة يرجع ابتداء إلى المغرور دون الغار و المدلّس فهذه الكليّة المذكورة في المتن إنّما تجري في موضوع البحث

و حاصلها أنّه إذا رجع المالك إلى البائع في الغرامات الّتي لو رجع فيها إلى المشتري كان هو يرجع فيها إلى البائع لقاعدة الغرور فلا يرجع هو إلى المشتري لأنّ المفروض أنّ قرار الضّمان على البائع الغار فلا وجه لرجوعه إلى المشتري فيما أخذه المالك منه و أمّا ما لا يرجع فيه المشتري إلى البائع كمساوي الثّمن المسمّى على المختار أو مقابل المنافع على مختار الرّياض

ص: 299

فإذا رجع المالك إلى البائع فهو يرجع إلى المشتري لأن قرار الضّمان على المشتري لعدم جريان قاعدة الغرور فيه

و من هنا توجّه إشكال أشار إليه المصنف بقوله إن قلت و حاصله أنّ المفروض أنّ المبيع كان تحت استيلاء البائع و منه انتقل إلى المشتري و دخل تحت يده فإذا تلف فكما يكون المشتري ضامنا له و للمالك الرّجوع إليه فكذلك البائع ضامن له أيضا فإذا رجع المالك إليه فلا وجه لرجوعه إلى المشتري مع أنّه في عرض المشتري من جهة الضّمان فإنّ كلّا منهما وضع يده على المال و مقتضى قوله ص على اليد ما أخذت أنّه كالمشتري يجب عليه ردّ العين ما دامت باقية و بدلها لو صارت تالفة نعم لو أتلفها المشتري فقرار الضّمان من جهة قاعدة الإتلاف عليه

و أشار إلى جوابه

بقوله قدّس سرّه و توضيح ذلك يحتاج إلى الكشف عن كيفيّة اشتغال ذمّة كلّ من اليدين ببدل التّالف

لا يخفى أنّ ظاهر تمثيله المقام بباب الضّمان على مذهب الجمهور و نحو ذلك أنّه قدّس سرّه بصدد توجيه ثبوت ضمان مال واحد على شخصين أو أزيد عرضا

و التّحقيق أنّه لا يمكن ثبوتا كون المال الواحد في عهدة شخصين على نحو الاستقلال في عرض واحد بأن يجب تكليفا على كلّ منهما عينا الخروج عن عهدته و يتعلّق بذمّة كلّ منهما وضعا في عرض واحد فلو حدث سببان للضّمان في زمان واحد فلا بدّ للقائل بصحّته أن يكون الضّمان على كلّ من الضّامنين بنحو الاشتراك أو كون ضمان أحدهما في طول ضمان الآخر فلو ضمن شخصان في آن واحد عن مديون تمام ما في ذمته للدائن و رضي الدّائن بضمانهما دفعة أو رضي هو بضمان أحدهما و رضي وكيله بضمان الآخر في زمان واحد فعلى القول بالصّحة يكون الدّين في ذمّتها بالاشتراك لعدم إمكان تعلّق مال واحد بذمّة شخصين على أن يكون على كلّ منهما أداء تمام المال

و تصحيحه بنحو الواجب الكفائي إنّما يتمّ لو قلنا بأن أداء المال إنّما هو على نحو الواجب التّكليفي فيخاطب كلّ منهما بأن يجب عليك الأداء إن لم يؤدّه الآخر و أمّا لو كان الضّمان وضعيّا فلا يمكن تضمين كلّ منهما عرضا و لو بنحو تقييد الإطلاق بأن يقال أنت ضامن لو لم يضمنه الآخر فإنّ هذا لا محصّل له لأنّ نتيجة كون ضمان كلّ منهما في مورد عدم ضمان الآخر عدم ضمان كلّ منهما فعلا و على هذا فكلّما قيل بأنّه من هذا القبيل كدرك المبيع أو الثّمن أو ضمان الأعيان المضمونة أو ضمان الضّامن و المضمون عنه بناء على مذهب الجمهور من عدم انتقال الدّين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضّامن إمّا ممنوع صغرى أي ليس من هذا القبيل أو كبرى أي ليس بصحيح

أمّا درك المبيع أو الثّمن فهو عبارة عن ضمان شخص عن البائع للمشتري عهدة الثّمن إذا خرج المبيع مستحقا للغير أو ضمان شخص عن المشتري للبائع عهدة المبيع إذا خرج الثّمن مستحقّا للغير و معنى ضمانه أنّه لو تلف المضمون أو امتنع أخذه من المضمون عنه يكون عوضه على الضامن ففي مورد التّلف أو الامتناع لا تشتغل إلّا ذمّة الضّامن و في مورد البقاء و عدم الامتناع ليس المكلّف بالردّ و الضّامن إلّا المضمون عنه

نعم لو قيل بأنّ كلّا منهما في مورد البقاء ضامنان فيصير من قبيل اشتغال ذمّتين عرضا لمال واحد و هذا ممنوع جدّا بل غاية ما يمكن أن يقال أنّه يجب على الضّامن إلزام المضمون عنه بالردّ إلى المالك لا الضّمان الفعلي و بالجملة لو قيل بأنّ المال حين البقاء في عهدة الضّامن أيضا فمرجعه إمّا إلى لزوم إلزامه المضمون عنه و إمّا إلى أنّ ما للمالك في عهدة

ص: 300

المضمون عنه فهو في عهدة الضّامن أيضا و هذا ليس إلّا ضمانا طوليا كما سيجي ء توضيحه

و أمّا ضمان الأعيان المضمونة فحكمها حكم درك المبيع أو الثّمن فإنّ من ضمن عن المستعير في العارية المضمونة أو ضمن في مورد الغصب أو المقبوض بالعقد الفاسد فليس ضامنا مطلقا بل عند التّلف و في هذا الحال لا تشتغل إلّا ذمّة الضّامن و أمّا في مورد البقاء فمعنى ضمانها أن عليه إلزام المضمون عنه بالردّ إلى المالك و أمّا الضّمان على مذهب الجمهور في الدّيون فالأقوى فساده لما ذكر في محلّه من أنّه ينتقل الدّين بمجرّد الضّمان إلى ذمّة الضّامن

و حاصل الكلام أنّه يمتنع ثبوتا ضمان شخصين لمال واحد في زمان واحد على نحو الاستقلال عرضا و أمّا الضّمان طولا على أزيد من شخص واحد في زمان واحد فيمكن ثبوتا و دلّت عليه الأدلّة إثباتا

أمّا ثبوتا فلإمكان أن يكون كل واحد من الضمناء ضامنا لما يضمنه الآخر فتشتغل ذمّة أحدهم بما تشتغل ذمّة الآخر به أي يخرج من كيس أحدهم ما يؤدّيه الآخر و هذا النّحو من الضّمان يمكن أن يكون سببه العقد أو الإتلاف أو اليد فالعقد كالضّمان بالالتماس فإذا التمس المديون من شخص أن يؤدّي دينه و رضي الدائن به فالضّامن يصير ضامنا للدّين و الملتمس يكون ضامنا لما يؤدّيه الضّامن بمقدار ما يؤدّيه و الإتلاف كضمان الغار ما يغترمه المغرور و اليد كتعاقب الأيدي الغاصبة فالغاصب الأوّل ضامن للمالك ما يضمنه الثّاني أي يجب أن يخرج من كيس الثّاني ما يغترمه الأوّل فالغاصب الثّاني ضامن لما يضمنه الأوّل

و أمّا إثباتا فأدلّة هذه الأبواب تكفي لإثبات هذا المعنى أمّا مسألة الضّمان بالالتماس و الغرور فقد اتّضحتا في محلّهما و قد أشرنا نحن إلى مدركهما فالعمدة هي مسألة اليد و قبل توضيحها لا بأس بالإشارة إلى جهة اشتراك هذه الأبواب الثلاثة و جهة افتراقها أمّا الأثر المشترك بينها فهو أنّ الضّامن لما يضمنه الآخر ليس ضمانه فعليا بل يكون تقديريا أي ضامن على تقدير أداء الآخر و بمقدار ما يؤدّيه و أشرنا إلى أنّ ما أفاده العلّامة من كونه ضامنا على أيّ حال لا وجه له إلّا بإرجاع كلامه إلى أنّ عليه أن يلزم الآخر بالأداء

و كيف كان فالتّحقيق أنّ المديون لا يضمن للملتمس حقيقة إلّا بعد أدائه دينه و كذلك الغاصب الثّاني لا يضمن للغاصب الأوّل إلّا بعد أداء الأوّل نعم هو ضامن فعلا للمالك على ما سيجي ء و هكذا الغار ليس ضامنا للمغرور قبل أدائه المال و السرّ في ذلك هو ما أشرنا إليه و هو كونه ضامنا لما يضمنه الآخر و ملتزما بما يؤدّيه فما لم يؤدّ شيئا لا معنى لأن يكون ضامنا و قد تقدّم في أوّل البيع أن كلّما كان من قبيل الضّمان بالالتماس و هو استيفاء الأموال أو الأعمال بالأمر المعاملي الغير المبنيّ على التبرّع لا يضمن الآمر ما يأمر به إلّا بعد استيفائه العمل أي بعد عمل المأمور بأمره

و أمّا الأثر المختص ففي مورد الضّمان العقدي لا يتعدّد الضّامن للمالك لأنّ الدّين قبل قبول الملتمس الضّمان على عهدة المديون دون غيره و بعد قبوله فالدّين على عهدته لا غير لخروجه عن ذمّة الملتمس و أمّا الضّمان بالتغرير أو تعاقب الأيدي فكلّ من الغار إذا كان غاصبا و المغرور و كلّ واحد من الغاصب الأوّل و الثّاني ضامن للمالك بنحو الطّوليّة على ما سيجي ء

نعم بينهما فرق و هو أنّ المالك إذا رجع إلى الغار لا يرجع هو إلى المغرور بخلافه في تعاقب الأيدي فإنّ كلّ سابق يرجع

ص: 301

إلى اللّاحق بعد رجوع المالك إليه و السرّ فيه هو التغرير في الأوّل دون الثّاني بل قيل بفرق آخر بينهما و هو أن سبب ضمان الغار للمغرور متحقّق و إن كان ضمانه فعلا يتوقّف على رجوع المالك إلى المغرور بخلاف تعاقب الأيدي فإنّ سبب ضمان الثّاني للأوّل أيضا غير موجود بل الموجود هو ضمانه للمالك بمقتضى اليد

و لكنّ الحقّ عدم الفرق بينهما من هذه الجهة لأنّ الثّاني أيضا بالنّسبة إلى الأوّل كالغار بالنسبة إلى المغرور فإنّ الثّاني يضمن ما ضمنه الأوّل و الأوّل حيث إنّه ضامن للمالك فعلا و المفروض أن يد الثاني نشأت من يد الأوّل فسبب ضمان الثّاني للأوّل موجود و إن كان ضمانه الفعليّ له يتوقّف على أداء الأوّل بدل مال المالك إذا عرفت ذلك ظهر أنّه يمكن تعدّد الضّمناء لمال واحد إذا كان ضمان أحدهم في طول ضمان الآخر رتبة و إن كان في عرض الآخر زمانا فإنّ في تعاقب الأيدي اجتمع ضمان كلّ واحدة من الأيدي للمالك في زمان واحد و ضمان كل لاحق لسابقه

أمّا ضمان اللّاحق للسابق طولا فواضح لأنّ كيس اللّاحق مخرج لما ضمنه السّابق بمعنى أنّه لو أدّى السّابق بدل مال المالك فاللّاحق ضامن له لا مطلقا بل صحّ أن يقال إنّ الضّمان الفعلي على اللّاحق بالنّسبة إلى السّابق متأخر زمانا أيضا

و أمّا ضمانه للمالك فإنّه و إن كان بمقتضى اليد كالسّابق ضامن للمالك أيضا لأنّه كما يضمن الغاصب الأوّل مال المالك وضعا و يجب عليه الأداء تكليفا فكذلك الغاصب الثّاني إلّا أنه فرق بينهما و هو أنّه ليس الثّاني ضامنا للمال كضمان الأوّل له بل ضامن لمال هو في ذمّة الأوّل و عهدته و نتيجة هذا النحو من الضّمان هو وحدة ما يؤدّي عن المضمون ذاتا و حقيقة من دون تقييد إطلاق و إمكان هذا النحو من الضّمان لا إشكال فيه ثبوتا إنّما الكلام في نهوض الدليل عليه إثباتا

فإنّه قد يقال إنّ عموم على اليد بالنّسبة إلى جميع الأيدي بنسق واحد فكيف لا يضمن الثّاني للمالك على طبق ما ضمنه الأوّل و لكنّك خبير بأنّ دليل على اليد و إن كان عاما و كما يشمل كلّ يد عادية بالنّسبة إلى كلّ مال فكذلك يشمل جميع الأيدي المتعاقبة بالنّسبة إلى مال واحد إلّا أنّه قد يكون بين أفراد العام فرق من غير ناحية شمول العام لهذه الأفراد المختلفة و من غير احتياج إلى مئونة زائدة لشموله لها كما إذا نشأ الاختلاف من ناحية الأفراد فقد يكون مال زيد في عهدة عمرو و مال بكر في عهدة خالد و هكذا و قد يكون مال زيد في عهدة عمرو و أخذه بكر من عمرو و أخذه خالد من بكر و هكذا

فإذا كان من قبيل الأوّل فمعنى الضّمان عند العقلاء و العرف هو كون المال مجرّدا عن خصوصيّته الشخصيّة في عهدة الضّامن و بهذا المعنى يصحّ ضمان الأعيان فإنّ الالتزام بأنّ ضمان الأعيان الخارجيّة عبارة عن كونها عند التّلف على ذمّة الضّامن بلا موجب لأنّ الأعيان و إن لم تكن قابلة كالدّيون قابلة لأن تكون بنفسها في الذمّة كما لا يمكن أن تكون في الحسّ المشترك و لا في المتخيّليّة و لا في القوة العقلائيّة إلّا أنّها حال تجرّدها عن خصوصيّتها الشخصية قابلة لأن تكون في الذمّة أي العين بماليّتها الغير المتقدّرة بالقيمة في عهدة الضّامن و هذا اعتبار عقلائي و مال كلّي عرفي لا بأس بالتزامه و لا موجب لأن يقدّر الضّمان عند التّلف

و أمّا ما كان من قبيل الثّاني فاعتبار ضمانه عرفا أن يكون بدل المضمون واحدا ذاتا و فردا حقيقة لأنّ

ص: 302

الأوّل ضامن لما يكون مخرجه في ذمّة الثّاني و الثاني ضامن لما يضمنه الأوّل فالثّاني و إن كان ضامنا للمالك أيضا بإطلاق الدليل أو عمومه كالأوّل إلّا أن كلّ واحد ليس ضامنا مطلقا لأن حقيقة ضمان المال الّذي هو في عهدة الآخر و ذمّته أن لا يكون الضّمان مطلقا

و على كلّ تقدير فالضّمانان و إن اجتمعا في الزّمان بمقتضى عموم اليد إلّا أنّهما لم يجتمعا في الرتبة لأنّ الغاصب الأوّل ضامن للمالك ما يجب أن يؤخذ من الثّاني و ما في عهدة الثّاني هو الّذي ثبت في عهدة الأوّل فلم يجتمع الضّمانان عرضا كاجتماعهما على مذهب الجمهور فإنّهم أيضا و إن لم يلتزموا بضمان كلّ منهما مستقلا بحيث يرجع المالك إلى كليهما إلّا أنّهم قائلون بضمان كلّ منهما عرضا

و بالجملة لتعدّد الضمناء طولا آثار منها أنّ لازمه وحدة بدل المضمون خارجا بل حقيقته تضادّ الجمع في الوجود فلا يرد على أصحابنا بأنّهم التزموا بما التزم به الجمهور مع أنّهم يشدّدون النّكير عليهم حتى قال بعضهم باستحالته للفرق بين المسلكين في الطّوليّة و العرضيّة

و منها أن في باب تعاقب الأيدي إذا لم يكن الثّاني مغرورا من الأوّل إذا رجع المالك إليه لا يرجع هو إلى الأوّل لأن لازم ضمان الأوّل شيئا يجب تداركه على اللّاحق و ضمان اللّاحق شيئا كان في عهدة السّابق هو أن يرجع السّابق إلى اللّاحق دون العكس و هذا عكس قاعدة الغرور

و منها أنّه لا بأس بالتزام اجتماع الضّمانات المتعدّدة في زمان واحد كما هو مقتضى على اليد فإنّ في تعاقب الأيدي سواء كان هناك غرور أو لم يكن سبب الضّمان للمالك موجود في كل واحد من الضمناء فإنّ مقتضى وضع اليد من كلّ منهم على مال المالك أن يكون ذمته مشغولة بماله

نعم في الضمان العقدي لا يقتضي ثبوتا و إثباتا اجتماع ضمانين في زمان واحد فإنّ المديون الّذي هو ضامن للضامن كان أوّلا هو الضّامن للدّين و لم يكن الضّامن قبل ضمانه ضامنا و بعده برئ ذمته و صار الضّامن ضامنا لأن حقيقة ضمان شخص ما في ذمّة الآخر مع وحدة الدين أن لا يكون للمالك حقّ على المديون و لذا لو اشترط بقاء ذمّته يكون الشرط منافيا لمقتضى العقد و الكتاب و السّنة

قوله قدّس سرّه هذا حال المالك بالنّسبة إلى ذوي الأيدي و أمّا حال بعضهم بالنّسبة إلى بعض فلا ريب في أنّ اللّاحق إذا رجع إليه لا يرجع إلى السّابق إلى آخره

لا يخفى أنّه ظهر ممّا ذكرنا أمور أربعة الأوّل جواز رجوع المالك إلى كلّ من شاء من الأيدي المتعاقبة و وجهه هو تحقّق سبب الرّجوع في الجميع و هو اليد العادية و أنّ على اليد ما أخذت كما يشمل الأيدي المختلفة على الأموال المختلفة كذلك يشمل الأيدي المختلفة على المال الواحد كما هو شأن كلّ قضيّة حقيقيّة الثّاني أنّه لو رجع إلى أحدهم و أخذ عوض ماله منه ليس له الرّجوع إلى الآخر

و وجهه هو وحدة الحقّ و كون ما في ذمّة السّابق هو ما في ذمّة اللّاحق أي مخرج ما في ذمّة الأوّل ذمّة الثاني فليس هناك ذمّتان عرضيّتان الثّالث رجوع السّابق إلى اللّاحق لو لم يكن غارا له و لو لم يتلف المال عنده بل تلف عند غيره

و وجهه أن ذمّة اللّاحق مشغولة بما يجب خروجه عن ذمّة السّابق أي ذمّته مخرج لما يضمنه الأوّل فما يؤدّيه الأوّل يؤخذ من الثّاني لاشتغال ذمّته للمالك بماله بدل أي عهدة في ذمّة الأوّل فإذا رجع المالك إليه فهو لا يرجع إلى السّابق لعدم كونه مغرورا منه بالفرض و أمّا لو رجع المالك إلى السّابق فهو يرجع إلى الثّاني لأنه ضمن شيئا له بدل في ذمّة السّابق و البدل يجب أن يخرج

ص: 303

من الثاني و هذا هو المراد من البدل في كلام المصنف أي ما في ذمّة الأوّل في ذمّة الثاني فيضمن الأوّل ما يضمنه الثاني فقد ضمن اللّاحق شيئا له بدل أي عهدة كما أشار إليه بقوله قدّس سرّه فما يدفعه الثّاني فإنّما هو تدارك لما استقرّ تداركه في ذمّة الأوّل و ليس المراد من البدل بدل أصل المال نظير المنافع حتى يقال إنّ الثّاني و إن ضمن ماله بدل إلّا أنّ الأوّل كذلك أيضا لأنّ كلّ ما يضمن للمال في السلسلة الطّوليّة من المنافع و علوّ القيمة و البدل ثابت على السّابق أيضا فيصدق أنّ السّابق أيضا ضامن لما له بدل إلى آخر الإيرادات السّبعة المذكورة في حاشية السيّد الطّباطبائي قدّس سرّه و بالجملة غرض المصنف أنّ اللّاحق ضامن للمالك و للسّابق لأنّ ذمته مخرج لما يؤخذ من السّابق فهو يضمن على البدل إمّا نفس العين بما أنّها في ذمّة السّابق و إمّا ما يؤخذ من السّابق فلا يرد عليه أنّ كلّا منهما ضامنان للبدل و ذلك لأنّ الأوّل ليس ضامنا للثّاني فكيف يكون كلّ منهما ضامنين للبدل و بالجملة بعد ما عرفت من أنّ ورود المال من يد السّابق إلى يد اللّاحق يقتضي أن يكون اللّاحق مشغول الذمّة بما يؤخذ من الأوّل فمقتضاه أن يكون اللّاحق ضامنا للسّابق دون العكس و حيث إنّ المحشي قدّس سرّه حمل البدل على المثل أو القيمة الّذي يكون كلّ يد مشغولة له مشروطا بالتّلف أورد ثانيا بقوله إنّ ضمان العين الّتي لها بدل أي عوض في ذمّة الآخر لا يقتضي ما ذكره من ضمان واحد من البدل و المبدل كيف و البدل لم يتحقّق فيه سبب الضّمان إذ لم يثبت تحت يد الضّامن و لا أتلفه و لا غير ذلك فلا وجه لكونه مضمونا و دعوى كونه من توابع العين كما ترى إلى آخره و أنت خبير بأنّ غرض المصنف إثبات الضّمان الطّولي و بيان عدم اجتماع الضّمانين عرضا و أنّ يد اللّاحق ليست كيد السّابق ضامنا للمال مجرّدا عن خصوصية كونه في ذمّة غيره و توضيح ذلك مضافا إلى امتناع اجتماع الضّمانين عرضا و لو بنحو تقييد الإطلاق و الواجب الكفائي لما عرفت أنّ التّقييد إنّما يصحّ في التّكليف دون الوضع و مضافا إلى ما قيل و إن كان خلاف المختار أنّه لو لم يكن للمال خصوصيّة عند وضع السّابق يده عليه و حدثت عند اللّاحق فيضمنها اللّاحق دون السّابق و هذا يقتضي الاختلاف في كيفيّة الضّمان أن مقتضى عموم على اليد و انحلاليّته بالنّسبة إلى كلّ يد كما هو شأن كلّ عام أصولي في القضايا الحقيقيّة أن يكون يد السّابق مشغولة بالمال مجرّدا عن خصوصيّة كونه في ذمّة أحد و أمّا يد اللّاحق فلا يمكن أن يكون مشغولة بالمال مجرّدا لأنّ المفروض أنّ المال وصل إلى اللّاحق بعد اشتغال ذمّة السّابق به فشمول على اليد بالنّسبة إلى السّابق كشمول دليل حجيّة الخبر للخبر بلا واسطة بالنّسبة إلينا و شموله بالنّسبة إلى اللّاحق كشمول دليل الحجّية للخبر مع الواسطة فإنّه كما يثبت موضوع بتوسّط شمول فرد من الحكم لفرد من الموضوع و لا مانع من شمول فرد آخر من الحكم الانحلالي لهذا الموضوع المتولّد فكذا يثبت خصوصيّة للمال و اعتبار عقلائي له بتوسط شمول على اليد لليد الأولى فإذا عمّ فرد من الحكم اليد الثّانية مع الخصوصيّة الّتي نشأت من قبل شمول على اليد لليد الأولى فمقتضاه أن لا تكون اليد اللّاحقة ضامنة للمال مجرّدا عن الخصوصيّة كضمان اليد السّابقة بل هي تضمن العين للمالك بخصوصيّة كونها في ذمّة الأولى و هذه الخصوصيّة اعتبار عقلائي لا يمكن أن تجرّد اليد اللّاحقة عنها

ص: 304

إلّا بدليل خارجيّ و إلّا فمقتضى عموم على اليد ما أخذت و انحلاليّة القضيّة ثبوت هذه الخصوصيّة في ذمّة الثاني و هذا عين الضّمان الطّولي و العجب أنّ المحقّق الخراساني في حاشيته مع تصريحه بهذا المعنى في قوله و أمّا حديث جواز رجوع اليد السّابقة إلى اللّاحقة لو رجع إليها المالك المستلزم لكون قرار ضمان التّالف على من تلف عنده مع المساواة فيما هو سبب الضّمان فهو أيضا من آثار حدوث سبب ضمان ما كان في ضمان الآخر لواحد آخر و أحكامه عند العرف إلى آخر كلامه قدّس سرّه التزم بالضّمان العرضي في أوّل هذه الحاشية على نحو الواجب الكفائي

و قد عرفت أنّ تساوي اليدين في سبب الضّمان لا وجه له بل الأوّل يضمن المال مجرّدا و الثّاني بما أنه في ذمّة الآخر و هذا عبارة أخرى عن ضمان ما كان في ضمان الآخر و أمّا الأوّل فلا يضمن ما في ضمان الآخر بل يضمن المال مجرّدا

و بالجملة تعهّد شخصين لمال واحد عرضا بأن يكون ذمّة كلّ منهما ظرفا لمال واحد من المستحيل فإنه نظير ثبوت شي ء واحد في آن واحد في الأمكنة المتعدّدة فما يمكن ثبوتا هو التعهّدات الطوليّة و الذّمم المترتّبة و هذا هو مقصود المصنف فاندفعت الإيرادات السّبعة عنه لأنّ مبناها على كون مقصوده من البدل هو العوض مع أنّ مقصوده أنّ السّابق متعهّد للمال قبل اللّاحق و اللّاحق متعهّد لما في ذمّة الأوّل و عهدته فالمال الواحد في ذمم كثيرة بهذا النحو من الظرفيّة و هذا منشأ رجوع السّابق إلى اللّاحق دون العكس

ثمّ ممّا ذكرنا من أنّ ذمّة الثّاني مخرج لما في ذمّة الأوّل ظهر الأمر الرابع و هو أنّ السّابق ليس له الرّجوع إلى اللّاحق ما لم يخرج من وظيفته و قد ذكرنا أنّ هذا هو الأثر المشترك في جميع أبواب تعدّد الضّمناء لمال واحد

و كيف كان فما أفاده في الجواهر في وجه رجوع غير من تلف المال في يده إلى من تلف في يده من أنّ خطاب الثّاني بالأداء ذمّي و أمّا خطاب الأوّل تكليفيّ لا نعرف وجهه مع أنّ دليل الضّمان واحد في الجميع

هذا مضافا إلى ما أورد عليه المصنف قدّس سرّه من أنّه لو كان خطاب الأوّل مجرّد التّكليف لا الوضع لم يكن وجه لإجباره على دفع بدل المال أو دفع الحاكم عنه و تقديمه على الوصايا و نقل المالك البدل بالمصالحة و نحوها من غيره

ثم إنه كيف يملك غير من تلف المال في يده بأدائه بدل المال ما في ذمّة من تلف في يده مع أنّه لم يقم دليل على المعاوضة الشّرعيّة القهريّة بل و لو قلنا بما اختاره صاحب المقابس بأنّ من تلف العين في يده يملك العين التّالفة حين التّلف آنا ما بالملك القهريّ إلّا أنّ اطّراده في غير مورد التّلف لا وجه له لأنّه لم يقم دليل على أنّ كلّ غارم يملك العين الّتي غرمها أو بدلها الّذي في ذمّة الآخر فلا معنى للمعاوضة القهريّة

و بالجملة قد تقدّم سابقا أنّ باب الغرامات غير باب المعاوضات فالغارم لا يملك بغرامته شيئا و حاصل الكلام أنّ عمدة الإشكال في مسألة تعاقب الأيدي هو رجوع كلّ سابق إلى لاحقه إذا رجع المالك إليه و أمّا سائر الأحكام مثل أنّه لو رجع المالك إلى أحد فليس له الرّجوع إلى غيره ثانيا و عدم ثبوت حق للسّابق على اللّاحق قبل دفع الغرامة و عدم ثبوت حقّ اللّاحق على السّابق إذا رجع المالك إليه فهي من الأمور الواضحة و تقدّم وجه الجميع و وجه رجوع السابق إلى اللّاحق أيضا و هو أنّ اللّاحق يضمن ما في عهدة السّابق و هذا عبارة أخرى عن كون ذمّته مخرجا لذمّة السّابق

و الدليل

ص: 305

على ذلك إطلاق على اليد بالنّسبة إلى اليد اللّاحقة أي يشمل إطلاقه ضمان اللّاحق قبل خروج السّابق عن عهدة مال المالك و بعده و نتيجته أنّه لو رجع المالك إليه فهو يرجع إلى لاحقه دون سابقه لو كان هناك لاحق و لو رجع إلى السّابق فهو يرجع إليه لأنّه كان ضامنا على أيّ حال أمّا كونه ضامنا للمالك فلدخول المال تحت يده و أمّا كونه ضامنا للسّابق فلأنّ شمول على اليد لليد الأولى اقتضى كون خصوصيّة ما في اليد الأولى مضمونا على اليد اللّاحقة فتأمل في أطراف ما ذكرناه فإنّ هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام

ثمّ إنّ هنا فروعا ينبغي التّنبيه عليها الأوّل إذا تلف العين فإذا أبرأ المالك جميعهم فلا إشكال في سقوط حقّه إنّما الإشكال فيما لو أبرأ أحدهم فهل يبرئ الجميع أو خصوص ذلك أو التّفصيل بين السّابق عليه فيبرئ ذمّته و اللّاحق فلا وجوه وجه الأوّل هو وحدة الحقّ و إن كان سبب الضّمان متعدّدا و الإبراء يرجع إلى المسبّب فإذا أسقطه سقط عن ذمّة الجميع كما لو أخذ بدله من بعض و وجه الثاني أنّ الإبراء يرجع إلى السّبب فيسقط عن ذمّة خصوص من أبرأ ذمّته دون غيره و لا يخفى ضعف هذا الوجه و وجه الثّالث هو أنّ الحق و إن كان واحدا إلّا أنّ السّبب متعدّد و مقتضى إبرائه أحدهم أن يبرئ هو و من لا يمكن مع فراغ ذمته اشتغال ذمّته و ليس هو إلّا السّابق فإنّ ذمّته كانت مشغولة بما يكون مخرجه من اللّاحق فإذا أبرأ اللّاحق فلا يعقل بقاء الاشتغال للسّابق لأنّ معنى بقائه أن يكون مخرجه من اللّاحق و المفروض فراغ ذمّته بإبراء المالك إلّا أن يلتزم بعدم تأثير إبراء المالك في السّلسلة الطّوليّة بالنّسبة إلى واحد و هذا لا يمكن الالتزام به

و أمّا اللّاحق فبراءة ذمّة السّابق لا يستلزم عقلا براءة ذمّته و نحن اخترنا سابقا هذا التفصيل و وجّهناه بأنّ الإبراء ليس بمنزلة استيفاء الحقّ بل هو بمنزلة إعدام موضوع المطالبة من المبرإ عنه فإذا استلزم هذا الإعدام إبراء ذمّة واحد آخر كالسّابق فهو و إلّا لا وجه لسقوط حق المالك عن غير المبرإ عنه فعلى اللّاحق خروجه عن عهدة ما ضمنه للمالك و إن لم يكن ضامنا للسّابق

و بالجملة الإبراء ليس كالهبة و المصالحة و لذا وقع الخلاف في مسألة إبراء الزّوجة الزّوج الصّداق في أنّه لو طلّقها بعد ذلك قبل الدّخول فهل له المطالبة منها بنصف المهر أو ليس له و لم يقع الخلاف في جواز المطالبة لو وهبته أو صالحته كذلك و لا وجه لهذا الفرق إلّا من جهة أنّ الصّلح أو الهبة تمليك للزوج ما في ذمّته و إن كان أثره الإبراء لعدم معقوليّة تملّك الإنسان ما في ذمّة نفسه و أمّا الإبراء فهو إعدام الموضوع فحكم المبرإ عنه حكم أحد الشّخصين في الواجب الكفائي إذا تعذّر عليه التّكليف فإن سقوط التّكليف عن أحدهم لا يوجب سقوطه عن الآخر

و لكنّ الحقّ أنّ الإبراء أيضا كاستيفاء الحقّ في المقام لأنّ البرهان الجاري في السّابق على المبرإ عنه يجري في اللّاحق أيضا فإنّه كما لا يمكن مع فراغ ذمّة الوسط اشتغال ذمّة السّابق عليه فكذلك لا يمكن مع فراغ ذمّته اشتغال ذمّة اللّاحق لأنّ اللّاحق على ما قدمناه ليس في عرض السّابق عليه ضامنا للمالك بل هو ضامن للمالك ما في ذمّة سابقه أي ذمّته مخرج لذمّة السّابق فيستحيل مع فراغ ذمّة الوسط اشتغال ذمّة اللّاحق

و بعبارة أخرى

ص: 306

إذا فرضنا أنّ اللّاحق يضمن ما يضمنه السّابق لا غيره فكيف يبرئ ذمّة السّابق و لا يبرئ اللّاحق عليه فالحقّ أنّ الإبراء من واحد يوجب فراغ ذمّة الجميع الثّاني لو وهب المالك ما في ذمّة أحدهم أجنبيا أو صالحه بعوض أو مجّانا فحكم هذا الأجنبي حكم المالك في جواز رجوعه إلى أيّ واحد من الأيدي و أمّا لو وهب أو صالح واحدا من السّلسلة فلا إشكال في أنّ المالك يسقط حقّه من الجميع لأنّه مقتضى وحدة الحقّ إنّما الإشكال في أنّ المتّهب أو المتصالح من هذه السّلسلة هل هو كالأجنبي في جواز رجوعه إلى من شاء منهم أو كما يبرأ ذمّته لأنّ هذا أثر الهبة و الصّلح يبرأ ذمّة الجميع أو يبرأ ذمّة السّابق دون اللّاحق وجوه أقواها الأخير

أمّا براءة ذمّة الجميع فلا وجه له فإنّ المالك الأصلي و إن سقط حقّه من الجميع لانتقال الملك إلى غيره إلّا أنّه يقوم هذا المالك الفعلي مقام الأصليّ فله المطالبة من اللّاحق فإنّ المصالحة أو الهبة لها أثران إبراء المتّهب أو المتصالح و تملّكه المال فيرتّب عليها آثار الملكيّة فإذا كان اللّاحق ضامنا للسّابق الّذي هو ضامن لسابقه أو للمالك فإذا ملك الضّامن السّابق فله الرّجوع إلى الضّامن اللّاحق الّذي هو ضامن للضّامن

و أمّا براءة ذمّة السّابق عليه فلأنّ المتّهب أو المتصالح لم يكن حين وصول المال إلى السّابق مالكا فلا وجه لضمان السّابق و مجرّد تملّكه فعلا لا يقتضي جواز رجوعه إليه لأن تعاقب الأيدي يقتضي أن يرجع السّابق إلى اللّاحق لا العكس

و بالجملة مقتضى تملّك واحد من هذه السّلسلة ثبوت حق الرّجوع له إلى اللّاحق إلّا أن يقال إنّ مقتضى الملكيّة و إن كان ذلك إلّا أنّ هذا مختصّ بما إذا استقر الملك في ملكه و أمّا الملك التّقديري كما في المقام فلا أثر له إلّا الإبراء و إبراء واحد يقتضي إبراء الجميع كما هو المختار بل مقتضى ما تقدّم من أنّه لا تشتغل ذمّة اللّاحق للسّابق إلّا بعد أدائه الغرامة فالسّالبة هنا بانتفاء الموضوع لأنّ السّابق لم يغترم للمالك شيئا حتى يكون مخرجه ذمّة اللّاحق

نعم لو لم تكن المصالحة مجانيّة بل كانت بعوض فللمتصالح الرّجوع إلى اللّاحق لأنّ المال التالف أو بدله صار ملكا له فله الرّجوع إلى اللّاحق الثّالث إذا أقرّ أحدهم بالغصبيّة دون غيره فهو الملزم بأداء المال إلى المالك دون غيره و ليس له الرّجوع إلى لاحقه لإنكار اللّاحق بأنّ المال له و لو أقام مدعي الملك البيّنة عند الحاكم فحكم به فيرتب على ملكه جميع آثار الملكيّة لأنّ لوازم البيّنة حجّة فله الرّجوع على كلّ من وضع يده على ملكه إلّا أن يكون واحدا منهم غائبا فله الحجّة لإمكان جرحه الشهود هذا إذا كان وضع اليد على الملك معلوما و كونه ملكا للمدّعي مشكوكا فأثبته عند الحاكم

و أمّا إذا كان الوضع مشكوكا فلا بدّ من إثباته أيضا فيمكن له المرافعة مع غير واحد ثم إنّ هذا كله حكمه رجوع المالك إلى كلّ واحد و أمّا رجوع السّابق إلى اللّاحق فلو كذّب الشهود و أنكر الحكم و ادّعى أنّ المال له فليس له الرّجوع إلى اللّاحق لو باعه منه أو وهبه إياه و نحو ذلك و لو رجع المالك إلى اللّاحق فلو أنكر الحكم و ادّعى أنّ المال للسّابق فإذا أعطاه بدله فليس له الرّجوع إلى البدل كما أنّه ليس له الرّجوع إليه بالنّسبة إلى الغرامة الّتي اغترمها للمالك هذا إذا ثبت الحقّ بالإقرار و البيّنة و حكم الحاكم

و أمّا إذا وصلت النّوبة إلى الحلف فتارة يحلف واحد منهم و أخرى يحلف المدّعي بردّ المنكر أو الحاكم فإذا حلف واحد

ص: 307

منهم فالأقوى سقوط حقّ المدعي عن الجميع سواء قلنا بأنّ الحلف يذهب حقّ المدّعي واقعا أم قلنا بأنّه يذهبه ظاهرا لأنّ هذا النزاع لا أثر له في المقام بل إنّما يؤثر في مسألة التّقاص و إقرار الحالف على خلاف حلفه و نحو ذلك لأنّه على كلا القولين يرفع الخصومة و يقطع الدعوى فلا يمكن للمدّعي بعد حلف واحد منهم الرّجوع إلى غيره لأنّه لو رجع إلى السّابق فهو لا محالة يرجع إلى الحالف و مع حلفه لا يمكن اشتغال ذمّته و لو رجع إلى اللّاحق فاللّاحق لا يشتغل ذمّته إلّا بما هو في ذمّة سابقه و المفروض براءة ذمة سابقه فيقتضي براءة ذمّة أحد السّلسلة براءة الجميع و ليس له الترافع مع غيره

و أمّا لو حلف المدّعي فلا شبهة في ثبوت حقّه على الرّاد و إنّما الإشكال في ثبوت حقّه على غيره فقد يبتني المسألة على أنّ حلف المدّعي بمنزلة البيّنة فله الرّجوع إلى كلّ واحد أو بمنزلة الإقرار حتّى يختصّ بالراد دون غيره و لكن الحقّ أنّه أصل برأسه و لازم ذلك عدم جواز رجوعه إلى غير الرّاد لأنّ ردّه اليمين على المدّعي لا يلازم ثبوت حقّ له على غيره

نعم لو قيل هنا بجواز رجوعه إلى اللّاحق دون السّابق و كذا رجوع الرادّ في الغرامة الّتي اغترمها إلى اللّاحق دون السّابق فله وجه لأن حكم مسألة الإثبات بالحلف عكس حكم مسألة الإسقاط بالإبراء فلو قلنا بالتّفصيل في مسألة الإبراء فالتّفصيل جار هنا أيضا غاية الأمر عكس التّفصيل السّابق فراجع و تمام الكلام موكول إلى مبحث القضاء

الثّالث لو رجع المال من يد اللّاحق إلى السّابق فتلف في يده فلا شبهة في جواز رجوع المالك إلى كلّ منهما إنّما الكلام في أنّه لو رجع إلى السّابق الّذي تلف المال في يده فهل له الرّجوع إلى اللّاحق بمقتضى ما تقدم من أنّ كلّ سابق يرجع إلى لاحقه أم لا الحقّ هو الأخير لأنّ وجه جواز رجوع كلّ سابق إلى لاحقه هو ما تقدم من أنّ ما يخسره على اللّاحق و هنا انعكس الأمر لأنّ السّابق صار لاحقا بأخذه ثانيا فإنّه و إن لم يضمن للمالك ضمانا جديدا إلّا أنّه صار ضامنا للضّامن فيصير هو محلّا للخسارة فلا يمكن أن يرجع هو إلى غيره بل لو رجع المالك إلى اللّاحق فهو يرجع إلى السّابق الّذي صار لاحقا و هذا واضح

[مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه]

قوله قدّس سرّه مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه فعلى القول ببطلان الفضولي فالظّاهر أنّ حكمه حكم ما يقبل الملك مع ما لا يقبله إلى آخره

لا إشكال فيما ذكره قدّس سرّه فإنّه لو قيل ببطلان الفضولي يكون ضمّ مال غيره إلى مال نفسه و بيعهما صفقة حكم ضمّ الخمر إلى الخلّ فإنّ الإشكالين المذكورين فيه من أنّه من بيع المجهول و من عدم وقوع ما قصد و عدم قصد ما وقع جاريان فيه و دفعهما مشترك و على فرض صحّة تلك المعاملة فضمّ مال غيره إلى مال نفسه أولى بالصّحة لورود النّص الصّحيح فيه و هو صحيحة صفّار المتقدّمة و قيام الإجماع الصّريح على صحّته و لو قيل بصحّة الفضولي فلا إشكال في الصّحة مع الإجازة و إنّما الكلام في صحّته مع الردّ

و يظهر من المصنف قدّس سرّه أنّ في صورة الردّ لا ملازمة بين هذه المسألة و مسألة بيع ما يقبل التملّك و ما لا يقبله لأنّه يمكن القول بالصّحة في المقام دون تلك المسألة و ذلك لأنّ الإشكالات الواردة في تلك المسألة ورودها في المقام أضعف فإنّ الإشكال فيها منحصر في ثلاثة الأوّل اعتبار وقوع الإنشاء فيما يقبل التملّك أي يشترط في العقد أن يكون عوضه ممّا يقبل التّمليك و التملّك الثّاني أن التّراضي

ص: 308

وقع على المجموع الّذي لم يمضه الشّارع فما قصد لم يقع و ما أمضاه الشّارع لم يقصد الثّالث ورود الغرر بمعنى الجهل في ثمن المبيع

و لا شبهة أنّ الإشكال الأوّل لا يجري هنا فإنّ المبيع ملك و يقبل التّمليك و التملّك إلّا أن يعتبر شرط آخر في الإنشاء و هو اعتبار وقوعه من المالك أو وكيله دون الفضولي و هذا يرجع إلى القول ببطلان الفضولي و كلامنا مبني على الصحّة فبناء عليها لا يرد الإشكال الأوّل و كذلك الثّاني أيضا فإنّ الشّارع أمضى التراضي بالمجموع غاية الأمر جعل اختيار بعض المبيع بيد مالكه فلا إخلال فيه من جهة الإنشاء العقدي و الثّالث وروده في المقام أضعف لأن في تلك المسألة يتوقّف التّقسيط على فرض ماليّة للخمر مثلا بخلاف المقام فإنّه مال حقيقة

و بالجملة بناء على ما سيجي ء في محلّه من أنّه لا إشكال في الصّحة فيما لو جمع بين مختلفي الحكم كالخمر و الخلّ أو الحيوان مع غيره فلا إشكال أيضا في بيع مال الغير مع مال نفسه لأنّه ينحلّ العقد بالنّسبة إلى كلّ جزء إلى ما يقتضيه حكمه و لا يرد أيضا إشكال كون البيع أمرا بسيطا فكيف ينحلّ إلى جزءين لأنّ بساطة البيع لا يلازم بساطة المبيع أي المنشأ به فإنّ الانحلال في المقام نظير انحلال التّكليف بالمركّب الارتباطي بالنّسبة إلى أجزائه و شروطه فردّ الغير لا يضرّ بصحّة بيع مال نفسه غاية الأمر أنّه لو لم يعلم المشتري بكون بعض المبيع مال الغير يثبت له الخيار من جهة تخلّف الشّرط الضّمني و هذا بخلاف ما إذا كان عالما به فإنّه مع علمه لا معنى لأن يشترط على البائع انضمام بعض الأجزاء إلى الآخر لأنّه شرط غير مقدور

و بالجملة مع العلم لا يصحّ الشرط فلا خيار لا أنّه يسقطه و إنّما الخيار له مع الجهل بناء على ما سيجي ء من أنّ تخلّف الشّروط الضّمنيّة و الصّريحة موجب للخيار و على هذا فقد يثبت الخيار للبائع أيضا إذا كان جاهلا بأنّ بعضه مال الغير أو اعتقد كونه مأذونا من قبله لتبعّض

ثم إنّ صحّة البيع في مفروض المقام مقيّدة بما إذا لم يلزم من التّبعيض محذور آخر كلزوم الربا و نحوه من بيع ما لا يقدر على تسليمه و من بيع المجهول فإذا باع دينارا من ماله مع درهم من غيره بدرهمين و دينارين و رد مالك الدّرهم فسد المعاملة رأسا لأنّ ما بإزاء ديناره حين التقسيط أزيد من الدينار و الرّباء تفسد المعاملة و لو في باب الغرامات فضلا عن مثل المقام الذي يكشف الردّ عن وقوع المعاملة الرّبوية من أوّل الأمر و حكم الرّباء في المعاملات حكم القياس في الأحكام و الرّياء في العبادات

و إذا باع عبده الآبق مع ضميمة من مال غيره فلو ردّ الغير يقع العبد مبيعا بلا ضميمة فيفسد و إذا باع الموصى له العبدين اللّذين أوصى الميّت بكون أحدهما له بعد الموت فردّ الورثة يلزم كون المبيع مبهما

و بالجملة كلّ شرط اعتبر في المعاملة استمراره من أوّل وقوع العقد إلى حين التّقسيط لو فقد يوجب بطلان المعاملة و أمّا لو لم يعتبر استمراره بل كفى وجوده حين التّسليم أو حين العقد فالمدار وجوده على نحو ما اعتبر و لا ينبغي الإشكال في أنّ المدار في اعتبار العلم في العوضين كونهما معلومين حين العقد فلا يضرّ الجهل حين الردّ فلو باع عبدين فلا فرق في الصّحة بين أن يكون عبده معلوما و ضمّه إلى عبد غيره المعلوم أو المجهول و أن يكون عبده مجهولا و ضمّه إلى عبد غيره المعلوم أو المجهول لأنّ العبدين معلومان من حيث المعاوضة و إن كان مال نفس

ص: 309

البائع مجهولا في مثل الوصيّة قبل تعيين الموصى به فإنّ الجهل بعين المال لا يضرّ في مقام التّقسيط لأنّ المشتري يقوم مقام الموصى له فكما كان له أحد العبدين اللّذين يعين أحدهما بالقرعة أو بتعيين الورثة أو غيرهم ممّن ينفذ تعيينه كان لمشتري أحدهما ذلك أيضا

و بالجملة لو كان مدار الصّحة على معلوميّة ما وقع عليه البيع فالمبيع في كلتا الصّورتين معلوم لأنّ البيع وقع على مجموع العبدين و هما معلومان و ثمنهما أيضا معلوم و حين التّوزيع أيضا يعين المبيع و يتبيّن مقدار ما وقع من الثّمن بإزائه و لا دليل على اعتبار استمرار العلم من حين البيع إلى زمان تسليم المبيع إلى المشتري

و كيف كان سواء قلنا باعتبار الشّروط دائما أم حين البيع أم حين التّسليم فليس بيع المال الزّكوي قبل إخراج نصابه من مسألة بيع مال نفسه مع مال غيره و لو قلنا باشتراك الفقراء مع من عليه النصاب في المال الزّكوي لأنّ ولاية الإخراج على أيّ حال لمن عليه الزكاة فردّ الفقراء لا يؤثر في البطلان إلّا إذا ماطل المالك في إخراجها فللسّاعي أن يتبع مقدار الزّكاة أينما وجده فإذا أخذه من المشتري فله استرجاع الثّمن بالنّسبة

ثم إنّ مقتضى مقابلة مجموع المبيع بمجموع الثّمن أن يفرّق الثمن على أجزاء المبيع بقيمتها الواقعيّة فيرد على المشتري ما يقابل مال الغير و طريق التّوزيع في القيمي غير طريقه في المثلي أمّا في القيميّ فيظهر من مجموع الكلمات أنّه على أنحاء ثلاثة الأوّل ما اختاره المصنف تبعا للإرشاد و هو أن يقوم كلّ منهما منفردا فيؤخذ لكلّ واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين فإذا باع مجموع المالين بثلاث دنانير و قوم مال الغير بأربع دنانير و مال البائع بدينارين فيرجع المشتري بثلثي الثّمن الثّاني ما يظهر من الشّرائع و اللّمعة و هو أن يلاحظ قيمة المجموع ثم يقوّم أحدهما ثم تنسب قيمته إلى قيمة المجموع الثالث ما اختاره السيّد الطباطبائي في حاشيته و هو أن يقوّم كلّ منهما منفردا لكن بملاحظة حال الانضمام لا في حال الانفراد ثم يؤخذ لكلّ واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين

و لا يخفى أنّ طريق التوزيع في الصّور المتعارفة هو ما ذكره المصنف و توضيح ذلك أن هيئة الاجتماع قد لا توجب زيادة في قيمة كلّ من المالين و لا نقيصة فيها و هو الأغلب و على هذا ينطبق جميع أنحاء التّقويم لأنّه إذا ضم عبد غيره إلى عبده و باعهما اثني عشر دينارا فسواء قوّم كل منهما منفردا و نسب إلى مجموع القيمتين و أخذ لكل واحد جزء نسبته إلى الثّمن كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين أم لوحظ قيمة المجموع ثم قوم أحدهما ثم نسب قيمته إلى قيمة المجموع و سواء على الأوّل قوّم كلّ منهما منفردا بملاحظة حال الانضمام أو حال الانفراد لا يتفاوت الصّور في الأثر لأنّ المفروض أنّ انضمام عبد إلى عبد لا يوجب زيادة و لا نقيصة بالنسبة إلى قيمة كلّ منهما منفردا

و على هذه الصّورة المتعارفة يمكن حمل عبارة الشّرائع و اللّمعة و نحوهما و قد توجب زيادة في قيمة كل منهما كمصراعي الباب و فردتي الخفّ و قد توجب نقصا في كلّ منهما كضم جارية مع أمّها و هاتان الصّورتان أيضا كثيرتان إذا صارت هيئة الاجتماع موجبة للزّيادة أو النّقصان بالسّوية و هنا صور نادرة و هي ما إذا صارت هيئة الاجتماع موجبة لزيادة قيمة أحدهما دون الآخر أو موجبة لزيادة قيمة أحدهما و نقص الآخر ثم فيما إذا صارت موجبة لزيادة قيمة كلّ منهما أو لنقيصة كلّ منهما قد توجبهما كذلك بالسويّة و قد

ص: 310

توجبهما كذلك بالاختلاف

و على أيّ حال لا ينطبق كيفيّة تقسيط ظاهر الشرائع و اللّمعة إلّا على ما لا يوجب الضّم نقصا و لا زيادة و لا ينطبق كيفية تقسيط المصنف إلّا على ما يوجب الضّم زيادة أو نقيصة في كل منهما بالسويّة و إنّما لا ينطبق على صور الاختلاف و لم يزد قيدا في الكلام حتّى يشملها أيضا لخروجها عن الصّور المتعارفة و ندرتها جدّا فتدبّر جيّدا

و أمّا في المثلي فقوله قدّس سرّه في كيفيّة التّقسيط فيه لا يصحّ بإطلاقه لا في المشاع و لا في المفروز لإمكان أن يكون المثليّ مشاعا و مع ذلك تتفاوت قيمة حصّة كلّ منهما بتفاوت الحصّتين في المقدار كان يكون لأحدهما تسعة أمنان من الحنطة و للآخر منّ و ليس دائما قيمة من واحد تسعا لتسعة أمنان و إن كان كلّ منهما في الجودة و الرّداءة مثل الآخر كما هو المفروض على الإشاعة و لإمكان أن يكون المثلي مفروزا و يكون مع ذلك كلّ من النّصيبين من كومة واحدة و صبرة خاصّة فيجب أن يقابل كلّ من حصّتي البائع و المشتري بما يخصّه من الثّمن فيكون كالمثليّ المشاع لا كالقيميّ و لعلّ قوله فافهم إشارة إلى ذلك

[مسألة لو باع من له نصف الدّار نصف تلك الدّار]

قوله قدّس سرّه مسألة لو باع من له نصف الدّار نصف ملك الدّار

لا يخفى أنّ ظاهر العنوان اختصاص مورد البحث بما إذا علم بأنّ البائع لم يقصد من قوله بعتك نصف الدّار إلّا مفهوم هذا اللّفظ و أمّا لو علم بأنّه أراد من النّصف شيئا معيّنا من نصفه المختص أو نصف غيره أو النّصف المشاع في الحصّتين و اشتبه المراد فخارج عن موضوع البحث مع أنّه لا شبهة في تعميم النّزاع لأنّه إذا حمل النّصف على الإشاعة أو على النّصف المختص فيما إذا علم بأنّه لم يقصد من قوله بعتك نصف الدّار إلّا مفهوم هذا اللّفظ إجمالا و هو ما ارتكز في أذهان النّاس فليحمل على هذا أو ذاك فيما علم أنّه أراد شيئا معيّنا و اشتبه المراد لأنّ الظّهورات النوعيّة و المرتكزات الذهنيّة طرق لإحراز المراد فلا فرق بين الصّورتين

بل يظهر عن بعض أنّ موضوع البحث هو الصورة الثّانية و أمّا إذا لم يقصد إلّا مفهوم هذا اللّفظ فيكون باطلا لعدم تعيين المبيع و لكنّك خبير بأن الجهل هنا لا يتطرّق إلى المبيع بل إلى المالك و قد تقدّم أنّه لا يضرّ الجهل به

و كيف كان الظّاهر تعميم موضوع البحث و الظّهورات اللّفظيّة متبعة في كلا المقامين و لذا يتمسّك بظاهر عبائر الأسناد المعمولة للوصيّة و الوقف و نحو ذلك ثم هل يختصّ موضوع البحث بما إذا كان نصيبه مشاعا في مجموع الدّار و أمّا في صورة الإفراز فيحمل النّصف على نصف المجموع أو يعمّ الصّورتين ثم هل يختصّ النزاع بما إذا كان البائع أجنبيّا بالنّسبة إلى النّصف الآخر بحيث لو تعلّق قصد بيعه بنصيب الآخر أو بنصف نصيبه أو حمل اللّفظ عليهما في صورة عدم القصد كان البيع فضوليا أو يعمّ ما إذا كان وليّا أو وكيلا في نصيب الآخر سيجي ء في طيّ المبحث أنّ بعض الوجوه و إن لم يجر على هذين الفرضين إلّا أنّه يجري فيهما بعض آخر

فالأقوى تعميم النزاع من الجهات الثّلاث فلو كان الدّار مشاعة و كان البائع أجنبيا فالأقوى في كلا المقامين حمل النّصف على نصفه المختص لا على الإشاعة و لا على خصوص نصف الشّريك أمّا عدم حمله على تمام نصيب الشّريك فلأنّه مفروغ عنه في المقام لأنّ قصد الغير يتوقّف على مئونة و ليس هنا ما يدلّ على نصيب الغير فيبقى في المقام الوجهان الأوّلان أوّلهما حمله

ص: 311

على نصفه المختصّ للوجهين المذكورين في المتن الأوّل ظهور الفعل أي التصرّف في التصرّف فيما يملكه و يختصّ به و الثّاني ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه فإنّ مال الغير إذا كان متعيّنا في الخارج فصحّة بيعه لا يتوقّف على تعيين مالكه و أمّا في المقام و بيع الكلّي في الذمّة فلو لم يعين الغير حمل على ملك نفس البائع و لا يعارض هذين الظهورين ظهور لفظ النّصف في الإشاعة لأنّه ظهور إطلاقيّ ينشأ من انتفاء ما يوجب التّعيين فإذا قامت قرينة على التّعيين و هي هذان الظّهوران ارتفع موضوعه كما هو الشّأن في ارتفاع موضوع كل محكوم بالدّليل الحاكم هذا هو الوجه الأوّل

و أمّا الثّاني فهو حمل النّصف على الإشاعة كما أفاده في المتن و يكون هذا معارضا لظهور الفعل في تمليك مال نفسه و ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه و يقدم عليهما لقرينيّته عليهما لكون ظهور النّصف في الإشاعة من باب ظهور القيد كما سيظهر منه فيما إذا كان البائع وكيلا أو وليا

و لكنّك خبير بأن ظهور النّصف في الإشاعة ليس إلّا من جهة انتفاء ما يوجب التّعيين فيرتفع بأدنى ظهور على خلافه و هو ظهور مجموع الكلام في النّصف المختصّ و بالجملة فالحقّ أنّ النّصف ليس ظاهر في الإشاعة لا من حيث الوضع و لا من حيث الانصراف و إنّما يحمل عليها في باب الإقرار و نحوه من جهة انتفاء ما يوجب التّعيين فإذا وجد قرينة على التّعيين فلا موجب للحمل عليها و ليست القرينة كون الفعل و هو لفظ بعت ظاهرا في البيع لنفسه بل مجموع الجملة و هو ظهور واحد

فلا يقال إن ظهور المتعلّق و هو النّصف يصلح قرينة على الفعل كما أن ظهور أحد في قوله لا تضرب أحدا في الأحياء قرينة على أنّ المراد من الضرب هو الضرب المولم فإنّ هذا مضافا إلى عدم كونه مطّردا لإمكان أن يكون الفعل قرينة على المتعلّق كما في قوله ع لا تنقض اليقين بالشكّ فإنّ ظهور النّقض في تعلّقه بأمر مبرم و هو مورد الشكّ في الرافع أقوى من ظهور اليقين في الأعمّ و لذا لا نقول بحجيّة الاستصحاب في الشكّ في المقتضي يرد عليه أنّ القرينة على التعيين مجموع الجملة لا خصوص الفعل بمعناه اللّغوي و لا إنشاء البيع منضمّا إليه و على هذا فلا فرق في لزوم العمل على ظهور الجملة بين وجود لفظ النّصف كما في المقام و عدمه كما لو قال بعت غانما و كان غانم مشتركا بين عبده و عبد غيره

فقياس فخر المحقّقين المقام على مسألة العبد في محلّه لأنّ المدّعى مشترك مع مسألة العبد من الجهة الّتي ندّعيها فبناء عليه لو كان البائع أجنبيّا و كان نصف كلّ منهما مفروزا فليحمل على نصفه المختصّ لأنّه نظير مسألة العبد و مجرّد إمكان انطباق النّصف على ملك الأجنبي لا يوجب أن يتردّد الأمر بين أحد النّصفين و هذا واضح

و أمّا لو كان البائع وكيلا أو وليّا في النّصف الآخر فيظهر من المصنف قدّس سرّه أنّ في كونه كالأجنبي وجهان و مراده من أحد الوجهين كون الشّريك للموكل أو المولى عليه كالأجنبي في جريان الاحتمالين و فيه من الآخر تعيّن الإشاعة لأنّه لو كان المعارض لظهور النّصف في الإشاعة ظهور النّصف في مقام التصرّف في النّصف المختص و ظهور البيع من حيث الإنشاء أيضا في النّصف المختص أو كان المعارض خصوص الأخير يكون الولي أو الوكيل كالأجنبي في جريان الاحتمالين فيهما لأنّه و إن كان قد تصرّف فيما له الولاية فيه إلّا أن ظهور البيع في البيع للنّفس يكفي للمعارضة

ص: 312

و أما لو كان المعارض لظهور النّصف في الإشاعة خصوص ظهور التصرّف فيما له التصرّف فيه فيتعيّن الإشاعة فيهما لأنّ الوكيل أو الوليّ قد تصرف فيما له التصرّف فيه

قوله قدّس سرّه الأقوى هو الأوّل إلى آخره

يعني الأقوى أنّ المعارض لظهور النّصف في الإشاعة هو الظّهور الأوّل لا كلاهما و لا الثاني فيتعيّن الاشتراك هنا لأنّ المعارض الأوّل لا يعارض في المقام و المعارض الثّاني غير قابل للمعارضة إمّا لأنّ ظهور البيع في البيع للنفس يكون من باب الإطلاق فيكون ظهور النصف في النّصف المشاع مقيدا له و إن كان ظهوره في المشاع أيضا من باب الإطلاق لحكومة إطلاق النّصف في النّصف المشاع على إطلاق البيع في البيع للنّفس و ليس هنا إطلاق حاكم أو وارد على ظهور النّصف في النّصف المشاع

و ما ذكره الشّهيد الثّاني من عدم قصد الفضولي مدلول اللّفظ و إن كان مرجعه إلى ظهور حاكم على ظهور النّصف في النّصف المشاع لأنّ حاصل كلامه أنّه لو حمل على الإشاعة كان البائع فضوليا و الفضولي غير قاصد للمدلول و عدم قصد المدلول خلاف ظاهر كلام المتكلّم فيحمل على الأصالة حتى لا يلزم خلاف ظاهر كلام المتكلّم إلّا أن كلامه لا يجري في مفروض المقام من كون البائع وليّا أو وكيلا لأنّ القصد موجود فيهما

و بالجملة ظهور النّصف في الإشاعة يقيّد إطلاق البيع لكونه صالحا للتّقييد و إمّا لأنّ ظهور البيع في البيع للنّفس من باب ظهور الفعل و ظهور النّصف في النّصف المشاع من باب ظهور المتعلّق و ظهور المتعلّق يصلح للقرينيّة على الفعل هذا غاية توجيه ما اختاره قدّس سرّه و قد ظهر ممّا تقدّم أنّ الأمر بالعكس و أنّ ظهور البيع في البيع للنفس مقدّم على ظهور النّصف في النّصف المشاع و قد تقدّم أنّ كلا من الفعل و المتعلّق صالحان للقرينيّة على الآخر و لم يحرز قرينيّة المتعلّق للفعل كإحراز قرينيّة يرمي للأسد حتى يقال بحكومة أصالة الظّهور في طرف القرينة على أصالة الظّهور في ذي القرينة

ثم إنّ هذا كلّه مبني على ظهور النّصف في النّصف المشاع و لكنّه قدّس سرّه رجع عنه ثانيا

فقال إلّا أن يمنع ظهور النّصف إلّا في النّصف المشاع في المجموع و أمّا ملاحظة حقي المالكين و إرادة الإشاعة في الكلّ من حيث إنّه مجموعهما فغير معلومة إلى آخره

و حاصله أنّ النّصف و إن كان ظاهرا في الإشاعة إلّا أن الإشاعة لا تقتضي الإشاعة في الحصّتين حتى يكون المبيع ربعا من حصّة نفسه و ربعا من غيره بل مقتضى الإضافة إلى الدّار هي الإشاعة بالنّسبة إلى المضاف إليه لأنّ الإشاعة في المضاف تابعة للمقصود من المضاف إليه و المفروض أنّه لم يعلم قصد البائع أو لم يقصد إلّا مفهوم هذا اللفظ أي بعت نصف الدّار فالمضاف إليه هو العين الخارجيّة و النّصف المشاع منها ينطبق على حصّة البائع لأنه مالك لكلّ نصف فرض من الدّار على ما هو معنى الإشاعة و المالك للكلّي مالك لمصداقه أيضا فهو كما لو باع منّا من الحنطة من دون إضافتها إلى ذمّة فإنّه يقع في ذمّته و لو كان وكيلا في بيع هذا المقدار فضلا عمّا لو كان أجنبيّا

و توهّم أن معنى الإشاعة أن يكون كلّ من الشّريكين شريكا في كلّ جزء جزء بحيث لو كان كلّ جزء قابلا لأن يتجزّى إلى ما لا نهاية له لكان كلّ منهما مالكين له كذلك فنصف الدّار على الإشاعة يقتضي تعلّق البيع بكلّ جزء على الإشاعة فاسد مع قطع النّظر عن أنّ قابليّة كلّ جزء للتّجزية إلى ما لا نهاية له يلزم حصر ما لا نهاية له بين حاصرين إنّ الشّركة على نحو الإشاعة ليست إلّا

ص: 313

بمعنى أن كلّ نصف فرض من هذا الدّار و لو كان بمقدار غير محصور يكون لهذا الشّريك لا أنّ كلّا منهما في الكلّ شريكان في كلّ جزء و سيجي ء توضيح ذلك إن شاء اللّٰه تعالى في بيع الصّاع من الصّبرة

و حاصل الكلام أنّه لا فرق بين كون البائع أجنبيّا عن النّصف الآخر و كونه وليّا أو وكيلا في ظهور مجموع الفعل و متعلّقه في النّصف المختصّ و ظهور النّصف في الإشاعة لا ينافي ذلك فإنّ الإشاعة فيما أضيف إليه لفظ النّصف و هو الدّار قابلة لأن ينطبق عليها النّصف المختص و هذا هو الصّحيح لا ما أفاده المصنف قبل ذلك

و العجب منه قدّس سرّه كيف جعل المعارض للإشاعة في مجموع حقّي المالكين أحد الظّهورين و من هنا فرق بين كونه أجنبيّا و كونه وكيلا أو وليا مع ما فيه أوّلا أنّ الظّهور في الإشاعة لا ينافي الحمل على النّصف المختصّ و ثانيا إذا كان الظّهوران المخالفان لظهور النّصف في الإشاعة في مجموع حقّي المالكين متوافقين فلا وجه لجعل المعارض له تارة أحدهما و أخرى الآخر منهما

ثم إنّه لا ينافي الحمل على النّصف المختص في المقام الحمل على الإشاعة في الإقرار فإن باب الإقرار لم يعلم بكون القائل بأنّ نصف الدار لزيد مقرّ أو شاهد فيحمل على مجموع الحصّتين لإضافة النّصف إلى الدار و ظاهر الإضافة أن زيدا مالك لنصف ما بيد المقر و نصف ما بيد الآخر لا مجموع ما في يد القائل و لذا قيل بالفرق بين ما لو قال بأنّي مقرّ بأنّ نصف الدار لزيد و ما لو قال بأن نصف الدار لزيد فيحمل النّصف على الأوّل على تمام النّصف الّذي في يد المقر لظهور لفظ أنا مقر في ذلك دونه على الثّاني فإنه يحمل على نصف ما في يده و هو ربع الدار و نصف ما في يد الآخر

قوله قدّس سرّه و لعلّه لما ذكرنا ذكر جماعة إلى آخره

أي لما ذكرنا من عدم التّنافي بين ظهور النّصف في الإشاعة و انطباق المبيع على نصفه المختص من باب أنّه من ملك كليّا ملك مصداقه ذكر جماعة أنّه لو أصدق المرأة عينا فوهبت نصفها المشاع من الزّوج قبل الطّلاق استحقّ النّصف الباقي بالطّلاق لا نصف الباقي و قيمة النّصف الموهوب

و لا وجه لهذا الفتوى إلّا من جهة صدق النّصف على الباقي فقول اللّٰه سبحانه فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ ينطبق على النّصف الباقي و تمليك الزّوجة الزّوج نصف الصّداق ينطبق على النّصف الآخر من العين من باب أنّه من ملك كليّا ملك مصداقه لأنّها مالكة لمصداق النّصف و لا يخفى أنّ وجه التّنظير بباب الطّلاق منحصر في هذا الوجه لا ما ذكر أولا في حاشية السيّد قدّس سرّه فراجع

قوله قدّس سرّه لكنّ الظّاهر أنّهم لم يريدوا هذا الوجه إلى آخره

لما احتمل كون الحكم بالنّصف الباقي من العين للزّوج في باب الطّلاق من باب تساوي ربع الباقي للمرأة من الموجود مع الربع التّالف نظير دفع المقترض نفس العين الّتي اقترضها إلى المقرض لا من باب أنّه من ملك كليّا ملك مصداقه فأجاب عنه بأن حكمهم باستحقاق الزّوج النّصف الباقي ليس نظير دفع المقترض نفس العين المقترضة إلى المقرض مع كونها قيميّة من باب تساوي العين القيميّة مع قيمتها و إلّا وجب الفتوى بجواز إعطاء المرأة للزّوج النّصف الباقي و جواز إعطائها له نصف الباقي و نصف التّالف كجواز ردّ المقترض نفس العين و قيمتها مع أنّهم أفتوا باستحقاقه خصوص النّصف الباقي و علّلوا استحقاقه له ببقاء مقدار حقّه

قوله قدّس سرّه فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام إلى آخره

لا يخفى أنّه قدّس سرّه بعد أن ذكر أنّ القائلين باستحقاق الزّوج النّصف الباقي ما أرادوا هذا التوجيه و هو قياسه

ص: 314

على القرض فيسأل عنه وجه المنافاة فإنّ الحكم بالنّصف المختصّ في البيع و الصّداق من باب واحد و لا فرق بينهما إلّا أن يكون مراده قدّس سرّه أنّه بعد إمكان التّوجيه في قولهم بالاختصاص بالنّصف الباقي في مسألة الصداق بحمل المسألة على مسألة القرض أي مع كون ظاهر النّصف في هبة الصّداق هو النّصف المشاع و مع ذلك أفتوا بالمختصّ فإنّما هو لقياسه على مسألة القرض لا لظهور نفس النّصف في النّصف المختصّ فيصير مسألة هبة الصداق منافيا لما ذكرنا من ظهور النّصف في مسألة البيع في النّصف المختص و لذا عبّر عن المنافاة بين البابين بقوله فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام الّذي يرجع حاصله إلى أنّه مع إمكان هذا التّوجيه في باب هبة الصّداق و إن كان بعيدا يقع التّنافي بينه و بين ما ذكرنا في مسألة البيع من ظهور النّصف في النّصف المختص

أو يكون مراده أنّ الاتّفاق في مسألة الطّلاق على الحمل على النّصف المختصّ ينافي الاختلاف في مسألة البيع إلّا أنّه ينافي هذا الاحتمال

قوله قدّس سرّه و نظيره في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه في باب الصّلح إلى آخره

لأنّه لو كان مراده هذا التّوجيه الأخير و هو التّنافي بين الاتّفاق في مسألة الطّلاق مع الاختلاف في مسألة البيع لم يكن الصّلح نظيرا للطّلاق بل كان منافيا له بناء على ما هو ظاهر العبارة من أنّ ضمير نظيره يرجع إلى الطّلاق و المشار إليه بقوله هنا هو مسألة الطّلاق

نعم لو رجع ضمير نظيره إلى البيع و كان المشار إليه بقوله لما هنا مسألة الطّلاق لم يكن هذا التّوجيه منافيا مع هذه العبارة و استقام المطلب و تمّ المقصود لأن مفاد مجموع الكلام يصير هكذا لكنّ الظّاهر أنّ الأصحاب لم يريدوا في مسألة الطّلاق هذا الوجه بل أرادوا ظهور النّصف في حدّ ذاته في النّصف المختص فينافي دعوى الظّهور في الاختصاص اتّفاقا في الصّداق مع دعوى بعضهم ظهور النّصف في الإشاعة في مسألة البيع

و نظير تنافي الدّعويين ظهور الصّلح في الإشاعة أي كما أنّ ظهور لفظ النّصف في الإشاعة في مسألة البيع ينافي دعوى الاختصاص في مسألة الطلاق فكذلك ظهور النّصف في الإشاعة في باب الصّلح ينافي دعوى الاختصاص في باب الطّلاق إلّا أنّه خلاف ظاهر العبارة كما لا يخفى

و كيف كان فلا يخفى أنّ الحمل على الإشاعة على القول به في باب الصّلح ليس لظهور النّصف في حدّ ذاته فيها بل لأنّ المدّعي الّذي صالح مع المنكر الّذي أقرّ له هو يعترف بأنّ المقرّ به مشترك بينه و بين المدّعي الآخر فإذا صالح المقرّ له على ذلك المقرّ به مع من بيده المقر به الّذي هو منكر بالنّسبة إلى المدّعي الآخر فنفوذ صلحه في جميع المقرّ به يتوقّف على إجازة المدّعي الآخر الّذي هو باعتراف المقر له شريك معه و لذا لا نحمل على الإشاعة لو صالح المقرّ له قبل الإقرار نصفه أو صالح بعد الإقرار حقّه الواقعي بل ينصرف صلحه إلى نصفه المختصّ

و بالجملة الظّاهر أنّ مسألة الصّلح و كذلك مسألة الإقرار بالنّسب و كذلك الإقرار بالدّين لا ينزل على الإشاعة إلّا أن يقوم دليل تعبديّ أو قرينة خارجيّة كإقرار المقرّ له بالشّركة فالأولى في تنقيح المسألة إذا كانت الدار مشتركة بين الاثنين بنحو الإشاعة أن يقال تارة يقع الكسر المشاع في كلام أحد المالكين في مقام التصرّف كالبيع و الصّلح و نحوهما فيجب أن تحمل على المختصّ لأنّ ظهورها في الإشاعة في مجموع الحصّتين على القول به و عدم ظهورها في الإشاعة في المضاف إليه القابل لأن ينطبق على حصّة المتكلّم لمكان أنّه من ملك كليّا ملك مصداقه إنّما هو لأجل الإطلاق و عدم ما يوجب تعيينه في المختصّ

ص: 315

أو المشترك فإذا وجد موجب التّعيين ككون المتكلّم في مقام البيع و سائر أنحاء النّقل من الصّلح أو الهبة مع فرض كونه مالكا لما باعه فليحمل على ملكه و إن كان وليا أو وكيلا في الكسر المشاع الآخر فضلا عمّا كان أجنبيا لأنّ وقوعه من الموكل أو المولى عليه يحتاج إلى مئونة زائدة و هي قصده عنه و أمّا لو علم عدم قصده عنه كما في مفروض المقام أو احتمل كما لو قصد معنيا و اشتبه المراد فليحمل على ما هو ظاهر فعله و هو تصرّفه في ملكه عن نفسه

و أخرى يقع الكسر في كلام غير المالكين كما لو باع الفضولي نصف الدّار المشتركة بين الاثنين على نحو الإشاعة فيجب أن يحمل على الإشاعة لأنّه لا موجب لحمل البيع على تمام حقّ أحد الشّريكين و ثالثة يقع في مقام الإقرار كما لو أقرّ من كان شريكا مع غيره في دار بأنّ نصف هذا الدّار لزيد فليحمل هنا أيضا على الإشاعة لأن مرجع كلامه إلى أنّ ربع ما في يدي و ربع ما في يد شريكي لزيد و ذلك لعدم ما يوجب صرف لفظ النّصف عن الإشاعة و جعل تمام حقّ زيد ما في يد المقر لأنّ إخباره بأنّ نصف الدار لزيد يتضمّن أمران إقرار على النّفس فيسمع و شهادة على غيره فموقوف على شرائط البيّنة

نعم لو وجد ما يوجب التعيين حمل على الاختصاص كما في كلام كاشف الغطاء على ما حكي عنه بأنه لو قال أنا مقرّ بأن نصف هذا الدّار لزيد فيحمل على نصفه المختص بخلاف ما لو قال نصف هذا لزيد فإنّه يحمل على الإشاعة فعلى هذا الإقرار الّذي لم يتضمّن للشّهادة محمول على الاختصاص أيضا كالحمل عليه في البيع و الصّلح و الهبة و إنّما حملوا صلح المقرّ له مع المقرّ على الإشاعة مع أنّ نفس الصّلح لا يقتضي ذلك لاقتضاء إقرار المقر له بأنّ المدّعي الآخر شريك معه في العين الّتي بيد المقرّ أو لحكم الشّارع بأن ما حصل لهما و ما توى كذلك بناء على شمول الرّواية للمقام

و بالجملة مقتضى الصّلح هو الاختصاص كما في الصّلح في غير مورد الترافع و إنّما يحمل في مورد الترافع على الإشاعة إمّا من باب التعبّد أو من باب أنّ من بيده العين لا يقرّ للمقرّ له إلّا ما يدعيه و ما يدّعيه بإقراره مشترك ففي مقام الصّلح كأنّه يصالح ربع ماله لأنّه نصف المقرّ به و لذا قلنا إنّه يحمل على الاختصاص لو وقع الصّلح على حقّه الواقعي أو على نصف الدار قبل الإقرار

فتفصيل صاحب المسالك في غير محلّه لأنّ في مفروض القوم لا يقبل غير الإشاعة لأنّه لا يمكن حمل الصّلح على النّصف المختصّ و إلّا يلزم إقرار المقرّ للمقرّ له بثلاثة أرباع الدّار نصفه من جهة الإقرار و ربعه من جهة الصّلح مع أنّ المقر لم يعترف له إلّا بما يدّعيه و لا يقع عقد الصّلح منهما إلّا عليه

قوله قدّس سرّه و لذا أفتوا ظاهرا على أنّه لو أقرّ أحد الشّريكين الثّابت يد كلّ منهما على نصف العين بأنّ ثلث العين لفلان حمل على الثلث المشاع في النّصيبين إلى آخره

لا يخفى أنّ حمل الثلث على الإشاعة فيما إذا كان كلام من بيده النّصف مجرّدا عن القرينة على الاختصاص أو الإشاعة ينافي

قوله فلو كذّبه الشّريك الآخر دفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما في يده

لأنّ من بيده العين إذا أقرّ لشريك ثالث و أنّ ثلث العين له فمعنى كلامه ليس إلّا أنّ ما زاد عن حقي من العين هو للثّالث و لم يقرّ بأن نصف ما في يده له فإنّه خلاف الإشاعة لأنّ معنى الإشاعة أنّ الثّلث الّذي هو للشريك الثّالث نصفه و هو السدس على الشريك الآخر و السدس عليّ و مسألة أن كلّ ما حصل لهما و كل ما توى كذلك لا يرتبط بالمقام فإن هذه المسألة تعبّديّة صرفة دلّت عليها الأخبار

ص: 316

ففي الوسائل في كتاب الدّين عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما و منه متفرّق عنهما فاقتسما بالسويّة ما كان في أيديهما و ما كان غائبا عنهما فهلك نصيب أحدهما ممّا كان غائبا و استوفى الآخر عليه أن يرد على صاحبه قال نعم ما يذهب بماله

و فيه في كتاب الضّمان عن عليّ عليه السّلام في رجلين بينهما مال منه بأيديهما و منه غائب عنهما فاقتسما الّذي بأيديهما و احتال كلّ واحد منهما بنصيبه فقبض أحدهما و لم يقبض الآخر قال ما قبض أحدهما فهو بينهما و ما ذهب فهو بينهما و فيه في كتاب الشّركة عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن رجلين بينهما مال منه دين و منه عين فاقتسما العين و الدّين فتوى الّذي كان لأحدهما من الدّين أو بعضه و خرج الّذي للآخر أ يرد على صاحبه قال نعم ما يذهب بماله

و لا يخفى أنّ مفاد هذه الأخبار أنّ قسمة الدّين لا تصحّ قبل القبض و أنّ نيّة المديون بكون ما يدفعه إلى أحد الشّريكين مختصّا به لا تؤثر في الاختصاص و هذا لا ربط له بالمقام و على فرض التعدّي عن مورد الدّين إلى العين فإنّما يصحّ التعدّي فيما إذا كانت العين المشتركة في يد الثّالث و أقرّ لأحدهما بنصفها و أنكر كون نصفها الآخر للآخر فحيث إنّ المدّعيين يقرّان بالشّركة فمقتضى الإقرار أن يكون ما حصل لهما و ما توى عليهما و أين هذا ممّا إذا أقرّ أحد الشّريكين بشريك ثالث و أنكر الآخر فإنّه لا وجه لتنصيف المقرّ نصف العين الّتي في يده من باب أنّه ما توى عليهما

و بالجملة لو لا إقرار كل واحد من الشّريكين المدّعيين للعين الّتي بيد الثّالث بالشركة لم يقتض إقرار من بيده العين لأحدهما التّنصيف بينهما فلا يمكن قياس ما إذا كان العين بيد الشّريكين و أقرّ أحدهما لثالث على تلك المسألة فإنّ في مسألة المدّعيين نفس إقرار المقر له بالشّركة تقتضي الاشتراك لأنّه بإقراره بأنّ المال مشترك يكذب من بيده العين المقرّ لأحدهما في تمام النّصف و يصدقه في نصف النّصف فما يحصل لهما و ما توى عليهما

و أمّا في مسألة الإقرار بالثّالث فلا تحصيل حتى يكون مورد قوله ع ما قبض أحدهما فهو بينهما و لا يكون مورد دليل آخر أيضا فلا وجه لحصول النّقص على المقرّ و المقرّ له لأنّ إقرار المقرّ لا يقتضي إلّا الإشاعة و معناها أنّ الزّائد عن حقّي للثّالث و لا يقرّ بأنّ المنكر غاصب لحقّنا على السويّة حتّى يجب عليه دفع نصف ما في يده

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ حكم مسألة الإقرار بالنّسب حكم مسألة الإقرار بالشّركة من غير جهة الإرث في أنّ أحد الوارثين لو أقرّ بوارث آخر يدفع إليه الزّائد عمّا يستحقّه لا نصف ما في يده و انكشاف الواقع و العلم بصدق المقرّ لا ينافي ما ذكرنا بل يؤيّده لأنّ الواقع مطابق لما ذكرنا من عدم وجوب دفعه إلى المقرّ له إلّا الزّائد عمّا يستحقّه فإنّ بانكشاف الواقع يعلم أنّ الوارث ثلاثة و يستحقّ كل واحد منهم ثلث المال فيجب على المقرّ دفع السدس و على المنكر دفع السّدس الآخر و يتمّ بمجموع السّدسين حقّ المقرّ له و هو الثلث

و لذا لو فرضنا أن الشّركاء كانوا أولا ثلاثة و أخرج اثنان منهما واحد من الدّار فكلّ واحد من الاثنين في الواقع متصرّف في نصف الدّار على الإشاعة و يد كلّ منهما على نصفها فإذا أقرّ واحد منهم بأنّ الدّار مشتركة أثلاثا فهو لا يقرّ إلّا بأنّ ثلث الدار في يد اثنين و مرجعه إلى أنّ سدسها تحت تصرّفه و لا وجه لحمل إقراره على نصف ما في يده و لا يقتضي الإشاعة ذلك

ص: 317

و ما ذكرناه لا يتوقّف على صحّة تقسيم الغاصب مع الشّريك كما هو واضح مع أنّه يكفي لصحّته تعلّق الغصب بالمشاع و تعلّقه به لا إشكال فيه بحيث إنّه يتمحّض الغصب في حقّ أحد الشريكين مع إشاعة المال بينهما و ذلك كما إذا استأجر أحد دارا من شريكين و أعطى نصف الأجرة لأحدهما و أنكر أنّ الدّار بينهما نصفان و منعه من الآخر فإنّ المعطى به هنا نصيب للمعطى له و الأخبار الدالّة على أنّ ما توى عليهما و ما حصل لهما لا تشمل المقام و كما إذا أخرج غاصب أحد الشّريكين من الدّار و استأجر نصفها المشاع من الآخر أو سكن معه فإنّ المؤجر إذا استوفى الأجرة لا يشترك معه الشّريك الآخر و هكذا لو سكن أحدهما مع الغاصب سكن في نصيبه

نعم مجرّد نيّة الغاصب بأن ما يأخذه نصيب أحدهما لا تؤثّر في تعلّق الغصب بحق أحدهما كما لو غصب صاعا من صبرة مشتركة و قصد كون الصّاع من أحدهما فإنّ الغصب لا محالة يتعلّق بحقّهما و التّالف محسوب عليهما و كما لو تصرّف في بيت من الدّار المشاع أو الشرقيّ منها فإنّ الغصب يتعلّق بكلا الحقّين

و كيف كان فالأقوى أنّه و لو لم نقل بصحّة تقسيم الغاصب إلّا أنه لا إشكال في صحّة التقسيم مع الغاصب فإنّه لو استدعى أحد الشّريكين من الحاكم قسمة الدّار و كان الإشاعة ضررا عليه وجب على الحاكم إفراز حقّه و جعل الدار نصفين مفروزين بينه و بين الغاصب

و على أيّ حال سواء قلنا بهذا أم لم نقل به لتوقّف التّقسيم على رضا الشريك و ليس للغاصب ذلك و لا للحاكم فمسألتنا هذه لا ربط لها بمسألة تقسيم الغاصب بل لا ينبغي الإشكال في أنّ السدس الآخر للمقرّ له عند المنكر و يختصّ هو به و لا يشترك المقرّ و المقرّ له فيما عنده بل لو قلنا بأنّ الأجرة الّتي يأخذها أحد الشّريكين من الغاصب مشتركة بينه و بين شريكه و ما عند الغاصب أيضا مشتركة بينهما إلّا أن مقامنا هذا لا يرتبط بهذه فإنّ الاشتراك فيما يؤخذ من الغاصب لو قيل به فإنّما هو لدعوى شمول الأخبار الواردة في تقسيم الدّين له و إلّا فلا شبهة في أنّ تعيين المديون حق أحد الديان يوجب التعيّن له و ليس من قبيل العين الخارجي الّتي ليس لغير الشّريكين تقسيمها

و أمّا في مقامنا فليس إقرار أحد الشّريكين بشريك ثالث موجبا لأن يكون ما عند المنكر مشتركا بينه و بين المقرّ له ثم إنّه كما في العين الخارجي لا تقتضي الشركة على نحو الإشاعة أن يكون نصف ما في يد المقرّ مشتركا بينه و بين المقرّ له فكذلك في الإقرار بالدّين و النّسب و نحوهما فلو أقرّ أحد الورثة بدين على أبيه فهو ملزم بمقدار حقّه من الإرث و كذا لو أقرّ بأخ آخر أو أخت له فيلزمه ذلك في حصّة أي هو مقرّ بما زاد عن حقّه على فرض ثبوت نسب المقر له واقعا

و على طبق ما يرتكز في الذّهن و تقتضيه قاعدة الإقرار ورد عن أبي جعفر عن أبيه ع قال قضى عليّ ع في رجل مات و ترك ورثة فأقرّ أحد الورثة بدين على أبيه أنّه يلزمه ذلك في حصّته بقدر ما ورث و لا يكون ذلك في ماله كلّه و إن أقرّ اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة و إن لم يكونا عدلين ألزما ذلك في حصّتهما بقدر ما ورثا و كذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت إنّما يلزمه في حصّته

و نقل الصّدوق بهذا السّند ما هو المرويّ في المتن ثم قال و في خبر آخر إن شهد اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة و إن لم يكونا عدلين ألزما ذلك في حصّتهما و في الوسائل في كتاب الإقرار عن أبي عبد اللّٰه ع في رجل مات فأقرّ بعض ورثته لرجل بدين قال يلزمه ذلك في حصّته و فيه في آخر كتاب الميراث

ص: 318

عن منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن رجل هلك و ترك غلاما مملوكا فشهد بعض الورثة أنّه حرّ فقال تجاز شهادته في نصيبه و يستسعى الغلام فيما كان لغيره من الورثة

و لا يخفى ظهور هذه الرّوايات في أنّ المقرّ بالدّين أو بالأخ أو العتق ملزم بما زاد على نصيبه لا أنّ المال يوزّع على المقرّ و المقرّ له و بعبارة أخرى ظاهر قوله ع يلزمه ذلك في حصّته بقدر ما ورث أنّ الضّرر لا يرد على المقر و أنّه ليس ملزما بما زاد عن حقّه فما أفاده السيّد الطّباطبائي قدّس سرّه في حاشيته من عدم صراحة الرّوايات في ذلك و أنها بصدد أنّ ذلك ليس في تمام المال حتى في حصّة من لم يعترف بذلك غير مسموع منه

ثمّ ممّا ذكرنا من أوّل المسألة إلى هنا ظهر أنّ حكم المفروز حكم المشاع في أنّه لو قال بعت نصف الدار يحمل على نصفها المختص به لا على نصف مجموع الدار بل الحمل على نصف المختصّ في المفروز أظهر من الحمل عليه في المشاع لأنه لو كان مقصوده في المشاع هو الاختصاص كان الأنسب أن يقول بعت حقّي و نحو ذلك

هذا مضافا إلى أنّ الإشاعة في المضاف إليه تقتضي أن يكون المبيع نصف مجموع الدار و أمّا في المفروز فنفس الإفراز يقتضي الحمل على الاختصاص بلا مئونة و لكنّه مع هذا الاختصاص أظهر عن الإشاعة حتّى في المشاع لأنّ ظهور مجموع الكلام في مقام التصرّف يوجب حمل النّصف على الاختصاص لأنّه مالك لمصداق نصف الدّار و نصفه المختص به أحد مصداقيه

[مسألة ما لو باع ما يقبل التملّك و ما لا يقبله صفقة واحدة]

قوله قدّس سرّه مسألة ما لو باع ما يقبل التملّك و ما لا يقبله كالخمر و الخنزير صفقة إلى آخره

لا يخفى أنّ الأولى تعميم عنوان البحث بالنّسبة إلى ما لا يقبل التملّك من حيث عدم قابليّته له شرعا كالمثالين مع كونهما مالا عرفا و عدم قابليّته له عرفا أيضا كالخنفساء و نحوها

و على أيّ حال لا إشكال في فساد البيع بالنّسبة إلى ما لا يقبل التملّك مطلقا إنّما الكلام في صحّته بالنّسبة إلى ما يقبله و الأقوى هو الصّحة لوجود المقتضي و عدم المانع أمّا وجود المقتضي فلشمول العمومات له مضافا إلى إطلاق صحيحة صفار أمّا شمول العمومات فلأنّ مثل قوله عزّ من قائل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و قوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و قوله تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ كما يشمل ما إذا كان تمام المبيع قابلا للتملّك كذلك يشمل ما إذا انضمّ إليه ما لا يقبل التملّك لأنّ العقد ينحلّ بالنّسبة إلى جزئي المبيع إلى عقدين أحدهما صحيح و الآخر فاسد نظير انحلال التّكليف المتعلّق بالمركّب المشتمل على الأجزاء

و دعوى انصرافها عن هذا المبيع غير مسموعة لأنّه على فرض التّسليم فهو انصراف بدوي و نظير انصراف الماء في أطراف الدّجلة إلى ماء الدّجلة و الانصراف المؤثر لعدم تماميّة الإطلاق هو الانصراف النّاشي عن التّشكيك في الوجود أو الماهيّة لا الانصراف البدوي النّاشي عن كثرة الوجود

و أمّا إطلاق صحيحة الصّفار فلأنّ توقيع العسكري ع إلى الصّفار و إن ورد فيمن باع قطاع أرضين الّتي يملكها منضمّة إلى ملك الغير فوقّع عليه السّلام لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشّراء من البائع على ما يملك إلّا أنّ المدار على عموم الجواب و أن قوله ع وجب الشراء من البائع على ما يملك يدلّ على تحليل العقد و نفوذه فيما يملكه و إن اختصّ قوله ع لا يجوز بيع ما ليس يملك بما يقبل التملّك و لم يكن ملكا للبائع بناء على قراءة يملك مبنيا للفاعل

و بعبارة أخرى لا يدور صحّة الاستدلال مدار عدم نفوذ البيع بالنسبة إلى الضّميمة بل إنّما يدور مدار نفوذ البيع في الجزء الآخر الّذي يملكه و الصّحيحة تدلّ بإطلاقها على صحّته و بالجملة مع قطع النّظر

ص: 319

عن تنقيح المناط القطعي فمدّعى شمول التوقيع للمقام و إن كان مورد السّؤال غيره فما ذكرناه سابقا من عدم الشمول لا وجه له

و أمّا عدم المانع فلأنّ ما توهّم من المانع على وجوه الأوّل أنّ ما قصد و هو التّراضي على المجموع لم يقع و ما وقع لم يقصد الثّاني أنّ النّهي عن الغرر المطلق أو الغرر في البيع يشمله من جهة الجهل بثمن المبيع الثّالث أنّ اللّفظة الواحدة لا يمكن تبعيضها و المفروض أنّ ما لا يقبل التملّك لا يمكن الالتزام بصحّته من جهة غلبة ما يقبل التملّك عليه فيغلب لا محالة الفاسد على الصّحيح الرّابع أنّ الجمع بين ما يقبل التملّك و ما لا يقبله نظير الجمع بين الأختين في عقد واحد

و لا يخفى ما في هذه الوجوه أمّا الأوّل منها فلأنّ بعض المبيع و إن لم يقصد مستقلّا و لم ينشأ بصيغة تخصّه إلّا أنّه أنشأ ضمنا فينحلّ الإنشاء باعتبار تعدّد متعلّقه إلى إنشاءات متعدّدة كانحلال التّكليف المتعلّق بالمركّب إلى تكاليف متعدّدة بمقدار تعدّد قيوده

نعم تخلّف وصف الانضمام يوجب الخيار لأنّ منشأ الخيار في تبعّض الصّفقة مطلقا هو تخلّف الشّرط الضّمني بل هو المنشأ له في الغبن و العيب أيضا لا الضّرر كما سيجي ء توضيحه و قياس فساد الجزء على فساد الشّرط حيث قيل بأنّه مفسد للعقد مع الفارق مضافا إلى عدم تماميّة الحكم في المقيس عليه إلّا إذا رجع فساد الشّرط إلى اختلال أحد أركان العقد كما سيجي ء في محلّه

و ليس منشأ الفرق أنّ الشرط يوجب تقييد العقد المشروط به بخلاف الجزء فإنّ بيع المجموع في قوّة شرط انضمام كلّ جزء إلى آخر و لذا قلنا بأن تخلّفه الّذي هو عبارة عن تبعّض الصّفقة على المشتري يوجب ثبوت الخيار له بل للفرق بين الشّرط الفاسد و شرط انضمام الجزء الفاسد فإنّ الشّرط الفاسد لا يملكه المشروط له أي لا يصير الشارط مالكا لالتزام الطّرف لأنّ نفس جعل هذا الالتزام على المشروط عليه باطل و فاسد مع قطع النّظر عن الملتزم به و هذا بخلاف شرط الانضمام فإنّ نفس جعل هذا الالتزام ليس باطلا بل الملتزم به لا يصحّ الالتزام به لخروجه عن قابليّة التملّك فيصير الاشتراط سببا لتملّك المشروط له الشّرط و يصير فساد المشروط سببا لتحقّق الخيار من باب تعذّره شرعا

و بعبارة أخرى الشّرط الضّمني في المقام كالشّرط المتعذّر الّذي لا يوجب تعذّره إلّا الخيار بخلاف الشّرط الفاسد فإنّه ليس قابلا للملكيّة أصلا و أمّا الثّاني فلأنّ الجهل بثمن المبيع و إن كان موجبا للفساد إمّا للإجماع على اعتبار العلم به و إمّا للغرر بمعنى الخطر المنهيّ عنه في الخبر المتلقّى بالقبول بين الفريقين و هو قوله ع نهى النّبي ص عن الغرر أو عن بيع الغرر إلّا أنّ الثّمن في المقام معلوم فإنّه وقع جميع الثمن بإزاء جميع المبيع و عدم صحّة البيع شرعا بالنّسبة إلى بعض المبيع لا يقتضي عدم قصد المتعاملين مقابلة المجموع بالمجموع و لا خطر أيضا لو جعل المجموع بإزاء المجموع لأنّ البيع الغرريّ المنهيّ عنه هو ما كان في حدّ ذاته خطريّا لا من جهة حكم الشّارع بعدم وقوع بعض الثّمن بإزاء بعض المبيع بل قيل بأنّه لا يؤثر الغرر حال العقد إذا ارتفع بالتّقسيط أي المدار في الصّحة أن لا يكون البيع غرريّا حين التّسليم و التسلّم لا حين إنشاء البيع

و لكنّ الصّواب في الجواب هو ما ذكرناه من أنّ البيع في نفسه ليس غرريا ابتداء و إلّا لو سلّم بكونه غرريّا حين البيع فارتفاعه بعد ذلك لا يؤثر في الصّحة و إلّا لصحّ بيع كلّ مجهول إذا آل إلى العلم بعد ذلك مع أنّه لا إشكال في فساده و أمّا الثّالث فلأنّ اللّفظة

ص: 320

الواحدة إذا أنشأ بها أمور متعدّدة فلا مانع من تبعيضها بل لا محيص عن تبعيضها فيما لو جمع بين مختلفي الحكم كما لو جمع بين ملكه و ملك غيره أو جمع بين الحيوان و غير الحيوان فالجمع بين ما يقبل التملّك و ما لا يقبله أيضا كذلك و أمّا الرابع فلأنّ فساد عقد الأختين جمعا يقتضي فساد عقد إحداهما أيضا من باب عدم ترجيح إحداهما على الأخرى و في المقام فساد المجموع لا يقتضي فساد عقد ما يقبل التملّك و ذلك واضح بعد ما ظهر لك من انحلال العقد في المقام إلى عقدين و لحوق كلّ جزء حكم ما يقتضيه

هذا كلّه مضافا إلى النّقض بالجمع بين ملكه و ملك غيره فإنّ هذه الإشكالات ترد عليه أيضا و بالجملة و لو قلنا بأنّ فساد الشّرط يوجب فساد العقد المشروط به إلّا أنّه لا يمكن قياس فساد الجزء عليه لأنّ الشرط لا يقع بإزائه شي ء من الثّمن بل يوجب زيادة قيمة المشروط فإذا قيد به و كان فساده موجبا لعدم إمكان تحقّقه فالعقد المقيّد لم يتحقق

و أمّا الجزء الفاسد فحيث إنّ الثّمن يوزّع عليه و على الجزء الآخر ففساده لا يقتضي إلّا ردّ الثّمن الّذي وقع بإزائه أي يفسد العقد بالنّسبة إليه دون الجزء الآخر الصّحيح الغير المقيّد بما لا يمكن تحصيله أو تحقّقه مع أنّه سيجي ء أنّ الحكم في المقيس عليه أيضا ليس البطلان فإن تخلّف الشرط ليس إلّا من قبيل تخلّف الدّاعي و إنّما يوجب الخيار في المقام و لا يوجبه في سائر الموارد للفرق بينهما و هو أن المشترط بمقتضى شرطه صريحا أو ضمنا في المقام لم يلتزم بفاقد الشّرط فله الفسخ و له الالتزام بالفاقد حين العلم بالفقد و أمّا تخلّف الدّاعي فيما لم يكن مذكورا صريحا أو ضمنا فإنّما لا يوجب الخيار مع أنّه في نفس الأمر غير ملتزم بما كان مخالفا لغرضه لأجل أن الشّروط البنائيّة لا أثر لها ما لم يجعل في قالب الإنشاء

و بالجملة تارة يتحقّق الخيار بجعل إلهي كخيار الحيوان و نحوه أو بجعل من المتعاقدين كخيار الشّرط و أخرى يتحقّق من باب عدم الملزم ففي القسم الأوّل قد تحقّق الالتزام العقدي و لكن اللّٰه سبحانه أو نفس المتعاقدين جعل أمر الالتزام العقدي بيد ذي الخيار نظرة له و إرفاقا و أمّا في القسم الثّاني فلم يتحقّق الالتزام العقدي فليس المتعاقدان ملزمين بالتبديل و المعاملة الصّادرة منهما فلهما الفسخ أو الالتزام بمضمون المعاملة مجدّدا و حيث إنّ من يتبعّض الصّفقة عليه لم يلتزم بوقوع بعض المبيع بإزاء بعض الثّمن فله الفسخ أو الالتزام مجدّدا و لا موجب لبطلان العقد بالنّسبة إلى ما يقبل التملّك

قوله قدّس سرّه نعم ربما يقيّد الحكم بصورة جهل المشتري إلى آخره

لا يخفى أنّ التّفصيل بين صورة الجهل و العلم في غير محلّه لأنّ العلم بأنّ أحد الجزءين ليس قابلا للتملّك لو كان موجبا للجهل بثمن المبيع لوجب تقييد الصّحة بما إذا كان البائع أيضا جاهلا مع أنّه لم يفصل بين علمه و جهله فمنه يستكشف أنّ العلم لا يضرّ بالصّحة

و سرّه أنّ مقابلة المجموع بالمجموع في الإنشاء المعاملي ليس إلّا بقصد تمليك المجموع و تملّكه عرفا و إن علم النّاقل أو المنقول إليه أنّ الشّارع لم يمض البيع بالنّسبة إلى بعض المبيع و العلم بالحكم الشّرعي لا ينافي البناء على خلافه في الإنشاء المعاملي نعم يتولّد هنا إشكال على القائل بعدم رجوع المشتري العالم بالغصبيّة إلى الغاصب إذا تلف الثّمن فإنّه لو اقتضى العلم بالفساد من جهة الغصب تمليك المشتري للغاصب مجانا لاقتضى التّمليك في المقام المجانيّة أيضا بل عرفت أنّ بعضهم عمّم عدم الرّجوع إلى الغاصب حتى في مورد

ص: 321

بقاء العين أيضا و لكنّك عرفت ضعف هذا القول

و على أيّ حال فلو قيل بأن في مورد ردّ المغصوب منه لا يرجع المشتري العالم إلى الغاصب في مورد تلف الثّمن فمقتضاه عدم وقوع بعض الثّمن بإزاء غير المملوك في المقام مع أنّ ظاهر المشهور هو التّقسيط و عدم التزامهم بوقوع مجموع الثمن مقابل المملوك أو وقوع ما بإزاء غير المملوك للبائع مجّانا

و لكنّه يمكن دفع الإشكال بدعوى الفرق بين المقام و بين الفساد من جهة الغصب و هو أنّ في الغصب حيث إنّ المشتري العالم لم يضمن البائع الغاصب إلّا بمال الغير فيقع الثّمن للغاصب مجّانا إذا ردّ الغير الّذي هو صاحب المبيع و ليس على الغاصب ضمان بالنّسبة إلى الثّمن إلّا إذا كان موجودا فيسترد منه لأنّه في حكم الهبة المجانيّة و أمّا في المقام فبعد جعل بعض الثّمن بالإنشاء المعاملي مقابلا لما لا يقبل التملّك فلا وجه لأن يكون مجموع الثّمن مقابلا لما يقبل التملّك أو يكون ما بإزاء غير المملوك للبائع مجّانا

نعم قياس المقام على باب الغصب إنّما يصحّ فيما إذا كان ما لا يقبل التملّك غير مال عرفا أيضا كالقاذورات و الحشرات و توضيح ذلك أنّ ما لا يقبل التملّك على أقسام ثلاثة قسم لا يقبله شرعا مع قبوله عرفا كالخمر و الخنزير و قسم لا يقبله شرعا و عرفا كالحشرات و نحوها و قسم متوسّط بينهما كالحرّ فإنّ مقتضى التملّك فيه موجود و لكنّه لا يقبله شرعا و لذا يفرض عبدا في الجنايات الواردة عليه الغير المقدّرة شرعا و يؤخذ دية الجناية الواردة على العبد من الجاني و هكذا يصحّ استرقاقه في بعض الموارد بل يصلح أن يصير مالا عند العرف في جميع الموارد

و بعبارة أخرى الحر و إن لم يكن مالا عند العرف فعلا إلّا أنّه مال شأنا لقابليّته للاسترقاق عندهم ففي القسم الأوّل و المتوسّط لا بدّ من التّوزيع لأنّه لم يجعل المشتري مجموع الثّمن بإزاء ما يقبل التملّك و لا مقابلا لما لا يقبله للبائع مجّانا و أمّا في القسم الأخير فحيث إنّه يعلم أنّ بعض المبيع ليس مالا لا شرعا و لا عرفا و لا يقع بإزائه ثمن فإمّا يجعل المقابل له للبائع مجّانا و إمّا يجعل المجموع بإزاء ما يقبل التملّك كما صرّح به الشّهيد في الحواشي المنسوبة إليه حيث قال إنّ هذا الحكم أي التوزيع مقيّد بجهل المشتري بعين المبيع و حكمه و إلّا كان البذل بإزاء المملوك ضرورة أنّ القصد إلى الممتنع كلا قصد انتهى فإنّ كلامه ينزل على ما إذا امتنع القصد بإزاء المجموع عرفا و إلّا فمجرّد امتناعه في الشّرع لا يجعل القصد إليه كلا قصد فإنّ التوزيع من آثار القصد تكوينا و الأثر التكوينيّ للقصد لا يمكن أن ينفكّ عنه بمجرّد الحكم الشّرعيّ بأنّه كالعدم

و بالجملة القصد المعاملي يتمشّى حقيقة من العالم بأنّ الخمر لا يقبل التملّك و إنّما لا يتمشى في مورد العلم بأنّ المبيع لا ماليّة له كالخنفساء و نحوها لأنّ القصد المعاملي ليس مجرّد الخيال كتصور أنياب الأغوال حتّى يمكن تصوّر الماليّة للخنفساء و يفرض كونها مالا في عالم الخيال بل له واقع في عالم الاعتبار و ذلك يتوقّف على عدّ العرف المبيع مالا

قوله قدّس سرّه و يشكل تقويم الخمر و الخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان أنّها شاة و الخمر بعنوان أنها خلّ فبان الخلاف إلى آخره

لا إشكال في أنّه لو ضمّ الخمر مثلا إلى الخلّ و باعهما بعنوان أنّه خمر فيقوم عند مستحلّيه و أمّا لو باعه بعنوان أنّه خلّ فقد يتوهّم أنّه لا وجه لملاحظة قيمة الخمر عند مستحلّيه بل يقوّم بما أنّه خلّ أي يفرض كونه خلّا على طبق عنوان المبيع

ص: 322

فإنّ له دخلا في القيمة بل سيجي ء أنّ مناط ماليّة الأموال هو عناوينها أي صورها النّوعيّة لا المادّة الهيولائيّة و لذا يكون تخلّفها موجبا للفساد و إن جعلها وصفا أو شرطا للمبيع فقال بعتك هذا الّذي هو عبد أو بعتك هذا إن كان عبدا و تبيّن كونه حمارا بل و إن تبيّن كونه أمة لأنّ العبد و الأمة جنسان عند العرف

و فيه أنّ العناوين الجنسيّة و إن كانت في باب البيع هي مناط ماليّة الأموال و تخلّفها موجبا لفساد البيع دون تخلّف الوصف و إن جعله عنوانا للمبيع و قال بعتك الكاتب إلّا أنّها في باب التقويم من الدواعي و تخلّفها لا يوجب تبدّل الموضوع فلو قال بعتك هذين الشاتين مع كون أحدهما خنزيرا فلا وجه لردّ قيمة الشّاة بمجرّد جعله معنونا بها مع أنّه أشار إلى ما هو في الخارج خنزير فالإشارة هنا تقدم على العنوان و العنوان من قبيل الدّاعي و تخلّفه لا يضرّ بتقويم ما هو المشار إليه واقعا فلا مناص إلّا عن تقويم ما لا يقبل التملّك بما يقوّم عند مستحلّيه

و بالجملة و إن كان مدار الصّحة و الفساد على مطابقة المعنون لعنوانه و مخالفته له و لا أثر للبحث من هذه الجهة في المقام لأنّه على أيّ حال بيع الخنزير باطل باعه بعنوان نفسه أو بعنوان كونه شاة إلّا أن مدار التقويم على واقع الشّي ء لا على العنوان فإنّ العنوان لا يغيّر الخنزير عمّا هو عليه

[يجوز للأب و الجد أن يتصرّفا في مال الطّفل بالبيع و الشّراء]

قوله قدّس سرّه مسألة يجوز للأب و الجد أن يتصرّفا في مال الطّفل بالبيع و الشّراء إلى آخره

هذه المسألة من فروع مسألة شروط المتعاقدين حيث قال و من شروطهما أن يكونا مالكين أو المأذونين من المالك أو الشّارع فالمأذون من المالك هو الوكيل و المأذون من الشّارع هو من له الولاية على التصرّف في مال الغير و الولاية على أقسام قسم منها ذاتي و يعبّر عنه بالإجباري و هو ولاية الأب و الجدّ على اليتيم و ماله و ثبوتها لهما في الجملة ضروري يطّلع عليه المتتبّع في الأبواب المتفرّقة ففي باب الوصيّة ينفذ إذن الوالد في المضاربة بمال ولده الصّغير بحيث لا ضمان على المأذون و في باب الحجر وليّ الطّفل قبل البلوغ و المتصرف في ماله هو الأب و الجد و في باب النّكاح ينفذ عقد الأب و الجد على الصّغير و قسم منها مجعول بجعل شرعيّ تعبديّ كولاية الحاكم و قسم منها مجعول بجعل خلقيّ كولاية القيّم من قبل الأب و الجدّ بعد موتهما على الصّغير

و بالجملة ولاية الأب و الجدّ من ضروريّات الفقه و لا شبهة أن تصرّفهما نافذ في مال الطّفل و إنّما الإشكال في جهات ثلاث الأولى في اعتبار عدالتهما أو ثبوتها لهما مطلقا الثّانية في اعتبار المصلحة أو كفاية عدم المفسدة أو جواز التصرّف و لو مع المضرّة الثّالثة في اشتراك جدّ الجد مع الجدّ أيضا في الولاية أو الاشتراك يختصّ بالأب مع الجدّ و إن علا و أمّا مع عدم الأب فالجدّ القريب هو الوليّ دون البعيد لا مستقلّا و لا مشتركا مع القريب

أمّا الجهة الأولى فالحقّ عدم اعتبار العدالة لا لما أفاده المصنف من الأصل فإنّ الأصل بالعكس لأنّ نفوذ تصرّف شخص في مال غيره يتوقّف على الدّليل و مع عدمه فالأصل يقتضي عدم نفوذه بل لإطلاق الأدلّة فإنّ الأخبار المستفيضة الدالّة على نفوذ وصيّته في المضاربة بماله و نفوذ عقد الأب و الجد و نفوذ عقد الجد بدون إذن الأب معلّلا بأنّ البنت و أباها للجدّ و الأخبار الدالّة على أنّه و ماله لأبيه إطلاقها شامل لما إذا كان الأب فاسقا و الطّائفة الثّانية و إن كانت في مقام حكم أخلاقيّ لا فقهيّ لعدم كون الولد

ص: 323

و لا ماله مملوكا للأب و ليس حكمه حكم العبد في كون نفسه ملكا لسيّده حقيقة و ماله مالا له طولا إلّا أن مقتضى تمسّك الأئمّة عليهم السّلام بقوله صلّى اللّٰه عليه و آله أنت و مالك لأبيك لجواز تصرّف الوالد في مال الولد هو ثبوت الولاية له و إن لم يكن عدلا

ففي الوسائل بعد ما نقل في كتاب التجارة عن الشّيخ بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه ع قال سألته عن الرّجل يحتاج إلى مال ابنه قال يأكل منه ما شاء من غير سرف قال و قال في كتاب عليّ ع إنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلّا بإذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها و ذكر أنّ رسول اللّٰه قال لرجل أنت و مالك لأبيك

ثم روى عنه أيضا عن أبي حمزة الثّمالي عن أبي جعفر ع أنّ رسول اللّٰه ص قال لرجل أنت و مالك لأبيك ثم قال أبو جعفر ع ما أحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه ممّا لا بدّ منه إنّ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ و في الوسائل أيضا عن العلل بإسناده إلى محمّد بن سنان أنّ الرّضا ع كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله و علّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه و ليس ذلك للولد لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله عزّ و جل يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ مع أنّه المأخوذ بمئونته صغيرا و كبيرا و المنسوب إليه و المدعوّ له لقوله عز و جل ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ و لقول النّبي ص أنت و مالك لأبيك إلى آخره

و في كتاب الحجر عن أبي عبد اللّٰه ع قال انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام و هو أشدّه و إن احتلم و لم يونس منه رشده و كان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله و بالجملة الأخبار بإطلاقها تدلّ على ثبوت الولاية للوليّ و إن لم يكن عدلا و ليس في البين دليل على اعتبار العدالة حتّى يقيّد ما يكون مطلقا أو يبين ما يكون مجملا و ما تمسّكوا به لاعتبارها مثل قوله عزّ من قائل وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ لا يدلّ على المقصود كما لا يخفى فإنّ الظّالم هنا هو السّلطان الجائر و الرّكون إليه هو الاعتماد عليه و الدّعاء له بالبقاء و هكذا ما قيل من أنّه يستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا فإنّ على ما في الأخبار من أنّ الولد و ماله لأبيه لم يجعل الفاسق أمينا على مال الغير بل المال و مالكه له

و على هذا يردّ أيضا الاستدلال بالآية الشّريفة بناء على كون مطلق الفاسق ظالما و كون جواز تصرّف كلّ فاسق في كلّ ما لم يكن له ركونا إليه لأنّ المال إذا كان مالا لشخص الظّالم فلا يشمله عموم الآية بل لو قلنا بأنّ هذه الأدلّة في بيان أمر أخلاقي و هو إثبات الولاية من باب الشّفقة و المحبّة و إثبات مرتبة من الاختصاص و الملكيّة دون الولاية المصطلحة الفقهيّة إلّا أنّ كون الوليّ فاسقا لا يضادّ مع حكمة الصّانع لأنّ الفاسق لو تعدّى و فرّط في مال الطّفل يحجره الحاكم كحجر السّفيه في ماله

نعم لا يمكن عزله لما ذكرنا أنّ هذه موهبة غير قابلة لسلبها عنه و لذا يسمّى بالوليّ الإجباري و كيف كان فلا يظهر لاعتبار العدالة ثمرة عمليّة إلا بناء على اعتبارها موضوعيّا كما في إمام الجماعة و المفتي و القاضي لأنّه لو قلنا في الجهة الثّانية باعتبار المصلحة في نفوذ تصرّفه فمع عدمها يبطل حتّى تصرّف العادل و لو قلنا بكفاية عدم المفسدة من باب أنّ مجرّد الشّفقة يكفي لجعل هذه الولاية فالشّفقة حاصلة للفاسق أيضا و لو قلنا بنفوذه حتّى مع المفسدة فعدم اعتبار العدالة بناء عليه أولى

و بالجملة لا دليل

ص: 324

على اعتبار العدالة فالأقوى ثبوت الولاية للفاسق أيضا نعم ثبوتها للكافر إذا كان المولى عليه مسلما كما إذا كان الجدّ كافرا و كان الوالد مسلما أو كانت الأمّ مسلمة لا يخلو عن إشكال بل الأقوى عدمه لأن الولد إذا كان مسلما من حيث تبعيّته للأب أو الأم فلا يمكن أن تكون للجدّ ولاية عليه لأنّها سبيل و لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا و تمام الكلام في هذا الشّرط و سائر الشّرائط كالحريّة و الإيمان موكول إلى محلّه

و أمّا الجهة الثّانية فالحقّ ثبوت الولاية له و لو مع المفسدة و المضرّة للطّفل و ذلك لإطلاق الأدلّة و استدراك المصنف لما أفاده من التمسّك بالإطلاق بقوله لكن الظّاهر منها أي من أخبار جواز تقويم جارية الابن على نفسه تقييدها بصورة حاجة الأب متمسّكا بقول الصادق عليه السّلام في جواب من سأله عمّا يحلّ للرّجل من مال ولده و هو قوله ع قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه و بقول الباقر ع لا نحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما يحتاج إليه ممّا لا بدّ منه إنّ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ و بالآية الشريفة وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و نحو ذلك لا يضرّ بالمقصود لأنّ المفروض أنّ من هذه الأدلّة يستفاد جواز أخذ الأب من مال الابن ما يحتاج إليه و هو ضرر على الطّفل

إلّا أن يقال إن مسألة نفقة الأب أو الجدّ من مال الولد صغيرا كان أو كبيرا خارجة عن موضوع البحث و إنّما الكلام في جواز تصرّف الوليّ الإجباري فيما يرجع إلى أمر الطّفل و هذه الأدلّة ليست ناظرة إلى إثبات الولاية بالمعنى الّذي هو موضوع البحث و هو نفوذ تصرف الوليّ في مال الطّفل بالبيع و الشّراء و الصّلح و الهبة و أمثال ذلك حتّى يتمسّك بإطلاقها لجواز تصرّفه فيما كان مضرا بالطّفل و إنّما هي في مقام جواز أخذ الوالد مال الولد و إن كان كبيرا

نعم يستفاد من هذه الأخبار أنّ للوالد نحو سلطنة على مال الولد و نفسه لا سيّما بضميمة أخبار عقد الجدّ بدون إذن الوالد و لا نعني بالولاية إلّا هذا المعنى لأنّه لو كان الولد و ماله تحت سلطنة الوالد فله التصرّف في ماله تصرّف الملاك في أملاكهم و مقتضى مفادها أن نحو ولاية الأب و الجدّ غير ولاية سائر الأمناء و الولاة لأنّ حكمة جعل الولاية قد تكون المصلحة و الغبطة كولاية الحاكم و نحوه و قد تكون الشّفقة و المحبّة كولاية الأب و الجدّ

و على هذا فكما يجوز تصرف الجدّ أو الأب في مال نفسه لو لم يكن سفهيّا و إن كان ضرريّا فكذا يجوز تصرّفه في مال المولى عليه كذلك إلّا أن ينعقد إجماع على خلافه أو يتمسّك بقوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و الخطاب فيه و إن لم يشمل الأب لفرض اليتم فيه إلّا أنّه يشمل الجد و يتم في الأب بعدم القول بالفصل أو يقال شمول اليتيم لمن ماتت أمّه و لو كان أبوه حيّا فتأمّل فإنّ الحكم بالإطلاق لا يخلو عن وجه و إن اختار شيخنا الأستاد مدّ ظله في هذه الدّورة عدم جواز التصرّف مع المفسدة

و أمّا الجهة الثّالثة فلا ينبغي الإشكال في أنّ الجد و إن علا يشارك الأب في الولاية عرضا فمع وجود الأب جدّا لجدّ حكمه حكم الجدّ في اشتراكه مع الأب لأن رواية النّكاح شاملة للجدّ العالي و إنّما الإشكال في أن مع فقد الأب هل الحكم بين الأجداد عرضيّ أو طوليّ أي الأقرب يمنع الأبعد أم لا فقد يتمسّك للأوّل بقوله عزّ من قائل وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ و لكنّ الظّاهر أنّ الآية

ص: 325

واردة لحكم الإرث و لا تشمل الولاية و هكذا لا تشمل المقام الأدلّة الدالّة على أنّ الأولى بأمر الميّت من كان أولى بالميراث فإنّها في مقام بيان الولاية في أمر التّجهيز و المناط في عدم مزاحمة الأب مع الجدّ في تزويج البنت مشترك بين الأجداد فإنّ الطّبقات النّازلة مملوكة للعالية فيشترك العالي مع النّازل

[مسألة من جملة أولياء التصرّف في مال من لا يستقلّ بالتصرّف في ماله الحاكم]

قوله قدّس سرّه مسألة من جملة أولياء التصرّف في مال من لا يستقلّ بالتصرّف في ماله الحاكم إلى آخره

لا شبهة في أنّ للحاكم الّذي هو الفقيه الجامع للشرائط التصرّف في مال الصّغير و الغائب في الجملة و إنّما الكلام في أنّ جواز تصرّفه فيه هل هو من جهة الولاية العامّة الثّابتة له على قول أو لكون هذا التصرّف من شئون القضاء الثّابت له بلا خلاف

و توضيح ذلك أنّ للولاية مراتب ثلاث إحداها و هي المرتبة العليا مختصّة بالنّبي و أوصيائه الطّاهرين صلوات اللّٰه عليهم أجمعين و غير قابلة للتّفويض إلى أحد و اثنتان منها قابلتان للتّفويض أمّا غير القابلة فهي كونهم عليهم السّلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم بمقتضى الآية الشّريفة النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ و هذه المرتبة غير قابلة للسّرقة و لا يمكن أن يتقمّص بها من لا يليق بها و أمّا القابلة للتفويض فقسم يرجع إلى الأمور السّياسيّة الّتي ترجع إلى نظم البلاد و انتظام أمور العباد و سدّ الثّغور و الجهاد مع الأعداء و الدّفاع عنهم و نحو ذلك ممّا يرجع إلى وظيفة الولاة و الأمراء

و قسم يرجع إلى الإفتاء و القضاء و كان هذان المنصبان في عصر النّبي و الأمير صلوات اللّٰه عليهما بل في عصر الخلفاء الثلاثة لطائفتين و في كل بلد أو صقع كان الوالي غير القاضي فصنف كان منصوبا لخصوص القضاء و الإفتاء و صنف كان منصوبا لإجراء الحدود و نظم البلاد و النّظر في مصالح المسلمين

نعم اتّفق إعطاء كلتا الوظيفتين لشخص واحد لأهليّته لهما إلّا أنّ الغالب اختلاف الوالي و القاضي و لا إشكال في ثبوت منصب القضاء و الإفتاء للفقيه في عصر الغيبة و هكذا ما يكون من توابع القضاء كأخذ المدّعى به من المحكوم عليه و حبس الغريم المماطل و التصرّف في بعض الأمور الحسبيّة كحفظ مال الغائب و الصّغير و نحو ذلك

و إنّما الإشكال في ثبوت الولاية العامّة و أظهر مصاديقها سدّ الثّغور و نظم البلاد و الجهاد و الدّفاع و هنا مصاديق مشكوكة في أنّها من منصب القاضي أو الوالي كإجراء الحدود و أخذ الزكاة و إقامة الجمعة و لإثبات دخولها في أيّ واحد من المنصبين محلّ آخر و المهم إثبات الكبرى و هي ثبوت الولاية العامّة للفقيه في عصر الغيبة فإنّها لو ثبتت بالأدلّة المعتبرة فالبحث عن الصّغرى لغو لأنّها على أيّ حال من وظيفة الفقيه

و استدلّوا لثبوتها له بالأخبار الواردة في شأن العلماء و بالتّوقيع الشّريف المرويّ في إكمال الدّين و هو قوله أرواحنا له الفداء و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّٰه و بمقبولة عمر بن حنظلة و بالمشهورة و بروايتي أبي خديجة و لكنّك خبير بعدم دلالتها على المدّعى

أمّا قوله ص علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل فلعلّ التّنزيل كان بلحاظ تبليغ الأحكام بين الأنام كما هو شأن أغلب أنبياء بني إسرائيل فإنّهم ع كانوا مبلّغين لأحكام موسى على نبيّنا و آله و عليه السّلام و قلّ من كان منهم واليا و سلطانا كداود و سليمان ع

و أما قوله ع مجاري الأمور بيد العلماء و قوله العلماء ورثة الأنبياء

ص: 326

و نحو ذلك من الأخبار الواردة في علوّ شأن العالم فمن المحتمل قريبا كون العلماء فيها هم الأئمّة عليهم السّلام كما في الخبر المعروف مداد العلماء كدماء الشهداء و لا سيّما الخبر الأوّل الدالّ بإطلاقه على الولاية العامّة فإنّ فيه قرائن تدلّ على أنّ المراد من العلماء فيه هم الأئمّة عليهم السّلام فإنّهم هم الأمناء على حلال اللّٰه و حرامه

و أمّا التّوقيع الشّريف فغاية تقريبه للمدّعى ما أفاده في المتن من الوجوه الّتي منها ظهور الحوادث في مطلق الوقائع الّتي لا بدّ من الرّجوع فيها إلى الإمام ع مع حضوره من غير فرق بين الأحكام و السّياسات من إجراء الحدود و أخذ الزّكوات و نحو ذلك و منها إرجاع نفس الحوادث إلى رواة الأحاديث الّذين هم الفقهاء فتكون ظاهرة في الأمور العامّة لا أحكامها حتى تكون ظاهرة في الإفتاء و القضاء و منها التّعليل بكونهم حجّة من قبله كما أنّه ع حجّة من قبل اللّٰه فما كان له عليه السّلام من قبل اللّٰه سبحانه و كان قابلا للتفويض فهو للرّواة و منها أنّ مثل إسحاق بن يعقوب أجلّ شأنا من أن يخفى عليه لزوم الرّجوع في المسائل الشّرعيّة إلى الفقهاء بخلاف الرّجوع إليهم في الأمور العامّة فإنّه يحتمل أن يكون الإمام ع قد جعله الشخص خاص أو أشخاص معيّنة من ثقات ذاك الزّمان فيريد معرفته فيوقع الإمام أرواحنا له الفداء بأنّ جميع الرّواة مراجع لهذه الأمور

هذا و لا يخفى ما في هذه الوجوه من المناقشة أمّا الأوّل فلأنّ السّؤال غير معلوم فلعلّ المراد من الحوادث هي الحوادث المعهودة بين الإمام ع و السّائل و على فرض عمومها فالمتيقّن منها هي الفروع المتجدّدة و الأمور الرّاجعة إلى الإفتاء لا الأعمّ و أمّا الثّاني فلأنّ أدنى المناسبة بين نفس الحوادث و حكمها كاف للسّؤال عن حكمها فيكون الفقيه هو المرجع في الأحكام لا في نفس الحوادث و أمّا الثّالث فلأنّ الحجّة تناسب المبلّغيّة في الأحكام و الرسالة على الأنام أيضا كما في قوله عزّ من قائل قُلْ فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ و قوله تِلْكَ حُجَّتُنٰا آتَيْنٰاهٰا إِبْرٰاهِيمَ و نحو ذلك ممّا ورد بمعنى البرهان الّذي به يحتجّ على الطّرف

و بهذا المعنى أيضا ورد قوله ع إنّ الأرض لا تخلو من حجّة لأنّ به يتمّ الحجّة و يهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بيّنه و لذا وصفهم برواة الأحاديث الّذين شأنهم التّبليغ و أمّا الرابع فكون محمّد بن إسحاق من أجلّاء العلماء لا ينافي سؤاله عن أمر جليّ و لذا يسأل مثل زرارة و محمّد بن مسلم من الإمام ما لا يخفى على أحد هذا مع أن سؤاله لا يكون ظاهرا في تكليف المسلمين في الغيبة الكبرى حتّى يكون الجواب ظاهرا في عموم الوقائع بل يسأل عن حالهم في الغيبة الصّغرى فإنّ العمري الّذي بتوسطه سأل محمّد بن إسحاق عن حكم الوقائع عن الإمام ع هو محمّد بن عثمان العمري كما يظهر من قوله ع في ذيل الخبر و أمّا محمّد بن عثمان العمري فرضي اللّٰه عنه و عن أبيه من قبل فإنّه ثقتي و كتابه كتابي و هو كان سفيرا من قبله ع فلعلّه يسأل بتوسّطه عن المرجع في الفروع المتجدّدة في ذلك العصر لا عن المرجع في الأمور العامّة

و أمّا روايتا أبي خديجة فاختصاصهما بالقضاء واضح مضافا إلى ضعفهما لأنّ له حالة اعوجاج عن طريق الحقّ و هي زمان متابعته للخطابيّة و حالتي استقامة و هما قبل الاعوجاج و بعده و لم يعلم أنّه رواهما في أيّ الحالات و كيف كان لا تدلان إلّا على نفوذ قضاء المجتهد المطلق أو المتجزّي أيضا دون مطلق الأمور العامّة فإنّ إحداهما قوله ع اجعلوا بينكم رجلا ممّن عرف حلالنا و حرامنا

ص: 327

و الأخرى قوله ع انظروا إلى رجل منكم يعلم من قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه و في سند الكليني إليه بدل قضايانا قوله قضائنا و لا يخفى أنّ القاضي غير الوالي

و أمّا المشهورة و هي قوله السّلطان وليّ من لا وليّ له فلا تدلّ أيضا على مرجعيّة السلطان في الأمور العامّة فإنّه لو لم نقل بما قيل من ورودها بالنّسبة إلى الميّت الّذي لا وليّ له بل قلنا بولايته على كلّ من لا وليّ له حتى الموقوف عليهم في الأوقاف العامّة فضلا عن مثل الصبيّ و المجنون و الغائب إلّا أنّه حيث إنّ ظاهرها ولاية السلطان على من يحتاج إلى الوليّ فتختصّ بالأمور الحسبيّة فلا تدلّ على ولايته على إقامة الجمعة و إجراء الحدود و أخذ الزكاة جبرا و نظم البلاد و ما يرجع إلى الأمور العامّة

نعم لا بأس بالتمسّك بمقبولة عمر بن حنظلة فإن صدرها ظاهر في ذلك حيث إنّ السّائل جعل القاضي مقابلا للسّلطان و الإمام ع قرره على ذلك فقال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن رجلين من أصحابنا تنازعا في دين أو ميراث فتحاكما إلى السّلطان أو إلى القضاة أ يحلّ ذلك إلى آخره

بل يدلّ عليه ذيلها أيضا حيث قال ع ينظر إلى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما فإنّ الحكومة ظاهرة في الولاية العامّة فإنّ الحاكم هو الّذي يحكم بين النّاس بالسّيف و السّوط و ليس ذلك شأن القاضي ثم إنّ وجوب أداء سهم الإمام أرواحنا له الفداء إلى الفقيه ليس إلّا من باب أنّه أبصر بموارد صرفه بعد العلم بأنّه ع لو كان حاضرا لصرفه

و كيف كان فإثبات الولاية العامّة للفقيه بحيث تتعيّن صلاة الجمعة في يوم الجمعة بقيامه لها أو نصب إمام لها مشكل

قوله قدّس سرّه الولاية تتصوّر على وجهين الأوّل استقلال الوليّ بالتصرّف مع قطع النّظر عن كون تصرّف غيره منوطا بإذنه أو غير منوط به و مرجع هذا إلى كون نظره سببا في جواز تصرّفه الثّاني عدم استقلال غيره بالتصرّف و كون تصرّف الغير منوطا به و إن لم يكن هو مستقلّا بالتصرّف و مرجع هذا إلى كون نظره شرطا في جواز تصرّف غيره و بين موارد الوجهين عموم من وجه إلى آخره

لا يخفى أنّ هذين القسمين المتصوّرين في الولاية لا يوجبان اختلافا في حقيقتها لأنّ لنظر الوليّ جهة موضوعيّة في كلا القسمين غاية الأمر أنّ ما يراه صلاحا تارة لا بدّ أن يقع عن الفقيه بالمباشرة كالفتوى و القضاء و أخرى لا بدّ أن يقع بمباشرة غيره كما إذا عجز أحد الوصيّين اللّذين اشترط الموصي اجتماعهما أو مرض على وجه لا يقدر على القيام بتمام ما أوصي به و لو بالتوكيل أو الاستيجار فإنّ الحاكم يضمّ إليه من يقوّيه و يعينه فإنّ في هذا المثال ليس للحاكم المباشرة مع أنّ تصرّف غير الوصي منوط بإذنه و ثالثة يمكن أن يقع من الحاكم أو من غيره بإذنه كوكيله أو متولّي الوقف من قبله أو المأذون في الصّلاة على ميّت لا وليّ له و على هذا فالمثال الثالث هو مادّة الاجتماع

و بالجملة إن رجع جهة العموم من وجه بين القسمين إلى مباشرة الحاكم و الغير فلا بدّ أن يفرض مادة الاجتماع ما يمكن أن يصدر من كليهما و أمّا لو رجع إلى غير هذه الجهة فلا نجد بينهما هذه النسبة إذ لا ينفكّ توقّف التصرّف على نظر الفقيه عن استقلاله في التصرّف

بل يمكن أن يقال لا اختلاف في حقيقتهما بل كلّ منهما من أفراد الولاية العامّة فإنّ كون نظر الحاكم شرطا لجواز تصرّف الغير أو سببا لجواز تصرّف نفسه لا يوجب اختلافا في هويّتها فإنّ هذه

ص: 328

الاختلافات راجعة إلى المشخّصات الفرديّة و كلّ من هاتين المرتبتين من شئون ولاية الفقيه و من كان واليا من قبل الإمام ع في البلاد بل لا يمكن صدور جميع الأمور من نفس الوالي بالمباشرة كما لا يخفى

قوله قدّس سرّه ثم إنّ النّسبة بين مثل هذا التّوقيع و بين العمومات الظّاهرة في إذن الشّارع في كلّ معروف لكلّ أحد مثل قوله ع كل معروف صدقة و قوله ع عون الضّعيف من أفضل الصّدقة و أمثال ذلك و إن كانت عموما من وجه إلّا أنّ الظّاهر حكومة هذا التّوقيع عليها إلى آخره

الظّاهر أن مراده من العموم من وجه بين التوقيع و العمومات هو أنّ الحوادث الّتي يكون المرجع فيها الفقيه هي الأعمّ من كونها معروفا أو غير معروف لأنّ جميع الوقائع العامّة الحادثة يكون المرجع فيها الفقيه سواء كانت من الأمور الّتي علم من الشّارع بوجوب وجودها في الخارج أم لم تكن كذلك كحكمه بثبوت الهلال و نحو ذلك و أمّا أعميّة المعروف فيمكن أن يكون بلحاظ شموله للأمور الكليّة و الجزئيّة و يمكن أن يكون بلحاظ شموله للحادث في عصر الغيبة و لما كان في عصر الأئمّة

و كيف كان لو قيل بأنّ مرجعيّة الفقيه لا تختصّ بالقضاء و الإفتاء فلا شبهة في حكومة هذا التوقيع على العمومات لأنّ مقتضاه أنّ صدور كلّ قضيّة يجب أن يكون بنظر الفقيه فكون القضيّة معروفة لا ينافي كونها مشروطة بإذن الفقيه

قوله قدّس سرّه و على أيّ تقدير فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ ما دلّ عليه هذه الأدلّة هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور الّتي يكون مشروعيّة إيجادها في الخارج مفروغا عنها بحيث لو فرض عدم الفقيه كان على النّاس القيام بها كفاية و أمّا ما يشكّ في مشروعيّته كالحدود لغير الإمام و تزويج الصّغيرة لغير الأب و الجدّ و ولاية المعاملة على مال الغائب بالعقد عليه و فسخ العقد الخياري عنه و غير ذلك فلا يثبت من تلك الأدلّة مشروعيّتها للفقيه إلى آخره

لا يخفى أنّه بعد أن بيّنا أنّ للإمام عليه السّلام مراتب ثلاث من الولاية و أن مرتبة منها غير قابلة للتفويض و هي كونه ع أولى بالمؤمنين من أنفسهم و محلّ الكلام غير هذا القسم و هو الولاية العامّة و القضاء و الإفتاء يظهر ما في كلام المصنف أمّا أولا فلأنّ بعض الأمور خارج عن موضوع البحث كتزويج الصّغيرة لغير الأب و الجد فإنّه ليس من شئون القضاء و الإفتاء و لا من الأمور الّتي يتوقّف نظم البلاد عليها و لا من المعروف الّذي نعلم بوجوب وجوده في الخارج و ثانيا من أين ظهر أن ما دلّ عليه هذه الأدلّة هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور الّتي يكون مشروعيّة إيجادها في الخارج مفروغا عنها فإنّه قدّس سرّه اعترف بأنّ النّسبة بين التّوقيع و العمومات الظّاهرة في إذن الشّارع في كلّ معروف لكلّ أحد هي العموم من وجه و قد تقدّم أنّ أعميّة الحوادث إنّما هي باعتبار شمولها للمعروف و غيره و على فرض عدم اعترافه قدّس سرّه بذلك فقوله ع و أمّا الحوادث لا يختصّ بهذه الأمور و كذا قوله ع مجاري الأمور بيد العلماء و قوله ع فإنّي قد جعلته حاكما

و بالجملة حيث إنّه قدّس سرّه جعل الولاية على قسمين استقلال الوليّ بالتصرّف و عدم استقلال غيره بالتصرّف نهض لإثبات الثّاني بالأدلّة الدالّة على أنّ مرجع الأمور هو الفقيه مع أنّك قد عرفت أنّ هذا التّقسيم ليس إلّا باعتبار تصدّي نفس الحاكم أو المأذون من قبله و مع الغضّ عن هذا و التّسليم بصحّة التّقسيم على وجه التباين و لو في الجملة فالدّليل الدالّ على الثّاني يدلّ على الأوّل أيضا و الخبير يعرف مواقع أخر للنّظر في كلامه قدّس سرّه

و بالجملة المقصود من إثبات الولاية للفقيه هو إثبات ما كان للأشتر

ص: 329

و قيس بن سعد بن عبادة و محمّد بن أبي بكر و نظرائهم رضوان اللّٰه تعالى عليهم و لا إشكال في أنّه كان لهم أجزاء الحدود و أخذ الزكاة جبرا و الخراج و الجزية و نحو ذلك من الأمور العامّة فراجع

[مسألة في ولاية عدول المؤمنين]

قوله قدّس سرّه مسألة في ولاية عدول المؤمنين إلى آخره

لا يخفى أنّه لو ثبت الولاية العامّة للفقيه مطلقا إلّا ما خرج كإقامة الجمعة الّتي قيل باختصاصها بالإمام عليه السّلام فإذا تعذر الرّجوع إليه في الأمور الّتي يتوقّف حفظ النظام عليها فلا شبهة في سقوط اعتبار مباشرته أو إذنه لاستقلال العقل بلزوم القيام بما يحفظ به النظام غاية الأمر ما دام العادل قادرا على القيام به فهو المتيقّن و إلّا فعلى كلّ من يتمكّن منه و أمّا الأمور الّتي لا يتوقف حفظ النّظام الكلّي عليها و لكنّها من المعروف أو من قبيل فصل الخصومات أو الإفتاء في الأحكام الكليّة فتارة يعلم من مناسبة الحكم و الموضوع أنّ ولايته إنّما هو لنظره و اجتهاده غاية الأمر اعتبر فيه العدالة أيضا موضوعيّا و أخرى يعلم بأنّ ولايته لعدالته أو لرئاسته و حكومته أي يعلم بأنّ الاجتهاد لم يكن دخيلا أصلا أو لم يكن ركنا في الموضوع ففي الأوّل إذا فقد الفقيه ليس لغيره التصدّي له فلا يجوز للعامي الإفتاء و لا القضاء و في الثّاني يقوم عدول المؤمنين به من باب كونه المتيقّن أو مطلق من يوثق به و لو تعذّر فيقوم به سائر المؤمنين

و بالجملة الأمور الّتي يعلم من الشّرع مطلوبيّتها في جميع الأزمان و لم يؤخذ في دليلها صدورها من شخص خاصّ فمع وجود الفقيه هو المتعيّن للقيام بها إمّا لثبوت ولايته عليها بالأدلّة العامّة أو لكونه هو المتيقّن من بين المسلمين أو لئلّا يلزم الهرج و المرج فيعتبر قيام الفقيه به مباشرة أو إذنه أو استنابته و مع تعذّره فيقوم به سائر المسلمين و لما كان العدل أولى بالحفظ و الإصلاح فمع وجوده هو المتعيّن كما يدلّ عليه الأدلّة الّتي نشير إليها أو هو المتيقّن و مع فقده فمطلق الثّقة و مع عدمه فكلّ من كان صالحا فكون هذه الأمور مطلوبة لا ينافي اعتبار قيام شخص خاصّ بها على التّرتيب كما لا ينافي مطلوبيّتها لزوم تعطيلها إذا قلنا باعتبار قيام خصوص الفقيه بها عند فقده

نعم لو كانت مطلوبة على كلّ تقدير و لو مع فقد الفقيه فلا بدّ من القيام بها على التّرتيب المذكور و قد يستدلّ لولاية عدول المؤمنين على الصّغار الّذين لا وليّ لهم بما رواه في الكافي عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال مات رجل من أصحابنا و لم يوص فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيّم بماله و كان الرّجل خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري فباع عبد الحميد المتاع فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهنّ إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّته و كان قيامه بهذا بأمر القاضي لأنّهن فروج فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السّلام فقلت له يموت الرّجل من أصحابنا و لم يوص إلى أحد و يخلّف الجواري فيقيم القاضي رجلا منّا ليبعهنّ أو قال يقوم بذلك رجل منّا فيضعف قلبه لأنهن فروج فما ترى في ذلك القيّم قال فقال إذا كان القيّم مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس

و تقريب دلالته على العدالة أنّ الوجوه المحتملة للمماثلة أربعة الأوّل المماثلة في التشيّع و الثّاني المماثلة في الفقاهة الثالث المماثلة في الوثاقة و ملاحظة مصلحة اليتيم الرابع المماثلة في العدالة و الأوّل بعيد جدّا و إلّا كان المناسب أن يقال إذا كان من أصحابنا أو من أصحابك أو من يعرف أمرنا فلا بأس و الثّاني أبعد لأنّه لو كان كذلك فمفهوم الشّرط أنّه لو لم يكن القيّم فقيها ففيه البأس و هذا ينافي كون التصرف في مال اليتيم و القيام بأمره من الأمور التي لا تسقط بتعذّر إذن الفقيه فيدور الأمر

ص: 330

بين الاحتمالين الأخيرين

و النّسبة بين الوثاقة و العدالة و إن كانت عموما من وجه إلّا أنّه لا شبهة أنّ العدل أيضا لا بدّ من أن يتصرّف فيما هو مصلحة اليتيم فالعدالة في هذا الباب هي الأخصّ من الوثاقة و في الدّوران بين الخاص و العامّ الخاصّ هو المتيقّن

هذا مضافا إلى اعتبار العدالة صريحا في رواية إسماعيل بن سعد قال سألت الرّضا عليه السّلام عن رجل يموت بغير وصيّة و له ولد صغار و كبار أ يحلّ شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير أن يتولّى القاضي بيع ذلك فإن تولّاه قاض قد تراضوا به و لم يستخلفه الخليفة أ يطيب الشّراء منه أم لا قال ع إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك

نعم ظاهر صحيحة علي بن رئاب و موثّقة زرعة عن سماعة كفاية الوثاقة و لكنّهما قابلتان للتّقييد بالعدالة فمع وجود العدل لا شبهة أنّ المتيقن نفوذ خصوص ما يقوم به نعم مع تعذّره يقوم الفسّاق من المؤمنين بعد عدم احتمال تعطيله لكونه ضروريّا و ممّا يستقل العقل بلزوم وجوده

ثم إنّه لا إشكال في أنّ ثبوت الولاية للعدل أو الثّقة ليس كثبوتها للفقيه فإنّ الفقيه لو وضع يده على مال اليتيم أو الغائب يخرج المولى عليه عمّن لا وليّ له و ليس لفقيه آخر مزاحمته و هذا بخلاف ولاية العدل أو الثّقة فإنّ ولايته عبارة عن أنّ له أن يفعل في مال المولى عليه ما يراه صلاحا فما لم يفعل و لم يتصرّف في المال يجوز تصرّف العدل الآخر

و بعبارة أخرى حكم ولاية العدل حكم ولاية الأب و الجدّ فما دام الموضوع باقيا له التصدّي و أمّا ولاية الفقيه فلا يقبل المزاحمة و إن لم يتصرّف بعد لأنّه وليّ من لا وليّ له فإذا تحقّق الوليّ فلا ولاية لآخر كما هو مفاد المشهورة السّلطان وليّ من لا وليّ له

ثمّ لا يخفى أنّه يستفاد من مجموع الأدلّة أن ولاية الفقيه و العدل و مطلق المؤمن ليس كولاية الأب و الجد حتى يكون لهم التصرّف مطلقا بل الظّاهر منها إناطة جواز التصرّف بما كان صلاحا لليتيم أو الغائب و نحوهما لأن مفهوم قوله ع في حسنة الكاهلي إن كان في دخولكم عليهم منفعة فلا بأس أنّه لو لم يكن الدّخول صلاحا لهم سواء كان ضرريا أو لا ففيه البأس و ذكر أحد فردي المفهوم لخصوصيّة موجبة لذكره في الشّرطيّة الثّانية لا يوجب أن تكون الشّرطيّة الأولى ساكتة عمّا لم يكن فيه صلاح و فساد لأنّ ظاهر الشّرط في الثّاني أنّ المدار على الأوّل فهو تابع للأوّل مع أنّه لو كان كذلك فمقتضى الأصل و هو عدم ولاية أحد على مال غيره هو اعتبار الصّلاح فلا تعارض بين الصدر و الذّيل و ترك الاستفصال في رواية مغيرة إنّما هو لأنّ الغالب في الهدايا للأيتام أنّ تبديلها بالثّمن صلاح لهم

[مسألة يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا أن يكون مسلما]

قوله قدّس سرّه يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا أن يكون مسلما إلى آخره

لا يخفى أنّ الدّليل الدالّ عليه الخالي عن الإشكال و المناقشة هو النّص الوارد في عبد كافر أسلم فإنّ أمر الأمير عليه الصّلاة و السّلام بالبيع من المسلم و نهيه عن الاستقرار عند الكافر يدلّ بالملازمة العقليّة على عدم تملّك الكافر العبد المسلم ملكا مستقرّا فهو نظير ما لو قيل أزل النّجاسة عن المسجد فكما يفهم منه حرمة إدخال النّجس فيه كذلك يستفاد من عدم استقرار ملك الكافر على المسلم عدم حدوث ملكه عليه كذلك

و ما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ عدم الحدوث تابع لعدم الرّضا بالبقاء فكما أن عدم الرّضا بالبقاء لا يدلّ على خروج ملك الكافر عن ملكه بمجرّد إسلام عبده بل هو مجرّد تكليف بعدم

ص: 331

الإبقاء و لا يستتبع وضعا فكذلك عدم حدوثه أيضا ليس معناه عدم تملّكه أصلا بل مع تملّكه له يجب إخراجه عن ملكه ففيه أنّه لا إشكال في المتابعة و إن حكم الحدوث و يستفاد من حكم الإبقاء إلّا أنّ منع استتباع النّهي عن الإبقاء للوضع مناقض لما هو المستفاد منه قدّس سرّه في الأصول على ما في التقرير من أنّ النّهي الرّاجع إلى السّبب يقتضي الفساد كما هو الحقّ فإنّ النّهي إذا تعلّق بنتيجة الفعل و قيل بأنّه لا تقرّوا المسلم تحت يد الكافر يدلّ عقلا على أنّ الكافر مسلوب التصرّف و ليس له إبقاء الملك على ملكه فإذا كان كذلك في مرحلة البقاء يكون كذلك في مرحلة الحدوث أي ليس له إحداث الملك المستقر

و لذلك ذهب المشهور إلى أنّه لو نذر أن يتصدق فليس له بيع المنذور لأنّه بنذره سلب عن نفسه جميع التصرّفات المنافية للصّدقة و هكذا لو اشترط أن يبيع من زيد أو لا يبيع من عمرو فليس له إلّا البيع من زيد في الأوّل و لا ينفذ بيعه من عمرو في الثّاني و ليس ذلك إلّا لأنّ الشّرط أو النّذر يوجب سلب سلطنة المالك على غير العمل بالنّذر أو الشّرط

فحاصل الرّواية أنّه يجب عليه وضعا البيع من المسلمين و يحرم عليه وضعا البقاء عنده أي إنّه مسلوب التصرّف و لا معنى للفساد إلّا عدم سلطنته على التصرّف و هذا نتيجة حكومة الأدلّة الدالّة على العناوين الثّانويّة كالنّذر و الشّرط و نحو ذلك على العمومات الأوّليّة ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و النّاس مسلطون على أموالهم

قوله قدّس سرّه و أمّا الآية فباب الخدشة فيها واسع إلى آخره

لا يخفى أنّه لو سلّم الخدشة الأولى من جهة أن ظاهر كلمة لن في قوله عزّ من قائل لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا أن جعل السّبيل للكافر على المؤمن أمر لم يكن و لا يمكن أن يكون أبدا و هذا المعنى غير قابل للتّخصيص مع أنّه لا إشكال في تملّك الكافر المؤمن بالإرث ابتداء و تملّكه له استدامة كما لو كانا كافرين و أسلم العبد أو كانا مسلمين و ارتدّ المولى فلا بدّ من جعل السّبيل المنفيّ غير الملكيّة حتّى لا يلزم تخصيص و لم نقل بأنّ لزوم التّخصيص إنّما هو لو التزمنا أنّ السّبيل مطلق التملّك القهري و الاختياري و أمّا لو قلنا بأنّ التملّك القهري ليس سبيلا له على المؤمن فلا يلزم تخصيص إلّا أنّه لا يرد عليها الخدشة الثانية و الثّالثة

أمّا الثّانية فلأنّ تفسيرها في بعض الأخبار بنفي الحجّة للكفّار على المؤمنين لا ينافي الأخذ بظاهرها و هو نفي كلّ ما يعدّ عرفا سبيلا و من أفراده الظّاهرة كون العبد المسلم مملوكا له كسائر أملاكه بحيث يكون له جميع أنحاء التصرّف من الاستخدام و بيعه من الكافر و نحو ذلك فإن هذه التّفاسير من بطون القرآن و من المعاني الطّوليّة الغير المستلزمة لاستعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد فلا تنافي ما هو ظاهره

و أمّا الثّالثة فلأن مجرّد كون النّسبة بين الآية و أدلّة صحّة البيع عموما من وجه لا يوجب معاملة التّعارض بينهما لأن حكومتها عليها يرفع التّعارض و لا وجه لما أفاده في قوله و حكومة الآية عليها غير معلومة لأنّ الحكومة لا تحتاج إلّا إلى كون أحد الدليلين ناظرا إلى الآخر بأن يتعرّض الحاكم إلى عقد وضع المحكوم أو حمله و معلوم أنّ الآية كذلك بالنّسبة إلى العمومات لو لم يكن هناك محذور فالعمدة إباء سياق الآية عن التّخصيص

و على هذا فيحمل الآية على نفي السّلطنة التامّة لا أصل الملكيّة و مقتضى نفي التسلّط التّام أن يكون المالك محجورا عن التصرّف الصّادق عليه الاستيلاء و السّبيل و مجبورا على البيع و بالجملة مقتضى الرّواية الشريفة

ص: 332

عدم تملّك الكافر المسلم و مقتضى الآية المباركة عدم استيلائه عليه و على هذا ففي الموارد الّتي لا يدخل رقبة المسلم تحت يد الكافر كملك المنافع إذا صدق الاستيلاء عليه ليس له ذلك أيضا كما سيجي ء إذ فرق بين مفاد الآية المباركة و الرّواية الشّريفة فإنّ الآية غير ناظرة إلى أدلّة المعاوضات و إنّما هي حاكمة على مثل النّاس مسلّطون لأنّ السّبيل هو السّلطنة التامّة دون التملّك

و أمّا الرّواية الشّريفة فهي حاكمة على أدلّة المعاوضات إذا اقتضت الملكيّة المستقرّة و لا تشمل الملكيّة الاستطراقيّة على المسلم و لا الملكيّة الحاصلة للكافر قهرا كالإرث و نحوه كالوقف عليه لأنّ قوله ع لا تقرّوه عنده لا يدلّ على خروج الملك عن ملك الكافر قهرا بل على عدم استقراره عنده فلا يدلّ على عدم حدوثه عنده و إنّما الملازمة بين البقاء و الحدوث تقتضي عدم الحدوث و على نحو الاستقرار فالعقود المقتضية للبقاء كالبيع و نحوه محكومة بالرّواية لا كلّما يوجب الملك و لو آنا ما

قوله قدّس سرّه هذا مضافا إلى أنّ استصحاب الصّحة في بعض المقامات يقتضي الصّحة إلى آخره

لا يخفى ما في هذا الكلام من الغرابة فإنّ عدم القول بالفصل مضافا إلى أنّه لا أثر له إلّا إذا رجع إلى الإجماع على الاتّحاد لا وجه له في باب مجاري الأصول فإن التّفكيك بين اللوازم و الملزومات لا محذور فيه فإذا جرى الأصل في مورد و لم يجر في آخر فلا وجه لإلحاق هذا المورد بمورد جريان الأصل

و بالجملة محلّ التمسّك بعدم القول بالفصل إنّما هو الأحكام الواقعيّة لا الأحكام الظّاهريّة و فيها أيضا يتوقّف على الملازمة القطعيّة بين الموارد و أمّا مجرّد عدم القول بالتّفكيك فلا أثر له

و بعبارة أخرى استفادة حكم موضوع من موضوع آخر يتوقّف على أمرين الأوّل أن يكون التّلازم بينهما قطعيا الثّاني أن يكون حكم الأصل الّذي يستفاد منه الفرع ثابتا بالأمارة و أمّا إذا لم يكن التلازم قطعيّا أو ثبت حكم أحد المتلازمين بالاستصحاب و نحوه فلا يمكن إثبات حكم الملازم الآخر و لذا يحكم في مقدار خاصّ من الماء تارة بالقلّة إذا كان مسبوقا بها و أخرى بالكثرة إذا كان مسبوقا بها و يحكم في مكان خاص بوجوب القصر تارة و وجوب الإتمام أخرى لاختلاف الحالة السّابقة

و أغرب من هذا ما أفاده في

قوله قدّس سرّه و لا يعارضه أصالة الفساد في غير هذه الموارد لأنّ استصحاب الصّحة مقدّم عليها إلى آخره

لأنّه لو كان المدّعى الحكم بالصّحة في غير مورد جريان استصحاب الصّحة من باب عدم القول بالفصل بين الموردين و الحكم بالفساد في غير مورد استصحاب الفساد من باب عدم القول بالفصل بين الموردين فلا يصحّ الجواب عنه بأن أصالة الفساد محكوم بأصالة الصّحة لأنّ مورد الحكومة إنّما هو لو كان الأصلان واردين في مورد واحد و أمّا لو كان مورد أحدهما غير مورد الآخر و لا سببيّة و مسبّبية بينهما فلا وجه للحكومة فالالتزام بملكيّة الكافر فيما لو كان مسلما و ارتدّ و ما لو كانا كافرين و أسلم العبد و نحو ذلك كالإرث لا يلازم الالتزام بتملّكه بالشراء و نحوه كالهبة و الصّلح بل الوصيّة و الجعالة

و بالجملة مقتضى الرّواية عدم تملّك الكافر للمسلم و استصحاب صحّة تملّكه في بعض المقامات لا يقتضي صحّته في الموارد الأخر سيّما إذا فرضنا وجود أصل موضوعيّ يقتضي الفساد و مقتضى الآية الشّريفة نفي استيلاء الكافر على المؤمن و سلطنته عليه فالرّواية خاصّة من جهة لاختصاصها بملك الرقبة

ص: 333

و لا تشمل المنافع و الآية خاصّة من جهة أخرى و لا تشمل الملكيّة المسلوبة عنها الآثار و أمّا شمولها لملك المنفعة أو الانتفاع إذا فرضنا اقتضاء تملّكه لهما السّلطنة على المسلم و الاستيلاء عليه كالإجارة المطلقة المتعلّقة بجميع منافع الحرّ و العبد المسلمين فلا ينبغي الإشكال فيه

و على هذا فالصّواب أن يقال إن كلّ ما اقتضى استيلاء الكافر على المسلم لا يصحّ من غير فرق بين تمليك المنفعة كالإجارة و تمليك الانتفاع كالعارية و من غير فرق بين أن يكون المسلم حرّا أو عبدا و كلّ ما لم يقتض ذلك فلا مانع منه مطلقا

و التفصيل بين الذمّة و العين أو بين كون المسلم حرّا و عبدا أو بين كون الكافر مسلّطا على استيفاء المنفعة و استيفاء الانتفاع إن رجع إلى البحث عن الصّغرى و أنّه هل هذا سبيل أو لا فللبحث عنها مجال و أمّا إن رجع إلى البحث عن الكبرى و أنّه هل يشمل آية نفي السّبيل جميع هذه الأقسام أو لا فلا شبهة أنّه لم يقم دليل خاصّ على خروج بعض الأقسام مع كونه من أفراد العام و لا على إلحاق بعضها بها مع كونه خارجا عنها

فالصّواب هو تنقيح الصغرى حتّى يظهر أنّ الجواز مطلقا كما في التذكرة و غيرها أو المنع مطلقا كما عن الإيضاح لا وجه له فنقول كما أنّه قد تقتضي إجارة الأموال كون العين كالدّار تحت يد المستأجر و قد لا تقتضي ذلك كإجارة الدابّة و السّفينة للحمل فكذلك في إجارة الأعمال قد تقتضي استيلاء المستأجر على العامل سواء كان هو المؤجر نفسه كالحر أو كان غيره كالعبد و قد لا تقتضي ذلك فالأوّل كالإجارة المطلقة المتعلّقة بجميع منافع الحرّ و العبد و مجرّد أنّ الحرّ ليس قابلا للتملّك و الغصبيّة لا يقتضي سلب سلطنة الكافر فإذا آجر رقبته بحيث كان جميع منافعه للكافر فهذا سبيل منه عليه و هكذا الأجير الخاصّ كما لو استأجر الكافر المسلم في مدّة من الزّمان لعمل خاصّ بحيث لم يكن للموجر أن يعمل في هذه المدّة لغير المستأجر الكافر

و بعبارة أخرى إذا ملك الكافر عمل المسلم بحيث لم يكن له أن يملك غيره فهذا سبيل منه عليه و الثّاني كالإجارة المتعلّقة بذمّة المسلم كما لو آجر نفسه لأن يخيط له ثوبا أو آجر عبده كذلك فإنّ مجرّد ذلك ليس سبيلا عليه فهذه الإجارة نظير الاقتراض من الكافر في أنّ مجرّد مطالبة الدّين ليس سبيلا منه عليه

قوله قدّس سرّه و أمّا الارتهان عند الكافر ففي جوازه مطلقا إلى آخره

لا يخفى أنّه من أحكام الرّهن شرعا عند الإطلاق أن تكون العين المرهونة تحت يد المرتهن فإذا كان المرتهن كافرا و كانت العين المرهونة عبدا مسلما لا يمكن أن يؤثر عقد الارتهان ما يقتضيه إطلاقه لأنّ كون العبد المسلم تحت يد الكافر سبيل منه عليه فإذا اشترطا أن يكون عند ثالث مسلم فلا إشكال في صحّته لأنّ مجرّد إلزامه المسلم بأداء الدّين و فكّه الرّهانة أو إلزامه ببيع العين المرهونة ليس سبيلا منه عليه و لا يشمله الرّواية الشّريفة أيضا كما هو واضح و أمّا لو لم يشترطا ذلك فتارة يصرّحان بما يقتضي إطلاقه لو لا التّصريح به أيضا فهذا مخالف للكتاب لأنّ مرجعه إلى اشتراط كون الكافر مستوليا على المسلم

و أمّا لو أطلقا فهل يكون الرّهن باطلا أو أنّ نفي السّبيل بنفسه يوجب التّقييد وجهان من أنّ الحكم الشّرعي بنفي السّبيل لا يمكن أن يقيّد قصد المتعاقدين فمع فرض قصدهما الإطلاق فحكمه حكم ما لو صرّحا بالإطلاق و من أنّ تأثير الإطلاق إنّما هو من باب عدم ما يوجب التّقييد فإذا دلّ نفي السّبيل على عدم صحّة كون المسلم تحت يد الكافر لا على فساد الرّهن فهذا

ص: 334

بنفسه يوجب التقييد و لا يختص صحته بما لو صرّحا بالتقييد و الحكم الشّرعي في المقام نظير الحكم الشّرعيّ بحرمة صوم يوم العيد فكما أن حرمته تقتضي تقييد النّذر المتعلّق بصوم كلّ يوم خميس بما عدا العيدين فكذلك الحكم الشّرعي في المقام يقتضي التّقييد بعدم كون العبد تحت يد المرتهن و ممّا ذكرنا من التّفصيل في باب الرّهن ظهر حكم جميع العقود الأمانيّة

أمّا الإجارة فقد تقدم حكمها و أمّا العارية فلا تجوز لأنّها تسليط على الانتفاع فيكون سبيلا و أمّا الوديعة فلا مانع منها لأنّ حفظ الكافر مسلما ليس سبيلا عليه و هكذا توكيل الكافر على بيع المسلم فإنّ مجرّد وكالة الكافر على بيع المسلم من قبل المولى المسلم ليس سبيلا و استيلاء منه عليه و هكذا توكيله في التّجارة و مطالبة الدّين من المسلم و نحو ذلك

ثمّ إنّه لا فرق في الكافر بين أن يكون كبيرا أو صغيرا فأطفال الكفّار بحكمهم و لا وجه لإشكال المصنف في الإلحاق كما أنّه لا فرق في المسلم بين أن يكون كبيرا أو صغيرا و كذلك لا فرق بين أن يكون مؤمنا أو مخالفا و ذلك واضح

قوله قدّس سرّه ثم إنّه قد استثنى من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم مواضع إلى آخره

لا يخفى أنّ السّبيل المنفيّ هو الملك المستقرّ بحيث يكون للمالك أنحاء التصرّف و أنواع السّلطنة و الاستيلاء و أمّا مجرّد شراء الكافر من ينعتق عليه أو دخول المسلم في ملكه مقدّمة للانعتاق فهذا لا يعد سبيلا و سيادة و علوّا فالآية الشّريفة و حديث المسلم يعلو و لا يعلى عليه لا يشملان هذا النّحو من التملّك إنّما الكلام في صحّة تملّكه بمقتضى النصّ المرويّ عن الأمير عليه السّلام في بيع عبد أسلم فإن مقتضى كون النّهي عن المسبّب موجبا لعدم حصوله وضعا هو عدم تملّك الكافر بالشراء أصلا فكيف يترتّب عليه العتق و لكن الّذي يهوّن الخطب أنّ الانعتاق على المشتري و لو على القول بالملكيّة آنا ما ليس داخلا في مدلول النّص لانصراف قوله ع و لا تقرّوه عنده عن مثل هذا الملك فإنّ الملكيّة بالنّسبة إلى أقسامها من الكلّي المشكّك و هذا الفرد منه ينصرف عنه الكلّي هذا بالنّسبة إلى شراء العمودين

و أمّا بالنّسبة إلى شرائه من ينعتق عليه ظاهرا كما لو أقرّ بحريّة مسلم ثم اشتراه فالحقّ صحّة شرائه و انعتاقه عليه أيضا بمقتضى إقراره و العلم الإجمالي بكونه إمّا صادقا فلا يصحّ شراء الحرّ و إمّا كاذبا فكذلك لعدم صحّة شراء الكافر للمسلم فنعلم تفصيلا ببطلان الشّراء غير وجيه لإمكان اختيار كلا الشقّين و الالتزام بصحّته على أيّ حال

أمّا بناء على صدقه فلإدراجه في المعاملة الاستنقاذيّة فإنّه بعد ما ثبت في الشّريعة صحّة هذا النحو من المعاملة فليكن هذا من ذاك كما لو اشترى المسلم مسلما من كافر استرقه فإنّه قيل بأنّ الثمن يدخل في ملك الكافر بحيث لو حاربه المسلمون و غنموا أمواله الّتي منها الثمن المعين يدخل الثّمن في في ء المسلمين و لا يرجع إلى المشتري المسلم

و أمّا بناء على كذبه فلأنّ الكافر و إن لم يملك المسلم إلّا أنّه قد ظهر أنّ الملك الّذي يكون مقدّمة للانعتاق ليس سبيلا من الكافر على المسلم و لا يشمله النصّ أيضا كما تقدم فيملك واقعا و ينعتق عليه ظاهرا لإقراره بحريّته و التّفكيك بين الواقع و الظّاهر في مورد الإقرار ليس عزيز الوجود

ثم إنّ إقرار المقرّ له على خلاف ما أقرّ به المقرّ لا يبطل إقرار المقرّ في المقام فتصدي المولى لبيع العبد و عدم استنكاف العبد ذلك لا يبطل إقرار الكافر بحريّته و لا يقاس على ما إذا أقرّ المولى بحريّة عبده و أقرّ العبد بعبوديّته له و ذلك للفرق بينهما فإنّ إقرار المقرّ له أو مولاه في المقام

ص: 335

بعبوديّة العبد لا أثر له لأنّه على أيّ حال لا يستقرّ في ملك الكافر سواء كان حرّا أم عبدا فيسمع إقرار الكافر بحريّة العبد و ينعتق عليه ظاهرا و هذا بخلاف ما إذا أقرّ المولى بحريّة عبده و أقرّ العبد بعبوديّته له

ثم إنّ ممّا ذكرنا يظهر أن قوله قدّس سرّه فتأمّل إشارة إلى عدم العلم التّفصيليّ ببطلان الشّراء لا أنّ العلم الإجماليّ في المقام لا أثر له و أمّا الثالث و هو العتق بأمر الكافر فأولى بالصّحة من القسم الأوّل لأنّ احتمال شمول النصّ لشراء من ينعتق عليه يجري في القسم الأوّل دون هذا القسم و ذلك لأنّ في مورد الشّراء قد أنشأ الملكيّة باللفظ فيمكن أن يقال المنشأ إذا كان منهيّا عنه فلازمه عدم تحقّقه أي فساد المعاملة و أمّا قول الكافر أعتق عبدك عنّي و قول المأمور أعتقته عنك فليسا إنشاء للملكيّة صريحا و إنّما قلنا بحصولها آنا ما للجمع بين الأدلّة حيث إنّها دلّت على صحّة استيفاء مال أو عمل محترم بأمر معاملي و دلّت على أنّه لا عتق إلّا في ملك فمقتضاها استطراق الملك من ملك المالك إلى ملك الآمر و خروجه عنه إلّا أن يقال إنه ليس الغرض من النّهي إلّا بيان عدم حصول النتيجة للكافر بأيّ سبب سواء كان من الأسباب المتعارفة أم غيرها و لكنّه قد ظهر أنّ النّص منصرف عن هذا النحو من الملك

و على أيّ تقدير هذه الأقسام الثّلاثة مستثناة من عدم تملّك الكافر كخروج تملّكه بالإرث عن مورد النّص أمّا الآية المباركة فواضح لأنّها تنفي السّلطنة لا أصل التملّك و أمّا الرّواية فلأنّها تنفي استقرار الملك و لا تدلّ على خروجه عن ملكه قهرا حتى يقتضي عدم دخوله فيه رأسا لا سيّما إذا كان استطراقيّا كشراء من ينعتق عليه و أولى من ذلك كلّه استيفاء مال محترم بأمر معامليّ يقتضي دخول المال في ملك المستوفي الكافر و خروجه عنه فإنّ الملكيّة آنا ما للملازمة بين العتق و الملك لا يندرج في قوله ع لا تقروه عنده

و حاصل الكلام أنه فرق بين شراء العمودين و عتق المسلم بأمر الكافر لأنّهما لا يدخلان تحت كبرى واحدة فإنّ شراءه من ينعتق عليه داخل في الملكيّة الصّريحة بخلاف العتق فإنّه لم ينشأ الملك إلّا ضمنا فلا بدّ من قيام دليل آخر يدلّ على المنع عن الملك الضّمني

و على أيّ حال لا ينبغي الشّبهة في أنّ شرط البائع على الكافر المشتري عتق العبد المسلم لا يؤثر في الصّحة لأنّ المبيع قابل لأن يستقرّ في ملك الكافر بإسقاط المشروط له شرطه و مجرّد تسلّط المشروط له على إلزام المشروط عليه لا يقتضي عدم شمول النصّ لهذا النّحو من الشّراء و إلّا فإنّه مجبور على البيع في غير مورد الشّرط أيضا فيجب أن يقال بأنّه يملكه من دون شرط

قوله قدّس سرّه ثم إنّ ما ذكرنا كلّه حكم ابتداء تملّك الكافر للمسلم اختيارا أمّا التملّك القهري فيجوز ابتداء كما لو ورثه الكافر من كافر أجبر على البيع فمات قبله إلى آخره

لا يخفى ما في كلامه قدّس سرّه في ذيل هذا العنوان أمّا أولا فلما ظهر من أنّ آية نفي السّبيل لا تدلّ على نفي الملكيّة بل هي دالّة على نفي السّلطنة و الاستيلاء فالملك المسلوب عنه الآثار ليس من مصاديق السبيل فلو قيل بأنّ المال ينتقل من المورث الكافر إلى الوارث الكافر بمقتضى أدلّة الإرث ثمّ يحجره الحاكم و يبيعه عليه كحجر المورث لا يرد عليه محذور و الرّواية الشّريفة أيضا لا تدلّ على نفي التملّك رأسا بحيث ينعتق العبد المسلم على الكافر و يخرج عن ملكه إذا كانا كافرين و أسلم العبد بل تدلّ على

ص: 336

نفي الاستقرار فتختصّ بما إذا حصل له الملك القابل للاستقرار بالأسباب الاختياريّة كالبيع و نحوه لأنّه هو الذي يجري فيه النّزاع بأنّ النّهي المتعلّق بالمسبّب هل يقتضي الفساد أم لا

و أمّا في الإرث فليس هناك سبب و مسبّب حتى يقال إنّ النهي عن المسبّب يقتضي الفساد و بالجملة بعد الفراغ عن عدم خروج العبد المسلم عن ملك الكافر بمجرّد إسلام العبد أو ارتداد المولى بل يبقى على ملكه و يباع عليه أو يجبر على البيع و بعد الفراغ عن أنّ الإرث ليس كالبيع بحيث يكون التّبديل في طرف الملك بل مع بقاء الملك على ما كان عليه يتبدّل المالك فلا إشكال فيه و على هذا لو أجبر الكافر على بيع عبده المسلم و مات قبل البيع يقوم مقامه الوارث و يكون الملك على ما كان عليه قبل قيام الوارث مقام مورثه

و أمّا ثانيا فلأنّه لو سلم دلالة آية نفي السبيل على نفي تملّك الكافر رأسا حتّى بالأسباب القهريّة فلا وجه لتوهّم معارضتها مع أدلّة الإرث و تساقطهما ثم الرّجوع إلى استصحاب بقاء العبد على عبوديّته فإنّ الاستصحاب و إن كان جاريا بعد التّساقط إلّا أنّه لا تصل النّوبة إلى التّعارض فإنّ أدلّة نفي السبيل حاكمة على أدلّة الإرث لأنّها تثبت الإرث للوارث بالعنوان الأولي و ليست ناظرة إلى اعتبار الخلوّ عن الموانع و عدمه فكما أنّ الدّليل الدالّ على أنّ القاتل لا يرث حاكم على أدلّة الإرث فكذلك الدّليل الدالّ على أنّ الكفر مانع

فالصّواب هو المنع عن شمول آية نفي السّبيل للمقام لأنّه بعد الفراغ عن عدم خروج العبد المسلم عن ملك الكافر قهرا فالوارث حيث إنّه ليس كالمشتري الّذي يتبدّل ملكه بملك الآخر بل مع بقاء الملك على ما هو عليه يقوم مقام مورّثه و قيامه مقامه ليس سبيلا على المسلم لأنّه لم يوجد في البين سبيل آخر غير ما كان للمورث بل لو سلّمنا عدم تملّك الكافر أصلا حتّى بالأسباب القهريّة إلّا أنّ الإرث خارج عن هذا العنوان رأسا لأنّه لم يملك الوارث الكافر ملكا جديدا بسبب قهريّ أو اختياري بل انتقل إليه على ما كان عليه من تملّك الكافر له و لو قيل بأنّ هذا أيضا سبيل فلا بدّ من الالتزام بخروج العبد المسلم عن ملك المورّث و إلّا فلا وجه لعدم قيام الوارث مقامه و أمّا ثالثا فلو سلّم المعارضة فلا وجه لرجوع العبد إلى الإمام عليه السّلام لأنّه ع إنّما يكون وارثا لمن علم أنّه لا وارث له و أمّا لو شكّ في وراثة غيره لشبهة حكميّة كما في المقام و نحوه أو شبهة موضوعيّة كما لو احتمل وجوده في البلاد البعيدة فكونه عليه السّلام وارثا غير معلوم إلّا أن يقال بمجرّد الشكّ في وراثة الطبقة السّابقة يتحقّق مورد إرث الطّبقة اللّاحقة و لو لم يحرز عدم كون السّابق وارثا

و في المقام و إن لم يجر استصحاب عدم كون الكافر وارثا بالعدم النّعتي إلّا أنّ العدم المحموليّ أيضا كاف لأنّ تملك الوارث العبد الباقي على رقّيته بالاستصحاب مسبوق بالعدم فإذا جرى استصحاب عدم ملكيّته لم ينتقل إلى الإمام و لذا لو شكّ في تقدم إسلام الوارث على موت المورّث و تأخّره عنه و لم يكن أصل يحرز أحدهما كما في مجهولي التّاريخ يرث غيره ممّن هو في طبقته لو كان و إلّا يرثه الطّبقة اللّاحقة

ثم إنّه بناء على ما اخترناه من عدم شمول آية نفي السبيل لإرث الكافر العبد المسلم من الكافر فلا يمكن أن يقاس عليه سائر الأملاك القهريّة لا من باب قيام الإجماع على ثبوت الإرث كما يظهر عن جامع المقاصد و عدم قيامه في غيره فإنّ تحقّق الإجماع في الإرث

ص: 337

أيضا ممنوع بل لما ذكرنا من أنّ الإرث ليس تبديلا في الملكيّة و هذا بخلاف سائر الأملاك القهريّة سواء كان سببه قهريّا كدخول الكافر في من أوقف عليه العبد المسلم أو الانتقال إليه بالانفساخ كما إذا تلف الثّمن الشّخصي الّذي جعل بإزاء العبد قبل القبض أم كان اختياريا كالملك الحاصل له بفسخ من انتقل إليه العبد المسلم لأنّه ملك جديد نظير الملك الحاصل له بالشراء أو الهبة أو المصالحة فبناء على دلالة آية نفي السّبيل على عدم تملك الكافر لا يصحّ الفسخ من ذي الخيار و يبطل الوقف إذا انحصر الموقوف عليه في الكافر لأنّ التملّك بالوقف الخاصّ حكمه حكم التملّك بالمعاوضة و ليس الموقوف عليه مصرفا

قوله قدّس سرّه و يحتمل أن يكون ولاية البيع للحاكم إلى آخره

هذا هو الأقوى لأنّ ظاهر قوله ع اذهبوا فبيعوه على المسلمين أنّ ولاية البيع ليس له و إلّا كان المناسب أن يقول ألزموه على البيع و على أيّ حال لا شبهة أنّ الملك لا يزول عنه بمقتضى النّص و الفتوى فما في الإيضاح من زوال ملك السيّد عنه لا وجه له مع أنّه لو زال فاستحقاقه للثمن بلا موجب لأنّه لو قلنا بأنّه لو أسلم العبد ينعتق على مولاه و يصير حرّا فلاستحقاقه للثمن وجه فيجب على العبد أن يسعى في قيمته لتعلّق ثمنه برقبته و أمّا لو لم نقل بانعتاقه بل قلنا بزوال ملكه عنه فيصير ملكا بلا مالك أو ملكا للمسلمين و على أيّ حال لا وجه لأن يباع من المسلمين و يعطي المولى الكافر ثمنه

و بالجملة الجمع بين زوال ملكه عنه مع بيعه و دفع الثّمن إليه لا محصّل له

قوله قدّس سرّه و كيف كان فإذا تولاه المالك بنفسه فالظّاهر أنّه لا خيار له و لا عليه إلى آخره

لا يخفى أنّه لا وجه لجعل موضوع البحث تولّي المالك لبيعه الّذي قد ظهر عدم ثبوت الولاية له بل الصّواب أن يجعل موضوع البحث تولّي الحاكم أو غيره من المسلمين فيقال لو لم يستقرّ المسلم على ملك الكافر فمقتضاه أنّ البيع الّذي هو مقدّمة لسلب ملكيّة الكافر لا يكون خياريّا لا لمالك العبد و لا لمن انتقل إليه من غير فرق بين الخيارات

و على أيّ حال فالمحتملات الّتي ذهب إلى كلّ منها قائل كثيرة منها ما ذكرناه من أنّ الكافر لا يملك المسلم في غير مورد الإرث و لو كان منشأ التملّك فسخ العقد فلا خيار في هذا العقد مطلقا لا للكافر و لا للمشتري

و منها مقابل هذا القول و هو عدم الفرق بين هذا العقد و العقود الأخر فيجري فيه ما يجري فيه و منها التّفصيل بين الخيارات الثّابتة بالتعبّد الشّرعي كخيار المجلس و الحيوان فلا يجري و الثّابتة بجعل من المتعاقدين صريحا أو ضمنا كخيار الشّرط و خيار العيب أو الغبن

ص: 338

فلا مانع منه و منها التّفصيل بين الخيارات الثّابتة من غير ناحية الضّرر فلا يثبت حتّى خيار الشرط و الثّابتة من ناحية الضّرر كخيار الغبن و العيب و نحوهما فيثبت و منها التّفصيل في الخيارات النّاشئة من الضّرر بين كون المتضرّر مسلما فيثبت و كونه كافرا فلا

و منها ابتناء المسألة على أنّ الزّائل العائد كالّذي لم يزل أو كالذي لم يعد فلو قلنا بالأول يثبت الخيار لأن الفسخ يجعل الملكية السابقة كأن لم يزل أو كالذي لم يعد فلو قلنا بالأول ثبت الخيار لأن الفسخ يجعل الملكية السابقة كأن لم يزل و المفروض أنّ الملكيّة قبل البيع كانت ثابتة للكافر فلا مانع من تأثير الفسخ و عود الملكيّة السّابقة و لو قلنا بالثّاني فلا يمكن أن يؤثر الفسخ لأنّ ما يرجع بالفسخ ملك جديد و الكافر لم يجعل له التملّك الجديد و لا يخفى أنّ مدارك هذه المحتملات مذكورة في المتن فلا يهمّنا بيانه إنّما المهم بيان أمور ينبغي التّنبيه عليها الأوّل أنّه لو منعنا عن جريان خيار العيب في هذا العقد فإنّما الممنوع هو التّخيير بين الردّ و الأرش و أمّا الأرش فقط فلا مانع منه كما هو الشّأن في كلّ مورد تعذّر أحد فردي التّخيير الثّاني سيجي ء في باب الخيارات أنّه لا يمكن أن تكون قاعدة لا ضرر منشأ لثبوت الخيار أصلا بل المنشأ له هو تخلّف الشّرط الصّريح أو الضّمني في غير مورد الخيارات المجعولة الشّرعيّة فإذا تخلّف الشّرط فحيث إن المشروط له واجد للشرط و بفقده يتضرّر فيثبت له الخيار الثّالث أن هذه القاعدة و هي أنّ الزائل العائد كالّذي لم يزل أو كالذي لم يعد مضافا إلى ما أورده المصنف عليها من أنّها لا تبتني على أساس و لا كبرى لها لا عقلا و لا شرعا لا تنطبق على المقام فإنّ هذه القاعدة أسّست فيما لو رجع ما انتقل عن المشتري إليه بسبب جديد أو بفسخ و نحوه و كان له أو للبائع الأوّل الخيار

فلو قيل بأنّ الزائل عن ملك المشتري العائد إليه بمنزلة غير الزائل أي كأنّه لم يخرج عن ملكه فالمبيع قائم بعينه فللبائع الأوّل أو المشتري الأوّل الفسخ بالخيار و لو قيل بأنّه كالّذي لم يعد أي كأنّه باق في ملك الثّالث الّذي هو المشتري الثّاني فليس المبيع قائما بعينه فليس للبائع و لا للمشتري الأوّل الفسخ و في المقام ثبوت الخيار من أصله مشكوك أي لم يعلم قابليّة المبيع للعود حتى يقال إنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالّذي لم يعد الرابع أنّ ما أفاده قدّس سرّه في

قوله و يشكل في الخيارات النّاشئة عن الضّرر من جهة قوّة أدلّة نفي الضّرر فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرّر من لزوم البيع بخلاف ما لو تضرّر الكافر فإن هذا الضّرر إنّما حصل من كفره إلى آخره

من الغرابة بمكان

أمّا أولا فمضافا إلى ما أشرنا إليه من أنّ نفي الضّرر بنفسه لا يقتضي الخيار أن أقوويّة نفي الضّرر من نفي السّبيل غير معلومة لأنّ كلا منهما حاكم على أدلّة الأحكام كقاعدة نفي الحرج و لا منشأ لأظهريّة نفي الضّرر من نفي السّبيل بل العكس هو المتعيّن فإنّ آية نفي السّبيل آب عن التّخصيص

و أمّا قاعدة لا ضرر فقابلة للتّخصيص بل قيل بوهنها لكثرة التّخصيصات الواردة عليها و أمّا ثانيا فالتّفصيل بين المسلم و الكافر لا وجه له لأنّ الكافر لم يقدم على الضّرر و إنّما أقدم على الكفر فكيف لا يثبت له الخيار

و بالجملة الإقدام على نفس الضّرر هو الموجب لعدم جريان قاعدة لا ضرر لا الإقدام على المقدّمات الإعداديّة لجعل الحكم الضّرري الخامس ما ذكره جامع المقاصد من أن نفي السّبيل لو اقتضى خروج العقد عن مقتضاه و هو الخيار لاقتضى خروج العبد ابتداء عن ملك الكافر ففيه أنه لا ملازمة بينهما فإنّ تملك الكافر ابتداء بالإرث و نحوه لا يقتضي تملّكه بالفسخ و البيع و نحوهما السّادس ما يظهر

ص: 339

من القواعد من أنّه لا مانع من ثبوت الخيار في هذا العقد و استرداد القيمة دون نفس العبد لا وجه له أصلا سواء قلنا بتعلّق الخيار بالعين أم بالعقد و سواء كان الخيار للمشتري أم للبائع

أمّا بناء على تعلّقه بالعين فواضح لأنّ حقّ الفسخ و إن لم يكن دائرا مدار بقاء شخص العين و لذا لا يسقط بتلفها إلّا أنّه لا بدّ من تعلّقه بالعين و لا حتى يرد مثلها أو قيمتها في مورد تعذّر ردّها و المفروض امتناع تعلّقه بها لأنّ الكافر لا يملك المسلم بأيّ سبب سواء كان عقدا كالبيع أم إيقاعا كالفسخ فإذا امتنع تعلّقه بها فلا مقتضي لتعلّقه ببدلها

و أمّا بناء على تعلقه بالعقد فحيث إنّ تعلّقه به ليس إلّا طريقا و وسيلة لاسترداد العين فيمتنع تحقّقه أيضا لأنّ أعماله مستلزم لردّ العين إلى المالك إذ لا معنى لأن يكون العين باقية و يتعلّق الضمان بالبدل و فرضها تالفة و رد مثلها أو قيمتها بلا موجب و الجمع بين الحقين هو بنفسه ليس من الأدلّة بل لو اقتضى الدليل رجوع قيمة العبد إلى الكافر فهو و إلّا يسقط الخيار و سيجي ء في خيار المجلس تمام الكلام في شراء من ينعتق على المشتري

ثم إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين خيار الكافر أو المشتري المسلم لأنّ تقدير العبد المسلم في ملك الكافر بمقدار يثبت عليه بدله و إن لم يكن سبيلا له عليه إلّا أنّ التقدير يحتاج إلى الدّليل كما في مسألة أعتق عبدك عنّي و تلف المبيع قبل القبض على ما تقدّم تفصيله و الأدلّة العامّة المثبتة للخيارات غير متكفّلة للتّقدير و ليست كالأدلّة الخاصّة حتى نلتزم بالتّقدير بدلالة الاقتضاء

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ هذا العقد لا يقتضي الخيار لا للكافر و لو كان أعماله بولاية الحاكم و لا للمشتري لأنّ مقتضى الرّواية الشّريفة أن كلّ سبب يترتّب عليه تملّك الكافر بالملك المستقرّ لا يؤثر سواء كان عقدا كالبيع و نحوه أو إيقاعا كالفسخ أو ملحقا بأحدهما كالإقالة للملازمة الّتي تستفاد منها و هي عدم الفرق قطعا بين البقاء و الحدوث نعم لا تشمل مثل الإرث و نحوه

[مسألة المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر]

قوله قدّس سرّه مسألة المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر إلى آخره

لا يخفى أنّه و إن لم يرد النصّ في المصحف إلّا أنّه لا يبعد إلحاقه بالعبد المسلم بل إلحاق كل كلام منقوش محترم من الرّوايات الواردة في الأحكام أو الأدعية و الأذكار به للأولويّة القطعيّة من غير فرق بين أن تكون من المتواترة أو الآحاد لأنّها بعد حجّيتها حكمها حكم المتواتر إلّا أن يمنع القطع بالمناط و إن كان الإلحاق أحوط ثم إنّ هاهنا فروعا من حيث الابتداء و الاستدامة و من حيث شمول الحكم للتّرجمة و عدمه و من حيث الخطوط و غير ذلك مذكورة في كتب القوم فراجعها

[القول في شرائط العوضين]

[الأول يشترط في كلّ منهما كونه متموّلا]
اشارة

قوله قدّس سرّه القول في شرائط العوضين يشترط في كلّ منهما كونه متموّلا إلى آخره

قد تقدّم سابقا أنّ البحث في شرائط المعاوضات في مقامات ثلاثة و تقدم شرائط العقد و شرائط المتعاقدين و بقي شرائط العوضين فمنها أن يكون كلّ منهما متموّلا أي يبذل بإزائه المال و تقدم أنّ ماليّة الشّي ء إمّا باعتبار قابليته للانتفاع به مع بقاء عينه كالعقارات و نحوها و إمّا للخاصيّة المترتّبة عليه و هو ما يتوقّف الانتفاع به على إتلافه كالحبوبات و الفواكه

ثم الشّي ء الّذي له خاصيّة تارة يكون محلّ ابتلاء عامّة البشر دائما و أخرى لا يبتلى به إلا نادرا ثم إنّ القسم الثّاني قد يتعارف اقتناؤه لرفع الحاجة الاتّفاقيّة أو لا يتعارف فلو كان اقتناؤه متعارفا فلا إشكال في صحّة المعاملة عليه كالأدوية

ص: 340

و العقاقير و أمّا لو لم يتعارف ذلك كالخنافس و الديدان فيفسد المعاملة عليه و إن اتّفق الحاجة إليه لأنّ مناط الماليّة إذا كان بذل المال بإزائه فلا يشمل أمثال ذلك و على هذا فلا يصحّ المعاملة على حبّة الحنطة و الماء على الشّاطي لعدم بذل المال بإزائه إمّا لقلّته أو لكثرته و إن قلنا بكونهما مملوكين و لذا يحرم غصبهما لأنّ النسبة بين الملكيّة و الماليّة عموم من وجه فإنّه قد يكون الشي ء مالا و ليس بملك كالكلّي قبل استقراره في الذمّة و لذا يبذل بإزائه المال و قد يكون ملكا لا مالا كحبّة الحنطة ثم إنّه كما يعتبر في العوضين أن يكون مالا عرفا يعتبر أن يكون كذلك شرعا فلو أسقط الشّارع جهة ماليّته العرفيّة كالخمر و الخنزير لا يصحّ جعلهما عوضا و لا معوّضا

ثمّ بناء على التّباين الجزئي بين الملك و المال فلا يصحّ الاستدلال لاعتبار الماليّة العرفيّة في العوضين بمثل قوله ع لا بيع إلّا في ملك كما أنّه لا يصحّ في مورد الشكّ في كون شي ء مالا عرفا التمسّك بعمومات صحّة البيع و التّجارة لأنّ هذه الأدلّة إمضاء لما عليه العرف و العادة فإذا شكّ في جريان العادة على المعاملة بشي ء فبدليل الإمضاء لا يمكن أن يحكم بصحّته

قوله قدّس سرّه ثم إنّهم احترزوا باعتبار الملكيّة في العوضين عن بيع ما يشترك فيه النّاس إلى آخره

لا يخفى أنّ ظاهر هذا التفريع تساوي الملكيّة و الماليّة و إلّا كان حقّ العبارة أن يقال كما يشترط في كلّ منهما أن يكون متموّلا كذلك يشترط أن يكون ملكا فعليّا و على أيّ حال لا إشكال في عدم جواز بيع السّمك في الماء و الطير في الهواء قبل اصطيادهما

و بعبارة أخرى كلّ ما يباح لجميع النّاس أو المسلمين لا يجوز بيعه قبل تملّكه بالاصطياد أو الاحتطاب أو التّحجير و نحو ذلك فإنّ بذل المال بإزائه سفهيّ فلا يمكن أن يقاس الطّير في الهواء على بيع الخمر للتّخليل بناء على صحّته لأنّ الخمر يبقى فيه حق الاختصاص لمن صار خلّه خمرا فيصحّ بيعه للتّخليل ثم إنّهم كما احترزوا باعتبار الملكيّة عن المباحات الأصليّة كذلك احترزوا بها عن الأراضي المفتوحة عنوة فإنّها و إن كانت ملكا إلّا أنّها لجميع المسلمين لا لمن هي في يد من عمّرها و أحياها فلا يجوز بيعها و شراؤها فهي من جهة كالوقف على الجهة الّذي قد يعبّر عنه بالوقف العام كالعلماء و المؤمنين و إن كانت هي بنفسها قسما مستقلا

و توضيح ذلك أنّ الملك باعتبار المالك على أقسام خمسة الأوّل الملك الطّلق لكلّ شخص شخص كدار زيد و بستان عمرو و نحو ذلك من المنقول و غيره الثّاني ملك الموقوف عليهم للعين الموقوفة في الوقف الخاص الثالث ملكهم لها في الوقف العام فالطّائفة الأولى يملكون منفعتها على نحو الإشاعة و الثّانية يملكون منفعتها لا على نحو الإشاعة و في كلا القسمين يمكن أن يعرضها الطلقيّة على شرائط سيجي ء إنشاء اللّٰه تعالى الرابع ملك السّادات و الفقراء للخمس و الزّكاة فإنّهما يملكانهما بالقبض الخامس الملك المفتوحة عنوة فإنه نحو مستقلّ من الملكيّة لها أحكام خاصّة لا تترتّب على غيرها و من جملتها عدم إمكان عروض الطلقية لها و لا ينافي ذلك صحّة بيعها للإمام ع إذا رأى فيه المصلحة لأنّه على فرض تسليم ذلك فموضوع البحث هو جواز بيعها مع قطع النّظر عن إذن الإمام أو موضوعه تعذّر إذنه و مباشرته للبيع كما في زمان الغيبة

[لا بأس بالإشارة إجمالا إلى جميع أقسام الأرضين]

قوله قدّس سرّه و حيث جرى الكلام في بعض أقسام الأرضين فلا بأس بالإشارة إجمالا إلى جميع أقسام

ص: 341

الأرضين إلى آخره

حاصل الأقسام أنّ الأرض إمّا موات أو عامرة و كلّ منهما إمّا أن يكون كذلك بالأصل أو بالعرض فإذا كانت مواتا بالأصالة أي لم تكن مسبوقة بالعمارة أصلا فهي للإمام عليه السّلام و يدلّ عليه الإجماع المنقول بل المحصّل و الأخبار المستفيضة بل المتواترة بل يدلّ عليه الكتاب على ما يستفاد من الأخبار الكثيرة من أنّها من الأفعال

ثم لا إشكال في أنّه لو أحياها الشّيعة يملكها كما هو صريح قوله ع ما كان لنا فهو لشيعتنا و قوله ع كلّما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون إنما الكلام في أنّ الحلية بالإحياء مختصّة بهم أو تشمل غيرهم من المسلمين بل كل من أحياها مسلما كان أو كافرا ثم هل يملكه المحيي مجّانا أو يجب عليه أداء خراجه إلى الإمام أمّا الكلام في الجهة الأولى فالحقّ فيه هو العموم و إن كان ظاهر بعض الأخبار هو الاختصاص إمّا لشمول الإذن في الإحياء و الإباحة و التّمليك لمطلق المسلم فلنبويّين أحدهما قوله ص موتان الأرض للّه و لرسوله ثم هي لكم منّي أيّها المسلمون و ثانيهما قوله ص عادي الأرض للّه و رسوله ثم هي لكم منّي

و أمّا شموله لمطلق من أحياها و لو كان كافرا فلقوله ع في صحيح محمّد بن مسلم سألته عن الشّراء من أرض اليهود و النّصارى فقال ليس به بأس إلى أن قال أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها و هي لهم و في صحيح أبي بصير سألت أبا عبد اللّٰه ع عن شراء الأرضين من أهل الذمّة فقال لا بأس بأن يشتري منهم إذا عمروها و أحيوها فهي لهم إلى آخر الحديث

و لا ينافي ذلك ما يدلّ على تخصيص الشّيعة بذلك فإنّه يمكن الجمع بين الطّائفتين بأنّ الغرض الأصلي من الإذن هم الشّيعة و لكنّه حيث يمتنع تخصيص الإذن بخصوص الشّيعة فأذنوا عليهم السّلام لكلّ من أحياها و نظير ذلك مسألة العدّة فإنّ حكمة تشريعها مختصّة بمورد اختلاط المياه و لكن الحكم عامّ و في المقام أيضا حكمة الإذن مختصة بالشيعة لتطيب ولادتهم و تحلّ مساكنهم و مناكحهم و لكنّ الحكم عام من حيث توقّف الحليّة على الشّيعة على الحليّة لكلّ من أحياها و إلّا لا يترتّب الغرض فإنّ الأرض الّتي لم يحيها الشيعة لو لم تكن ملكا لمحييها لما جاز للشّيعة التصرّف في غلّاتها و منافعها فإنّ جواز التصرّف فيها يتوقف على الإحياء و المفروض عدم إحياء الشّيعة لها

و أمّا الجهة الثّالثة و هي تعلّق الخراج بها فالحقّ عدمه و الظّاهر كون الحكم إجماعيّا كما يظهر ذلك بالمراجعة إلى كتاب الخمس و إحياء الموات و أمّا إذا كانت عامرة بالأصالة أي لا من معمّر كأطراف الشّطوط و سواحل البحار و الآجام و الغابات فالكلام فيها أيضا من جهات الأولى في كونها من الأنفال الّتي لا إشكال في أنّها للإمام عليه السّلام و عدمه و الأقوى كونها منها لقول الباقر و الصّادق عليهما السّلام حيث سئلا عن الأنفال فعدا من جملتها و كلّ أرض لا ربّ لها على ما في تفسير عليّ بن إبراهيم و لما روي على ما في المتن أنّ كلّ أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهو للإمام عليه السّلام

نعم ناقش في هذه الأدلّة صاحب الجواهر و يظهر منه تقييد الأرض الّتي هي من الأنفال بما كانت ميتة أو كانت عامرة في يد الكفّار و أخذت منهم من دون خيل و لا ركاب و أمّا العامرة الّتي لا يد لأحد عليها فهي من المباحات الأصليّة يملكها كلّ من حازها فإنّ قوله ع و كل أرض لا ربّ لها

ص: 342

و إن كان مطلقا إلّا أنّه يقيّده قوله ع و كل أرض ميتة لا ربّ لها

و أجاب عنه المصنف بأنّ الوصف المسوق للاحتراز و إن كان له المفهوم إلّا أنّه لو لم يكن واردا مورد الغالب و الغالب في الأرض الّتي لا مالك لها كونها مواتا و لكن الحقّ أنّه و إن لم يكن القيد واردا مورد الغالب فللمنع عن التّقييد أيضا مجال لأنّ التّقييد في المثبتين منوط بما إذا كان المطلوب صرف الوجود كما في قوله أعتق رقبة مؤمنة المقيّد لإطلاق قوله أعتق رقبة

و أمّا إذا كان المطلوب مطلق الوجود كما في قوله أكرم هاشميّا فلا موجب لتقييد إطلاقه بقوله أكرم هاشميا عالما مع أنّا نمنع كون قوله ميتة مسوقا لتقييد قوله كلّ أرض بل المسوق له هو قوله لا ربّ لها فمحصّله أنّ كلّ أرض سواء كانت عامرة أم ميتة إذا لم يكن لها رب فهي للإمام فتخرج ما كان لها ربّ فهذا التّقييد تقييد لإطلاق ما دلّ على أنّ جميع الأراضي للإمام ع

الثانية في أنّه هل تملك هذه بالحيازة أم لا و الأقوى أنّها في هذا الحكم كالموات بالأصالة تملّك بوضع اليد عليها لا لما استدل به المصنف قدّس سرّه من عموم النبوي من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحق به لأنّ هذا العموم في مقام بيان أحقّية السّابق و عدم جواز مزاحمته و هذا يفيد فيما إذا ثبت استحقاق كلّ أحد في السّبق إليه كالرباطات و الخانات و المساجد و المدارس الموقوفة على عموم من يستوفي منافعها و ليس بصدد بيان أنّ كلّ شي ء يتعلّق به حق بالسّبق إليه

هذا مضافا إلى أنّ الحقّ ظاهر في غير التملّك بل لما ورد أنّهم ع أباحوا لشيعتهم ما كان لهم ثم إن أكثر ما ورد في هذا الباب و إن كان مختصّا بخصوص الشيعة إلّا أنّه قد تقدم أن مقتضى تعليلهم ع الإباحة بأن تطيب ولادة الشيعة كون التملّك بالتصرّف عاما لكلّ أحد و ممّن صرّح بذلك الشّهيد في حواشيه على القواعد عند قول العلّامة و لا يجوز التصرّف بغير إذنه و الفائدة حينئذ له قال و لو استولى غيرنا من المخالفين عليها فالأصحّ أنّه يملك لشبهة الاعتقاد كالمقاسمة و كتملّك الذمّي الخمر و الخنزير فحينئذ لا يجوز انتزاع ما يأخذه المخالف من ذلك كلّه و كذا ما يؤخذ من الآجام و رءوس الجبال و بطون الأودية لا يحلّ انتزاعه من أخذه و إن كان كافرا و هو ملحق بالمباحات المملوكة بالنيّة لكلّ متملّك و آخذه غاصب تبطل صلاته في أوّل وقتها حتى يرده انتهى

الثّالثة أنّ هذا القسم أيضا كالسّابق لا خراج عليه كما يظهر من أخبار التّحليل فراجع و أمّا إذا كانت مواتا بالعرض إمّا لاستيلاء الماء عليها بأن غرقها و إمّا بانقطاع الماء عنها و إمّا باستيجامها بما لا ينتفع به أو بنحو ذلك ممّا تعدّ ميتة فهي على قسمين قسم كانت معمورة بالذات و قبل أن يملكها أحد عرض لها الموت فهذا لا إشكال في كونها للإمام ع و قسم كانت مواتا بالأصل ثم عمّرها معمّر فماتت أو كانت عامرة و تملّكها أحد ثم ماتت ففيه قولان أحدهما بقاؤها على ملك مالكها و ثانيهما صيرورتها في حكم الموات الأصليّة فيملكها الإمام ع ثم يملكها كلّ من عمّرها ثانيا

و قد ذكروا قولا ثالثا لم يشر إليه المصنف في المقام و هو الفرق بين ما إذا ملك المالك لها حال العمارة بالشراء أو العطيّة أو نحو ذلك و بين ما إذا ملكها بالإحياء فإذا ملكها بالشّراء و ما يلحق به لا يزول ملكه بعد موتها و لا يصحّ لأحد إحياؤها إلّا بإذنه و أمّا إذا ملكها بالإحياء و ماتت

ص: 343

فتملّك بالإحياء و أصل هذا التّفصيل من التّذكرة قال لو لم تكن الأرض الّتي من بلاد الإسلام معمورة في الحال و لكنّها كانت قبل ذلك معمورة و جرى عليها ملك مسلم فلا يخلو إمّا أن يكون المالك معيّنا أو غير معيّن فإن كان معيّنا فإمّا أن ينتقل إليه بالشّراء أو العطيّة و شبهها أو بالإحياء فإن ملكها بالشّراء و شبهه لم تملك بالإحياء بلا خلاف قال ابن عبد البر أجمع الفقهاء على أنّ ما عرف بملك مالك غير منقطع أنّه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه إلى آخره

و لا يخفى أنّ الظّاهر من هذا الكلام جريان التّفصيل في الملك الّذي كان عامرا بالأصل ثمّ تملّكه أحد ثم مات الملك بعد انتقاله إلى غير من تملّكه بالشّراء لأنّ التملّك بالشراء إذا كان له خصوصيّة فيجري عليه أحكامه مطلقا كما أنّه لو كان التملّك بالإحياء له خصوصيّة فيجب أن لا يكون فرق بين ما إذا عرض الموت في ملك المحيي أو في ملك وارثه أو من انتقل إليه بالشّراء و بالجملة لم يعلم مورد هذا التّفصيل في أنّه في ملك المعمور بالأصالة أو المعمور بالإحياء

و على أيّ حال لا نعرف وجها للفرق بين عروض الموت على ملك من كان مالكا له بالشّراء و نحوه أو مالكا له بغيره من الإحياء و التملّك بالأخذ و التصرّف و عليك بمراجعة كتاب إحياء الموات و أمّا إذا كانت عامرة بالعرض فهي ملك للمحيي بالشّروط الخمسة المذكورة في كتاب إحياء الموات ثم إذا كان محييها مسلما فملكها لا يزول إلّا بالنّقل إلى غيره أو بعروض الموت عليها ثانيا بناء على أحد القولين في الصورة السّابقة و أمّا إذا كان كافرا فبناء على ما اخترناه من أنّه يملكها بالإحياء سواء كان في بلاد الإسلام أو الكفر فملكها إذا كان في بلاد الإسلام حكم ملك المسلم و إذا كان في بلاد الكفر فيمكن أن يزول بالاغتنام أيضا و أمّا لو قلنا بأنه لا يملك فهي باقية على ملك الإمام عليه السّلام

قوله قدّس سرّه ثم ما ملكه الكفّار من الأرض إمّا أن يسلم عليه طوعا إلى آخره

لا يخفى أنّه قدّس سرّه بعد ما بيّن أقسام الأرضين و حكمها إجمالا أراد أن يبيّن حكم الأرض المفتوحة عنوة و هي مبيّنة بحسب المفهوم و هي عبارة عن أرض فتحت قهرا بالخيل و الرّكاب أي رفعت يد الكافر عنها بغلبة من المسلمين إلّا أنها مجهولة مصداقا و المسلم منها على ما يظهر من التواريخ المستفيضة و الأخبار المتظافرة هي أرض العراق المعروفة بأرض السّواد المشهورة بما بين النّهرين على حدودها المعيّنة و هي ملك للمسلمين بشروطها المعروفة الّتي منها إذن الإمام بالمقاتلة و لا شبهة في حكمها إذا كانت مشتملة على الشّرائط فإنّها لا يجوز بيعها مستقلّا على ما يظهر من الأخبار

و ما استدلّ به المصنف من الوجوه و إن لم يخل بعضها عن قصور في الدّلالة كرواية إسماعيل الهاشمي إلّا أنّ من المجموع يستفاد عدم جواز بيعها على نحو سائر الأراضي و لكن الّذي يهوّن الخطب أنه لا فائدة في البحث عن حكمها بعد تقييد موضوعها بما إذا كانت عامرة حال الفتح و أمّا إذا كانت مواتا فهي للإمام ع فيملكها كل من أحياها

و على هذا فلا مانع من شراء كلّ ما احتمل كونه مواتا حال الفتح فإنّ يد من عليها أمارة على كونها ملكا له و لا يبعد أن يكون منشأ سيرة الخلف عن السّلف على بيع ما يصنع من تراب أرض العراق من الآجر و الكوز و الأواني و التربة الحسينيّة على مشرّفها آلاف السّلام و التحيّة عدم إحراز كون هذه الأراضي معمورة حال الفتح و مجرّد العلم الإجمالي

ص: 344

بعمارة أغلب أراضي العراق لا أثر له بعد عدم كون جميعها محلّا للابتلاء

نعم لو أحرز عمارة أرض خاصّة حال الفتح و لم يحتمل عروض الموت عليها أو استصحب بقاءها على عمارتها إلى الآن فيجري فيه الاحتمالات بل الأقوال الخمسة و أوفقها بالقواعد هو توقف التصرّف في زمان الغيبة على إذن الفقيه أو السّلطان الجائر الّذي حلّ قبول الخراج و المقاسمة منه بناء على ما تقدّم في كتاب المكاسب أنّه يستفاد من الأئمّة عليهم السّلام الإذن العام للتصرف فيما يأخذه الشيعة بإذن سلطان الجور

و بالجملة مع الشكّ في كون أرض ميتة أو محياة أو مع العلم بكونها ميتة كأرض الغري على مشرّفها و أولاده الطّاهرين آلاف التحيّة و السّلام فلا مانع من شرائها و التصرّف فيها بجميع أنحاء التصرّف

[و اعلم أنّه ذكر الفاضلان بعد الملكيّة كونه طلقا]
اشارة

قوله قدّس سرّه و اعلم أنّه ذكر الفاضلان و جمع ممّن تأخّر عنهما في شروط العوضين بعد الملكيّة كونه طلقا إلى آخره

لا يخفى أنّ مقصود الأساطين من هذا الشّرط اعتبار أمر آخر في العوضين مضافا إلى أصل الملكيّة و هو كون المالك تامّ السّلطنة و عدم كونه محجورا عن التصرّف إمّا لقصور في المقتضي كما إذا كان ملكه محدودا كالوقف الخاصّ فإنّ الموقوف عليه في هذا الوقف و إن كان مالكا للعين الموقوفة على ما هو الحق كما اختاره المشهور إلّا أنّه لا يصحّ بيعه لها لأنّ البيع الموقت لا يصحّ في الشّرع و إمّا لوجود المانع كالرهانة و الجناية و الاستيلاد فلا يرد عليهم ما أفاده المصنف من أنّ مرجع هذا الشّرط إلى أنّه يشترط في البيع مثلا أن يكون متعلّقه مما يصح للمالك بيعه مستقلا و هذا لا محصّل له لأنّه عبارة أخرى عن أنّه يشترط في المبيع صحّة بيعه

ثم إنّه قدّس سرّه وجّه اعتبار هذا الشّرط بقوله فالظّاهر أنّ هذا العنوان ليس في نفسه شرطا ليتفرّع عليه عدم جواز بيع الوقف و المرهون و أمّ الولد بل الشّرط في الحقيقة انتفاء كلّ من تلك الحقوق إلى أن قال فالتّعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرّف لا تأسيس لشرط ليكون ما بعده فروعا بل الأمر في الفروعيّة و الأصالة بالعكس إلى آخره و لكنّك عرفت أنّ الأمر بالعكس و أنّ الطلقيّة شرط و عدم جواز بيع الوقف و نحوه فرع له لأنّ الطلقيّة عبارة عن عدم قصور السّلطنة و يتفرّع عليه عدم جواز بيع الوقف و نحوه

و على أيّ حال الحقوق المانعة عن الاستقلال بالبيع و إن عدّت أكثر ممّا ذكره الأساطين و قد أنهاها صاحب المقابس إلى أزيد من عشرين إلّا أن بعضها ليس داخلا في الحقوق المانعة كحقّ الشّفعة و بعضها يرجع إلى هذه الثلاثة بل أمهات الحقوق اثنان و لذا يقال في تمييز الحقّ إنّه هل هو من قبيل حقّ الجناية أو من قبيل حقّ الرهانة نعم بعضهم جعل تعلّق حق السّادات و الفقراء بالخمس و الزكاة حقّا برأسه و أصلا مستقلّا

[مسألة لا يجوز بيع الوقف إجماعا]
اشارة

قوله قدّس سرّه لا يجوز بيع الوقف إجماعا إلى آخره

لا يخفى أنّ موضوع البحث هو الوقف الخاص و قد استدلّ على بطلان بيعه بأنّ حقيقة الوقف تقتضي ذلك لأن معناه لغة إيقاف الشّي ء فإذا أنشأ الواقف هذا المعنى الّذي عرف في النبوي المعروف بحبس الأصل و سبل الثّمرة و عرفه الأصحاب بقولهم تحبيس الأصل و تسبيل الثّمرة فينافي البيع مع مقتضاه

و لكنّه لا يخفى أنّ مجرّد كون المنشأ وقف الشّي ء لا يقتضي لزومه و عدم جواز بيعه من الواقف أو الموقوف عليه فإنّ الهبة تمليك من المتّهب مع أنه يجوز

ص: 345

الرّجوع فيه نعم لو انضمّ إلى ذلك أمران آخران أحدهما بالنّسبة إلى الواقف و هو خروج العين عن ملكه فرجوعها إليه يتوقّف على دليل و ثانيهما بالنّسبة إلى الموقوف عليه و هو أنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها فليس لغيره التّبديل لأن أهله جعله حبسا و موقوفا فإطلاقه أو تبديله لا بدّ له من دليل و عمدة الدّليل على عدم نفوذ بيعه هو الأخبار الخاصّة المذكورة بعضها في المتن

و أقوى دلالة منها هو قوله ع صدقة لا تباع و لا توهب فإنّ الظّاهر أنّ قوله لا تباع صفة لقوله ع صدقة الّتي هي المفعول المطلق النّوعي فمرجع هذا الكلام إلى أنّ سنخ هذه الصّدقة سنخ من صفتها و من أحكامها شرعا عدم جواز بيعها و لا هبتها و الغرض من هذا التّوصيف الإشارة إلى القسم المعروف من الصّدقة و هو الوقف و احتمال كونها صفة لشخص هذه الصّدقة أو ما يرجع إلى ذلك بأن يكون شرطا خارجيا من الواقف لا صفة للنوع بعيد غايته فإنّه بلا قرينة و هذا بخلاف كونه صفة للنوع فإنّه يكفي في كونه كذلك قوله صدقة الّتي هي المفعول المطلق النّوعي

هذا مضافا إلى أنّه لو كان شرطا لاقتضى تأخّره عن ركن العقد أعني الموقوف عليهم مع أنّ التّعبير عن الشّرط بمثل هذا الكلام في غاية البعد و بالجملة ظاهر ما ورد عنهم في بيان الأوقاف هو أنّ الوقف ملازم لعدم الانتقال فإنّ من مجموع الروايات يظهر أن مثل قوله ع لا تباع و لا توهب و مثل قوله ع لا يحلّ لمن يؤمن باللّٰه و اليوم الآخر أن يبيعها و لا يبتاعها إلى آخر الحديث في مقام بيان ما يقتضيه الوقف بحسب الحكم الشّرعي لا بيان شرط خارجيّ فالعمدة ظهور الرّوايات في ذلك لا ما أفاده المصنف بقوله مع أنّه لو جاز البيع في بعض الأحيان كان اشتراط عدمه على الإطلاق فاسدا بل مفسدا لمخالفته للمشروع فإنّه مضافا إلى ما تنبّه عليه فقال مع أنّ هذا التّقييد ممّا لا بدّ منه سواء قلنا بأنّ قوله ع لا تباع صفة للنوع أو الشّخص يرد عليه أنّ جواز البيع شرعا لا ينافي اشتراط الواقف عدم البيع فإنّ الجواز في مورده إنّما يكون منافيا لمقتضى قوله ع الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها فيخصّص بأدلّة الجواز سواء كان عدم البيع وصفا نوعيا أو شرطا خارجيّا

و بعبارة أخرى جواز البيع في بعض الموارد لا ينافي ما أنشأه الواقف بل ينافي حكمه الّذي ثبت بقوله ع الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها لأنّ مرجع هذا الكلام إلى أنّ ما أنشأه الواقف ممضى فيخصّص دليل الإمضاء بما دلّ على جواز البيع في بعض الموارد كما أنّه لو كان قوله ع لا تباع و لا توهب وصفا نوعيا لكان دليل الجواز مخصّصا له أيضا

و حاصل الكلام أنّ شرط الواقف على الموقوف عليه عدم بيع العين الموقوفة ليس منافيا لجواز البيع شرعا في بعض الموارد لأن الواقف لا يشترط عليه أن لا يكون الحكم الجوازي أصلا حتى مع طروّ المسوّغ للبيع بل يشترط أمرا خارجيا لا يقتضيه حقيقة الوقف و لا إطلاقه بناء على أن لا يكون عدم البيع وصفا للنّوع و الشّارع أمضى هذا الشرط بقوله الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها و استثنى منه مورد طروّ أحد موجبات جواز البيع

كما أنه لو كان عدم جواز البيع وصفا نوعيّا و من أحكام مطلق الوقف فلا مانع من تخصيصه ببعض الموارد و من ذلك يظهر النّظر في ما أفاده في بيان لزوم التّقييد بناء على

ص: 346

أن يكون الوصف وصفا للنّوع دون ما إذا كان شرطا خارجيّا من أنّه لو كان شرطا خارجيّا من الإمام عليه السّلام يستغني علمه بعدم طروّ الأمور المبيحة عن تقييد إطلاق عدم البيع بعدم طروّ هذه الأمور دون ما إذا كان وصفا للنّوع فإنّ العلم بعدم طروّ هذه الأمور في شخص هذا الوقف الصّادر منه عليه السّلام لا يغني عن تقييد إطلاق الوصف في النّوع فإنّه بعد ما كان دأب الأئمّة عليهم السّلام اتّكالهم على القرائن المنفصلة فهذا الوصف و إن كان للنّوع إلّا أنّه لا يلزم أن يكون التّقييد بعدم طروّ المسوّغ متّصلا بهذا الكلام

و بالجملة حكم الشّارع بأنّ الوقف لا يباع و لا يوهب أو حكمه بأن الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها قابل للتّقييد ثم لا يخفى أن دعوى انصراف المطلق إلى البيع لا لعذر و إن كان الشّرط شرطا خارجيا لا محصّل لها لأنّ الشخص الخارجي و إن أمكن تصوير الإطلاق له باعتبار الحالات إلّا أنّ الانصراف إلى بعض الأفراد دون بعض يختص بالكلّي المقول بالتّشكيك و أمّا الشّخص فلا يتصوّر فيه التّشكيك في الماهيّة أو الوجود نعم يمكن التفاوت بين الأحوال في غلبة الوجود و عدمها إلّا أنّ هذا انصراف بدويّ لا اعتبار به

قوله قدّس سرّه و ممّا ذكرنا ظهر أنّ المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة إلى آخره

لا يخفى أنّ ما أفاده قدّس سرّه قد سبق إليه بعض الأعلام أيضا فقال في الوقف حقوق ثلاثة حقّ اللّٰه سبحانه و حقّ الواقف و حقّ البطون و نظير ذلك ذكر في العبد المشروط عتقه فقيل يتعلّق به حقوق ثلاثة حق اللّٰه سبحانه و حقّ المشترط و حقّ العبد و لكنّك خبير بأنّ تعلّق حقّ من اللّٰه بالوقف لا معنى له إلّا بمعنى إطاعة حكمه و امتثال أمره بمقتضى حكمه المستفاد من قول سفرائه الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها

و أمّا تعلّق حقّ إلهي مقابل للحكم كتعلق حقّه بالخمس بمقتضى قوله عزّ من قائل وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ إلى آخره فلا دليل عليه و مجرّد أنّ الواقف يطلب الأجر و الثواب و على اللّٰه سبحانه عوضه لا يوجب أن يثبت حقّ من اللّٰه سبحانه على العين الموقوفة

و أمّا حق الواقف فبمجرّد وقفه تخرج العين الموقوفة عن ملكه أنشأ التأبيد أم لا كان الحبس من منشئاته أم لا لأنّ العين على جميع التّقادير ليست متعلّقة لحقه و كون الوقف صدقة جارية ينتفع بها لا يقتضي أن يكون العين متعلّقا لحقّه و إن توقّف انتفاعه بها على بقائها موقوفة فضلا عمّا إذا لم يتوقّف عليه فإنّ الثّواب و الأجر يمكن أن يترتّب على نفس الوقف بقصد البقاء إلى الأبد و إن لم يبق كذلك

و أمّا حقّ البطون فمع عدم وجودهم كيف يتعلّق حق لهم بالعين فإنّ المعدوم قبل وجوده كما لا يكون مالكا كذلك لا يكون ذا حق مع أنه لو قيل به فإنّما يمنع حقّهم عن بيع العين و صرف ثمنها إلى الموجودين و أمّا لو اشترى به بدلها يتعلّق به حقهم على نحو تعلّقه بالمبدل فلا مانع منه

فالعمدة من الأدلّة المانعة هي الأخبار الدالّة على عدم جوازه لا سيّما قوله ع الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها فإنّ الواقف حيث ينشئ الوقف الّذي هو عبارة عن حبس المال و إيقافه و قد أمضاه الشّارع بقوله الوقوف فلا يجوز تغييره عمّا جعله و أنشأه

قوله قدّس سرّه ثم إنّ جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع فالوقف يبطل بنفس البيع لا بجوازه إلى آخره

لا يخفى أنّ ما أفاده هو الحقّ الّذي لا محيص عنه

و ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه تبعا لأستاده

ص: 347

كاشف الغطاء لا يمكن الالتزام به لأنّ غاية ما يوجّه به كلامهما على ما يظهر من عبارتهما أنّه يشترط في صحّة البيع الطّلقيّة فلا بدّ أولا من بطلان الوقف لطروّ المجوّز حتى يصحّ بيعه و إلّا فبقاء الوقف مع صحّة البيع متضادان

و ببيان آخر نفس حقيقة الوقف تقتضي عدم جواز بيعه فكل مورد قيل بصحّة بيعه يجب أن يقال ببطلان الوقف أولا حتّى يصحّ بيعه و لا يخفى أنّه بناء على هذا البيان الأخير لا يرد عليهما النقض بجواز الرّجوع في الهبة للفرق الواضح بين الهبة و الوقف فإنّ الهبة ليس من مقتضاها إلّا تمليك المتّهب لا عدم جواز الرّجوع فيه بخلاف الوقف فإن مقتضاه وقوف العين على حالها فينافيه بيعها

فالصّواب أن يقال في ردّهما إنّه على فرض أن يكون عدم البيع مأخوذا في قوامه و حقيقته إلّا أنّ هذا المعنى ما لم يمضه الشّارع لا أثر له و الحكم الممضى قابل للتّخصيص فالأولى هو البيان الأوّل و هو اعتبار الطّلقيّة قبل البيع في صحّته حتّى يرد على المحلّ القابل و الجواب عنه أوّلا عدم إمكان إلزامهم ببطلان الوقف مطلقا بمجرّد طروّ المسوّغ فإن من موارد جواز بيعه شدّة حاجة أربابه و لا شبهة أنه لو ارتفع ضرورتهم قبل البيع يبقى الوقف على حاله و لا يمكن أن يبطل الوقف بطروّ الضّرورة و يعود بارتفاعها لأنه لا دليل على عوده بعد بطلانه و ثانيا أنّ صحّة البيع لا تتوقّف على الطلقيّة قبله بل يكفي جوازه للبائع و قابليّة المبيع له و لذا يصحّ لذي الخيار بيع ما انتقل عنه و بنفس البيع ينفسخ العقد الأوّل و بالجملة لا دليل على المنع عن البيع إلّا كون العين موقوفة و بعد أن ثبت جواز بيع العين الموقوفة نستكشف منه عدم اعتبار الطّلقيّة قبل البيع بل قابليّة البيع و مالكيّة البائع و سلطنته عليه يكفي في صحّة البيع فعلى هذا لا الوقف مانع عن البيع و لا البيع يعتبر في متعلّقه أن لا يكون وقفا قبله نعم البيع و الوقف لا يجتمعان

قوله قدّس سرّه إذا عرفت أنّ مقتضى العمومات في الوقف عدم جواز البيع فاعلم أنّ لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة أقوالا إلى آخره

لا يخفى أنّ موضوع البحث و إن كان الوقف الخاصّ إلّا أنّ الأولى ذكر جميع أقسامه على الإجمال و بيان أحكامها على مقتضى الأصل فنقول للوقف أقسام خمسة الأوّل وقف المشاعر كالمسجد و المشهد و لا يبعد إلحاق الحسينيّة بهما و هذا هو الّذي يقال إنّه تحرير و فكّ ملك أي إبطال للملكيّة و ليس تمليكا للمسلمين فهو بمنزلة عتق العبد الثّاني ما يلحق بالأوّل كوقف الخانات و القناطر و ما يشبه ذلك مما يوقف لانتفاع كلّ من سبق إليه فإنّه أيضا تحرير

الثّالث ما كان وقفا على الجهة كالوقف على العلماء و طلّاب المدارس و الزوّار و نحو ذلك و الفرق بينه و بين القسمين الأوّلين أنّ الوقف في هذا القسم ليس تحريرا و إدخالا له في المباحات بل تمليك للجهة و لذا لو غصبه غاصب يحكم بضمانه دون الأوّلين الرابع ما كان وقفا خاصا كالوقف على الذريّة في مقابل القسم الثالث الّذي يطلق عليه الوقف العام أيضا

ثم هذا القسم قد يكون مؤبّدا و قد يكون منقطع الآخر أي تارة يجعله بعد فرض انقطاع الذريّة لمصرف خاصّ و قد لا يجعله كذلك الخامس الوقف على الموقوفات كالحصير على المسجد أو الفرش على المدارس و الفرق بينه و بين القسم الثّالث أنّ في القسم الثّالث يملك الموقوف عليه المنفعة و لذا

ص: 348

يصحّ إجارته أمّا هذا القسم فمجرّد إباحة الانتفاع

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ مقتضى الأصل عدم جواز بيع القسم الأوّل و الثاني لخروجهما عن الملكيّة و تلف ماليّتهما شرعا و مقتضى الأصل جواز بيع القسم الخامس إذا لم يمكن الانتفاع به لأنّ الواقف و إن أوقف عين الرقبات و لكن حيث إنّها ممّا تزول خصوصيّتها الشّخصية فكأنّه وقفها بمراتبها و تعلّق نظره أوّلا بشخصيّتها ثم بماليّتها فإذا لم يمكن الانتفاع بشخصيّتها الخاصّة فيتعلّق بماليّتها فللحاكم أو المتولي تبديلها و يصير بدلها وقفا كما تقدّم نظير ذلك في باب اليد فإنّ العين المضمونة ما دامت موجودة يجب ردّها بشخصها و إذا تلفت أو حيل بينها و بين مالكها يردّ ماليّتها

و أمّا القسم الثّالث و الرّابع فالأقوى إلحاقهما بالقسم الخامس لأنّهما ليسا من التحرير و إتلاف الماليّة بل الثالث تمليك للجهة و الرابع تمليك لأشخاص خاصّة فإذا توقّف انتفاع الجهة أو الأشخاص على تبديله فلا مانع منه فيكون ثمنه وقفا بعد بيعه و إذا اشترى به شيئا صار وقفا من دون توقّف على إجراء صيغة الوقف و على هذا فدية العبد الموقوف على الجهة أو على الذريّة حكمها حكم العبد في صيرورتها وقفا بناء على كونها بدلا عن العبد أو عن الجناية الواردة عليه لا كونها غرامة تعبّدية

و حاصل الكلام أنّ ما كان تحريرا أو فكا للملكيّة و إتلافا للماليّة فليس مالا حتّى يصحّ بيعه أو إجارته أو صلحه أو هبته و ما عن كاشف الغطاء من أنّه لا يصحّ بيعه لا لعدم تماميّة الملك بل لعدم أصل الملك و لكنّه يصحّ إجارته للزراعة مع اليأس عن الانتفاع به في الجهة المقصودة مع مراعاة الآداب اللّازمة إذا كان مسجدا إلى آخر ما أفاده لا نعرف وجهه و هو أعرف بمدارك فتاواه

و كلّما لم يخرج عن الملكيّة كوقف الدّكان على الطلّاب أو وقف الدار على الذريّة أو وقف الحصير على المسجد أو أجزاء بنيان المسجد كالجذوع و الآجر و نحو ذلك الّتي هي ملحقة بالحصير الّذي يوقف على المسلمين و يوضع في المسجد لانتفاعهم فحيث إنّه ملك غاية الأمر ليس طلقا فلا مانع من بيعه إذا طرأ ما يوجب بيعه و رأى وليّ الموقوف عليه المصلحة في ذلك

و على هذا فلا يقال كيف لا يجوز بيع المسجد و يصحّ بيع جذوعه إذا انكسر و ذلك لأنّ ما وقع عليه التّحرير هو نفس الأرض لا أجزاء بناء المسجد و ممّا ذكرنا ظهر الملازمة بين بقاء الملكيّة و تعلّق الضّمان به فلو ثبت في مورد عدم الضّمان نستكشف أنّه تحرير لا وقف على الجهة كما أنّه لو ثبت في مورد أنّه تحرير نثبت به عدم الضّمان و الجمع بين كلمات العلماء غير ممكن و استفادة الاتّفاق منهم مطلقا أو في مورد خاصّ ممتنع و عليك بمراجعة المتن فإنّه قدّس سرّه قد بذل جهده في استقصاء الكلمات شكر اللّٰه سعيه

و كيف كان الفرق بين بناء المسجد و نحوه و العرصة واضح فإنّه لو جعل شخص عرصة مبنيّة بالأخشاب و الآلات مسجدا و وقفها كذلك فالعرصة لا يجوز بيعها و أما الآلات فيجوز لأنّه لو جعل ما يعرض عليه الخراب و الانهدام وقفا يتعلّق النّظر لا محالة بالأعمّ من نفس العين بخصوصيّتها و من ماليّتها و هذا بخلاف نفس الأرض فإنّها قابلة للبقاء فلا يجوز بيعها و لا ينافي ذلك كون المجموع من الأرض و البناء وقفا بصيغة واحدة لأنّ اختلاف أجزاء الموقوفة إنّما هو لاختلاف حقيقتها فيلحق كلّ جزء حكمه

ثم إنّه قبل بيان المسوّغات للبيع

ص: 349

لا بأس بالتّنبيه على فروع الأوّل أنّه لو بيع العين و اشتري بثمنها عين أخرى فهل حكمها حكم العين الأولى في أنّه لا يجوز بيعها إلّا بطروّ المسوّغ أو يجوز بيعها و تبديلها إذا رأى المتولّي المصلحة مطلقا وجهان و الأقوى الثّاني لأنّ عدم جواز البيع ليس من إنشاء الواقف حتى يقال إن حكم البدل حكم المبدل بل هو من أحكام الوقف شرعا و الحكم الشّرعي إنّما ثبت في نفس العين الّتي وقفها الواقف دون العين الأخرى الّتي اشتريت بثمن العين الأولى

و بالجملة وظيفة الواقف ليس إلّا إيقاف العين و ليس حكم الوقف من منشئات الواقف و ليس له إنشاؤه و ليس حكم البدليّة إلّا تعلّق حقّ البطون اللّاحقة في الوقف الخاصّ أو تعلّق حق الجهة في الوقف العام بالبدل و تعلّق حقّهم به لا يقتضي عدم جواز بيعه للمتولّي فله تبديله و اشتراء عين أخرى

ثمّ إنّ حكم ما يشترى من منافع مثل الدكّان الموقوف على المسجد و نحوه حكم العين الّتي تشترى من ثمن العين الموقوفة في أنّه يجوز للمتولّي تبديله بلا طروّ أحد مسوغات بيع الوقف إذا رأى فيه المصلحة و ذلك لعدم قيام دليل على تبعيّة الحصير الّذي يشتريه المتولّي من منافع الدكّان أو العقار لنفس الدكّان و العقار بل نفس وجود المصلحة في التّبديل كاف في جواز البيع

نعم لو اشترى الحصير مثلا من غير منافع الموقوفة شخص ثالث و وقفه على المسجد فحكمه حكم الأعيان الموقوفة فيحتاج جواز بيعه إلى مسوّغات البيع و الفرق بين القسمين واضح فإنّ الحصير الّذي وقفه أجنبي على المسجد هو بنفسه أيضا من أقسام الوقف و هذا بخلاف ما يشتريه المتولّي من منافع الأعيان الموقوفة على المسجد و المدرسة فإنّه ليس من الأعيان الموقوفة فيجوز تبديله مطلقا مع المصلحة

الثّاني إذا اتّجر بثمن العين الموقوفة فهل ربحه كمنافع العين الموقوفة للبطن الموجود أو إنّه كالعين في اشتراك البطون فيه وجهان و الأقوى هو الثّاني لأنّ الثمن كالمبيع و ربحه بمنزلة جزء المبيع لا بمنزلة منفعته لأنّ ربح الثّمن بمنزلة ارتفاع القيمة السوقيّة للمبيع فلا يختصّ بالبطن الموجود و ليس حكمه حكم منافع العين الموقوفة

الثّالث هل يجب شراء المماثل للوقف مع الإمكان و لو كان غيره أصلح أم يجب رعاية الأصلح فيه وجهان و الأقوى هو الثّاني لأنّ غاية ما يوجّه به الأوّل ما أفاده العلّامة و من تبعه من أنّ المثل أقرب إلى مقصود الواقف و فيه مضافا إلى أنّ مقصود الواقف لا يدخل تحت ميزان منضبط أنّه لا دليل على رعاية مقصوده إلّا إذا كان من منشئاته فإن الغرض تارة يكون من الدّواعي فلا أثر له في شي ء من العقود و لا يوجب تخلّفه خيارا و لا بطلانا و أخرى يكون قيدا في ما أنشأه و هذا في الوقف إنّما يتصوّر بالنّسبة إلى المراتب الطّوليّة للمال كما هي كذلك في باب الضّمان دون بدل العين الموقوفة

و توضيح ذلك أنّ مقتضى تعلّق الوقف بما يطرأه الفساد أن يكون متعلّق الوقف أولا هو العين بخصوصيّتها الشخصيّة و ثانيا بماليّتها و لذا يجوز بيعها إذا لم يمكن الانتفاع بشخصها فيتعلّق الوقف ثانيا بماليّة الشّي ء و لذا نقول بأنّه لا يجب إجراء صيغة الوقف بالنّسبة إلى بدل العين بل نفس شرائه بنفسه يقتضي كونه وقفا و أمّا تعلّق الوقف بما هو أقرب من العين الموقوفة فهذا ليس من مقتضيات الوقف و من منشئات الواقف بل إذا قيل به فلا بدّ أن

ص: 350

يستند إلى حكم شرعي و حيث لم ينهض عليه دليل فلا وجه لشراء المماثل بل يجب ملاحظة مصلحة البطون

إلّا أن يقال إن المثل مقدم على الماليّة بحسب المرتبة فإنّه كنفس العين بعد تعذّر العين فبحسب المراتب الطّوليّة ما دام المثل موجودا لا تصل النوبة إلى غيره فبعد جواز تبديل العين يقدم شراء المثل على غيره كما في باب الضّمان الرّابع هل المتصدّي لبيع العين الموقوفة هو النّاظر المنصوب من قبل الواقف لو كان أو هو وظيفة الحاكم وجهان و الأقوى هو الثّاني لعدم شمول دليل النّصب لهذا التصرّف فيرجع إلى الحاكم و إن كان الأحوط مراعاة نظر كليهما ثم بناء على هذا فليس له النّظارة في بدل العين الموقوفة بل حكمه حكم الأوقاف الّتي لا متولّي لها

[فاعلم أنّ الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور]
[الأولى أن يخرب بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه]

قوله قدّس سرّه فاعلم أنّ الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور الأولى أن يخرب بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه إلى آخره

لا يخفى أنّ هذه الصورة هي المتيقّن في كلام كلّ من قال بجواز بيع الوقف عند خرابه و أمّا إذا سقط عن الانتفاع المعتدّ به الّذي هو الصورة الثّانية في المتن فإلحاقها بالصّورة الأولى مشكل فضلا عن الصّورة الثّالثة و هي ما إذا قلّت منفعته

و بالجملة لو لم يمكن الانتفاع بالعين الموقوفة أصلا أو عدّ الانتفاع المتصوّر فيه في حكم العدم كما إذا غرقت الأرض المعدّة للزّراعة و لم يمكن الانتفاع بها إلّا لاصطياد السّمك منها الّذي هو في حكم العدم فيجوز بيعها و أمّا إذا سقطت عن الانتفاع المعتدّ به و لكن لم يلحق بالعدم فلا يجوز بيعها فضلا عمّا إذا قلّت منفعتها و لو أمكن الانتفاع بها فعلا و لكن يعلم بخرابها بعد ذلك فلو علم بأنّه لو لم تبع فعلا فلا يشتريها أحد حين خرابها فلا يبعد أن يكون بيعها جائزا

ثم إنّ ما ذكرناه من عدم جواز بيع العين الموقوفة إذا لم يلحق قلّة الانتفاع بها بالعدم إنّما هو إذا بقيت الصورة النّوعيّة للعين الموقوفة و أمّا إذا تبدّلت بصورة أخرى فيجوز بيعها و إن لم تلحق بالعدم و لا يبعد أن يكون كلام الشّيخ ناظرا إلى هذا المعنى فإنّ النّخلة الموقوفة إذا قلعت تعدّ عرفا مباينة للنّخلة لأنّها عبارة عن الشّجرة لا المادّة المشتركة بينها و بين الجذع و الخشب و بطلان الصورة النوعيّة عبارة أخرى عن خراب الوقف و سيجي ء إنشاء اللّٰه تعالى في باب الخيار أنّ مناط ماليّة الأموال إنّما هو بالصورة النوعيّة لا المادّة المشتركة

ثم المدار في الصورة النوعيّة على الصّورة النّوعيّة العرفيّة لا العقليّة فإذا تبدّلت الصّورة النوعيّة الّتي تعلّق الوقف بها يبطل الوقف و يبقى ذات الجسم فيباع و لا يقاس انهدام الدّار على زوال صورة الشّجرة فإنّ الدّار مركّبة من البناء و الأرض و انهدام البناء لا يوجب بطلان الوقف رأسا لبقاء العرصة

و بالجملة حيث إنّ قوام الوقف بأمرين بقاء العين الموقوفة و كونها ذات منفعة لأنّه عبارة عن حبس العين و تسبيل الثّمرة فكما يجوز بيعها إذا لم تكن لها منفعة أصلا فكذلك يجوز بيعها إذا لم تبق صورتها العينيّة الّتي هي إحدى ركني الوقف (1)


1- و لا يخفى أنّه لو قلنا بأنّ للوقف ركنين حبس العين و تسبيل الثّمرة و بزوال الصورة النّوعيّة للعين يبطل الوقف فمقتضاه بطلانه إذا لم يمكن الانتفاع بالعين و هذا هو الّذي اختاره صاحب الجواهر تبعا لأستاده كاشف الغطاء فما اختاره شيخنا الأستاذ مد ظلّه تبعا للمصنف من أن الواقف لا يبطل إذا بطلت المنفعة بل يجوز بيعه لا وجه له و بالجملة الفرق بين انتفاء هذا الرّكن و الرّكن الآخر لا وجه له ثم لا يخفى ما في استدلال المصنف لجواز بيع الوقف إذا طرأ عليه الخراب و تبديله بعين أخرى بما حاصله أنّ الأمر دائر بين تعطيله حتى يتلف بنفسه و بين انتفاع البطن الموجود بالإتلاف و بين تبديله بما يبقى و الأول تضييع و الثاني مع منافاته لحق سائر البطون يستلزم جواز بيع البطن الأول إذ لا فرق بين إتلاف البطن الموجود و بيع البطن الأول إذ لو لم يجب مراعاة البطون اللاحقة جاز للبطن الأول بيعه و ذلك لمنع الملازمة بين جواز إتلاف البطن الموجود و بيع البطن الأول لأنا نلتزم بجواز الإتلاف إذا عرض الخراب لا مطلقا فلو عرض الخراب جاز بيعه للبطن الأول أيضا و لو لم يطرأ فجواز إتلافه للبطن الموجود أيضا ممنوع

ص: 351

[الصّورة الرّابعة أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف عليه]

قوله قدّس سرّه الصّورة الرّابعة أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف عليه إلى آخره

لا يخفى أنّ هذه الصورة و الصورة الخامسة و هي أن يلحق الموقوف عليه ضرورة شديدة متّحدان في الحكم و هو المنع كما أفاده المصنف قدّس سرّه إذ لا دليل على جواز بيع الوقف بمجرّد كون بيعه أنفع و بمجرّد لحوق الموقوف عليه ضرورة شديدة و لا ينسب جواز البيع في الصورة الرّابعة إلّا إلى المفيد و لم يرض العلّامة بصدور هذا الكلام منه فقال إن كلامه متأوّل و لا دليل عليه إلّا رواية ابن محبوب و رواية الاحتجاج و على فرض دلالتهما و صحّة سندهما فحيث أعرض الأصحاب عنهما فلا يمكن التمسّك بهما

ثم إنّه لا فرق في الأنفعيّة الملحوظة بين أن تكون للطّبقة الموجودة أو لجميع البطون لأنّه على أيّ حال لا دليل على جواز البيع و أمّا الصورة الخامسة فالقائل بجواز البيع فيها جماعة كثيرة و ادّعى الإجماع عليه في الانتصار و الغنية و لكن حيث إن مصطلحهم في الإجماع غير مصطلح المتأخّرين فلا يصحّ الركون إليه فلم يبق دليل إلّا رواية ابن محبوب و هي تدلّ بظاهرها على كفاية أصل الحاجة و لو لم تكن شديدة و هي بهذا المعنى غير معمول بها

و بالجملة بعد ما ثبت ضرورة من الشّرع أنّ من أحكام الوقف عدم جواز بيعه فلا بدّ في تخصيصه من مخصّص قويّ تام الدلالة و هذان الخبران غير قابلين للتّخصيص هذا مع أنّ النّسبة بين الجواب المذكور في رواية الاحتجاج و الأدلّة الدالّة على عدم جواز بيع الوقف هي التّباين و إذا قيّدت الأدلّة المانعة بعدم طروّ الخراب و أخرج عن إطلاقها صورة الخراب تنقلب النّسبة و تصير الأدلّة المانعة أخصّ مطلقا من دليل الجواز فيخصّص بما إذا طرأ الخراب

و بالجملة على فرض صحّة سند هاتين الرّوايتين و تماميّة دلالتهما فلا بدّ من تقييدهما بمورد لا يمكن الانتفاع بالعين الموقوفة و إلّا فمجرّد الأنفعيّة أو الحاجة لا يوجب جواز بيع العين الموقوفة

[الصورة السّادسة أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة]

قوله قدّس سرّه الصورة السّادسة أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة إلى آخره

لا يخفى أنّه مع قطع النّظر عمّا رواه في الكافي في صدقة أمير المؤمنين صلوات اللّٰه، عليه و على آله الطّاهرين لا بدّ من صرف عنان الكلام إلى بيان أنّ شرط بيع الوقف هل ينافي مقتضى الوقف حتّى يأوّل الرّواية على فرض دلالتها على صحّة الشّرط أو لا ينافيه فنقول المدار في مخالفة الشّرط لمقتضى العقد على أن يكون المنشأ في العقد مضادا للشّرط و مناقضا له كما لو اشترط في البيع أن يكون بلا ثمن أو اشترط في الإجارة أن تكون بلا أجرة أو اشتراط عدم تصرّف المستأجر في الدار المستأجر أصلا و أمّا إذا لم يكن الشّرط منافيا لنفس ما أنشأ بالعقد بل كان منافيا لإطلاقه فلا مانع منه كما لو اشترط في البيع أن يكون الثّمن مؤجّلا أو أن يكون من غير نقد البلد و نحو ذلك

إذا عرفت ذلك فنقول لو كان التأبيد من منشئات الواقف فاشتراط بيع الوقف عند الحاجة مناف لمقتضاه و أمّا لو كان من مقتضيات الإطلاق فلا مانع منه ثم إنّ شرط بيعه عند الحاجة على قسمين لأنه تارة يشترط بيعه و شراء غيره بثمنه و أخرى يشترط بيعه و إتلاف ثمنه أمّا القسم الأوّل فلا ينبغي الإشكال فيه لأنّه لا ينافي مقتضى العقد على أيّ حال فإنّ عقد الوقف لا يتعلّق بنفس الخصوصيّة العينيّة و إلّا لما صحّ بيعها عند طروّ الخراب و تبديلها بغيرها بل يتعلّق بالأعمّ منها و من ماليّتها

نعم

ص: 352

مقتضى الإطلاق أن يتعلّق الوقف بعينها و تعلّقه ببدلها في طول تعلّقه بعينها فيحتاج إلى مئونة زائدة و أمّا لو اشترط التّبديل فمرجعه إلى جعل الوقف متعلّقا بالجامع بين المال و بدله و أمّا القسم الثّاني فيبتني صحّته على صحّة الوقف المنقطع الآخر و كونه وقفا لا حبسا و حيث إنّ المختار صحّته لا سيّما إذا كان مردّدا بين الانقطاع و عدمه فيصحّ شرط جواز البيع لبعض البطون فإن مرجع شرطه إلى أنّ له أن يجعله منقطعا و أن يبقيه على حاله و على هذا ينزل الرّواية الشريفة الواردة في صدقة أمير المؤمنين ع و تأويلها بتنزيلها على الوصيّة لا الوقف لا وجه له لأنّ العمل بظاهرها لا إشكال فيه

نعم بناء على ما اختاره صاحب الجواهر تبعا لشيخه من بطلان الوقف في كلّ مورد جاز بيعه و لو لم يبع فمرجع الشّرط إلى جعله منقطعا و كيف كان فبناء على ما اخترناه من أنّ جواز البيع لا يستلزم البطلان فلا مانع من جعل الواقف الخيار لبعض البطون حتّى البطن الأوّل كما في صدقة أمير المؤمنين صلوات اللّٰه عليه و آله الطّاهرين

[الصورة السّابعة أن يؤدّي بقاؤه إلى خرابه علما أو ظنّا]

قوله قدّس سرّه الصورة السّابعة أن يؤدّي بقاؤه إلى خرابه علما أو ظنّا إلى آخره

لا يخفى أنّ هذه الصّورة ملحقة بالصورة الأولى و هي خراب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به فإنّ العلم بتأديته إلى الخراب أو الظّن به المعبّر عنه بخوف الخراب إنّما هو من حيث طريقيّته إليه

و بعبارة أخرى إذا احتمل احتمالا عقلائيا تأديته إلى الخراب على نحو لو كان فعلا خرابا لجاز بيعه فحكم الاحتمال حكم نفس الخراب و لكن من حيث كونه طريقا لأن بعد اعتبار هذا الاحتمال عند العقلاء فكأنّه صار خرابا فعلا و أمّا الصّور الثلاث الّتي بعد هذه الصّورة و هي وقوع الاختلاف بين الموقوف عليهم بحيث لا يؤمن من تلف المال و النّفس أو أدائه إلى ضرر عظيم أو استلزامه فسادا يستباح منه الأنفس فلا دليل على جواز البيع فيها إلّا إذا لزم إحدى مجوّزات البيع كالخراب و نحوه و أمّا مجرّد تضرّر الموقوف عليهم أو تلف المال أو النّفس منهم أو من غيرهم فليس بنفسه من المسوّغات

و توهّم أنّ الباب باب التّزاحم فيراعى ما هو الأهمّ فاسد لأنّه لو قلنا بجواز التصرف في الموقوفة لحفظ الغريق أو إطفاء الحريق فإنّما هو فيما لو اتّفق ذلك قهرا من دون دخل فاعل مختار و أمّا إذا كان تلف الموقوف عليهم نفوسهم أو أموالهم باختيار منهم فبيع المتولّي العين الموقوفة و صرف ثمنها لحفظ نفوسهم لا دليل عليه فضلا عن بيعها لحفظ أموالهم و هكذا لو فرضنا أنّ الاختلاف صار منشأ لتلف نفس الموقوفة بأن يكون المراد من المال الّذي يؤدّي الاختلاف إلى تلفه هو نفس الموقوفة فإنّ بيعه أيضا غير جائز إلّا أن يرجع إلى الصّورة الأولى و هي خراب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به و الظّاهر أنّ المراد منه خرابه قهرا لا لاختلاف الموقوف عليهم

و بالجملة مقتضى قوله ع لا يجوز شراء الوقف و لا يدخل الغلّة في ملك عدم جواز البيع إلّا إذا ثبت التّخصيص أو التخصّص بأن يكون المورد خارجا من الإطلاق كما في صورة الخراب على ما يقال من أنّ إطلاق لا يجوز منصرف عنه و أمّا إذا كان من أفراد المطلق و لم يدلّ دليل على خروجه فمجرّد أن بقاء الوقف يؤدّي إلى تلف المال أو النّفس أو الضّرر العظيم على الموقوف عليهم لا يقتضي جواز بيعه

ثم إنّا قد بيّنا في قاعدة أصالة الصّحة أنّها

ص: 353

لا تجري في مورد الشكّ في قابليّة المال للنّقل و الانتقال كالشكّ في طروّ المسوّغ لبيع الوقف و على هذا فيرد على ما أفاده في قوله بعد الاستدلال بعموم لا يجوز شراء الوقف من أنّ ترك الاستفصال عن علم المشتري بعدم وقوع بيع الوقف على بعض الوجوه المجوّزة و عدمه الموجب لحمل فعل البائع على الصّحة يدلّ على أنّ الوقف ما دام له غلّة لا يجوز بيعه إلى آخره أنّ المورد ليس مورد حمل فعل بائع الوقف على الصّحة و لو لم يعلم المشتري بعدم وقوع بيع الوقف على بعض الوجوه المجوّزة بل احتمل ذلك

و كيف كان الاستدلال بمكاتبة ابن مهزيار لجواز بيع الوقف في الصورة السّابعة و بعدها من الصّور لا وجه له أمّا أولا فلإجمال الرّواية من جهتين الأولى ظهورها في جواز بيع سهم الإمام عليه السّلام من دون طروّ مسوّغ فلا بدّ إمّا من حمله على أنّ سهمه ع كان من حقّه و هو الخمس أي اشترى بعض الضّيعة من سهم الإمام ع و جعله وقفا أو حمله على قضية خاصّة غير معلومة الوجه و الثّانية عدم دلالتها على تحقّق شرط الوقف من القبض كما لو كان المال بيد المالك و جعله وقفا ثم وقع الاختلاف قبل القبض و أمّا ثانيا فلأنّ الاستدلال بها للصورة السّابعة إنّما هو بقوله ع ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال بناء على أن يكون المراد من الأموال هو العين الموقوفة و هذا مضافا إلى أنّه لا يناسب التّعبير عنها بالجمع لا ينطبق على هذه الصّورة لأنّ القائلين بالجواز فيها إنّما يقولون به في مورد العلم بأدائه إلى الخراب أو الظنّ و لفظ ربما يستعمل لمجرّد الاحتمال و هذا لا يلتزم به أحد

هذا مع أنّ الاستدلال بها لهذه الصورة ينافي الاستدلال بها للصورة الثّامنة و هي أن يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال أو النّفس لأنّ الاستدلال بها لها يتوقف على أن يكون المراد من الأموال هي العين الموقوفة و الاستدلال بها للصورة الثامنة يتوقف على أن يكون المراد منها غيرها من سائر الأموال

ثم إنّ الاستدلال بها على الصّورة التاسعة و هي أداء الاختلاف إلى ضرر عظيم يتوقف على استفادة العموم من التّعليل و هو قوله ع فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس و هذا لا يمكن الالتزام به و إلّا اقتضى جواز بيع الوقف لإصلاح كل فتنة

و أمّا الاستدلال بها على خصوص الصّورة العاشرة و هي خوف تلف النّفس فيتوقّف على إلقاء كفاية تلف المال عن الاعتبار و جعل ضمّ تلف النّفس إليه كاشفا عن لزوم بلوغ الفتنة إلى هذا الحدّ دون ما دونه و هذا خلاف الظّاهر منها فإنّ الظّاهر أنّ كل واحد من تلف المال و النفس موضوع مستقل كاف لجواز البيع فتحصّل ممّا ذكرنا كلّه أنّ الجائز من بيع الوقف هو الصورة الأولى و هي خراب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به رأسا و ما يلحق به من انتفاء الصورة النوعيّة

و أمّا الباقي من الصّور فلا دليل معتدّ به يدلّ على جواز بيعه إلّا الصورة السّادسة و هي صورة شرط الواقف على ما عرفته من التّفصيل و الصورة السّابعة

[و أمّا الوقف المنقطع]

قوله قدّس سرّه و أمّا الوقف المنقطع و هو ما إذا وقف على من ينقرض إلى آخره

ينبغي إجمالا بيان حكم الوقف المنقطع أوّلا ثم بيان جواز بيعه فنقول الوقف المنقطع على قسمين قسم يجعله موقّتا كما لو قال وقفت هذا عشر سنين و هذا لا إشكال في بطلانه وقفا إجماعا لأنّ التّأبيد إمّا شرط في الوقف أو مأخوذ في حقيقته إنّما الكلام في أنّه بقرينة التوقيت يصير حبسا

ص: 354

أو أنه يدور مدار القصد فلو قصد به الحبس يكون حبسا و لو قصد به الوقف يكون باطلا و لو لم يقصد شيئا فلا حبس و لا وقف و قسم يجعله على من ينقرض غالبا و في صحّته وقفا أو حبسا قولان و الأقوى وقوعه وقفا كما هو مدلول كلامه

و يدلّ عليه مضافا إلى قوله ع الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها الخبران الدالّان على أنّ الوقف الموقت مطلقا صحيح و غير الموقت باطل و المراد من الموقّت هو الّذي جعله وقفا على أشخاص خاصّة أو مصرف خاصّ و غير الموقت ما لا يكون كذلك كما لو قال هذا وقف فالمنقطع يصحّ وقفا ما دام الموقوف عليه باقيا و إذا انقرض يبطل و لا وجه لاحتمال كونه حبسا إلّا توهم اعتبار التأبيد في الوقف و لكنّه فاسد لأنّ المراد منه ليس إلّا عدم توقيته مدّة لا كونه دائما بحيث يبقى إلى أن يرث اللّٰه الأرض و من عليها

هذا مضافا إلى ما يقال من عدم القول بكونه حبسا بل قيل بأنّه وقف ملحق بالحبس و على أيّ حال لا وجه لكونه حبسا بل لا بدّ إمّا من القول بالبطلان رأسا و إمّا بوقوعه وقفا و ذلك لأنّه لا نرى الفرق فيما ينشئه الواقف بين قوله وقفت على ذرّيتي و قوله وقفت على ذرّيتي و إن انقرضوا فللفقراء فحمل الأوّل على الحبس و الثّاني على الوقف لا وجه له و بالجملة للحبس عنوان مستقل لأنّه بمنزلة الإجازة و الوقف بمنزلة الهبة و كل منهما يحتاج إلى القصد فلو قصد الوقف و أجرى الصّيغة لا يمكن أن يقع حبسا

نعم لو قيل بأنّ الوقف المنقطع الآخر باطل رأسا يدخل ما يعلم الواقف بانقراضه في الوقف الموقّت فيقع النّزاع في أنّه يبطل رأسا أو يقع حبسا و كيف كان بعد القول بصحّته فهل يرجع بعد الانقراض إلى ورثة الواقف أو ورثة الموقوف عليه أو يصرف في وجوه البرّ أقوال و الأقوى هو الثّاني لأنّ غاية ما يوجّه به رجوعه إلى الواقف أو ورثته هو أنّ الموقوف عليه لم يخلّف مالا حتى يرثه وارثه لأنّه و إن ملكه بتمليك الواقف إلّا أنّه ملكه ما دام حيّا و لذا لو كان بعده طبقة أخرى يملك تلك الطّبقة دون وارث الموقوف عليه فإذا فرض انقطاع الموقوف عليه يصير مصداقا للوقف الغير الموقّت الّذي ورد في الصّحيح أنّه باطل مردود على الورثة و المراد من الورثة هي ورثة الواقف

و بالجملة لو فرض أنّ نقل الواقف كان بمقدار حياة الموقوف عليه فبعد ذلك يرجع إلى نفسه إن كان حيّا و إلّا فإلى ورثته حين الوقف أو حين الانقراض و على أيّ حال لا وجه لرجوعه إلى ورثة الموقوف عليه و لا صرفه في سبيل اللّٰه الّذي يتوقّف على بقاء الوقف على وقفيّته و تعذّر صرفه في مصرفه الخاص و لكنّه مع هذا كلّه فمقتضى ما ورد في صدقة أمير المؤمنين ع هو أنّه بعد الانقراض ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه و ذلك لأنّه عليه السّلام جعل الخيار لأبي محمّد الحسن عليه السّلام في إبطال الوقف و صرف ثمنه لنفسه دون شراء بدله و ذلك يكشف عن تملكه ملكا تامّا لا حق للواقف عليه نعم لو لم يبعه ينتقل إلى غيره بعد وفاته فإذا انقرض قهرا و بطل الوقف ينتقل ممّن انقرض إلى وارثه لأنه صار مالكا بالاستقلال من دون تعلّق حق عليه من الواقف لفرض انتقاله منه إلى الموقوف عليه و لا من الطّبقة الأخرى لفرض عدمهم فرجوعه إلى الواقف أو ورثته أو إلى سبيل اللّٰه لا وجه له بل يمكن أن يقال بجواز بيع من في الطّبقة الأخيرة

ص: 355

بلا مجوّز و إن توقّف جواز بيع السّابق عليه على المسوّغ لأنه يملكه ملكا تاما و اعتبار الواقف بقاءه في يده إلى انقراضه لو كان شرطا خارجيا منه عليه للزم اتّباعه

و أمّا لو كان غرضه من البقاء في يده رعاية حق البطون اللّاحقة و مقدمة لانتفاعهم فمع فرض انتفاء بطن آخر لا مانع من بيعه و لكن الأقوى عدم جواز بيعه إلّا بالشّرط لأنّ الواقف وقفه عليه فإذا لم يجعل الخيار للموقوف عليه فجواز بيعه مناف للوقف

و بالجملة فالأقوى أنّه بعد انقراض الطّبقات ينتقل إلى وارث الطّبقة الأخيرة و انقراض الموقوف عليه ليس من مصاديق الوقف الغير الموقّت الّذي ورد في الصّحيح أنّه باطل مردود إلى الورثة أي ورثة الواقف و تمام الكلام موكول إلى محلّه

[مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا صيرورة المملوكة أمّ ولد لسيّدها]
اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا صيرورة المملوكة أمّ ولد لسيّدها إلى آخره

هذا هو القسم الثّاني من الأملاك الخارجة عن الطّلقيّة و الظّاهر كون خروجه عنها من الأمور المسلّمة بين المسلمين فلا وقع للبحث عن دلالة الأدلّة الّتي أقيمت عليه و عدم دلالتها كما في حاشية المحقّق الخراساني قدّس سرّه كما أنّه لا وقع للبحث عن أنّ خروجها عن الطلقيّة هل هو لحقّ من اللّٰه سبحانه عليها أو لحق الولد أو لحق نفسها لأن هذه كلّها من علل التّشريع لا من علة الحكم حتى يكون وظيفة الفقيه تنقيحها فلا يهمّنا البحث عنها إنّما المهم أمور أخر ينبغي إيضاحها الأوّل هل يختصّ المنع عن التصرّف فيها بخصوص البيع أو يعمّ مطلق المعاوضة أو مطلق النّقل و لو لم يكن معاوضة كالهبة وجوه بل أقوال و الأقوى هو الأخير

و توضيح ذلك أنّ الأحكام المترتّبة على العقود تارة يستفاد من نفس أدلّتها أو من مناسبة الحكم و الموضوع أنّها مختصّة بالبيع و لا تجري في غيره كخيار المجلس و الحيوان و أخرى يستفاد أنها جارية في مطلق المعاوضة بيعا كانت أو صلحا أو إجارة كتلف المبيع قبل قبضه على ما سيجي ء من أنّ قاعدة الانفساخ قبل التّلف تجري في عوض الخلع و المهر و نحو ذلك لأنّ المدار فيها على الضّمان المعاوضي و ثالثة يستفاد أنّها جارية في مطلق النّقل و الانتقال و لو لم يكن معاوضة كالهبة و نقل أمّ الولد فإنّه لا يجوز نقلها عن ملك سيّدها و لو بالهبة فإنّ من مناسبة الحكم و الموضوع يستفاد أنّ الاستيلاد مانع عن التصرّفات النّاقلة

بل ادّعى بعضهم المنع عن كلّ تصرّف كان في معرض النّقل كالرّهن و لكنّ الحقّ أن المنع عن الرّهن لو قلنا به فليس من جهة المنع عن مطلق التصرّف فيها فإنّ التصرفات الغير المزاحمة لعتقها من نصيب ولدها لا دليل على المنع عنها و لذا لا ينبغي الإشكال في جواز عتقها بل المنشأ في المنع عن الرّهن قصور أدلّة الرّهن لأن الغرض منه كون المرهون وثيقة للدّين فيباع و يؤخذ الدّين من ثمنه و حيث إنّ أمّ الولد لا يجوز بيعها فلا يجوز رهنها إلّا أن يقال إنّ مرجع ذلك إلى امتناع رهنها لأنّ الرّهن يقتضي طبعا أن تكون العين المرهونة مخرجا للدّين و حيث إنّها غير قابلة لذلك فلا يصحّ رهنها فالمانع ليس مجرّد قصور الأدلّة بل لامتناع تحقّق حقيقة الرّهن في أمّ الولد

الثّاني أنّه لا إشكال في أنّ عدم جواز التصرّفات النّاقلة فيها يدور حدوثا و بقاء مدار حياة الولد فلو مات و لم يخلّف ولدا تصير طلقا إنّما الإشكال في أنّه لو مات و خلّف ولدا فهل تبقى على ما كانت عليه من المنع مطلقا لصدق كونها أمّ ولد أو تخرج مطلقا لكون الولد حقيقة

ص: 356

في ولد الصّلب و لا أقلّ من كونه ظاهرا فيه أو يفصل بين كون ولد الولد وارثا للمولى فتبقى على المنع و عدم كونه وارثا له فتخرج عنه وجوه و الأقوى هو الأخير لأنّها و إن كان يصدق عليها أمّ الولد إلّا أنّها إذا لم يكن للولد نصيب منها فلا مانع من جواز بيعها

الثّالث يكفي الحمل في المقام و إن قلنا بأنّ الولد لا يصدق عليه حقيقة بل يعتبر فيه الانفصال و ذلك لقوله ع هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل ثم إنّه لا يعتبر في الحمل ولوج الرّوح بل يكفي استقرار النّطفة في الرّحم إذا كان منشأ نشوء الآدمي و لا يدلّ على خلاف ذلك قول سيّد الساجدين ع في مكاتبة يطأها مولاها فتحبل حيث قال ع يرد عليها مهر مثلها و تسعى في رقبتها فإن عجزت فهي من أمّهات الأولاد لعدم الملازمة بين زمان السّعي و العجز و بين ولوج الروح غالبا فإنّ السّعي في أداء مال الكتابة لا يحتاج إلى زمان طويل و لا سيّما أنّ الغالب انكشاف الأمر في العجز و القدرة

الرابع يعتبر في الحمل أن يكون ملحقا بالمولى فإذا زوّج أمّها ثم وطئها زناء و استولدها فهي ليست بأمّ الولد شرعا لأن للعاهر الحجر إنّما الكلام في أنّه هل يعتبر الوطي من المولى أو يكفي كون النّطفة منه و إن حصل الحمل بالمساحقة مع من وطئها المولى وجهان من دعوى الانصراف و من أنّ المدار كون الولد ملحقا بالمولى شرعا و لو كان الوطي محرّما كما في حال الحيض و الأقوى هو الأخير لأنّه إذا كان الولد ملحقا به فيصدق عليها كونها أمّ الولد و لا وجه للانصراف

[ثم إنّ المنع عن بيع أمّ الولد قاعدة كليّة مستفادة من الأخبار]

قوله قدّس سرّه ثم إنّ المنع عن بيع أمّ الولد قاعدة كليّة مستفادة من الأخبار إلى آخره

لا يخفى أنّ استفادة القاعدة الكليّة من الأخبار أو انعقاد الإجماع عليها لا ينافي وقوع الخلاف في بعض صغرياتها و الاتّفاق على خروج بعض آخر لأنّ جميع القواعد العامّة قابلة للتّخصيص ففي الموارد الّتي انعقد الإجماع على الخروج لا كلام فيها و أمّا في مورد الخلاف فيتمسّك بعموم القاعدة و يمنع جواز نقلها لا من باب قاعدة المقتضي و المانع فإنها لا أساس لها أصلا مضافا إلى المنع عن وجود المقتضي في المقام فإنّ المخالف في بعض الصغريات لا يسلّم وجود المقتضي للمنع حتى يرد عليه أنّ مع إحراز المقتضي و الشكّ في المانع يجب الحكم بترتّب المقتضي بالفتح بل من باب أنّ هذه القاعدة الكليّة من قبيل العناوين الأوّلية الّتي لا ينافيها طروّ عنوان ثانوي فإذا أحرز العنوان الأوّلي و شكّ في طروّ العنوان الثّانوي الرافع لعموم المنع يتمسّك بالعموم حتّى يثبت التّخصيص كما يتمسّك به في الشكّ في رافعيّة الموجود لشبهة حكميّة أو مفهوميّة

و بالجملة يستفاد من الإجماع و الأخبار أن نفس عنوان كون الأمة أم الولد من العناوين الموجبة لخروج الملك عن الطلقيّة فإذا ثبت بدليل قطعيّ جواز نقلها في مورد فهو و إلّا يحكم بالعدم

ثم إنّ الموارد الّتي قيل بالتّخصيص فيها صور
اشارة

يجمعها تعلّق حقّ للغير بها أو تعلّق حق تعجيل العتق لها أو تعلّق حقّ بها سابق على الاستيلاد مانع عن تأثيره أو انعدام الموضوع كموت الولد

[القسم الأوّل تعلّق حقّ للغير بها]
فمن موارد القسم الأوّل ما إذا كان على مولاها دين و لم يكن له ما يؤدّي هذا الدّين به

و المتيقّن منه ما إذا كان الدّين ثمن رقبتها بعد موت المولى و أمّا إذا كان حيّا أو كان له مال آخر أو لم يكن الدّين في ثمن رقبتها فخروجها عن عموم المنع ممنوع لا سيّما إذا كان له مال آخر و إن كان الدّين مستغرقا

ص: 357

فإنّ صاحب العين و إن كان أحقّ بماله في الدّين المستغرق فيما إذا كان المديون حيّا و لا يضرب مع الغرماء إلّا أنّ هذا الحكم مخصوص بالمفلّس و أمّا الميّت الّذي لا ذمّة له فصاحب العين أيضا كسائر الغرماء فإذا كان بعض أمواله متعلّقا لحقّ إلهيّ أو حقّ آخر لا يمكن تعلّق الدّين به ككونه أمّ الولد مثلا لا يصحّ أخذه للدّين

و بالجملة المتيقّن من الخروج عن القاعدة هو المشتمل على القيود الثّلاثة و يدلّ عليه صحيحة عمر بن يزيد قلت لأبي إبراهيم أسألك عن مسألة قال سل قلت لم باع أمير المؤمنين صلوات اللّٰه و سلامه عليه أمّهات الأولاد قال في فكاك رقابهنّ قلت فكيف ذلك قال أيّما رجل اشترى جارية فأولدها و لم يؤدّ ثمنها و لم يدع من المال ما يؤدّى عنه أخذ منه ولدها و بيعت و أدّي ثمنها قلت فيبعن فيما سوى ذلك من دين قال لا

و لا يخفى أنّ هذه الصّحيحة صريحة في القيدين منها و هما كون الدّين في ثمن رقبتها و عدم مال آخر لمولاها و ظاهرة في القيد الآخر و هو موت المولى فإنّ ظاهر سؤاله عن أنّه لم باع أمير المؤمنين أنّ البيع وقع منه عليه السّلام بعد موت المولى و إلّا كان المناسب أن يقول لم أمر أمير المؤمنين ع ببيع أمّهات الأولاد و هكذا ظاهر قوله ع و لم يدع من المال أنّ هذه القضيّة كانت بعد موت المولى و لا وجه لدعوى إطلاق صحيحته الأخرى عن أبي الحسن عن بيع أمّ الولد تباع في الدّين قال

نعم في ثمن رقبتها فإنّ هذه أيضا ظاهرة فيما بعد الموت فإن تباع يستعمل في هذا الحال نعم هي مطلق من حيث وجود مال آخر و عدمه و لكن بعد صراحة الصحيحة الأولى في اختصاص الحكم بما إذا لم يدع مالا آخر فتقيّد هذه بتلك مع أنّ مدّعي منع الإطلاق لها غير مجازف فإنّ قوله ع نعم في ثمن رقبتها لم يعلم كونه واردا في مقام البيان عن جميع الجهات فلعلّه كان عليه السلام بصدد بيان جواز بيع أمّ الولد في الجملة أي كان في مقام أصل التّشريع و قد ذكرنا في الأصول أنّ شرط التمسّك بالإطلاق أن لا يكون الحكم في مقام أصل التّشريع كالأوامر الواردة في الكتاب المتعلّقة بالماهيّات كقوله عزّ من قائل أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ و أن لا يكون واردا مورد حكم آخر كقوله سبحانه فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ فإنّه مسوّق لحليّة ما اصطاده الكلب المعلّم فلا يمكن التمسّك بإطلاقه للحكم بطهارة محلّ عضّه

نعم لو اخترنا ما اختاره المشهور قبل السّلطان من أنّ المطلقات موضوعة للماهيّة اللّابشرط القسمي بأن تكون موضوعة للإطلاق لكان للتمسّك بإطلاقها ما لم يعلم تقييدها مجال

لا يقال كون المتكلّم في مقام البيان يحرز بالأصل العقلائي و إن قيل بمقالة السلطان من كون المطلق موضوعا للماهيّة اللّابشرط المقسمي و إذا ثبت الإطلاق فلا يمكن تقييده بالصّحيحة الأولى لأن مورد التّقييد إنّما هو في العموم البدلي لا الشّمولي لعدم التّنافي بين جواز بيعها مع القيود الثلاثة و جوازه مطلقا غاية الأمر يقع المعارضة بينه و بين صحيحة ابن مارد الدالّة على عدم جواز بيعها مطلقا و النّسبة بينهما عموم من وجه فإن رواية ابن مارد خاصّة من جهة و هي كون البائع نفس المولى و عامّة من أخرى و هي عدم الفرق في كون البيع لثمن رقبتها أو لغيره و هذا الرّواية خاصّة من جهة و هي كون البيع لثمن رقبتها و عامّة من أخرى و هي كون البائع مولاها أو غيره و شمول هذه الرّواية لمادة الاجتماع و هي كون البائع مولاها في ثمن رقبتها أظهر من صحيحة

ص: 358

ابن مارد لكون صحيحة ابن مارد بمنزلة الأدلّة الواردة للعناوين الأوّلية و هذه الرّواية بمنزلة العنوان الثّانوي الطاري فهي حاكمة على الصّحيحة

لأنّا نقول إنّما لا يحمل المطلق على المقيّد في العموم الاستغراقي إذا لم يكن المقيّد في مقام التّحديد و الاحتراز لأنّه في غير هذا المورد لا موجب للحمل لإمكان أن لا يكون السّؤال عن تمام موارد جواز بيع أمّ الولد فالجواب لا يفيد الحصر كما هو منشأ نظر المصنف قدّس سرّه في قوله و اندفاع التوهّم بكلا شقّيه واضح و أمّا إذا كان في مقام التّحديد كما هو ظاهر السّؤال في قوله فكيف ذلك فالجواب بما يدلّ على الحصر بقوله ع أيّما رجل اشترى جارية فأولدها و لم يؤدّ ثمنها و لم يدع من المال ما يؤدّى عنه إلى آخره موجب لتقييد ما يدلّ بإطلاقه على جواز بيعها في ثمن رقبتها

و دعوى أظهريّة الرّواية من صحيحة ابن مارد في مادّة الاجتماع إمّا لما ذكرناه و إمّا لما ذكره المصنف قدّس سرّه من أنّ الصّحيحة ليست في مقام بيان البيع لثمن رقبتها لقوله فتمكث عنده ما شاء اللّٰه فإنّ من البعيد عدم أداء ثمنها في خلال هذه المدّة المديدة مع أنّ ظاهره جواز بيعها اقتراحا لا لاضطرار لقوله فيبدو له في بيعها غير مسموعة لأنّ المدار في التعارض إنّما هو على جواب الإمام ع فإنّ قوله ع هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل عام يشمل جميع الموارد و ظاهر في أنّ الحمل مطلقا موجب لخروج الأمّة عن استيلاء المولى

و كيف كان فالحقّ أنّه لا تصل النّوبة إلى تعارض رواية عمر بن يزيد مع صحيحة ابن مارد لأنّ الصّحيحة الأخرى عن عمر بن يزيد تقيّدها بما بعد الموت على فرض ظهورها في العموم مع أنّه ممنوع فإنّ قوله تباع ظاهر في أنّ المولى غير البائع و على أيّ حال فلو قلنا بجواز البيع أيضا في حال الحياة في ثمن رقبتها فالأقوى اختصاصه بما إذا لم يكن للمولى مال أصلا لا من المستثنيات و لا من غيرها

و توهّم أنّ مستثنيات الدّين يزاحم حق الديان فمزاحمتها لحقّ الاستيلاد الغير المزاحمة لحقّ الدّيان أولى فاسد لأنّا لا ندّعي وجوب بيع المستثنيات لأداء الدّين الّذي على المولى في ثمن رقبتها حتّى قال إنّ هاهنا حقوقا ثلاثة حق أمّ الولد و حق الديّان و حق المالك في المستثنيات عن الدّين فإذا لم يزاحم الأوّل الثّاني فكيف يزاحمه الثّالث

بل ندّعي أنّ كلّا من المستثنيات و الاستيلاد مزاحم لحقّ الديّان و لا مزاحمة بينهما لإمكان ورود كلّ منهما على المال الّذي تعلّق به الدّين فيكون كلّ منهما مخصّصا لأدلّة وجوب أداء الدين بل يمكن دعوى أقوويّة حق الاستيلاد من حقّ المالك في المستثنيات لأنّ الاستيلاد يخرج الملك عن الطلقيّة بخلاف حقّ المالك فإنّه لا شبهة في أنّه يجوز له بيعها و أداء الدّين منها و إن لم يجب عليه

و بالجملة لا تزاحم بين الاستيلاد و حقّ المالك فالعمدة ملاحظة الدليل الوارد في المقام فنقول ظاهر قوله ع و لم يدع من المال ما يؤدّى عنه بناء على شموله لحال الحياة أنّه لم يدع ما يمكن أن يؤدّى عنه و مع وجود المستثنيات يمكن أداء الدّين منها و إن لم يجب نعم لو كان المولى ميّتا فمئونة التّجهيز ممّا لا يمكن أن يؤدّى عنه الدّين فتباع أمّ الولد

ثم هل الثمن الّذي يجوز بيعها له مخصوص بما إذا كان الثّمن الواقع في عقد المعاوضة بنفسه دينا أو يشمل جواز البيع لغاية أداء الثّمن سواء كان من قبيل الأوّل أم استدان الثّمن و اشترى به الأمة نقدا بل و لو استدان

ص: 359

ثمنا لأداء الثمن الّذي في ذمّته عوضا عن الأمة وجوه و أقواها الأوّل و قد اختار المصنف أولا إلحاق الثاني بالأوّل ثم تأمّل فيه و وجه تأمّله أنّ ظاهر النّص و الفتاوى اختصاص جواز البيع بما إذا كان عوض الأمة بنفسه في ذمّته لا عوض العوض فإنّ قوله ع و لم يؤدّ ثمنها ظاهر في أنّ الثمن عوض عما يطلبه البائع

و بالجملة هنا موارد خمسة يحتمل جواز البيع في جميعها الأوّل بيعها في ثمن رقبتها الّذي وقع في عقد المعاوضة الثّاني بيعها في الدّين الّذي استقرضه المولى و اشترى به الأمة الثّالث بيعها لوفاء الثّمن الّذي استدانه لوفاء ثمن الرّقبة الّذي كان في ذمّته الرّابع بيعها لأداء ما اشترط عليه في عقد المعاوضة كما إذا اشترط البائع على المشتري أن ينفق عليه مدّة و لم يتمكّن من الإنفاق إلّا ببيع الجارية أو اشترط عليه أن يخيط له ثوبا أو يعمل عملا يتوقف الوفاء به على بيع الأمة فإنّ بيعها للوفاء بالشّرط بمنزلة بيعها لأداء بعض ما عليه من الثّمن لأنّ للشّرط قسطا من الثّمن الخامس بيعها لأداء قيمتها إذا تعلّق بها ضمان اليد كما إذا كان للبائع حق الفسخ و فسخ بعد الاستيلاد بناء على جواز تصرّف المشتري في زمان خيار البائع و بناء على أنّ الاستيلاد اللّاحق مانع عن الحقّ السّابق فحيث لا يمكن رد نفس الرّقبة فهي بمنزلة التّلف فلا بدّ من ردّ قيمتها و إذا لم يتمكّن منه فتباع لأداء القيمة الّتي يضمنها للمشتري

و لكن الأقوى عدم جواز البيع إلّا في القسم الأوّل لأنّه هو الّذي يصدق عليه أنّها تباع في ثمن رقبتها و أمّا في سائر الأقسام فبيعها ليس إلّا لأمر خارج لا سيّما في الرّابع و الخامس أمّا الرابع فإنّ قسطا من الثّمن و إن كان في اللبّ واقعا بإزاء الشّرط إلّا أنّ في عقد المعاوضة لم يجعل بإزائه شي ء فكيف يصدق أنّها تباع في ثمن رقبتها و أمّا الخامس فأمره أوضح لأنّه بمنزلة بيعها في دين آخر لأنّ المفروض أنّه أدّى ثمن رقبتها و البدل الّذي يجب عليه الردّ بعد الفسخ لا ربط له بثمن رقبتها مع أنّه لو جاز بيعها لأداء هذا الثّمن و صحّ انتقالها إلى غير المولى المستولد لجاز انتقالها إلى المولى الأصلي الّذي باعها

فالأقوى أنّه لا يصح بيعها إلّا بعد موت المولى في ثمن رقبتها الذي وقع في عقد المعاوضة هذا كلّه في ثمن رقبتها أو ما ينتهي إليه و أمّا بيعها في دين آخر فالأقوى عدم جوازه مطلقا كان المولى حيّا أو ميّتا كان الدّين مستغرقا أم لا خلافا للشّيخ و الشّهيدين و الفاضل المقداد و الشّيخ مفلح الصّيمري فجوّزوا البيع بعد موته إذا كان الدّين مستغرقا

و لعلّ منشأ فتواهم بالجواز في هذه الصّورة ما ذكره في الرّوضة من أنّها إنّما تعتق بموت مولاها من نصيب ولدها و لا نصيب له مع استغراق الدّين فلا تعتق بل تصرف في الدّين و يؤيّده أيضا مقطوعة يونس فإنّ قوله فإن كان لها ولد و ليس على الميّت دين فهي للولد بمفهومه يدلّ على عدم كونها للولد إن كان على مولاها دين و معلوم أنّه ليس مطلق الدّين مانعا عن الإرث بل هو الدّين المستغرق

و لكنّك خبير بأنّ الرّواية مع كونها مقطوعة مطلقة فتقيّد بما دلّ على جواز بيعها في خصوص ما إذا كان الدّين ثمن رقبتها و أمّا ما اختاره الشّيخ و من تبعه في مسألة الدّين المستغرق فالأقوى خلافه لأنّ التّركة تنتقل إلى الورثة غاية الأمر لا يجوز لهم التصرّف ما لم يؤدّوا الدّين فإذا انتقلت إليهم تنعتق الأمة من نصيب ولدها و هذا هو الّذي اختاره الشّهيد الثّاني في المسالك

ص: 360

نعم استشكل عليه صاحب المقابس انتصارا للشّيخ بأمور أربعة أحدها أن المستفاد ممّا دلّ على أنها تعتق من نصيب ولدها أنّ ذلك من جهة استحقاقه لذلك النّصيب من غير أن تقوم عليه أصلا و إنّما الكلام في باقي الحصص إذا لم يف نصيبه من جميع التركة بقيمة أمّه هل تقوم عليه أو تسعى هي في أداء قيمتها انتهى و حاصل إيراده أنّ أدلّة الانعتاق من نصيب ولدها تختصّ بما إذا انعتقت عليه مجّانا من دون أن يكون عليه شي ء و هذا يتمّ فيما إذا لم يكن الدّين مستغرقا و أمّا إذا كان مستغرقا فلا تقوم على الولد فلا وجه للانعتاق فلا مانع من بيعها

و بالجملة إمّا لا تنعتق عليه و إمّا إذا انعتقت فتنعتق عليه مجّانا فإذا امتنع الأخير تعيّن الأوّل و ثانيها أنّ النّصيب إذا نسب إلى الوارث فلا يراد منه إلّا ما يفضل من التّركة بعد أداء الدّين و سائر ما يخرج من الأصل و المقصود منه النّصيب المستقرّ الثّابت لا النّصيب الّذي يحكم بتملّك الوارث له تفصّيا من لزوم بقاء الملك بلا مالك انتهى

و هذا الوجه يرجع إلى الوجه الأوّل لأنّ حاصله أنّ أدلّة الانعتاق من نصيب الولد لا تشمل هذا الملك الثّاني بل يختصّ بالنّصيب الّذي للولد بعد إخراج الدّين و الحقوق المتعلّقة بأصل المال كالحجّ الميقاتي و الخمس و الزّكاة و نحو ذلك و هذا إنّما يجري فيما إذا بقي للميّت مال زائد على الحقوق المتعلّقة به لا ما إذا كان الدين مستغرقا بحيث كان الحكم بانتقال المال إلى الورثة من باب احتياج الملك إلى المالك و ثالثها الّذي هو الرّابع في كلامه أنّ ما ادّعاه من الانعتاق على الولد بمثل هذا الملك ممّا لم ينصّ عليه الأصحاب و لا دلّ عليه دليل معتبر و ما يوهمه الأخبار و كلام الأصحاب من إطلاق الملك فالظّاهر أنّ المراد به غير هذا القسم و لذا لا يحكم بانعتاق العبد الموقوف على من ينعتق عليه بناء على صحّة الوقف و انتقال الموقوف إلى الموقوف عليه انتهى

و مرجع هذا الوجه أيضا هو الوجه الأوّل لأنّ حاصله أنّ أدلّة الانعتاق لا تشمل هذا النّحو من الملك و الأصحاب أيضا لم يصرّحوا بذلك لأنّ ظاهرهم اختصاص الانعتاق بالملك المستقر و لذا لا يلتزمون بانعتاق العمودين على الموقوف عليه إذا وقفهما الواقف عليه مع أنّهم يلتزمون بصحّة الوقف و تملّك الموقوف عليه العين الموقوفة و رابعها الّذي هو الثّالث في كتابه أنّه يلزمه على كلامه أنّه متى كان نصيب الولد من أصل التركة بأجمعها يساوي قيمة أمّه تقوم عليه سواء كان هناك دين مستغرق أم لا و سواء كان نصيبه الثّابت في الباقي بعد الدّيون و نحوها يساوي قيمتها أم لا و كذلك لو ساوى نصيبه من الأصل نصفها أو ثلثها أو غير ذلك فإنّه يقوم نصيبه عليه كائنا ما كان و يسقط من القيمة نصيبه الباقي الثّابت إن كان له نصيب و يطالب بالباقي و هذا ممّا لا يقول به أحد من الأصحاب و ينبغي القطع ببطلانه

و حاصل هذا الوجه أنّ كلام المسالك في قوله و الأقوى انتقال التّركة إلى الوارث مطلقا و إن منع من التصرّف فيها على تقدير استغراق الدّين فيعتق نصيب الولد منها كما لو لم يكن دين و يلزمه أداء مقدار قيمة النّصيب من ماله لازمه أن يخسر الولد قيمة أمّه أو بعضها للدّيان و أن تنعتق الأم عليه أيضا لأنّ مقتضى ما ادّعاه من انتقال المال إلى الورثة هو انعتاق الأم عليه إمّا بتمامها لو لم يكن وارث غيره و إمّا بمقدار نصيبه من التّركة لو كان هناك وارث غيره و مقتضى قوله و يلزمه أداء مقدار

ص: 361

قيمة النّصيب من ماله أن يتضرّر هذا المقدار للدّيان أو للورثة و لازم هذا الكلام هو التزامه بالتّقويم عليه في صور ثلاث

الأولى ما إذا كان نصيب الولد من مجموع التّركة يساوي قيمة الأمّ سواء كان هناك دين مستغرق أم لا فإذا فرضنا عدم استغراق الدّين بأن كان الدين مائة و التركة مائتين و قيمة الأمة مائة و باقي التركة مائة و الورثة منحصرة بولد أم الولد و أخ له من غير أمّه فلو قلنا بانتقال التركة بأجمعها إلى الورثة فتنعتق الأم بأجمعها على الولد لأنّ نصيبه من التّركة بمقدار قيمة الأمّ فيجب عليه حينئذ خمسون و على أخيه كذلك فيحصل لأخيه خمسون و هو تضرّر بخمسين و لا شي ء له سوى الأم نعم إذا استغرق الدّين يخسر كلّ منهما ما انتقل إليه

الثّانية ما إذا كان نصيبه الثّابت في الباقي بعد الدّيون و نحوها ممّا يخرج من المال مساويا لقيمة أمّه أو أقل لأنّ المفروض انتقال ما يساوي قيمتها إليه قبل الدّين فإذا فرضنا أنّ الورثة كالصّورة السّابقة و التّركة ثلاثمائة و قيمة الأم مائة و الدّين و ما يلحق بالدّين مائة فنصيب الولد من التّركة بعد الدّين و نحوه يساوي قيمة أمّه فالأم تنعتق جميعها عليه و يقوم عليه نصف قيمتها لأخيه و نصف المائة الباقية له فيتهاتر النّصيبان فيكون تمام المائة في الحقيقة لأخيه و الأم بتمامها له و إذا فرضنا أنّ الدّين و نحوه مائتان فنصيبه منها بعد الدّين و نحوه أقلّ إلّا أنّ نصيبه من التّركة أزيد من قيمة الأم لأنّ نصيبه مع قطع النّظر عن الدّين مائة و خمسون فلا بدّ من أن تنعتق الأمّ بأجمعها عليه و أن يخسر نصف قيمتها لأخيه فإنّ ما بقي من التّركة يرد إلى الدّيان و الأمة مشتركة بين الأخوين فإذا انعتقت عليه يجب أن يخسر قيمة نصفها لأخيه

الثّالثة ما إذا كان نصيبه من الأصل نصفها أو ثلثها أو غير ذلك فإنّه يقوم عليه نصيبه كائنا ما كان و يسقط من القيمة نصيبه الباقي الثّابت إن كان له نصيب و يطالب بالباقي مثلا إذا فرضنا أنّ الدّين مستغرق و مجموع التّركة يساوي مائة و عشرين و قيمة الأمّ تسعين و باقي التّركة ثلاثين و الوارث كالسّابق فنصيب الولد من التّركة النّصف و هو يقابل ثلثين من الأمّ فينعتق عليه ثلثان منها و ينعتق الباقي بالسّراية فتسعى الأم في ثلثها للديان و عليه ستّون و على أخيه ثلاثون و إذا فرضنا انحصار التّركة في هذه الصورة بالأم و قيمتها مائة و عشرين فنصيبه منها نصفها فعليه ستّون و على الأمّ ستّون

و لو فرض أنّ التّركة كالسّابق بأن كان قيمة الأم تسعين و باقي التّركة ثلاثين و الدّين مستغرق و الورثة ثلاثة فنصيب ولد أمّ الولد منها ثلثها و من باقي التّركة أيضا ثلثها و المجموع أربعون فتنعتق عليه أربعة أتساع من الأمّ و يسري العتق في الباقي فعلى الأمّ خمسون و عليه أربعون و باقي التّركة أيضا للدّيان من سهم الأخوين و من سهم ولد أمّ الولد

و لو فرض في هذه الصّورة أنّ الدّين تسعون فينعتق عليه أيضا أربعة أتساع إلّا أنّه يسقط من الأربعين نصيبه الباقي في الثّلاثين و هو عشرة فيطالب بالثّلثين فعليه ثلاثون غير هذه العشرة و على أخويه ستّون إلّا أنّ الأم تسعى في خمسين من نصيبهما من الدّين و يدفعان إلى الدّيان أيضا العشرة الّتي كانت من نصيب ولد أمّ الولد فيبقى لهما من التركة عشرون

و حاصل إشكال المقابس على المسالك أنّ اللّازم من كلامه أن ينعتق نصيب الولد منها أو ما يساوي نصيبه منها

ص: 362

من أصل التّركة و يغرم الولد مع ذلك قيمة ما انعتق منها و هذا لم يقل به أحد فإنّ في مورد الانعتاق القهري لم يقل أحد بالتقويم على من ينعتق عليه إلّا الشّيخ في الخلاف و رجع عنه في المبسوط

بل قيل إنّ الشّيخ أيضا لم يقل بذلك إلّا في مورد عدم استغراق الدّين للتركة فقال يجب على الولد فكّ الباقي من ماله بعد بذل ما قابل سهمه الّذي ورثه من الميّت و وافقه ابن حمزة فقال بأنّه يسعى في الباقي و مدركه الخبر المذكور في باب الاستيلاد فراجع هذا حاصل ما أورده صاحب المقابس على الشّهيد الثّاني و أورد عليه المصنف قدّس سرّه بقوله و يمكن دفع الأوّل إلى آخره

توضيح ما أفاده ردّا على إيراداته الأربعة و على ما أفاده بقوله و بالجملة فالجمع بين أدلّتهم و فتاويهم مشكل يتوقّف على تمهيد مقدّمتين الأولى يظهر من الفقهاء قدّس اللّٰه تعالى أسرارهم أنّه لو انعتق مقدار من الرقّ على شخص فتارة يكون المنعتق عليه هو المباشر لعتقه بالاختيار كعتق أحد الشّريكين نصيبه أو شراء شخص أو اتهابه مقدارا ممّن ينعتق عليه و أخرى يكون العتق بغير اختياره كإرث العمودين مطلقا و إرث الرّجل إحدى المحرّمات عليه نسبا فإذا كان بسبب اختياري فيسري عتق البعض إلى الكلّ و يقوم عليه نصيب سائر الشركاء إذا كان موسرا و أما إذا كان بسبب قهري فقد اختلفوا في وجوب السّعي على الرقّ أو على من انعتق عليه بعد الاتّفاق على سراية انعتاق البعض إلى الكلّ فالمشهور أنّه على نفس الرقّ

و مختار الشّيخ في الخلاف الّذي رجع عنه في المبسوط و ابن حمزة أنّه على من انعتق عليه لخبر غير معمول به كما أشرنا إلى ذلك ثم إنّ مقدار الانعتاق في الانعتاق القهري في غير أمّ الولد هو مقدار نصيب الوارث من نفس الرقّ و أمّا في أمّ الولد فلو لم يكن هناك دين مستغرق للتّركة فهو مقدار نصيب الولد من جميع التّركة و الفرق بينهما هو النّص و لو لا ذلك لكان مقتضى الأصل عدم انعتاقها عليه إلّا بمقدار نصيبه من الأم

و على أيّ حال لو لم يف نصيبه من التّركة بمقدار الأمّ لم يقل أحد بأنّه ينعتق عليه من سائر أمواله لعدم الدّليل عليه و أمّا إذا كان الدّين مستغرقا فلا وجه لانعتاق نصيبه من جميع المال عليه و إن قلنا بأنّ التّركة تنتقل إلى الورثة حتى مع إحاطة الدّين بالتركة و ذلك لأنّ سائر التّركة غير أمّ الولد قابل لأن يكون مخرجا للدّين سواء كان رقا أو غيره من سائر الأموال و أمّا أم الولد فحيث ثبت بالنصّ أنّها لا تباع في غير ثمن رقبتها فهي ليست قابلة لتعلّق الدّين بعينها فلا يجوز للورثة أن يدفعها بدلا عنه و لا للديّان أخذها تقاصا لو امتنع الوارث من أداء الدّين

و حاصل الفرق بين أمّ الولد و غيرها من العبيد أمران الأوّل أنّ أمّ الولد تنتقل إلى الولد و تنعتق عليه بمقدار نصيبه من التّركة و أمّا غيرها فينعتق على من ينعتق عليه بمقدار نصيبه منه الثّاني أنّ أمّ الولد لا يتعلّق بعينها حق الدّيان فلا يمكن أن لا تنعتق على ولدها و أمّا غيرها فيتعلّق بعينه حق الديان فمع استغراق الدّين لا وجه لانعتاقه و إن قلنا بانتقالها إلى الورثة لأنّ موت المولى علّة لأمرين أحدهما انتقال تركته إلى وارثه و الثّاني تعلّق حق الديان بتركته و هذان المعلولان يوجدان في رتبة واحدة و الانعتاق أمر مترتّب على أحد المعلولين و هو لا يمكن أن يتحقّق مع مزاحمة حق الدّيان مع ما هو علّته و هي تملّك الورثة لمن ينعتق عليه فإذا تعذّر انعتاق سائر من ينعتق على الورثة مع إحاطة الدّين

ص: 363

فكذلك لا يمكن انعتاق أمّ الولد من جميع نصيب الولد من التّركة مع إحاطة الدّين لأنّ غير أمّ الولد من سائر الأموال قابل لتعلّق الدّين بعينه فلا يرثه الولد بلا مزاحم حتّى يدخل في نصيبه و يشمله النّصوص الدالّة على أنّ أمّ الولد تنعتق على ولده بمقدار نصيبه من التّركة

الثّانية أن منشأ عدم التزام الفقهاء بأنّ أمّ الولد من مستثنيات الدّين مع أنّهم خصّوا جواز بيعها بما إذا كان في ثمن رقبتها هو أنّ لازم فتواهم بانعتاقها على الولد بمقدار نصيبه من التّركة و سعيه أو سعيها في مقدار حصّة باقي الورثة لو لم يكن على الميّت دين هو أن صفة كون الأمة أمّ الولد لا تقتضي سقوط حقّ الديّان عنها رأسا بحيث يكون حكمها حكم الكفن لأن تعلّق حقّ سائر الورثة بها ممّن لا تنعتق عليه يقتضي تعلّق حق الديّان بها لأنّ هذا الحقّ أسبق من حق الورثة لكون الإرث بعد الوصيّة و الدّين

إذا عرفت ذلك ظهر أنّ الجمع بين أدلّتهم و فتواهم ليس بتلك المثابة من الإشكال كما هو مقتضى المقدّمة الثّانية و أما إيراداته على المسالك فالثّلاثة الأول غير واردة عليه أصلا إذا كان ضمير منها في كلامه راجع إلى الأمّ لا إلى التّركة لما عرفت من أن مقتضى النصّ على أنّ أمّ الولد لا تباع في غير ثمن رقبتها أن لا يكون حق الديّان متعلّقا بعينها

و مقتضى ما عرفت من أنّ أمّ الولد ليست كمئونة التّجهيز بحيث لا يتعلّق الدّين بها رأسا هو الجمع بين حقّ أمّ الولد و حقّ الديّان و مقتضاه هو انعتاق أمّ الولد بمقدار نصيبه منها و سراية العتق إلى البقيّة بمقتضى أدلّة العتق بالسّراية و حيث إنّ المختار في الانعتاق القهري هو سعاية نفس المعتق بالفتح فتسعى الأم في الزائد عن نصيب الولد منها و تقوم على الولد قيمة نصيبه منها و تدفع إلى الديّان نعم لو رجع ضمير منها إلى التّركة فلا يصحّ جزءا من كلام المسالك كما سنشير إليه

و بالجملة لا وجه لدعوى عدم انعتاق أمّ الولد في الدّين المستغرق سواء قلنا بانتقال التّركة إلى الورثة أو قلنا ببقائها على حكم مال الميّت لأنّ أمّ الولد ليست من قبيل سائر الأموال القابلة لتعلّق حقّ الديّان بعينها و قياسها على العبد الموقوف على الطّبقات مع الفارق لأنّ عدم انعتاقه على ولده إذا صار الولد موقوفا عليه ليس من جهة عدم كونه ملكا تامّا له بل لتعلّق حقّ سائر الطبقات به و أمّا الديّان فلم يتعلّق حقّهم بعين الرّقبة فلا مانع من انعتاقها على ولدها بمقدار نصيبه منها و أمّا الإيراد الرابع فقد أجاب عنه المصنف بأنّه إنّما يرد عليه إذا قلنا بأنّ قيمتها بعد الانعتاق تتعلّق بالولد و أمّا إذا قلنا باستسعائها فلا يرد عليه شي ء

و مبنى هذا الجواب على تسليم الإشكال في جزء من كلام المسالك و هو التّقويم على الولد و الدّفع عنه في الجزء الآخر و هو انتقال التّركة إلى الورثة و حاصل إيراد المصنف على المقابس أنّ عدم إمكان التّقويم على الولد ليس مانعا من انتقال التّركة إلى الورثة لإمكان الجمع بينه و بين عدم التّقويم عليه بأن يجب السّعي على الأمّ و لا يخفى أنّ الصّواب أوّلا توضيح ما أفاده المقابس ردّا على المسالك ثمّ الدّفع عنه

فنقول قد ظهر ممّا ذكرنا من تفصيل الصّور أنّه لا يندفع إشكال المقابس على المسالك لو كان ضمير منها في قوله و الأقوى انتقال التّركة إلى الوارث مطلقا و إن منع من التصرّف فيها على تقدير استغراق الدّين فيعتق نصيب الولد منها كما لو لم يكن دين و يلزمه أداء قيمة مقدار النّصيب من ماله إلى آخره راجعا إلى التّركة كما هو ظاهر كلامه من قياس صورة استغراق الدّين

ص: 364

على ما لم يكن دين لأنّه لو لم يكن دين فينعتق على الولد نصيبه من جميع التّركة على ما صرّح به في كلامه قبل هذا بأسطر فلو انعتق عليه أمّه من نصيبه من جميع التّركة فالالتزام بوجوب السّعي على الأمّ لا يدفع الإشكال لأنّ حاصل إشكال المقابس هو أنّه لو قلنا بانعتاق أمّ الولد في جميع الصّور فإنّما هو من جهة عدم قابليّة أمّ الولد لأن تكون مخرجا للدّين و أمّا سائر التّركة فلا مانع من أن يكون مخرجا للدّين

و مقتضى قول المسالك بأنّه يقوم عليه مقدار قيمة النّصيب من ماله أنّ أمّ الولد في جميع الصور حتّى في غير الدين المستغرق تنعتق بمقدار تمام نصيب الولد من التّركة فلا يكون شي ء ممّا يرثه من التركة مخرجا للدّين بل إنّما يقوم عليه بمقدار سهمه من الدّين الّذي لو لا أمّ الولد لكان للوارث أن يؤدّيه من عين التّركة و لو امتنع لكان للديّان أخذه منها و هذا ممّا لا يقول به الأصحاب و ممّا ينبغي القطع ببطلانه سواء قيل بالتقويم على الولد أم قيل بسعي الأمّ

و أمّا لو كان ضمير منها راجعا إلى الأم فلا يرد عليه إشكال و الظّاهر ذلك لأنّه قدّس سرّه بصدد بيان أنّ إحاطة الدّين بالتّركة غير مانع عن انتقالها إلى الوارث غاية الأمر يجب عليه دفع ما قابل سهمه ممّن ينعتق عليه إلى الديّان جمعا بين الحقّين و هذا لا يلازم التقويم عليه في جميع الصّور حتى مع الدّين الغير المستغرق و لا يلازم القول بانعتاق الأم على الولد بمقدار تمام نصيبه من التركة

و لتوضيح ذلك لا بأس بذكر بعض عبائر القوم و عبارة المسالك في نكاح الإماء قال في الشّرائع في باب الاستيلاد إذا مات مولاها و ولدها حيّ جعلت في نصيب ولدها و عتقت عليه و لو لم يكن سواها أعتق نصيب ولدها منها و سعت في الباقي و قال في نكاح الإماء فأمّ الولد لا تنعتق إلّا بعد وفات مولاها من نصيب ولدها و لو عجز النّصيب سعت في المتخلّف و لا يلزم ولدها السّعي فيه أو الفكّ من ماله و قيل يلزم و مراده من هذا القائل هو الشّيخ في النهاية حيث قال يجب السّعي على الولد إذا كان ثمنها دينا على مولاها و لم يخلّف سواها

و عن الوسيلة أنّه يجب السّعي عليه إن كان عليه دين في غير ثمنها و عنها أيضا أنه يجوز بيعها في دين مولاها و إن لم يكن ثمنا إذا كان الدّين محيطا بالتّركة و قال في المسالك لا ريب أنّ مجرّد الاستيلاد ليس سببا للعتق نعم تتشبّث بالحريّة و إنّما تعتق بموت المولى لأن ولدها ينتقل إليه منها شي ء أو ينتقل جميعا إذا كان هو الوارث خاصّة فتنعتق عليه ما يرثه منها لأنّ الولد لا يملك الأمّ و لو بقي منها شي ء خارج عن ملكه سرى إليه العتق إن كان نصيبه من التّركة يفي به و إلّا عتق بقدره و لو عجز النّصيب عن المتخلّف منها سعت هي دون الولد و لا يسري إليه لو كان له مال من غير التّركة لأنّ السّراية مشروطة بالملك الاختياري و الإرث ليس منه و إنّما سرى إليه في باقي نصيبه من التّركة لإطلاق النصوص في أنّها تعتق من نصيبه من التّركة و إلّا لكان الأصل أن لا ينعتق عليه سوى نصيبه منها ثم نقل عن النّهاية وجوب السّعي على الولد إلى أن قال الأقوى انتقال التّركة إلى الوارث مطلقا و إن منع من التصرّف فيها على تقدير استغراق الدّين فيعتق نصيب الولد منها كما لو لم يكن دين و يلزمه أداء مقدار قيمة النّصيب من ماله انتهى

و في الجواهر في كتاب الاستيلاد بعد أن نقل عن الدّروس جواز بيعها في الدّين المستغرق لأنّه لا نصيب

ص: 365

لولدها الّذي عتقها بعد الوفاة مستند إليه قال و إن كان قد يناقش بأنّ الأصحّ انتقال التّركة إلى الوارث و إن كان الدّين مستغرقا فيتّجه انعتاق نصيبه منه بملكه و إن كان الدين مستغرقا لكن قد يدفع لظهور النصوص في انعتاقها من نصيب ولدها الّذي لا تعلّق حقّ فيه و الفرض في المقام تعلّق حقّ الدّين فيها و إن قلنا بملك الوارث اللّٰهمّ إلّا أن يكلّف الولد بما يخصّها من الدّين أو هي بالسّعي و هما لا دليل عليهما بل ظاهر الأدلّة خلافه

و لا يخفى أنّ هذا الكلام الأخير من الجواهر هو الوجه الأوّل في كلام المقابس و هو قوله إنّ المستفاد ممّا دلّ على أنّها تعتق من نصيب ولدها أنّ ذلك من جهة استحقاقه لذلك النّصيب من غير أن تقوم عليه أصلا إلى آخره

إذا عرفت ذلك فنقول على فرض رجوع ضمير منها في عبارة المسالك إلى التّركة حتى يكون مختاره انعتاق الأمّ على الولد بمقدار نصيبه من التّركة إلّا أنّ ظاهر كلامه إنّما هو فيما لم يكن على الميّت دين و أمّا إذا كان عليه دين فلم يظهر منه ذلك فيمكن أن يلتزم بانعتاقها عليه بمقدار نصيبه من تمام التّركة أو بمقدار نصيبه من الأم

فلو أراد الأوّل يرد عليه أنّه لا وجه لانعتاق هذا المقدار مع قابليّة غير الأم لتعلّق حقّ الديّان به و لو أراد الثّاني لا يرد عليه إلّا ما أفاده صاحب الجواهر من أنّ نصوص الانعتاق ظاهرة في النّصيب الّذي لا يتعلّق حقّ به و في مورد الدّين المستغرق يتعلّق حقّ الديّان به و لكنّك خبير بأنّ نصوص الانعتاق غير متعرّضة لهذه الجهة و لا يستفاد منها أنّه إذا انعتقت الأمّ على الولد لا تتقوم عليه و لو فرض دلالتها على ذلك يلتزم بوجوب السّعي على الأم

فدعوى أن ما أفاده المسالك قطعيّ البطلان و لم يقل به أحد من أصحابنا ممّا لا يصغي إليها و على أيّ حال سقوط حقّ الديان عن أمّ الولد عينا و قيمة بحيث تكون من قبيل مئونة التّجهيز لا وجه له فإنّ الانعتاق لا يقتضي ذلك

[و منها تعلّق كفن مولاها بها]

قوله قدّس سرّه و منها تعلّق كفن مولاها بها إلى آخره

هذه هي الصورة الثّانية من موارد القسم الأوّل الّذي قيل بتعلّق حق المولى بها على ما حكاه في الرّوضة و لكن قيّد جواز بيعها لكفنه بما إذا لم يمكن بيع بعضها و إلّا اقتصر عليه و يلحق بالكفن سائر مئونة التّجهيز فإنّها أيضا كالكفن يقدم على الإرث

ثم إنّ الكلام فيه يقع تارة بناء على عدم جواز بيعها إلّا في ثمن رقبتها و أخرى بناء على جوازه في مطلق الدّين أمّا على الأوّل فالحقّ أنّها لا تباع لمئونة التّجهيز أيضا و ما يقال من أنّ المنع عن بيعها إنّما هو لغاية الإرث و مع احتياج الميّت إلى التّجهيز فلا إرث مدفوع بأنّ هذه حكمة لا علة حتى يدور الحكم مدارها هذا مضافا إلى أنّ هذا فرع تقدم حقّ الميّت و مقتضى ما يستفاد من الرّواية المتقدّمة من أنّهن لا يبعن في غير فكاك رقابهنّ هو تعلّق حقّ الورثة بها

و أمّا على الثّاني فقد يتوهّم أنّه لا مانع من بيعها لمئونة التّجهيز لأنّه لا إشكال في أنّ الإرث واقع في المرتبة الرابعة من مراتب تعلّق الحقوق بمال الميّت فإنّ أوّل المراتب هو مئونة التّجهيز على ما يستفاد من النصوص من أنّه يبدأ بالكفن و الثّاني هو الدين و الثّالث هو الوصيّة و الرابع هو الإرث فإذا كان الكفن مقدّما على الدّين الّذي هو مقدّم على الإرث بمرتبتين فتقدّمه على الإرث بطريق أولى و من هذا البيان يمكن القول بتقديم الكفن على

ص: 366

الإرث بل على الدّين الّذي في ذمّة المولى من ثمن رقبتها حتّى بناء على اختصاص جواز بيعها بذلك

و لكنّك خبير بفساد التوهم المذكور سيّما بناء على انحصار جواز بيعها في ثمن رقبتها فإنّ الإرث و إن كان في المرتبة الرابعة من الحقوق المتعلّقة بمال المورّث إلّا أنّ أولويّة تعلّق حق التّجهيز من الاستيلاد ممنوعة لأنّه يمكن أن يقال بتقدم حقّ الميّت على الاستيلاد إذا كان له مال بمقدار التّجهيز فيؤخذ منه الكفن و لا يصرف في ثمن رقبة الأمة فضلا عن سائر الدّيون بل تباع الأمة في ثمن رقبتها و لا يكون هذا التقدّم فيما إذا لم يكن له مال غير الأمة بل يمكن الجمع بين الحقّين بأن تنعتق الأمة من نصيب ولدها و تتعلّق برقبتها مئونة التّجهيز فتوجر نفسها لها

و كيف كان فدعوى الأولويّة القطعيّة غير مسموعة فما يستفاد من المصنف قدّس سرّه من أنّ تقدم حقّ الميّت على حقّ أمّ الولد إذا كان له مال بمقدار تجهيزه حيث إنّه يصرف المال في التّجهيز و لا تخلص الأمة من ثمن رقبتها بهذا المال بل تباع هي لهذا الدّين يقتضي ترجيح حقه على حقّها فيما إذا لم يكن له مال بهذا المقدار فلا بدّ أن يصح بيعها لصرف ثمنها في مئونة التّجهيز إذا لم يكن عليه دين فيه أنّه لا ملازمة بين الصّورتين فلعلّ بيعها في ثمن رقبتها كان لخصوصيّة لا تجري في غير هذا المورد

و بالجملة لمّا ثبت بالدّليل جواز بيعها في ثمن رقبتها فتباع له لو لم يكن للمولى مال آخر أو كان و لم يكن أن يصرف في الدّين كنفس كفنه أو ثمنه و أمّا إذا لم يكن ثمن رقبتها دينا على المولى فلا وجه لأن يتقدم حقّ المولى على حقّ الأمة مع عدم قيام الدّليل على جواز بيعها في ثمن كفن المولى مع كون الاستيلاد سابقا و عدم إحراز أهميّة حقّ المولى حتّى لا يكون موقع لترجيح الأسبق زمانا على اللّاحق

ثم إنّه لو قيل بالجواز فإنّما هو فيما لم يكن متبرّع لمئونة التّجهيز بل قيل إنّه لو أمكن استسعاء الأمة لها بأن توجر نفسها لها يبقى حقّ الاستيلاد لإمكان الجمع بين الحقّين و ارتفاع الضّرورة و تغليب جانب الحريّة ثم لا يخفى ما في

قوله قدّس سرّه و لو فرض تعارض الحقين فالمرجع إلى فساد بيعها قبل الحاجة إلى الكفن

لأنّه لو فرض الشكّ في أهميّة حقّ المولى حتّى يقدم على حقّ الأمة و لو كان سابقا أو أهميّة حق الأمة أو تساوي الحقّين حتى يقدم حق الأمة لسبقه فلا يمكن التمسّك باستصحاب المنع لعدم إحراز اتّحاد القضيّة المشكوكة مع المتيقّنة لأنّ بيعها قبل الموت لم يكن بيعا في الكفن إلّا أن يقال ليس هذا اختلافا في الموضوع بل إنّما هو من الأحوال العارضة له الّتي لم تكن في السّابق ثمّ عرضت بعد ذلك فصارت منشأ للشكّ في الحكم

[و منها ما إذا جنت على غير مولاها في حال حياته]

قوله قدّس سرّه و منها ما إذا جنت على غير مولاها في حال حياته إلى آخره

أي من موارد القسم الأوّل جناية الأمة على غير مولاها في حياة المولى و أمّا بعد موته فهي إمّا حرّة خالصة أو أمة كذلك و الحكم في كلتا الصّورتين واضح ثم إنّ جنايتها في حياة المولى إمّا عمديّة و إمّا خطائية

أمّا العمديّة فحيث إنّ الخيار للمجني عليه أو ورثته فلا إشكال في قابليتها لأن تسترق و تصير قنّا خالصا و ملكا طلقا إمّا كلا أو بعضا و لا وجه لتوهم انتقالها إلى المجني عليه أو ورثتها على نحو كان ملكا للمولى من التّشبّث بالحريّة لأنّها لم تنتقل إليه بنقل من المولى حتّى تكون كما كانت بل إنّما انتقلت قهرا عليه و من دون اختيار و مباشرة منه و إلّا كان باطلا لما تقدم من أنّ عدم جواز النّقل لا يختصّ بالبيع بل من مناسبة الحكم و الموضوع يستفاد أنّ ذكر البيع في قوله ع لا تباع من باب التّنبيه على العام بذكر الخاصّ فلا يصحّ النّقل من المولى مطلقا

ص: 367

فالجناية العمديّة لا إشكال فيها

و أمّا الخطائيّة فالحقّ أنّه لا يجوز للمولى تسليمها إلى المجني عليه أو ورثته سواء قلنا بأن التّخيير بين الفداء و التّسليم من التّخيير بين الأمرين الوجوديّين أو من التّخيير بين الوجودي و العدميّ و هما الفداء و التّخلية بينها و بين المجني عليه أو ورثته لأنّ ترك الفداء و التّسليم أو التّخلية يقتضي استحقاق المجني عليه أو ورثته استرقاقها أمّا على الأوّل فواضح لأنّ في جميع موارد التّخيير بين الوجوديّين إذا تعذّر أحد فرديه يتعين الآخر ففي المقام تسليمها من المولى متعذّر لما عرفت من أنّ كلّ نقل منه ممتنع فيتعيّن عليه الفداء و أمّا على الثّاني فإنّ الترك و إن كان عدميّا إلّا أنّ المولى صار سببا للاسترقاق و الانتقال إلى غيره حقيقة و في المعنى هو نقلها من ملكه إلى ملك غيره فيمتنع عليه أيضا فينحصر التخلّص بالتّفدية

[و منها ما إذا جنت على مولاها]

قوله قدّس سرّه و منها ما إذا جنت على مولاها إلى آخره

لا يخفى أنّ جواز بيعها في هذه الصّورة و ما يتلوها من الصّور لا يخلو من الإشكال

أمّا هذه الصّورة فلأنّ جنايتها على مولاها لا توجب جواز بيعها لمولاها مطلقا بعد ما ثبت عدم صحّة النّقل من مولاها و إنّما أثر جنايتها العمديّة هو جواز قتلها و الوجوه الّتي قيل بها لصحّة التصرّفات النّاقلة من مولاها أو ورثته استحسانيّة و أمّا الصور الأخرى و هي جناية الحرّ عليها و استرقاقها بعد لحوقها بدار الحرب و خروج مولاها عن الذمّة و قتل مولاها الذمّي مسلما فالمشهور في الأولى و الثّانية هو عدم دخولهما في المستثنيات و بيّن المصنف وجهه في المتن و أمّا الثّالثة فالمشهور هو أنّ الذمّي إذا خرق الذمّة جرى عليه حكم الحربي فيلزم استرقاق أم ولده فيحلّ التصرّف فيها

و أمّا الرابعة فظاهر فتوى الفقهاء في قولهم و يدفع هو و ماله إلى أولياء المقتول إن شاءوا قتلوه و إن شاءوا استرقّوه أن جميع أمواله ينتقل إلى ورثة المقتول حتّى أمّ الولد إلّا أنّ المسألة لا تخلو عن الإشكال هذا تمام الكلام في القسم الأوّل

و أمّا موارد القسم الثّاني و هو ما إذا عرض لها حق لنفسها أولى بالمراعات من حقّ الاستيلاد

فمنها بيعها على من تنعتق عليه و منها بيعها بشرط العتق و منها بيعها ممّن أقرّ بحرّيتها و منها بيعها لترث ممّن لا وارث له سواها و الحقّ صحّة البيع في الجميع

أمّا بيعها على من تنعتق عليه فلأنّ أدلّة المنع عن جواز التصرفات النّاقلة من المولى لا تشمل ذلك فإنّ ظاهرها المنع عن إخراجها عن ملكه الموجب لتفويت أثر الاستيلاد و بعبارة أخرى تنصرف الأدلّة إلى الملك المستقرّ لا الملك آنا ما و النّقل الموجب لانعتاقها فورا على من اشتراها و أمّا بيعها بشرط العتق فكذلك أيضا بناء تأثير الشرط وضعا بحيث لو امتنع المشروط عليه من الوفاء بالشّرط أجبره الحاكم عليه و لو لم يمكن فيعتقها بنفسه (1)و أمّا بيعها ممّن أقر بحريّتها فالإشكال عليه بأنّه لا يجوز بيعها على أيّ حال سواء علم المولى بكذبه أو علم بصدقه لأنّ الحرّ لا يجوز بيعه إنّما يتجه لو لم يعلم مناط المنع و أمّا لو علم فلا مانع من بيعها لانصراف أدلّة البيع إلى الملك المستقرّ و أمّا بيعها لأن ترث و تنعتق فلأنّ النّقل ليس اختياريّا من المولى لأنه لو امتنع عنه يباع عليه قهرا و أدلّة المنع عن البيع لا تشمل


1- لا يخفى أنّه بناء على ما تقدّم في بيع العبد المسلم من الكافر من عدم جوازه و لو بشرط العتق فيجري المنع هنا أيضا لأنّ للمشروط له إسقاط الشرط إلّا أن يقال بأنّه ليس له ذلك في المقام و هذا لا دليل عليه منه عفي عنه

ص: 368

هذا المورد كما لا يخفى

[و من القسم الثّالث و هو ما يكون الجواز لحق سابق على الاستيلاد]
[ما إذا كان علوقها بعد الرّهن]

قوله قدّس سرّه و من القسم الثّالث و هو ما يكون الجواز لحق سابق على الاستيلاد ما إذا كان علوقها بعد الرّهن إلى آخره

لا يخفى أنّ نسبة الرّهن إلى الاستيلاد نسبة التزاحم لا التّعارض و ذلك لعدم امتناع تشريع الحكمين ثبوتا و إنّما لا يمكن الجمع بينهما في الخارج لتزاحم الحقّين فهما كتزاحم الحكمين فإذا كان كذلك فلا بد من إعمال مرجّحات باب التزاحم و من المرجّحات كون أحد الحكمين مشروطا بالقدرة عقلا و الآخر مشروطا بها شرعا و هذا المرجّح مقدم رتبة على الأسبق زمانا فإنّه متأخّر عن جميع المرجّحات الخمسة المذكورة في التّزاحم و لا شبهة أنّه يشترط شرعا في صحّة الرهن حدوثا و بقاء قابليّة العين المرهونة لأن تكون مخرجا للدّين فمع حدوث حقّ الاستيلاد ليست الأمة قابلة لأن تكون كذلك

و أمّا في طرف الاستيلاد فلم تؤخذ القدرة شرطا شرعا فمع إمكان تأثير الاستيلاد يتقدّم على المزاحم له هذا مع أنه يظهر من بعض الأساطين حرمة وطي الأمة المرهونة على المالك الرّاهن بدون إذن المرتهن و علّلها بأنّه تعريض لإبطال الرهانة فيستكشف من ذلك أن بطلان الرّهن بالاستيلاد مسلّم و إلّا لم يكن وجه لحرمة وطي الأمة على مالكها فحرمة وطي الأمة على المولى الراهن كحرمة وطيها في حال الحيض و الحرمة التكليفيّة لا توجب رفع أثر الاستيلاد غاية الأمر حيث إنّ الرّاهن أتلف على المرتهن العين المرهونة يجب عليه تبديلها بعين أخرى تكون رهنا كما ذكروا ذلك في مسألة إتلاف الراهن و لا يمكن قياس الوطي على البيع فإن بيع الرّاهن لو كان محرّما لا يؤثّر في النّقل إلى المشتري لأنّه لا أثر له إلّا النقل و هذا بخلاف الوطي فإن حرمته لا توجب عدم ترتب الأثر التّكويني عليه و لم يقم دليل على اعتبار حليّة الوطي في تأثير الاستيلاد إلّا دعوى انصراف أدلّته إلى ذلك و هو ممنوع أو شبهة احتمال اعتبار الطلقيّة و مانعيّة الرهانة عنه و هو دور واضح لأنّه لا يمكن أن يحفظ الحكم موضوع نفسه فإن تأثير الرّهن يتوقّف على قابليّة العين المرهونة لأن تكون مخرجا للدين و قابليّتها تتوقّف على عدم مزاحمة الاستيلاد لها و عدم مزاحمته لها يتوقف على أن يكون الرّهن مانعا عن تأثير الاستيلاد و لا عكس لأنّ الاستيلاد لا يتوقف إلّا على كون الأمة ملكا للمولى

و أمّا كون المولى مالكا للوطي بأن لا يكون عليه محرما فلم يقم عليه دليل كما قام الدّليل على عدم تأثير الاستيلاد فيما إذا كان ثمنها دينا على المولى

و ممّا ذكرنا ظهر حكم ما إذا كان علوقها بعد اشتراط المولى أداء مال الضّمان منها و ما إذا كان علوقها بعد إفلاس المولى و الحجر عليه و كانت فاضلة عن مستثنيات الدّين أمّا مسألة اشتراط أداء مال الضّمان منها على فرض صحّته كما هي الأقوى فلأنّها داخلة في باب الرّهن لأنّ اشتراط الضّمان من مال معيّن مرجعه إلى جعل المال رهنا على دين الغير فعلى ما اخترناه من تأثير الاستيلاد المتأخّر و مانعيّته عن كون الأمة مخرجا للدّين لا يصحّ أداء مال الضّمان منها

و أمّا مسألة الحجر فحاله أردأ من الرّهن لأنّ مجرّد حجر الحاكم على أموال المفلس لا يوجب تعلّق حق للديان بالأموال غاية الأمر أنّه ممنوع من التصرّف و يحرم عليه وطي الأمة الّتي تعلّق الحجر بها و لو ادّعى اختصاص تأثير الحجر بقاء بما هو قابل للبيع بنفسه و أمّ الولد ليست كذلك لا يصحّ

ص: 369

الجواب عنه بأنّ الحجر السّابق موجب للقابليّة

و بالجملة كلّ حقّ معلّق على عدم شي ء لا يمكن أن يزاحم مع هذا الشّي ء فلا وجه لتأثير الحجر في المقام لا يقال مقتضى ما تقدم سابقا من أنّ أدلّة عدم جواز بيع أمّ الولد لا يتعدّى منها إلّا إلى كلّ ناقل اختياريّ من طرف المالك كالصّلح و الهبة و نحو ذلك أن تكون النواقل القهريّة مانعة عن تأثير الاستيلاد إذا كانت سابقة عليه و لذا يقدم حقّ المجني عليه على الاستيلاد إذا كانت الجناية عمديّة لأنّا نقول مناط عدم جواز النّقل من طرف المالك هو لزوم بقاء الأمة في ملك المولى لتنعتق من نصيب الولد فالاستيلاد موجب لتعلّق حق من الأمة على المولى أو على ولدها أي موجب لتشبّثها بالحريّة فالمناط يجري في مطلق النّواقل و إن كانت قهريّة إلّا إذا كانت رافعة لموضوع الاستيلاد كالجناية العمديّة حيث ثبت أن لورثة المجني عليه قتل الأمة أو الاسترقاق و أمّا سائر الحقوق فحيث إنّها علّقت على إمكان استيفائها من متعلّق الحقّ فحقّ الاستيلاد رافع لموضوعها

و بالجملة فرق بين الرهانة و ما يحذو حذوها كتعلّق الضّمان بها و تعلّق حق الغرماء و نحو ذلك و بين الجناية العمديّة فإنّ الجناية العمديّة و لو كانت متأخرة عن الاستيلاد ترفع موضوع حق الأمة و أمّا في الجناية الخطائيّة و نحوها من الحقوق فالأمر بالعكس و لو كانت سابقة على الاستيلاد لأنّه رافع لموضوعها

و ممّا ذكرنا ظهر حكم الاستيلاد في زمان خيار بائعها فإنّ علوقها في ملك المشتري يمنع من تأثير حق الخيار في استرداد عين الأمة سواء قلنا بتعلّق حق الخيار بالعقد كما هو الأقوى أو قلنا بتعلّقه بالعين أمّا على الأوّل فواضح لأنّ الأمة ملك طلق للمشتري فتصرفه فيها ليس محرّما فضلا عن عدم كونه مؤثّرا أثره التكويني و أمّا بناء على تعلّقه بالعين فغاية الأمر يصير الوطي محرّما عليه كوطي الأمة المرهونة و قد عرفت أنّ في باب التزاحم ليس المدار على تقدم السّابق إلّا إذا كان المتزاحمان متساويين من جميع الجهات و إلّا كان اللّاحق مقدّما على السّابق

[و منها ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها صدقة]

قوله قدّس سرّه و منها ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها صدقة إلى آخره

لا يخفى أنّ النّذر تارة يكون من نذر النّتيجة كنذر كونها صدقة و أخرى يكون من نذر الفعل بأن نذر أن يتصدّق بها و على التّقديرين فتارة النّذر مطلق و أخرى معلّق و المعلّق عليه إمّا معلوم التحقّق أو مشكوك فإذا نذر كونها صدقة و كان مطلقا فلا إشكال في عدم تأثير العلوق لخروجها عن ملكه بمجرّد النّذر و أمّا إذا كان معلّقا فاستولدها قبل حصول المعلّق عليه ففي تأثير النّذر أو تأثير الاستيلاد وجهان و قبل تحقيق الحقّ ينبغي بيان حكم منذور الصّدقة إجمالا

فنقول بناء على صحّة نذر النّتيجة كما هو المشهور فلو نذر أن تكون الشاة صدقة بلا قيد فبمجرّد النّذر تخرج عن ملكه و لا يجوز له التصرّف فيها مطلقا و ذلك واضح و هكذا لو نذر أن يجعلها صدقة فإنّه حيث لم يعلّق الفعل على شي ء يجب عليه الوفاء به تكليفا و لا ينفذ تصرّفاته فيها وضعا نعم في خروجها عن ملكه بمجرّد النّذر خلاف

و يظهر من صاحب المقابس أنّه لو كان النّذر بصيغة للّه عليّ أو عليّ عهدا للّه أنّ هذا المال المعين صدقة للفقراء فبمجرد النذر يخرج المنذور عن ملكه و يبطل جميع تصرفاته إلّا في موردين أحدهما ما إذا كان مقصوده كون قيمته صدقة فيصحّ تصرّفه لذلك و ثانيهما ما إذا نذره لمعين فردّه و لم يقبل فينفسخ النّذر و أما في نذر

ص: 370

الفعل كنذر الهبة و الوقف و الإبراء و الإعتاق و الوصيّة و التّدبير و التصدق و الإهداء و التضحية و نحوها ففي السّتة الأولى لا يخرج المال عن الملك بالنّذر و في الأخيرين وجهان

ثم نقل عن العلّامة و ابن إدريس أنّ في نذر الإهداء يخرج عن الملك بمجرّد النّذر ثمّ قال و عندي أنّ لهذا النّذر معنيين أحدهما أن ينذر جعل الغنم هديا أو أضحية و ثانيهما أن ينذر فعل الإهداء و التّضحية فعلى الأوّل لا يخرج عن الملك ما لم يقل بعد النذر جعلت هذا هديا أو أضحية على القول بأنّه يتعيّن بالنيّة و خروجه بذلك عن الملك على القول الآخر و على الثّاني يخرج عن الملك بالنّذر و حمل كلام العلّامة و ابن إدريس على الثّاني

و لكنّك خبير بعدم الفرق بين نذر جعل الغنم هديا أو نذر فعل الإهداء فإنّه لو قلنا بخروج المال بمجرّد النّذر عن الملك في الثّاني لكان اللّازم أن يكون المال خارجا عن ملكه بالأوّل أيضا و على أيّ حال سواء قلنا بخروجه عن ملكه كما في القسم الأوّل و هو ما إذا نذر أن تكون الشّاة صدقة أم لم نقل لا يجوز لها التصرّفات المنافية و يجب عليه الوفاء بالنّذر بحيث لو امتنع فعلى الحاكم أن يتصدق

بل يظهر من العلّامة أنّ المسألة مسلّمة حتى في النذر المشروط الّذي حصل شرطه و كيف كان لا فرق بين نذر النّتيجة و نذر الفعل في أنّه لا يصحّ للنّاذر التصرّفات المتلفة إذا كان مطلقا أو مشروطا بشرط حاصل قلنا بخروجه عن الملك في الصّورة الثانية أو لم نقل

و أمّا النذر المشروط الّذي لم يحصل شرطه فهو على قسمين قسم يعلم بتحقّق شرطه كما إذا علّقه على الوقت الّذي يعبّر عنه بالتّعليق على الوصف أو علّقه على الشّرط المعلوم تحقّقه كموت شخص و قسم لا يعلم تحقّق الشّرط و في كلا القسمين لا يخرج المال عن ملكه بمجرد النّذر إنّما الكلام في جواز التصرّف المنافي فالمشهور عدمه لو علم بتحقّق الشّرط دون ما لو شكّ فيه لأنّ مع علمه بحصول شرطه يجب عليه إبقاؤه في ملكه ليتمكّن من الوفاء بالنّذر

و لكن الأقوى أنه لا يجوز له التصرّف المنافي مطلقا لأن مرجع الشكّ في تحقّق الشّرط إلى الشكّ في القدرة على الامتثال و كلّما كان الشكّ في ذلك يجب عليه الفحص أو الاحتياط كما بيّنا ذلك في الأصول فمنذور الصّدقة على جميع الصّور و الأقسام لا يجوز للنّاذر التصرّف المنافي فيه إنّما الكلام في أنّ وطي الأمة الّتي نذر التصدّق بها هل يكون منافيا للنّذر أم لا و الأقوى ابتناء جواز الوطي على عدم تأثير العلوق في انعتاق الأمة على الولد و تأثيره فيه فلو كان العلوق مؤثرا يحرم عليه التصرّف لأنّ أمّ الولد لا يمكن صرفها في النّذر و لو لم يكن مؤثرا فلا مانع من وطيها إذا لم تخرج عن ملكه بمجرّد النّذر كما إذا كان النّذر مشروطا بشرط غير حاصل إذ قد تقدم أنّ في باب تزاحم الحقوق ليس المدار على السّبق و اللّحوق و تقديم السّابق مطلقا بل إذا كان المتزاحمان متساويين من جميع الجهات فالسّابق مقدم على اللّاحق و أمّا إذا اختلفا بأن كان أحدهما مقيدا بقيد يرفعه اللّاحق بوجوده فلا أثر للسّبق

و لذا قلنا إنّ الاستيلاد مقدم على حقّ الرّهانة و حقّ الغرماء و نحو ذلك و مؤخر عن الجناية العمديّة و إن سبقها في الزّمان و لا يقال إنّ النّذر و الاستيلاد كليهما حقّان واردان على الأمة في رتبة واحدة و كلّ واحد قابل لأن يرفع موضوع الآخر لأنّ في موضوع النّذر أخذ القدرة على العمل به و الاستيلاد مانع عنه

ص: 371

فينحلّ النّذر و في موضوع الاستيلاد أيضا اعتبر بقاء الأمة في ملك المالك إلى زمان موته حتى تنعتق من نصيب ولدها و إذا كان كلّ منهما قابلا لأن يرفع موضوع الآخر فيتزاحمان و يقدّم الأسبق زمانا

لأنّا نقول إنّ النّذر المشروط سواء علم بتحقّق شرطه كالمعلّق على الزّمان أو شكّ فيه لا يمكن أن يزاحم حقّ الاستيلاد إذا تحقّق العلوق قبل الشّرط سواء تحقّق الشّرط قبل الموت أو بعده

أمّا إذا تحقّق الشّرط بعد الموت فواضح لأنّ المفروض بقاء الأمة في ملك المولى قبل حصول الشّرط فإذا مات تنتقل الأمة إلى ولدها فتنعتق عليه قهرا و لا يمكن بقاؤها في ملك الولد إلى زمان حصول الشّرط و أمّا إذا تحقّق الشّرط قبل الموت فلأنّ القدرة أخذت في موضوع النّذر و أمّا الاستيلاد فلم يؤخذ في موضوعه سوى تحقّق العلوق في الملك و أمّا كون المال باقيا في ملك المولى إلى زمان موته فهو من أحكام الاستيلاد و عدم ترتب هذا الحكم عليه فرع تأثير النّذر و تأثيره يتوقّف على بقاء موضوعه و الاستيلاد يرفع موضوعه و إن كان متأخرا زمانا

ثم إنّه إذا أثّر الاستيلاد و قدّم على النذر فهل ينحل النّذر كما احتمله المصنف قدّس سرّه و وجّهه بصيرورة النذر مرجوحا أو يتحقّق الحنث و يجب عليه الكفّارة و يضمن عوض المنذور وجهان و الأقوى هو الثّاني

و توضيح ذلك أنّ انحلال النّذر مورده ما إذا كان المنذور راجحا فعله ظاهرا حين النّذر و انكشف كونه مرجوحا في ذاته من دون اختيار النّاذر بناء على ما هو الأقوى من أن المدار في الرّجحان المعتبر في متعلّق النّذر إنّما هو حين العمل لا حين النّذر لأنّ النّذر حكمه حكم الإيجاب من الشّارع فكما يعتبر شرائط التّكليف من القدرة و البلوغ و العقل حين الوجوب لا حين الإيجاب فكذلك يعتبر الرّجحان في متعلّق النّذر حين العمل فإذا نذر المستطيع قبل الموسم أن يزور الحسين عليه السّلام في عرفة لا ينعقد نذره لكونه حين العمل مرجوحا و إذا نذر غير المستطيع أن يزوره في كل سنة ينحلّ نذره في سنة الاستطاعة كما لو نذرت المرأة صوم سنة فحاضت في بعض الشّهور

و أمّا إذا جعله النّاذر على نفسه مرجوحا باختيار منه كمسألتنا هذه فإنّه وطئ الأمة المنذور التصدّق بها و أحبلها فحكمه حكم ما إذا أعدم الموضوع بالاختيار كما إذا قتلها فإنّه كما يجب عليه الكفّارة و العوض لو قتلها فكذلك لو أحبلها و لا يتوهّم أنّه لو كان الوطي حراما لا يؤثر الاستيلاد لما ذكرناه من أن تأثيره موجب للحرمة فلا يمكن أن يكون الحرمة علّة لعدم تأثير الاستيلاد نظير ما ذكروه من حرمة السّفر بعد ظهر يوم الجمعة و حرمة السّفر على من تضيّق عليه وقت قضاء صوم شهر رمضان

و بالجملة فرق بين وطي الأمة المزوّجة من الغير و وطي الأمة المنذور التصدّق بها فإنّ الأوّل لا يملك وطيها لكون بضعها حقّا للغير فحكمه حكم وطي أمة الغير في عدم تأثير الوطي و هذا بخلاف وطي الأمة المنذور التصدّق بها فإنّ حكمه حكم وطي أمته في حال الحيض فالحرمة التّكليفيّة الصّرفة غير مؤثّرة في رفع أثر العلوق بل لو لم تؤثر الحرمة في المقام يلزم من وجودها عدمها و بعد تأثر الوطي فمقتضاه تحقّق الحنث لا الانحلال ثم إنّ هذا كلّه بعد فرض بقاء المنذور التصدّق به في ملك النّاذر كما في غير نذر النّتيجة إذا كان مطلقا و إلّا لا أثر للعلوق كما لا يخفى

[و منها ما إذا كان علوقها من مكاتب مشروط]

قوله قدّس سرّه و منها ما إذا كان علوقها من مكاتب مشروط إلى آخره

لا يخفى أنّ المكاتب المشروط

ص: 372

قبل أداء جميع مال الكتابة إذا وطئ الأمة الّتي اشتراها بناء على أنّه في حكم الحر تصير الأمة المستولدة أم الولد فعلا و لذا لا إشكال في أنّ ولده منها حرّ إلّا أنّه إذا فسخت كتابته يرجع إلى الرقّية فيجوز لمولاه أن يبيع أمته المستولدة فيصير المقام من موارد القسم الثّالث

[و القسم الرابع فهو ما كان إبقاؤها في ملك المولى غير معرض لها للعتق]

قوله قدّس سرّه و القسم الرابع إلى آخره

لا يخفى أنّه بعد ما علم من أنّ المدار في انعتاق أمّ الولد إرث الولد منها فإذا حرم من الإرث لأحد موانع الإرث من القتل أو الارتداد أو لعدم تحقّق العلوق على وجه ينسب الولد إلى أحد أبويه فلا مانع من بيعها لأنّه لا أثر لإبقائها في ملكه هذا تمام الكلام في هذا القسم من الملك الغير الطّلق و الإنصاف أنّ المصنف قد أجاد في تبويب المواضع القابلة للاستثناء فجزاه اللّٰه عن الإسلام و أهله خير الجزاء و لكنّ الأسف أنّ هذه المسألة لا موضوع لها في عصرنا

[و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا]
اشارة

قوله قدّس سرّه و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا إلى آخره

لا إشكال في أنّ الرّهن يوجب منع المالك عن التصرّف في العين المرهونة كمنع المرتهن عن التصرّف فيها و لا إشكال أيضا في أنّه لو تصرّف المرتهن فيها يتوقف نفوذ تصرّفه على إجازة الرّاهن إنّما الكلام في أنّ تصرّفات الرّاهن أيضا حكمها حكم تصرّف المرتهن في أنّها تنفذ بإجازة المرتهن و بفكّ الرهانة و بإسقاط المرتهن حقّه أو إبرائه الراهن من الدّين أو أنّها تقع باطلة لا تصحّحها الإجازة و لا غيرها قولان

ثمّ على الصّحة هل يجري نزاع الكشف و النّقل أو لا بدّ من القول بالنّقل فالبحث فيها من جهات

الأولى في صحّتها بالإجازة

و الأقوى هو الصّحة لأن غاية ما استدلّ به للبطلان هو ما أفاده صاحب المقابس من أنّ القدر المتيقّن من صحّة الفضولي هو ما إذا قصد الفضولي البيع من المالك فأجازه المالك و ذلك لا يتصوّر في بيع الرّاهن لأنّه هو بنفسه يكون مالكا فلا يمكن أن يقصد البيع من غيره و لكنّه ممنوع جدّا لأنّ التمسّك بالقدر المتيقّن مبني على كون الفضولي مخالفا للقاعدة و بعد ما عرفت في بحث الفضولي كونه على طبق القاعدة فلا وقع له أصلا و إجمال ذلك أنّ الأفعال على قسمين قسم لا يقبل النّيابة أصلا فهذا خارج عن محلّ بحث الفضولي موضوعا لأنّ ما لا يقبل النيابة في أصل صدوره فعدم قبول وقوعه عن الغير بإجازة منه أولى

و قسم يقبل النّيابة و هذا أيضا على قسمين قسم لا ينفكّ الفعل عن الأثر المرتّب عليه و الموجد به كالضّرب و هذا أيضا لا يقبل لأن يستند إلى الغير بإجازة منه لأنّ الفعل لا ينقلب عمّا هو عليه و لا يتغيّر بإمضاء الغير عمّا وقع و يلحق بهذا القسم مطلق الأفعال الّتي ليس لها مسبّب توليدي كالصّلاة و الصّوم و نحو ذلك فإنّها و إن كانت قابلة للنّيابة في بعض الموارد إلّا أنّها ليست قابلة لوقوعها عن غير الفاعل بإجازة منه لأنّ الفعل بما هو فعل صادر عن الفاعل لا ينقلب عمّا هو عليه

و قسم يمكن أن ينفكّ الأثر عنه و هذا يمكن أن يستند إلى الغير بإجازة منه و العقود و الإيقاعات من هذا القبيل غاية الأمر أنّ بعض الإيقاعات خرج بالإجماع عن باب الفضولي و قد عرفت أنّ بعضها لا يمكن أن يكون من مصداق الفضولي

و على أيّ حال لا إشكال في أنّ العقود لها جهتان جهة نفس الكلام الصّادر عن الفضولي و من هذه الجهة القول غير قابل لأن يستند إلى الغير بالإجازة و جهة مترتّبة عليه و هو الموجد بهذا الكلام و المنشأ بهذا الإنشاء الّذي يعبّر عنه بالمسبّبات المترتّبة على

ص: 373

الأسباب و هذا الموجد حيث إنّه بمجرّد إيجاد آلته لا يتحقّق في عالم الاعتبار من كلّ من أوجده بل يعتبر أن يكون له الولاية على ذلك فإذا صدر آلة الإيجاد من الغير فيمكن أن يتعلّق الإمضاء به من المالك و من له الولاية و حيث إنّ ما أوجده الفضولي ليس إلّا تبديل المالين و تغيير طرفي الإضافتين و هو الرّكن في باب العقود لا قصد كونه لنفسه أو لغيره فإنّه لغو و هذا التبديل لا يتحقّق بمجرّد بيع الفضولي بل يقع موقوفا فبإجازة من له الولاية يستند إليه هذا المنشأ و الموجد و لا يتوقف إلى دليل خارجيّ غير عمومات أدلّة العقود مع أنّ من التّعليل الوارد في باب نكاح العبد يستفاد صحّة الفضوليّ في جميع أبواب العقود فإنّه إمّا من منصوص العلّة أو مستنبط العلّة القطعيّة فيتعدّى منه إلى كلّ ما هو مشترك معه في العلّة

فإنّ قوله ع معلّلا صحّة نكاح العبد بالإجازة بأنّه لم يعص اللّٰه و إنّما عصى سيّده يمكن أن يكون من قبيل قوله ع الخمر حرام لأنّه مسكر في كونه منصوص العلّة فإنّ ضابطه أن يكون العلّة بمنزلة الكبرى الكليّة و المورد بمنزلة الصّغرى لها و هذا يتوقّف على أن لا يكون للمورد خصوصيّة يحتمل أن يكون العلّة مخصوصة به كما إذا قيل الخمر حرام لإسكاره و أن لا يكون الحكم المعلّل متخصّصا بخصوصيّة موجبة للفرق بين الموارد المحكومة بهذا الحكم كما في المثال فإنّ الحرمة في جميع الموارد على سنخ واحد

و تقريب منصوص العلّة في المقام أن يكون قوله عصى سيّده بمنزلة عصى غيره بحيث يفهم عرفا عدم مدخليّة التصرّف في سلطان السيّد بل المدار على التصرّف في متعلّق حقّ الغير مطلقا و يمكن أن يكون من قبيل مستنبط العلّة بحيث لم يكن اللّفظ بمدلوله شاملا لغير مخالفة العبد سيّده بل يستفاد منه أنّ المناط فيه هو التصرّف في حق الغير و إذا كان استفادة هذا المعنى قطعيّا فيخرج عن القياس و إلّا فلا اعتبار به

و لا شبهة في تنقيح المناط القطعي و الجزم بعدم الفرق بين تصرف العبد في سلطان المولى أو تصرف الراهن في متعلّق حق المرتهن أو تصرّف المفلّس في متعلّق حق الغرماء أو تزويج الأمة على الحرّة أو تزويج بنت الأخ أو الأخت على العمّة أو الخالة أو بيع من عليه الزكاة المال الزكوي فإنّ في جميع موارد تصرّف من ليس له السّلطنة التامّة إمّا لقصور في المقتضي كبيع مال الغير أو لوجود المانع كبيع الراهن العين المرهونة إذا أجاز من له الحقّ ينفذ التصرف بل لو ارتفع المانع بفكّ الرهانة أو إبراء المرتهن صحّ بيع الرّاهن لأنّه لم يكن فيه جهة نقص إلّا كون المبيع متعلّقا لحق الغير فإذا ارتفع حقّ الغير يرتفع النّقص بل صحّة بيع الراهن بإجازة المرتهن و نحوها أولى من صحّة بيع الفضولي بإجازة المالك

و بالجملة ما اعتبره صاحب المقابس في صحّة الفضولي من قصد النّيابة عن المالك ممّا لم يقم عليه دليل هذا مع أنّه لم يعلم أنّه قدّس سرّه هل اكتفى في صحّة هذا القسم بإمكان قصد الفضولي النيابة عن الغير أو اعتبر فعليّته و على كلا التقديرين لا وجه له فإن مجرّد الإمكان مع عدم قصده النّيابة لا أثر له و لا يجعل العقد بما هو فعل صادر من الفضولي عقدا للغير بإجازته و لا يخرجه عن الحرمة على ما ادّعاه من أنّ العقد أو الإيقاع إن وقع بطريق الاستقلال في الأمر لا على وجه النّيابة عن المالك فالظّاهر أنّه محرّم و اعتبار الفعليّة أيضا لا دليل عليه بعد كون الثّمن و المثمن معيّنين في الخارج فإنّ قوام المعاوضة ليس بتعيين المالكين كما تقدّم

و ما أفاده في قوله الّذي يظهر من تتبّع أدلّة العقود أنّها ما لم تنته إلى المالك

ص: 374

فيمكن وقوعها موقوفة على إجازته و أمّا إذا انتهت إليه و صدرت منه فإمّا تقع باطلة أو صحيحة ففيه أنّه لا وجه للفرق بين القسمين فإنّها لو صدرت من المالك أيضا إذا تعلّق بمتعلّقها حق الغير أمكن وقوعها موقوفة على إجازته

و ما أفاده من أنّ التّعليل المستفاد من الرّواية المرويّة في النّكاح و هو قوله ع لم يعص اللّٰه و إنّما عصى سيّده إنّما يجري فيمن لم يكن مالكا كالعبد و أما الراهن فهو عاص للّه ففيه ما لا يخفى فإنّ المراد من عصيان اللّٰه هو مخالفته فيما لم يمضه كالنّكاح في العدّة لا مخالفته في التعدّي في حقّ الغير فإنّ هذا هو معصية الغير فإذا أجاز جاز

و ما أفاده من أنّ الحرمة لو لم تكن لأمر خارج عن عنوان المعاملة توجب الفساد ففيه ما تقدم من الأجوبة الخمسة عمّن استدلّ لبطلان الفضولي بحكم العقل و النّقل على عدم جواز التصرف في مال الغير إلّا بإذنه و هي منع كون مجرّد العقد على متعلّق حقّ الغير تصرفا أولا و منع حرمة كلّ تصرّف ثانيا و إمكان فرض رضا المرتهن ثالثا و منع اقتضاء كلّ حرمة فسادا رابعا و أنّ الفساد من قبل الفضولي لا يلازم الفساد المطلق خامسا

هذا مع أنّ الحرمة المتصورة في المقام هي تسليم الراهن العين المرهونة إلى المشتري دون مجرّد العقد عليها و لذا اعترف بصحّة بيع المرتهن بإجازة الرّاهن مع أنّ كلّا منهما ممنوعان من التصرّف في العين المرهونة فكيف لا تقتضي حرمة تصرف المرتهن فساد بيعه و تقتضي فساد بيع الرّاهن و لو أجاب بأنّ توقّع المرتهن إجازة الرّاهن يخرج تصرّفه عن الحرمة ففيه أنّا نفرض الكلام أيضا فيما إذا باع الراهن متوقّعا لإجازة المرتهن

نعم هاهنا إشكالان آخران قد يتوهّم اختصاصهما بالمقام دون سائر أقسام الفضولي أحدهما أنّه بناء على الكشف كما هو مختار جمع من المحقّقين يلزم أن يكون ملك غير الرّاهن رهنا لأنّ الإجازة تكشف عن كون المبيع ملكا للمشتري فيلزم أن يكون ملكه من زمان العقد إلى زمان الإجازة وثيقة لدين البائع فيجب إمّا الحكم ببطلان البيع أو ببطلان الرهانة و فيه أنّ القائل بالكشف إذا تخلّص من إشكال الشّرط المتأخر فهذا الإشكال و نظائره لا تضرّه لأنّه يلتزم ببطلان الرّهانة من حين صدور البيع و لا يلزم محذور

هذا مع أنّ هذا الإشكال بعينه يجري في سائر أقسام الفضولي فإنّ في المقام يجري إشكال اجتماع البيع و الرّهن و فيما إذا باع مال الغير يجري إشكال اجتماع مالكين في زمان واحد على شي ء واحد و هكذا ثانيهما أنّه يدخل المقام في مسألة من باع شيئا ثم ملك غاية الفرق أنّ في تلك المسألة صار البائع الفضولي مالكا للمبيع و في المقام صار مالكا للبيع فإنّه قبل إجازة المرتهن لم يكن مالكا للبيع و بعد الإجازة ينكشف كونه مالكا له لأن إجازة المرتهن عبارة عن إسقاط حقّه و إذا أثر إسقاط حقّه حين الإجازة في سقوطه من زمان البيع ينكشف كون الرّاهن مالكا للبيع فيدخل في مسألة من باع شيئا ثمّ ملك الّتي اخترنا فيها فساد البيع سواء أجاز أم لا

و فيه أيضا أنّ إدخال المقام في مسألة من باع شيئا ثم ملك عبارة أخرى عن الإشكال الوارد على الكشف و هو أنّه كيف يكون ما هو جزء العلّة لتحقّق الملك كاشفا عن تحقّق المعلول قبل ذلك ففي المقام أيضا يلزم أن يكون ما هو جزء العلّة لسلطنة البائع على البيع و هو الإجازة كاشفا عن سلطنته قبل ذلك و مرجع الإشكال إلى أنّه كيف يكون الشي ء علّة لعدمه و كيف يجتمع حجر الرّاهن عن البيع مع سلطنته عليه و إلّا فغير

ص: 375

هذا الإشكال لا يرد على الإجازة لأنّ توقّف بيع الرّاهن على إجازة المرتهن كالعكس ليس من صغريات من باع شيئا ثم ملك بل الصّغرى لهذه الكبرى هي أن يتحقّق الملك بعد البيع بغير إجازة المالك الأوّل و بغير إجازة المرتهن و سائر ذوي الحقوق و هذا إنّما يجري في المقام إذا ارتفع موضوع الرهانة بأداء الدّين أو بإسقاط المرتهن و سيأتي الكلام فيه

الجهة الثانية في أنّ النزاع في الكشف و النّقل هل يجري في إجازة المرتهن أم لا

قد يتوهّم أنّه لا موضوع لإجازة المرتهن في المقام حتّى يجري فيه نزاع الكشف و النّقل بل يتوقّف صحّة بيع الرّاهن إمّا على إسقاط المرتهن حقّه أو على فكّ الرّاهن الرهانة و أما إجازة المرتهن فلا أثر لها لأنّ الإجازة إنّما تؤثر في عقد الفضولي من باب أنّها توجب استناده إلى المجيز و بها يصير مخاطبا ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المرتهن لا يمكن أن يتوجّه إليه خطاب أَوْفُوا فلا أثر لإجازته و لا لردّه لأنّه بالنّسبة إلى أصل الملك أجنبي غاية الأمر له حقّ بالنسبة إلى العين يوجب عدم نفوذ بيع الرّاهن إلّا بزوال هذا الحقّ إمّا بإسقاطه أو بإبرائه من الدّين أو بفكّ الراهن الرهانة

و لكنّه لا يخفى فساد التوهّم فإنّ خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ليس تكليفيّا حتى يقال بأنّه لا يتوجّه إلى المرتهن بل هو خطاب وضعيّ و كناية عن أنّ العقد نافذ و ممضى فكلّ من له إضافة إلى الملك له إنفاذه و لا شبهة أنّ المرتهن له حصّة من الإضافة و مرتبة منها بالمقدار الّذي نقص من الرّاهن و لذا يعبّر عن ملكه بالملك الغير الطّلق و عدم طلقيّته ليس إلّا من جهة واجديّة المرتهن مرتبة منه فله ملك إقرار العقد و إزالته بل تنفذ إجازة كلّ من هو نظيره كإجازة الغرماء عقد المفلّس و إجازة الورثة وصيّة الميّت فيما زاد عن الثّلث و إجازة العمّة و الخالة العقد على بنت الأخ و الأخت و غير ذلك فإذا كانت الإجازة مؤثّرة في هذه الموارد فمقتضاه أمران

أحدهما أنّ ردّ ذي الحقّ أيضا مؤثر و يوجب إبطال أثر العقد فإنّ في جميع هذه الموارد ملك كلا الأمرين من الإقرار و الإزالة ثابت لذي الحقّ فبعد الردّ لا يؤثر الإجازة ثانيا نعم إنّما يؤثّر الردّ في المقام في مورد فعليّة حق المرتهن و هو ما إذا حلّ أجل الدّين و أمّا لو لم يحل فلا يؤثر لأنّ العين إنّما تكون مخرجا للدّين إذا كان للدّائن حقّ المطالبة و قبل ذلك و إن كان له الإجازة الّتي أثرها إسقاط حقّه الّذي يتحقّق بعد ذلك و أمّا ردّه فحيث إنّه يمكن للرّاهن فكّ الرّهانة قبل حلول الأجل فلا يؤثر فعلا فله الإجازة بعد ذلك

و ثانيهما جريان نزاع الكشف و النقل فيها على ما تقدم سابقا من أنّ أركان العقد ثلاثة منها ما به يتحقّق عقديّة العقد كشرائط الإيجاب و القبول و منها ما هو في عرض أجزاء العقد جزء مؤثر في المنشأ و إن تمّ العقد بدونه كالقبض في بعض العقود و منها ما يوجب نفوذ العقد كالإجازة و ما لا يجري فيه نزاع الكشف و النقل هو القسمان الأوّلان و أمّا الإجازة كانت من المالك أو غيره فيجري فيها النّزاع لأنّ مناط جريانه في إجازة المالك ليس من باب أنّ المالك يسند عقد الفضولي إلى نفسه حتى يقال إنّ إجازة المرتهن ليس فيها هذا المناط بل من باب أنّ ما أوجده الفضولي إنّما وجد في عالم الإنشاء لا في عالم الاعتبار و تحقّقه في عالم الاعتبار إنّما هو بإمضاء المالك أو من له الحقّ و هذا و إن اقتضى النّقل على ما هو الصواب و لكنّ القائل

ص: 376

بالكشف الّذي يدّعي أنّ بالإجازة يستكشف تحقّق المنشأ في عالم الاعتبار حين الإنشاء يجب أن لا يفرّق بين إجازة المالك و إجازة المرتهن لأنّ كلّا منهما كاشف عن تحقّق المنشأ حين الإنشاء لأنّ المفروض أنّ العقد في جهة العقديّة تامّ و لا يتوقّف تحقّق المنشأ على أمر آخر كتوقّف بعض العقود على القبض فإذا كان العقد سببا تامّا فلا فرق بين الأبواب أصلا

و قد تقدم في الفضولي أنّه لا وجه لما عن المحقّق الثّاني مع توغّله في الكشف من اختيار النّقل في إجازة المرتهن و بالجملة بناء على صحّة الكشف الحقيقيّ لا فرق بين الأبواب إنّما الكلام في الكشف الحكمي و مقتضى ما وجهناه به من أنّه على القاعدة و أنّه متوسّط بين النّقل و الكشف الحقيقيّ لا بدّ من الاطّراد في جميع الأبواب و أمّا بناء على أنّه ثبت بالتعبّد فلو علم اطّراد المناط في الأبواب قطعا فهو و إلّا يجب البناء على النّقل

الجهة الثالثة في صحّة بيع الرّاهن بفكّ الرهانة

أو إسقاط المرتهن حقّه أو إبرائه الراهن من الدّين و عدمها و منشأ الإشكال توهّم دخول بيع الرّاهن في مسألة من باع شيئا ثم ملكه و حيث إنّ الأقوى هو البطلان سواء أجاز البائع أم لا فينبغي الحكم بالبطلان في المقام و حاصل الإشكال هو الفرق بين إجازة المرتهن و سائر ما يوجب سقوط حقّه فإنّ مفاد إجازته حيث إنّه إنفاذ بيع الراهن و إمضاؤه فيوجب صحّته و يكون أثرها سقوط حقّه لأنّه أنفذه و أمضاه في زمان ثبوته و سقوط حقّه مترتّبا على إنفاذه يرفع المنع عن صحّة بيع الرّاهن و أمّا السّقوط بغير جهة الإجازة فحيث إنّه لا تعرّض فيه للعقد فالعقد باق على حاله فلا إجازته بعد ذلك مؤثّرة لخروج المبيع عن كونه متعلّقا لحقّه و لا إجازة الرّاهن لأنّه باع في زمان لم يملك البيع و نفس الإجازة ليست عقدا مستأنفا و لا معنى لتنفيذ ما صدر عن نفسه

و بالجملة المسألة بعينها داخلة في باب من باع شيئا ثم ملك لأنّه لا فرق بين أن لا يملك الفضولي المبيع ثم ملكه أو لا يملك البيع ثم ملكه و لكنّه لا يخفى عليك فساد هذا التوهّم لأنّه لم يكن تمام الملاك في صحّة بيع الرّاهن بإجازة المرتهن كون الإجازة مفادها الإمضاء و الإنفاذ حتّى لا يجري هذا الملاك في السّقوط بنحو آخر بل مناطها كون الإجازة رفعا للمانع

و بعبارة أخرى فرق بين العقد الّذي صدر ممّن لا يملك المبيع أو ممّن لا يملك البيع فإنّ الأوّل عقده موقوف لقصور في المقتضي و يشبهه العبد إذا تزوّج بغير إذن السيّد و الثّاني عقده موقوف لوجود المانع فإذا كان لقصور في المقتضي فلو ملك المبيع لا يمكن أن يصحّ البيع بالملكيّة الحاصلة بعد العقد فإنّه حين وقوعه كان موقوفا على إجازة مالكه و من كان مالكا لم يجزه حين البيع و لا مجال لتأثير إجازته بعد ذلك لصيرورته بالنّسبة إلى المبيع أجنبيا و من صار مالكا لا يفيد إجازته لعدم كونه مالكا حين البيع فضلا عمّا إذا لم يجز

و أمّا إذا كان لوجود المانع فعقده لا قصور فيه إلّا كون المبيع غير طلق و متعلّقا لحقّ الغير فإذا تمّ طلقيّته و زال حقّ الغير فلا مانع من صحّته ثم إنّ نزاع الكشف و النّقل يجري فيه أيضا لما عرفت من أنّ المدار ليس على مدلول لفظ أجزت حتى يقال السّقوط بنحو آخر غير متعرّض للعقد بل على تماميّة العقد و كشف السّقوط عن كونه سببا تامّا فيؤثر من أوّل الأمر نعم القول بالكشف فاسد من أصله لامتناع الشّرط المتأخر و لكنّه على فرض صحّته فبرهان الصّحة يجري في جميع الأبواب

[مسألة إذا جنى العبد عمدا]

قوله قدّس سرّه مسألة إذا جنى

ص: 377

العبد عمدا بما يوجب قتله أو استرقاق كلّه أو بعضه فالأقوى صحّة بيعه إلى آخره

لا يخفى أنّ مقتضى ما ذكره الفقهاء في مقام تمييز الحقوق من جعل حق الجناية مقابلا لحقّ الرهانة هو صحّة بيع العبد الجاني و إن جنى عمدا فضلا عمّا إذا جنى خطأ أو شبه العمد و ذلك لأن مقصودهم من قولهم إنّ حق الفقراء مثلا على المال الزكويّ هل هو من قبيل حقّ الرّهانة أو حقّ الجناية أنّ الجناية و إن كانت من الحقوق المتعلّقة بالعبد الجاني إلّا أنّها ليست من قبيل الرهانة التي يعتبر فيها أن يكون المال المرهون مخرجا للدّين من ملك الرّاهن فإذا صحّ بيعه فلا بدّ من أن يبطل الرّهن و حيث إنّه لا وجه لبطلانه مع كونه أسبق من البيع فلا محالة يبطل البيع

و أمّا حق الجناية فلا يشترط في استيفائه بقاء الجاني في ملك من كان مالكا له حين الجناية فلا مانع من بيعه و مجرّد تعلّق حقّ المجني عليه أو ورثته به لا يوجب عدم نفوذ بيع مولاه لعدم كون البيع مانعا من استيفاء الحق بل يتبعه المجني عليه أو ورثته أينما انتقل

و بالجملة نفوذ بيع الرّاهن يتوقف على سقوط حق المرتهن إمّا بإجازته للبيع أو إسقاطه حق الرّهانة أو إبرائه الدّين و أمّا نفوذ بيع مولى الجاني فلا يتوقف على إمضاء المجني عليه أو أوليائه لا في الجناية العمديّة و لا الخطائيّة

نعم لو قيل بخروج العبد عن ملك المولى بمجرّد جنايته عمدا و انتقاله إلى المجني عليه أو ورثته يدخل بيع المولى في عقد الفضولي و لكنّ الظّاهر ضعف هذا القول و إن حكي عن الشّيخ أنّه استدلّ بإجماع الفرقة على أنّه إذا جنى عمدا ينتقل إلى ملك المجني عليه و استظهر ذلك أيضا من عبارة الإسكافي المحكيّة عنه في الرّهن و استدلّ له أيضا بما رواه في الوسائل عن الشّيخ بإسناده عن عليّ بن عقبة عن أبي عبد اللّٰه ع قال سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد واحد قال فقال هو لأهل الأخير من القتلى إن شاءوا قتلوه و إن شاءوا استرقّوه لأنّه إذا قتل الأوّل استحقّ أولياءه فإذا قتل الثّاني استحقّ من أولياء الأوّل فصار لأولياء الثّاني فإذا قتل الثّالث استحقّ من أولياء الثّاني فصار لأولياء الثّالث فإذا قتل الرّابع استحقّ من أولياء الثّالث فصار لأولياء الرابع إن شاءوا قتلوه و إن شاءوا استرقّوه

وجه الضّعف أنّ الإجماع المبنيّ على قاعدة اللّطف ليس بحجّة و لم ينعقد إجماع في المسألة على مصطلح المتأخّرين كما يطّلع عليه الفقيه بالمراجعة إلى مصنّفات الأصحاب و عليك بمراجعة المقابس فإن مصنّفه قدّس سرّه قد بذل جهده في نقل أقوال القوم جزاه اللّٰه و إيّاهم عن الإسلام خير الجزاء و أمّا الرّواية فهي و إن كانت دالّة عليه صدرا و ذيلا إلّا أنّه يعارضها روايات أخرى

ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر ع في عبد جرح رجلين قال هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته قيل له فإن جرح جرح رجلا في أوّل النهار و جرح آخر في آخر النهار قال هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأوّل فدفعه إليه بجنايته فجنى بعد ذلك الحديث فإنّ ذيلها ظاهر في أنّ المجني عليه لا يملكه بالجناية و إلّا لكان من الثّاني و إن دفعه الحاكم إلى الأوّل

و عن الكافي بإسناده عن أبي بصير قال سألت أبا جعفر ع عن مدبّر قتل رجلا عمدا فقال يقتل به قال قلت فإن قتل خطأ قال فقال يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم رقّا فإن شاءوا باعوا و إن شاءوا استرقّوا و ليس لهم أن يقتلوه فإنّ الدّفع ظاهر في أنّ القتل بنفسه ليس من أسباب الملك فتأمل بل ظاهر ذيل رواية عقبة أيضا ذلك فإنّ الاسترقاق في مقابل القتل يقتضي

ص: 378

عدم انتقال العبد إلى ملك ورثة المجني عليه بمجرّد القتل

و كيف كان بناء على عدم خروج العبد عن ملك المولى لا مانع من تصرّف المولى فيه من غير فرق بين العتق و غيره و من غير فرق في الجناية بين العمديّة و الخطائيّة و من غير فرق في الخطاء بين كون المولى موسرا أو معسرا لا لأنّه في حكم الأرمد و المريض فإنّ الفرق بينهما و بين الجاني في غاية الظّهور فإنّ الجاني قد تعلّق به حقّ الغير دونهما بل لأنّه ليس كلّ حقّ مانعا عن نفوذ التصرّف و إنّما المانع هو التصرّف الموجب لزوال الحقّ كتصرّف الرّاهن فإنّ نفوذه مع بقاء الرّهانة لا يجتمعان و على هذا فلمالك الجاني أن يتصرّف في العبد من دون مراجعة ذي الحقّ و لا يحرم عليه التصرّف تكليفا أيضا و هذا بخلاف مالك المرهون فإنّه يحرم عليه التصرّف تكليفا كعدم نفوذه منه وضعا

ثم إنّه لا يتوقّف صحّة بيعه في الجاني خطأ على إفدائه أوّلا أو الالتزام بالفداء ثم البيع بل يصحّ بيعه من دون ذلك و لا وجه لما أفاده العلّامة من أنّ البيع بنفسه هو التزام بالفداء فإنّ البيع بناء على ما تقدم ليس إتلافا للعبد حتى يكون بيعه التزاما بالفداء لأن المجني عليه أو وليّه يتبع العبد أينما انتقل غاية الأمر لو كان المشتري جاهلا بذلك فله الخيار نعم صحّة عتقه تتوقف على ذلك لأنّ العتق لا يجتمع مع تعلّق حق الغير به إلّا أن يكون الحقّ قصاصا فإنّه يجتمع مع الحريّة و لذا قال في الشّرائع إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه صحّ و لم يسقط القود نعم لو كان لورثة المجني عليه القصاص أو الاسترقاق فالعتق ينافي حقّهم و لذا قال المحقق بعد الكلام المتقدّم و لو قيل لا يصحّ لئلّا يبطل حقّ الوليّ من الاسترقاق كان حسنا و عليك بمراجعة كتب القوم فإن كلماتهم مضطربة

[مسألة الثّالث من شروط العوضين القدرة على التّسليم]
اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة الثّالث من شروط العوضين القدرة على التّسليم إلى آخره

قد يتخيّل أنّ عدّ هذا الشّرط من شروط المتعاقدين أنسب من جعله من شروط العوضين لأنّ مرجعه إلى مانعيّة عجز البائع عن صحّة العقد و لكن الأولى هو ما صنعه المصنف قدّس سرّه تبعا للأساطين لأنّ مناط ماليّة المال هو كونه بحيث يتسلّط مالكه على قلبه و انقلابه بأيّ نحو من أنحاء التصرّف و مع عدم تمكّنه من التصرّف فيه بنحو من الأنحاء كالسّمك في البحر و الطّير في الهواء لا يعدّ من الجدة الاعتباريّة فإنّ المال و إن لم يكن من الجدة الاصطلاحية إلّا أنّه مثلها في مقام الاعتبار العقلائي فلو لم يكن قابلا لتصرّف مالكه إلّا بنحو العتق الّذي لا يعدّ أثرا لماليّته لا يكون مالا اعتبارا بحيث يكون منشأ للآثار عند العقلاء

و بالجملة ماليّة الأموال في عالم الاعتبار إنّما هي باعتبار كونها منشأ للآثار و إذا لم يكن كذلك فلا يعدّه العقلاء مالا و إن ترتّب عليه بعض الآثار الجزئيّة فهذا الشّرط في الحقيقة من شروط العوضين

و كيف كان فينبغي التّنبيه على الفرق بين تعذّر التّسليم الّذي هو مانع عن صحّة البيع و تعذّره الموجب للخيار فنقول لو لم يمكن التّسليم من المنتقل عنه و لا التّسلم من المنتقل إليه فهو مورد عدم صحّة البيع فيرجع شرطية القدرة على التّسليم إلى اعتبارها في الجامع بينهما و أمّا لو كان المنتقل عنه عاجزا دون المنتقل إليه أو كان المنتقل عنه قادرا ابتداء ثمّ طرأ العجز فهو مورد الخيار

و السرّ في ذلك هو أنّه لو لم يمكن التّسليم و التسلّم فهذا المال لا يعتبره العقلاء مالا و أمّا إذا كان المنتقل عنه متمكّنا من التّسليم في وقت لزومه و ماطل حتّى طرأ العجز أو كان من أوّل الأمر عاجزا و لكن كان المنتقل إليه متمكّنا من التسلّم فمناط ماليّة المال موجود فيه

ص: 379

و يتدارك نقصه بالخيار للمنتقل إليه إذا كان جاهلا بعجز المنتقل عنه لأن منشأ الخيار في غير خيار الحيوان و المجلس هو تخلّف الشرط الصّريح أو الضّمني الّذي يتضمّنه كلّ عقد معاوضيّ التزاما و هذه الدّلالة الالتزاميّة فرع تماميّة العقد من حيث الأركان و أمّا إذا كان العقد متعلّقا بما كان فاقدا لمناط ماليّة المال و لا يمكن التبديل و التبدّل من حيث المدلول المطابقي فهو موجب للفساد فالدّليل على اعتبار هذا الشّرط في صحّة العقد هو عدم عدّ العرف و العقلاء ما لا يمكن تسليمه و لا تسلّمه مالا و لا يرتّبون عليه أثرا و لذا مثل الأساطين لفقد هذا الشّرط ببيع السّمك في الماء و الطّير في الهواء مع عدم اعتياد رجوعهما إلى الحالة الّتي يمكن إقباضهما و قبضهما

و لا يقال لو كان في هذا النّحو من المال قصور في جهة الماليّة لزم جريان قاعدة التّلف قبل البيع فيه لو فرض كونه حال العقد مثل سائر الأموال ثم قبل التّسليم صار كذلك

لأنّا نقول و إن كان هذا المال في عالم الاعتبار قاصرا عمّا عليه سائر الأموال إلّا أنّه ليس كالعدم بحيث يعدّ تالفا و قاعدة كون التّلف قبل القبض من مال بائعه تختصّ بما إذا تلف حقيقة و لا تشمل ما إذا نقصت ماليّته و لذا لو باع الجمد في الصّيف أو الماء في المفازة و لم يسلّمه إلّا في مكان نقصت قيمته و ضعفت اعتباريّته العقلائيّة لا يلتزمون بانفساخ المعاملة لقاعدة التّلف قبل القبض

و كيف كان فهذا المناط أيضا يقتضي فساد الإجارة لو لم يمكن لمالك الدّار تسليمها إلى المستأجر و لا للمستأجر تسلّمها و يقتضي الصّحة مع الخيار لو طرأ العجز للمالك أو كان المستأجر قادرا على الاستيفاء نعم استدلّ العلّامة أيضا على ذلك بالنبويّ المشهور بين الفريقين و هو نهى النّبي ص عن بيع الغرر و الظّاهر أنّه من أقضيته صلّى اللّٰه عليه و آله الّتي جمعها أحمد بن حنبل في مسنده و رواها عنه ص عبادة بن الصّامت الّذي هو من خيار الصّحابة و لكن أصحابنا رضوان اللّٰه عليهم فرقوها في الأبواب و حيث إنّ الرّواية مشهورة و هي مستند الأصحاب في الفتوى فلا يضرّ إرسالها و أمّا دلالتها فأهل اللّغة و إن اختلفوا في تفسير الغرر فبعضهم جعله من الغرّة بمعنى الغفلة و بعضهم من التغرير بمعنى الخدعة و الإغفال و بعضهم فسّره بالخطر إلّا أنّ مرجع الكلّ واحد غاية الأمر بعضهم أخذ بالمبادي و بعضهم أخذ بالغايات و ترك المبادي و لذا فسّره بالخطر الّذي هو نتيجة الغفلة و الإغفال

ثم إنّ كلّا من الغرّة و الغرور و الغرر يستلزم الجهل بواقع الأمر لأنّه لو كان الشخص عالما به فإقدامه يوجب سلب هذه العناوين عنه نعم قد يكون هذه المعاملة سفهيّا و هذا أمر آخر غير عنوان الغرر فالغرر سواء كان بلحاظ سببه و هو الغفلة أو الخدعة أو بلحاظ المسبّب و هو الخطر يقتضي الجهل بما يغتر به و ما يقع في ضرره سواء كان جهلا بالوجود أو الحصول أو بصفات المبيع

ثم إنّ تقريب الاستدلال بالنبويّ على فساد المعاملة إذا كان المبيع مجهول الحصول كما هو مفروض البحث موقوف على ذكر محتملات النبويّ الشّريف فنقول نهيه صلّى اللّٰه عليه و آله عن الغرر يحتمل أن يكون حفظا للنظام و سياسة للعباد لئلّا يقعوا في المشاجرة و التنازع و يحتمل أن يكون إرشادا لدخل القدرة على التّسليم و لبيان شرطيّتها أو مانعيّة العجز نظير النّواهي الغيرية الواردة في أجزاء المركب العبادي و يحتمل أن يكون نهيا عن المسبّب كالنّهي عن بيع العبد المسلم من الكافر أو عن بيع المصحف منه و دلالته على الفساد

ص: 380

يتوقف على كونه على أحد الوجهين الأخيرين و الأقوى ذلك لأنّ استدلال العامّة و الخاصّة به يكشف عن كونه مسوقا لذلك و الدلالة السّياقيّة و إن كانت موقوفة على كونها قطعيّة و فهم العلماء لا يوجب الظّهور في اللّفظ و لذا لا نقول بأنّ العمل يجبر ضعف الدلالة إلّا أنّه في المقام خصوصيّة يمكن استفادة هذه الدلالة منه و هي أنّه لو لم يكن الكلام الصادر عنه ص في مقام بيان الفساد بل كان للنّصح و الإرشاد إلى ما لا يوقع في النزاع و التّشاجر لم يتمسّكوا به في باب اعتبار القدرة على التّسليم فمن ذلك يستكشف أنّ مع نهيه ص قرينة على كونه مسوقا للنّهي عن المسبّب أو شرطيّة القدرة دون المعنى الأوّل فتأمل

و ممّا استدلوا به على شرطيّة القدرة أيضا قوله صلّى اللّٰه عليه و آله لحكيم بن حزام الدلال لا تبع ما ليس عندك بتقريب أنّه ليس مرجع النّهي إلى اعتبار حضور العين خارجا و إلّا لما جاز بيع الكلّي و الغائب و لا إلى اعتبار الملكيّة و إلّا كان المناسب أن يقال لا تبع ما ليس لك فلا بدّ أن يكون كناية عن المنع عن بيع ما لا يقدر عليه و ليس تحت استيلائه سواء كان منشأ عدم الاستيلاء كونه ملكا للغير أو كونه غير قادر على تسليمه فيشمل ما هو مورده و هو بيع العين الشّخصيّة المملوكة للغير ثم شراؤها من مالكها و تسليمها بعد الشراء إلى المشتري كما هو ديدن الدلّالين و بيع العين الّتي لا يقدر على تسليمها فإنّ المورد لا يوجب التّخصيص

و لكنّك خبير بما في هذا التقريب لأنّ عدم كون المورد مخصّصا معناه أنّ شخص حكيم بن حزام الّذي توجّه هذا النّهي إليه لا خصوصيّة فيه بل النّهي يشمل كلّ من هو يبيع مال غيره ثم يشتريه من مالكه ليسلّمه إلى المشتري و أمّا التعدّي عنه إلى المقام فهو فرع عموم للكلام و هو ممنوع

ثم لا يخفى ما في كلام المصنف في هذا المقام لأنّه على فرض شمول قوله ص للمقام بأن يكون ما ليس عندك كناية عن اعتبار أمرين في البيع أحدهما الملكيّة و ثانيهما القدرة على التّسليم فإخراج الفضوليّ عنه بأدلّته لا وجه له لأن من انتقل عنه الملك واجد للأمرين و عدم مالكيّة مجرى العقد و عدم كون المال تحت يده لا يضرّ بتحقّق المعاملة لأنّه أجنبيّ عن المبيع و لا يتوجّه إليه قوله ص لا تبع

و بالجملة اعتبار الملكيّة و كون المال تحت اليد إنّما هو في ناحية المسبّب لا في السّبب ثمّ لا وجه لاستدراكه بقوله نعم يمكن أن يقال إنّ غاية ما يدلّ عليه هذا النّبوي بل النّبوي الأوّل أيضا فساد البيع بمعنى عدم كونه علّة تامّة لترتّب الأثر المقصود فلا ينافي وقوعه مراعى بانتفاء صفة الغرر و تحقّق كونه عنده لأنّ كون البيع مراعى الّذي هو عبارة عن كونه مشروطا بالشّرط المتأخّر على النّحو الصّحيح و هو كونه مشروطا بوصف التعقّب يتوقف على دليل عقليّ أو نقليّ يساعد عليه العرف و العادة كاشتراط صحّة كل جزء من أجزاء المركّب التّدريجي بالآخر

و أمّا في المقام فلم يقم دليل على كون البيع مراعى بانتفاء صفة الغرر فإذا كان العجز عن التّسليم موجبا للغرر أو مشمولا لخطاب لا تبع ما ليس عندك فلا بدّ من الالتزام بلغويّة العقد رأسا ثم لا وجه لقوله قدّس سرّه و لو أبيت إلّا عن ظهور النبويّين في الفساد بمعنى لغويّة العقد رأسا المنافية لوقوعه مراعى دار الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظّاهر و بين إخراج بيع الراهن إلى آخر كلامه

أمّا أوّلا فلأنّ مسألتي الرّهن و العبد الجاني لا تندرجان في جامع واحد كما ذكرنا ذلك في بيع العبد الجاني و أمّا ثانيا فما للبائع من الحق في المبيع في هذه الموارد قادر على تسليمه و توضيح ذلك أنه لو كان المال مشتركا بين شخصين فعدم

ص: 381

قدرة كلّ منهما على تسليم جميع المال لا يضرّ بالبيع بلا إشكال لأنّ المناط هو القدرة على مقدار المبيع لا القدرة على غيره فلو قيل في باب الرّهن بأنّ للمرتهن حصّة من الإضافة المالكيّة و للراهن أيضا حصّة فبالمقدار الّذي للراهن يقدر على تسليمه و توقّف تسليم المبيع إلى المشتري على إجازة المرتهن أو فكّ الرهانة و نحوه لا يوجب عجز الرّاهن عن تسليم مقدار حقّه

و لو قيل إنّ ملكيّة المرتهن ملكيّة طوليّة لا اشتراكيّة بمعنى أنّ ما يملكه الرّاهن هو تحت استيلاء المرتهن فعدم قدرة الرّاهن على تسليم المبيع ليس إلّا لعدم استيلائه على أصل البيع لأنّه لا بدّ من بقاء الملك في ملكه حتّى يستوفي المرتهن حقّه ففساد بيع الرّاهن ليس من جهة عدم القدرة بل لوجود المانع

و بعبارة أخرى و إن كان العجز الشّرعي كالعجز الخارجي إلّا أنّ محطّ نظر الأساطين في هذا الشّرط هو عدم القدرة خارجا و لذا يمثّلون لما لا يقدر على تسليمه ببيع السّمك في الماء و الطّير في الهواء و أمّا عدم القدرة شرعا على تسليمه لتعلّق حق الغير به أو لوجه آخر من وجوه فقدان شرائط المعاوضة فهو خارج عن موضوع البحث

ثم على فرض شمول قوله ع لا تبع ما ليس عندك لمن لا يقدر على تسليم المبيع إلّا أنّه لا يوجب إخراج بيع الفضولي بجميع أقسامه عن عمومه أمّا بيع من لا يملك المبيع فلأنّ اعتبار القدرة على التّسليم إنّما هو في ناحية المسبّب و حيث إنّه بإجازة المالك يقع عنه فعدم قدرة موجد السّبب لا يضر بالمعاملة أصلا سواء قصد البيع لنفسه كالغاصب أو قصده عن المالك و سواء قلنا بالكشف الحقيقيّ أو الحكميّ أو قلنا بالنّقل

و أمّا بيع الراهن و من بحكمه كالمحجور لسفه أو رق أو فلس فبناء على كون الفضولي بجميع أقسامه على طبق القاعدة حتّى بيع الراهن و نكاح بنت الأخ و الأخت على العمّة و الخالة و نحوهما فالأمر واضح لأنّ قوله ص لا تبع ما ليس عندك و نهيه ص عن بيع الغرر لا يشمله

و أمّا بناء على التعبّد فيمكن دعوى عدم شمول بعض أدلّة بيع الفضولي لبيع الراهن بدون الإذن السّابق من المرتهن إلّا أنّه لا إشكال في أنّ أدلّة صحّة نكاح العبد بدون إذن المولى إذا تعقّبه الإجازة يشمله إذا أجازه المرتهن و عليك بمراجعة ما علقناه على مسألة بيع الرّاهن قبل ذلك

و كيف كان فعدم القدرة على التّسليم قبل إجازة المرتهن لا يضرّ بعقد الرّاهن و نحوه لأنّه لم يتمّ سبب النّقل قبلها و إنّما يتمّ بها و يؤثر العقد بتحقّقها و مجرّد أنّ العاقد و المجيز في عقد الفضولي شخصان و في عقد الراهن و نحوه للعقد حالتان لا يوجب فرقا في القدرة على التّسليم

و ممّا استدلّوا به على شرطيّة القدرة أنّ لازم العقد وجوب تسليم كلّ من المتبايعين العوضين إلى صاحبه فيجب أن يكون مقدورا لاستحالة التّكليف بالممتنع و لا يخفى أنّه إن كان نظر المستدلّ إلى ما ذكرناه من اعتبار القدرة في حقيقة المعاوضة من باب أنّ ما لا يمكن فيه التّسليم و التسلّم قاصر من حيث الماليّة فهو و أمّا لو كان المراد منه الوجوب الشّرعي فلو أريد منه الوجوب التّكليفي فلا معنى لتضعيفه بالترديد بين الوجوب المطلق و مطلق وجوبه و لا للاعتراض عليه بأصالة عدم تقييد الوجوب و لا لدفع الاعتراض بأصالة عدم تقييد البيع بهذا الشّرط لأنّ الوجوب التّكليفي لا يعقل أن يتعلّق بالأعمّ من المقدور و الممتنع

و غرض المستدلّ من قوله فيجب أن يكون مقدورا هو انحصار صحّة البيع بما إذا كان المبيع تحت استيلائه فلا بدّ أن يقال في جوابه بأنّه لم يقم دليل غير نهي النّبي عن بيع الغرر و قوله ص لا تبع ما ليس عندك على انحصار صحّة البيع بما إذا

ص: 382

كان المبيع تحت استيلائه

و بعبارة أخرى يمكن منع الملازمة بين صحّة العقد و وجوب التّسليم لا الوجوب المطلق و لا مطلق الوجوب لأنّ العقد لا يقتضي إلّا تحقّق مضمونه و أمّا وجوب التّسليم فهو إمّا من جهة الدلالة الالتزاميّة أو من أحكام حرمة التصرّف في مال الغير

و بالجملة نفس العقد لا يقتضي وجوب التّسليم سواء تمكّن منه أم لم يتمكّن و أمّا لو قلنا باقتضائه له فإنّما هو عند التمكن لاستحالة تعلّق التّكليف بالممتنع فلا يمكن أن يقال الأصل عدم تقييد الوجوب بالتمكّن

هذا مع أنّه لا أصل لهذا الأصل كما أنّه لا يمكن دفع هذا الأصل بمعارضته بأصالة عدم تقييد البيع بهذا الشّرط لأنّ هذا الأصل أيضا لا أصل له إلّا أن يرجع إلى الإطلاق و مرجعه إلى إنكار اقتضاء العقد وجوب التّسليم هذا إذا كان المراد من الوجوب هو التكليفيّ

و أمّا لو كان المراد منه الوضعيّ الّذي مرجعه إلى بيان شرطية القدرة في صحّة العقد فيمكن تضعيفه بالترديد بين الشّرطيّة المطلقة الّتي مقتضاها انتفاء المشروط بانتفاء شرطه و الشرطيّة المقيّدة بالتمكّن الّتي مقتضاها عدم اشتراط العقد بلزوم التّسليم حين العجز عنه

و ممّا استدلّوا به على اعتبارها أيضا هو أنّ الغرض من البيع انتفاع كلّ منهما بما ينتقل إليه و لا يتمّ ذلك إلّا بالتّسليم و لا يخفى أنّه لو رجع هذا إلى أنّ ما لا يمكن تسليمه ناقص من حيث الماليّة فيرجع إلى ما ذكرناه و أمّا لو كان المقصود منه أنّ الدّاعي على البيع ذلك ففيه أنّ تخلف الدّاعي لا أثر له مع أنّ الدّاعي قد لا يكون ذلك كما أنّه لا يصحّ الاستدلال لاعتبارها بأنّ بيع ما لا يمكن تسليمه سفهيّ لأنّه غير مطّرد

قوله قدّس سرّه قال و يظهر الثّمرة في موضع الشكّ إلى آخره

لا يخفى عليك أنّ ما دار على الألسن من أنّه لو تردّد الأمر بين شرطيّة أحد الضدّين و مانعيّة الآخر فبناء على الشّرطيّة يجب إحراز الشّرط عند الشكّ و بناء على المانعيّة تكفي أصالة عدم وجود المانع لا يرجع إلى محصّل و على فرض صحّة هذا الكلام فهو إنّما يصحّ فيما إذا دار الأمر بينهما في الوجوديين لا في مثل شرطيّة القدرة و مانعيّة العجز الّذي يكون التّقابل بينهما تقابل العدم و الملكة و نحن و إن أشبعنا الكلام في ذلك في الأصول و في مسألة اللّباس المشكوك فيه إلّا أنّه لا بأس بالإشارة إليه إجمالا

فنقول لو دار الأمر بين شرطية الشي ء و مانعيّة ضدّه كشرطيّة المأكوليّة و مانعيّة غير المأكول في لباس المصلّي فيظهر الثمرة بينهما في جريان البراءة لا أصالة عدم المانع سواء أريد منها الاستصحاب أو أصلا برأسه كما صرّح به جملة من الأساطين و ذلك لأنّه بناء على الشّرطيّة لو شكّ في اللّباس أنّه مأخوذ من المأكول أو غيره لشبهة حكمية أو موضوعيّة لا تصحّ الصّلاة فيه لأنّ اشتراط المأكوليّة معلوم فلا يمكن جريان البراءة في أصل الشّرطيّة نعم لو صحّت الصّلاة فيه فإنّما توجب توسعة في ناحية الامتثال و أصل البراءة لا تجري في مرحلة الامتثال

و أمّا بناء على المانعيّة فحيث إن منشأ انتزاع المانعيّة و هو النّهي عن لبس غير المأكول في الصّلاة ينحلّ بعدد كلّ موضوع إلى خطاب مستقلّ فيتعدّد المنتزع عنه بتعدّد الموضوع فيرجع الشكّ في المانع إلى الشكّ في زيادة قيد في متعلّق التكليف و المرجع هو البراءة

و أمّا أصالة العدم فلو كان مفادها غير الاستصحاب فلا دليل على اعتبارها إلّا في باب الأصول اللّفظية فإن بناء العقلاء في مورد الشكّ في التّخصيص و التّقييد و قرينة المجاز و النّقل على العدم و أمّا في غير هذا الباب فليس بناؤهم عند الشك فيه على العدم فأصالة عدم وجود

ص: 383

المانع عند الشكّ فيه مع قطع النّظر عن الاستصحاب ممّا لا أساس له و إن رجعت إلى الاستصحاب يدور الأمر مدار وجود الحالة السابقة و كون الأثر الشّرعي مترتّبا على النّحو الّذي له حالة سابقة

و ما يتوهّم من أنّ العدم أولى من الوجود بالنّسبة إلى الممكن حيث يقال إنّه من طرف علّته أيس و من طرف نفسه و ذاته ليس ففيه أنّه على فرض صحّته و عدم الالتزام بما هو المسلّم عند المحقّقين من الحكماء من تساوي الوجود و العدم بالنسبة إليه فهو إنّما يصحّ بالنّسبة إلى العدم المحموليّ المسبوق به كلّ ماهيّة ممكنة و يغني عنه الاستصحاب لأنّ للعدم المحمولي حالة سابقة فسواء كان أصل العدم حجّة مستقلّة أم لا يجري في مورده الاستصحاب فلا أثر له إلّا في موارد شاذة كتعاقب الحالتين اللّتين يتعارض فيه الاستصحابان

و أمّا العدم النعتي فلا معنى لأن يكون العدم بالنّسبة إليه أولى من الوجود لأن اتّصاف الممكن بالعدم النّعتي يتوقف على استمرار العدم المحمولي إلى زمان وجود المنعوت فإذا استمرّ عدم القيام مثلا إلى زمان وجود زيد يتّصف زيد بأنه لا قائم و أمّا قبل وجود زيد فليس عدم القيام نعتا له فإنّ النّعتية مساوقة لوجود المنعوت و أمّا حال عدمه فليس هناك إلّا العدم المحمولي

و بالجملة الاتّصاف و النعتيّة من الأمور الوجودية المتوقّفة على تحقّق موصوف يتّصف بالنّعت العدميّ و عدم الغرض بنفسه ليس مساوقا لكونه نعتا و لا يمكن قياسه على وجوده لأن وجوده مساوق لنعتيّته من باب أن وجوده لنفسه عين وجوده لعروضه و أمّا عدمه فلو استمر إلى زمان وجود ما يكون قابلا لأن يستمرّ هذا العدم فيه و أن يطرأ عليه نقيضه فاتّصافه بالنّعتية لا إشكال فيه و أمّا حين عدم وجود المعروض فلا معنى لأن يكون العدم نعتا للعدم مع أن الأعدام لا ميز لها فأصالة العدم النّعتي غير الاستصحاب لا أساس لها و أمّا الاستصحاب فجريانه أيضا يتوقف على وجود معروض يستمرّ العدم المحمولي إلى زمان وجوده فلو شكّ في أنّ البائع قادر أو عاجز يستصحب عجزه السّابق مثلا و أمّا العدم المحمولي الّذي يشكّ في استمراره في أوّل وجود المعروض كالقرشية و مخالفة الشّرط للكتاب و نحو ذلك فالاستصحاب أيضا غير جار إلّا بمفاد ليس التامّة و هو لا أثر له و إجراؤه لإحراز النعتيّة مثبت

و على أيّ حال ففي باب تقابل العدم و الملكة الّذي هو أحد فردي تقابل الوجود و العدم غاية الأمر هو عدم ما من شأنه أن يتّصف بالوجود لا يجري هذا النزاع بل لا بدّ من الالتزام بشرطيّة القدرة إذ العجز أمر عدميّ غير قابل لأن يكون مانعا إذ المانع هو الأمر الوجودي الّذي يمنع عن تأثير المقتضي ثم لو سلّم إطلاق المانع عليه فلا ثمرة لهذا النّزاع سواء جعل القدرة شرطا أم العجز مانعا لأن منشأ الشكّ في القدرة أو العجز تارة هو الشبهة الحكميّة أو المفهوميّة كالشكّ في أنّ الخارج عن عمومات الصّحة هو العجز المستمر أو العجز في الجملة أو الشكّ في أنّ العجز يعمّ التعسّر أو يختصّ بالتعذّر

و أخرى هو الشّبهة الخارجيّة فإذا كان من جهة الشكّ في الحكم فلا شبهة في أن أصالة العموم متبعة و إذا كان من جهة الشكّ في المفهوم كالمثال الثّاني فحيث إنّ المخصّص المنفصل لا يسري إجماله إلى العام يتمسّك بالعام فلا ثمرة للنّزاع بين شرطيّة القدرة و مانعيّة العجز و لو كان من جهة الشبهة الخارجية فإذا كانت الحالة السابقة من العجز أو القدرة معلومة فالمرجع هو الاستصحاب و لو لم تكن معلومة يجب الفحص أو الاحتياط كما هو الشّأن في جميع موارد الشكّ في القدرة فلا ثمرة للنّزاع أيضا

و لا يمكن أن يقال الأصل عدم العجز لأنّ العجز حيث إنّه عدميّ فمرجع الأصل إلى أنّ الأصل

ص: 384

عدم القدرة و لهذا لا أساس له بلا إشكال

قوله قدّس سرّه ثم إنّ العبرة في الشرط المذكور إنّما هو في زمان استحقاق التّسليم إلى آخره

لا يخفى وضوح ما أفاده قدّس سرّه سواء قلنا بأنّ التّسليم من الشّروط الضّمنية أو من باب التعبّد إمّا للإجماع و إمّا لاستفادته من النبويّين و ذلك لأنّ مناط هذا الشرط هو وصول العين إلى من انتقل إليه حين استحقاقه له فالقدرة حين العقد لا أثر لها إذا لم تكن المعاملة نقديّة و علم بعدمها حال استحقاق التّسليم كما لا يقدح عدمها حال العقد إذا كانت حاصلة حين لزوم التّسليم كما في السّلم و على هذا فلا تعتبر أصلا فيما إذا كانت العين في يد المشتري و فيما لم يعتبر التّسليم فيه رأسا كما لو باع من ينعتق على المشتري لأنّه بعد فرض صحّة هذا البيع إجماعا و بعد عدم إمكان الاستيلاء على العمودين فلازم ذلك عدم اعتبار هذا الشّرط في هذه المعاملة فلا يقال إن انعتاق المبيع من أحكام البيع و لا تترتّب عليه أحكامه إلّا إذا كان واجدا لشرائط الصّحة و منها القدرة على التّسليم فكيف يسقط ما يعتبر في صحّته بما يترتّب عليه من الأحكام

و هكذا لا يعتبر القدرة حال العقد فيما إذا لم يستحقّ التّسليم بمجرد العقد إمّا لاشتراط تأخيره مدّة و إمّا لتزلزل العقد كما إذا اشترى فضولا و إشكال المصنف قدّس سرّه في الفضولي على الكشف غير وارد لأنّه سواء قيل بالكشف أو النّقل فما لم تتحقّق الإجازة لا يستحقّ المطالبة و إن كان مالكا حال العقد بناء على الكشف إذ لا ملازمة بين الملكيّة و استحقاق التّسليم

و بعبارة أخرى العاقد الفضولي لا يجب عليه التّسليم رأسا و من يجب عليه هو المالك و هو ملزم به بعد إجازته الموجبة لاستناد البيع حين صدوره إليه فما لم يجز لا يكون مخاطبا ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لا ملزما بتسليم ما باعه الفضولي حتى بناء على الكشف و اللّزوم من طرف الأصيل لا يختصّ بباب الكشف بل قد تقدّم منّا أنه ملزم بالعقد حتّى بناء على النّقل فإذا استلزم الغرر بالنّسبة إليه فلا فرق بين الكشف و النّقل و لا بين الفضولي من طرف واحد أو من الطّرفين لأنّه لو سبق إجازة أحدهما على الآخر مدّة فبين الإجازتين يقع المجيز الأوّل في الخطر و لكن قد عرفت أنّه ما لم تتحقّق الإجازة لا يستحقّ التّسليم

و بهذا المناط نقول بعدم لزوم التّسليم في الخيارات الزّمانيّة كالمجلس و الحيوان و نحو ذلك فإنّ لزوم التّسليم و اشتراط القدرة عليه إنّما هو بعد تماميّة أركان العقد و استحقاق المشتري التسلّم و أمّا إذا لم يتحقّق أركان العقد أو لم يستحقّ المنتقل إليه التسلّم فلا وجه لاعتبار هذا الشرط رأسا

و بالجملة لو سلّم وقوع الأصيل في الخطر فلا فرق بين النّقل و الكشف و لا بين الفضولي من طرف واحد و من الطّرفين لو سبق إجازة أحدهما على الآخر مدّة معتدّ بها إلّا أنّ وقوعه في الخطر ممنوع لأنّه لو وجب عليه التّسليم بمجرّد إيقاعه العقد مع الفضولي و لم يستحقّ التسلّم يقع في الخطر و أمّا إذا كان التّسليم و التسلّم من أحكام العقد التامّ و عقد الفضولي لم يكن تامّا إلّا بعد إجازة المالك و لو على الكشف فكيف يقع في الخطر و مجرّد لزوم العقد من طرف الأصيل و عدم جواز تصرّفه فيما انتقل عنه بالتّصرف المنافي للعقد الواقع مع الفضولي لا يوجب وقوعه في الخطر إذا لم يجب عليه التّسليم و كان منافع ما انتقل عنه له ما لم تتحقّق الإجازة نعم لو لم يكن للإجازة دخل في تحقّق الملك و كانت أمارة صرفة و الملك حاصلا من أوّل الأمر لكان لوقوعه في الخطر وجه و أمّا مع مدخليّتها في تحقّق الملكيّة فلا وجه له أصلا

و ينبغي التّنبيه على أمور

ص: 385

الأوّل أنّ المصنف جمع في قوله و يتفرّع على ذلك عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري و فيما لم يعتبر التّسليم فيه رأسا إلى آخره بين ما لا يمكن التسليم فيه خارجا و ما لا يمكن شرعا و جمع أيضا بين ما يكون التّسليم فيه من شرائط تأثير العقد كالصّرف و السّلم و الرهن و ما يكون من شرائط تأثيره غير التّسليم كإجازة المالك لعقد الفضولي و إجازة المرتهن لعقد الرّاهن و جمع بين ما لا يعتبر فيه التّسليم كالمثالين الأوّلين و ما لا يجب لاشتراط تأخيره مدّة أو لتزلزل العقد مع أنّه لا يجمعها ضابط واحد أمّا المثال الأوّل فعدم اعتبار القدرة فيه ليس لعدم اشتراط هذا العقد بها بل إنّما هو لحصول النتيجة و أمّا المثال الثاني فلا يجب فيه التّسليم شرعا من باب عدم بقاء الملك لمشتري العبد و أمّا مسألة اشتراط التّأخير مدّة فلا يجب فيه التّسليم مع تماميّة أركان العقد من باب الاشتراط فيدخل تحت ضابط الخيارات الزّمانيّة و هذا بخلاف عقد الفضولي فإنّه لا يجب التّسليم عليه لعدم ارتباط العقد به و لا على المالك لعدم استناد العقد إليه قبل الإجازة

ثم كان الأولى أن يفرّق قدّس سرّه بين الفضولي و الرّهن بأن يفرض عدم القدرة بالنّسبة إلى المالك عدم القدرة الخارجيّة و أمّا في عقد الراهن فعدم قدرته إنّما هو للعجز الشّرعي

و على أيّ حال لا فرق بين عقد الصرف و السّلم و الرّهن و سائر العقود فإذا كان العجز عن التّسليم مانعا عن تأثير العقد أو موجبا للخيار فكذلك في باب الصّرف و السّلم و الرّهن لأنّ القبض و إن كان شرطا في هذه العقود الثلاثة دون غيرها إلّا أنّه ليس جزءا للسّبب النّاقل و ليس حكمه حكم القبول و إنّما هو شرط للملكيّة في باب الصّرف و السّلم

و أمّا الإلزام و الالتزام العقدي فقد تحقّق بنفس العقد و لذا اختار المشهور وجوب التّقابض كما سيجي ء في خيار المجلس و يدلّ عليه قوله ع فإن نزى حائطا فانز معه الوارد فيمن تفرّق بدون رضا صاحبه فإذا كان العقد تامّا تكون القدرة على التّسليم شرطا في الصّرف و نحوه فلو تعذّر يفسد العقد كما في سائر العقود نعم لو كان القبض جزءا للعقد كما هو المحتمل في عقد الرّهن فحيث لا عقد إذ لا قبض فالعجز عن التّسليم لا أثر له لأنّه بعد حصول التّسليم لا موضوع لوجوبه و قبله لا عقد إلّا على ما احتمله المصنف قدّس سرّه من صدق الغرر عرفا و إن لم يصدق بالدّقة العقليّة

و لكنّه قدّس سرّه استشكل فيه بأن صدق الغرر عليه إنّما هو بالنّظر البدويّ و العرف بعد الاطّلاع على الحكم الشّرعي و هو أن أثر المعاملة لا يتحقّق إلّا بعد التّسليم لا يحكمون بأنّه غرري ثم أمر بالتأمّل و وجهه أنّ الحكم الشّرعيّ بلزوم القبض لا يرفع الغرر مع العجز عن تسليم الثّمن في بيع السلم

الثّاني لا فرق في جهة الفساد بين ما كان المشتري عالما بعجز البائع و ما كان جاهلا سواء اعتبرنا القدرة على التّسليم من باب القاعدة لدخلها في مناط ماليّة الأموال أو اعتبرناها لحديث نفي الغرر لأنّ علم الطرف لا يوجب تحقّق ملاك الماليّة و لا يرفع الغرر إلّا إذا فسّر بالخديعة و هو خلاف الظّاهر

الثّالث أنّ هذا الشّرط ليس كسائر الشّرائط المعتبرة في العقود في كون المدار على وجودها الواقعي سواء كانت معلومة أو مجهولة بل يعتبر مضافا إلى ذلك علم العاقد به فلو كان في الواقع قادرا و لكنّه اعتقد عجزه لا يمكنه الالتزام العقدي و لا يرفع الخطر و مقتضى ذلك فيما لو كان في الواقع عاجزا و لكنّه اعتقد قدرته فتبيّن عجزه في زمان يعتبر فيه التّسليم هو البطلان أيضا لا الصّحة و إعطاء بدل الحيلولة لأنه لم يقم دليل على

ص: 386

كون الاعتقاد تمام الموضوع حتى نحكم بصحّته و يتدارك المتعذّر تسليمه ببدل الحيلولة أو إجراء حكم التّلف قبل القبض عليه

الرابع بعد ما اعتبرنا القدرة على التّسليم حال الاستحقاق فلو تعذّر مدّة فمقتضاه الفساد سواء كانت المدّة مضبوطة أو لا إلا إذا كانت قليلة جدّا بحيث لا يعدّ التعذّر في هذه المدّة تعذّرا و إلّا فمجرّد كون المدّة مضبوطة لا يقتضي كون التّسليم مقدورا للبائع حال استحقاق المشتري للتسلّم نعم إذا علم المشتري بعجز البائع في مدّة معيّنة و قدرته بعد ذلك لا يبعد أن يكون شراؤه و الحالة هذه متضمّنا لاشتراط تأخير التّسليم مدّة التعذّر

الخامس لو كان المالك عاقدا بالمباشرة فلا إشكال في أنّ المعتبر قدرة نفسه و أمّا لو كان العاقد غيره فلو كان الغير وكيلا في إجراء الصّيغة لا غير فلا أثر لقدرته و عجزه كما لا عبرة بعلمه و جهله بشرائط طلاق زوجة موكّله و أمّا لو كان وكيلا مفوّضا فلا إشكال في كفاية قدرته و في كفاية قدرة موكله لو كان عاجزا وجهان و الأقوى كفايته سواء علم المشتري بذلك أم لا لأنّه إذا كان مناط اعتبار القدرة وصول المال إلى المنتقل إليه حين استحقاقه فلو كان كلّ من الوكيل أو الموكل قادرا على التّسليم يكفي في المناطيّة و هذا لا ينافي شرطيّة القدرة في صحّة الالتزام العقدي من الوكيل و ذلك لأنّه و إن كان عاجزا عن التّسليم إلّا أنّه من حيث كونه بمنزلة الموكل و كونه بدنا تنزيليّا له يكفي قدرة الموكل في صحّة التزام التّسليم من الوكيل

و بالجملة ما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ الطّرف إذا اعتقد قدرة الوكيل لا يشترط علمه بقدرة الموكل و إذا علم بعجزه يعتبر علمه بقدرة الموكل هو الصّحيح الّذي يبتني عليه قاعدة الطّوليّة فإنّه لو اعتقد قدرة الوكيل يصحّ الالتزام العقدي من المشتري و يتحقّق منه الإقدام على الشراء و إن كان الوكيل في الواقع عاجزا و هذا بخلاف ما إذا كان كلّ من الوكيل و الموكل عاجزا عن التّسليم فإنّ البيع فاسد إذا فرضنا عدم قدرة المشتري أيضا على التسلّم و خياري إذا كان قادرا

و في الجواهر أنّه ربما قيّد الحكم بالكفاية بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكل و رضي الموكل أيضا برجوع المشتري إليه و بنى عليه بطلان عقد الفضولي لأنه عاجز عن التّسليم و قدرة المالك إنّما تؤثر لو بني العقد عليها و حصل التّراضي بها حال البيع لما عرفت أنّ في بيع المأذون لا يكفي قدرة الإذن مطلقا بل مع الشّرط المذكور و هو غير متحقّق في الفضولي و البناء على القدرة الواقعيّة باطل إذ القدرة المشروطة هي القدرة المعلومة دون الواقعيّة و القدرة الواقعيّة من الفضولي على التّسليم إنّما تتحقّق بإجازة المالك عقد الفضوليّ لا قبلها و المعتبر هو القدرة حال العقد إلى أن قال و لا يقال قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك فيتحقّق له بذلك القدرة على التّسليم حال العقد

فأجاب عنه بأنّ هذا يخرج الفضولي عن كونه فضوليا لأنه يدخل بذلك في المأذون بالفحوى و شاهد الحال و لو سلّمنا بقاءه على صفة الفضولي إلّا أنّ القائلين بصحّة الفضولي لا يقصّرون الحكم على هذا الفرض انتهى ملخّصا و الظّاهر أنّ صاحب هذا الكلام هو صاحب المصابيح قدّس سرّه و لا يخفى ما فيه أمّا أوّلا فلأنّ أصل تخصيص الحكم بكفاية قدرة الموكل بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكل و رضي هو أيضا برجوع المشتري إليه فاسد لأنّ المناط في اعتبار القدرة هو وصول المال إلى المنتقل إليه فيصحّ أن يلتزم الوكيل بالتّسليم من باب كونه بدلا عن المالك و بما أنه مفوّض إليه البيع و لا يشمله حديث نفي الغرر أيضا لأنه مع قدرة الموكل

ص: 387

لا غرر على المشتري

و ثانيا الفضولي خارج عن باب العجز عن التّسليم تخصّصا و هو أسوأ حالا من الوكيل في أجزاء العقد الّذي لا شبهة في أنّ قدرته و عجزه لا أثر له فإنّه لا يرتبط به العقد حتّى يكون عجزه موجبا لبطلانه و

ثالثا لا وجه لاعتراضه على ذلك بقوله لا يقال قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك حتى يجيب عنه أولا و ثانيا لأنه لو اعتبر قدرة العاقد إلّا إذا رضي المشتري بتسليم الموكل فمجرّد وثوق الفضولي بإرضاء المالك لا يوجب قدرة الفضولي و ليس في البين رضاء من المشتري بتسليم المجيز و لا رضا من المالك برجوع المشتري إليه فلا محلّ لهذا الاعتراض

و بالجملة لا شبهة في أنّ مع قدرة كلّ من الموكل و الوكيل في تسليم المبيع يصحّ البيع

[مسألة لا يجوز بيع الآبق منفردا]

قوله قدّس سرّه مسألة لا يجوز بيع الآبق منفردا إلى آخره

هذا هو التّنبيه السّادس المتفرّع على عدم صحّة بيع ما لا يقدر على تسليمه سواء جعلنا مدرك الفساد و عدم صحّة الالتزام العقدي انتفاء مناط ماليّة المال أو جعلنا مدركه نفي الغرر المستلزم للجهل بجميع معانيه و مقتضى ذلك عدم الفرق بين الآبق و المجحود بغير بيّنة لمالكه و الضّال و المغصوب و نحو ذلك و عدم الفرق بين اليأس عن حصوله و رجائه لأنّه على جميع التّقادير لا يصحّ الالتزام العقدي بالتّسليم منجّزا و لا يندفع الغرر بمجرّد احتمال الحصول

ثم إنّ موضوع البحث و إن كان المبيع إلّا أنّه بناء على القاعدة المتقدّمة ينبغي أن لا يفرّق بينه و بين الثّمن

نعم بناء على النصّ يمكن الاختصاص بالمبيع لو لم يكن المرسل و هو نهي النّبي ص عن الغرر معمولا به على الإطلاق و لكن الظّاهر كونه معمولا به و لذا يجرون حكم البيع على سائر المعاوضات من الإجارة و المزارعة و المساقاة و نحو ذلك

نعم الصّلح المبنيّ على التّسالم و المسامحة لا يجري فيه حكم البيع و كيف كان فلا يمكن منع الغرر من باب أنّه بعد اليأس يكون المبيع في حكم التّلف قبل القبض المقتضي لانفساخ البيع أو من باب أنّ المشتري ما لم يتسلّم المبيع لا يجب عليه تسليم الثّمن فلا خطر عليه و إن لم يفسخ المعاملة لرجاء حصول المبيع لأنّ هذه الأحكام الشرعيّة إنّما تترتّب على العقد الصّحيح في حدّ نفسه فلا يمكن إثبات الصّحة بما يترتّب على الصّحيح و إلّا لزم أن يكون الحكم حافظا لموضوعه

نعم في هذه الصّورة لو اشترط المشتري الخيار لنفسه بين الفسخ و الإمضاء فلا يبعد أن يقال بعدم صدق الغرر كما أنّه لو اشترط البائع الضّمان على نفسه فكذلك و ذلك للفرق بين ما يترتّب على البيع الصّحيح و ما أخذ في نفس العقد فإنّ الأوّل لا يرفع الغرر لأنّ ترتّبه عليه فرع عدم كونه غرريّا في نفسه و أمّا ما أخذ قيدا في العقد فيلاحظ الغرر فيه بالنّسبة إلى المجموع من القيد و المقيّد

السّابع مقتضى القاعدة بطلان البيع و لو جعل مجهول الحصول جزء المبيع لأنّ جعل جزء من الثّمن مقابل المجهول غرريّ إلّا أنّه ثبت بالنّص جواز بيع الآبق مع الضّميمة ففي صحيحة رفاعة النّخاس قلت لأبي الحسن ع أ يصلح أن أشتري من القوم الجارية الآبقة و أعطيهم الثّمن و أطلبها أنا قال لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري منهم ثوبا أو متاعا فتقول لهم أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما فإنّ ذلك جائز

و موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه ع في الرّجل قد يشتري العبد و هو آبق عن أهله قال لا يصلح إلّا أن يشتري معه شيئا فيقول أشتري منك هذا الشّي ء و عبدك بكذا و كذا درهما فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه و الرّوايتان وردتا بطرق متعدّدة فلا إشكال في سندهما بل مقتضى ما ورد في باب ضمّ الضّميمة إلى مجهول الوجود كاللّبن في الضّرع و ما في البطون

ص: 388

من الحمل هو صحّة بيع الآبق مع الشكّ في حياته فضلا عن الشكّ في حصوله فأصل الحكم في الجملة لا إشكال فيه إنّما الكلام في اختصاص الصّحة بما إذا كان الآبق مرجوّ الحصول أو يصحّ مطلقا قولان و الأقوى هو الأوّل لأنّ ظاهر الرّوايتين هو رجاؤه لقوله و أطلبها أنا في الأولى و قوله في الثّانية فإن لم يقدر على العبد الظّاهر في أن مفروض السؤال كان مع رجاء القدرة فالمتعيّن هو الاقتصار على ظاهر النّص

نعم بناء على صحّة الشّرط المجهول ففي مورد الشكّ أيضا يصحّ على نحو الاشتراط لا جعله جزءا للمبيع ثم إنّ ظاهر الرّوايتين اعتبار كون الضّميمة ممّا يصحّ بيعها منفردا فلا يجوز ضمّ ما لا يجوز بيعه أصلا كالمنفعة و لا ما يجوز بيعها منفردا و إن صحّ مع الضّميمة أمّا الشّرط الأوّل فلأنّ ظاهرهما أنّ الضّميمة جزء للمبيع فكان البيع ينحلّ إلى بيعين فإنّ قوله ع فتقول لهم أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع و قوله فيقول أشتري منك هذا الشّي ء و عبدك ظاهر في تعلّق الشّراء بكل من الضّميمة و الآبق فلا بدّ من اشتمالهما على الشّرائط غاية الأمر أنّ العلم بحصول الآبق غير لازم إلّا أنّه يعتبر قابليّة الضّميمة للشراء و المنفعة لا يصحّ شراؤها و أمّا اعتبار كونها ممّا يصحّ بيعها منفردة فلأنّه لو ضمّ ما يتعذّر تسليمه إلى مثله لا يوجب صحّة بيع ما يفسد بيعه فعلى فرض إطلاق الرّوايتين من هذه الجهة إلّا أن مناسبة الحكم و الموضوع توجب تقييده

ثم لا يخفى عليك أنّ مجرّد اليأس عن الظّفر بالآبق لا يجعله في حكم التّلف حتى يقع البحث في أن أحكام التّلف قبل القبض يجري في ذلك أو لا فإنّ موضوع البحث في قاعدة التّلف هو التّلف الحقيقي و ظاهر المتن أنّه لو تلف قبل اليأس ففي تلفه على المشتري وجهان و لكنّ الأقوى أنّه لا يوزّع الثمن على الآبق فلو تلف لا يرجع المشتري إلى البائع لأنّه جعل في الرّوايتين الثّمن بإزاء الضّميمة في مورد عدم القدرة على الآبق و لا فرق في عدم القدرة عليه بين تلفه أو اليأس من حصوله و مقتضى ذلك أنّه لو تلف الضميمة قبل القبض فإن كان قبل حصول الآبق يردّ الثمن بأجمعه و لو كان بعده يوزّع الثمن لأنّه ما دام آبقا لا يقابله شي ء من الثمن فإذا انفسخ العقد بالنّسبة إلى الضّميمة إمّا لتلفها أو لخيار يختصّ بها كما إذا كانت حيوانا يبطل بيع الآبق أيضا ثم إنّه لو كانت الضّميمة من مالك آخر ففي صحّة العقد كلام و لو أجازه

[و من شرائط العوضين عدم الغرر]
[مسألة المعروف أنّه يشترط العلم بالثّمن قدرا]

قوله قدّس سرّه مسألة المعروف أنّه يشترط العلم بالثّمن قدرا إلى آخره

الظّاهر أنّ من شرائط صحّة البيع اتّفاقا هو العلم بمقدار الثّمن و لعلّ منشأ الاتّفاق هو الحديث المتقدم المشهور بين الفريقين و هو نهي النّبي ص عن بيع الغرر أو عن الغرر و قد عرفت أنّ الغرر بجميع معانيه يستلزم الجهل فالبيع بحكم أحدهما باطل

و يؤيّده التّعليل في رواية حمّاد بن ميسر عن جعفر عن أبيه ع أنه كره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يدري كم الدينار من الدّرهم فإنّه إذا كان استثناء الدّرهم من الدّينار موجبا للجهل بالثّمن لعدم العلم بنسبة الدّينار من الدّرهم فالبيع بحكم أحدهما أولى بأن يكون باطلا لأنّ الثّمن مجهول رأسا و لا ينافي ذلك ما في صحيحة رفاعة النّخاس الظّاهر في صحّة البيع بحكم المشتري لأنّ الظّاهر من هذه القضية أن بائع الجارية وكّل المشتري في تعيين القيمة لا أنّه باعها بثمن يعيّنه بعد المعاملة مع أنّه لا يمكن الأخذ بظاهر هذه الصّحيحة لأنّه لو كان البيع بحكم المشتري جائزا لم يكن وجه لقوله ع أرى أن تقوّم الجارية بقيمة عادلة

و بالجملة لا إشكال في تفاوت ماليّة الأموال بحسب

ص: 389

المقدار و الكميّة فلا بدّ من العلم بها و لا يصحّ جعل الثمن أو المثمن قابلا للانطباق على القليل و الكثير بل يستفاد من الأخبار الواردة في خصوص المكيل و الموزون وجوب الوزن و الكيل فيهما و كذا وجوب العد في المعدود إلّا أن يكون أحد هذه الأمور طريقا للآخر كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه ع أنّه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه فيكال بمكيال ثم يعدّ ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد قال لا بأس

و على هذا فإن كان الشي ء مذروعا كالثّياب و نحوه فلا بدّ من ذرعه إلّا إذا كان الوزن طريقا لذرعه كالأقمشة المصنوعة بالمكائن فإنّها يعلم مقدار أذرعها بوزنها ثم إنّ ظاهر الأخبار الواردة في المكيل و الموزون و المعدود وجوب اعتبار الكيل و الوزن و العدّ فيها سواء كان عدمها غرريّا أو لا فكون الغرر شخصيّا أو نوعيّا لا دخل له في هذه الأبواب إلّا أنّ هذا الظهور متبع فيما كان مقدار ماليّة المال غير محرز إلّا بالكيل أو الوزن أو العد و أمّا إذا أحرز بالمشاهدة و نحوها فيصحّ بيعه بلا تقديره بهذه الأمور

و لذا جرت السّيرة على بيع مقدار من الدّهن و الجبّتين و الثلاثة من الحنطة و زبرة من الحديد لخروج هذه الأشياء عن أدلّة اعتبار الوزن

و توضيح ذلك أنّ المخصّص المنفصل إذا كان مجملا مفهوما يخصّص العموم به بالقدر المتيقّن منه و يتمسّك بالعموم في المشتبه ففي المقام مقتضى عمومات أدلّة البيع عدم اعتبار الكيل و الوزن و لا العدّ و الذّرع إلّا أنّه ثبت في الجملة اعتبار هذه الأمور و لكن الدّليل الدالّ عليه لا إطلاق له

أمّا دليل العدّ فلأنّه ليس إلّا رواية الجوز و هي ناظرة إلى جهة أخرى و هي كفاية الكيل عن العدّ و لا تدلّ على اعتبار العدّ إلّا لاستفادة كونه مفروغا عنه عند السّائل و أمّا خصوصيات اعتباره فالدّليل مجمل بالنسبة إليها

و أمّا أدلّة الكيل و الوزن فأظهرها هو ذيل صحيحة الحلبي و هو قوله ع و ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فإنّه لا يصلح مجازفة هذا ممّا يكره من بيع الطعام و ظهورها في اعتبار الكيل في المكيل لا شبهة فيه إلّا أنّها تختصّ بما كان مناط مقدار ماليّته الكيل أو الوزن مثلا و أمّا لو كان مناطه العدد و إن كان الوزن فيه ملحوظا أيضا بحيث إنّه لو نقص عن هذا الوزن كان معيوبا فلا يضرّ عدم كيله أو وزنه و كذلك تختصّ بما إذا كان عدم كيله مستلزما للجزافيّة و أمّا إذا خرج عنها و لو لكونه مضبوطا في نفس الأمر و إن كان مجهولا عند المشتري بل البائع فلا يضرّ عدم كيله و وزنه و بهذا المناط يحكم بصحّة المعاملة بالدّراهم و الدّنانير و إن لم يعلم مقدارهما من حيث الوزن فإنّ السكّة طريق إلى مقداره المقرّر عند السّلطان

و بهذا الوجه فصل الصّادق ع بين الدّراهم الوضاحيّة و غيرها فإنّ الدّراهم الوضاحيّة هي الدّراهم الصّحيحة الّتي لا تنقص عن الوزن شيئا و أمّا غيرها فمن جهة نقصانها الموجب للغش نهي عن المعاملة بها إلّا بعد بيان مقدار نقصها و بالجملة عدم اعتبار الكيل و الوزن في الدّراهم و الدّنانير إمّا لكون مقدار ماليّتها بالعدد و الوزن بمنزلة وصف الصحّة و إمّا لأنّ السكّة طريق إلى مقدارها فيخرج عن كونه من بيع الجزاف

و كيف كان فلا شبهة في صحّة بيع ما يكال بكيل مجهول عند المشتري كالغريب الوارد إلى بلد فإنّه و إن لم يعلم غير العراقي بمقدار الحقّة و لا العراقيّ بمقدار المنّ الشّاهي أو التبريزيّ إلّا أنّ المنّ أو الحقّة حيث إنّه مضبوط في الواقع يخرج المعاملة به عن كونها معاملة جزافيّة

ص: 390

و حاصل الكلام أنّه يستفاد من أدلّة اعتبار الكيل و الوزن أمران أحدهما أنّ اعتبارهما إنّما هو لكونهما طريقا إلى مقدار الشّي ء و كميّته فلو كان له طريق آخر كسكّة السّلطان و نحوها فلا دليل على اعتبارهما و بهذا المناط يصحّ شراء المكيل بلا كيل لو أخبر البائع بكيله و كان موثوقا به و يصحّ كيل المعدود و وزن المكيل ثانيهما كون البيع بدونهما جزافيا فلو لم يكن كذلك يكفي الكيل و الوزن و إن لم يعرف المشتري مقدارهما و بهذا يصحّ بيع مقدار من الطعام بما يقابله في الميزان من جنسه أو من غيره المساوي له في القيمة

و على أيّ حال يستفاد من هذه الأدلّة أنّ الجهل بمقدار المبيع يوجب البطلان سواء كان غرريّا أو لا و في نفس هذه الأخبار لم يعلّل مانعيّة الجهل بالغرر حتّى يبحث في أنّه حكمة للتشريع فيكون المدار على النّوع أو علّة للمجعول فيكون المدار على الغرر الشّخصي و على فرض التّعليل به فلا شبهة أنّه حكمة

و بيان ذلك أنّه قد بيّنا في قاعدة لا ضرر أنّه لو علّق الحكم على عنوان كالضّرر و الحرج و نحوهما يكون ذلك العنوان موضوعا للحكم و يدور الحكم مداره و بذلك يكون لا ضرر أو لا حرج حاكما على أدلّة الأحكام و لا محالة يكون الضّرر أو الحرج المنفيّ شخصيّا

و أمّا لو علّق الحكم على عنوان آخر غير عنوان الضّرر و الحرج و علّل بهما فلا محالة يكونان علّة للتشريع و لا يطّرد و لا ينعكس فيكون نوعيّا و الحرج ورد على كلا الوجهين ففي الحديد يكون الحرج حكمة لرفع نجاسته و في مثل مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ يكون حاكما على أدلّة الأحكام

و أمّا نفي الضّرر فكونه حاكما على أدلّة الأحكام لا إشكال فيه كما في قضيّة سمرة و أمّا كونه علّة للتشريع فيتوقّف على ورود هذا اللّفظ منه صلّى اللّٰه عليه و آله في ذيل حكمه بالشّفعة أو حكمه بكراهة منع فضل الماء و أمّا في المقام فلم يرد منه ص إلّا النّهي عن الغرر إمّا مطلقا أو في البيع من دون تعليله بعلّة فكون الحكم دائرا مدار الغرر الشّخصيّ أو النوعيّ لا موضوع له لأنّ نفس عنوان الغرر إذا كان متعلّقا للنّهي فلا محالة يدور الحكم مداره

نعم لهذا البحث مجال إذا استفيد من أدلّة اعتبار الكيل أو الوزن كون عدمه غرريّا فحيث إنّ اعتبارهما و كذا اعتبار العدد إنّما هو لرفع الغرر فلا محالة يكون الحكم ثابتا و لو لم يكن غرر و أمّا في الذّرع فلا دليل عليه إلّا نفي الغرر و نهيه ص عنه فلا بدّ أن يكون المدار على تحقّق الغرر

و لكنّك خبير بأن التّفصيل في الأبواب الأربعة لا يمكن الالتزام به للقطع باتّحاد أحكامها فلا بدّ أن يقال إذا كان إحراز مقدار ماليّة المال بالكيل أو الوزن فالجهل به يوجب فساد المعاملة و لكن ذلك إنّما هو بالنظر إلى الأمرين المتقدّمين و هما عدم طريق آخر لإحرازه و كون البيع بدون العلم بالمقدار جزافيّا و أمّا لو لم يكن كذلك كبيع مقدار من الطعام بما يقابله من جنسه فلا خصوصيّة لها أيضا

و ممّا ذكرنا ظهر ما في

[مسألة لو قلنا باعتبار الغرر الشّخصي]

قوله قدّس سرّه مسألة لو قلنا بأنّ المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل و الموزون و المعدود بما يتعارف التقدير به هو حصول الغرر الشّخصي فلا إشكال في جواز تقدير كلّ منها بغير ما يتعارف تقديره به إذا انتفى الغرر بذلك إلى آخره

و ذلك لما عرفت من أنّه لم يعلّل اعتبار هذه التقديرات بالغرر

نعم يمكن أن يدّعى أنّ حكمته سدّ باب الغرر المؤدّي إلى التّنازع و على هذا فلا يدور الحكم مدار الغرر بل لا بدّ من التقدير بأحد هذه الأمور إنّما الكلام في أنّه هل يختصّ كلّ واحد منها بما يتعارف التقدير به أو يجوز التّقدير بأحد هذه الأمور مطلقا أو يفصل بين الوزن و غيره فيكتفي به في الجميع

ص: 391

دون غيره و الأقوى هو الأوّل

و توضيح ذلك أنّه لا شبهة أنّ للوزن دخلا في ماليّة الأموال غالبا حتى في المعدود إذا كان مأكولا فإنّ الجوز و البيض و نحوهما يختلف قيمته باختلاف وزنه و قد يتّفق مدخليّة عدد الشّي ء أو كيله أو ذرعه في ماليته و على هذا فإذا كان لحجم الشّي ء دخل في الماليّة لا يكفي الوزن عن الكيل كما أنّه لو كان للذّرع أو العدد دخل في الماليّة لا يكفي الوزن عنه

نعم يصحّ جعل الوزن طريقا إلى الذّرع أو العدد أو الكيل إذا ثبت طريقيّته لها بالامتحان و التّجربة و على هذا فلا نعرف وجها محصّلا لما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ الكلام تارة في كفاية كل من التّقديرين في المقدّر بالآخر من حيث جعله دليلا على التّقدير المعتبر فيه و أخرى في كفايته فيه أصلا من غير ملاحظة تقديره المتعارف لأنّ الكلام إمّا فيما لا دخل لغير الوزن في ماليته و إمّا فيما له دخل فيها فإذا كان المناط منحصرا في نفس المقدار لا يجوز تقديره إلّا بالوزن إلّا أن يكون غيره طريقا مضبوطا إليه بحيث لا يتخلّف عنه أصلا أو بمقدار يتسامح فيه

و إذا كان للعدد أو الحجم أو الذّرع أيضا دخل يجب مضافا إلى الوزن تقدير كلّ بما له دخل في ماليّته و لا يصحّ الوزن أو العدّ بدل الكيل و لا الكيل أو الوزن بدل العدّ إلّا أن يكون طريقا مضبوطا إليه بحيث لا يتخلّف عنه إلّا بمقدار يتسامح فيه

و لا يدلّ رواية وهب على تقدير ما يكال بالوزن و ما يوزن بالكيل لأنّ قوله ع لا بأس بالسّلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن ليس معناه أن كلّ واحد يصحّ بدلا عن الآخر بل معناه أنّ ثمن المكيل يمكن أن يكون موزونا و بالعكس

و بالجملة احتمال كفاية أحد التقديرين عن الآخر أصالة من غير ملاحظة التّقدير الآخر لا وجه له فيما كان لغير المقدار و الكمّ أيضا دخل في مقدار الماليّة و عدم كفاية جعل أحدهما طريقا للآخر لا معنى له إذا كان هو في الواقع طريقا معتبرا و أمّا إذا لم يكن طريقا مضبوطا إليه بل يتخلّف بما لا يتسامح فيه فلا معنى لجواز جعله طريقا و البناء على ذلك المقدار لأنّ البناء عليه لا يخرجه عن الجهالة و إلّا لصحّ بيع الموزون مشاهدة مع البناء على أنّه مقدار خاصّ و لا يمكن قياسه بإخبار البائع بالكيل فإنّه طريق معتبر شرعيّ

و حاصل الكلام أنّ نيّة كون شي ء طريقا أو لحاظ كونه أصلا أو البناء على كونه مقدارا بمقدار خاص و نحو ذلك من الأمور البنائيّة و القلبيّة لا أساس لها في باب المعاملات فالعمدة لحاظ الرّوايات الواردة في هذا الباب فلو دلّت على أنّ نفس الجهل بالمقدار يوجب فساد المعاملة سواء كان غرريّا أو لا يجب رفعه بأحد هذه المقادير كلّ منها في مورده أو بما هو طريق إليه و على هذا فلا وجه للتّفصيل بين الوزن و الكيل كما لا وجه لجعل أحد التقديرات دليلا على الآخر لو لم يكن هو بنفسه طريقا له فإن مجرّد لحاظه طريقا لا يرفع الغرر و إلّا لصحّ بيع الموزون مشاهدة مع البناء على كونه بالوزن الخاص

قوله قدّس سرّه بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشّي ء مكيلا أو موزونا إلى آخره

بعد ما ظهر الكبرى و أنّه يعتبر الكيل و الوزن في المكيل و الموزون و كذا العدد و الذرع في المعدود و المذروع فيقع البحث في الصّغرى و تعيين ما هو من المكيل أو الموزون أو المعدود أو المذروع و ما يصحّ بيعه مشاهدة

قد يقال باعتبار الوزن أو الكيل فيما بيع بهما في زمان الشّارع و حكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيها و نسب صاحب الحدائق ذلك إلى الأصحاب و منعه صاحب الجواهر قدّس سرّه و قال

ص: 392

إن لحاظ زمان الشّارع يختصّ بباب الرّبا و أمّا بالنّسبة إلى الغرر فلا مدخليّة لزمان الشّارع فيه و أشكل المصنف عليه بما حاصله أنّ الموضوع في كلتا المسألتين شي ء واحد و هو المكيل و الموزون و قد حمل عليه حكمان أحدهما عدم صحّة بيعه جزافا و الآخر عدم صحّة أخذ الزيادة في بيع بعضه ببعض و الإنصاف أنّ كلمات الأعلام في المقام مضطربة

و دعوى أنّ الموضوع في المسألتين شي ء واحد لا دليل عليها فالإيراد الثّاني من المصنف عليه غير وارد كما أنّه لا يرد عليه إيراده الأوّل بمجرّد عبارة المبسوط و التذكرة و قوله في المبسوط بلا خلاف لا يدلّ على الإجماع المعتبر عندنا فإنّ الإجماع و عدم الخلاف في اصطلاح القدماء محمول على أمر آخر غير الاتّفاق الكاشف عن رأي المعصوم فإذا لم يثبت الاتّفاق على اعتبار الكيل و الوزن فيما كان مكيلا أو موزونا في عصر الشّارع فلا بدّ من التشبّث بما تقتضيه القاعدة الكليّة حتى يكون المدار عليها إلّا ما ثبت خروجه عنها

فنقول قوله ع ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا لا يصلح مجازفة من القضايا الحقيقيّة الّتي أنشأ الحكم فيها على الموضوعات المقدّر وجودها فكل مصداق انطبق عليه هذا العنوان يشمله هذا الحكم سواء كان هذا المصداق مكيلا في عصر الشّارع أو لم يكن و كلّ ما لم تسم فيه الكيل أي لم يجعل له الكيل يصحّ بيعه بلا كيل سواء كان هذا الشّي ء مكيلا سابقا أو في خصوص عصر النّبي صلّى اللّٰه عليه و آله أو لم يكن

و بالجملة هذه القضيّة حقيقيّة كسائر القضايا الشرعيّة و على فرض اختصاصها بباب الرّبا بأن يقال المدار فيه على المصداق الخارجي من المكيل و الموزون و هو الّذي كان معنونا بهذا العنوان في عصر الشّارع بحيث إذا كان شي ء مكيلا في عصره لا يجوز التّفاضل عليه إلى يوم القيمة و لو بيع في العصر السّابق على عصره مشاهدة أو بيع بعد عصره كذلك إلّا أنه لم يقم دليل على أنّ المدار في الغرر على الكيل في زمانه ص بحيث إنّه إذا كان شي ء مكيلا في المدينة المنوّرة أو في سائر البلاد في عصره ثم يباع بغير كيل و وزن في الأعصار المتأخرة يبطل بيعه

و ما أفاده المصنف قدّس سرّه في قوله ثالثا إلى آخره لا يستقيم لأنّ حاصل ما ذكره مركب من مقدمتين أولاهما أنّ ما كان ربويّا في عصر الشّارع ربويّ إلى يوم القيامة و ثانيهما أن من شرط جريان الرّبا في معاملة كون الكيل و الوزن شرطا في صحّة بيعه فضمّ المقدّمة الثانية إلى الأولى ينتج أنّ ما كان مكيلا في عصر الشّارع لا بدّ أن يكال إلى يوم القيامة و ما كان موزونا لا بدّ أن يوزن و ما يباع في عصره جزافا يصحّ بيعه كذلك و إن تعارف وزنه لعزّته و قلّة وجوده

و السرّ في استفادة هذه النتيجة ظاهر لأنه لو قام الإجماع على أنّ ما كان ربويّا في عصره يكون ربويا إلى الأبد و ثبت أنّ شرط الرّبا هو أن يكون الكيل أو الوزن شرطا في صحّته فيثبت الملازمة بين كون الشي ء مكيلا في عصره و كونه مكيلا في الأعصار اللّاحقة

و لكنّك خبير بما فيه أمّا أولا فلمنع المقدّمة الأولى فإنّ ظاهر أدلّة الربا أنّه يدور الحكم مدار كون الشّي ء مكيلا أو موزونا و هذه قضيّة حقيقيّة يدور الحكم مدار تحقّق موضوعه في كل عصر و ذلك لا يستلزم النّسخ لأنه رفع الحكم عن موضوعه لا اختلافه بتبدّل موضوعه

و ثانيا على فرض تسليم هذه المقدّمة و الالتزام بأنّ كلّ ما كان ربويّا في عصر الشّارع فهو ربويّ إلى يوم القيمة بأن يقيّد عنوان المكيل و الموزون بما كان

ص: 393

مكيلا أو موزونا في عصره لا مطلقا إلّا أنّ اشتراط جريان الرّبا في معاملة بكون الكيل و الوزن شرطا في صحّة بيعه لا ينتج إلّا أنّه من جهة التخلّص عن الرّبا و عدم التّفاضل لا بدّ من الكيل و الوزن حتى يباع الشي ء متساويا و أمّا اعتبار الكيل و الوزن من جهة الغرر فلا يستنتج من هذه الشّرطيّة

و بعبارة أخرى كون جريان الربا في معاملة مشروطا بأن يكون الكيل و الوزن شرطا في صحّة بيعه بمنزلة شرط الوجوب و أمّا كون الربا في عصره مستلزما لجريان الرّبا إلى الأبد و ملازما لاعتبار الكيل أو الوزن في الأعصار اللّاحقة فهو بمنزلة شرط الواجب فيعتبر للتخلّص من الربا الكيل أو الوزن و أمّا اعتبار أصل الكيل و الوزن في صحّة المعاملة فلا دليل عليه

و حاصل الكلام أنّه لو سلّمنا قيام الإجماع على أنّ ما كان ربويا في عصر الشّارع فهو ربويّ دائما و سلمنا الملازمة بين كون الشّي ء ربويا و كون الكيل أو الوزن شرطا في صحّة بيعه بأن رتّبنا القياس الاستثنائي و هو أن كلّ ما كان ربويا يشترط في صحّة بيعه الكيل أو الوزن و هذا ربوي فيشترط في صحّة بيعه الكيل أو الوزن إلّا أنّ هذا الإجماع مع هذا القياس لا ينتج إلّا ضدّ ما قصده المصنف قدّس سرّه لأنّ توقّف جريان الربا في معاملة على كون الكيل أو الوزن شرطا في صحة بيعه لا يخلو إمّا أن يكون منشؤه هو التخلّص عن الرّبا بحيث إنّه لو جعل الأثمان مقابل هذا الشّي ء لا جنسه يصحّ بيعه بلا كيل و لا وزن و إمّا أن يكون منشؤه أنّ قوام ماليّته بالتقدير لكونه في غاية العزّة و الغلاء

و على كلا التقديرين لا ينتج ما قصده بل التقدير الأخير مناقض لما قصده أمّا على الأوّل فلأن توقّف التخلّص عن الرّبا على الكيل أو الوزن لا يلازم كون الشّي ء مكيلا أو موزونا لأنّه يصحّ بيعه بعوض من غير جنسه بلا كيل أو وزن

و أمّا على الثّاني فعدم صحّة بيع الشّي ء بلا كيل و لا وزن لتوقّف معرفة مقدار ماليّته عليهما يقتضي صحّة بيعه بدونهما إذا صار الشّي ء مبذولا بحيث لا يتوقّف معرفة مقدار ماليّته عليهما فتوقّف جريان الرّبا في معاملة على كون الشّي ء مكيلا أو موزونا من باب توقّف ماليّته على التّقدير بهما مناقض لما ادّعاه من اعتبار الكيل و الوزن في شي ء كان مكيلا أو موزونا في عصر الشّارع فتدبّر جيّدا

هذا مع أنّه يمكن أن يقال إنّ تقييد جريان الرّبا في معاملة بكون الكيل أو الوزن شرطا في صحّة بيعه إنّما هو في مرحلة الحدوث و دون البقاء و ذلك لما يحكى عن التّنقيح من دعوى الإجماع على أنّ ما كان مكيلا أو موزونا في عصر النّبي ص في جميع البلدان أو كلّ بلد جرى فيه الرّبا و إن تغيّر بعد ذلك و ما لم يكن من أحدهما لا يجري فيه الرّبا و إن تغيّر بعد ذلك و صار من أحدهما و لازم ذلك أنّ جريان الرّبا في معاملة و إن اعتبر فيه الكيل و الوزن إلّا أنّ اعتبارهما إنّما هو في عصر الشّارع و أمّا التّغيير بعد ذلك و صيرورة الشي ء غير مكيل أو موزون فلا ينافي ثبوت الربا فيه و مرجع هذا الكلام إلى أنّ الربويّ في عصر الشّارع ربويّ دائما و لكن كون الشّي ء مكيلا أو موزونا يختلف باختلاف الأعصار

و حاصل الكلام أنّ ما أسنده صاحب الحدائق إلى الأصحاب من أنّ المناط في المكيل و الموزون المعتبرين في صحّة البيع ما كانا كذلك في زمان الشّارع و لو في غير مسألة الرّبا و أيّده المصنف قدّس سرّه من غرائب الكلام و أغرب من ذلك تمسّكه لذلك بأنّ المرجع في الألفاظ الواردة في لسان الشّارع إلى عرفه ص لأنّ هذا الكلام إنّما يتمّ في الماهيّات المجعولة منه

ص: 394

لا مطلق الألفاظ الواردة و المستعملة في لسانه فإنّ مرجعها إلى العرف و ذلك واضح

و على هذا فلو سلّم أنّ موضوع المسألتين شي ء واحد إلّا أنّه لو شكّ في شي ء كونه مكيلا أو موزونا و كونه يباع مشاهدة أو عددا أو ذرعا في عصر الشّارع فمقتضى أصالة البراءة عدم حرمة التّفاضل و إن كان من حيث صحّة البيع الأصل الفساد إلّا أن يقدّر على نحو يرتفع به الغرر

و كيف كان فالمسألة في غاية الإشكال من حيث الصّغرى و ما هو المناط في الكيل و الوزن و إن كان الأقوى هو ما ذكرناه من حيث ظهور القضيّة في كونها حقيقيّة فالمدار على تحقّق المصداق في أي عصر و مع اختلاف البلدان فلكلّ بلد حكم نفسه ثم إنّ استفادة كون المدار على العرف العام لو كان و مع عدمه فلكلّ بلد حكمه و مع الاختلاف في البلد الواحد فالتّخيير من الأخبار الواردة في المكيل و الموزون ليست بهذه المرتبة من الصّعوبة و الإشكال لأنّ الكلي إذا كان ذا مراتب و مقولا بالتّشكيك بالنّسبة إلى ما يندرج تحته فشموله لجميع المراتب لا إشكال فيه فقولهم عليهم السّلام ما كان مكيلا فلا يباع جزافا و ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فإنّه لا يصلح مجازفة يشمل جميع هذه المراتب

[مسألة إذا أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه]

قوله قدّس سرّه مسألة إذا أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه إلى آخره

لا يخفى أنّ توضيح هذا العنوان يتوقّف على ذكر أمور الأوّل أنّه لا ينبغي الإشكال في صحّة الاعتماد على إخبار البائع بالكيل و الوزن و العدّ و الذّرع لما عرفت من أنّ اعتبار هذه الأمور إنّما هو لخروج بيع الشّي ء عن كونه جزافا و الاعتماد على إخباره بها يخرجه عنه و تدلّ عليه مضافا إلى ذلك الرّوايات الواردة في هذا الباب فعن عبد الكريم بن عمرو قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع أشتري الطّعام فأكتاله و معي من قد شهد الكيل و إنّما أكيله لنفسي فيقول بعنيه فأبيعه إياه على ذلك الكيل الّذي اكتلته قال لا بأس و عن ابن بكير عن رجل من أصحابنا قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الرّجل يشتري الجصّ فيكيل بعضه و يأخذ البقيّة بغير كيل فقال إمّا أن يأخذ كله بتصديقه و إمّا أن يكيله كلّه و عن محمّد بن حمران قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنّه كاله فصدّقناه و أخذناه بكيله فقال لا بأس

و بهذا المضمون أيضا روايات أخرى و لا يعارضها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه ع أنّه قال في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم و إنّ صاحبه قال للمشتري ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل فإنّ فيه مثل ما في الآخر الّذي ابتعت قال لا يصلح إلّا بكيل و قال و ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فإنّه لا يصلح مجازفة هذا ممّا يكره من بيع الطّعام لأنّها لا تدلّ على أنّ البائع أخبر بالكيل عن حس لأنّ قوله فإن فيه مثل ما في الآخر ظاهر في أنّه يحدس المقدار من غلبة تساوي العدلين فيه هذا مع أنّه على فرض الظّهور يحمل على الكراهة المصطلحة لصراحة تلك الأخبار في الرّخصة

الثّاني هل إخبار البائع بالمقدار من الأمارات التعبّديّة حتّى لا يدور حجيّته مدار الظنّ الفعلي فضلا عن الاطمئنان أو من باب كونه طريقا عرفيا إليه أو لا هذا و لا ذاك بل يدور مدار كونه رافعا للغرر و عدمه وجوه و الأقوى هو الأخير لعدم استفادة جعل الطّريقيّة لقول البائع من هذه الإخبار و ليس طريقا عرفيا مضبوطا أيضا بل يظهر من ذيل رواية أبي العطارد أنّ المدار على الوثوق و الاطمئنان فقال ع إذا ائتمنك فلا بأس

ص: 395

و على أيّ حال فمجرّد بناء المتعاملين على مقدار خاص لا يفيد صحّة بيع ما يكال بغير الكيل و لا يقاس على بيع العين الغائبة بأوصاف مذكورة لأنّ ذكر الوصف يخرج المبيع عن الجهالة و على هذا فلو قلنا بأنّ إخبار البائع طريق تعبّدي إلى المخبر به يكفي نفس إخباره لأن بحجيّته يرتفع الجهالة و أمّا لو قلنا بأنّه طريق عرفيّ لمعرفة مقدار المبيع فإذا لم يرتفع به الجهالة لا يصحّ المعاملة بمجرّد بناء المتعاملين على أنّه بمقدار خاصّ فتعيّن أن يكون وجه اعتباره خروج البيع بإخباره عن كونه مجازفة نظير بيع العين الغائبة بأوصاف مذكورة في العقد فإنّ ذكرها يرفع الجهالة و الخطر

الثّالث لو تبيّن الخلاف تخيّر المشتري بين الفسخ و الإمضاء سواء كان زائدا على ما أخبر به أو ناقصا عنه أمّا إذا كان زائدا فلأنّ الزيادة ملك للبائع و يصير شريكا على نحو الإشاعة مع المشتري و الشّركة عيب يوجب الخيار و أمّا إذا كان ناقصا فلتخلّف وصف الانضمام الّذي اشترط ضمنا و أمّا احتمال بطلان أصل المعاملة من باب تخلّف عنوان المبيع ففيه أنّه فرق بين ما إذا باع عينا بعنوان أنّها عبد فتبيّن كونها حمارا أو جارية و ما إذا باع عشرة أمنان من الحنطة و تبيّن كونها ثمانية ففيما تبيّن كونها حمارا تخلّف عنوان المبيع عرفا و عقلا و فيما تبيّن كونها جارية تخلّف عنوان المبيع عرفا لا عقلا و على أيّ تقدير يبطل البيع لأنّ مناط مالية الأموال بصورتها النوعيّة العرفيّة لا بالمادّة المشتركة بين جميع الأشياء و لذا لا فرق في مورد تخلّف العنوان بين جعله موضوعا كما لو قيل بعتك العبد أو جعله وصفا أو شرطا كما لو قيل بعتك هذا الّذي هو عبد أو بعتك هذا إن كان عبدا

و أمّا إذا تخلّف مقدار البيع فلا وجه لبطلان أصل البيع بل إمّا يبطل البيع بالنّسبة إلى المقدار النّاقص أي ينحلّ البيع إلى بيوع متعدّدة بالنّسبة إلى كلّ منّ و إمّا يصحّ البيع بالنّسبة إلى الجميع و يحسب النّقصان كتخلّف الوصف الّذي لا يوزع الثّمن بإزائه و على كلا التّقديرين فلا وجه لاحتمال فساد البيع

و لا يقال حكم تخلّف المقدار كتخلّف عنوان المبيع لأنّ كلّا منهما ممّا يتوقّف صحّة البيع عليه فكما أنّه لا يصحّ البيع إذا كان العنوان مجهولا فكذا يفسد إذا كان المقدار مجهولا و كما أنّه لو باعه بعنوان خاص فتخلّفه موجب للبطلان فكذلك لو باعه على مقدار خاصّ فلا بدّ أن يكون تخلّفه موجبا للبطلان رأسا

لأنّا نقول فرق بين مقدار الماليّة و عنوان المبيع فإن كلّا منهما و إن كان من شرائط صحّة البيع إلّا أنّ تخلّف العنوان يوجب تغيير ما هو المبيع رأسا و هذا بخلاف تخلّف المقدار فإن المبيع لم يختلف إلّا من حيث انضمام متّفقي الحكم و القيمة فانحلال العقد بالنّسبة إلى الثّاني هو المتعيّن دون الأوّل

و بالجملة تخلّف المقدار ملحق بتخلّف الوصف لا بتخلّف العنوان و إن شئت قلت فرق بين شرائط صحّة البيع فما هو راجع إلى عدم الغرر فتخلّفه لا يوجب إلّا الخيار و ما هو راجع إلى الصورة النوعيّة للمبيع فتخلّفه يوجب البطلان و إن شئت قلت فرق بين الأوصاف المشترطة في البيع صريحا أو ضمنا فالأوصاف إذا كانت خارجية ككتابة العبد و نحوها بحيث لا يتوقّف صحّة البيع عليها فتخلّفها لا يوجب إلّا الخيار بين الفسخ و الإمضاء بتمام الثمن

و أمّا إذا كانت داخليّة كمقدار المبيع بحيث يتوقّف صحّة البيع على العلم

ص: 396

بها فتخلّفه يوجب الخيار بين الفسخ و الإمضاء بمقدار من الثمن و هذا هو الأقوى فإنّه لا وجه لإلحاق نقص المقدار بتخلّف وصف الكتابة فإنّ بإزاء وصف الكتابة لا يقع جزءا من الثّمن و إنّما يصير وجوده منشأ لزيادة قيمة الموصوف به

و أمّا المقدار فالثمن يوزع عليه فإذا بيع عشرة أمنان بعشرة دراهم فقد قوبل كلّ منّ بدرهم فإذا تبيّن نقص المبيع و كونه ثمانية فلا محيص إلّا من نقص درهمين فله الإمضاء مع استرداد التّفاوت و له الفسخ لتخلف وصف الانضمام الّذي اشترط ضمنا

و ما اختاره شيخنا الأستاذ مد ظلّه في الوسيلة من أنّه لو اشترى عشرة أمنان الّتي هي هذه الصبرة فتخلّفه موجب للخيار مع التّقسيط و أمّا لو اشترى هذه الصّبرة الخارجيّة مقدّرة بكونها عشرة أمنان فتخلّفه موجب للخيار بلا تقسيط لأنّ حكمه حكم تخلّف الشّرط و المبيع نفس العين الخارجيّة و هكذا الحكم فيما لو كانت الأجزاء مختلفة من حيث الجودة و الرّداءة كما لو اشترى عشرة أجرب الّتي هي هذه الأرض أو اشترى هذه القطعة المحسوسة مقدرة بكونها عشرة أجرب لم يتّضح لنا وجهه و أنّ اختلاف التّعبير لا يغيّر الواقع و المقدار دائما جزء المبيع سواء كان كيلا أو وزنا أو عددا أو ذرعا

و إن جعل في مقام التّعبير شرطا و جعل عنوان المبيع نفس العين الخارجيّة فالجزء دخيل في قوام المعاملة و العوض يقع بإزاء كلّ جزء جزء فعدم وجود مقدار من المبيع يوجب استرداد مقدار من الثّمن و أمّا الأوصاف الخارجيّة كالكتابة و نحوها فهي و إن كانت دخيلا في عالم اللبّ في زيادة الثّمن إلّا أنّ العوض لا يقع في مقام الإنشاء المعاملي إلّا بإزاء الموصوف

و بالجملة المقدار متوسّط بين الصّور النّوعيّة و الأوصاف الخارجيّة فمن جهة ملحق بالصّور النّوعيّة فيستردّ من الثّمن بمقدار النّاقص و من جهة ملحق بالأوصاف فتخلّفه موجب للخيار

و بعبارة أخرى من جهة داخل في الالتزام الأولى الّذي هو نفس المنشأ بالعقد و من جهة داخل في الالتزام الثّانوي أي التزام في التزام و تخلفه لا يوجب بطلان أصل المعاملة ثم إنّه لا وجه لثبوت الخيار للبائع فيما تبيّن زيادة المقدار الّذي أخبر به لأنّه و إن صار شريكا مع المشتري بنحو الإشاعة إلّا أن كلّ شركة لا تقتضي ثبوت الخيار فإنها و إن كانت عيبا إلّا أنّه ما لم يدخل ضدّه و هو السّلامة عن العيب تحت الالتزام الضّمني فتحقّقه لا يوجب الخيار فالزّيادة توجب الخيار للمشتري لأنّ المبيع الّذي انتقل إليه لو لم يكن مفروزا فهو معيوب لأنّه اشترط ضمنا كونه مفروزا و أمّا البائع فيثبت له الخيار لو كان في الثّمن شركة

و أمّا الشّركة في المثمن فلا وجه لكونها موجبا للخيار و هذا من غير فرق بين علم البائع بالزيادة و جهله لأنه على أي حال لم يشترط على المشتري عدم الشركة فلا يملك عليه شيئا

[مسألة قال في الشّرائع يجوز بيع الثّوب و الأرض مع المشاهدة و إن لم يمسحا]

قوله قدّس سرّه مسألة قال في الشّرائع يجوز بيع الثّوب و الأرض مع المشاهدة و إن لم يمسحا إلى آخره

لا يخفى أنّ ما يصحّ بيعه بالمشاهدة على قسمين قسم لا يعتبر فيه الكيل و الوزن و العدّ و المساحة من جهة مبذوليّته و كثرة وجوده بحيث يتسامح فيه قلة و كثرة و لا يعد بيعه بلا تقدير مجازفة و قسم تكون المشاهدة طريقا معتبرا لمعرفة مقداره بحيث لا يتخلّف عادة إلّا بمقدار يتسامح فيه و أمّا لو لم يكن من هذين فلا وجه للقول بصحّة بيعه كذلك و مجرّد كون المبيع مختلف الأجزاء لا يوجب صحّة بيعه بالمشاهدة لا سيّما في مثل قطيعة الغنم الّتي تتفاوت ماليّتها

ص: 397

قلة و كثرة حسب أفراد القطيعة

[مسألة بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء]
اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء كصاع من صبرة مجتمعة الصّيعان أو متفرّقتها أو ذراع من كرباس أو عبد من عبدين و شبه ذلك يتصوّر على وجوه إلى آخره

لا يخفى أنّ الوجه الأوّل و هو بيع الكسر المشاع لا ينبغي الإشكال في صحّته من غير فرق بين أن تكون الجملة الّتي يباع بعضها متساوية الأجزاء من حيث الصّفة المستلزمة لتساوي قيمتها و أن تكون مختلفة كأحد العبدين و إحدى الشّاتين فإنّهما قيميّان لاختلاف أفرادهما غالبا لأنّه كما لو باع صاعا من صبرة مشتملة على عشرة أصوع فقد باع عشرا من الصّبرة فكذا لو باع عبدا من العبدين فقد باع النّصف من كلّ منهما لأنّ نسبة المبيع إلى الجملة في الأوّل هي العشر و نسبته إليها في الثّاني النّصف

و دعوى أنّ ظاهر الثّاني هو الوجه الثّاني أو الثّالث من وجوه بيع البعض من الكلّ لا الوجه الأوّل و هو الكسر المشاع لا شاهد لها لأنّ غاية ما يدعى من الفرق بين الصّبرة و العبدين أمران أحدهما انصراف إطلاق المبيع في قوله بعتك عبدا من العبدين إلى واحد منهما إمّا على الوجه الثّاني أو الثالث لا إلى النّصف من كلّ منهما و ثانيهما توقّف الحمل على الإشاعة في مورد العبد على تنزيل العبدين منزلة أمر واحد حتّى يباع جزء مشاع منه و لا يتوقّف على هذا التّنزيل في مثل الصّبرة لأنّها بنفسها أمر واحد خارجيّ

و بعبارة واضحة الوحدة الحقيقيّة أو الاعتباريّة اللّازمة في كلّ مركّب هي موجودة بنفسها في الصّبرة و هذا بخلاف الوحدة في العبدين فإنّها لا حقيقيّة و لا اعتباريّة معتبرة من الشّارع أو العقلاء بل إنّما تتحقّق بنفس اعتبار المتعاقدين و الإنشاء الواحد لا يمكن أن يتكفّل أمرين الأوّل تنزيل الشّيئين منزلة شي ء واحد و الثّاني بيع الكسر المشاع في المجموع

و لكنّك خبير بأنّ هذين الفرقين غير فارقين أمّا الانصراف فلأنّه ليس الكلام في مقام الإثبات حتى يدعى انصراف المطلق إلى بعض أفراده بل في مقام الأقسام بحسب الثّبوت و أنّه لو قصد البائع من قوله بعتك عبدا من العبدين نصفا من كلّ منهما فما حكمه

و بعبارة أخرى عدم ظهور الكلام فيما قصده المتبايعان لا يوجب الفرق بين المثال و غيره من الأمثلة بحسب التصوّر و أمّا توقّف الكسر المشاع في الثّاني على التّنزيل فهذا لا يضرّ بصحّة بيع الكسر المشاع فإن اعتباره لا مئونة له و لا يلزم أن يتكفّله الإنشاء حتى يقال إنّه لا يمكن الجمع بين اللّحاظين في إنشاء واحد

و بالجملة لا فرق بين متّفق الأجزاء و مختلفها هذا كلّه لا إشكال فيه و إنّما الكلام في تصوير الكسر المشاع و أنّ الشّركة الحاصلة في المبيع على أيّ كيفيّة فنقول ذهب أكثر المتكلّمين و بعض الحكماء قبل ظهور الإسلام إلى أنّ مادّة الجسم المطلق هي الأجزاء الّتي لا تقبل القسمة لا خارجا و لا ذهنا و يسمّى كل جزء من هذه الأجزاء بالجوهر الفرد و الجزء الّذي لا يتجزّى

و ذهب النّظام إلى أنّ الجسم مؤلّفه من أجزاء غير متناهية و إخبار بعض المحقّقين من المتكلّمين و جمهور الحكماء إلى بطلان الجزء الّذي لا يتجزّى و على فرض تحقّقه فليس هو مادّة الجسم المطلق و صار بطلان عدم قابليّة الجزء للقسمة من أوضح البديهيّات في عصرنا لأنّ كلّ متخيّر بالذّات أي كلّ ما هو قابل للإشارة الحسيّة إليه لا بدّ أن يكون ما يحاذي منه جهة الفوق غير ما يحاذي منه جهة التحت و كذا باقي الجهات السّت فلا محيص من أن يكون منقسما و إن لم يكن فعلا كذلك و لم يكن لنا آلة لتقسيمه

هذا مضافا إلى

ص: 398

ما يرهنوا عليه من لزوم تفكّك الرّحى و نفي الدائرة و هكذا بطلان مذهب النّظام صار بديهيّا لأنّه لو كان الجسم مركبا فعلا من أجزاء غير متناهية يلزم امتناع قطع مسافة معيّنة في مدّة متناهية إلّا بالطّفرة

إذا عرفت ذلك فحيث إنّ الجزء قابل للقسمة فمعنى الشّركة على الإشاعة أن كل جزء يفرض في الجسم فكل واحد من الشّريكين المتساويين مالك لنصف هذا الجزء لا أنّ كلّ واحد مالك في تمام الجزء و لا أن لكلّ واحد جزءا خاصّا واقعا غير معلوم ظاهرا

نعم لو انتهى الأمر إلى الالتزام بصحّة الجزء الّذي لا يتجزّى فلا محيص إلّا عن القول بأنّ كلّ واحد منهما مالك لجزء معيّن أو مالك لتمام هذا الجزء

و على هذه المسالك يبتني القولين في قسمة المشاع من أنّها بيع أو إفراز حقّ فإنّ كونها إفراز حقّ ملازم لأن يكون كلّ واحد شريكا مع الآخر في كلّ جزء بحسب نسبة الملك بأن يكون نصفه أو ثلثه أو غير ذلك من الكسور لأحد الشّريكين و الباقي للآخر و حيث إنّ النّصف من كلّ جزء أمر كلّي قابل للانطباق على النّصف من أيّ طرف من الجسم فبالقسمة يميز و يخرج عن الإبهام و الكليّة و يعيّن في الطّرف الشّرقي أو الغربي و كونها بيعا ملازم لأن يبيع كلّ واحد إضافته بالنّسبة إلى هذا الجزء بإضافته بالنّسبة إلى الجزء الآخر

و بالجملة من التزم بالجوهر الفرد و الجزء الّذي لا يتجزّى فإمّا أن يلتزم بأن كلّ جزء له مالكان حتّى يمكنه تصوير الإشاعة و إمّا أن يلتزم بأن بعض الأجزاء بتمامه ملك لأحد الشّريكين واقعا و بعضه بتمامه ملك للآخر كذلك إلّا أنّه غير متميّز خارجا و أمّا القائل بأنّ الجزء قابل للقسمة إلى ما لا نهاية له فمعنى الإشاعة على مختاره عدم تمييز الكسر المشاع و كونه كليّا قابلا للانطباق على كلّ كسر (1) و كيف كان فلا إشكال في صحّة بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء على نحو الإشاعة

و أمّا الوجه الثّاني و هو أن يبيع صاعا من الصّيعان أو واحدا من العبدين فالمشهور فيه هو البطلان و استدلّوا له بوجوه أربعة فبعضهم استدل بالجهالة الّتي يبطل معها البيع إجماعا و آخر استدلّ بأنّ الإبهام في البيع مبطل له و ثالث استدلّ


1- و لا يخفى أنّ الجمع بين ما اخترناه من معنى الإشاعة و هكذا ما اختاره بعض من أنّ لكلّ جزء مالكين على نحو الملك الضّعيف و بين ما اختاره الخاصّة من أنّ القسمة إفراز حقّ أو تعيين حقّ ممتنع لأنّه لو فرضنا عبدين مشتركين بين وارثين فتقسيمهما و جعل أحدهما لأحدهما و الآخر للآخر لا يعقل إلّا بأن يجعل عوض النّصف من هذا العبد النّصف من الآخر أو تبديل الإضافتين الضّعيفتين فيهما بإضافة قويّة في واحد منهما و هذا يوافق مذهب الجمهور من أنّ القسمة بيع نعم لو اخترنا ما يظهر من صاحب الجواهر من أنّ المراد من إشاعة الشّركة لو لا الإجماع دوران حقّ الشّريك بين مصاديق الكلّي و أن كلّ واحد منهما مالك لجزء خاصّ واقعا فكون القسمة إفراز حق و تميز حق و تعيين حقّ و نحو ذلك من العبارات في كمال الوضوح و هو اختار هذا المعنى لوجوه يرد على الإشاعة بذلك المعنى الّذي اخترناه و هي عدم إمكانها في الجزء الّذي لا يتجزّى و في قسمة الوقف من الطّلق لاستلزامه صيرورة بعض أجزاء الوقف طلقا و بعض الطّلق وقفا و غير ذلك من المحاذير الّتي ذكرها في كتاب الشّركة إلّا أن يقال لا ينافي ما ذكرناه من معنى الإشاعة مع ما ذكروه في باب القسمة لأنّ غرضهم في باب القسمة من أنّها إفراز حقّ أنّها ليست بيعا و لا صلحا و لا غيرهما من أنواع المعاوضات بل هي أمر برأسها لا تجري فيها أحكام العقود و هذا لا ينافي استلزامها المعاوضة و مرجع القسمة في الحقيقة إلى إبطال الإشاعة و إحداث نحو آخر من الملك و لتمام الكلام محلّ آخر و على أيّ حال فالالتزام بأنّ في إرث العبدين كلّ واحد من الوارثين يرث نصف المجموع لا نصف كل واحد منهما كما هو ظاهر صاحب الجواهر خلاف ظاهر كلمات المشهور في الإشاعة منه عفي عنه

ص: 399

بالغرر و رابع بأنّ الملك صفة وجوديّة محتاجة إلى محلّ تقوم به و لا يخفى أنّ هذه الوجوه لا تجري في موضوع واحد فإنّ الثاني و الرابع يجريان على تقدير و الأوّل و الثّالث يجريان على تقدير آخر

و توضيح ذلك أنّ البيع تارة يتعلّق بأحدهما المفهومي و أخرى بأحدهما المصداقي أي تارة متعلّق البيع ليس له واقع بل المبيع قابل لأن يكون هذا العبد أو ذاك و يعبر عنه بالفرد المنتشر و الفرد المردّد و أخرى يكون له واقع معيّن غير معلوم عند المشتري أو البائع أيضا و يعبّر عنه بالنّكرة

و بعبارة أخرى تارة المبيع نظير متعلّق التّكليف في قوله جئني برجل و أخرى من قبيل جاء رجل من أقصى المدينة و هذان المعنيان هما محلّ النزاع في مورد القرعة فقيل بأنّها تختصّ بما إذا كان له واقع معيّن و مشتبه عند المكلّف كالموطوءة المجهولة في قطيع الغنم

و قيل بأنّها تجري في تعيين المطلقة المجهولة بحسب الواقع و في تعيين الزائدة على الأربع إذا أسلم الكافر و كانت زوجاته زائدة عنها فإذا كان المبيع أحدهما المفهومي الّذي ليس له وجود متأصّل و لا منشأ انتزاع أي ليس له ما بحذاء كالجواهر و الأعراض و لا منشأ انتزاع لا من الذّاتيات كالعليّة و المعلوليّة و لا من قيام إحدى المقولات بمحالها كالقبليّة و البعديّة و التقدم و التأخّر بل كان صرف اعتبار و اختراع يجري فيه الوجه الثّاني من أنّ المبيع مبهم

و لذا منع العلّامة في التذكرة عن بيع أحد العبدين الشاهدين مع كونهما متساويين في القيمة و يجري فيه أيضا الوجه الرابع فإنّ البيع لم يتعلّق بمحلّ معيّن و أحدهما على سبيل البدل غير قابل لقيامه به لأنه أمر انتزاعيّ صرف من دون أن يكون له منشأ انتزاع صحيح لا من الذاتيّات و لا من قيام أحد الأعراض بمحلّه

و أمّا لو كان أحدهما المعيّن و إن كان مجهولا عند أحدهما أو كليهما فيجري فيه الوجه الأوّل و الثّالث نظير ما إذا باع أحدهما بعد تلف الباقي هذا و لكنّه يمكن أن يقال إنّ نظر الأصحاب في هذا الوجه هو خصوص ما إذا لم يكن لمتعلّق البيع واقع معيّن بل باع صاعا أو عبدا مردّدا بين ما يمكن صدقه عليه من الأفراد المتصوّرة في المجموع و لا ينافي ذلك استدلالهم على البطلان بالجهالة و الغرر لتخيّلهم جريانهما في المبهم الغير المعيّن حتى في الواقع غاية الأمر لنا منع كون الواحد على سبيل البدل مجهولا

و على فرض صدق الجهالة عليه نمنع كون البيع بهذا النّحو من الجهالة باطلا ثم نمنع كونه غرريّا مع فرض تساوي الأفراد في الصّفات الموجبة لاختلاف القيمة

و بالجملة عمدة الوجوه فيما هو محطّ نظر الأصحاب هو الوجه الثّاني و هو ما إذا لم يكن لمتعلّق البيع واقع معيّن و منشأ بطلانه هو أنّه و إن لم يقم دليل خاصّ على أنّ الإبهام في البيع مبطل له إلّا أنّ توقّف البيع على وجود محلّ يقوم به لا يمكن إنكاره فإنّ الملكيّة و إن لم تكن أمرا خارجيّا و صفة وجوديّة بل من الاعتباريات إلّا أنّ هذا الأمر الاعتباري لا بدّ له من محلّ يقوم به فإنّ البيع الّذي هو تبديل طرف الإضافة لا بدّ له من المضاف إليه و أحدهما المردّد الغير المعيّن لا يعتبره العقلاء طرفا للإضافة الملكيّة و لا يمكن قياس أحدهما المبهم ببيع الكلّي في الذمّة فإنّه و إن لم يكن موجودا خارجيّا فعلا إلّا أنّ الذمّة أمر وسيع يعتبره العقلاء ملكا و هذا بخلاف ما إذا باع أحدهما المردّد فإن المفروض أنّ هذا المفهوم ليس من المفاهيم المتأصّلة كالرّجل و المرأة أو البياض و السّواد و لا من المفاهيم الانتزاعيّة الّتي لها

ص: 400

منشأ انتزاع خارجيّ كالعلّيّة و المعلوليّة و التقدم و التأخّر فإنّه لو كان كذلك لأمكن أن يتعلّق التّكليف و الوضع به كما يقال جئني برجل أو تقدّم إلى كذا

و أمّا المفهوم الانتزاعي الصّرف الّذي ليس له وجود خارجيّ و لا منشأ انتزاع صحيح فمقتضى القاعدة الأوّليّة عدم تعلّق البيع به لأنّ المفروض أنّه لم يتعلّق البيع بأحد العبدين الموجودين في الخارج الغير المعلوم عند المشتري أو البائع أو كليهما بل تعلّق بهذا المفهوم الصرف القابل للانطباق على كلّ واحد على البدل و لا يمكن قياسه أيضا بالواجب التّخييري فإنّه مضافا إلى الإشكال في تصوير تعلّق التّكليف بأحد الشّيئين على البدل من دون إرجاعه إلى الجامع و من دون جعل الواجب أحدهما و مسقطيّة الآخر عنه أنه قام الدليل على التّخيير كقيام الدّليل على صحّة بيع أحد العبدين على ما ادعاه الشّيخ و إن كان الحقّ عدم دلالته على المدّعى

و لذا قال في الوسائل بعد ما نقل الرّواية أقول وجهه بعض علمائنا بوقوع البيع على نصف العبدين و محلّ البحث هو الصّحة بمقتضى القاعدة و قد عرفت أنّها تقتضي عدم صحّة تعلّق البيع و لا سائر العقود و الإيقاعات بالأمور الانتزاعيّة الوهميّة لعدم صلاحيّة الكلّي الانتزاعي لقيام البيع و النّكاح و الطّلاق به

و العجب من الشّيخ قدّس سرّه أنّه تعدّى عن البيع إلى الطّلاق أيضا على ما حكي عنه في مبسوطه فقال بصحّة طلاق إحدى الزّوجتين و استخراجها بالقرعة مع أنّه لم يرد فيه نصّ و بالجملة لو قام دليل تعبّدي على ذلك نقول بصحّته لأنّ للشّارع الحكم بملكيّة أحد العبدين و طلاق إحدى الزّوجتين كحكمه ببينونيّة الزائد على الأربع فيمن أسلم على الزيادة و أمّا لو لم يقم دليل خاصّ فالعمومات لا تقتضي صحّتها لأنّ هذه العناوين لا يمكن أن تقوم بالمبهم فلا تندرج في مسمّى البيع و الطّلاق و النّكاح فلا يمكن الاستدلال لصحّتها بالعمومات و الإطلاقات الواردة في هذه الأبواب

و حاصل الكلام أنّ الملكيّة و الزّوجيّة و البينونة و نحوها و إن لم تكن من الصّفات الخارجيّة إلّا أنّها في نظر العقلاء في حكمها فكما لا يمكن وجود الحموضة في محلّ مردّد و لا البياض و السّواد في محلّ مبهم و هكذا سائر الأعراض من الكم و الفعل و الانفعال و الجدة فكذلك الجدة الاعتباريّة و الزوجيّة و الطّلاق إلّا أن يقوم دليل تعبّدي على ذلك كالإجماع على وقوع العتق على المبهم لأنه يمكن أن يرد من الشّارع أن أثر قوله أعتقت أحد العبدين انعتاق أحدهما فيستخرج بالقرعة أو نحوها من الطّرق المعتبرة لتعيين المبهم

ثم إنّ مقتضى ذلك أنّه و لو اتّفق المتبايعان على الترديد لم يصحّ البيع و أمّا لو اختلفا فادّعى المشتري الإشاعة و قال البائع أردت معيّنا أو مبهما فالقول قول مدّعي الصّحة إلّا أن يكون هناك ظهور لفظيّ في الإبهام فإنّ الأصل العملي لا يعارض الظّواهر اللّفظيّة و لا يبعد أن يكون الظّهور في مثل العبيد و نحوها من الأمور المتباينة و في مثل الصّيعان المتفرّقة مع من يدعي البطلان

و أمّا الوجه الثّالث و هو أن يبيع صاعا كليّا فالأقوى صحّته لأنّه و إن أضاف الصّاع إلى الصّبرة و لم يجعله كليّا مطلقا إلّا أنّه مع هذا لم يخرج عن الكليّة لأنّه لا فرق بين أن يبيع صاعا في الذمّة و أن يبيع صاعا من الصبرة غاية الفرق أنّ الثّاني يكون من الكلّي في المعيّن

و أمّا الفرق بين الكلّي في المعيّن

ص: 401

و أحدهما المبهم ففي غاية الوضوح فإنّ المبيع في الثّاني جزئي خارجيّ مردّد بين هذا الفرد و الفرد الآخر و وجه فساده إبهام المبيع لأنّ ما في الخارج ليس إلّا هذا بخصوصيّته و ذاك بخصوصيّته فكلّ واحد هو هو بنفسه لا مردّدا بينه و بين غيره فأحدهما المردّد مفهوم انتزاعيّ وهميّ لا من المفاهيم المتأصلة و لا منتزعة عن منشإ انتزاع صحيح فلا يصحّ تعلّق البيع به و أمّا المبيع في الأوّل فهو أمر كلّي و هو طبيعيّ الصّاع غاية الأمر ينحصر مصاديقه في أفراد تلك الجملة

ففي القسم الثّالث جميع الخصوصيات الفرديّة خارجة عن المبيع و هذا بخلاف القسم الثّاني فإنّه فرد مردّد و لا محيص إلّا عن دخول الخصوصيات في المبيع إذا كان فردا و بعبارة أخرى المبيع تارة نفس الطبيعيّ و أخرى هو الفرد المنتشر في الجنس و هو يحصل بدخول تنوين التنكير في الجنس

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا في طيّ تصوير هذه الوجوه الثّلاثة أنّ هنا وجها آخر و هو بيع أحدهما المعيّن عند البائع المجهول عند المشتري و لا ينبغي الإشكال في بطلانه و أن حكمه حكم الوجه الثاني و قد ذكرنا أنّ هذا الوجه خارج عن محطّ كلمات الأساطين في بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء أو مختلفتها فانحصر الوجوه في ثلاثة بحسب الثّبوت

و أمّا بحسب ظاهر المعاملة فلو كانت الجملة كالعبيد المتباينة أو الصيعان المتفرقة فظهور الكلام يقتضي الحمل على الوجه الثّاني لا الحمل على الإشاعة و لا الكلي في المعيّن فيفسد البيع لأنّ مع تفرّق الأجزاء يمتنع الحمل على الكلّي لأنّ الكلّي هو الّذي لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين فيتوقّف صدقه على شي ء على خروج الخصوصيات الفرديّة عن المبيع و مع تفرّق الصّيعان فكلّ صاع لا محالة يشتمل على خصوصيّة و فرض إلغاء الخصوصيّات و جعل المجموع صبرة واحدة لا يرفع ظهور البيع في تعلّقه بالفرد المنتشر

و هكذا يمتنع الحمل على الإشاعة لأنّ عنوان المبيع في المشاع أيضا كلّي لأنّ التّسع أو العشر و نحو ذلك ينطبق على التّسع أو العشر من هذه الصّبرة من طرف الشّرق أو الغرب على أحد معاني الكسر المشاع أو ينطبق على كلّ جزء من أجزاء الحنطة الّتي في هذه الصّبرة شرقا أو غربا يمينا و شمالا فوقا و تحتا على المعنى الآخر من الكسر المشاع

و على أيّ حال الكسر المشاع أيضا كلي كالكلّي في المعيّن بل الصّاع من الصّبرة على الإشاعة كلّي من جهتين إذا لم يكن مقدار الصّبرة معلوما الأولى قابليّة انطباقه على كلّ كسر و الثّانية انطباق هذا الكسر على كلّ جهة من الجهات السّت في الصّبرة أو في الحنطة و أمّا الكلّي في المعيّن فكلّي من جهة واحدة و أمّا لو كانت الجملة مجتمعة فباع صاعا منها فهل ينزل على الإشاعة أو على الفرد المنتشر أو على الكلّي في المعين وجوه ذكرها المصنف قدّس سرّه في المتن

و حاصل الوجه الأوّل هو أنّ مقتضى المعنى العرفي أن يكون قوله صاعا إشارة إلى مقدار من الصّبرة مقدّرا بصاع فيلاحظ نسبة الصّاع إلى الصّبرة و هذا هو الكسر المشاع لأنّ المقدار المذكور من مجموع الصّبرة مشاع فيه و فيه أنّه كما يمكن حمل الصّاع على الإشاعة كذلك يمكن حمله على الكلّي بل ظهوره في الكلّي هو المتعيّن لأنّ الصّاع اسم الجنس و لحاظ نسبته إلى المجموع يتوقّف على مئونة زائدة

و حاصل الوجه الثّاني هو أن تنوين التّنكير يقتضي صرف الطبيعيّ إلى الفرد فمقتضى الوضع اللّغوي هو الفرد المنتشر و فيه أنّ مجرّد دخول التّنوين على الطّبيعي لا يقتضي صرفه إلى الفرد إلّا إذا كان هناك قرينة خارجيّة كقوله

ص: 402

رأيت رجلا بالباب فإنّ التّنوين قد يكون للتمكن و قد يكون للتّنكير فمع ظهور اللّفظ في الطبيعيّ لا وجه لحمله على الفرد

و حاصل الوجه الثّالث أنّ المتفاهم العرفي من قوله بعت صاعا هو الكلّي الطّبيعي من الصّاع الّذي يتعيّن في الخارج بأوّل وجود منه و هذا هو الأقوى و عليه يحمل الرّواية الواردة في اشتراء عشرة آلاف طنّ من القصب

[مسألة لو باع صاعا من صبرة]

قوله قدّس سرّه ثمّ إنّه يتفرّع على المختار من كون المبيع كليّا أمور إلى آخره

لا يخفى أنّه يتوقّف توضيح الثّمرات المترتّبة على الكلّي في المعين و الإشاعة على بيان الفرق بين الوجهين و قد أشرنا إليه إجمالا و حاصله أنّ الصّاع بناء على الإشاعة و إن كان كليّا أيضا من جهة أو من جهتين إلّا أنّه فرق بين الكلّي في الإشاعة و الكلّي في المعيّن و هو أن كليّة الصّاع على الإشاعة عبارة عن قابليّة الكسر المبيع لانطباقه على هذا الكسر و ذاك إلّا أنّ الخصوصيّات الخارجيّة داخلة في المبيع فإنّ النّصف من هذه الصّبرة القابل لانطباقه على كلّ واحد من النّصفين ملحوظ بمشخّصاته الخارجيّة غاية الأمر حيث إنّ النّصف كلّي فالخصوصيّة أيضا كلّي أي خصوصيّة ما داخلة في المبيع و هذا بخلافه بناء على الكلّي في المعين فإنّ المبيع نفس الطبيعيّ مجرّدا عن جميع الخصوصيات و هذا لا ينافي استحقاقه لها في مقام التسلم لأنّه فرق بين أن يكون مالكا للخصوصيّة فعلا و بين استحقاقه لأن يملكها فعلى الإشاعة مالك لها فعلا و أمّا بناء على كون المبيع كليّا فالمشتري لا يملكها فعلا

نعم حيث إنّ التّسليم من الشّرائط الضّمنية فهو مالك لأن يملكها

إذا عرفت ذلك فمن الثّمرات المترتّبة على الوجهين أنّه بناء على الكلّي فاختيار التّعيين بيد البائع لأنّ المشتري لا يملك إلّا نفس الصّاع دون كونه من هذا الطّرف من الكومة أو من ذاك فحكمه حكم الكلّي في الذمّة و لا فرق بينهما إلّا من حيث ضيق الدّائرة في الكلّي في المعيّن و توسعتها في الكلّي في الذمّة و هذا بخلافه على الإشاعة فإنّ الخصوصيّة داخلة في المبيع فتعيين إحداها يتوقف على رضا الطّرفين و منها أنّه بناء على الكلّي إذا تلف مجموع الصّبرة ما عدا صاع منها يستحقّه المشتري و هذا بخلافه بناء على الإشاعة فإنّ التّالف يحسب عليهما فيجري فيه حكم تلف بعض المبيع قبل قبضه

و بالجملة حيث إنّ المبيع بناء على الكلّي ينطبق عليه صرف الوجود من الطّبيعي فما دام مقدار حقّ المشتري باقيا في الصّبرة لا موضوع لقاعدة تلف المبيع قبل قبضه و أمّا على الإشاعة فالصّبرة مشتركة بينهما

ثم إنّه يتفرّع على هذه الثّمرة أنّه لو باع البائع ثانيا صاعا آخر من مشتر آخر فبناء على الكلّي لو تلف المجموع ما عدا الصّاع ينطبق الباقي على ملك المشتري الأوّل و يجري حكم تلف المبيع قبل قبضه بالنسبة إلى صاع المشتري الثّاني لأنّ الصّاع الثاني يسري كليّة إلى ما عدا الصّاع الأوّل لأنّ الصّاع الأوّل حيث إنّه كلّي فصرف الوجود من الطّبيعيّ مصداق له فينحصر ملك البائع فيما عدا صاع من الصّبرة

و أمّا على الإشاعة فالمبيع لا ينحصر في الصّاع الباقي و لا يسري البيع الثّاني إلى ما عدا الصّاع بل يسري إمّا إلى مجموع الصّبرة فيصير البيع الثّاني فضوليا بالنّسبة إلى مقدار من حقّ المشتري الأوّل بناء على احتمال تقدّم في مسألة ما لو باع من له نصف الدار نصفها أو يسري إلى نصفها الباقي الّذي هو ملك نفسه بناء على الاحتمال الآخر

و على أيّ حال فحيث إنّ المبيع مشاع تجري قاعدة تلف المبيع قبل

ص: 403

قبضه في حق كلّ منهما ثم إنه لا ينافي ما ذكرنا من اختصاص الصّاع الباقي بالمشتري الأوّل بناء على الكلّي كون تعيين الصاع للمشتري الثاني قبل تلف المجموع موكولا إلى نظر البائع لأنّ الصّبرة إذا بقيت بمقدار حق كلا المشتريين فللمالك تعيين حقّ كلّ منهما في أيّ صاع أراد و أمّا إذا لم يبق إلّا مقدار حقّ أحد المشتريين فحيث إنّ المشتري الأوّل سابق على الثّاني في المعاملة فهو سابق في صرف الطبيعيّ إلى نفسه و يزاحم الآخر في صرف الوجود من الطّبيعي

و بالجملة قياس وقوع المعاملتين على نحو الترتّب على ما إذا وقعتا دفعة مع الفارق لأنّهما إذا وقعتا دفعة فترجيح إحداهما على الأخرى بلا مرجّح و هذا بخلاف ما إذا وقعتا مترتّبة فإن الأوّل بسبقه يجرّ الطّبيعي إلى ملكه و يجعله منطبقا على الصّاع الباقي

ثم إنّه بعد ما اخترنا تبعا للمشهور من أنّه لو باع صاعا من صبرة ينزل على الكلّي في المعيّن دون الكسر المشاع يبقى سؤال الفرق بين هذه المسألة و مسألة ما لو باع ثمرة أشجار و استثنى منها أرطالا معلومة فإنّ في مسألة الاستثناء يظهر منهم أنّهم حملوا الأرطال على الإشاعة و لذا أفتوا بأنّه لو خاست الثمرة أو تلف بعضها سقط من المستثنى بحسابه

و لهم في التفصي عن هذه العويصة وجوه منها أنّ مقتضى ظاهر الكلام في كلتا المسألتين هو الإشاعة إلّا أنّهم حملوا بيع الصّاع من الصّبرة على الكلّي في المعين للنّص الوارد في شراء عشرة آلاف طنّ من القصب فيبقى مسألة الاستثناء على طبق قاعدة الإشاعة و فيه أوّلا أنّ ظاهر الكلام هو الكلّي لا الإشاعة فإنّها متوقّفة على مئونة زائدة في مقام الثّبوت و الإثبات فالإشاعة على خلاف القاعدة و ثانيا أنّ النصّ إن استفيد منه قاعدة كلية فحكم الاستثناء حكم مسألتنا هذه و مجرّد كون مسألة الاستثناء عكس مسألتنا من حيث إن ملك البائع فيها كلّي بخلاف مسألتنا فإن ملك المشتري فيها كلّي لا يوجب فرقا بينهما و إن استفيد منه التعبّد الصّرف و أنّه على خلاف القاعدة يجب الاقتصار على مورده و هو شراء القصب فلا وجه للتعدّي إلى شراء صاع من الصّبرة و يبقى سؤال وجه الفرق بين مورد التعدّي و مورد عدمه

و منها أنّ مقتضى ظاهر اللّفظ في البابين هو الحمل على الكلّي إلّا أنّه قام الإجماع على الحمل على الإشاعة في باب الاستثناء و فيه أنّ الإجماع ليس بنفسه حجّة بل لكونه كاشفا عن دليل معتبر و نحن نقطع بعدم استناد المجمعين إلى دليل معتبر

و منها أنّ وجه حمل الصّاع على الكلّي في المقام و حمله على الإشاعة في مسألة الاستثناء و نظائرها كالزكاة الّتي يحسب التّالف على المالك و الفقراء هو أنّ في المقام حيث يجب الإقباض على البائع من باب الشّرط الضّمني فما دام حق المشتري باقيا في الصّبرة يجب عليه دفعه إلى المشتري و لا وجه لأن يحسب التّالف عليه أيضا و فيه مضافا إلى أنّ كون الزّكاة كالاستثناء في الإشاعة لا دليل عليه إذ ليس الفقير شريكا مع من عليه الزكاة على نحو الإشاعة بل يتعلّق حق له بماله أنّ وجوب الإقباض على البائع فرع كون المبيع كليّا و أمّا إذا كان على الإشاعة فالتّالف يحسب عليهما و ينفسخ البيع بمقدار حق المشتري و قياس المقام بباب الكلّي في الذمّة فرع إحراز كون المقام من باب الكلّي في المعيّن

و منها ما في مفتاح الكرامة من أنّ في باب البيع وقع التّلف قبل قبض المشتري المالك للكلّي فيجب على البائع إقباضه من الصّبرة و في الاستثناء وقع التّلف بعد قبض المالك للكلّي و هو البائع فلا وجه لاحتسابه

ص: 404

على مالك المستثنى

و حاصل ما أفاده من الفرق بعد حمل المبيع و المستثنى في كلا المقامين على الكلّي في المعيّن أنّ منشأ جعل التّلف على البائع في بيع الصّاع من الصّبرة و عدم جعل التّلف على المشتري في استثناء الأرطال هو أنّ المشتري في المسألة الأولى يتلقّى الملك من البائع و أمّا البائع في مسألة الأرطال فلا يتلقّى المستثنى من المشتري لأنّ الاستثناء ليس معناه أنّ البائع ملّك المشتري جميع ثمرة الأشجار ثم تملّك منه المستثنى بل معناه بقاء المستثنى في ملكه و تمليك ما عداه فإذا كان المشتري في مسألة بيع الصّاع من الصّبرة متلقّيا من البائع و فرضنا أنّه لا يملك إلّا صاعا كليّا مجرّدا عن جميع الخصوصيّات الخارجيّة فما دام مصداق من الكلّي باقيا في ملك البائع ينطبق على المبيع فلم يتلف حتى يحسب على المشتري فيجب على البائع إقباضه بإقباض المصداق كما في الكلّي في الذمّة

و بعبارة أخرى المشتري يملك الصّاع في طول ملك البائع و يتلقّاه منه فإذا بقي من الصّبرة مقدار حقّه يجب على البائع إقباضه إياه و أمّا البائع في مسألة الاستثناء فهو و إن استثنى مقدارا كليّا و لم يعيّنه في محلّ خاصّ إلّا أنّ المستثنى بقي على ملكه مع خصوصيّاته الخارجيّة و نسبة التّالف إلى كلّ من المستثنى و المستثنى منه على حدّ سواء لأنّ كلّا منهما يملك مقدارا في عرض الآخر فلا وجه لاحتسابه على المشتري و على هذا فمراده من أنّ التّلف في مسألة الاستثناء وقع بعد القبض أي بعد ما كان المستثنى مقبوضا في يد مالكه مع تملّكه خصوصياته الخارجيّة فكونه مقبوضا إنّما هو معلول لكونه مالكا لخصوصيّاته الخارجيّة و دخول الخصوصيات في المستثنى لا يوجب خروجه عن الكليّة كدخول الخصوصيّات في الفرد المنتشر فإذا كانت الخصوصيّات داخلة في ملك البائع و كان المستثنى تحت يده فدخول الجميع من المستثنى و المستثنى منه بعد ذلك تحت يد المشتري لا يقتضي أن يكون التّالف على المشتري إلّا إذا فرط و أتلف الجميع حتى يجب عليه قيمة المستثنى أو أتلف ما عدا المستثنى حتى يجب عليه دفع الباقي إلى البائع و أمّا إذا تلف مقدارا منه بتلف سماويّ فلا وجه لأن يكون التالف محسوبا على المشتري مع عدم استحقاق مالك المستثنى الكلي المجرّد عن الخصوصيات و مع عدم تلقّيه المستثنى من المشتري

و العجب من المصنف قدّس سرّه أنه اعترف في المسألة السّابقة بأنّ المشتري لو قبض المجموع و تلف مقدارا منه يحسب التّالف على كليهما و استشكل فيما أفاده صاحب مفتاح الكرامة بأن قبض البائع في المقام لا يقتضي أن يكون التّالف عليهما مع أنّ المسألتين من واد واحد فإنّ في المسألة السّابقة لو كان قبض المجموع موجبا للإشاعة ففي المقام أيضا حيث إنّ المجموع قبل قبض المشتري كان في يد البائع يلزمه تحقّق الإشاعة و لازمه احتساب التالف عليهما و لو بعد قبض المشتري و لو لم يقتض القبض السّابق على قبض المشتري في مسألة الاستثناء الإشاعة فلا يقتضيها في المسألة السّابقة أيضا

نعم لو قلنا بأنّ في مسألة الاستثناء كون المستثنى و المستثنى منه في قبض البائع يقتضي الإشاعة فلازمه أمران لا يلتزم بهما الأصحاب الأوّل عدم جواز تصرّف المشتري في الثّمرة إلّا بإذن البائع الثّاني أن يكون التفريط في البعض كالتفريط في الكلّي في وجوب دفع القيمة لا إعطاء المستثنى من الباقي فإنّه لو كان المال مشاعا بينهما فإتلاف البعض يوجب أن يكون ضامنا للقيمة لا إعطاء البقيّة

فالصّواب في الجواب هو الّذي أشرنا إليه و هو أنّ المبيع في بيع الصاع

ص: 405

من الصّبرة و المستثنى في مسألة الاستثناء كلّ منهما كلّي و لا وجه للإشاعة أصلا إلّا أن المشتري في مسألة بيع الصّاع من الصّبرة لا يملك إلّا الكلّي المجرّد عن جميع الخصوصيّات فما دام صاع من الصّبرة موجودا يستحقّه منها و لا وجه لاحتساب التّالف عليه بمقدار نصيبه منها

و أمّا البائع في مسألة الاستثناء فهو يملك الكلّي مع الخصوصيّة فاحتساب التّالف على المشتري لا وجه له بل يحسب عليهما و مقتضى استحقاقه الكلّي أن يستحقّ الباقي لو أتلف المشتري مقدارا من الثمرة لأن حقّه لم يكن مشاعا في مال المشتري حتّى يستحقّ القيمة

و على هذا يرتفع إشكال جواز تصرف المشتري في الثمرة بلا رضاء من البائع لأنه لم يكن شريكا معه بعنوان الإشاعة و على فرض حصول الإشاعة بعد العقد من جهة كون الثمرة بأجمعها تحت يد البائع فجواز تصرّفه بلا إذن إنّما هو لبناء المتعاقدين نوعا في هذه المعاملة على استقلال المشتري في التصرّف فكأنه شرط ضمنيّ نشأ من البناء النّوعي

و على أيّ حال هذا الإشكال لا يختص بالإشاعة بل بناء على كون المستثنى كليّا يجري الإشكال أيضا فإنّه لا وجه لاستقلال المشتري في التصرّف مع كون المستثنى منه أيضا كليّا بل يجب إمّا الالتزام بعدم جواز تصرف كلّ منهما بلا رضاء الآخر و إمّا الالتزام باستقلال كلّ منهما فيه

و كيف كان فإنّما يحكم في مورد الإتلاف ببقاء حصّة البائع في البقية لا استحقاقه للمثل أو القيمة لأجل أنّ مقتضى البناء المعاملي في هذه المعاملة أن يكون اختيار التصرّف بيد المشتري فكما يجوز له بيع مقدار من الثّمرة من ثالث و يسري المستثنى في البقيّة فكذلك إذا أتلفه ينصرف قهرا حقه إلى التّالف و يبقى حق البائع في البقيّة و ذلك لأنّه إذا كان مختارا في التصرّف فيه بأيّ نحو شاء فتصرّفه يوجب أن يكون ما تصرّف فيه متعيّنا له و بهذا الملاك نقول إنّ اختيار تعيين المستثنى بيد المشتري

و بالجملة مقتضى البناء المعاملي أن يكون مسألة الاستثناء عكس مسألة بيع الصّاع من الصّبرة فإن اختيار التّعيين في تلك المسألة بيد البائع و في مسألة الاستثناء بيد المشتري و التّالف في تلك المسألة يحسب على البائع و في مسألة الاستثناء على كلّ واحد بحسابه و إنّما يشتركان في مورد الإتلاف فإنّه يتعيّن حقّهما في كلتا المسألتين في البقيّة فافهم و اغتنم (1)

قوله قدّس سرّه قال في الرّوضة تبعا للمحكيّ عن حواشي الشّهيد إن أقسام بيع الصّبرة عشرة إلى آخره

لا يخفى أنّه لو كان مقدار الصّبرة معلوما فالصّحيح من أقسام بيع الصّبرة أربعة و هي بيع جميع الصّبرة و بيع جزء معلوم منها كالعشر أو التّسع و نحو ذلك من الكسور و بيع صاع أو صيعان مع العلم باشتمالها على هذا المقدار و بيع الصّبرة كلّ صاع بكذا و يبطل فيما إذا باع كل صاع منها بكذا و وجه الصّحة في الأقسام الأربعة واضح لكون المثمن معيّنا كالثّمن و وجه البطلان في القسم الخامس عدم العلم بمقدار المبيع لصلاحيّة انطباق قوله كلّ صاع بكذا على الواحد و الزّيادة

نعم يظهر ممّا أفاده العلامة


1- لا يخفى عليك أنّا قد أشرنا إلى أنّ الإشكالين الواردين على الإشاعة يندفعان أيضا بالبناء المعاملي فبناء على ما يظهر من مفتاح الكرامة من حصول الإشاعة بعد المعاملة لكون كلّ من المستثنى و المستثنى منه في قبض البائع لا يرد إشكال عدم جواز تصرف المشتري إلّا بإذن البائع و لا كون المشتري ضامنا للقيمة في مورد الإتلاف لأنّ استقلال المشتري في التصرّف إذا كان للبناء المعاملي فلا محالة يكون ما تصرّف فيه مختصّا به قهرا فلا وجه لأن يكون ضامنا للقيمة منه عفي عنه

ص: 406

في بعض كتبه من صحّة الإجارة لو قال المؤجر آجرتك الدّار كلّ شهر بكذا في الشهر الأول لتضمّن هذا القول إجارة هذا الشّهر يقينا صحّة البيع في المقام بالنّسبة إلى صاع واحد

و لكنّ الأقوى البطلان في كلا المقامين لأن تردّد متعلّق العقد بين الأقلّ و الأكثر يقتضي الجهل به و أمّا لو كان مقدار الصّبرة مجهولا فيبطل جميع أقسام بيع الصّبرة إلّا إذا باع مقدارا يعلم باشتمال الصّبرة عليه فإنّه لو قال بعتك صاعين منها و علم باشتمال الصّبرة عليهما يقينا فلا مانع من صحّته إلّا توهّم أنّ الجهل بنسبة الصّاعين إليها يوجب الجهل بمقدار المبيع لأنه لا يعلم بأنّه باع أيّ واحد من الكسور و لكنّه فاسد لأنّ المدار في العلم بالمبيع على العلم بنفسه لا العلم بنسبته إلى أمر آخر أجنبيّ فكون الجهل بمقدار الصّبرة موجبا للجهل بنسبة الصّاعين إليها لا يضرّ بالمعاملة بل قد يقال بالصّحة و لو لم يعلم باشتمال الصّبرة على مقدار المبيع كما هو ظاهر الدّروس و اللّمعة غاية الأمر لو نقصت يتخيّر المشتري بين الفسخ و الإمضاء بنسبة الثّمن

و لكنّك خبير بأنّ الجهل بوجود المبيع غرر عرفا و لا يرفعه الخيار الّذي هو من أحكام العقد الصّحيح للزوم الدّور فإنّه يتوقّف الخيار على الصّحة و هي على عدم الغرر

[إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد عليه]
اشارة

قوله قدّس سرّه إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد عليه فإن اقتضت العادة تغيّره عن صفاته السّابقة إلى غيرها المجهول عند المتبايعين فلا يصحّ البيع إلى آخره

لا إشكال في أنّ ما كان قوام ماليّته بالأوصاف الخاصّة بحيث إنّه لو شكّ في حصولها فيه عدّ البيع معه غرريا لا يصحّ بيعه إلّا مع توصيف المبيع بها و اشتراطها في متن العقد و نحو ذلك من أنحاء بيع الغائب كإخبار البائع بوجودها فيه

و على هذا فلو شاهد عينا في زمان سابق على العقد فإذا اقتضت العادة بقاءها على ما كانت عليه فلا إشكال في الصّحة و إن انكشف عدمه في الواقع لأنّ البيع وقع مبنيا عليها و إن اقتضت العادة تغيرها عمّا هي عليها لا يصحّ شراؤها إلّا بذكر هذه الصّفات في متن العقد أو بإخبار البائع ببقائها لأنّ بهما يرتفع الغرر إنّما الكلام في اعتبار الاستصحاب في هذه الصورة و الأقوى عدم اعتباره و إن قلنا بحجيّته حتّى مع الظنّ بالخلاف لأنّ الأثر لم يترتّب على الواقع بل على إحراز الصّفات كانت في الواقع أو لم تكن فإن ارتفاع الغرر من آثار العلم بوجود هذه الصّفات فاستصحاب بقاء الصّفات لا أثر له

و كيف كان فإذا اشتراها مبنيا على الصّفات القديمة فانكشف التغيّر فلو كان موجبا للزيادة في الماليّة أو لنقص فيها فالأقوى ثبوت الخيار للبائع على الأوّل و للمشتري على الثّاني لأنّ تخلّف الوصف بمنزلة تخلّف الشّرط إمّا من طرف البائع أو المشتري و مراد المصنف قدّس سرّه من المغبون في قوله تخيّر المغبون منهما هو المتخلّف شرطه لا من له خيار الغبن المصطلح لأنّه ينشأ عن نقص القيمة السّوقيّة أو زيادتها لا عن الزيادة في الماليّة أو نقصانها

و كيف كان فالأقوى هو الصّحة مع الخيار و لا وجه لدعوى البطلان كما حكي عن العلّامة في نهاية الأحكام معلّلا بأنّ ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع لأن تخلّف الوصف بمنزلة تخلّف الشّرط و مرجع كلّ واحد منهما إلى الآخر و كما أنّ تخلّف الشّرط لا يوجب البطلان في حدّ نفسه لأنّ الشّرط ليس قيدا بل التزام في التزام فكذلك تخلّف الوصف و قياس تخلّف الوصف بتخلّف العنوان قياس مع الفارق لما تقدّم من أنّ العنوان هو ما يقع الثّمن بإزائه و هذا بخلاف الوصف أو الشّرط فإنّ الثمن لا يقع

ص: 407

بإزائه و إنّما هو موجب لزيادة قيمة الموصوف أو المشروط

و كذا لا وجه لدعوى اللّزوم بلا خيار من باب أنّ الوصف الغير المذكور في متن العقد لا أثر له و إن وقع العقد مبنيا عليه فهو كالشّروط البنائيّة الّتي تخلّفها لا يقتضي الخيار لأنه فرق بين هذا الوصف و بين الأوصاف الملحقة بالشّروط الغير المذكورة في العقد

و توضيح ذلك أنّ الشّروط أو الأوصاف على أقسام أربعة قسم يذكر الوصف أو الشّرط في متن العقد و هذا لا إشكال في أنّ تخلّفه يوجب الخيار و ثلاثة أقسام يقع العقد مبنيا عليها فالأوّل منها ما يدلّ عليه العقد بالدلالة الالتزاميّة باللّازم بالمعنى الأخصّ و هو ما يكون بناء العرف و العادة نوعا عليه كاشتراط تساوي المالين في الماليّة و اشتراط عدم كونهما معيبا و اشتراط التّسليم و التسلّم و اشتراط كون المعاملة نقديّة و اشتراط كون النّقد نقد البلد و يعبّر عنها بالشّرط الضّمني و لا إشكال في أنّ تخلّفها أيضا يوجب الخيار و الثّاني ما يتوقّف صحّة العقد عليه كالوصف الّذي لو لا وجوده لزم الغرر كموضوع البحث في المقام فإنّه و إن كان يعتبر في كلّ مورد لخصوصيّته فيه إلّا أنّه يدخل في كبرى الالتزام النّوعي لأنّه إذا فرض كونه ممّا يتوقّف عليه صحّة المعاملة و من الشّروط الرّاجعة إلى العوضين و فرضنا أنّ المتعاقدين أوقعا العقد مبنيا عليه فلو لم يكن أولى من الالتزامات النّوعيّة فلا أقلّ من كونه مساويا لها من حيث دخولها تحت الالتزام فلا ينافي ذلك كونه بناء شخصيّا من المتعاقدين لأنه في حكم البناء النّوعي و يدخلان تحت جامع واحد و يفترقان عن القسم الثّالث و هو الوصف الخارجي الّذي لا يعتبر ملاحظته في العقد ككون العبد كاتبا و نحو ذلك من الدّواعي الموجبة لإيقاع المعاملة لأجلها فإنّها لا أثر لها إلّا إذا ذكرت في متن العقد و أمّا مجرّد وقوع العقد مبنيّا عليه فلا يوجب تخلّفه الخيار

و بالجملة لا ينبغي الإشكال في أنّ مجرّد النيّة في باب العقود و الإيقاعات لا أثر لها بل لا بدّ أن ينشأ المقصود بما هو آلة لإيجاده فإذا كان الوصف الّذي وقع العقد مبنيّا عليه من الأغراض الشخصيّة أو من الأوصاف الخارجيّة و لم يذكر في العقد لا صريحا و لا ضمنا فوجوده كعدمه

و أمّا إذا كان من الأغراض النوعيّة كالقسم الأول أو من الأوصاف الشخصيّة المتوقّفة صحّة العقد عليها كالثّاني فيخرج عن الشّروط البنائيّة و يدخل في الالتزام العقدي و يكون العقد آلة لإنشائه غاية الأمر لا مدلولا مطابقيا بل التزاميّا نوعيّا أو شخصيا فتخلّفه يوجب الخيار

ثمّ إنّ الخيار بين الفسخ و الإمضاء يختصّ بما إذا كان المبيع شخصيّا و أمّا إذا كان كليا موصوفا و أراد البائع أن يسلّم مصداقا منه بلا وصف فللمشتري أيضا الخيار و لكن لا بذلك المعنى بل بمعنى أنّ له إسقاط الوصف و الرّضا بالفاقد في مقام التسلّم و له المطالبة بالوصف و أمّا فسخ العقد فلا وجه له و الفرق واضح فإنّ المبيع إذا كان شخصيا فليس له فرد آخر حتى يطالب بذلك و أمّا إذا كان كليّا فلا معنى لانتفاء الوصف فيه إلّا إذا فرضنا تعذّر الموصوف لفقد جميع مصاديقه

[فرعان]
[الأوّل لو اختلفا في التّغيير]

قوله قدّس سرّه فرعان الأوّل لو اختلفا في التّغيير فادعاه المشتري إلى آخره

لا يخفى أن ضابط تشخيص المدّعي و المنكر هو مطابقة قول المنكر للأصل المعوّل عليه في المسألة و لو كان الأصل الجاري في المرتبة الأخيرة كالبراءة و الاشتغال فمطابقة قول المنكر للبراءة أيضا كافية لتمييز المنكر عن المدّعي بلا إشكال و إنّما الإشكال في تشخيص الصّغرى

ص: 408

و أنّ قول أيّ منهما مطابق للأصل و قد ذهب جلّ من الأساطين إلى أنّ القول قول المشتري لوجوه الأول أنّ المشتري هو الّذي ينتزع منه الثّمن و لا ينتزع منه إلّا بإقراره أو ببيّنة تقوم عليه

و بعبارة أخرى يده على الثّمن إنّما يكون عن استحقاق و هذا عبارة عن أصالة الصّحة في اليد و أورد عليه المصنف بأنّ التشبّث باليد في المقام لا ينفع المشتري لاعترافه بتحقّق النّاقل غاية الأمر يدعي سلطنة على الفسخ فيجب عليه الإثبات و بدونه يجب عليه دفعه إلى البائع إلّا أن يقال إنّ وجوب التّسليم فرع عدم ثبوت الخيار له لأن العقد إذا كان خياريا يكون متزلزلا بجميع آثاره و منها التّسليم فكون يده يد أمانة مشكوك لأنّ الشكّ في ثبوت الخيار له يوجب الشكّ في سلطنة البائع على أخذ الثّمن و لكنّك خبير بأنّ مجرّد ثبوت الخيار له لا يقتضي استحقاقه حبس الثّمن

و توضيح ذلك أنّ الخيار على أقسام ثلاثة الأوّل الخيار المجعول شرعا إرفاقا لذي الخيار و نظرة له في المعاملة كخيار المجلس و الحيوان و يلحقه الخيار المشروط مدّة لأحد المتعاقدين أو لكليهما

و هذا هو الّذي قصده العلّامة من قوله في التذكرة لا يجب على البائع تسليم المبيع و لا على المشتري تسليم الثّمن في زمن الخيار و المصنف في أحكام الخيار و إن أورد عليه بقوله إنّي لا أجد لهذا الحكم وجها معتمدا و لم أجد من عنونه و تعرّض لوجهه إلّا أنّه يظهر منه في خيار المجلس كون الحكم مفروغا عنه فقال ما حاصله أنّه لو قلنا بوجوب التّقابض في عقد الصرف و السّلم فثمرة الخيار واضح و هي عدم وجود التّقابض

و كيف كان فمقتضى القواعد عدم وجوب التّسليم على ذي الخيار في الخيارات الزّمانيّة لأنّه إذا كان الالتزام العقدي متزلزلا بحكم الشّارع أو بجعل المتعاقدين فجميع آثار النّقل تحت سلطنة ذي الخيار الثّاني الخيار النّاشي عن تخلّف الشّرط الضّمني كخيار الغبن و العيب و يلحق بهما خيار تخلّف الوصف المشترط في المبيع الثّالث الخيار النّاشي عن تغيير المبيع عن أوصافه المرئيّة سابقا و هو المبحوث عنه في المقام الّذي قلنا بأنّه لو انكشف التغيير تخيّر المغبون منهما و الحق في القسمين الأخيرين عدم ثبوت حقّ الحبس لذي الخيار فضلا عمّا إذا شكّ في أصل الخيار كما لو اختلفا في التغيير فقال المشتري اشتريت الغنم حال كونه سمينا و قال البائع اشتريته مع هذه الحالة الّتي هي عليها فعلا و ذلك لأنّ في القسم الأوّل حيث إنّ ما تعلّق به العقد قد وصل إلى ذي الخيار فحقيقة الخيار فيه عبارة عن كون أمر العقد بيد ذي الخيار فجميع آثاره تحت تصرّفه و منها التّسليم و التسلّم و هذا بخلاف الأخيرين فإن حقيقة الخيار فيهما عبارة عن ثبوت حق استرداد ما لم يصل إلى ذي الخيار عوضه فالخيار ابتداء لا يرجع إلى العقد بل ثانيا فقبل الفسخ لم يرد تخصيص على أدلّة سلطنة النّاس على أموالهم فيجب على المشتري تسليم الثّمن و إن جاز له استرداده بعده

و بعبارة أخرى الخيار في هذين القسمين معناه أنّ صاحب الخيار له أن يمضي العقد أي يلتزم به فعلا و أن يفسخه فمع عدم فسخه ليس له حبس مال غيره و هذا بخلاف المجعول له إرفاقا إمّا بجعل شرعي أو بجعل منهما فإنّ حقّ النّظر في العقد يقتضي عدم كونه ملزما بآثاره الوجه الثاني ما استدلّ به العلّامة في التذكرة و هو أنّ البائع يدّعي علم المشتري بهذا الوصف الموجود و الرضاء به و المشتري ينكره

و أجاب عنه المصنف أولا بأنّه يمكن جعل المشتري مدّعيا و البائع منكرا لأنّ الأصل عدم علم المشتري بالوصف الآخر الّذي يدّعيه حتى يثبت

ص: 409

له الخيار و ثانيا أنّ علمه به أو بغيره مسبّب عن وجود هذا الوصف فيه سابقا و عدمه فمع الأصل السببي لا تصل النّوبة إلى الأصل المسبّبي و الأصل السّببي مع البائع و هو أصالة عدم تغيّر المبيع عمّا رآه سابقا

لا يقال إنّ أصالة عدم علم المشتري بوصف آخر غير هذا الوصف الموجود لا أثر له فلا تعارض بينها و بين أصالة عدم علمه بهذا الوصف الموجود و ذلك لأنّ دعوى البائع في المقام هي تعلّق العلم بالوصف الموجود الّذي أثره اللّزوم و المشتري ينكر ذلك و يدّعي عدم اللّزوم لأصالة عدم تعلّق علمه هذا الوصف الموجود و هذا الأصل و إن لم يكن بنفسه ذا أثر شرعا لأنّ الخيار لم يجعل في دليل من أثر هذا الأصل إلّا أنّه يجري بلحاظ رفع موضوع نقيضه الّذي له الأثر فيرفع به اللّزوم و هذا بخلاف أصالة عدم علمه بوصف آخر فإنّه لا أثر له أصلا إلّا إثبات ضدّه و هو علمه بالموجود الّذي أثره اللّزوم و هو مثبت

فإنّه يقال في دفعه إنّ المشتري يدّعي علمه بالوصف المفقود الّذي أثره الخيار فأصالة عدم علمه به يرفع موضوع نقيضه فلا إشكال في التّعارض إلّا أنّ ما أفاده المصنف قدّس سرّه من السّببيّة و المسببيّة لا يستقيم لأنّه ليس بين العلم و المعلوم سببيّة و مسببيّة بل لو لا تمسّك العلّامة بهذا الوجه لم يكن ذكر العلم في المقام مناسبا للأعلام فإنّ عمدة النزاع هو في تعلّق البيع بالوصف الموجود أو بوصف آخر مفقود و يتعارض أصالة عدم تعلّقه بالموجود مع أصالة عدم تعلّقه بالمفقود فتأمل

الوجه الثّالث ما استدلّ به المحقّق الثّاني من أنّ الأصل عدم وصول حقّه إليه و لا يخفى أنّ مرجع هذه الوجوه الثّلاثة إلى مطابقة قول المشتري لأصالة البراءة لأنّ استصحاب عدم التّغيير لو لم يفد للبائع فليس هناك أصل حاكم على أصالة البراءة و هذه التّعبيرات المختلفة من الأعلام إنّما هي لبيان أنه لا أصل للبائع لا لإثبات الخيار باستصحاب عدم وصول حقّه إليه حتى يقال إنّه مثبت

فجواب المصنف عن الوجه الثّالث بأن حقّ المشتري من نفس العين قد وصل إليه قطعا و ثبوت حق له من حيث الوصف المفقود غير ثابت لا يفيد إلّا إذا جرى أصالة عدم التّغيير أو أصالة اللّزوم و الحق عدم جريانهما أما الأوّل فلأن استصحاب عدم التّغيير لا أثر له شرعا فهو كاستصحاب عدم وصول حقّ المشتري إليه بل الموضوع للأثر هو تعلّق البيع بالوصف الموجود أو بغيره حتّى يثبت اللّزوم على الأوّل و الخيار على الثّاني و الاستصحابان بالنّسبة إليهما مثبتان و أمّا الثّاني فتوضيحه يتوقّف على ما أفاده المصنف قدّس سرّه في مبنى المسألة و حاصله أنّ كون الأصل مع البائع أو المشتري مبنيّ على أن يكون الوصف الملحوظ في العين المرئيّة من قبيل الشّروط الخارجيّة حتى يكون النّزاع في مفاد كان أو ليس النّاقصتين و أن يكون من قبيل القيد في المبيع حتى يكون النزاع في مفاد كان و ليس التامّتين

فعلى الأوّل الأصل مع البائع للشكّ في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود على البائع و عدمه فيستصحب عدمه فهو نظير الشكّ في اشتراط خياطة ثوب المشتري في ضمن البيع على البائع و عدمه و معلوم أنّ الشّرط و البيع كلاهما مسبوقان بالعدم و قد وجد البيع يقينا و شكّ في الشّرط

و على الثّاني فالأصل مع المشتري لأنّ مرجع النّزاع إلى وقوع العقد على الموصوف بهذا الوصف الموجود و عدمه و الأصل عدم وقوعه عليه و معارضته بأصالة عدم وقوعه على الوصف المفقود مدفوعة بأنّه لا أثر لهذا الأصل إلّا إثبات ضدّه و هو وقوع العقد على الوصف الموجود

ص: 410

و هذا أثر عقلي لأن الشّارع لم يجعل من أحكام عدم وقوع العقد على الوصف المفقود اللّزوم و الأقوى كونه من قبيل الشّروط من حيث الخيار أي التزام في التزام

و أما من حيث واقع البناء فهو قيد ملحوظ في العقد لأن البيع يقع على الشّاة السّمينة لا الشاة بشرط كونها سمينة فإذا وقع العقد على الشّي ء المقيّد فالأصل مع المشتري إذا عرفت ذلك ظهر لك ما في دعوى أصالة اللّزوم في العقد فإنّ الشكّ في اللّزوم و الجواز مسبّب عن الشكّ في متعلّق العقد فإذا جرى أصالة عدم تعلّق العقد بهذا الوصف الموجود يرتفع اللّزوم و ظهر أيضا أنّه لا يعارض هذا الأصل أصالة عدم تعلّق العقد بالوصف المفقود لأنّه لا أثر له نعم لو جرى أصالة عدم تقييد العقد بهذا الوصف المفقود لكان مفيدا لرفع الخيار و لكنّه ليس له حالة سابقة لأنّ العقد حين وقوعه إمّا مقيّد به أو بضدّه

و بعبارة أخرى العدم النّعتي ليس له حالة سابقة و العدم المحمولي من طرف البائع لا أثر له فالمقام نظير الدّم المشكوك أنّه حيض أو استحاضة ثم إنّه لا يمكن التمسّك لطرف البائع بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لأنّ الشّبهة مصداقيّة و لا بقوله عزّ من قائل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ لأنّ الشكّ ليس في صحّة البيع و فساده بل في كونه خياريّا أم لا

و بالجملة العقود الخياريّة الزمانيّة سواء كان جعل الخيار فيها من الشّارع أو المتعاقدين خارجة عن العمومات الدالّة على اللّزوم بالتّخصيص و غير الزّمانية خارجة بالتخصّص لأنّ الالتزام العقدي مقيّد بما عدا مورد الخيار مع الشّبهة الموضوعيّة لا يجوز التمسّك بها

و كذا لا يمكن التمسّك بالأدلّة الدالّة على حرمة التصرّف في مال الغير مثل قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و قوله ع لا يحلّ مال امرئ مسلم و قوله ع النّاس مسلّطون على أموالهم و نحو ذلك للعلم بتخصيصها بالمال الّذي لم يدفع عوضه إلى طرفه فإذا شكّ في دفعه إليه فالأصل عدمه

نعم لو كان التّخصيص بأمر وجوديّ و هو وقوع المعاملة على ما لا يطابق المدفوع فالأصل مع البائع و لكنّه حيث إنّ الأمر بالعكس لأنّ منشأ خيار المشتري عدم وصول حقّه إليه الّذي هو عبارة عن عدم دفع البائع العوض الّذي وقع العقد عليه فالأصل مع المشتري

و حاصل الكلام أنّ الأصول المفيدة للبائع إمّا أن لا يكون لها حالة سابقة و إمّا أن لا يترتّب عليها أثر شرعي فمن الأوّل أصالة عدم تقييد متعلّق العقد بما يدّعيه المشتري الموجب للخيار و من الثّاني أصالة عدم وقوع العقد على الموصوف بالوصف المفقود و أصالة عدم تغيير المبيع أمّا الأوّل فلما ظهر من أن نفس عدم وقوع العقد على المفقود لا يثبت اللّزوم إلّا من باب العلم بوقوع عقد مردّد بين تعلّقه بالموجود أو المفقود فيثبت بعدم تعلّقه بالمفقود تعلّقه بالموجود الّذي أثره اللّزوم و رفع الخيار و أمّا الثّاني فمضافا إلى أنّه قد لا يكون للتغيّر حالة سابقة كما في الأوصاف المقارنة لوجود الموصوف و قد يكون التّغيير معلوما كما ذكره المصنّف قدّس سرّه أن مجرّد عدم تغيير المبيع أيضا لا يثبت اللّزوم بل اللّزوم مترتب على تعلّق العقد بالوصف الموجود و أصالة عدم التّغيير بالنّسبة إلى ماله الأثر مثبت

قوله قدّس سرّه و لم يعلم وجهه إلى آخره

لا يخفى أنّه و إن كان مقتضى الأصول الّتي ذكرنا أنّها في طرف المشتري في دعوى النّقص هو مطابقة قول البائع للأصل إذا كان مدّعيا للزيادة الموجبة لتضرّره إلّا

ص: 411

أنّ الغالب أنّه يقدم على البيع كائنا ما كان و لا ينظر إلى الوصف الزائد على ما رآه المشتري سابقا

و على هذا فلا مانع من الأخذ بإطلاق ظاهر كلام الشّهيد في اللّمعة من قوله و لو اختلفا في التغيّر قدم قول المشتري بيمينه حتى فيما إذا ادّعى البائع تغيّره في جانب الزيادة و أنكر المشتري و لا وجه لما أفاده الشّهيد الثّاني من أن الظّاهر تقديم قول البائع لعين ما ذكر في المشتري و في تقديم قول المشتري في كلتا صورتي النّقيصة و الزيادة جمع بين متنافيين مدّعى و دليلا إلى آخره

نعم ينافي ما ذكرناه من أنّ البائع يقدم على بيع المبيع مطلقا قوله بعد ذلك فإن ظهرت المخالفة تخيّر المغبون منهما

[الثّاني لو اتّفقا على التّغيير و اختلفا في تقدم التّغيير على البيع]

قوله قدّس سرّه الثّاني لو اتّفقا على التّغيير بعد المشاهدة و وقوع العقد على الوصف المشاهد و اختلفا في تقدم التّغيير على البيع ليثبت الخيار و تأخّره عنه إلى آخره

لا يخفى أنّه و إن اختلف هذا الفرع و الفرع الأوّل في كيفيّة الدعوى إلّا أنّه في النّتيجة لا فرق بينهما فإن أصالة عدم وصول حق المشتري إليه تقتضي تقديم قوله مطلقا ثم إنّه لا بدّ أن يكون دعوى البائع في هذا الفرع وقوع التّغيير بعد قبض المشتري لأنّ تلف الوصف قبل قبضه ضمانه عليه لا على المشتري غاية الأمر نتيجة كون تلفه عليه هي تخيّر المشتري بين الفسخ و الإمضاء (1)

و بالجملة لو اتّفقا على أنّ الغنم حال المشاهدة كان سمينا و أنّ العقد وقع على الوصف الشاهد و أنّه بعد المشاهدة صار مهزولا إلّا أنّ البائع يدّعي تحقّق الهزال بعد قبض المشتري و المشتري يدّعي تحقّقه قبل العقد أو قبل القبض فالقول قول المشتري كما لو اختلفا في أصل التغيّر فادّعى البائع أنّ الغنم حال المشاهدة كان مهزولا و وقع العقد على الوصف المشاهد و ادّعى المشتري بأنّه كان سمينا و وقع العقد عليه لأنّ في الفرع الثّاني أيضا تسقط الأصول السّببيّة سواء كان كلّ من التغيّر و العقد مجهول التّاريخ أو كان أحدهما معلوما

غاية الأمر أنّه في صورة كونهما مجهولي التاريخ لا يجري الأصلان من جهتين الأولى تعارضهما و الثّانية كونهما مثبتين فإنّ أصالة عدم وقوع الهزال و بقاء السّمن إلى زمان القبض لا يثبت وصول السّمين إلى المشتري الّذي يترتّب عليه اللّزوم شرعا كما أنّ أصالة عدم وقوع البيع أو القبض إلى زمان الهزال لا يثبت وقوع العقد أو القبض على المهزول الّذي يترتب عليه الجواز شرعا

و أمّا في صورة الجهل بتاريخ أحدهما فلا يعارض المعلوم المجهول إلّا أنّه لا أثر لأصالة تأخّر المجهول عن المعلوم و على هذا فلا حاكم على أصالة عدم وصول الحقّ إلى المشتري في كلا الفرعين سواء كان الشكّ في أصل الحقّ كما في الفرع الأوّل الّذي مرجعه إلى الشكّ في استحقاقه ما وصل إليه أو كان الشكّ في وصول الحقّ المعلوم كما في الفرع الثّاني ثم إنّه يظهر ممّا ذكرنا حكم ما إذا ادّعى البائع الزيادة قبل البيع و ادّعى المشتري تأخّرها عنه من أنّ القول قول البائع إلّا على ما احتملناه سابقا من إقدام البائع على البيع كيفما كان المبيع فتأمل


1- نعم بناء على أنّ تلف الوصف بعد العقد ليس حكمه حكم تلف المبيع و تلف جزئه في كون ضمانه على البائع فيكفي للبائع دعوى التّغيير بعد العقد و لو قبل القبض و لا يبعد أن يكون وجه نظر المصنف في جعل التّعارض بين أصالة عدم تقدم البيع و أصالة عدم تقدم التغيّر لا بين أصالة عدم تقدّم القبض و أصالة عدم تقدّم التغيّر هو الخلاف في كون ضمان تلف الوصف على البائع قبل القبض منه عفي عنه

ص: 412

قوله قدّس سرّه و لو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفي في قبضه التّخلية إلى آخره

إنّما قيد وجدانه المبيع تالفا بما بعد القبض لأنّه لو كان تالفا قبل القبض فهو أيضا على البائع كما أنّه لو تلف في زمان خيار المشتري في الخيارات الزّمانيّة فهو على البائع و لو بعد القبض و على هذا فيعتبر في تصوير النّزاع بينهما أن يكون القبض مفروغا عنه إمّا لكفاية التّخلية فيه كما في غير المنقول و إمّا لتحقّق القبض سابقا قبل البيع كالمنقول الّذي كان في يد المشتري أمانة فباعه البائع منه و ادّعى المشتري تلفه قبل البيع و ادّعى البائع تلفه بعده

و بالجملة لو وجد المبيع تالفا فحيث إنّ الأصل الموضوعي الجاري لكلّ واحد منهما مع كونه مثبتا معارض بالمثل في مجهولي التّاريخ و الجاري لأحدهما في ما إذا كان إحدى الحالتين بالخصوص مجهولة مثبت فيشكّ في تأثير البيع و تصل النّوبة إلى الأصل الحكميّ و هو بقاء الثّمن في ملك المشتري و توهّم حكومة أصالة الصّحة على الاستصحاب الحكمي فاسد لأن أصالة الصحّة لا تجري في الشكّ في أركان البيع فضلا عن الشكّ في أصله فإنّها تجري في مورد دوران الأمر بين الصّحة و الفساد الرّاجعين إلى فعل المتعاقدين لا في دورانه بين الصّحة و اللّغويّة كما في المقام و نظائره كالشكّ في رجوع المرتهن عن إذنه في البيع قبل بيع الراهن أو بعده فإنّه لا معنى لأصالة صحّة رجوعه و الحكم بأنّه وقع قبل البيع

و بالجملة قد أوضحنا في الأصول أنّ المتيقّن من قاعدة الصّحة هو الشكّ في الصّحة و الفساد النّاشيين عن إقدام العاقد على بيع ما يجتمع فيه شرائط البيع شرعا و عدمه و أمّا مصادفة العقد لما هو معتبر شرعا و عدمها فلا تجري فيها القاعدة فضلا عن الشكّ في مصادفته لما هو معتبر عقلا أو عرفا و عدمها

فعلى هذا لو سلّمنا جريانها عند الشكّ في البيع بلا ثمن و الشكّ في بيع الخمر و الخنزير أو بيع الخلّ و الشّاة إلّا أنّها لا تجري في الشكّ في وجود المبيع و عدمه لأنّه يرجع إلى الشكّ في الصحّة و اللغويّة و أصالة الصحّة ليس مفادها أنّ العاقل لا يصادف عمله مع اللّغو بل معناها أنّ العاقل لا يقدم عمدا على اللّغو و العبث لأنه يقبح صدوره منه مع علمه بقبحه

ثمّ إن في بعض هذه الأمثلة يمكن دعوى عدم صحّته عقلا و عرفا أيضا كالبيع بلا ثمن فإنّه ليس تبديلا لطرف إضافة بطرف إضافة أخرى و قد تقدم الأقوال في هذه المسألة و في بعض منها يمكن دعوى صحّته شرعا أيضا كبيع ما أتلفه زيد على عمرو فضلا عن الصّلح عليه بناء على ما تقدم من أنّ التّالف يبقى في ذمّة المتلف و لا يتبدّل إلى المثل أو القيمة بمجرّد التّلف و على هذا يصحّ بيعه أو الصّلح عليه بما شاء من العوض و لا يلزم الرّبا و هذا بخلاف ما إذا انتقل إلى القيمة فإنّ المعاوضة بينهما و بين النقدين لا تصحّ إلّا إذا كانا متساويين

نعم بناء على عدم جريان الرّبا في الصّلح يصحّ جعل كلّ مقدار عوضا عنها

[مسألة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضمّ معلوم إليه و عدمه]

قوله قدّس سرّه لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضمّ معلوم إليه و عدمه إلى آخره

لا إشكال في أنّه بعد ما ثبت عدم جواز بيع المجهول إمّا للإجماع المحصّل أو المنقول أو لحديث نفي الغرر أو للأخبار المحكيّة عن مستدرك الوسائل فمقتضى القاعدة عدم كفاية ضمّ المعلوم إليه و هو المشهور بين العلماء و قيل إنّ المشهور بين القدماء هو الصحّة و قيل بالتّفصيل بين ما إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال أو منضما إلى المعلوم و بين ما إذا كان تابعا فيبطل على الأوّل و يصحّ على الثّاني و الحقّ هو التّفصيل و لكنّه على بعض الوجوه

ص: 413

لا مطلقا

و توضيح ذلك أنّهم اختلفوا في معنى التّابع في المقام فيظهر من العلّامة في القواعد و التّذكرة أنّ التّابع ما أخذ شرطا في المبيع في مقابل ما جعل جزءا منه و بناء عليه فلا فرق في الصّحة بين أن يكون الشّرط أصلا في الغرض أو تابعا كما لا فرق في البطلان على الجزئيّة بين الصّورتين لأنّه جعل المدار في الصّحة و البطلان على التبعيّة و الأصالة في العقد و إن كانتا متعاكستين في الغرض النّوعي أو غرض شخص المتعاقدين

و يرد عليه ما أورد عليه المحقّق الثّاني من أنّ هذا الفرق ليس بشي ء لأنّ العبارة لا أثر لها و يظهر من الشّهيدين و المحقّق الثاني أنّ المراد من التّابع هو ما يعدّ في العرف تابعا كمفتاح الدار و حمل الأم و البيض الّذي في جوف الدّجاجة و اللّبن في الضّرع و نحو ذلك مما لا يبعد دعوى الدلالة الالتزاميّة بدخوله في المبيع لو لا شرط خروجه

و على هذا أيضا لا نظر إلى الغرض الشّخصي و لا النّوعي فإنّ الحمل في بعض أفراد الخيل لعلّه الأصل بالنّسبة إلى الغرض الشّخصي بل النّوعي و لكنّه بالنّسبة إلى الدلالة الالتزاميّة تابع

و يظهر من العلّامة في المختلف أنّ المراد من التّابع ما يكون تابعا بالنّسبة إلى الغرض من المعاملة سواء كان غرضا نوعيا أو شخصيّا و يظهر من المحقّق القمّي و صاحب الجواهر أنّ المراد من التّابع هو التبعيّة في الجعل و التّباني بمعنى أنّ المبيع و لو كان في الواقع هو المجهول و لكن للتخلّص عن الغرر يجعل تبعا للمعلوم كما في مورد التخلّص عن الرّبا في البيع الخياري في كثير من المعاملات فإنّ التّباني و الجعل على البيع و المقصود هو الرّبا و هكذا ما يستعمله بعض النّاس في التخلّص عن المخاصمة بإيقاع العقد على ما هو ماله يقينا و جعل ما لا يخلو عن مدّع تبعا

و الأقوى هو الوجه الثّاني بل الأوّل أيضا فإنّ المجهول لو كان تابعا للمبيع أو جعل شرطا لا يضرّ جهالته لأنّ ما وقع في عقد المعاوضة مبيعا ليس مجهولا و ما هو مجهول لم يقع عليه العقد و ما أوردنا على الوجه الأوّل تبعا للمحقّق الثّاني غير وارد لأنّ الجزء يسقط عليه الثّمن فإذا كان مجهولا يفسد البيع و هذا بخلاف الشّرط فإنّ الثّمن يقع بإزاء المشروط و هو معلوم

ثم بعد ما عرفت ما هو المقتضي القواعد الكليّة فلو دلّت الرّوايات الواردة في المقام على خلافها فلا بدّ من الاقتصار على موردها و لا يمكن التعدّي عنه إلى غيره لعدم استفادة القاعدة الكليّة منها بحيث تدلّ على أنّ المجهول يصحّ بيعه منضمّا إلى المعلوم مطلقا أصليا كان أو تبعيا جعل جزءا أو شرطا

[مسألة يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه]

قوله قدّس سرّه مسألة يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزّيادة و النّقيصة على المشهور إلى آخره

لا يخفى أنّ موضوع هذه المسألة غير موضوع المسألة الآتية و هي بيع المظروف مع ظرفه فإنّ هذه المسألة عبارة عن بيع الظروف دون ظرفه و لذا يتفرّع عليه مسألة إندار الظّرف

ثم إنّ الإندار المفروض في المقام تارة يلاحظ قبل رتبة البيع و أخرى بعدها و المصنف قدّس سرّه استظهر من عبارات القوم أن مفروض كلامهم هو الثّاني و لكن الحق أنّ عبارتهم و لو لم تكن ظاهرة في الأوّل إلّا أنّها قابلة للحمل عليه مع أنّ صحّة الصورة الثّانية لا تخلو عن إشكال فإنّه إذا وزن الظّرف و المظروف و بيع المظروف قبل الإندار ثم أندر للظرف بعد البيع يكون المبيع مجهولا و لا يصحّحه كون هذا العمل متعارفا عند التجار

ص: 414

و إن تحقّق التّراضي من المتبايعين أيضا و إلّا لصحّ بيع كلّ موزون بلا وزن مع تراضيهما

و بالجملة عنوان هذه المسألة في كلمات الأساطين إنّما هو لاستثناء بيع الموزون الذي لم يعلم وزنه تحقيقا و إنّما علم تخمينا و تقريبا فصورته أن يوزن الظّرف بما فيه ثم يندر مقدار للظّرف مع جريان عادة التّجار على الإندار و مع تراضي المتبايعين على المقدار ثم يباع المبيع فالإندار يوجب تعيين المبيع و الثّمن كليهما و ليس مخصوصا لتعيين ما يستحقّه البائع من الثّمن

ثم إنّ المقدار المندر تارة لا يحتمل الزيادة و النّقيصة إلّا بمقدار يتسامح فيه و أخرى يعلم الزيادة و النّقيصة و ثالثة يحتمل كلاهما و على جميع التّقادير يصحّ البيع مع التعارف و التراضي غاية الأمر في مورد العلم بزيادته على المقدار أو نقيصته يتضمّن البيع هبة من أحدهما بل مقتضى ما ذكرناه من أنّ المدار على التّعارف و الرضاء بما يتعارف هو صحّة الإندار فيما يباع بلا ظرف كما هو المتعارف في بيع المخضرّات فيباع منّ من البطّيخ و نحوه و يندر مقدار منه و يسمّى بالتّرك

و قد يتّفق أنّه بعد وزن مقدار خاصّ يوضع مقدار من الرقي أو البطّيخ فوق الموزون لأنّ هذا مرجعه إلى هبة ذلك المقدار فلا يضرّ زيادته و كيف كان ففيما يوزن مع ظرفه و يباع المظروف فالجهل بمقداره لا يضرّ بصحّة المعاملة و على ما ذكرنا يصحّ الإندار سواء باع المظروف جملة بكذا أو باعه كلّ رطل بدرهم فإنه بعد ما وزن المجموع و ترك للظرف مقدارا و باع المظروف فسواء باعه جملة بعشرة دراهم أو باعه كلّ رطل بدرهم فقد لوحظ المبيع في الرّتبة المتأخّرة عن الإندار

ثم لا يخفى أن

قوله قدّس سرّه بأن يقول بعتكه كل رطل بدرهم

هو القسم الصّحيح من أقسام العشرة من بيع الصّبرة و هو بيع الجملة كلّ قفيز بدرهم لا القسم الباطل و هو بيع كل قفيز منها بدرهم و على هذا فالمبيع في الحقيقة مجموع ما في الظرف سواء قيل بعتكه بكذا أو بعتكه كلّ رطل بكذا ففي كلا القسمين بالإندار يتعيّن المبيع و ما يستحقّه البائع من الثّمن

فقوله قدّس سرّه و قد علم ممّا ذكرنا أنّ الإندار الّذي هو عبارة عن تخمين الظّرف الخارج عن المبيع بوزن إنّما هو لتعيين حق البائع و ليس حقّا للمشتري إلى آخره

لا يستقيم لما عرفت أنّ بالإندار يتعيّن كلا الحقّين

و العجب أنّه قدّس سرّه استظهر من عبارة فخر المحقّقين أنّه جعل عنوان البحث هو الوجه الثّاني مع أنّها لو لم تكن صريحة في أنّ الإندار في رتبة قبل البيع فلا أقل من ظهورها فيه و لعلّ أمره قدّس سرّه بالتأمّل يرجع إلى ذلك

و كيف كان فالمتيقّن من الصّحة هو ما اعتاد الإندار فيه بين التّجار و تحقّق رضاء المتبايعين بالمقدار لأنّه ليس في البين دليل يدلّ بإطلاقه على صحّته من دون تراض منهما

أمّا رواية عليّ بن أبي حمزة و رواية عليّ بن جعفر فصريحتان في اعتبار التراضي فلم يبق إلّا موثقة حنان و هي أيضا ظاهرة في كون المورد مورد الرّضا لقوله يحسب لنا النّقصان لمكان الزقاق فإنّ الحاسب و المحسوب له مختاران في إندار المقدار فمفروض السّؤال هو مورد التراضي مع أنّها على فرض إطلاقها تقيّد بالرّوايتين الصّريحتين في اعتبار التراضي منهما

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه استظهر من الرّوايات النقصان و الزيادة الفعليّتين فوقع في محذور توجيهها مع أنّ الظّاهر منها هو احتمالهما ثم لا يخفى أنّ بعد دلالة الأخبار على صحّة إندار ما يحتمل الزيادة و النّقيصة لا وقع للتمسّك لصحّته بأصالة عدم زيادة

ص: 415

المبيع عليه و عدم استحقاق البائع أزيد ممّا يعطيه المشتري من الثّمن فإنّ الأصل حجّة حيث لا دليل

هذا مع أنّه بمفاد ليس التامّة و إن كان صحيحا إلّا أنّه لا أثر له و بمفاد ليس النّاقصة ليست له حالة سابقة و إجراء العدم المحمولي لترتيب آثار النعتي مثبت و على هذا فلا يدور صحّة الإندار مدار مطابقته للواقع بل يصحّ مطلقا زاد أو نقص نعم هذا فيما إذا لم يعلم بالزيادة و أمّا لو علم فيحتاج إلى رضاء جديد غير الرضا بأصل الإندار و إلّا فلا يجوز كما هو ظاهر ما يستفاد من الرّواية الأخيرة فإن قوله ع لا بأس في ذيل الرّواية و هي ربما يشتري الطّعام من أهل السّفينة ثم يكيله فيزيد قال ع ربما نقص قلت و ربما نقص قال فإذا نقص ردّوا عليكم قلت لا قال لا بأس ظاهر في أنّه إذا زاد دائما ففيه بأس أو يكره كما هو ظاهر موثقة حنّان من قوله ع و إن كان يزيد و لا ينقص فلا تقربه فإنّ النّهي عن التقريب إلى الزيادة ظاهر في الكراهة

و كيف كان ففي موضوع البحث و هو احتمال الزيادة و النّقصان لا أثر لانكشاف الخلاف فإن من هذه الأخبار يستفاد أمران الأوّل صحّة بيع المجهول في هذا القسم المتعارف بين التّجار و الثاني عدم استحقاق البائع على المشتري شيئا إذا لم يكن وزن الظّرف بالمقدار الّذي أندر له بل كان أقل و عدم استحقاق المشتري على البائع إذا كان وزن الظّرف في الواقع أزيد فإن خبر عليّ بن جعفر ع متضمّن للسّؤال عن صحّة هذا البيع و فساده بقرينة قوله أ يحلّ ذلك البيع و خبر حنان متضمّن لاستحقاق كلّ من البائع و المشتري بما وقع بقرينة قول معمّر الزيّات فيحسب لنا النّقصان لمكان الزّقاق

قوله قدّس سرّه ثم الظّاهر أنّ الحكم المذكور غير مختصّ بظروف السّمن إلى آخره

قد أشرنا إلى أنّ الإندار و التّرك إذا كان متعارفا بين التجّار يصحّ مطلقا و الظّاهر أنّ موارده أربعة الأوّل في ظروف السّمن و الزّيت و الدّبس و النفط و نحو ذلك ممّا يصعب إفراغه و بيع المظروف وحده الثّاني ظروف المتاع كالجوالق و نحوها الثّالث ما يكون مصاحبا للمبيع و يصعب التفريق بينهما كالشّمع في الحليّ المصنوعة من الذهب و الفضة و الّذي يوضع في الجلود لئلا يفسد كالملح في الجلد الّذي يراد دبغه فيما يتعارف بيعه بالوزن و هكذا الدّبس الّذي يصب في الزقاق و نحو ذلك الرابع الترك المتعارف في الخضروات

هذا تمام الكلام في مهمّات البيع و أحكامه و يتلوه إن شاء اللّٰه تعالى أقسام الخيار و أحكامه و الحمد للّه أوّلا و آخرا و الصلاة و السّلام على مؤسّس قواعد الدّين محمّد و آله الطيّبين الطاهرين و اللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين

كتبه محمّد علي التبريزي الغروي طبع في المطبعة الحيدريّة في طهران

الجزء الثّاني

اشارة

ص: 2

هذا هو الجزء الثّاني من كتاب منية الطّالب في حاشية المكاسب لمؤلّفه حجّة الإسلام الحاج الشّيخ موسى النّجفي الخوانساري دامت بركاته

[القول في الخيارات]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف أنبيائه محمّد و آله الأئمّة الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّٰه على أعدائهم أجمعين أبد الآبدين

[مقدمتان]

[الأولى في معنى الخيار لغة]

قوله قدّس سره الخيار لغة اسم مصدر من الاختيار إلى آخره

أقول الخيار بمعناه اللّغوي يشمل كلّ مورد كان لأحد المتعاقدين أو لغيرهما اختيار في أمر فالأوّل كملك الزّوجين الفسخ بالعيوب و الثّاني كملك العمّة و الخالة فسخ العقد على بنت الأخ و الأخت و غير ذلك ممّا كان الشّخص مختارا في الفعل و التّرك و بمعناه الاصطلاحي لا عموم له كذلك بل هو حقّ ثابت لشخص في خصوص نقص العقد و العهد و إبرامه

و عرّفه المصنف قدّس سره بأنّه ملك فسخ العقد و عرّفه المحقّقون من القدماء بأنّه ملك إقرار العقد و إزالته و الحاصل من تعريف المصنف أنّ أحد طرفي الاختيار وجوديّ و الآخر عدميّ و من تعريف القدماء أنّ طرفيه وجوديّ و الحقّ ما اختاره القدماء و قبل تحقيقه ينبغي تمهيد مقدّمة قد أشرنا إليها في كتاب البيع و هي أنّ العقود بحسب الثبوت على أقسام ثلاثة منها ما يقتضي اللّزوم ذاتا و منها ما يقتضي الجواز كذلك و منها ما لا يقتضي شيئا منهما فما كان من الأوّل فشرط الخيار فيه ينافي مقتضاه و لا يقبل الفسخ و لا الإقالة و ما كان من الثّاني فشرط اللّزوم ينافي مقتضاه و ما كان من الثّالث فلا ينافي كلّ واحد من الشّرطين فيه

و أمّا بحسب الإثبات فقد استكشفنا من الأدلّة أنّ عقد النّكاح و الضّمان من الأوّل و لذا لا يصحّ فيهما جعل خيار الفسخ و لا يقبلان الإقالة و لا ينافي ذلك جواز فسخ النّكاح بالعيوب الخاصّة و يتخلّف بعض الشّروط و جواز فسخ الضّمان إذا تبيّن إعسار الضّامن مع عدم علم الدّائن به لقيام الدّليل عليه بالخصوص و استكشفنا منها أنّ الهبة من الثّاني و البيع من الثالث

ثمّ إذا كان العقد مقتضيا للّزوم أو الجواز بذاته فاللّزوم أو الجواز حكميّ و لا يقبلان

ص: 3

الإسقاط كما هو الشّأن في جميع الأحكام الشرعيّة سواء كانت ثابتة في العقود أم في غيرها فلو التزم العاقد في إنشائه بضدّ ما اقتضاه العقد كان منافيا لمقتضاه و مخالفا للكتاب و السّنة و لو التزم بما اقتضاه لما أفاد إلّا التّأكيد و أمّا ما لا اقتضاء له فاللّزوم أو الجواز حقّي قابل لجعل الخيار فيه و إسقاطه ثمّ إنّ الالتزام بما اقتضاه ذات العقد من اللّزوم أو الجواز أو الالتزام بمضمون المعاوضة في العقد الّذي لا يقتضي أحدهما إنّما هو بالدّلالة الالتزاميّة

و توضيح ذلك أنّ ما ينشأ بالعقود إمّا مدلول مطابقي و إمّا التزامي أمّا المطابقي فهو في البيع نفس تبديل المال بالمال الّذي يحصل بالمعاطاة أيضا و أمّا الالتزامي فهو التعهّد بما أنشأ و الالتزام به و هذا هو العقد و العهد الموثق لا المعنى المطابقي الحاصل بالفعل أيضا و لذا قلنا في باب المعاطاة بأنّها بيع لا عقد و قلنا بأنّها تفيد الجواز لعدم تحقّق ما يوجب اللّزوم فيها

ثمّ إنّ هذه الدّلالة الالتزاميّة ناشئة من بناء العرف و العادة على أنّ من أوجد معنى بالعقد يلزم عليه أن يكون ثابتا على ما أوجده و بانيا على إنفاذ ما أنشأه و إلّا لم يقدم أحد على المعاملات الخطيرة و المعاوضة في الأشياء النفيسة و سيجي ء زيادة توضيح لذلك فإذا كان هذا بناؤهم في العقود المعاوضيّة و ما يشبهها فكلّ عقد كان اللّزوم من مقتضيات ذاته يصير هذا الالتزام مؤكّدا له كالنّكاح و الضّمان و كلّ عقد كان الجواز من مقتضياته كالهبة يخرج عن عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالتخصيص و كلّ عقد لا اقتضاء له يصير بهذه الدّلالة ذا اقتضاء كالبيع و قوله عزّ اسمه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ناظر إلى هذه الدّلالة لا الدّلالة المطابقيّة لأنّ وجوب الوفاء في البيع بلحاظ معناه المطابقي إنّما هو لحرمة التصرف في مال الغير لا لأنّه عقد و عهد موثق

و بعبارة أخرى في المعاوضات العقديّة مدلولان المطابقي و هو بيع و الالتزامي و هو عقد و وجوب الوفاء يناسب لحاظ العقديّة كما هو صريح الآية فإذا كان اقتضاء اللّزوم من جهة إنشاء العاقد المدلول الالتزامي و التزامه به فلو ثبت الخيار في عقد بأحد الوجوه الثّلاثة الآتية يوجب تخصيص الآية الشّريفة و يكون حقّا مالكيّا قابلا للإسقاط كما أنّه يقبل الإقالة للتّلازم بينهما إذا كان حقيّا و كان بمعناه المصطلح لا بمعناه اللّغوي الشّامل للحكمي أيضا و لا شبهة أنّ الخيار في المقام إنّما هو بمعناه المصطلح لأنّه لو ثبت الخيار في العقد لأحد إمّا بالشرط كبيع الشّرط أو بجعل شرعي كخيار الحيوان و المجلس أو لتخلّف شرط ضمني كالغبن و العيب و نحوهما فمعنى ثبوته أنّ التعهّد بمدلول العقد الّذي تعهّد به العاقد على نفسه و قلنا إنّه من باب بناء العرف و العادة على أنّ كلّ من عقد عقدا يلزم أن يكون على عقده و يبقى على عهده زمام أمره بيد المعاقد أي لثبوت الخيار ليس هذا الالتزام ملكا للطّرف و ليس كنفس المدلول المطابقي الذي هو ملك للطّرف و لو مع الخيار فإذا كان مالكا لالتزام نفسه فله إقراره و إبرامه و له حلّه و نقضه

و بعبارة أخرى ثبوت الخيار لأحد معناه أنّ اختيار المدلول الالتزامي المنشأ من المتعاقدين وضعا و رفعا بيد ذي الخيار فله ردّ ما ألزمه على نفسه من إنفاذ العقد فينحلّ العقد و له إبقاء ما التزم به طرفه له فيستقرّ العقد

إذا عرفت هذه المقدّمة

ص: 4

ظهر أنّ كلّا من طرفي الخيار أمر وجوديّ و قوامه بملك كلا الالتزامين و العقد الغير الخياري قوامه بملك التزام الطّرف و خروج التزام نفسه عن قدرته و بالإقالة يرد ما خرج و يخرج ما دخل و لذا لو أقالا يرد كلّ منهما الالتزام الّذي ملكه إلى طرفه و من هنا ذكروا أنّ الخيار يدخل في كلّ ما يدخل فيه الإقالة

قوله قدّس سره و إن أريد منه إلزام العقد و جعله غير قابل لأن يفسخ ففيه أنّ مرجعه إلى إسقاط حقّ الخيار فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار إلى آخره

بعد ما ظهر أنّ أجود التعريفين تعريف القدماء بأنّ الخيار ملك إقرار العقد و إزالته ظهر أنّ مرجع إلزام العقد ليس إلى إسقاط حقّ الخيار لأنّ معنى إلزامه إعمال أحد طرفي الخيار و أمّا إسقاط الحقّ فهو أمر فوق الخيار فإنّ الإسقاط إذهاب موضوع الحق لا إعماله كما أنّ الإعراض عن الملك فوق السّلطنة و به يذهب موضوع المال و ليس الإعراض من أنحاء السّلطنة على المال

و بالجملة ليس إسقاط الحق في قبال حلّ العقد بل المقابل له الالتزام بالعقد و إن كان أثره الإسقاط هذا مضافا إلى ما سيجي ء من المصنف في أحكام الخيار أنّ الخيار ليس عبارة عن ملك فسخ العقد و عدمه لأنّ نفس عدم الفسخ ليس إعمالا لأحد طرفيه بل يحتاج إلى أمر وجوديّ و هو الرّضا بمضمون العقد

[الثانية ذكر غير واحد تبعا للعلّامة في كتبه أنّ الأصل في البيع اللّزوم]

قوله قدّس سره ذكر غير واحد تبعا للعلّامة في كتبه أنّ الأصل في البيع اللّزوم إلى آخره

لا يخفى أنّ الأصل بمعنى الرّجحان المستند إلى الغلبة لا يرجع إلى محصّل فإنّه ممنوع صغرى و كبرى فالمراد منه إمّا القاعدة المستفادة من العمومات و الاستصحاب أو معناه اللّغوي بمعنى أنّ وضع البيع و أساسه على اللّزوم و ذلك لما ذكرنا من أنّ بناء العرف و العادة على التزام كل عاقد بما ينشئه و يشعر بذلك عبارة التذكرة من قوله و الغرض تمكّن كلّ من المتعاقدين من التصرّف فيما صار إليه و إنّما يتمّ ذلك باللّزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه انتهى

و بالجملة العقد هو العهد الموثق فهو كالبيعة المتعارفة بين الرّؤساء و التّابعين لهم و كالتعهّد الحاصل بتصفيق كلّ منهما يده على يد الآخر فإذا كان هذا بناء العرف و العادة في المعاملات مع عدم ردع الشّارع عنه فيصير كلّ عقد معاوضيّ و ما يشبهه كالنّكاح متضمّنا لهذا البناء و دالّا عليه بالدّلالة الالتزاميّة

نعم لو جعل أحدهما زمام هذا الالتزام لنفسه أو جعله الشّارع له فيصير ذا خيار حقّي قابل للإسقاط و لذا عبّرنا عن الخيار بملك الالتزام لأنّه حقّ لا حكم

قوله قدّس سره بقي الكلام في معنى قول العلّامة إلى آخره

الأولى أن يقال في توجيه كلام العلّامة أنّ الخروج عن أصالة اللزوم يتحقّق بأمرين الأوّل ملك الالتزامين أي الخيار و الثّاني ملك أخذ ضميمة مع مال الطّرف عوضا عن ماله

و بعبارة أخرى كما أنّ العقد يقتضي اللّزوم كذلك يقتضي أن يكون أحد العوضين فقط عوضا عن الآخر فإذا ثبت الخيار فيه يخرج عن اقتضائه اللّزوم و إذا ظهر العيب فيه يخرج عن اقتضائه كون أحد العوضين وحده عوضا عن الآخر لاقتضاء ظهور العيب الأرش مع العوض

و بالجملة ثبوت العيب أو ظهوره و إن كان سببا للخيار إلّا أنّ الخيار الحاصل به مختلف في السّنخ مع سائر الخيارات لأنّ أخذ الأرش ليس من باب فسخ العقد في جزء من مدلوله حتّى يكون من سنخها و حتّى يورد عليه بأنّه لا يعتبر في الأرش

ص: 5

كونه جزءا من الثمن بل هو ملازم لإبقاء العقد على حاله بالنّسبة إلى أصل التزامه بالتّبديل و إنّما يتصرف فيه بأخذ ضميمة مع المعيب مع أنّ المنشأ كان معوضيّة نفس المبيع للثمن لا معوّضيّته مع شي ء آخر

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا أنّ الأصل بمعناه اللّغوي بل بمعنى الاستصحاب و بمعنى القاعدة المستفادة من العمومات لا يختصّ بالبيع بل يطرد في كلّ عقد معاوضي مبناه على اللّزوم

قوله قدّس سره فمنها قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إلى آخره

لا يخفى أنّه لو كان المجعول بالأصالة هو الحكم التّكليفي و كان المجعول المنتزع هو الوضعي كاللّزوم في المقام يجب أن يكون الحكم التّكليفي المستتبع للحكم الوضعي مناسبا له و مجعولا على نحو ينتزع المطلوب منه فعلى هذا يكون مفاد الآية وجوب الوفاء بالعقد و العمل بما اقتضاه مطلقا أي في جميع الأزمنة و بالنّسبة إلى كلّ زماني لأنّ ببركة مقدّمات الحكمة يتمّ إطلاق وجوب الوفاء بالنّسبة إلى كلتا الجهتين لأنّه لو كان وجوب الوفاء به في وقت دون وقت و بالنسبة إلى عدم الفسخ لا مع الفسخ يلزم لغوية تشريعه فمفاد هذا الحكم التكليفي هو وجوب الوفاء به في جميع الأزمنة و مع طروّ كلّ طار كما أنّ المناسب للفظ الوفاء أن يكون متعلّقه المعنى المصدري أي الإيجادي من العاقد و الإصداري منه لا اسم المصدري و هو الحاصل من التزامه الّذي هو العقد

و بعبارة واضحة المناسب لوجوب الوفاء أن يكون متعلّقه نفس تعهّده لا ما تعهّد به فيندفع عن المصنف ما أورد عليه المحقّق الخراساني قدّس سره في حاشيته على المتن من أنّ مع الشكّ في تأثير الفسخ يكون التمسّك بالإطلاق من باب التمسّك فيما لا يعلم انطباق المطلق عليه و ذلك لأنّه لو كان متعلّق الوفاء هو العقد بمعنى اسم المصدر فمع الشّك في تأثير الفسخ يكون تمسّكا بالإطلاق فيما لا يعلم أنّه عقد سيّما إذا قلنا إنّ الفسخ حلّ العقد من حين العقد

و أمّا لو كان متعلّقه فعل المكلّف فإذا كان الوفاء به واجبا و بقاؤه على قوله و إبرامه ما تعهّد به لازما فلازمه بقاء ما تعهّد به و عدم تأثير فسخه و نستكشف منه بقاء عقده كالاستكشاف من عموم أكرم العلماء أنّ زيدا الّذي يحرم إكرامه ليس زيدا العالم

و بعبارة أخرى لو كان الفسخ رافعا لموضوع الوفاء و موجبا لذهاب التعهّد بالمعنى المصدري عن صفحة الوجود و عن ظرفه لكان وجوبه مع تحقّق الفسخ تمسّكا بالإطلاق في مورد الشكّ في المصداق و أمّا لو كان الفسخ رافعا للعقد فمع الشّك في تأثيره يمكن وجوب الالتزام بما التزم به و بهذا البيان يمكن أن يقال بعدم الاحتياج إلى الإطلاق بالنّسبة إلى الزّماني بل يكفي إطلاقه في الزّمان لأنّه إذا كان الوفاء بالتعهّد لازما في جميع الأزمان فلازمه عدم تأثير الفسخ

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ اللّزوم المستفاد من الحكم التكليفي ليس تعبّديّا صرفا بل لمناسبة الحكم و الموضوع يعلم أنّه حقّ مالكي بل يمكن استفادة كونه حقّا من مقابلة الجمع بالجمع في الآية الشّريفة أيضا فإن كلّ مكلّف إذا كان مكلّفا بالوفاء بعقده يستلزم أن لا يكون الوفاء بوصف الاجتماع مطلوبا على المتعاقدين فعلى هذا يجب على كلّ واحد الوفاء بما تعهّد به مع وفاء الآخر به فإذا استقال أحدهما الآخر فله الإقالة و لا نحتاج إلى إطلاق أدلّة الإقالة حتّى يقال إنّ موردها منحصر في استقالة الزّلات و العثرات لا العقود و المعاهدات بل لو كان موردها العقود أيضا لم يعلم جريانها في كلّ عقد و ذلك لأنّ وجوب الوفاء لو كان حقّا مالكيّا فمقتضى

ص: 6

القاعدة جريان الإقالة في كلّ عقد مبناه على اللّزوم لو لا الخيار و يشهد به المعاهدات بين الدّول و البيعة التي كانت بين الأئمّة عليهم السّلام و أصحابهم فإنّ الحسين ع قال لأصحابه مرارا رفعت بيعتي الّتي كانت في رقابكم و أنتم في حلّ منّي و بهذه المضامين قال الحسن ع لقيس بن سعد بن عبادة لما امتنع عن البيعة مع معاوية لبيعته مع الحسن ع و هذه البيعة و إن لم تكن قابلة للحلّ و ليست كبيعة العشائر مع شيوخهم و رؤسائهم إلّا أنّ النّاس حيث كانوا قريب عهد بالجاهلية فعاملوهم عليهم السّلام بما ارتكز في أذهانهم

و كيف كان فالعهد و العقد يجب البقاء عليه ما دام الآخر باقيا على عهده لأنّ كونه حقّا مالكيّا يقتضي جواز الإقالة لكلّ منهما فليس وجوب الوفاء من قبيل حرمة بيع العبد المسلم من الكافر تعبّديّا غير قابلة للرّفع و لو مع رضا العبد المسلم و ليس وجوبه أيضا كوجوب الصّلاة بحيث لا يترتّب على عصيانه غير العقاب بمعنى أنه يحرم عليه الفسخ و لكن لا ينافي تأثيره لأنّ مقتضى كونه حقّا مالكيّا أن يكون بمنزلة وجوب أداء الدّين فمعناه أنّ الفسخ لا يؤثّر و العقد لا ينفسخ به

هذا كلّه لو كان المجعول الأصلي هو الحكم التّكليفي و أمّا لو كان هو الوضعي كما هو الحقّ في أمثال اللّزوم فإن الملكيّة و الرّقيّة و الولاية و اللّزوم و نحو ذلك بنفسها قابلة للجعل و ليست كالشّرطيّة و الجزئيّة و المانعيّة الّتي لا تقبل الجعل بالأصالة فدلالة الآية على المطلوب أظهر لأنّها على هذا إمضاء لما عليه العرف و العادة من بنائهم على لزوم الالتزام بما التزموا به فمقتضى هذه الدّلالة أن يكون العقد بنفسه بحسب الدّلالة اللّفظيّة موجبا للزوم ترتيب آثار ما التزم العاقد على نفسه فإذا أمضى الشّارع هذا البناء إمّا بالأمر الإرشادي نظير الأوامر في باب الأجزاء و الشّرائط أو بأمر مولوي لحقّ مالكي لا للتعبّد الصّرف يصير اللّزوم مجعولا كمجعوليّة الولاية و الملكيّة

و الحق أنّ المجعول الأصلي هو الوضعي الّذي هو منشأ لترتّب آثار الملك من جواز التصرّف و التقلّب لأنّ المجعول الشرعي في المعاملات بأجمعها هو إمضاء ما عليه النّاس فيها و بناؤهم على جعل الوضعي أوّلا لا العكس أي لا يجوّز البائع للمشتري أوّلا جواز التصرّف فينتزع منه الملكيّة بل بناؤهم على أن جواز التصرّف من آثار الملكيّة و كيف كان فسواء كان اللّزوم منتزعا أو مجعولا بالأصالة فهو ليس من مقتضيات العقد في نفسه و عن مفاد لفظ المتعاقدين مدلولا مطابقيّا أو التزاميّا مع قطع النّظر عن حكم الشّارع حتى يقال إنّ العمل بالعقد و وجوب الوفاء به هو العمل بما يقتضيه من لزوم أو جواز لأنّ مقتضاه في نفسه ليس إلّا التبديل مطابقة و الالتزام بترتيب آثار الملكيّة على البيع التزاما الّذي أمضاه الشّارع بقوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إمّا انتزاعا أو أصالة لا لزوم هذا الالتزام أو جوازه

و بالجملة لزوم الالتزام أو كونه باختيار العاقد ليس إلّا مستفادا من أدلّة لزوم العقد أو من أدلّة الخيارات فكلّ منهما من المجعولات الشرعيّة الخارجة عن مقتضيات العقد في نفسه

قوله قدّس سره و من ذلك يظهر الوجه في دلالة قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ إلى آخره

لا يخفى أنّ حرمة الرّبا التي في هذه الآية جعلت قبالا لحلّيّة البيع إمّا بمعنى حرمتها التّكليفيّة و الوضعيّة كليهما و إمّا خصوص أحدهما و الاستدلال بهذه الآية يتمّ لو كان المراد منها الأعمّ أو خصوص التّكليفيّة و إلّا لو كان المراد منها فساد الربا فبقرينة

ص: 7

المقابلة يصير المراد من الحليّة الصّحة لا اللّزوم

ثمّ على فرض أن يكون المراد من الحلّية حلّيّة جميع التصرّفات إلّا أنّ مع الشّك في ثبوت الحلّيّة بعد الفسخ لا يمكن التمسّك بإطلاقها لأنّه من قبيل التمسّك بالإطلاق مع الشكّ في المصداق لأنّ الفسخ لو كان مؤثّرا لكان هنا رافعا و مزاحما مع أصل الحلّيّة و هذا بخلاف نحو أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّ الفسخ ثمّة لا يرفع موضوع وجوب الوفاء الّذي هو الالتزام بالمعنى المصدري و إنّما يرفع العقد الّذي هو اسم المصدر

و توضيح ذلك أنّ القيود الرّاجعة إلى الموضوع يمكن أن يكون الحكم بالنّسبة إليها مطلقا و مقيّدا و أمّا حالات نفس الحكم فلا يمكن أن يكون الحكم بالنّسبة إليها مطلقا أو مقيّدا فضلا عن أن يكون مطلقا أو مقيّدا بالنّسبة إلى رافعه و طارده و نظير ذلك ملاحظة الأحكام الثّابتة للأشياء بعناوينها الأوليّة مع الأحكام الثّابتة لها بعناوينها الثّانويّة فإنّ إباحة الماء لها إطلاق بالنّسبة إلى اشتراط ترك شربه في ضمن عقد لازم من حيث ذات الاشتراط أي من حيث إنّه فعل من أفعال المكلّف كإطلاقها بالنّسبة إلى سائر أفعاله و أمّا من حيث أثره فلا يمكن أن يكون لها إطلاق لأنّ أثر الاشتراط رافعيّة الإباحة و الإباحة لا إطلاق لها بالنّسبة إلى وجودها و عدمها

و السرّ في ذلك أنّ المحكوم ليس ناظرا إلى نفسه فضلا عن أن يكون مطلقا بالنّسبة إلى حاكمه و في مقامنا هذا الفسخ لو كان مؤثّرا لكان رافعا لأصل الحلّيّة و لا إطلاق لها بالنّسبة إلى رافعها بخلاف تأثير الفسخ في حلّ العقد فإنّه لا يزاحم وجوب الوفاء و لا موضوعه الّذي هو التّعقيد و إنّما يرفع العقدة الحاصلة من فعل العاقد فيمكن التمسّك بإطلاق أَوْفُوا في رفع هذا الشكّ

و هذا هو السّر في تخصيص المصنف هذا الإشكال بأحلّ اللّٰه البيع و أمثاله دون أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و بالجملة بعد الفسخ نشكّ في حلّية التصرّف كالشّك في حلّية أكل المال بالتجارة عن تراض فالتمسّك بعقد المستثنى في هذه الآية لا يفيد أيضا لرفع الشّكّ عن تأثير الفسخ

قوله قدّس سره و منها قوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إلى آخره

تقريب الاستدلال بعقد المستثنى منه يتوقّف بعد الفراغ عن كون المراد من الأكل فيه هو التملّك لا الازدراد على أن يكون المراد بالباطل هو ما يسمّى باطلا عرفا و أن يكون العرف مع الشّك في أنّ بالفسخ يمكن التملّك أم لا حاكما بالبطلان

و بعبارة أخرى يتوقّف الاستدلال على أمرين الأوّل أن يكون نظر العرف متّبعا في في تعيين المصداق و الثّاني أن يكون حاكما بأن ما لم يعلم كون الفسخ سببا للتملّك أن يكون التملّك باطلا و كلاهما ممنوعان أمّا الأوّل فلأنّ نظرهم متّبع في تعيين المفاهيم لا المصاديق إلّا أن يكون تعيين المصداق راجعا إلى تعيين المفهوم و أمّا الثاني فلعدم حكمهم في مورد الشّك في كون شي ء سببا مملّكا بعدم كونه مملّكا و باطلا لشكّهم في السّبب فكيف يحكمون بعدم المسبّب

و نظير هذا التقريب للاستدلال استدلال المصنف في أوّل باب البيع بأدلّة المعقود في مورد الشكّ في الأسباب مع إقراره بأن الأسماء و عناوين العقود كالبيع و الصّلح و الهبة إنّما هي موضوعة للمسبّبات دون الأسباب فقال و أمّا وجه تمسّك العلماء بإطلاق أدلّة البيع و نحوه فلأنّ الخطابات لمّا وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع و شبهه في الخطابات الشّرعيّة على ما هو الصّحيح

ص: 8

المؤثّر عند العرف إلى آخره

و نحن قد استوفينا الكلام في هذا المرام و قلنا إنّه لو كان باب العقود و آثارها من قبيل الأسباب و المسبّبات لا باب الإيجاديّات بالأدلة لما كان وجه للتمسّك بإطلاق ما يرجع إلى إمضاء المسبّبات لرفع الشّكّ في تأثير سبب من الأسباب لأنّ كلا منهما يحتاج إلى إمضاء على حده و لا يرجع إمضاء تبديل المال بالمال إلى إمضاء ما كان القبول فيه مقدّما على الإيجاب لعدّه العرف سببا فراجع و اغتنم

و بالجملة لا يفيد التمسّك بعقد المستثنى و لا المستثنى منه بوصف الانفراد نعم مجموع العقدين يفيد المطلوب و ذلك لأنّ المستثنى هنا مستثنى منقطع فإنّ التّجارة عن تراض ليس من الباطل و محكوما بخلافه بل خارج عنه موضوعا و حكما و إخراجه عنه موضوعا ليس كخروج الحمار عن القوم تكوينا بل نفس الدّليل هنا ناظر إلى خروجه فمفاد العقدين أنّ كلّ تملّك ما عدا التّجارة عن تراض هو داخل في أكل المال بالباطل فأخذ المال من المنتقل إليه و التملّك عنه بدون رضاه أي التملّك بالفسخ هو التملّك بالباطل

قوله قدّس سره و ممّا ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله ع لا يحلّ إلى آخره

لا يخفى أنّ تقريب الاستدلال به كتقريبه في الآية المتقدّمة بالنّسبة إلى مجموع العقدين و ذلك لأنّ كون المستثنى مفرغا لا يصحّ إلّا فيما كان المستثنى منه المقدر عاما فعدم حلّية جميع أنحاء التّقلّبات من الأكل الازدرادي و التملّكي إلّا مع طيب نفس المالك لا يصحّ إلّا أن لا يؤثّر الفسخ

نعم هذا الحكم كالحكم المستفاد من الآية المتقدّمة قابل للتّخصيص بأدلّة الخيار و غيرها فما لم يعلم التّخصيص بالفسخ و نحوه يكون العام متّبعا و بالجملة لا يمكن منع الإطلاق أو العموم بالنّسبة إلى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و الخبر الشّريف لا يحلّ لدلالتها على أنّ الفسخ لا يؤثر و ليس التمسك بها من قبيل التمسّك بالعام أو المطلق فيما لا يعلم الانطباق عليه و ذلك لما عرفت أنّ الفسخ لا يرجع إلى ما تعلّق به الوفاء في الآية الأولى و ليس أيضا تجارة عن تراض لأنّ الملك قبل الفسخ داخل في ملك من انتقل إليه فالتملّك عنه به و التكسّب به تكسّب لا عن تراض و ليس أيضا بطيب نفس المالك فلا يحلّ التملّك به فعلى هذا لا وجه للإيراد على جميع الأدلّة بنهج واحد

قوله قدّس سره و منها قوله النّاس مسلّطون إلى آخره

لا إشكال في أنّ السّلطنة التامّة على الأموال تقتضي أمرين الأوّل عدم قصر سلطنة المالك على ماله بأن لا يقدر على البيع و الصّلح و أمثالهما كما إذا كان ماله مرهونا أو كان هو مفلسا أو سفيها الثّاني عدم تسلّط غيره على إخراج ماله عن ملكه كما إذا كان لغيره حقّ الخيار أو دين يحكم الحاكم بجواز المقاصّة منه فإذا اقتضى السّلطنة عدم تسلّط الغير إلّا لحقّ أو حكم فيقتضي عدم تأثير الفسخ من غيره بلا حقّ و لذا لا يجوز للمقرض إرجاع العين من ملك المقترض لمنافاته للسّلطنة التامّة للمقترض على ماله فعلى هذا لو قلنا بأنّ ملك الفسخ و الإقرار متعلّق بالعين فمع الشّكّ فيه يصحّ التمسّك بإطلاق النّاس مسلّطون على عدم تأثير الفسخ لأنّ الفسخ ينافي عدم تسلّط غير المالك على مال المالك

و أمّا لو قلنا بأنّ الفسخ يتعلّق بالعقد بمعنى أنّ الخيار يبطل التبديل الواقع من العاقدين من دون إرجاعه العين و رجوع العين إنّما هو أمر قهري يحصل بحلّ العقد ففي مورد الشّك لا يمكن التمسّك بالإطلاق لأنّ الفسخ لا يرجع إلى تصرّف غير مالك العين فيها

و بالجملة لو قلنا

ص: 9

بأنّ الخيار متعلّق بالعين فلازمه أنّ من عليه الخيار لا يتمكّن من التصرّف فيها لمنافاته لتعلّق حقّ الغير بها و لازمه أيضا عدم نفوذ الفسخ ممّن لم يعلم ثبوت الخيار له و أمّا لو قلنا بأنّه متعلّق بالعقد فلازمه جواز تصرّف من عليه الخيار و عدم صحّة التمسّك بإطلاق النّاس مسلّطون

قوله قدّس سره و منها الأخبار المستفيضة إلى آخره

لا يخفى أنّ المناقشة في هذه الأدلّة بأنّ دلالتها على وجوب البيع و أنّه لا خيار لهما بعد الرّضا إنّما هو بلحاظ ما يقتضيه نفس البيع لا للأمور العارضة أحيانا من غبن و عيب و لأجل هذا لا يكون أدلّة سائر الخيارات مخصّصة لها كما في حاشية المحقّق الخراساني قدّس سره غير صحيحة فإن نفس أدلّة سائر الخيارات تدلّ على التّخصيص و أنّ وجوب البيع الحاصل بالافتراق مثلا إنّما هو في غير الحيوان كصحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت له ما الشّرط في الحيوان قال ثلاثة أيّام للمشتري و قلت ما الشّرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرّضا و هكذا الصّحيحة المحكيّة عن قرب الأسناد

و بالجملة فالمناقشة في الأدلّة من دأب المصنفين و هم بصدد بيان الاحتمال و لو كان على خلاف الظّاهر لتوسعة أذهان المحصّلين و إلّا فدلالة هذه الأخبار على اللّزوم في خصوص البيع ممّا لا تنكر كما أنّ دلالة غير آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ على أصالة اللزوم في العقود المعاوضيّة كذلك و دلالة أَوْفُوا على أصالة اللّزوم في مطلق العقود و لو كان العهد الّذي بين اللّٰه تعالى و عباده أيضا كذلك

قوله قدّس سره و قد عرفت أنّ ذلك مقتضى الاستصحاب أيضا إلى آخره

لا يخفى أنّ العقود على ثلاثة أقسام الأوّل العقود الإذنيّة كالعارية و الوديعة و الوكالة و المضاربة الّتي قوامها بالإذن من المالك الّتي يكفي فيها كل لفظ أو فعل كاشف عن الرّضا منه و لا إشكال في أنّ مقتضاها أنّ مع فسخ المالك ينتفي رضاه بالتصرّف فيرتفع ما هو قوامها فلا يجري فيها الاستصحاب بل في الحقيقة هذه الأقسام خارجة من باب العقود بالتخصّص و إنّما تسمّى عقدا لاعتبار رضا الطّرفين و إلّا فهي ليست إلّا تسليطا على التصرّف

نعم لو اشترط عدم الفسخ في ضمن عقد آخر فهي تابعة لذلك العقد و أمّا لو اشترط عدمه في نفس هذا العقد كما لو وكله و شرط عدم عزله فلا يفيد هذا الشّرط لأنّ كلّ ما بالغير لا بدّ أن ينتهي إلى ما بالذات و نفس الوكالة لو كانت جائزة فالشّرط في ضمنها مثلها

و الثّاني العقود التّنجيزيّة كالبيع و الصّلح و أمثالهما و لا إشكال أنّ مقتضى الاستصحاب بقاء أثر ما أنشأ بالعقد فينتج نتيجة اللّزوم و المناقشة فيه بمعارضة باستصحاب بقاء علاقة المالك الأوّل المقتضي لتأثير فسخه في استرجاع المال إلى ملكه و حكومته على استصحاب ما ينتج اللّزوم لأنّ الشكّ في اللزوم و الجواز ناش عن الشك في بقاء علاقة المالك الأوّل ممنوعة جدّا لأنّ علاقة المالك إن أريد بها العلاقة الّتي بها يقدر على فسخ العقد و حلّه بناء على أنّ الخيار راجع إلى ذلك ففيه عدم تحقّق المستصحب قبل العقد و عدم تيقّنه بل نقطع بعدمه لأنّه قبل البيع لا عقد حتّى يمكن لبائعه مثلا حلّه و أمّا حين البيع فتحقّق هذا الحقّ له أوّل الكلام

و إن أريد بها علاقة بها يقدر على إرجاع العين في ملكه فهي مستحيلة الاجتماع مع الملك أي قبل البيع ليست هذه العلاقة له لأن كون

ص: 10

الإنسان مالكا لإرجاع العين الّتي في ملكه إلى ملكه ليس له معنى محصل فقبل البيع نقطع بعدم المستصحب أيضا و أمّا بعده فإنّه و إن أمكن ثبوت هذا الحقّ أي إرجاع العين إلى ملكه بجعل شرعي أو مالكي له إلّا أنّ المفروض أنّ الشّكّ فيه و الأصل عدم حدوثه

و إن أريد بها العلاقة الّتي كانت في مجلس البيع ففيه أنّ الشّكّ في بقائها بعد التفرّق حيث إنّه إمّا لاحتمال ثبوت خيار آخر له مع خيار المجلس و إمّا لتبدّل هذا الخيار إلى خيار آخر فهو من الاستصحاب المقارني أو التبدّلي من القسم الثّالث الّذي لا نقول بجريانه إلّا أن يكون نحو وجود المستصحب وجودا تبدّليّا كالحركة و ذلك لأنّ الصحّة الّتي كانت في المجلس مقطوع الارتفاع و الحصّة الأخرى مشكوك الحدوث من أوّل الأمر و نفس مفهوم الكلّي لا وجود له إلّا في ضمن أحد الفردين و ليس من قبيل القسم الثاني

و بالجملة مع عموم الأخبار بأن مع الافتراق ينقطع الخيار لا معنى لاستصحاب بقاء خيار المجلس و الخيار الآخر مشكوك الحدوث ثمّ من هذا البيان ظهر أنّه يمكن أن يكون وجه التأمّل في قوله فتأمل هذا الّذي ذكرنا يعني أنّ التمسّك بالأخبار إنّما هو لبيان ارتفاع خيار المجلس لا لإثبات اللّزوم بالأخبار حتّى يقال إنّ الكلام في استصحاب اللّزوم إنّما هو مع الإغماض عن العموم إذ مع فرض وجوده لا وجه للتمسّك باستصحاب الملكيّة

و بالجملة التمسّك بالأخبار إنّما هو لبيان أنّ علاقة المالك الحاصلة له في المجلس ارتفعت بالتفرّق عنه فيبقى استصحاب ما ينتج اللّزوم سليما عن الحاكم

قوله قدّس سره نعم هو حسن في خصوص المسابقة إلى آخره

هذا هو القسم الثالث من العقود و هي العقود التعليقيّة كالمسابقة و المراماة و المساقاة و الجعالة و أمثالها و لا إشكال في جريان الاستصحاب في هذه العقود أيضا لأنها و إن لم تتضمّن تمليكا أو تسليطا فعلا إلّا أنّها بعد حصول المعلّق عليه فيها يحصل الملكيّة فأنشأ التّمليك على تقدير السّبق مقتضى لاختصاص السّبق بالسابق فإذا شكّ في ارتفاع هذا الأثر عن العقد لفسخ أحد المتعاقدين فالأصل بقاؤه بل المسلم من حجّية الاستصحاب التّعليقي هذا القسم منه و ما يشبهه من استصحاب عدم الفسخ

و بالجملة التّكليف المنشأ على الموضوع المقدر وجوده كالحجّ على المستطيع لو شكّ في ارتفاعه عن موضوعه فالأصل بقاؤه كما أنّ الملكيّة المنشأة على تقدير كالرّمي و السّبق لو شكّ في ارتفاعها بالفسخ فالأصل بقاؤها و العجب من المصنف قدّس سره أنّه مع تحقق أحد جزأي موضوع الحكم كالعصير العنبي كيف أجرى استصحاب حكمه مع عدم تحقّق جزئه الآخر و في المقام مع أنّه إنشاء تكليف أو وضع على موضوع مقدّر وجوده لم يجر فيه الاستصحاب مع أنّ حقيقة الملازمة بين تحقّق الموضوع و الحكم ثابتة في المقام فهي قابلة للاستصحاب لا مثل حكم العصير العنبي و قد استوفينا الكلام فيه في الاستصحاب التّعليقي

قوله قدّس سره بل يرجع في أثر كلّ عقد إلى ما يقتضيه الأصل إلى آخره

لا يخفى أنّ منشأ الشكّ في اللّزوم و الجواز تارة لشبهة حكميّة و أخرى لشبهة خارجيّة فإن كان للأوّل فحيث إنّه لا أصل يثبت السّبب فيجري الأصل في المسبّب و يقال الأصل بقاء أثر العقد ملكا كان كالبيع أو حقّا كالرّهن و لو كان للثّاني فقد يكون هنا أصل موضوعيّ يثبت اللّزوم و الجواز و قد لا يكون فالأوّل كما إذا علم بأنّ العقد الصّادر بيع و شكّ في جعل الخيار فالأصل عدم

ص: 11

جعله فيثبت اللّزوم أو علم بأنّ الصّادر هبة و شكّ في جعل الثّواب أو قصد القربة فالأصل عدمهما فيثبت الجواز و الثاني كما لو اشتبه العقد الصّادر بين البيع و الهبة أو الإجارة و العارية أو القرض و الوديعة

ثمّ الاشتباه تارة مع بقاء العين و أخرى مع فساده و على التّقادير فقد يكون الاشتباه في مورد الترافع كما لو كان النزاع بين المتعاقدين و أخرى في غير مورده كما لو كان بين وارثهما أو بين أحدهما و وارث الآخر بمعنى أن يدّعي أحدهما عدم العلم فلو كان العقد صحيحا و كان الاشتباه في مورد التّرافع أي كان أحد المتعاقدين و هو من انتقل عنه العين يدعي الهبة و الآخر البيع و العين باقية في يد من ادّعى البيع فلو قلنا بالتّحالف فيرجع العين إلى مالكه الأصلي و لو لم نقل و فسخ مدّعي الهبة فحيث إنّه يشكّ في تأثير الفسخ فمقتضى الأصل بقاء أثر العقد إلّا أنّه يعلم إجمالا إمّا بخروج العين عن ملك من انتقلت إليه و إمّا بثبوت العوض عليه

و حيث إنّ مدّعي الهبة يدّعي عدم استحقاقه العوض فيجب الصّلح بينهما و لو كان النزاع بالعكس أي المالك الأصلي يدّعي البيع و الآخر الهبة أي كان نزاعهما في ثبوت اشتغال ذمّة من انتقل إليه العين بالعوض و عدمه مع اعتراف المالك الأصلي بعدم استحقاقه الفسخ فالأصل براءة ذمّة مدّعي الهبة عن العوض

و لو كان الاشتباه في غير مورد التّرافع أي لا يدّعي أحدهما أو كلاهما العلم بالواقع فمقتضى استصحاب أثر العقد هو اللّزوم و مقتضى أصالة البراءة هو عدم اشتغال ذمّة من بيده العين عن العوض إلّا أنّه يعلم إجمالا بأنّه لو فسخ طرفه فإمّا يجب عليه ردّ العين أو العوض فلا يفيده أصل البراءة و يجب الصّلح بينهما لأنّ الطّرف أيضا يعلم بعدم استحقاقه إمّا العين و إمّا العوض و لو لم يكن العين باقية في هاتين الصّورتين ففي الصّورة الأولى لو ادّعى المالك الأصلي البيع حتّى يستحق العوض فالأصل براءة ذمّة من تلف عنده العين و لو ادّعى الهبة و ثبت الفسخ في حال بقاء العين و ادّعى مماطلة الآخر في ردّ العين فالحكم كما في مورد بقاء العين إلّا أنّ هنا يعلّم تفصيلا ببقاء العوض في ذمّة من تلف عنده العين إمّا المسمّى على ما ادّعاه من البيع و إمّا المثل أو القيمة لعدم ردّه عين مال الغير مع تسليمه المماطلة

و في الصّورة الثّانية الأصل براءة ذمّته عن العوض إلّا أن يقال في جميع الأقسام أنّ مقتضى أصالة الاحترام في الأموال أنّ مدّعي براءة الذمّة تجب أن يثبت مدّعاه و إلّا نفس المال بطبعه يقتضي أن لا يخرج عن ملك مالكه بلا عوض و لا يبعد أن يكون منشأ اختيار المشهور الضمان في مورد اشتباه العقد الصّحيح بين القرض و الوديعة و بين الإجارة و العارية بالنّسبة إلى المنافع و بين البيع و الهبة هو أصالة الاحترام فتدبّر

هذا مع أنّه دلّ نصّ خاصّ على الضّمان في مثل هذه الموارد و هو ما عن أبي الحسن ع عن رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعت فقال الرّجل كانت عندي وديعة و قال الآخر إنّما كانت لي عليك قرضا فقال ع المال لازم له إلّا أن يقيم البيّنة أنّها كانت وديعة

و أمّا لو كان العقد فاسدا ففي صورة بقاء العين يجب ردّها إلى مالكها أو إلى ورثته و في صورة التّلف يجب ردّ عوضها إلى مالكها أو ورثته لأنّ موجب الضّمان و هو اليد قد تحقّق و رافعه و هو إقدام المالك على المجانيّة غير معلوم فيستصحب و يحكم بالضّمان لأنّ الموضوع للضّمان و هو المركّب من اليد و عدم تحقّق رافعه محرز بالوجدان و الأصل و ليس إقدام المالك على

ص: 12

المجانيّة من مفاد كان النّاقصة لليد حتّى يقال إنّ عدم إقدامه من مفاد ليس النّاقصة فليس له حالة سابقة لأنّه لم تتحقّق في زمان يد تتّصف بعدم إقدام صاحبها على المجانيّة و ذلك لأنّ رافع الضّمان ليس من نعت اليد بل هو من صفات ذي اليد كما هو الشّأن في كلّ عرض بالنّسبة إلى محلّه و إمّا بالنّسبة إلى عرض آخر أو جوهر فهما متباينان و لذا يكفي في تحقّقه تحقّقه قبل تسليط المالك على ماله أو بعده كما يكفي تحقّقه معه فإذا تحقّق يد في الأمس و إقدام على المجانيّة في اليوم يكفي لرفع الضّمان و على هذا ففي مورد الشّكّ في الإقدام على المجانيّة يحرز عدمه بالعدم المحمولي

ثمّ لا يخفى أنّه بناء على ما ذكرنا في تحقيق قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن من أنّ الإقدام على الضمان ليس دليلا مستقلّا للضّمان ظهر ما في كلام المصنف في قوله قدس سره و إن كان المستند دخوله في ضمان العين إلى آخره كما أنّه لا يخفى ما في قوله أو لو قلنا بأنّ خروج الهبة من ذلك العموم مانع عن الرّجوع إليه لأنّ الهبة خارجة عن عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و مثله لا عن عموم على اليد ما أخذت لأنّ عمومه غير ناظر إلى العقود

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ الرّجوع في أثر كلّ عقد إلى ما يقتضيه الأصل بالنّسبة إنّما يتمّ فيما لو كان العقد المختلف فيه له أثر غير أثر ما يدّعيه الآخر من العوض و نحوه و أمّا لو كان المالك الأصلي يدّعي الهبة و الآخر الصّلح المجاني و قلنا بأنّ الصّلح عقد لازم مستقلّ فمقتضى استصحاب اللّزوم عدم تأثير فسخ مدّعي الهبة

[القول في أقسام الخيار]

[الأول في خيار المجلس]
[مسألة لا إشكال في ثبوته للمتبايعين إذا كانا وكيلين في الجملة]

قوله قدس سره و الأولى أن يقال إنّ الوكيل إن كان وكيلا في مجرّد إجراء العقد فالظّاهر عدم ثبوت الخيار لهما إلى آخره

لا يخفى أنّ الوجوه التي ذكرها المصنف ره تبعا للمحقّقين تامّة لا إشكال فيها أمّا الانصراف فمنشؤه أنّ الوكيل في إجراء الصّيغة بمنزلة الآلة و كأنّه لسان الموكّل فنسبة البيع إليه في الحقيقة نسبة مجازيّة و ذلك لأنّه و إن كان مختارا في إنشاء عنوان البيع إلّا أن مبادي اختيار اسم المصدر غير قائم به و أمّا كون مفاد أدلّة الخيار عدم ثبوته لمجري الصّيغة فوجهه ما يستفاد من مناسبة الحكم و الموضوع من أنّ المحمول الّذي رتّب على البيع هو المحمول في الرتبة الثّانية من الحمل

و توضيح ذلك أنّ محمولات الموضوعات مختلفة بعد اتفاقها في تجرّد عقد وضع موضوعاتها عنها فمثل حمل الموجود على ماهية يكون الموضوع فيه الماهيّة المعراة عن الوجود و العدم و مثل حمل كاتب على زيد الموضوع فيه ما يكون مفروغ الموجوديّة و مثل حمل تحرّك الأصابع عليه الموضوع هو الموجود الكاتب و بهذه المناسبة يختلف الموضوع في باب الاستصحاب لفرق العرف بين موارده فلا بدّ أن يلاحظ أنّ العناوين المأخوذة في الموضوعات بل هي من قبيل العلل كالتغيّر لعروض النّجاسة على الماء أو من قبيل الوسائط في العروض أي الموضوع هذا المعنون بالعنوان كالمجتهد الّذي هو موضوع لجواز التّقليد و تمييز هذين الأمرين بنظر العرف و لذا بعد زوال التغيّر يقولون بأنّ الموضوع باق بخلاف زوال الاجتهاد

ففي المقام الذي أخذ موضوعا للخيار أخذ بعد مفروغيّة مالكيّته لالتزام الطّرف المقابل أي بعد كونه قادرا على الإقالة و ردّ التزام طرف المقابل قادرا على إعمال التزام نفسه بإبقائه أو إعدامه

و بعبارة واضحة مفاد أدلّة الخيار إثبات حقّ و سلطنة لكلّ من المتعاقدين في نقض ما التزم به و إبرامه بعد الفراغ عن سلطنته على الإقالة و ردّ

ص: 13

ما التزم الآخر به و لا شبهة أنّ مجري الصّيغة لا يملك التزام الآخر و ليس له الإقالة حتّى يثبت له بأدلّة الخيار ملك كلا الالتزامين

و يجب أن يحمل مراد المصنف من المنتقل عنه و إليه على الالتزام لا العين حتّى يقال إنّ حقّ الخيار لا تعلّق له بما انتقل عنه أو على ما سيجي ء توضيحه و أمّا الدليل الثّالث أي اتّحاد السّياق فأمره أظهر من أن يخفى على أحد فإنّ قوله ع في صحيحة محمّد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا يدلّ على أنّ من له الخيار في الحيوان و من له خيار المجلس واحد و خيار الحيوان لا يمكن الالتزام بثبوته للوكيل في إجراء الصّيغة فكذلك خيار المجلس و الأخبار المطلقة كقوله البيعان بالخيار حتّى يفترقا متّحد في الموضوع مع الأخبار المقرونة بخيار الحيوان لا من باب حمل المطلق على المقيّد فإنّه لا يجري في الأحكام الانحلاليّة كقوله أكرم العالم و أكرم زيدا بل من باب أنّه لا إطلاق في الأخبار المطلقة فإنّ الموضوع فيها من كان له خيار الحيوان في بيع الحيوان

و أمّا الدّليل الرّابع و هو أنّ حكمة جعل الخيار إرفاق للمالك ليتروّى فيختار ما هو الأصلح له فهو و إن كان دليلا اعتباريّا و لا يقتضي الحكمة الاطّراد في كلّ مورد إلّا أنّه نعلم بأن جعل هذا الخيار شرعا لمن ليس له اختيار البيع بلا موجب و لا ينتقض بجعل المتعاقدين الخيار الثالث فإنّه كمال السّلطنة لهما في ذلك و حقّ جعلي مالكي منهما له

ثمّ إنّ هذه الوجوه الثّلاثة الأخيرة إنّما هو بعد الغضّ عن الوجه الأوّل و أمّا بلحاظه فلا نحتاج إلى تطويل و ذلك لما عرفت من أنّ عقد الوضع و هو البيع لا يصدق على مجري الصّيغة لأنّ مبادي اختيار البيع ليس بيده نعم يفيد هذه الوجوه لإثبات عدم ثبوت الخيار للوكيل الّذي تنتهي وكالته بإجراء عقد البيع و إن لم يكن كمجري الصّيغة بل كان مستقلّا في التصرّف في الشّراء أو البيع

و حاصل الكلام أنّ الوكلاء على أقسام ثلاثة الأوّل الوكيل المفوّض المستقلّ في التصرّف على أيّ نحو شاء كالعامل في القراض و أولياء القاصرين و الثاني الوكيل في إجراء الصّيغة فقط و الثّالث المتوسّط بينهما بأن كان وكيلا مستقلّا في المعاوضة إلّا أنّ نفس دليل وكالته لا يشمل فسخ المعاوضة بعد تحقّقها و لو أذن له الموكّل في الفسخ بعد العقد أيضا فهو وكالة مستقلّة فتنقطع وكالته الأولى بعد المعاوضة و إن كان مستقلّا و مختارا في الشّراء مثلا بأيّ مقدار من الثمن و من أيّ بائع

فالقسم الأوّل له الخيار لعموم النّص لأنّه بيع حقيقة بل جميع الوجوه الدالّة على ثبوت الخيار للمالك لو كان بنفسه عاقدا تجري في حقّه أيضا و القسم الثّاني ظهر حاله و الثالث كالثّاني و إن صدق عليه عقد الوضع إلّا أنّ عقد الحمل و هو قوله ع بالخيار لا يشمله لما عرفت من أنّ الخيار سلطنة ثابتة بأدلّته للعاقد بعد الفراغ عن سلطنته على التزام الطّرف المقابل و الوكيل الّذي منتهى وكالته ليس مالكا لالتزام الطّرف المقابل لأنّه ليس له الإقالة و لا الفسخ بغير خيار المجلس من سائر الخيارات حتّى يثبت له خيار المجلس بأدلّته بل هو بعد المعاوضة أجنبيّ صرف

و بتقرير آخر أدلّة الخيارات مخصّصة لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فكلّ من يجب عليه الوفاء بالعقد مختار في الفسخ بدليل الخيار و هو ليس إلّا من كان مسلّطا على ما انتقل إليه فالتسلّط على ما انتقل إليه ملازم لثبوت الخيار و لو كان الخيار راجعا إلى العقد لا العين فمن ليس مسلّطا على

ص: 14

ما انتقل إليه ليس وجوب الوفاء موجّها عليه و من لا يجب عليه الوفاء لو لا الخيار ليس له الخيار فعلى هذا لقد أجاد المصنف قدس سره في تعبيره بأنّ مفاد أدلّة الخيار إثبات حقّ و سلطنته لكلّ من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر بعد الفراغ عن تسلّطه على ما انتقل إليه

و هكذا الوجهان الأخيران لا يجريان في حقّ هذا الوكيل أيضا فإن خيار الحيوان المقرون في الأدلّة مع خيار المجلس ليس له لأنّه أجنبيّ عن الحيوان حتّى ينظر و يتروّى و هكذا الإرفاق للمالك و إن كان حكمة إلّا أنّ الحكمة لا يجب أن يطرد في مورد الحكم المعلّل بها لا في غير مورده مثلا اختلاط المياه الّذي حكمة لجعل العدّة لا يجب أن يطرد إلّا أنّه في مورد ذات العدة لا في البائن الّذي ليس موردا لجعل العدة فالمقام و إن كان جعل الخيار حكمة و إرفاقا للمالك إلّا أنّه جعل له فهو الذي له الخيار و لو لم يكن في مورد خاص جعله له إرفاقا له و لم يجعل لغير المالك فلا وجه لثبوته له

قوله قدس سره و على المختار فهل يثبت للموكّلين فيه إشكال إلى آخره

بعد ما ظهر أنّ الخيار ثابت للوكيل المطلق المفوّض إليه أمر المعاملة بيعا و شراء فسخا و إمضاء دون غيره فهل يثبت للموكّلين مطلقا أو لا يثبت لهما مطلقا أو تفصيل بين الموكّلين في إجراء الصّيغة فلهما ذلك و غيرهما من القسمين الآخرين فليس لهما وجوه أقواها ثبوته لهما مطلقا

أمّا لو كان وكيلهما وكيلا في إجراء الصّيغة فقط لأنّ البيع في الحقيقة نفس الموكّلين و الوكيلان بمنزلة لسانهما و يصدق في حقّهما حقيقة أنهما باعا و اشتريا و أمّا لو كان وكيلهما وكيلا في المعاوضة الخاصّة أو مطلقا فلصحة انتساب البيع إلى نفس الموكّلين أيضا كما يصحّ انتساب الفعل إلى المباشر و السّبب في كلّ فعل و لذا ورد تارة اللّٰهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا و أخرى قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ و ثالثة وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلٰائِكَةُ فنسب الفعل تارة إلى اللّٰه تعالى و أخرى إلى عزرائيل عليه السّلام و ثالثة إلى أعوانه من الملائكة سلام اللّٰه عليهم

نعم قد يناقش فيما ذكرناه بوجوه الأوّل أنّه و إن صحّ استناد الفعل إلى السّبب و المباشر إلّا أنّه في استعمال واحد لا بدّ أن يراد أحدهما فالمراد من قوله ع البيعان إمّا الموكّلان أو الوكيلان و المفروض ثبوته للوكيل المفوّض فلا يمكن ثبوته للموكّل أيضا الثّاني أنّهم ذكروا أنّه لو حلف المالك على عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله فمنه يظهر أن بيع الوكيل ليس بيعا له الثالث أنّه لا شبهة في تأثير فسخ الوكيل المفوّض و إمضائه فكيف يؤثّر فسخ المالك و إمضائه مع أنّ الملك الواحد و الحق كذلك لا يمكن ثبوته لملّاك متعدّدة و ذوي حقوق مختلفة

و لكنّه بأجمعها فاسدة أمّا الأوّل فلأنّ إرادة معنى واحد في استعمال واحد إنّما يلزم لو كان اللّفظ مختصّا بأحد من الأمرين و المأمور أو السّبب و المباشر كالآيات الشّريفة فكما لا يمكن أن يراد من ملك الموت هو اللّٰه تعالى فكذلك لا بدّ أن يراد من يتوفّاكم في هذه الآية الفعل بالمباشرة و أمّا لو كان اللّفظ من قبيل البيع أو المميت مثلا فلا يجب أن يراد منه أحد من المباشرة و السّبب لإمكان إرادتهما منه و لو على نحو عموم المجاز

و بالجملة يراد من البيع معنى عامّا له مصاديق مختلفة في كيفيّة صدور الفعل منهم على نحو التسبيب و المباشرة و أمّا الثاني فعدم حنث المالك ببيع وكيله مضافا إلى اختصاصه بغير مورد الوكيل

ص: 15

في إجراء الصّيغة لحنثه ببيعه أن عدم الحنث إنّما هو لاعتبار الالتفات و الاختيار في متعلّق النّذر و أمّا البيع فلم يعتبر الاختيار و لا الالتفات فيه فيصدق في حقّ الموكّل أنّه بائع و إن لم يلتفت إلى بيع وكيله و أمّا الثالث ففيه أنّ تعدّد الملّاك في ملك واحد في آن واحد إنّما يمتنع لو كان كلّ مالك في عرض الآخر و أمّا في المقام فملك الوكيل في طول ملك المالك و من شئون ملكه و من باب أنّه هو الوكيل و الوكيل هو الموكّل

هذا مضافا إلى أنّ حكمة جعل الخيار تقتضي ثبوته للموكّل أيضا و بالجملة إذا كان الموكّلان حاضرين في المجلس فالأقوى ثبوته لهما و إن لم يجتمعا للبيع و لم يعلما به أمّا اعتبار حضورهما فلظاهر قوله ع ما لم يفترقا أمّا عدم اعتبار اجتماعهما للبيع و التفاتهما به فلإطلاق الدّليل و عدم اعتبار شي ء سوى الاجتماع

ثمّ بناء على ثبوت الخيار للموكّلين و الوكيلين طوليّا فكلّ من سبق من الوكيل هو الموكّل على إعمال الخيار نفذ و ذهب موضوع حقّ الآخر و ذلك ظاهر كما يظهر توضيحه في خيار الشّرط المجعول للأجنبيّ

قوله قدّس سره ثمّ على المختار من ثبوته للموكّلين فهل العبرة فيه بتفرّقهما عن مجلسهما حال العقد أو عن مجلس العقد أو بتفرّق المتعاقدين أو بتفرّق الكلّ فيكفي بقاء أصيل مع وكيل آخر في مجلس العقد وجوه أقواها الأخير إلى آخره

لا يخفى أن كفاية بقاء أصيل مع وكيل آخر في مجلس العقد مع اعتباره قدس سره حضور الموكّلين في المجلس متنافيان و ذلك لأنّه لو لم يعتبر استدامة الحضور ممّن له الخيار لم يعتبر في الابتداء أيضا لأنّ استفادة الاجتماع في المجلس إنّما هو من قوله ع ما لم يفترقا فلو صدق عدم تفرّق الموكّل ببقاء وكيله في المجلس صدق اجتماعه أيضا ابتداء و إن لم يكن نفس الموكّل حاضرا في المجلس رأسا لأنّ عدم صدق تفرّقه ليس إلّا أنّ الوكيل هو الموكّل تنزيلا فإذا كان كذلك فلا يعتبر حضوره أصلا فالأولى أن يقال لو كان الموكّلان حاضرين في المجلس و لو لم يجتمعا للبيع فيثبت الخيار لهما مطلقا

و أمّا لو لم يحضرا فلو كان الوكيلان وكيلين في إجراء الصّيغة فقط أو في خصوص معاملة خاصّة بحيث تنتهي وكالتها بالعقد فلا خيار أصلا لا للموكّلين و لا للوكيلين أما للوكيلين فلمّا ظهر سابقا

و أمّا للموكّلين فلعدم حضورهما و حضور الوكيلين لا يفيد لاجتماع البيعين اللّذين هما الموكّلان حقيقة فإن بعد انقطاع الوكالة ليس اجتماع لأحد أصلا و لا بدّ في إعمال الخيار من اجتماع من له الخيار فلا يفيد حضور الموكّلين بعد العقد قبل تفرّق الوكيلين أيضا لأنّ حال البيع لا اجتماع و حال الاجتماع لا خيار

و بعبارة أخرى يظهر من قوله ع ما لم يفترقا اعتبار اجتماع من له الخيار من حين البيع إلى حين إعمال الخيار فلو لم يحصل لا خيار فعلى هذا لو وكّلهما الموكّلان بالفسخ بعد العقد مع عدم حضور أنفسهما لا يصحّ لأنّ نفس وكالتهما في إجراء الصّيغة أو في المعاملة لا يثبت لهما حقّا في الفسخ و الإمضاء و إذنهما في الفسخ و الإمضاء بعد عدم ثبوت الخيار لأنفسهما لعدم حضورهما لا يؤثّر في ثبوت حقّ للوكيل لأنّ ثبوت حقّ له إنّما هو فرع ثبوته لموكّله

و أمّا لو كان الوكيلان وكيلين مفوّضين مستقلّين فيكفي عدم تفرّقهما لثبوت الخيار للموكّلين و لو لم يجتمعا أصلا و ذلك لما عرفت من أنّ الحقّ الثّابت للوكيلين إنّما هو لأنّهما بدنا تنزيليين للموكّلين و لأنّ البائع في الحقيقة هو الموكلين لأنّ البيع كسائر المشتقات

ص: 16

كقوله باع فلان داره موضع لمن انتقل عنه المال و المنتقل عنه المال هو المالك لا الوكيل فليس للوكيل حقّ في عرض حقّ الموكّل و إنّما حقّه من شئون حقّ المالك و من حيث إنّه نازل منزلته فإذا كان المالك هو البيع و كان اجتماع الوكيل بمنزلة اجتماع المالك فلا يعتبر حضور المالك أصلا

و بالجملة حيث إنّ الحقّ الثّابت للوكيل إنّما هو لكونه مالكا تنزيلا و لذا نختار في المسألة الآتية عدم انتقال حقّ الخيار الثّابت له إلى وارثه لكونه ذا حقّ من حيث وكالته لا من حيث ذاته فيكفي عدم تفرّقه للثّبوت حقّ للمالك و لو مع عدم حضوره و هذا مراد العلّامة قدس سره من أنّه لو مات الوكيل في المجلس و الموكّل غائب انتقل حقّ الخيار إليه لأنّ ملكه أقوى أي خيار الموكّل باق و بموت الوكيل لا ينتقل إلى وارثه لأنّ ملكه من شئون ملك الموكّل و من تبعات وكالته و لم يكن له حقّ في عرض حقّ الموكّل حتّى ينتقل إلى وارثه

و بالجملة لو كان حقّ الوكيل حقّا مستقلّا و كان الخيار ثابتا له و لموكّله بما هما شخصان كثبوت حقّ الخيار للورثة على أحد الأقوال فيه لكان الانتقال إلى الوارث في محلّه و كان المقام من تقديم الفاسخ على المجيز و لازمه عدم ثبوت الخيار للموكّل مع عدم حضوره و سقوط حقّه مع افتراقه

و أمّا لو كان حقّه طوليّا و من باب أنّه هو الموكّل تنزيلا فلا وجه لانتقاله إلى وارثه و لا لثبوت حقّ الموكّل بعد فسخ الوكيل أو إمضائه و لا لاعتبار حضور الموكّل أو سقوط حقّه بتفرّقه بل لو قلنا باعتبار حضوره أيضا لا يسقط حقّ الخيار بتفرّقه ما دام الوكيل باقيا لأنّ التفرّق كالانفصال و سائر الأفعال الموجبة الّتي هي بمعنى النّافية لا يصدق إلّا مع تفرّق الجميع و ليس كالإيجاب الذي يصدق بأوّل وجوده

قوله قدس سره و ممّا ذكرنا اتّضح عدم ثبوت الخيار للفضوليّين إلى آخره

لا إشكال في هذا أصلا لأنّه و إن صدق البيع على الفضولي إلّا أنّ الوجوه الّتي ذكرناها في عدم ثبوته لمجري الصّيغة جارية هنا بل بطريق أولى إنّما الكلام في ثبوته للمالكين لو كانا حاضرين في مجلس عقد الفضوليّين و أجازا في المجلس و لا يبعد ثبوته لهما لأنّ بالإجازة ينتسب العقد إليهما و المفروض حضورهما في المجلس فيصدق عليهما البيعان الغير المفترقين

و لو لم يكونا حاضرين معا في المجلس فلو لم يجتمعا في مجلس الإجازة أيضا بأن أجازا متفرقين فلا إشكال في عدم ثبوت الخيار لهما و أمّا لو حضرا في مجلس الإجازة فيظهر منه قدس سره أنّه على النّقل لا سيّما على القول بأنّ الإجازة عقد مستأنف أن لثبوته لهما وجها

و لكن الحقّ عدم ثبوته لهما أيضا لأنّ النّقل أو الكشف لا مدخليّة له في صدق البيع المجتمع حال البيع عليهما لأنّ الانتقال و إن حصل حال الإجازة إلّا أنّه لو احتمل خصوصيّة الاجتماع حال العقد فلا دافع لهذا الاحتمال و إطلاق البيعان بالخيار ليس بصدد البيان من هذه الجهة و أمّا القول بأنّ الإجازة عقد مستأنف فمردود جدّا و ممّا ذكرنا أوّلا يظهر ما إذا كان أحد المالكين مباشرا للعقد و الآخر مجيزا و جمع العقد من الأصيل و الفضولي مع الإجازة مجلس واحد عرفا فإنّه لا يبعد ثبوت الخيار هنا فقط لأنّ حين الإجازة يصدق عليهما البيع المجتمع

نعم لو كان مجلس الإجازة غير مجلس العقد فلا خيار لهما و إن اجتمعا معا حين الإجازة لعدم تأثير هذا الاجتماع أصلا لصيرورة العقد في بدو الأمر عقدا للأصيل و الآن للمالك فلا وجه لثبوته

[مسألة لو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره ولاية أو وكالة]

قوله قدس سره مسألة لو كان العاقد واحدا

ص: 17

لنفسه أو غيره إلى آخره

لا يخفى أن ثبوت الخيار للعاقد الواحد المتولّي طرفي العقد يتوقّف على أن يكون قوله ع ما لم يفترقا و حتّى يفترقا بيانا للمسقط بحيث يكون قوله ع البيعان بالخيار كلاما مستقلا لا يرتبط بقوله ع ما لم يفترقا أي كان مفاد الكلام أنّ الخيار للبيعين ما داما في المجلس و أمّا إذا افترقا فيسقط حقّهما و أمّا لو كان ظاهرا في القيديّة للموضوع أي البيعان الغير المفترقين يثبت لهما الخيار فيختص الخيار بمورد يمكن فيه الاجتماع و الافتراق فلو فقد هذا الوصف ابتداء كما في المقام أو طرأ ثانيا كما إذا مات الوكيل المفوّض في المجلس و لم نقل بانتقال حقّ الخيار إلى غيره و لم يكن المالك في المجلس فلا خيار أصلا و الظّاهر أن قوله ع ما لم يفترقا قيد للموضوع فيعتبر ثبوته للبيعين اللّذين من شأنهما الاجتماع و الافتراق و لا أقلّ من الشكّ

نعم لو قيل بإجمال الأدلّة فمقتضى الاستصحاب الفرق بين ما إذا طرأ فقد هذا العنوان و ما إذا فقد ابتداء فيقال بثبوت خيار المجلس في الأوّل و عدم قابليّته للسّقوط إلّا بمسقط آخر لعدم إمكان الافتراق و عدم ثبوته في الثاني للشكّ في ثبوته ابتداء

[مسألة قد يستثنى بعض أشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار]
[منها من ينعتق على أحد المتبايعين]

قوله قدس سره منها من ينعتق على أحد المتبايعين إلى آخره

لا يخفى أنّ صحّة هذا العنوان بناء على المشهور من عدم توقّف الملك على انقضاء الخيار تتوقّف على أن يكون البيع معاوضة حقيقيّة بأن ينتقل من ينعتق إلى ملك من ينعتق عليه و أمّا لو قيل بأنّه استنقاذ محض كاشتراء المسلم الأسير من الكفّار فلا يشمله أدلّة الخيار

ثمّ بناء على كونه بيعا معناه دخول المبيع في ملك المشتري حقيقة و إن لم يستقرّ على ملكه لانعتاقه عليه قهرا و هذا هو المقصود من الملك التّقديري في باب أعتق عبدك عنّي أي الملك الحقيقيّ الغير المستقرّ الثّابت آنا ما لا الملك الفرضي كأنياب الأغوال و على هذا ينزل التّقديري في قول المصنف لا الفرضي و الحاصل أنّا إذا قلنا إنّ الملك فيمن ينعتق عليه تقديريّ لا تحقيقيّ و لكن على نحو البيع الاستنقاذي لا على نحو التقديري في باب أعتق عبدك عنّي فإنّه تحقيقيّ فالأولى الاستدلال لعدم ثبوت الخيار بما ذكرنا من أنّ أدلّة الخيار لا تشمله فإنّه لا يصدق على المتعاقدين البيعان و إن أنشئا الملكيّة فإنّ الإنشاء مقدمة للانعتاق لا بما ذكره المصنف

و حاصله أنّ بيعه ممّن ينعتق عليه إقدام على إتلافه فلا خيار للبائع و شراء المشتري من ينعتق عليه إتلاف له في الحقيقة فلا خيار له فإن مع قصور أدلّة الخيار لا تصل النوبة إلى هذا الاستدلال

نعم ما ذكره قدس سره أيضا متين جدّا و لا يختصّ بمورد العلم و ذلك لأنّ المعاملة الّتي أوجدها المتبايعان إذا كانت سببا لإتلاف المبيع لا يبقى موضوع لتعلّق الخيار به و إن قلنا بتعلّقه بالعقد لا بالعين فإنّ التّفصيل بين تعلّقه بالعقد أو بالعين يؤثر فيما لو استقرّ الملك ثم تلف و أمّا لو كان نفس البيع سببا للتّلف فلا فرق بينهما كما لا فرق بين العلم و الجهل لو كان البيع من باب إيجاد السّبب

نعم لو قلنا بأنّ الانعتاق حكم شرعيّ مترتب على الملك فمجرّد علم المتبايعين به لا يؤثّر في سقوط الخيار لأنّهما لم يقدما إلّا على بيع العبد و الانعتاق و الخيار حكمان مجعولان واردان على هذا الموضوع فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجّح

و على هذا فيمكن

ص: 18

أن يكون قوله فتأمّل راجعا إلى عدم الفرق بين مورد العلم و الجهل في كلا طرفي النّفي و الإثبات أي يمكن أن يقال بثبوت الخيار حتى في مورد العلم لأنّ الإقدام على موضوع ذي حكم ليس إقداما على الحكم و يمكن أن يقال بسقوط الخيار حتى في مورد الجهل لأنّ إنشاء البيع إذا كان سببا للإتلاف فالجهل به لا يقتضي عدم تأثير السّبب كما في كلّ ما كان من قبيل الأسباب و المسبّبات

نعم قد يتوهّم هنا إشكال آخر على أصل ثبوت الخيار أو سقوطه فإنّ النّزاع فيه إنّما هو بعد تحقّق القبض من المشتري ثم دعوى الرّجوع إلى القيمة لثبوت الخيار و امتناع تعلّقه بالعين أو سقوطه لعدم إمكان تلقّي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه و إذا فرض أنّ البيع إتلاف للمبيع فلم يتحقّق القبض من المشتري و لكنّك خبير باندفاع هذا التوهّم لأنّ نفس انعتاقه عليه إقباض و إلّا يلزم أن يكون تلفه على البائع و لا يستحقّ شيئا من الثمن و القيمة

قوله قدس سره و قد يقال إنّ ثبوت الخيار لمن انتقل عنه مبنيّ إلى آخره

هذا القول لصاحب المقابس قدس سره و محصّل مرامه أنّه لو قلنا بأن الانعتاق معلول للملك الّذي هو مترتب على العقد و الخيار في عرض الملك فله الخيار بالنّسبة إلى القيمة كما هو مفروض كلامه لأنّ الملك و الخيار كليهما معلولان للعقد عرضا و الانعتاق معلول لأحد المعلولين فهو متأخّر رتبة عن علّته الّتي هي في عرض المعلول الآخر إلّا أن يقال نسبة الخيار و الملك إلى العقد ليست نسبة المعلولين إلى العلّة حتّى يقال إنّ الانعتاق متأخّر رتبة عن الخيار حيث إنّه مترتّب على الملك الّذي هو في عرض الخيار و ذلك لأنّ الخيار من أحكام العقد لا من معلولاته و الملك أيضا ليس معلولا له بل هو المنشأ به فإذا كان الخيار من أحكامه و كان له جهة الحرفيّة لا الموضوعيّة و الاسميّة بمعنى أنّه حلّ له من حيث المنشإ و إرجاع للإضافة المالكيّة فيمتنع إعماله في المقام الّذي لا يمكن فرض مالكيّة المفسوخ عليه

و أمّا لو قلنا بأنّ الانعتاق و الخيار كليهما معلولان للعقد أو معلولان للملك و الخيار معلول للملك و الانعتاق للعقد ففيه وجهان

أحدهما السّقوط أمّا على الأخير فلسبق الانعتاق على الخيار و أمّا على الأوّلين فلأنصيّة أخبار العتق و لا يقال يمكن الجمع بينهما بتأثير العتق و رجوع ذي الخيار إلى القيمة لأنّ القيمة بدل العين فيمتنع استحقاقها من دون المبدل

و ثانيهما الثّبوت للجمع بين الحقّين و لا يقال لا يمكن الجمع بينهما لتعارض النصّين فإنّ التّعارض إنّما هو بالنّسبة إلى نفس العين و أما بالنّسبة إلى القيمة فلا منافاة أصلا بل هو عمل بالنصّين و مقتضى ثبوت حقّ الخيار الرّجوع إلى القيمة للإجماع على عدم إمكان زوال يد البائع عن الثّمن و عن قيمة المبيع و تنزيلا للفسخ منزلة الأرش من عدم سقوطه لو ظهر عيب في المبيع مع انعتاقه على المشتري أي كما أنّ الانعتاق لا يوجب سقوط حق المشتري من الأرش لو ظهر المبيع معيبا فكذا لا يوجب سقوط حق البائع بالنّسبة إلى القيمة لعدم التنافي بينهما و ممّا ذكرنا ظهر أنّ جميع ما وجّه به الثبوت راجع إلى وجه واحد و هو ثبوت القيمة

نعم يرد على وجه السّقوط أنّ الأنصيّة لا توجب الترجيح في المقام لأنّ تعارض أخبار الانعتاق و الخيار ليس من باب تعارض الدّليلين بل نظير تزاحم الحقّين فأنصيّة أخبار العتق لا تفيد تقديمه على الخيار

قوله قدس سره أقول إن قلنا

ص: 19

إنّه يعتبر في فسخ العقد بالخيار و بالتقابل إلى آخره

محصّله أنّه لو قلنا بأنّ الفسخ يوجب خروج الملك عن ملك من انتقل إليه إلى ملك من انتقل عنه يمتنع الخيار في المقامين الأوّل في مسألتنا هذه لأنّ رجوع العمودين إلى ملك البائع يقتضي كون المشتري مالكا للعمودين و ذلك ممتنع لأنه لا يترتّب على ملكيّة لهما سوى الانعتاق الثّاني في ما لو انتقل بالملك اللّازم إلى الثّالث فإنّه يمتنع أن يرجع المبيع إلى البائع الأوّل مع أنّ المشتري الثّاني اشتراه من المشتري الأوّل و السّر في ذلك ما ذكرناه من أن تقدير الملك ليس مجرّد الفرض بل له واقع غاية الأمر أنّه ملك غير مستقرّ و الملك الحقيقيّ الآني يمتنع في هذين المقامين نعم

في مورد التّلف الحقيقيّ يمكن تقدير الملك قبل التّلف آنا ما للبائع و أمّا لو قلنا بأنّ الفسخ لا يقتضي أزيد من ردّ العين إن كانت موجودة و بدلها إن كانت تالفة أو بحكم التّلف فلا مانع من إعمال الخيار في جميع المقامات

و الحقّ ذلك إذ لا موجب لتقدير الملك بل لا موجب لضمان من عليه الخيار فإنّ مجرّد تلف المبيع في يد المشتري من مال البائع لا يوجب ضمان المشتري لماله لو لم يكن يده يد ضمان و لو كانت فلا موجب للتقدير و المفروض أن نفس المعاملة اقتضت التّضمين بمعنى أنّ درك التّالف على من تلف عنده لأنّ حقيقة البيع تقتضي تضمين كلّ منهما لمال الآخر و معنى ضمانه أنّه لو تلف عنده يصير عوضه المسمّى ملكا مستقرّا للآخر فالعين قبل الفسخ مضمونة بثمنها و أمّا بعد الفسخ فمضمونة بقيمتها لو كانت تالفة لأنّ عدم إقدام المتبايعين مع قبض العوضين يقتضي ضمان كلّ منهما لمال الآخر فما دامت العين موجودة لو فسخ أحدهما ردّت العين و لو كانت تالفة ردّت قيمتها لأنّ بالفسخ ينحل المعاملة فيرد الثّمن و يأخذ القيمة

إلّا أن يقال إنّ التّضمين الّذي يتصوّر في هذا القسم من المعاملة إنّما هو التّضمين من حيث أصل المعاملة و هو جعل العوض للمبيع و جعل المعوّض للثّمن بمعنى تبديل المال بالمال

و أمّا التّضمين المطلق الّذي يقتضي الضّمان بالمسمّى قبل القبض بحيث إذا تلف المبيع أو الثّمن انفسخت المعاملة و ردّ الباقي منهما إلى مالكه الأصلي و يقتضي الضّمان بالمثل أو القيمة بعد القبض بحيث إذا تلف المقبوض و طرأ فسخ أو انفساخ أو إقالة يرد مثله أو قيمته إلى الطّرف فلا يعقل هنا لأنّه لا يمكن للبائع مثلا أن يلتزم بضمان المبيع و كون دركه عليه بالضّمان المطلق حتى في مورد التّلف لأنّ معنى ضمانه كذلك أن يكون تلفه من ماله و لازمه أن يقدّر العبد ملكا له آنا ما قبل التّلف و لازمه عدم انعتاقه على المشتري و هذا ينافي حكم الشّارع به

و على هذا فلا يمكن أن تجري القاعدة الأخرى في المقام و هي أنّ بالقبض ينتقل الضّمان لأنّ معنى هذه القاعدة أنّ القبض يقتضي أن يكون تلف المقبوض على مالكه الفعليّ عكس تلفه قبل القبض لأنّه على مالكه الأصلي و يقتضي أيضا انتقال الضّمان بالمسمّى إلى الضّمان الواقعيّ و هذه القاعدة فرع القاعدة الأولى فإذا لم يكن للبائع مثلا الالتزام بالمسمّى بالضّمان المطلق قبل القبض لم يكن له الالتزام بالضّمان المطلق بعد القبض بالضّمان الواقعي فلا يقدر على حل العقد بالفسخ و لا بالإقالة و ليس هذا العقد بعد صحّته قابلا لأن يطرأ عليه انفساخ فتدبّر

قوله قدس سره إلّا مع إقدام

ص: 20

المتبايعين على المعاملة مع العلم إلى آخره

ذكرنا سابقا أنّ شراء من ينعتق لو كان من باب الاستنقاذ لا البيع الحقيقيّ فسقوط الخيار في كمال الوضوح لإيجاد البائع ما هو سبب للإتلاف و أمّا لو كان من قبيل البيع الحقيقيّ كما هو ظاهر أكثر الأخبار من أنّه يملك فينعتق عليه فسقوطه مشكل حتّى في مورد العلم إلّا على ما ذكرنا من أنّ المعاملة الكذائيّة بنفسها سبب للإتلاف و لا يقاس على ما إذا باع عبدا و شرط عتقه على المشتري لأنّ مجرّد الشّرط ليس سببا للعتق فإنّ للشارط إسقاط شرطه فالبيع بشرط العتق ليس سببا للإتلاف و هذا بخلاف بيع من ينعتق على المشتري قهرا و هكذا لا يقاس على ما إذا شرط البائع على المشتري تصرّفا ناقلا أو أذن له في التصرّف النّاقل أو التّالف فإنّ مجرّد الشّرط و الإذن مع إمكان إسقاط الشّرط أو الرّجوع عن الإذن ليس موجبا لسقوط حق الخيار لأنّه ليس سببا لإتلاف المبيع

و بالجملة التصرّف بلا إذن و الإذن بلا تصرّف من المأذون ليس موجبا لسقوط حقّ الخيار بخلاف المقام فإنّه كالإتلاف الخارجيّ و السّر فيه أنّ الخيار يثبت بالنّسبة إلى القيمة في مورد لا يكون من أحد المتبايعين إقدام على المجانيّة و في المقام مع علم البائع بأنّ المبيع ينعتق على المشتري لا يمكن تضمينه إيّاه و إذا امتنع التّضمين امتنع الفسخ فامتنع الخيار

[و منها شراء العبد نفسه]

قوله قدس سره و منها شراء العبد نفسه إلى آخره

مفروض المسألة هو ما لو اشترى نفسه من مولاه بماله لنفسه و بعد فرض كون العبد مالكا للمالك كما يظهر في باب المكاتبة و فاضل الضّريبة يرد إشكالان في المقام الأوّل أنّه و إن كان العبد مالكا إلّا أنّه و ملكه ملك للمولى و في البيع يشترط أن يكون الثّمن و المثمن مختلفين مالكا لأنّه تبديل طرف إضافة بطرف إضافة لشخص آخر و ليس تبديلا مكانيا فلا يعقل أن يبدّل الإنسان أحد ماليه بالآخر و في المقام نفس العبد ملك للمولى و الثّمن الّذي هو ملك للعبد ملك للمولى أيضا فكيف يبيع عبده بمال عبده الّذي هو ماله الثّاني أنّ العبد كيف يملك نفسه مع أنّه لا يعقل أن يتّحد الملك و المالك

فصحّة هذه المعاملة تتوقّف على دفع الإشكالين فنقول أمّا الأوّل فمدفوع بكفاية التعدّد اعتبارا و ذلك لأنّ الثّمن و إن كان ملكا للمولى إلّا أنّه ملكه طولا لا في عرض ملكه للعبد فإنّ الملك الواحد لا يجتمع عليه مالكا عرضا و أمّا طولا فلم يقم على امتناعه دليل فالثّمن الّذي يملكه العبد و إن كان ملكا للمولى إلّا أنّه ملك له طولا و المثمن و هو العبد ملك للمولى بلا واسطة فيجوز تبديل ملك له بلا واسطة بملك له بواسطة ملكه لصاحب المال فاختلف المالكين اعتبارا و دفع الثاني بأنّه لا مانع من تملّك الإنسان لنفسه بمعنى أنّه كان أوّلا رقا و منافعه ملكا للغير فإذا اشترى نفسه صار حرّا أي لا يملك منافعه أحد و لا ينافي ملكته لنفسه عدم تسلّطه على بيع نفسه فإنّ الملكيّة لا تلازم السّلطنة المطلقة

و كيف كان فموضوع البحث في المقام أنّه بعد الفراغ عن صحّة شراء نفسه لنفسه فهل فيه خيار له أو لمولاه أو كليهما أو لا مطلقا وجوه الظّاهر عدم الخيار أمّا بالنّسبة إلى العين فلأنّ الحر لا يعود رقّا و أمّا بالنسبة إلى القيمة فلما عرفت في المسألة السّابقة من أنّ الخيار يتعلّق بما فيه تضمين و مع علم المولى بأنّه عبده و علم العبد بأنّ اشتراء نفسه موجب لمالكيّته لنفسه المساوق للحريّة لا يعقل تضمين معاملي حتّى ينتقل الضّمان

ص: 21

إلى القيمة

و بالجملة في بيع من ينعتق على المشتري لمّا امتنع تضمين البائع المشتري لعلمه بتلفه عليه قهرا امتنع الخيار بالنّسبة إلى الطرفين و في مسألتنا هذه امتنع التّضمين من كليهما العلم المولى بحريّة العبد بمجرّد شرائه نفسه فيمتنع تضمينه بالنّسبة إلى المبيع و علم العبد بأن الثّمن ملك لمولاه لأنّه و ما في يده لمولاه فيمتنع تضمينه للثمن فسقوط الخيار فيها أولى من مسألة شراء من ينعتق على المشتري

قوله قدس سره و فيها أيضا أنّه لو اشترى جملا في شدّة الحرّ ففي الخيار إشكال إلى آخره

لا يخفى أنّ المحقّق الثّاني وجّه الإشكال بأن كون المبيع تالفا شيئا فشيئا مانع عن إعمال الخيار فيه ثم أورد عليه بأنّ الخيار لا يسقط بالتّلف و وجّهه المصنف قدس سره بأنّه يحقل اعتبار قابليّة العين للبقاء بعد العقد في تعلّق الخيار بها ثم تأمّل فيه و لعلّ منشأ تأمّله أنّ مجرّد احتمال اعتبار البقاء ما لم يقم عليه دليل لا يوجب تقييد إطلاق أدلّة الخيار و لا يخفى أن إيراد جامع المقاصد على ما أفاده في منشإ الإشكال و تأمّل المصنف على ما ذكره في منشئه واردان على البيان الّذي ذكراه فإنّ كون المبيع تالفا صغرى لا تندرج تحت كبرى مسلّمة و احتمال اعتبار قابليّة العين للبقاء دعوى بلا دليل

و أمّا لو قرّر الإشكال بما مرّ نظيره في بيع من ينعتق على المشتري و شراء العبد نفسه فلا يندفع بما أفاداه و بيان ذلك أنّ مورد تعلّق الخيار إنّما هو فيما إذا ضمّن كل من المتبايعين الآخر بماله و مع علمهما بتلف المال خارجا أو شرعا أو عادة فلا تضمين و إذا امتنع التّضمين امتنع الفسخ فامتنع الخيار

و بعبارة أخرى مورد خيار المجلس هو البيع الّذي لم يكن بناء المتعاقدين على الإعراض عن العوضين و مع علمهما بأنّ المال بمجرّد البيع يخرج عن الماليّة إمّا شرعا أو عادة فقد أقدما على ذهاب مالهما و في بيع من ينعتق على المشتري نفس البيع سبب للإتلاف شرعا و هكذا شراء العبد نفسه سبب للإتلاف شرعا للملازمة بين ملكيّة النّفس و الحريّة و أمّا بيع الجمل فليس سببا للإتلاف بل شدّة الحر سبب له و لذا اتّفقوا على سقوط الخيار بالنّسبة إلى الأوّلين و اختلفوا بالنّسبة إلى الأخير

[مسألة لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوى البيع]

قوله قدس سره لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوى البيع إلى آخره

لا إشكال في عدم ثبوت خيار المجلس في شي ء من العقود الجائزة سواء كانت جائزة حقّا كالعقود الإذنيّة أو حكما كالهبة الغير المعوّضة لأنّ جعل الخيار فيها لغو بل ظاهر دليل خيار المجلس أنّ مورده العقد الّذي من شأنه اللّزوم لو لا الخيار و الهبة و إن أمكن طروّ اللّزوم عليها كما لو تلفت العين الموهوبة إلّا أنّ لزومها ليس لسقوط الخيار بل لو طرأ الملزم في المجلس أيضا يلزم الهبة

و على هذا فينبغي توجيه كلام الشيخ في دخول الخيار في مثل الوكالة بأنّ مراده من دخول الخيار في هذه العقود تعلّقه بها إذا وقعت في ضمن عقد البيع بنحو النّتيجة فتنفسخ الوكالة بفسخ البيع تبعا و هذا و إن لم يكن من الخيار في الوكالة بل هو في البيع إلّا أنّه بملاحظة سائر كلمات الشّيخ من عدم تعلّق الخيار بالوكالة و أمثالها لا محيص عن هذا التّوجيه

و بالجملة لا معنى لثبوت خيار المجلس في العقود الجائزة إنّما الكلام في ثبوتها في العقود المعاوضيّة اللّازمة كالصّلح و الإجارة و سائر العقود من الرّهن و القرض ممّا يلحق بالعقود المعاوضيّة و الحقّ عدم ثبوته فيها أصلا لاختصاص أدلّته بالبيع و لا يقال على سائر أحكام المبيع مثل كون تلف المبيع قبل قبضه من مال البائع و خيار العيب و نحو ذلك على ما هو الظاهر

ص: 22

من الفقهاء من إجرائها في سائر العقود المعاوضيّة و ذلك لما يظهر في محلّه من أنّ سائر أحكامه الّتي أجروها في سائر العقود إنّما هو لدلالة أدلّتها على أنّ منشأ ثبوتها في البيع إنّما هو لكونه معاوضة لا من جهة خصوص البيعيّة

و بعبارة أخرى كون تلف المبيع قبل القبض من مال البائع مثلا إنّما هو لاقتضاء الضّمان المعاوضي ذلك لا لتعبّد شرعيّ صرف و هكذا خيار العيب إنّما هو للاشتراط الضّمني الّذي بناء كلّ عاقد عليه لا للتعبّد المحض و إن أعمل فيه التعبّد أيضا من جهة الخيارين الرّد و الأرش إلّا أن أصل جعله ليس تعبّديا صرفا و هذا بخلاف خيار المجلس فإن وجه ثبوته ليس إلّا التعبّد الصرف فلا يتعدى من البيع إلى غيره

[مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد]

قوله قدس سره مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد إلى آخره

لا إشكال في ثبوت خيار المجلس في الصرف و السّلم لو تحقّق القبض في المجلس إنّما الإشكال في ثبوته فيهما قبل القبض و منشأ الإشكال أنّ الخيار ملك فسخ العقد و الفسخ إنّما يتعلّق بالعقد الصحيح و المفروض أنّ الصحّة تتوقف على القبض و تنقيح ذلك يتوقف على بيان أمور الأوّل أنّ المجلس الّذي يعتبر القبض فيه في الصرف و السّلم لا يشترط أن يكون مجلس العقد بل يكفي القبض فيهما ما لم يفترق المتبايعان و إن خرجا عن مجلس العقد

و يدلّ عليه قوله ع و إن نزى حائطا فانز معه فيستفاد منه كفاية القبض قبل التفرّق و إن فارقا مجلس العقد مصطحبين الثّاني إذا صار أمران سببا لانفساخ العقد ينسب الفسخ إلى أسبق السّببين لو كان الثّالث ذكر العلّامة وجهين لوجوب القبض شرعا أحدهما مختصّ بالصرف و ثانيهما مشترك بينه و بين السّلم

أمّا المختصّ فهو لزوم الرّبا و يجب أن يحمل كلامه على لزومه في الجملة و هو لو كان الثّمنان من جنس واحد كالذّهب بالذّهب مثلا فإنّه لو أقبض أحدهما مثقالا من الذّهب و لم يقبضه الآخر إلى مدّة يلزم الرّبا لأنّ للأجل قسطا من الثّمن و المثقال النّقدي أزيد قيمة من النّسيئة فيلزم الرّبا و هذا الكلام و إن لم يخلو عن إشكال إذ لا نقيصة إلّا إذا شرط التأجيل لا إذا كانت المعاملة نقديّة و لم يسلّم أحدهما العوض فإنّه لا رباء فيه إلّا أنّه لا يرد عليه المناقشات الّتي ذكرها بعض المحشين

و أمّا المشترك فهو وجوب الوفاء بالعقود و لا يقال بعد شرطيّة القبض في صحّة العقد لا عقد حتى يجب الوفاء به لأنّا نقول التّخصيص الوارد على العقود اللّازمة قد يرد على جميع آثارها و قد يرد على بعضها فمن الأوّل الخيار فإنّ العقد المشتمل على إنشاء التبديل مطابقة و على التعهّد بما أنشأه التزاما و على الشّروط الضّمنية كنقد البلد و التّسليم و التسلّم و السلامة من العيب و عدم الغبن إذا خصّص مدلوله بدليل الخيار الموجب لملك فسخ العقد و إقراره يكون جميع مراتبه خياريا و لذا لا يجب التّسليم و التسلّم فيه كما أنّ له فسخ العقد أي عدم الوفاء بما تعهّده التزاما و من الثاني القبض في الصرف و السّلم فإنّه معتبر في الملكيّة لا في أصل العقد و لا في وجوب الالتزام بما التزم به و يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه الخبر المذكور و هو إذا نزى حائطا فانز معه فإنّه لو كان أصل العقد و صحّة المنشإ به موقوفا على القبض لم يكن وجه لتعقيب أحد المتبايعين الآخر في تحصيل القبض

و بالجملة دليل الخيار ناظر إلى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و العقد المتضمّن للشّرائط الضّمنيّة الّتي منها التّسليم

ص: 23

و التسلّم إذا خصّص بدليل الخيار لا يجب الوفاء به في زمان الخيار بالنّسبة إلى التّسليم و التسلّم أيضا لحكومة دليل الخيار على مثل النّاس مسلّطون فلا يرد إشكال المحقّق الأردبيلي بأنّ منع أحد المتبايعين عن الإقباض لا يسوّغ ظلم الآخر و ذلك لأنّ وجوب الإقباض لو كان من باب تسليم مال الغير لكان إشكاله في محلّه و أمّا لو كان من جهة الشّرط الضّمني الّذي خصّص بدليل الخيار فلا يرد إشكاله و أمّا دليل اعتبار القبض في الصرف و السّلم فليس ناظرا إلى العقد بل القبض شرط للملك فلا ينافيه وجوب التّسلم و لا مانع من تعلّق خيار المجلس بهما فيكون مبدؤه العقد ثم إنه لا تنافي بين كون القبض شرطا للملكيّة و كون الإقباض واجبا شرعا لحقّ مالكيّ لأنّه لو كان استفادة الشّرطيّة و الوجوب التّكليفي كلاهما من الأخبار الآمرة بالقبض لكان من باب استعمال المشترك في معنييه و أمّا لو كانت الشّرطيّة مستفادة من الأخبار و الوجوب التّكليفي من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فلا إشكال أصلا

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّه لو قلنا بوجوب القبض في الصرف و السّلم لحقّ شرعيّ مالكيّ و لذا يصحّ الإقالة فيهما فمبدأ الخيار من حين العقد و ثمرته ظاهرة و أمّا لو لم نقل بوجوبه فمبدؤه بعد القبض إذا كان المجلس باقيا و ذلك لأنّه لو لم نقل بوجوبه إمّا لما ذكره الأردبيلي من أنّ وجوب القبض من باب وجوب ردّ المال إلى مالكه فلو لم يكن كلّ عوض ملكا للآخر فلا معنى لردّه و إمّا لاعتبار القبض في أصل العقد لا في الملك فالعقد قبله غير تامّ و على أيّ حال لا وجه لتعلّق الخيار بالعقد قبل القبض لأنّ الخيار يتعلّق بالعقد الّذي لولاه لكان العقد لازما فإذا لم يكن كذلك فلا معنى لتعلّق الخيار به و لا يقاس على الخيارين العرضيّين اللّذين يردان على العقد لأنّ كلّا منهما لو لم يكن لكان العقد لازما من هذه الحيثيّة و لو لم يكن لازما مطلقا و هذا بخلاف عقد الصرف مثلا فإنّه و لو لم يكن خياريا أيضا لم يكن لازما

و بعبارة أخرى الخيار هنا في طول القبض و مترتّب عليه و ليس من قبيل الخيارين العرضيّين اللّذين يؤثر كلّ منهما أثرا خاصّا فمجرّد إمكان الأثر للخيار كما يظهر من المصنف قدس سره لا يفيد في ثبوته لو دلّ الدّليل على تعلّقه بما لولاه لكان لازما و لو من هذه الحيثيّة فتأمّل جيّدا

ثم إنّه يمكن أن يكون قول صاحب الدّروس قدس سره ناظرا إلى هذا القول بأن يكون مراده من اللّزوم في قوله فإنّ للقبض مدخلا في اللّزوم اللّزوم المستفاد من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا اللّزوم مقابل الصّحة أي بدون القبض لا يجب الوفاء بالعقد لأنّ للقبض دخلا في وجوب الوفاء به

قوله قدس سره و ممّا ذكرنا يظهر الوجه في كون مبدإ الخيار للمالكين الحاضرين في مجلس عقد الفضوليّين على القول بثبوت الخيار لهما من زمان إجازتهما إلى آخره

أي ممّا ذكرنا من أنّه لو قلنا بعدم وجود التّقابض ففي أثر الخيار خفاء ظهر أنّ الخيار الثابت للمالكين في باب الفضولي مبدؤه حين الإجازة و ذلك لأنّ الخيار الثّابت هنا إنّما ثبت للبيّع و البيّع هو المالك بعد الإجازة لأنه ليس قبلها بيّعا من غير فرق بين الكشف و النّقل لأنّ الإجازة و إن كانت إنفاذ العقد الفضوليّ و العقد سابق عليها إلّا أنّ أثر كونها إنفاذ المنشأة إنّما هو ترتيب آثار الملكيّة من حين العقد لا إثبات البائعيّة

ص: 24

للمجيز لأنّ البائعيّة إنّما يثبت بالوجود التّكويني للإجازة

و بعبارة أخرى بعد العلم بأنّ صحّة عقد الفضوليّ تتوقّف على أن لا يكون فعل الفضولي علّة تامّة لترتّب أثره عليه كترتّب الإيلام على الضرب فإنّه بالإجازة لا يستند إلى المجيز و بعد العلم بأنّ النزاع في الكشف و النّقل إنّما هو فيما يرجع إلى فعل غير المالك بحيث كانت الإجازة و نحوها إنفاذ الأمر سابق عليها كإجازة المرتهن و العمّة و الخالة و كأداء الزكاة ممّن باع المال الزّكوي يظهر أنّ الإجازة من المالك في المقام تؤثر في استناد المسبّب و التّمليك إلى نفسه و لو من حين عقد الفضولي و لا يمكن أن تؤثّر في صدق البائعيّة عليه من ذلك الحين و كما لو عقد فضولي و أجازه فضوليّ آخر ثم أجاز المالك تلك الإجازة لا تؤثر إجازته في الإجازة السّابقة بل بنفسها إجازة من المالك لأنّ حيثيّة الإجازة مترتّبة على وجودها التكويني فكذلك صدق البائعيّة في المقام مترتب على وجودها التكويني و نزاع الكشف و النّقل جار في ما هو القابل لتعلّق الإجازة به و لذلك لم يجر هذا النّزاع في القبض المعتبر في الصرف و السّلم و في قبول المشتري و أمثالهما ممّا هو بنفسه أحد أركان العقد

[القول في مسقطات الخيار]
[مسألة لا خلاف ظاهر في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد]
اشارة

قوله قدس سره لا خلاف ظاهر في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد إلى آخره

لا يخفى أنّ عمدة الإشكال المتصوّر في هذا المسقط أحد الإشكالين على سبيل المنفصلة الحقيقيّة فإنّ اشتراط سقوطه في متن العقد إمّا يرجع إلى إسقاط الخيار فيرد عليه أنّه إسقاط لما لم يجب أو يرجع إلى عدم كون هذا العقد خياريا فيرد عليه أنّ هذا الشّرط مخالف للكتاب و السّنة مضافا إلى لزوم الدّور لأن عدم كون العقد خياريا يتوقّف على لزوم الشرط و لزومه يتوقف على عدم كونه خياريّا لأنّه لو كان جائزا لكان الشّرط في ضمنه كذلك أيضا

و أمّا سائر الإشكالات فلا يرد أصلا أمّا تعارض دليل الشّرط مع دليل الخيار ففيه أنّه لو كان الشّرط راجعا إلى الإسقاط لا ينافيه الخيار حتّى يرجّح دليل الشّرط بعمل الأصحاب أو بالحكومة لأنّه مع ثبوت الخيار فقد أسقطاه و لو رجع إلى عدم كون العقد خياريا فليس المعارض إلّا مخالفة الشّرط للسّنة الدالّة بالإطلاق على ثبوت الخيار في كلّ عقد

و أمّا مخالفة الشّرط لمقتضى العقد ففيه أنّ الخيار ليس مقتضاه بل من الأحكام الشّرعيّة الثّابتة له فليس شرط سقوطه مخالفا لمقتضاه كما لا يخفى فالعمدة أحد الإشكالين و لا يمكن أن يراد في عرض واحد على موضوع واحد لأنّ الشّرط لو رجع إلى الإسقاط فليس مخالفا للكتاب فهو كإسقاطه بعد العقد و لو لم يرجع إليه فليس إسقاطا لما لم يجب

إذا عرفت ذلك فنقول ذكر المصنف قدس سره ضابطا لامتياز الشّرط المخالف عن غيره و هو أنّه لو كان ملاك الحكم بنحو العلية لشرط المخالف له مخالف للكتاب و لو كان بنحو الاقتضاء فلا يكون مخالفا له و هذا و إن تمّ ثبوتا إلّا أنّه لا يتمّ إلّا بالوحي أو الإلهام إثباتا لأنّ معرفة أنّ ملاك الحكم بنحو العليّة أو الاقتضاء لا تحصل إلّا للأولياء فالأولى أن يقال إنّ الحكم إمّا تكليفيّ أو وضعيّ و التكليفيّ إمّا اقتضائيّ أو تخييري فلو كان تكليفيّا اقتضائيا فالشّرط المخالف له مخالف للكتاب لأنّ وجوب الصّلاة أو حرمة الخمر يشمل بإطلاقه مورد شرط التّرك و الشّرب إلّا أن يدلّ دليل على خلافه فيستكشف به أن الوجوب

ص: 25

أو الحرمة مشروط بعدم الشّرط أو النّذر كما دلّ الدّليل على صحّة نذر الإحرام قبل الميقات و لو كان تخييريّا فالشّرط المخالف له ليس مخالفا للكتاب فإنّ شرط عدم شرب الماء لا ينافي إباحته إلّا أن يدلّ دليل على خلافه كما ورد أنّ شرط ترك التسرّي و التّزويج لا ينفذ فإن به يستكشف أنّ الشّارع أراد إباحة التسري مطلقا

و بالجملة مقتضى الأصل في طرف الاقتضاء و التخيير متعاكس و لو كان وضعيا فإمّا من الحقوق أو من الأحكام فلو كان حقّا فشرط سقوطه لا ينافي الكتاب و لو كان حكما كميراث الزّوجة الدّائمة و عدم الإرث للمتمتّع بها فالشّرط المخالف له مخالف للكتاب إلّا إذا ثبت خلافه إذا عرفت ذلك ظهر أنّه لو كان الشّرط راجعا إلى عدم كون هذا العقد خياريا فهو شرط مخالف للكتاب إذا ثبت خلافه إذا عرفت ذلك لو كان الشرط راجعا إلى عدم كون هذا العقد خياريا فهو شرط مخالف إلى هنا

و لا يقال إنّ الأحكام الثّابتة للأشياء بعنوانها الأولي ثابتة لها اقتضاء لو خليت و طبعها فلا ينافي طروّ عنوان ثانوي لها رافع لحكمها لأنّا نقول لو كان دليل الشّرط مثل دليل لا ضرر و لا حرج لكان كذلك و أمّا لو اعتبر في نفس دليل الشّرط عدم كونه مخالفا للكتاب فعمومه حيث خصّص لا يرفع حكم الواجب أو الحرام

نعم لو دلّ دليل خاص على صحّة هذا الشرط نستكشف أنّ ملاك الحكم الوجوبيّ أو التحريميّ تامّة في غير مورد الشّرط و أمّا الأدلّة العامّة فلا يمكن حكومتها على أدلّة الأحكام الوجوبيّة أو التّحريميّة بل إطلاق دليل الحكم أو عمومه يدخل الشّرط في المستثنى

نعم لو أغمضنا عن هذا الإشكال و أجبنا عنه بما أجاب به المصنف قدس سره لا يرد إشكال الدّور لأن الشّرط في العقد الجائز و إن لم يكن لازم الوفاء إلّا أنّ لزوم هذا الشّرط لا يتوقّف على لزوم العقد و لا لزوم العقد على لزوم هذا الشّرط لأنّ اشتراط عدم كون البيع خياريّا يرجع إلى أنّه ليس في هذا العقد ما يوجب الفسخ

و بعبارة أخرى و لو لم يكن في البين مثل المؤمنون عند شروطهم إلّا أنّ وجوب الوفاء بالعقد كاف في لزوم الشّرط لأنّه لو لم يكن هذا البيع خياريا يبقى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ على حاله و يمكن أن يكون هذا مقصود المصنف قدس سره من أنّ عموم وجوب الوفاء بالشّرط عين لزوم العقد لا ما هو ظاهره من أنّه استفاد لزوم الشّرط من قوله المؤمنون عند شروطهم فإنّ الإشكال بحاله لأن لزوم الوفاء بالشّرط يتوقف على كون العقد لازما و المفروض أنّ لزومه متوقّف على عدم كونه خياريا

و بالجملة فالأولى أن يقال إذا لم يكن في البين خيار فالعقد لازم يجب الوفاء به و هذا الشرط راجع إلى كون العقد لازما غير خياري فلا توقّف أصلا ثم إنّ هذا كلّه لو كان الشّرط راجعا إلى عدم كون هذا العقد خياريا و أمّا لو رجع إلى عدم كون المشروط عليه ذا خيار أي إلى إسقاط حقّه فالإشكال بأنّه إسقاط لما لم يجب غير وارد لأنّ إسقاط ما لم يجب الرّاجع إلى هبة ما لا يملكه الواهب هو إسقاط حقّ لم ينشأ سببه أصلا كالإسقاط قبل العقد

و أمّا لو وجد سببه و لو لم يحصل فعلا فلا مانع عن إسقاطه قال في التّذكرة لو وكّله في شراء عبد و عتقه و في تزويج امرأة و طلاقها و استدانة دين و قضائه صحّ انتهى ففي كلامه إشارة إلى أنّ ما اشترط في الوكالة من كون المتعلّق مملوكا للموكل لا يجب أن يكون ملكا فعليا بل إذا حصل المقتضي للملكيّة صحّ الوكالة فيه بخلاف ما إذا لم يحصل سببها أصلا كما لو وكّله

ص: 26

في طلاق زوجة سينكحها أو أسقط الموكل خيار المجلس حين توكيله للبيع أو شرط في ضمن عقد لازم سقوط الخيار في العقد الّذي سيوجده

و بالجملة لا إشكال في صحّة الرّهن الواقع بعد إنشاء البيع كما لو قال البائع بعته و ارتهنته أو قال المشتري اشتريته و رهنته و أمثال ذلك ففي المقام يصحّ إسقاط الخيار بعد إنشاء البيع و اشتراط سقوطه في ضمنه و يدلّ عليه المكاتبة المذكورة في الكتاب فإنّ الزّوجة إذا صارت حرّة بأداء مال الكتابة فهي مختارة في إقامتها مع زوجها العبد و مفارقتها إيّاه مع أنّه ع أجاز شرط عدم الخيار لها قبل الحرّية و ليس إلّا لأنّ التشبث بالحريّة يكفي لإسقاط الخيار

و لكن الأولى أن يقال إن اشتراط سقوطه في متن العقد و إن لم يكن إسقاطا لما لم يجب إلّا أنّه لا لما هو ظاهر كلام المصنف من تحقّق المقتضي فإن وجوده من دون وجود الجزء الآخر من العلّة لا يوجب إمكان الإسقاط الفعلي بل لأنّ معنى الخيار هو ملك الالتزام و محلّه في متن العقد و الإسقاط يرجع إلى تفويض ملك الالتزام الّذي ملكه بالعقد أو يملكه بعد إلى صاحبه فيرجع الإسقاط إلى دفع الحقّ لو كان الخيار متوقّفا على أمر غير حاصل كخيار الغبن بناء على كون ظهوره شرطا شرعيا له

و ببيان آخر إن مرجع سقوط الخيار إلى سقوطه في مرتبة وجوده لا إلى إسقاطه فعلا و حيث إنّ رتبة وجوده متأخّرة عن رتبة الملكيّة ففي عالم الإنشاء أيضا إذا كان متأخرا عن إنشاء الملك يصحّ إنشاؤه و يكون من قبيل إنشاء الحكم على الموضوع المقدر وجوده

قوله قدس سره ثمّ إنّ هذا الشرط يتصوّر على وجوه إلى آخره

الوجه الأوّل راجع إلى شرط النّتيجة و لا شبهة أنّ النتيجة تحصل بالشّرط لو لم يجعل الشّارع حصولها من سبب خاصّ كالطّلاق و العتق و النّكاح و أمثالها فإنّ الشرط كالنّذر يتحقّق به ما يتحقّق بالنذر و في المقام لم يجعل الشّارع لسقوط الخيار سببا خاصّا فيسقط بمجرّد الشّرط و أمّا الوجه الثّاني و الثّالث فيرجعان إلى شرط الفعل فالثّاني كما لو شرط أن لا يبيع من زيد و الثالث كما لو شرط أن يبيع منه فلو باع منه على الثّاني يبطل البيع لفساد المعاملة إذا تعلّق النّهي بها من حيث المسبّب و ذلك لأنّ الشرط يوجب سلب قدرة المالك على البيع من زيد كما أنّه يبطل لو باع من غير زيد على الثّالث لعدم قدرته على البيع من غير زيد بالشرط فتصير المعاملة من جهة تخصيص النّاس مسلّطون بأدلّة الشّرط منهيّا عنها بالنّهي النّفسي لا من جهة أنّ وجوب البيع من زيد يوجب النّهي عن ضدّه حتّى يقال إنّ الأمر بالشّي ء لا يقتضي النّهي عن الضّد و على فرض الاقتضاء النّهي الغيري لا يوجب الفساد و ذلك لأنّ المعاملة مضافا إلى اعتبار لصحّتها من حيث شرائط العقد و العوضين و المتعاقدين يعتبر أن يكون إيجادها مقدورا لمالكها فتفسد إذا لم تكن مقدورة شرعا بالشّرط

قوله قدس سره و كيف كان فالأقوى أنّ الشرط الغير المذكور في متن العقد غير مؤثّر إلى آخره

و السّر فيه ما ذكرناه مرادا من أنّ القصود و الدّواعي غير معتبرة في العقود ما لم ينشأ لفظ على طبقها فمجرّد وقوع العقد مبنيا على شرط مع عدم ذكره في متن العقد لا يؤثر في سقوط الخيار و ذلك لأنّ الشّرط إلزام مستقلّ لا يرتبط بالعقد فارتباطه به يتوقّف على الالتزام به في العقد و مجرّد البناء عليه ليس التزاما به و لا يقاس على أوصاف العوضين كالحنطة الحمراء أو لا على الشّروط

ص: 27

الّتي جرت العادة و العرف على الالتزام بها في العقد

أمّا الأوصاف فلأنّها لو ذكرت قبل العقد فذلك يوجب انصراف العوض إليها في العقد فلا يحتاج إلى إنشاء على حدّه و أمّا الشّروط فسواء كانت من شروط العوضين كالسّلامة من العيوب الّتي هي من قيود العوضين أم كانت من الشّروط الّتي كان بناء العرف و العادة عليها كالتّسليم و التسلّم فإنشاء العقد إنشاء لها لأنّها من لوازم ألفاظ العقود فكما أنّه ينشأ بها معانيها المطابقيّة فكذا مداليلها الالتزاميّة و هذا بخلاف الشّرط الخاصّ للعاقد الخاصّ فإنّه ليس من المداليل الالتزاميّة و ليس كالشّروط النّوعيّة و كالأوصاف فليس هو المنشأ في العقد إلّا مع ارتباط العقد به صريحا أو إشارة كأن يقول بعت على ما ذكر

و بالجملة بعد ما عرفت من أنّ المراد من اشتراط الإسقاط في متن العقد هو عدم فسخ العقد لا عدم كون العقد خياريا فليكن المراد من اشتراط سقوطه قبله هو هذا المعنى و ذلك لو أشير في العقد إليه يرتبط العقد به و لم يكن إسقاطا لما لم يجب و أمّا لو لم يذكر في العقد فهو من الشّروط الابتدائيّة الّتي لا يجب الوفاء بها و إن وقع العقد مبنيا عليها لأنّ مجرّد البناء لا يفيد شيئا

و حاصل الفرق أنّ ذكر الأوصاف قبل العقد يوجب اعتبارها في العوض و عدم مقابلة شي ء من الثمن مع الوصف لا يوجب أن يتعلّق الإنشاء بالموصوف دون الوصف و أمّا الشّرط كالخياطة مثلا فلا يمكن أن ينشأ بالإنشاء المتعلّق بالمشروط فيه لأنه أمر خارج فيحتاج إلى إنشاء مستقلّ إمّا مطابقة أو التزاما كالشّروط النّوعيّة المنشأة بالالتزام

[فرع ذكر العلّامة موردا لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس]

قوله قدس سره فرع ذكر العلّامة إلى آخره

لا يخفى صحّة هذا النّذر لأنّ العبد و إن خرج عن ملكه بالبيع إلّا أنّه حيث يمكن إرجاعه إلى ملكه بالخيار فيصحّ النّذر و لا يجوز له شرط عدم الخيار لأنّ إسقاط الخيار مناف للنّذر و التصرفات المنافية له خارجة عن سلطنة النّاذر بسبب نذره و قول بعض المحشين إنّ إسقاط الخيار إنّما لا يصحّ فيما لا يمكن فيه الإقالة أو الشّراء و أمّا لو أمكن فلا مانع من إسقاطه غير وجيه لأنّ الإقالة أو الشّراء أو الاستيهاب ليس تحت قدرة النّاذر لأنّ تحقّق هذه العناوين يتوقّف على إرادة شخص آخر و قد لا يريدها و ما هو تحت قدرته إعمال الفسخ فيجب على النّاذر إعماله و مقتضاه عدم صحّة شرط سقوط الخيار

[مسألة و من المسقطات إسقاط هذا الخيار بعد العقد]
اشارة

قوله قدس سره و من المسقطات إسقاط هذا الخيار بعد العقد إلى آخره

لا إشكال في سقوطه بالإسقاط إنّما الكلام في مدركه و الاستدلال بفحوى النّاس مسلّطون غير تامّ لأنّه لو فرض دلالته بالصّراحة على تسلّط النّاس على حقوقهم لا يفيد ذلك لأنّ السّلطنة على المال و الحقّ هي أن يتصرف فيهما بالتصرّفات التي تحت سلطنته لا التّصرفات الّتي فوق سلطنته

و بعبارة واضحة ذكرنا في أوّل الخيارات أنّ مثل النّاس مسلّطون لا يدلّ على صحّة الإعراض عن الملك الّذي هو إذهاب موضوع الملك فلا يدلّ على التسلّط على إسقاط الخيار الّذي هو إذهاب موضوع الحقّ لأنّ التسلّط على الحقّ معناه نفوذ تصرّفه فيه بالنّقل و أمثاله كإعمال الخيار بالفسخ أو الإمضاء لا إعدامه لإسقاطه

اللّٰهمّ إلّا أن يقال إنّ الإعراض عن الملكيّة و إن لم يكن من أنحاء السّلطنة على الملك لأنّ السّلطنة عبارة عن الاقتدار و الاقتدار على سلب الاقتدار ليس تحت الاقتدار إلّا أنّه ليس الحقّ

ص: 28

مثل الملكيّة لأنّ المملوك له وجود عيني غير الإضافة الحاصلة بينه و بين المالك و وجوده العيني غير قابل للإعدام إلّا بنحو الشرب و الأكل الّذي هو تحت السلطنة لا إعدامه بنحو الإتلاف الغير المرخّص فيه شرعا

و بعبارة واضحة إعدام المملوك ليس من أنحاء السّلطنة على الملك لأنّه لا يمكن إعدامه تشريعا و في عالم الإنشاء بل ما هو قابل للتصرّف هو الإضافة الحاصلة بينه و بين المالك و هذا بخلاف الحقّ فإنّه ليس إلّا الإضافة الخاصّة و قد لا يكون لمتعلّق الحقّ وجود عينيّ و الإضافة الخاصّة قابلة للتصرّف و لو بنحو الإعدام و لا ينتقض هذا بمثل حقّ التّحجير و حق الرهانة و نحو ذلك من الحقوق المتعلقة بالعين فإن تعلّقها بها ليس كتعلّق الإضافة المالكيّة بالملك فإنّ الملك وجوده العيني ملك للمالك و هذا بخلاف الحقّ المتعلّق بالعين فإنّ العين إمّا تكون ملكا لغير ذي الحقّ أو تكون من المباحات فنفوذ تصرّف ذي الحقّ ليس إلّا بمعنى السّلطنة على الإسقاط بل أظهر آثار السّلطنة على الحق إعدامه إنشاء فبنفس قوله أسقطت حقي ينعدم الحقّ و ليست السّلطنة عليه إلّا عبارة عن إعدامه أو نقله إلى الغير لو كان قابلا للنّقل

و بالجملة الفرق بين الحقّ و الحكم هو أنّ الحق قابل للإسقاط دون الحكم فإنّ الحقوق بأسرها قابلة للإسقاط و إن لم يقبل بعضها للانتقال أصلا أو إلى غير من عليه الحقّ كحق الخيار في المقام فإنّه لا يقبل الانتقال إلى غير من عليه الخيار و لكنّه قابل للانتقال إلى من عليه الخيار كما سيجي ء شرحه

[مسألة لو قال أحدهما لصاحبه اختر]

قوله قدس سره لو قال أحدهما لصاحبه اختر إلى آخره

لا يخفى أنّ هذه الكلمة يحتمل أن يراد بها تمليك الخيار ممّن عليه الخيار فإنّ هذا الحقّ قابل لأنّ ينتقل إليه و إن لم يقبل الانتقال إلى غيره لأنّه شرع لإرجاع العين إلى ملك مالكها الأصلي فهو تابع للمال و ينتقل إلى من كان أحد العوضين ملكا له و لذا ينتقل إلى وارثه و لا ينتقل إلى وارث الأجنبي الّذي جعل الخيار له في العقد فإنّ الأجنبي بمنزلة الوكيل ليس مالكا للمال حتى يكون مالكا لحقّ الخيار و يحتمل أن يراد بها تفويض الأمر إليه بحيث إنّه لو تصرف فيما فوّض إليه ينفذ في حق الأمر و أمّا لو لم يتصرّف فيبقى حقّه على حاله كما لو أذن المرتهن في بيع العين المرهونة فإنّه لا يسقط الرّهانة إلّا بالبيع لا بالإذن و هذا بخلاف الأوّل فإنّ التّمليك يوجب انتقال الحقّ من الآمر إلى المأمور

هذا مضافا إلى أنّه و إن لم يقبل الانتقال أصلا و لو إلى الطّرف الآخر إلّا أنّ التّمليك غير التّفويض فإنّ التّمليك بنفسه إسقاط لأنّ مرجع الخيار إلى مالكيّة الالتزام فإذا نقل هذا الالتزام إلى طرفه فلا يملك التزام نفسه فيصير العقد كالعقد اللّازم ابتداء و هذا عين معنى الإسقاط و يحتمل أن يراد بها استكشاف حال المأمور لا التّمليك و لا التفويض و ليست هذه الكلمة ظاهرة في إحدى المحتملات إلّا بقرائن حاليّة أو مقاليّة

[مسألة من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين]
اشارة

قوله قدّس سره مسألة من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين إلى آخره

لا إشكال في سقوط الخيار بالافتراق و لو لم يكشف عن الرّضا بالعقد لأنّه بنفسه من المسقطات و على هذا فلو حصل في حال الغفلة و النّسيان سقط به الخيار كما في حال الالتفات و الذّكر و هذا لا ينافي اعتبار الاختيار بمعنى آخر في الافتراق و عدم كفاية الافتراق الحاصل عن كره إذا منع من التّخاير أيضا للفرق بين المكره و غيره بالنّص الخاصّ

و بالجملة

ص: 29

لو حصل الافتراق عن النّسيان أو الغفلة أو إطارة الرّيح و الهواء يسقط به الخيار و ذلك لظهور أدلّته بأن أمد الخيار عدم التفرّق و بقاء الهيئة الاجتماعيّة الحاصلة لهما حال العقد فإذا ارتفعت الهيئة فلا خيار بعده و إطلاق المسقط عليه مسامحة لأنّ التفرّق بناء عليه غاية للخيار و هو بنفسه ليس موضوعا للحكم بل الموضوع له هو نقيضه و هو عدم التفرّق فما قيل من أنه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه التبادر الاختيار من الفعل المسند إلى الفاعل مضافا إلى حديث رفع ما استكرهوا عليه ممنوع جدّا

أمّا التّبادر فلما ظهر تحقيقه في محلّه من عدم اعتبار الاختيار في موادّ الأفعال و لا في هيئاتها لاشتراكها بين أفعال السجايا و غيرها من الأعراض التّسعة نعم الفعل في مقابل الانفعال اختياري

و أمّا حديث الرّفع ففيه أوّلا أنّ النّسيان مرفوع فيه أيضا مع أنّ القائل باعتبار الاختيار مقابل الإكراه يلتزم بسقوط الخيار مع النّسيان و الغفلة فيستكشف من السّقوط في مورد النّسيان أنّ ذات الافتراق بما أنّه فعل لا بما هو صادر عن اختيار جعل من المسقطات و حديث الرّفع يجري فيما كان الفعل منوطا بالقصد كالعقود و الإيقاعات و لم يؤخذ فيه عنوان العمد و الالتفات و لا الخطاء و النّسيان و لا الأعم و إلّا لم يرتفع بحديث الرّفع كما بيّن في محلّه و ثانيا بعد تسليم عدم الاعتبار بذات الفعل و بعد تسليم أنّ المرفوع لا ينحصر في الحكم التكليفيّ إلّا أن مورد بعض المرفوعات منحصر في متعلّق التّكليف كالحسد و الوسوسة و الطّيرة فتعميم الرّفع لموضوعات التّكاليف كالسّفر و الحضر و التّفرّق مع عدم الجامع بين المتعلّق و موضوع التّكليف لا وجه له فيجب أن يراد منه أنّه لو شرب المكلّف نسيانا أو كرها أو أفطر كذلك فشربه كالعدم لا أنّه لو تحقّق السّفر و الإقامة أو التفرّق عن كره فوجوده كالعدم و لذا لا يلتزم أحد بأنّه لو أقام مثلا عن كره يجب عليه القصر و ثالثا أنّه لو كان التفرّق بنفسه من المسقطات لكان وجوده كالعدم لو تحقّق كره و أمّا لو كان ضدّه و هو الهيئة الاجتماعيّة موجبا للخيار فرفع التفرّق تشريعا لا يثبت بقاء الهيئة الاجتماعيّة

نعم لو وقع التفرّق عن إكراه أو قهر مع المنع عن التّخاير أيضا بأن أجبر على السّكوت لكان الحقّ عدم السّقوط لكن لا لحديث رفع الإكراه بل لصحيحة الفضيل الدالّة على اعتبار الرّضا و الرّضا فيها و إن لم يكن بمعنى طيب النّفس بل بمعنى الاختيار إلّا أنّه لو أكره على التفرّق و منع من التّخاير أيضا لا يكشف هذا التفرّق عن اختيار العقد و إمضائه

و بالجملة لو لم يمنع من إعمال الخيار و لكنّه بنفسه اختار العقد و إن أكره على التفرّق يسقط خياره كما أنّه لو منع من إعمال الخيار و لكنّه بنفسه اختار التفرّق يسقط خياره أيضا و أمّا لو أكره على كليهما فلا يسقط خياره لإمكان عدم اختياره بقاء العقد فلم يحرز الإمضاء فيستصحب الخيار

ثم لا يخفى أنّ

قول المصنف قدس سره و لا ريب أنّ الرّضا المعتبر ليس إلّا المتّصل بالتفرّق إلى آخره

غير صحيحة لأنّه لو كان المدار على التفرّق المختار عن الرّضا أي التفرّق النّاشي عن الطّيب بالعقد لكان اللّازم القول بعدم السّقوط في المتفرّق النّاشي عن الغفلة أو النّسيان مع أنّه لا يلتزم به و لا يبعد أن يكون وجه العدول عن هذا التّفسير آخر بقوله أو يقال إلى آخره ورود الإشكال عليه مع أنّه يقع في محذور آخر على التّفسير الثّاني فإنّ التفرّق ليس كاشفا نوعيّا حتى يسقط بالخيار مطلقا

[مسألة لو أكره أحدهما على التفرّق]

قوله قدس سره مسألة

ص: 30

لو أكره أحدهما على التفرّق إلى آخره

لو تحقّق الإكراه الموجب لعدم سقوط الخيار بالنّسبة إلى أحد المتعاقدين دون الآخر لكونه مختار إمّا بالبقاء لو كان المكره مكرها على الافتراق أو بالافتراق لو كان مكرها على البقاء ففيه احتمالات سقوط خيارهما مطلقا و ثبوته لهما مطلقا و سقوط خيار خصوص المختار دون المكره إمّا مطلقا أو في خصوص ما إذا كان المختار مختارا في التفرّق دون البقاء و مبنى الاحتمالات أنّه لو كان الافتراق و لو من واحد غاية لكلا الخيارين فيسقط من الطرفين لحصوله من أحدهما بالاختيار بناء على حصوله من سكون أحدهما مختارا و حركة الآخر مكرها

و أمّا إذا قلنا بعدم حصوله إلّا بحركة المختار و عدم العبرة بالسّكون الاختياري فيسقط من الطّرفين في خصوص هذه الصورة و لو كان الافتراق من الطّرفين اختيارا غاية لمجموع الخيارين فلا يسقط من واحد منهما لحصول افتراق أحدهما كرها و لو جعل افتراق كل غاية لخيار نفسه فيسقط في حقّ المختار مطلقا أو فيما إذا كان متحرّكا و أمّا لو كان ساكنا فلا يسقط و منشأ المبنى استظهاره من الأخبار و لكن الظّاهر من مقابلة الجمع بالجمع و التّثنية بالتّثنية أن يكون افتراق كلّ غاية لخيار نفسه دون غيره و هذا الظّهور ارتكازيّ عرفيّ و بناء العرف عليه إلّا أن يقوم قرينة على خلافه و لذا قيل إنّ العام أظهر في الاستغراقيّة من المجموعيّة فاعتبار اختيار كل واحد لمجموع الخيارين لا وجه له و كذا كفاية اختياريّة أحدهما لسقوط خيارهما

نعم قد يستفاد من قوله عليه السّلام فمشيت خطاء ليجب البيع أنّ افتراق أحدهما اختيارا يكفي في سقوط كلا الخيارين لأنّ إطلاق كلامه يشمل ما إذا كان الآخر مكرها أو نائما أو ناسيا أو غافلا و لكن لا يخفى أنّه لا يمكن استفادة الإطلاق من فعله ع لأنّ القضايا الشخصيّة ليس لها إطلاق حتّى يصحّ الاعتماد عليها و لم يصدر الفعل في مقام بيان الحكم و لا في جواب السّؤال حتّى بترك الاستفصال يستفاد العموم منه ثم إنّ ما ذكرناه إنّما هو بحسب النّظر البدوي و أمّا بعد التعمّق فالحق بقاء خيارهما

و تنقيحه يتوقّف على رسم أمور الأوّل أنّ التفرّق و كما يحصل بحركة كلّ منهما إلى جانب غير جانب الآخر كذلك يحصل بحركة أحدهما و سكون الآخر و القول بأنّ الافتراق ثبوتي و السّكون عدميّ على فرض تسليمه لا أثر له لأنّ المدار في الخيار إذا كان على الهيئة الاجتماعيّة فبحركة أحدهما تنفصل الهيئة و لم يعتبر في انفصال الهيئة الطيب و الرّضا حتى يقال إنّ السّاكن لم يفعل شيئا

الثّاني أنّ بقاء الأكوان و عدمه و افتقار الباقي إلى المؤثّر و عدمه لا يرتبط بالمقام فإنّه لو قيل ببقاء الأكوان لا بتجدّدها آنا فآنا و عدم احتياج الباقي في بقائه إلى المؤثر يعني أنّ العلّة المحدثة هي المبقية فغايته أنّ استمرار السّكون ليس مستندا إلى السّاكن بل بقاؤه إنّما يكون بنفس علته المحدثة و هذا لا يفيد بعد ما ظهر أنّ الهيئة الاجتماعيّة ترتفع و لو بإطارة الهواء و أنّ مجرّد انفصالها و لو عن إكراه يوجب سقوط الخيار

الثّالث أنّ اقتضاء مقابلة الجمع بالجمع و التّثنية بالتّثنية التوزيع إنّما هو لظهور جعل عنوان فعل كل مكلّف متعلّقا لتكليف نفسه و لذا يحتاج اعتبار الاجتماع إلى مئونة زائدة على ظهور أدلّة التّكاليف و أمّا لو لم يتوقّف اعتبار الاجتماع إلى مئونة زائدة فلا

ص: 31

يصير الشّموليّ أظهر من المجموعي و في مقامنا حيث جعل الهيئة الاجتماعيّة مدارا للخيار فلا يقتضي ملاحظة وصف الاجتماع إلى مئونة زائدة لأنّ الهيئة من الإضافات القائمة بالطّرفين و قوامها باجتماع كليهما على هذا الوصف بل في مثل المقام اعتبار إضافة كلّ بالنّسبة إلى نفسه يحتاج إلى مئونة زائدة

إذا عرفت ذلك ظهر من الأمرين الأولين أنّ التّفصيل بين بقاء المختار في المجلس فالثبوت لهما و بين مفارقته فالسّقوط عنهما لا وجه له و ظهر من الأمر الثّالث أنّ التّفصيل بين المختار مطلقا و المكره فالسّقوط عن المختار و الثّبوت للمكره لا وجه له لأنّ الإضافة تنقطع باختيار أحدهما فيبقى في المقام قولان آخران الثبوت لهما و السقوط عنهما و لو لا صحيحة الفضيل لكان مقتضى الإطلاقات السّقوط عنهما لأنّ فيها جعل مدار الخيار على عدم التفرّق السّاقط بتفرّق أحدهما و لو عن كره إلّا أن مقتضى تقييدها بصحيحة الفضيل أنّ المدار في السّقوط على اختيار كليهما فإذا أجبر أحدهما على التّخاير و منع منه و أجبر على التفرّق أيضا لم يعلم بقاء المجبور على حاله الّذي كان قبل الجبر فلم يحرز الاختيار إذ لعلّه كان يفسخ فيستصحب الخيار

و بالجملة الظّاهر من الصّحيحة تقييد السّقوط بالرّضا منهما المنتفي بانتفاء رضاء أحدهما أو كليهما فيبقى الخيار حتّى بالنّسبة إلى المختار و لا وجه لمعارضتها بفعل الإمام ع بعد ما ظهر أنّ القضيّة الشخصيّة لا يستفاد منها الحكم الكلّي فتأمّل جيّدا

قوله قدس سره فالنّص ساكت إلى آخره

و ذلك لأنّه بعد أن جعل مدار الخيار بضمّ الصّحيحة إلى الإطلاقات على الهيئة الاجتماعيّة الحاصلة لهما بمقتضى طبعها فإذا فقد هذه الهيئة بلا اقتضاء طبعهما بل بالكره و الجبر مع عدم دلالة الصّحيحة على ثبوت الخيار لهما بفقد الرّضا و الاختيار لعدم ثبوت المفهوم لها فيجب الرّجوع إلى الاستصحاب فيما لو زال الإكراه حتّى في أوّل زمان زواله فضلا عمّا بعده

نعم بعد أوّل الزّمان ما يجري النزاع في أنّه من مورد الرّجوع إلى الاستصحاب أو عموم العام أو التّفصيل بين ما لو كان الخيار متّصلا بالعقد كخيار المجلس و ما لو كان منفصلا و سيجي ء إن شاء اللّٰه تفصيله في محلّه

[مسألة و من مسقطات هذا الخيار التصرف]

قوله قدس سره و من مسقطات هذا الخيار التصرف إلى آخره

سيجي ء في محلّه أنّ سقوط الخيار بالتصرّف ليس لحكم تعبّدي و لا لكشفه عن الرّضا بل التصرّفات المالكيّة هي بنفسها بمقتضى القواعد من المسقطات لأنّها إجازة فعليّة و على هذا لا فرق بين خيار الحيوان و غيره بل لو كان سقوطه لدليل تعبّدي أيضا لم يكن فرق بين جميع الأقسام فإنّ قوله ع فذلك رضا منه بمنزلة عموم العلّة

[الثّاني خيار الحيوان]
اشارة

قوله قدّس سرّه الثّاني خيار الحيوان إلى آخره

لا يخفى أنّ ظاهر النّص و الفتوى و إن شمل كلّ ذي حياة و لكن مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع اختصاص هذا الخيار بالحيوان المقصود منه حياته لا لحمه فالصّيد المشرف على الموت و السّمك و الجراد اللّذان يقصد منهما اللّحم نوعا و إن قصد نادرا حياتهما خارجة عن هذا العموم بل يمكن استفادة التّخصيص من بعض الأخبار المعلل فيه الخيار بنظرة المشتري و بناء عليه يختصّ أيضا بالحيوان الشّخصي لعدم جريان النّظرة في الكلّي فإنه لا يصحّ بيعه إلّا بعد تعيينه بالأوصاف و بما يوجب اختلاف القيمة هذا مضافا إلى أنّ المشتري لا يملك مطالبة الكلّي في باب السلم

ص: 32

قبل موسم قبضه فلا يمكن جعل مبدإ الخيار قبل حلول الأجل و أمّا بعد القبض فلا دليل على أنّ مبدأ الثّلاثة من حين القبض فهذا القسم لو لم يمكن الالتزام بثبوت الخيار فيه لا يمكن الالتزام بثبوته في الكلّي الحالي لعدم الفرق بينهما

نعم الكلّي في المعيّن لو صحّ بيعه كما إذا كان جميع أفراده متساوية في القيمة لا يبعد ثبوت الخيار فيه لجريان التّعليل

[مسألة المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري]

قوله قدس سره مسألة المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري إلى آخره

الأقوال في المسألة ثلاثة اختصاصه بالمشتري مطلقا كان الثّمن كالمبيع حيوانا أم لا و ثبوته لهما مطلقا و اختصاصه بمن انتقل إليه الحيوان مطلقا

و منشأ الأقوال اختلاف الأخبار فبعضها ظاهر في اختصاصه بالمشتري كقوله ع الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري و بعضها ظاهر في ثبوته لهما كقوله ع في صحيحة محمّد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و بعضها ظاهر في ثبوته لمن انتقل إليه الحيوان كقوله عليه السلام و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام بناء على أنّ المراد من الصّاحب هو الصاحب الفعليّ لا الأصليّ لأنّه لا يمكن أن يكون الخيار لمن انتقل عنه لا للمنتقل إليه لكونه خلاف الإجماع مع منافاته لحكمة النّظر و الاختبار

و أظهر الأقوال أدلّة هو الأخير و هو ثبوته لمن انتقل إليه بائعا كان أو مشتريا أو كليهما لو كان العوضان حيوانين دون من انتقل عنه أمّا ثبوته لمن انتقل إليه مطلقا فلقوله ع صاحب الحيوان بالخيار و لا ينافيه ظهور قوله ع للمشتري و لا ظهور موثقة ابن فضّال صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام

أمّا أوّلا فلعدم حمل المطلق على المقيّد في الأحكام الانحلاليّة كما إذا قيل أكرم العلماء و أكرم زيدا فلا ينافي ثبوت الخيار للمشتري ثبوته لغيره إذا صار صاحب الحيوان أو ثبوته لكليهما إذا انتقل إليهما

و أمّا ثانيا فلإمكان ورود القيد مورد الغالب كما في قوله عزّ من قائل وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ فلا ظهور له في الاختصاص و لا يقال يمكن حمل المطلق مثل قوله ع صاحب الحيوان على الغالب فيراد منه المشتري لأنّ الغالب كونه كذلك كما صرّح به الإمام ع في الموثقة لأنّا نقول الغلبة قد توجب حمل القيد على موردها و لا توجب تقييد المطلق أو الانصراف إلى موردها كما إذا لم توجب ضعف صدق المطلق على غير الغالب بأن لم يكن المطلق مشكّكا بل متواطئا من حيث الماهيّة أو الوجود هذا مضافا إلى أنّ في موثّقة ابن فضّال يمكن أن يكون المشترى وصفا للحيوان بأن يقرأ بفتح الرّاء مع أنّه لو قرئ بكسر الراء فيمكن أن يكون التقييد لدفع توهّم ثبوت الخيار لصاحبه الأصلي و هو البائع فلا تعرّض له إلى مورد كان البائع صاحبه الفعلي

و أمّا ثالثا فلإمكان أن يكون النّكتة في التّقييد دفع توهّم أنّ خيار الحيوان كخيار المجلس في ثبوته للبائع و المشتري أي ليس للبائع خيار إذا انتقل عنه الحيوان و ليس كخيار المجلس في ثبوته لهما فليس بصدد إخراج البائع إذا كان الثّمن حيوانا

و بالجملة فلا مانع من الأخذ بعموم الصاحب و ثبوته لكلّ من انتقل إليه الحيوان هذا حال المنتقل إليه و أمّا عدم ثبوته للمنتقل عنه فلأنّه لا دليل على ثبوته له إلّا قوله ع في صحيحة محمّد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا فإنّ المتبايعان بإطلاقه يشمل ما إذا كان الثمن أو المثمن أو كلاهما حيوانا و لكن يمكن تقييده بصحيحته الأخرى المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام فيصير المراد من المتبايعين

ص: 33

بعد التّقييد من انتقل إليه الحيوان أي يحمل على مورد يكون الثّمنان حيوانين

نعم يرد على التّقييد إشكالات ثلاثة الأوّل أن حمل قوله ع المتبايعان بالخيار على ما إذا كان الثّمنان حيوانين حمل على فرد نادر فإنّ الغالب كون المبيع حيوانا الثّاني أنّ اتّحاد السياق يقتضي أن يكون ثبوت الخيار في بيع الحيوان و غيره الّذي ثبت فيه خيار المجلس على نهج واحد و خيار المجلس أمر قائم بالمتبايعين بالنّسبة إلى الثّمن و المثمن فخيار الحيوان لو لم يكن إلّا للمنتقل إليه يلزم أن يرتكب شبه استخدام في لفظ المتبايعان بالخيار أي يراد منه تعلّق الخيار بالنّسبة إلى غير الحيوان بالثّمن و المثمن و بالنّسبة إلى الحيوان بأحدهما الثّالث أنّه لو حمل المتبايعان على مورد كان العوضان حيوانين للزم أن يناقض صدره ذيله لأنّ ذيله صريح في أنّ فيما سوى ذلك ليس إلّا خيار المجلس و ما سوى كون الثّمنين حيوانين يشمل ما كان المبيع حيوانا فيلزم أن لا يكون للمشتري خيار مع أنه لا يقول به أحد و ليس الواقع كذلك أيضا

و لكنّه لا يخفى أنّ جميع هذه الإشكالات لا يصادم ظهور قوله ع صاحب الحيوان بالخيار في اختصاص الخيار بمن انتقل إليه

أمّا أوّلا فلأنّ حمل قوله المتبايعان على ما إذا كان الثّمنان حيوانين و إن كان حملا على الفرد النّادر إلّا أنّ قوله ع صاحب الحيوان أظهر في الاختصاص بمن انتقل إليه من إطلاق المتبايعان خصوصا مع عدول الإمام ع عن قوله المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلى قوله و صاحب الحيوان لأنّه لو كان خيار الحيوان كخيار المجلس ثابتا لكليهما لكان اللّازم أن يقال المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا و هما بالخيار في الحيوان ثلاثة أيّام فعدوله ع في صحيحة محمّد بن مسلم و في صحيحة زرارة ليس إلّا لبيان الاختصاص

و أمّا ثانيا فلمعارضة هذه الصّحيحة الدالّة بإطلاقها على ثبوت الخيار لهما مع رواية قرب الإسناد الصريحة في عدم ثبوت الخيار للبائع إذا كان المبيع حيوانا و لا سيّما التّعليل الوارد فيه بقوله ع الخيار لمن اشترى نظرة ثلاثة أيّام فإنّ العلّة و إن كانت حكمة التّشريع و هي لا تقتضي الاطّراد إلّا أن بمناسبة الحكم و الموضوع يستكشف مناط جعل الخيار و أنّه للمنتقل إليه دون المنتقل عنه

و أمّا الإشكال الثّاني فغير وارد أصلا لأنّه لو كان قوله ع المتبايعان بالخيار منزلا على ما إذا كان الثّمنان حيوانين فيتّحد حكمه مع غير الحيوان في ثبوت الخيار لهما كان حق الرّد متعلّقا بما في يدهما أو حقّ الأخذ متعلّقا بما انتقل عنهما لأنّ حلّ العقد و إبقاءه بيدهما على أي تقدير و الفرق الاعتباري الخارجيّ لا يوجب استعمال قوله ع المتبايعان بالخيار في معنيين

و أمّا الإشكال الثّالث فلا يخفى ما فيه لأن ذيل الرّواية لا ينفي صدره من حيث النّصوصية و الظّهور فإنّه لو حمل صدره على ما إذا كان الثّمنان حيوانين يصير مفاده اللّفظي أنّه لو كان الثّمن و المثمن كلاهما حيوانا فالخيار لكليهما و لو لم يكن كذلك بأن كان أحدهما حيوانا فلا خيار لأحدهما إلّا خيار المجلس و عدم إمكان العمل بذيله لا يوجب مناقضة ذيله لصدره

فغاية الأمر يقيّد ذيله و يقال إن مقتضى الأدلّة الأخرى هو أن لمن انتقل إليه الحيوان خيار ثلاثة أيّام و بالجملة لا إشكال في ترجيح صحيحتي محمّد بن مسلم و زرارة الدالّتين على ثبوت الخيار لخصوص من انتقل إليه من حيث الدلالة على الرّواية الدّالة على ثبوته لمن انتقل عنه أيضا فلا مجال حينئذ لملاحظة السّند مع أنّ إعراض القدماء عنها و عدم العمل بها إلى زمان

ص: 34

السّيد المرتضى قدس سره يكفي وهنا لدلالتها و سندها إذ لعلّها كانت منقولة بالمعنى لأنّ شخص محمّد بن مسلم هو الراوي للصّحيحة الأخرى الدالّة على الاختصاص بمن انتقل إليه فالمسألة واضحة

نعم يمكن أن يقال بعد ظهور موثقة ابن فضّال في اختصاص الخيار بالمشتري لركاكة قراءة المشترى بالفتح و بعدها عن سياق اللّغة العربيّة فيحمل المطلق على المقيّد مع ظهور عدّة من الرّوايات في الاختصاص بالمشتري و احتمال ورود القيد مورد الغالب ضعيف فإنّ الأصل في القيد الاحترازيّة إلّا إذا ثبت كونه واردا مورد الغالب كما في ربائبكم اللّاتي في حجوركم فالأقوى ما عليه المشهور فتدبّر

[مسألة لا فرق بين الأمة و غيرها في مدة الخيار]

قوله قدس سره مسألة لا فرق بين الأمة و غيرها إلى آخره

لا يخفى أنّه لو قام الدّليل على أنّ ضمان الأمة في مدّة الاستبراء على البائع لم يكن ملازما لثبوت الخيار للمشتري في هذه المدّة لأنّه لم يثبت الملازمة بين ضمان شخص و ثبوت الخيار لطرفه بل الملازمة بالعكس فإنّه ثبت أنّ من له الخيار ضمان ماله على من لا خيار له هذا مضافا إلى أنّه لم يثبت ضمان البائع في مدّة الاستبراء فالتّفصيل بين الحيوانات في مدة الخيار لا وجه له أصلا

[مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد]

قوله قدس سره مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد إلى آخره

قد تخيّل أنّ النّزاع لا وجه له لأنّه ليس خيار الحيوان إلّا خيار المجلس الّذي هو في غير الحيوان إلى التفرق و فيه إلى ثلاثة أيّام فيكون مبدؤه من حين العقد

و فيه أنّا لو اخترنا ما عليه السّيد المرتضى من ثبوت خيار الحيوان للبائع و المشتري لكان لهذا الكلام وجه و أمّا لو قلنا بعدم ثبوته للمنتقل عنه فلا شبهة في أن خيار الحيوان مغاير لخيار المجلس موضوعا و محمولا فإنّ خيار المجلس ثابت لكليهما ما دام المجلس باقيا سواء طال أم قصر و خيار الحيوان يختصّ بمن انتقل إليه في ثلاثة أيّام فأين هذا من ذاك ثمّ إنّه استدلّ على أنّ مبدأه بعد التفرّق بأمور الأوّل الاستصحاب و يمكن تقريبه بوجهين الأوّل أصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة أيّام من حين العقد أي بعد مضيّ ثلاثة أيّام من حين العقد يستصحب بقاء خيار الحيوان بمقدار زمان المجلس و الثّاني أصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس و الأوّل لا إشكال فيه لو آل الأمر إلى الأصول و لم يستظهر الحكم من الأدلّة لأنّ أثره تأثير الفسخ فإنّه من الآثار الشّرعيّة المترتّبة على نفس بقاء الخيار من دون واسطة و الثّاني مثبت لأنّ نفس عدم حدوثه لا أثر له و لا يثبت به أنّ مبدأه بعد التفرّق

و لا يقال إنّ من آثار عدم حدوثه عدم تأثير إسقاطه لم يرتب على عدم حدوثه بل من باب أنّ إسقاطه إسقاط لما لم يجب إلّا أن يقال إنّ كونه إسقاطا لما لم يجب مترتّب على أمرين أحدهما محرز بالوجدان و هو نفس الإسقاط و ثانيهما بالتعبّد و هو عدم حدوث الخيار فلا محذور في استصحاب عدم الحدوث

فالصواب في الجواب عن هذا الأصل أنّه بمعناه المحمولي و هو عدم تحقّق الخيار قبل بيع الحيوان لا أثر له و بمعناه النّعتي و هو حين بيع الحيوان ليس له حالة سابقة و استصحاب العدم المحمولي لإثبات العدم النّعتي مثبت الثّاني أنّه لو لم يكن مبدؤه التفرّق لزم اجتماع السّببين على مسبّب واحد و قد يرد بأنّ الأسباب الشرعيّة معرفات لا علل

و لا يخفى أنّ النّزاع في أنّ الأسباب معرفات أو علل بالمعنى المتصوّر الصّحيح لا ربط له بالمقام فإنّه لو كان المراد من المعرّف أنّه حكمة لا علة فكون مناطات الأحكام من قبيل الحكم لا العلل لا ربط له بالمقام لأنّ الخيارين تابعان لمقتضى دليلهما قبل التفرّق كان مناطهما حكمة

ص: 35

للجعل أو علّة و لو كان المراد من المعرّف أن موضوع الحكم الّذي أخذ في القضيّة الحقيقيّة ليس علّة لثبوت الحكم عند تحقّقه فهذا بديهيّ البطلان لأنّه لو جعل حكم على تقدير فبتحقّقه يتحقّق الحكم و بعدمه لا يتحقّق و لا يعقل تحقّق الموضوع و عدم تحقّق الحكم فلا يمكن أن يقال إنّ الأسباب الشّرعيّة معرفات لا علل لأنّها بهذا المعنى علل فإذا كانت كذلك فالأصل عدم التّداخل لأنّ كلّ موضوع سبب لتحقّق الحكم الّذي أنشئ على فرض وجوده فلو أمكن تعدّد الحكم نلتزم به و لو لم يمكن فلو أمكن تعدّد مرتبته كالشدّة و القوّة كما في الاستحباب و الوجوب فهو و لو لم يمكن الخيار في المقام الّذي هو من قبيل سائر الأحكام الوضعيّة الغير القابلة للتأكّد و التعدّد فمقتضى توارد العلّتين على معلول واحد أن يكون المعلول مستندا إلى مجموع العلّتين فإن كلّا منهما مستقلّ في العليّة لو لم يقارنه الآخر فمع المقارنة يستند إلى كليهما هذا مع أنّ الخيار قابل للتعدّد من حيث الإضافة أي و إن لم يمكن تعدّد نفس الخيار و لكن يمكن تقييده من جهة السّبب و أثر ذلك أنّه يمكن إسقاطه من جهة و إبقاؤه من أخرى لأنّه ليس معنى الخيار إلّا ملك الالتزام الّذي التزم العاقد به فلو ملك التزام نفسه من جهتين فله إسقاط إحداهما و إبقاء الأخرى

و بالجملة لا يلزم من إسقاط الخيار سقوطه رأسا فإنّه تابع لنظر المسقط و هذا لا ينافي وحدة الخيار فإنّ الملكيّة الّتي هي من الأمور الاعتباريّة يمكن رفع اليد من أحد أسباب اعتبارها فحال الخيار بالنّسبة إلى السّببين كحال القتل بالنّسبة إلى أسبابه فإنّه مع كونه غير قابل للتعدّد و التأكّد يمكن تقييده بأسبابه فإذا اجتمع سببان فيه أحدهما إلهيا و الآخر خلقيّا كالارتداد و القصاص أو حقان خلقيان يمكن سقوطه من جهة و ثبوته من أخرى

نعم إذا كان كلّ منهما إلهيا فغير قابل لإضافته إلى سبب دون آخر لأنّ مرجع الحدّ الشّرعي إلى الحكم الشّرعي و الحكم غير قابل للإسقاط الثّالث الأخبار الدالّة على أنّ تلف الحيوان في الثلاثة ممّن انتقل عنه أي ممّن ليس له الخيار و بضميمة ما دلّ على أنّ التّلف في الخيار المشترك ممّن انتقل إليه يستكشف أنّ مبدأ خيار الحيوان بعد التفرّق لأنّه لو كان مبدؤه أوّل زمان العقد الّذي يشترك فيه البائع و المشتري في الخيار لما كان التّلف على البائع

و فيه ما لا يخفى لأنّ أدلّة خيار الحيوان لو كانت ظاهرة في أن مبدأه من حين العقد لم يمكن رفع اليد من ظهورها بمجرّد أنّه لا يمكن الجمع بين الأدلّة الدالّة على أنّ تلف الحيوان في زمان الخيار المشترك من المشتري و الأدلّة الدالّة على أنّ تلف الحيوان في الثّلاثة الّتي هي زمان خيار الحيوان للمشتري على البائع إلّا على أن يكون مبدأ الثّلاثة بعد التفرّق لأنّ غايته تعارض القاعدتين فيمكن حمل ما دلّ على أنّ التّلف من البائع على الغالب من كونه بعد المجلس فلا إطلاق له حتى ينافي ما دلّ على أنّ التّلف في المجلس ممّن انتقل إليه و يمكن تقييد ما دلّ على أنّ تلف المال في زمان الخيار المشترك من المنتقل إليه بغير مورد الحيوان فيقال إنّ التّلف في زمان الخيار المشترك ممّن انتقل إليه إلّا أن يكون له خيار مختصّ فيكون التّلف من المنتقل عنه

قوله قدس سره ثم إنّ المراد بزمان العقد هل زمان مجرّد الصّيغة إلى آخره

لا إشكال في أنّ مبدأ الثلاثة في عقد الفضولي بناء على النّقل من حين الإجازة و كذا بناء على الكشف الحكمي لأنّ الدّليل الدالّ

ص: 36

على ترتيب الآثار من حين العقد يدلّ على ترتيب آثار الملكيّة و لا يدلّ على أنّ الاستناد إلى المالك الّذي يتحقّق بحسب الخارج بالإجازة أيضا من حين العقد

و بعبارة أخرى كما أنّ الأصول لا يترتّب عليها إلّا الآثار الشّرعيّة فكذلك الأدلّة الّتي وردت في بيان إثبات حكم تعبّدي لا يترتّب عليها إلّا المقدار الذي ورد التعبّد به دون لوازمه العادية

و أمّا على الكشف الحقيقيّ فبناء على كون الشّرط هو وصف التعقّب أو التزمنا على ما هو المحال و الخلف و هو أنّ الإجازة بوجودها العيني شرط و مع هذا تحقّق الملك قبلها كما يقوله القائل بصحّة الشّرط المتأخّر فمبدأ الثلاثة من حين العقد

و أمّا بناء على الانقلاب فمن حين الإجازة لأنّ القائل به يقول بانقلاب آثار الملك و أمّا نفس الإجازة الواقعة فعلا فلا يدّعي وقوعها حين العقد فمبدأ الخيار لا محالة من حينها و أدلّة الجميع واضحة ثم إنّ مبدأها في السّلم من حين العقد لا حين حصول الملك أي حين القبض كما عرفته في خيار المجلس لأنّ الخيار مخصّص لوجوب الوفاء بالعقد فلا يقال لا أثر له قبل القبض

[مسألة لا إشكال في دخول اللّيلتين]

قوله قدّس سرّه مسألة لا إشكال في دخول اللّيلتين إلى آخره

لا يخفى أنّ اليوم بحسب العرف و اللّغة هو الزمان الممتد بين طلوع الشّمس و غروبها بحيث لو أطلق على مجموع اللّيل و النّهار فهو بقرينة خارجيّة كما أنّ إطلاقه على اليوم الصّومي و هو من أوّل الفجر إلى زوال الحمرة بدليل خارجيّ و إلّا فبحسب معناه العرفي كاللّغوي هو اليوم الإجاري و هو من أوّل الشمس إلى الغروب

نعم في خصوص المقام لما استفيد الاستمرار من الأخبار يدخل اللّيلتان المتوسّطتان في الأيام كما أنّه لو وقع العقد في أوّل الغروب يستمرّ هذا الخيار من حين العقد إلى منتهى اليوم الثّالث فدخول اللّيلتين أو اللّيالي في بعض الموارد ليس لدخولها في مفهوم الأيّام و ذلك واضح إنّما الكلام في أن الحكم المترتّب على الأيّام مترتّب على خصوص اليوم التامّ أو يكفي التّلفيق و هو تارة يحصل من تلفيق نصف من اليوم بنصف من اللّيل و أخرى من تلفيق نصف يوم بنصف يوم آخر فنقول الحكم بحسب الثّبوت لا يخلو عن أحد الوجوه الثلاثة

فتارة لا يكون لليوم خصوصيّة أصلا بل المخصوص هو المقدار الخاصّ من الحركة الفلكيّة و أخرى له خصوصيّة و الخصوصيّة إمّا من حيث هذا المقدار من البياض أو لخصوصيّته بتماميّته أمّا بحسب الإثبات فلا بدّ من قيام قرينة على أحد الأقسام الثّلاثة و لا يبعد دعوى قيام القرينة النّوعيّة على كفاية التّلفيق من يومين لأنّ ظاهر ما يوجب اعتبار اليوم أو الأيّام في موضوعات الأحكام هو اعتبار هذا المقدار من البياض لا من حركة الفلك و لا تمام البياض من يوم واحد و عدم كفاية التّلفيق في الاعتكاف إنّما هو لاعتبار الصوم فيه و الصّوم ثبت أنّ يومه من أوّل الفجر إلى زوال الحمرة

[مسألة يسقط هذا الخيار بأمور]
[الثّالث التّصرف و لا خلاف في إسقاطه في الجملة لهذا الخيار]

قوله قدس سره الثّالث التّصرف و لا خلاف في إسقاطه في الجملة لهذا الخيار إلى آخره

تنقيح البحث فيه يستدعي رسم أمرين تقدم تنقيحهما في تحت المعاطاة الأوّل أنّ مقتضى القواعد الأوّليّة وقوع كلّ عنوان من عناوين العقود و الإيقاعات بالفعل كوقوعه بالقول إذا كان الفعل في طبعه بحسب العرف و العادة مصداقا لذلك العنوان بحيث يحمل عليه بالحمل الشّائع الصناعي أنّه هو أي كان بطبعه آلة لإيجاده فلا يقع العنوان بالفعل الّذي ليس آلة

ص: 37

لإيجاده و لو نوى وقوعه به الثّاني أنّ خروج بعض الإيقاعات ليس لإجماع تعبّدي بل لانتفاء ما يكون آلة لإيجاده من الأفعال فعدم وقوع العتق أو الطّلاق بالفعل إنّما هو لأنّ الفعل ليس آلة لإيجادهما و لهذه الجهة لا تجري المعاطاة أيضا في كثير من العقود كالصّلح و الضّمان و الحوالة و النّكاح

و بالجملة لا يختصّ الإيقاع بخصوصيّة موجبة لعدم جريان المعاطاة فيه من حيث إنّه إيقاع فعلى هذا كلّ إيقاعيّ كان الفعل آلة لإيجاده كالرّجوع في الهبة و العدّة و الفسخ و الإجازة يقع به

إذا عرفت ذلك فحيث إنّ الإجازة من الإيقاعات و لا بدّ في تحقّقها خارجا من إنشاء لفظيّ أو فعليّ فكل فعل كان مصداقا لتحقّقها خارجا و في عالم الاعتبار تقع به و من أوضح مصاديق الأفعال الّتي تقع هذه بها التصرّف فإنّه إجازة فعليّة

نعم يشترط أن يكون التصرّف مالكيا بأن يكون نحو تصرّف الملاك في أملاكهم فالتصرّف الاختياري و الّذي جرت العادة بصدوره من غير المالك كسقي الدابّة و ركوبها حال الذّهاب و الإياب و قوله للجارية ناوليني الماء مثلا و التصرّف الصّادر من حيث الاشتباه الموضوعي كتخيّل أنّ هذه الدّابة غير المشتراة خارج عن التصرّف المالكي

و بالجملة مقتضى القاعدة تحقّق الإجازة و الفسخ بالفعل كتحقّقها بالقول و ليس التصرّف مسقطا تعبّديا و إلّا لوجب الاقتصار على مورده و هو التصرّف فيما انتقل إليه و في خصوص الحيوان فالتعدّي عنه و القول بأنّ تصرّف المالك في كلّ معاملة فيما انتقل عنه فسخ و فيما انتقل إليه إجازة ليس إلّا لأنّ التصرّف بنفسه إجازة و إنشاء فعليّ فيما انتقل إليه

نعم التصرّف قبل العلم بالعيب في خيار الحيوان مسقط تعبّدي و أمّا بعد العلم كالتّصرف في المقام فهو على وفق القاعدة و الأخبار الواردة في هذا الباب أيضا كاشفة عمّا ذكرنا فإنّ قوله ع إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشّراء و قوله ع فذلك رضى منه و لا شرط له يدلّ على أنّ الرّضا بالبيع و اختياره هو بنفسه مسقط للخيار و ليس المراد من الرّضا الطّيب فإنّه بهذا المعنى يتعدّى بالياء مع أنّه في رواية عبد اللّٰه بن الحسن تعدّى بالنّفس فيكشف عن أنّ معناه في سائر الأخبار هو الاختيار

و يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه صحّة حمل الرّضا على التصرّف بلا عناية فإنّ قوله ع فذلك أي الحدث رضى منه لو كان بمعنى الطّيب لاحتاج إلى عناية إمّا بحمل المنكشف على الكاشف أو التّنزيل هذا مع أنّ جهة كشفه عن الرّضا لا أثر له في شي ء من العقود و الإيقاعات فإنّ العقد أو الإيقاع إنشائي لا يوجد إلّا بآلة من قول أو فعل و مجرّد الرّضا الباطني لا أثر له أصلا

و بالجملة لمّا استظهر المصنف من الرّضا أنّه بمعنى طيب النّفس وجّه أو احتمل وجوها في قوله ع فذلك رضى منه و لا شرط له و كلّ ذلك في غير محلّه لأنّه مبنيّ على أخذ الرّضا بمعنى الطّيب

ثم إنّ كون جواب الشّرط فذلك رضى منه أو قوله ع و لا شرط له و يكون فذلك رضى منه توطئة للجزاء كما تكرر هذا الكلام منه قدس سره لا يرجع إلى فرق حقيقيّ بين الوجهين بل لا معنى للتّوطئة فإنّه قد يكون الجواب مجموع الكلام من الصّغرى و الكبرى و قد يكون خصوص الكبرى

ثم إنّ المحتملات في الرّواية لو كان المراد من الرّضا طيب النّفس ثلاثة فإنّ الاحتمالين

ص: 38

الأوّلين يرجعان إلى أمر واحد و هو جعل التصرّف مسقطا تعبّديا و منزلا منزلة الالتزام بالعقد فعلى هذا كلّ حدث و تصرّف بمنزلة الالتزام بالعقد في سقوط الخيار به فيصير مفاد الحديث أنّه لو أحدث المشتري حدثا فهو بمنزلة رضائه فلا خيار له و الاحتمال الثّالث الّذي هو الثّاني في الحقيقية يرجع أيضا إلى التعبّد لأنّه لو لم يكن للتّصرف ظهور فعلي و شخصيّ في الرّضا بل كان كظهور و الألفاظ في إرادة معانيها لما كان متّبعا في كلّ مقام إلّا بتعبّد من الشّرع و بإمضاء ما عليه طريقة العقلاء فإذا كان تعبّديا يدور مدار مقدار التعبّد و لا وجه للتعدّي عنه إلى مورد الفسخ

ثم على الوجه الأوّل يكون حمل الرّضا على التصرّف نظير حمل الصّلاة على الطّواف في قوله ع الطّواف في البيت صلاة و على الثّاني أي الثّالث في كلامه يكون من حمل المنكشف على الكاشف

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّه ليس التصرّف في عرض سائر المسقطات مسقطا مستقلا بل لمكان أنّه إجازة و التزام بالعقد و أخذ بأحد طرفي الخيار و لذا يجب أن يعد التصرّف بحسب العرف و العادة مصداقا للإجازة و إن لم يقصد به الإجازة لأنّ كلّ فعل كان مصداقا لعنوان يكفي في تحقّق العنوان مجرّد القصد إلى الفعل و لا يشترط قصد العنوان به و لذا قالوا إنّ الوطي و إنكار الطّلاق رجوع و إن لم يقصده بهما

نعم غير الوطي من سائر الأفعال يجب أن لا يقصد منه خلاف العنوان لأنّ مع قصد الخلاف يخرج الفعل عن المصداقية كما أنّه يشترط أن لا يقع الفعل اشتباها و أن لا يكون من الأفعال الّتي تصدر من غير المالك أيضا كسقي الدابّة و نحو ذلك

و بالجملة التصرّف المالكيّ هو بنفسه إجازة فعليّة و لو لم يقصد به عنوان الإجازة بل لو فعل فعلا لم يصدق التصرّف عليه كالعرض على البيع فهو أيضا إجازة لأنّ قوله ع فذلك رضى منه كما يوجب تخصيص التصرّف بالتّصرف المالكي كذلك يوجب تعميم كلّ عمل كان مصداقا للاختيار و من هنا ظهر أنّ ما أورده قدس سره على من خصّص التصرّف بالتصرّف المالكي غير وارد أصلا لأنّ عقد الوضع و إن كان عاما إلّا أن عقد الحمل يوجب تقييد الموضوع و جزاء الشّرط في الشرطيّات كالمحمول في الحمليّات

فقوله ع فذلك رضى منه يوجب اختصاص التصرّف بالتصرّف النّاشي عن اختيار و التزام بالعقد و الاختصاص لا يوجب استهجانا سواء قلنا بأنّ التصرّف مسقط تعبّدي أو كاشف نوعي أو إجازة فعليّة أمّا على التعبّديّة فواضح لأنّ كلّ تصرّف محرّم عليه قبل الشّراء فهو مسقط بمنزلة الرّضا

نعم يرد عليه مضافا إلى أنّ ظاهر الخبر بيان الأمر الارتكازيّ لا التعبّد إنّ جعل الخيار لغو لأنّه لا ينفكّ المبيع عن التصرّف فيه في الثّلاثة و أمّا على الكشف النّوعي الّذي قلنا إنّه راجع إلى التعبّد أيضا فلأنّ جعل فذلك رضى بمنزلة العلّة للجزاء إمّا راجع إلى علّة الجعل أو المجعول و الحكم أمّا لو كان علّة للحكم فهي موضوع الحكم و ليس من أوّل الأمر عاما حتى يكون تخصيصه بالفرد النّادر مستهجنا و أمّا لو كان علّة للتشريع كزوال أرياح الآباط في غسل الجمعة و عدم اختلاط المياه في العدّة فتارة تكون العلّة بمثابة من الأهميّة في نظر الشّارع بحيث لا يرضى بوجودها و لو في الفرد النّادر فيصحّ تشريع الحكم على وجه العموم حفظا للحمى

و أخرى لا تكون

ص: 39

بتلك المثابة فلا يصحّ تشريعه على وجه العموم هذا مع أنّ كلّ ذلك لم يكن لأنّه ليس المراد من الحدث مطلق التصرّف حتّى يكون تعليل الحكم المطلق بهذه العلّة الغير الموجودة إلّا في قليل من أفراده مستهجنا بل المراد منه التصرّف المالكي و هو في الغالب لا ينفكّ عن الرّضا و كاشف نوعيّ عنه

نعم مطلق التصرّف ليس كاشفا نوعيّا و لكن أين الإطلاق و بالجملة بعد ما ظهر أنّ الحكم بسقوط الخيار بالتّصرف ليس إلّا لأنّه إجازة فعليّة ظهر أنّ الجمع بين الأخبار في غاية الوضوح لأنّها بأجمعها ناطقة بأنّ التصرّف الّذي يحرم على المتصرّف لو لم يكن مالكا هو اختيار للعقد و إمضاء له سواء صدر بعنوان الإجازة أم بلا التفات إلى العنوان

نعم لا بدّ من الالتفات إلى الفعل و صدوره عنه بما هو مالك لهذا الّذي اشتراه و سواء صدق عليه التصرّف عرفا أم لا كالعرض على البيع و إنكار البيع كلّ ذلك لأنّ هذه الأفعال بنفسها مصاديق للإجازة

نعم يجب أن لا يخرجها عن هذا العنوان بقصد الخلاف فإنّ الأفعال مختلفة في جهة المصداقيّة فبعضها لا اقتضاء صرف و بالقصد يتّصف بعنوان و بعضها يتّصف به ما لم يقصد خلافه و بعضها يتّصف به مطلقا كالوطي في زمان العدّة الرجعيّة فإنّه و إن قصد به الزّنا لا الرّجوع إلّا أنّه يتحقّق الرّجوع به نعم يعزّر لقصده هذا

و يمكن أن يقال بالفرق بين التصرّف فيما انتقل إليه و التصرّف فيما انتقل عنه فإنّ الأوّل إجازة و إن قصد الخلاف و الثّاني مع قصد الخلاف ليس فسخا و منشأ الفرق هو أنّ التصرّف فيما انتقل إليه تصرّف فيما هو ملكه فإذا نوى به الغصبيّة مثلا لا يخرج عن كونه تصرّفا في الملك فإذا صدر الفعل عنه بالاختيار مع العلم بموضوع الخيار كالعلم بالغبن مثلا أو العيب فنفس صدور هذا التصرّف المالكيّ هو التزام بأحد طرفي الخيار لأنّه التزام بعدم شرط التّساوي و مثلا في الماليّة الموجب للخيار و لو لم يعلم بأنّ المغبون ذو خيار شرعا لأنّ عدم العلم بالحكم لا يخرج التصرّف عن عدم الالتزام بتساوي المالين

نعم مع الجهل بالغبن ليس مجرّد التصرّف المالكي مصداقا لإسقاط شرط التّساوي لعدم علمه بعدم التّساوي و أمّا التصرّف فيما انتقل عنه فلو قصد به التصرّف العدواني فهذا ليس أخذا بأحد طرفي الخيار لإمكان طروّ عنوان الغصب عليه فالفعل يصير ذا وجهين و ليس كمن أكل مال نفسه و قصد الغصب و من وطئ زوجته و قصد الزّنا فإنّ هذا القصد لا يغيّر الفعل عمّا هو عليه و لو كان القصد حراما و على هذا فالوطي في زمان الرّجوع رجوع و إن قصد الخلاف لأن المطلّقة الرجعيّة زوجة

ثم إنّ هذا ما هو التّحقيق في المقام و أمّا كلمات العلماء فلا يجمعها جامع واحد بل كلّ منهم سلك مسلكا فبعضهم أخذ بالتعبّدية و بعضهم بالكاشفيّة النّوعيّة و بعضهم اعتبر الكشف الفعلي فراجع

[الثّالث خيار الشّرط]
اشارة

قوله قدس سره الثّالث خيار الشّرط إلى آخره

و قد حكي عن صاحب المستند أنّ الأدلّة العامّة مثل المؤمنون عند شروطهم لا تكفي لإثبات صحّة اشتراط الخيار لاستثناء الشرط المخالف للكتاب و السّنة لأنّ السّنة تدلّ على أنّ بالافتراق يجب البيع فاشتراط عدم وجوبه بعد الافتراق مخالف لها و حيث إنّا قد ذكرنا في اشتراط سقوط خيار المجلس في ضمن العقد ضابطا للشرط المخالف و الموافق

ص: 40

ظهر ما في كلامه

و حاصل الضّابط أن كلّ حكم تكليفي غير اقتضائي و كلّ حكم وضعيّ حقّي قابل للاشتراط فالمهم إثبات الصّغرى و أنّ اللّزوم في المقام حقّي لا حكميّ و إثباتها و إن تقدّم في المعاطاة مفصّلا إلّا أنّه لا بأس بالإشارة إليه إجمالا

فنقول إنّ اللّزوم في باب النّكاح و الضّمان حكميّ لا حقّي و الكاشف عنه عدم جريان الإقالة فيهما كما أنّ الجواز في الهبة كذلك أيضا بل الجواز في المعاطاة من جهة أيضا كذلك لأنّ الأفعال لا تدلّ إلّا على نفس المنشئات بالعقود و ليست لها دلالة التزاميّة

و أمّا اللّزوم في البيع و في كل عقد معاوضيّ فهو حقّي لأنّه حكم شرعيّ متعلّق بما ينشئه المتعاقدان بالدلالة الالتزاميّة فإن بعت كما يدلّ على التبديل مطابقة يدلّ بحسب العرف و العادة على الالتزام بما أنشأه فالبائع يملّك المشتري المبيع و يملّكه التزامه بكون المبيع بدلا للثّمن فيملك المشتري المثمن و التزام البائع كما يملك البائع الثّمن و التزام المشتري فكلّ منهما يملك التزام صاحبه و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ يدلّ على وجوب الوفاء بهذا الالتزام الّذي به سمّي العقد عقدا و عهدا مؤكّدا كما أنّ بالإقالة تنحلّ هذا الالتزام و يرد كلّ منهما الالتزام الّذي ملكه إلى صاحبه و الخيار ملك كلا الالتزامين و لذا يثبت في كلّ ما يجري فيه الإقالة و بالعكس

فإذا كان الالتزام من منشئات المتعاقدين فلو اشترطا أن لا يكون هذا في مدّة معيّنة لأحدهما فلا يملك المشروط عليه التزام المشروط له و إذا ارتفع موضوع الحكم فلا حكم حتّى يكون شرط خلافه مخالفا للكتاب و لو لم يكن الأدلّة العامّة الواردة في الشّروط لكفى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لصحة هذا الشرط لأنّ وجوب الوفاء بما التزم به كلّ عاقد على نفسه إنّما هو عين وجوب الوفاء بأن لا يكون العقد لزوميّا في مدّة كما أنّ شرط سقوط الخيار كذلك فتأمّل

[مسألة لا فرق بين كون زمان الخيار متّصلا بالعقد أو منفصلا]

قوله قدس سره مسألة لا فرق بين كون زمان الخيار متّصلا بالعقد أو منفصلا إلى آخره

تنقيح ما في هذا العنوان يتوقّف على بيان أمور الأوّل أنّه لا مانع من صيرورة العقد جائزا بعد ما كان لازما لعدم قيام الدليل على امتناع هذه الكبرى مضافا إلى ثبوت نظيرها في الشّرع كخيار التّفليس و التأخير الثّاني أنّه لا تحديد لمدّة الخيار في طرف القلّة أو الكثرة

نعم لا بدّ أن تكون المدّة مضبوطة فلو جعلها أبدا أو مدّة العمر في طرف الزيادة أو بمقدار يمكن فيه إعمال الخيار في طرف القلّة فإنّما يبطل من جهة الجهل بالمدّة لا من حيث الزيادة و النّقيصة بل يمكن أن يقال أن جعله أبدا يبطل من جهة أخرى أيضا و هي منافاته لمقتضى العقد فإن مقتضاه بمدلوله الالتزاميّ هو التزام كلّ من المتبايعين بما أنشأه فلو لم يلتزم أحدهما به في مقدار من الزّمان فهو ينافي إطلاقه و لا بأس به و أمّا لو لم يلتزم به أبدا فهو ينافي مقتضاه و يفسد

الثّالث أنّ العقد تارة مبنيّ على المحاباة و التّسالم كالصّلح و المحاباتي و أخرى مبنيّ على الدّقة و الأوّل لا يضرّ فيه جعل الخيار مدّة مجهولة على الأظهر من الأدلّة كما لا يضرّ فيه الجهل بالعوضين و الثّاني يضرّ فيه الجهالة كما تضرّ في نفس العوضين لا لأدلّة الغرر بل لاعتبار العلم بالعوضين بدليل خاصّ و الدّليل و إن كان ناظرا إلى نفس العوضين إلّا أنّ الشّرط بمنزلة الجزء فهو راجع إلى ضميمة إلى أحد العوضين فالجهل به يسري إليهما لكن اعتبار العلم بهما إنّما هو في خصوص البيع

و أمّا في سائر العقود المعاوضيّة فاعتباره لا بدّ أن يكون من جهة الغرر و الخطر و أدلّة الغرر و إن اختصّ بعضها بالبيع إلّا أنّ بعضها الآخر عام ثم إنّ الغرر فيما اشترط في البيع حيث إنّه راجع إلى نفس

ص: 41

البيع فالاستدلال بفساده من جهة نفي الغرر العام و إن صحّ إلّا أنّه لا موجب له لما عرفت من سراية الضّميمة إلى البيع و البيع الغرري بنفسه فاسد للدّليل الدالّ صريحا على أنّه لا غرر في البيع

ثم لا فرق في صورة البطلان بين أن لا يذكر مدّة أصلا أو يذكر مدّة مجهولة أو مطلقة فالأوّل كما لو اشترط أن يكون له الخيار و الثّاني كما لو اشتراط أن يكون عند قدوم الحاج و الثالث كما لو اشترط أن يكون مدّة خلافا لجماعة حيث جعلوا مدّة الخيار في الصّورة الأولى ثلاثة أيّام و في محكي الخلاف وجود أخبار الفرقة به و في الجواهر صحّة هذه الصّورة لأنّ الغرر مندفع بتحديد الشّرع و إن لم يعلم به المتعاقدان كخيار الحيوان

و لكنّه لا يخفى أوّلا أنّ التمسّك بالأخبار الّتي لا نعرفها بعينها لا وجه له بعد احتمال عدم دلالتها فإن مجرّد جبران قصور إرسالها بذكر الشّيخ قدس سره لا يوجب صراحتها في المدّعى بل و لا ظهورها فيه و ثانيا على فرض صحّتها سندا و تماميّة دلالتها فهي موجبة لتخصيص أدلّة الغرر أو الأدلّة الدالّة على اعتبار العلم بالعوضين و لو أحقهما من الشّروط لا التّخصّص فإنّ التّحديد بالثّلاثة في الشّرع لا يخرج الغرر عن الغرريّة مع أنّه لو سلّم ذلك أيضا فلا أثر له لأنّ الشّرط يخرج عن الغرر لو قصد المشترط إجمالا المدّة الّتي هي محدودة بحدّ واقعا و إن لم يعرفها تفضيلا كالوصيّة بالكثير أو القديم فإنّ الموصي يقصد ما هو معنى الكثير واقعا عند الشّارع و إن لم يعلمه تفصيلا

و على هذا الوجه يمكن تطبيق الصّورة الأخيرة و هي ما لو قال بشرط أن يكون لي الخيار مدّة فإنّه لو كانت المدّة محدودة بالثّلاثة و العاقد قصد ما هو معناها واقعا يخرج عن الغرر و الجهالة و أمّا الصورة المبحوث عنها و هي ما إذا قال لي الخيار و لم يذكر مدّة أصلا فليس هنا شي ء مبهم حدّده الشّارع حتى يخرج عن الجهالة بقصد الجاعل لما هو الواقع هذا مع أنّه إنّما يصحّ ذلك لو علم المشترط تجديد الشّارع و أمّا في صورة الجهل بأصل التّحديد فكيف يقصد ما هو المحدود واقعا

و بالجملة خروج هذا الشّرط عن الغرر موضوعا ممّا لا محصّل له مع أنّ الخروج الموضوعي الّذي قصده القائل هو التخصّص و التخصّص عبارة عن الخروج التّكويني و في المقام لو ثبت التّحديد الشّرعي يخرج عن الغرر بالحكومة

ثم لا وجه لقياس المقام على خيار الحيوان فإنّ ثبوته في الحيوان إنّما هو لدليل شرعيّ و لا يختصّ بعلم المشتري أو جهله فإنّه من الآثار الشّرعيّة في بيع الحيوان و أين هذا ممّا هو من مجعولات المتبايعين فإنّ جعلهما مدّة خاصّة كالثّلاثة يتوقف على بيانهما صراحة أو بيان ما ينطبق عليه واقعا و هو منحصر في ما لو علم إجمالا بأنّه مبيّن واقعا و إن لم يعلمه تفصيلا و أين هذا من الجاهل المطلق

[مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد]

قوله قدس سره مبدأ هذا الخيار من حين العقد إلى آخره

قد ذكرنا سابقا في خيار الحيوان أنّه لا مانع من اجتماع سببين للخيار فإنّه و إن لم يقبل التعدّد و لا التأكّد إلّا أنّه يمكن اختلافه باختلاف أسبابه فيؤثّر من جهة أحد أسبابه و يسقط من جهة الآخر فعلى هذا لو جعلا مبدأه منفصلا عن العقد فهو و لو أطلقا فمبدؤه من حين العقد

ثم إنّه لو قلنا بأن مبدأه حين فقد سائر الخيارات فلا يرد إشكال المصنف قدس سره عليه بأن الحكم بثبوته من حين التفرّق حكم على المتعاقدين بخلاف قصدهما فإنّ تبعيّة العقود للقصود و وجوب عدم تخلّفها عنها إنّما هو لو قصد عنوانا خاصا و ترتب عليه عنوان آخر

ص: 42

مضادّ له كما لو قصد البيع و ترتّب عليه الهبة أو قصد المتعة و ترتّب عليه الدّوام بناء على كونهما حقيقتين و أمّا بيع ما يملك و ما لا يملك فحيث إنّ القصد فيه في الحقيقة ينحلّ إلى قصدين فهو ليس من تخلّف القصد عن العقد و في المقام و إن قصدا كون مبدئه حين العقد إلّا أنّهما قصدا من حينه إلى سنة مثلا فلو حكم الشّارع بأنّهما ما داما في المجلس ليس لهما خيار الشّرط فهو ليس من تخلّف العقد عن القصد

و بالجملة كون صحّة بيع ما يملك مع ضمّ ما لا يملك إليه على طبق القواعد ليس إلّا لعدم كونه من موارد تخلف العقد عن القصد و قد ذكرنا في المعاطاة في جواب استبعادات الشّيخ الكبير ما يزيد توضيحا للمقام

[مسألة يصحّ جعل الخيار الأجنبيّ]

قوله قدس سره مسألة يصحّ جعل الخيار الأجنبيّ إلى آخره

تنقيح هذا العنوان يتوقّف على بيان أمور الأوّل في تحقيق ما ذكره المصنف من ضعف منع اعتبار كون الفسخ من أحد المتعاقدين فنقول إنّ ما يتخيّل وجها لفساد جعل الخيار للأجنبيّ أمران الأوّل أنّ الخيار ليس معنى اسميّا و ملحوظا استقلاليا و كان مجرّد السّلطنة على الفسخ و الإمضاء بل هو معنى حرفيّ و هو عبارة عن ردّ كلّ مال إلى مالكه الأصلي أو إبقائه و إقراره في ملك مالكه الفعلي و هذا ينفذ ممّن كان زمان المال بيده و أمّا الأجنبيّ فأجنبيّ عنه

و بعبارة أخرى و إن كان الأصل في كلّ حقّ أن يكون قابلا للإسقاط لأنّ هذا هو الفارق التّام بينه و بين الحكم إلّا أنّه ليس كلّ حق قابلا للنّقل إلى الغير و على فرض كونه قابلا له فليس قابلا للنّقل إلى كلّ أحد فإنّ حق القسم قابل للتّمليك إلى الزّوج و الضرة و لكن لا يقبل التّمليك إلى الأجنبي فالخيار أيضا و إن كان قابلا لتمليك أحدهما إلى طرفه كما ذكرنا في مثل قول أحدهما للآخر اختر إلّا أنّه لا يقبل التّمليك إلى الأجنبي

الثّاني معنى الخيار أنّ الالتزام الذي ملّكه أحدهما من صاحبه زمام أمره بيده المملك و هذا بعد الفراغ عن مالكيّة التزام الآخر فهو ملك كلا الالتزامين و الأجنبي لا يملك التزام الطّرف الآخر حتى يملك التزام من له الخيار و قد أجاب المصنف عن هذا بأنّه لا مانع عنه لأنّه نظير إرث الزّوجة للخيار مع عدم إرثها من العين كالعقار و فيه بعد الغضّ عمّا في مسألة إرث الزّوجة من الإشكال أنّ جعل الخيار للأجنبي لو كان على نحو جعل الملك الحقيقيّ فلازمه إرث وارث الأجنبي عنه لأن ما تركه لوارثه و أمّا لو كان على نحو التفويض الراجع إلى أنّ نظره متّبع و أنّه مالك لتسليم الالتزام الّذي هو تحت يد المالك إلى الطّرف أو إبقائه للمالك فهو كالوكيل في القبض و الإقباض فلا مانع عنه و على هذا لا يرثه وارثه لأنّه لا يملك شيئا حتّى يرثه وارثه و يجب عليه أيضا مراعاة مصلحة المالك لأنّه ليس كسائر الملاك يتصرّف كيف يشاء

و على هذا فثبوت الخيار له متوسّط بين الملكيّة و الوكالة فلا يمكن ترتيب آثار الملك عليه حتّى يرث وارثه و لا ترتيب آثار الوكالة حتى يمكن عزله بل هو نظير التولية على الوقف فلا بدّ أن يراعى غبطة من جعل له الخيار و لا يرد الإشكالان عليه لأنّ الخيار عبارة عن حلّ العقد و لازمه رجوع كلّ مال إلى المحلّ الّذي خرج عنه لا رجوعه إلى ملك من حلّ العقد و لا مانع من كون الأجنبي مالكا لكلا الالتزامين من قبل ذي الحقّ

الأمر الثّاني أنه قد يجعل الخيار الواحد و قد يجعل المتعدّد و على الثّاني قد يجعل خيارا واحدا لهم و قد يجعل لكلّ منهم خيارا مستقلا فلو كان الخيار لواحد فالمتّبع فسخه أو إمضاؤه و لو كان

ص: 43

للمتعدّد فلو كان ثبوت الخيار لهم من باب أنّ كلّ واحد من مصاديق ذي الخيار كخيار المجلس بناء على ثبوته للموكل و الوكيل المفوّض فإنّ الخيار لكلّ منهما من باب أنّ كلّ واحد من مصاديق البيع أي الخيار ثابت لجنس البيع لا للعموم لكلّ من سبق إلى إعمال الخيار نفذ منه

ففي المقام لو كان جعل الخيار للوكيل أو الأجنبي المتعدّد كثبوته للوكلاء طولا فكل من سبق إلى إعماله نفذ منه و ذهب به موضوع حق الآخر و ليس المقام من تقديم الفاسخ على المجيز و لو كان الخيار للمتعدّد بلحاظ وصف اجتماعهم فلا يؤثّر إلّا اجتماعهم في الفسخ أو الإمضاء دون استقلال كل واحد و لو كان لكلّ واحد مستقلا و في عرض الآخر فيقدم الفاسخ و لو كان متأخّرا على المجيز لأن إجازة المجيز إنّما يؤثّر من طرف نفسه فيبقى الحق للآخر فلو فسخه ينحل به العقد

الثّالث لو قلنا بأن جعل الخيار للأجنبي تفويض إليه أو توكيل له فلا شبهة في احتياجه إلى قبوله و أما لو قلنا بأنّه تمليك فتوقّفه على قبوله مبنيّ على انحصار الملك القهري بالإرث و الوقف على البطون و أمّا لو قيل بحصوله من شرط النتيجة و نحو ذلك من دون توقّفه على قبول من جعل الملكيّة له فنفس الجعل كاف في حصوله

الرابع في شرح عبارة الوسيلة و الدّروس أمّا الأوّل فقوله إذا كان الخيار لهما و اجتمعا على فسخ أو إمضاء نفذ و إن لم يجتمعا بطل يحتمل أن يكون مراده لو جعل المتبايعان الخيار لأنفسهما بوصف الاجتماع أي على نحو كان بنظرهما فلو اجتمعا فهو و إن خالف أحدهما الآخر بطل أي لم ينفذ لا الفسخ و لا الإجازة و لكن جعل الخيار كذلك لغو لأنّ لهما الإقالة بلا إشكال فلا فائدة لهذا الجعل

و يحتمل أن يكون لهما على نحو الاستقلال فقوله و إن لم يجتمعا أي لو فسخ أحدهما و أمضى الآخر بطل البيع أي يؤثّر الفسخ تقدّم على الإجازة أو تأخّر و قوله و إن كان لغيرهما و رضي نفذ البيع و إن لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الإمضاء أي إن رضي الأجنبي و قبل جعل الخيار له نفذ البيع أي ليس لمشترط الخيار للأجنبيّ خيار في البيع و البيع نافذ في حقّه من هذه الجهة و إن كان خياريّا بالنّسبة إلى الأجنبيّ و إن لم يرض أي و إن لم يقبل الأجنبي فالمبتاع بالخيار لتعذّر الشّرط و على هذا فقوله كان المبتاع بالخيار في غاية الارتباط مع كلامه السّابق و هذا بخلاف ما إذا حمل قوله و إن رضي نفذ البيع على أنّه لو أمضى العقد فإنه لا معنى لقوله و إن لم يرض أي و إن فسخ كان المبتاع بالخيار

و أمّا الثاني فقوله يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا و لا اعتراض عليه و معهما أو مع أحدهما و لو خولف أمكن اعتبار فعله و إلّا لم يكن لذكره فائدة يحتمل أن يراد منه كون الأجنبي منضما مع أحد المتبايعين أي إعمال الخيار لهما بوصف الاجتماع و يحتمل أن يكون مستقلا فعلى الأوّل يكون قول المصنف مؤيدا له لأن معنى كلام الدّروس أنّه لو خولف أي لو فسخ الأجنبي و أجاز الأصيل أمكن اعتبار فعله أي صار الإجازة كالعدم لأنّ نظر الأجنبي متّبع أيضا فأيّده المصنف بما حاصله أنّه لا شبهة في ذلك لأنّه لو أجاز الأجنبي و فسخ الأصيل لا يؤثّر إجازته فلو لم يعبر بفسخه و كان وجوده كالعدم بأن يؤثر إجازة الأصيل فلا يكون لذكره فائدة و على الثّاني يكون كلام المصنف في مقام الإيراد لأنّ ظاهر كلام الدّروس أنّ فعل الأجنبي معتبر مطلقا أجاز أو فسخ فأورد عليه المصنف بأنّ فائدة جعل الخيار له ليس اعتبار فعله مطلقا

نعم لو لم يمض فسخه مع إجازة الأصيل لكان ذكره بلا فائدة لأنّ المفروض عدم مضيّ إجازته مع فسخ الأصيل و أمّا لو أثر فسخه

ص: 44

فلا يكون ذكره لغوا و بالجملة فحاصل الإيراد أنّه لا يعتبر فعل الأجنبي المخالف مطلقا بل إنّما يؤثر فسخه دون إجازته مع فسخ الأصيل

[مسألة من أفراد خيار الشّرط ما يضاف البيع إليه و يقال له بيع الخيار]
اشارة

قوله قدس سره مسألة من أفراد خيار الشّرط ما يضاف البيع إليه إلى آخره

الوجوه المتصوّرة فيه تنتهي إلى سبعة الأوّل أن يكون الخيار معلّقا على الرّد في مدّة معيّنة كسنة مثلا في أيّ زمان ردّ الثّمن في ظرف السّنة كان له الخيار الثّاني أن يكون الخيار معلّقا على ردّ الثمن في خصوص آخر السّنة الثالث أن يكون الفسخ معلّقا على الرّد لا الخيار الرّابع أن يكون الرّد فسخا فعليا الخامس أن يكون ردّ الثمن شرطا لوجوب الإقالة على المشتري السادس أن يكون شرطا لوجوب بيعه من مالكه الأصلي السّابع أن يكون قيدا لانفساخ العقد و كلّ هذه الوجوه صحيحة إلّا السّابع

أمّا الأوّل و الثّاني فلا محذور فيهما إلّا التّعليق و الجهالة في خصوص الأوّل أمّا التّعليق فلم ينهض لبطلانه دليل إلّا الإجماع و معقده العقود لا الشّروط في ضمنها و أمّا الجهالة فإنّما تضرّ لو لم يعين مدّة أصلا كأن يقول إذا جئت بالثّمن في أيّ وقت كان لي الخيار فيصير كما لو قال بشرط أن يكون لي الخيار إن قدم زيد و هذا بخلاف ما لو قال لي الخيار إذا جئت بالثّمن في أيّ وقت من الأوقات من زمان العقد إلى سنة فإنّ الخيار هنا غير مجهول إلّا من باب الجهل بالمعلّق عليه و هو يرجع إلى إشكال التّعليق لا الجهالة

و أمّا الثّالث و الرابع و الخامس فلا إشكال فيها أصلا كما هو واضح و أمّا السّادس فقد استشكل فيه بالدور و بالأخبار الواردة في خصوص المقام و سيجي ء في باب الشّروط اندفاع الدّور و أنّ الأخبار ناظرة إلى أنّ المقصود لو كان هو البيع الحقيقيّ فلا بأس به و لو كان هو البيع الصّوري و كان المقصود الأصلي الرّباء كأن يشتري نسيئة و يبيعه من البائع نقدا بأقلّ من قيمة النّسيئة على نحو لم يكن للمشتري عدم البيع و لا للبائع عدم الشّراء بل كان كلّ منهما ملزما بالمعاملة ثانيا يبطل و أمّا لو اشترط البائع على المشتري أن يبيعه بعد سنة إذا جاء بمثل الثّمن مع قصدهما البيع الحقيقي فلا يشمله الأخبار

و أمّا الوجه السّابع فيرد عليه أحد المحذورين و هو إمّا انفساخ العقد بلا سبب و إمّا اقتضاء وجود الشّي ء عدم نفسه فإنّ بيع الدّار و اشتراط انفساخه بردّ مثل الثّمن إمّا يرجع إلى شرط انفساخ العقد بلا سبب فهو باطل لأنّ انتقال الدّار من المشتري إلى البائع بلا سبب أي بلا إنشاء قوليّ و فعليّ غير ثابت في الشّريعة فيكون شرطا مخالفا للكتاب و إمّا يرجع إلى أنّ نفس اشتراط الانفساخ إنشاء للفسخ فهو يوجب انفساخ البيع بهذا الشّرط فلا بيع حتى يشترط في ضمنه انفساخه يردّ مثل الثّمن

و بالجملة يجب أن يكون البيع محقّقا ثابتا حتّى يشترط في ضمنه شرطا سائغا كملكيّة الكتاب مثلا بناء على عدم اعتبار حصولها من سبب خاص بأن لم تكن كالنّكاح و الطّلاق المتوقّف حصولهما على أسباب خاصّة و أمّا إذا كان البيع منفسخا بالشّرط الحاصل في ضمنه فلا يعقل تأثير هذا الشّرط في الملكيّة و لا يقاس إنشاء انفساخ العقد بهذا الشّرط الّذي هو ردّ الثمن على اشتراط سقوط الخيار في ضمن العقد فإن اشتراط سقوطه مؤكّد لبقاء العقد فإنّ العقد مقتض للخيار فإسقاطه لا ينافي العقد و هو أيضا ليس إسقاطا لما لم يجب

و هذا بخلاف إنشاء انفساخه فعلا مشروطا بردّ الثّمن فإنّ هذا الإنشاء مناقض للعقد و لا يمكن تصحيحه بكون ظرف الرّد متأخّرا فإنّ الاشتراط في ضمن العقد فعليّ و إن علّق على أمر متأخّر بل لو سلّم أن إنشاء الفسخ على تقدير غير حاصل لا يلزم من وجوده

ص: 45

عدمه لأنّ ظرف حصول الانفساخ متأخّر و المقارن للعقد هو ظرف الإنشاء إلّا أنّه يجب أن يكون الشّارط مالكا لهذا الشّرط كالبائع إذا باع و ارتهن قبل قبول المشتري و كمن وكّل شخصا في نكاح زوجة و طلاقها و رجوعه إليها ثم طلاقها فإنّ في هذه الموارد واقع النّكاح مقدم على واقع الطّلاق و إنشاؤه كذلك أيضا فهو مالك للإنشاء المترتّب على إنشاء آخر فكما أنّ واقع المترتّب في ظرف حصول المترتّب عليه متأخّر فكذلك إنشاؤه و هكذا جعل الخيار في ضمن العقد أو شرط السّقوط في ضمنه فإنّ التزام الموجب حاصل بنفس إيجابه فله إسقاطه و هذا بخلاف انفساخ العقد فإنّه لا يملكه

نعم اشتراط انفساخ عقد آخر خياريّ في ضمن هذا العقد لا مانع عنه بحيث كان نفس هذا الإنشاء فسخا له و هذا بخلاف أن يقول بعتك بشرط أن يكون منفسخا

ثم إنّه بعد ما عرفت من صحّة جعل الخيار بأحد الوجوه الستة بمقتضى القواعد العامّة فتطبيق الأخبار الخاصّة على أحد الوجوه لا موجب له لا سيّما حمله على الوجه السابع الّذي هو الرابع في كلام المصنف قدس سره مع أنّ أكثرها ظاهر في كون الرّد فسخا فعليا أو مقدّمة لإنشاء الفسخ أو الإقالة أو التّمليك ثانيا أو كان الشرط سببا لكون المبيع له عند الرّد كما هو ظاهر الغنية فإنّ ملكيّة البائع للمبيع ثانيا بالاشتراط في ضمن العقد بلا إنشاء على حدة من المشتري لا مانع عنه للفرق بين إنشاء الملكيّة بالاشتراط و إنشاء الفسخ به و الفارق هو أنّ الأوّل لا يستلزم من وجوده عدمه بخلاف الثّاني

[توضيح المسألة يتحقق بالكلام في أمور]
[الأمر الثّاني الثّمن المشروط ردّه إمّا أن يكون في الذمّة و إما أن يكون معينا]

قوله قدس سره الأمر الثّاني الثّمن المشروط ردّه إمّا أن يكون في ذمّة إلى آخره

الثّمن إذا كان نقدا قد يكون كليّا و قد يكون شخصيّا فإذا كان كلّيا و اشترط الخيار بردّه فلو قبضه فردّه يتحقّق بمثله أيضا كما يتحقّق بنفس المقبوض لأنّ كلّ فرد من مصاديق الكلي و شرط ردّ الثمن معناه شرط ردّ ما كان مصداقه

نعم لو شرط ردّ المقبوض فلا يتحقّق ردّه إلّا بردّ عين المقبوض إلّا أن يقال بعد تعيّن الكلّي بالفرد المقبوض فالثمن هو المقبوض بشخصه فردّ الثّمن معناه ردّ ما هو الثّمن فعلا و المصداق الآخر ليس ثمنا و لو لم يقبضه فهل له الخيار أو لا وجهان وجه الثّاني أنّ معنى جعل الخيار بشرط الرّد هو شرط القبض ليتحقّق موضوع الرّد و لكن الأقوى هو الأوّل لأنّ الرد أخذ طريقا لوصول الثّمن إلى المشتري

نعم لو علم من الخارج أن الغرض تعلّق بالرّد بما هو ردّ فليس له الخيار و بالجملة في مورد الإطلاق ينزّل الشّرط على ما هو المتعارف نوعا و العرف و العادة يرون الرّد طريقيّا نعم لو قيّده بما هو خارج عن المتعارف و كان اشتراطه عقلائيا جامعا لشرائط الصّحة فلا مانع عنه و إذا كان الثّمن شخصيّا فتارة يقع الكلام قبل قبضه و أخرى بعده

أمّا قبل قبضه فحكمه حكم الكلّي بل بمقتضى ما قدّمناه من عدم الفرق بين الكلّي و الفرد في مورد القبض لأنّ الكلّي يتعيّن في المقبوض فالحكم في كلتا الصّورتين واحد فعلى هذا لو قبض الثمن سواء كان كليّا أم شخصيّا فتارة يشترط ردّ عينه و أخرى يشترط ردّ الأعمّ من البدل و من العين و ثالثة يطلق

فإذا اشترط رد عينه بشخصه فلا خيار له في مورد التّلف كان التّلف سماويّا أو بمتلف أجنبيا كان أو نفس البائع و إذا جعل الخيار بشرط ردّ الأعمّ فتارة يقيده بمورد التلف أي يجعل الخيار بشرط رد العين مع وجودها و بدلها مع تلفها و قد يطلقه و قد يقيّده بصورة بقاء العين فلو جعل ردّ البدل في صورة التّلف فلا إشكال في أنّه مع بقائها يجب ردّها و مع تلفها يردّ بدلها و لو أطلق فلو قلنا بصحّة التّقييد بصورة البقاء فلا إشكال و أما مع فساده فالإطلاق ينزّل على مورد التّلف

فيجب التكلّم في صورة التّقييد فنقول لو جعل الخيار المشروط بالرّد مقيّدا بردّ مثل العين و لو مع بقائها فقد يكون الرّد فسخا فعليا أي قيّد الفسخ بالرّد لا الخيار

ص: 46

ففي هذه الصورة لا يصحّ شرط ردّ البدل مع بقاء العين لأنّ حقيقة الفسخ ردّ كلّ مال إلى مالكه الأصلي و رد غير المال المفروض وقوع الفسخ به ليس ردّا للمال إلى مالكه ففي هذه الصّورة الشّرط فاسد بلا إشكال إلّا أن يقال مرجع هذا الشّرط إلى إسقاط الخصوصيّة العينيّة و الرضاء بالماليّة و النّوعيّة فإنّ تنزيل إسقاط الخصوصيّة منزلة إسقاط الأوصاف في من له على ذمّة غيره طعام موصوف بوصف خاص بمكان من الإمكان كما سنشير إليه

و على هذا ففي غير مورد خيار الشّرط لو فسخ ذو الخيار فمقتضى الفسخ رجوع كلّ ملك إلى مالكه فإسقاط الخصوصيّة و رضا كلّ منهما ببدليّة غير ماله عن ماله مبنيّ على استفادة ذلك من قاعدة على اليد كما سيظهر الإشارة إليه

و أمّا في مورد خيار الشّرط فيمكن شرط ردّ مثل الثّمن و شرط ردّ المثل في القيميّ و القيمة في المثليّ في نفس هذا العقد المشروط المثبت للخيار لأنّه ينحلّ إلى شرطين شرط تحقّق الخيار و شرط مالكيّة كلّ منهما لما في يده من مال المالك الآخر و ليس هذا الشّرط مخالفا للكتاب بل مخالف لإطلاق الفسخ فإنّ إطلاقه يقتضي ردّ العين ما دامت موجودة و بالشّرط يقيّد الإطلاق فيجعله في حكم صورة التّلف

و أمّا لو كان الرّد مقدّمة للفسخ أو معلّقا عليه الخيار أو مقدّمة للإقالة أو البيع فلا محذور فيه لأنّ الفسخ لا يتحقّق به و إنّما يصير المردود في يد المشتري بمنزلة المقبوض بالسّوم فإذا فسخ البائع بعد هذا الرّد ينتقل الثّمن الموجود إلى المشتري و المردود باقي في ملك البائع فلهما أن يتراضيا على كون كلّ منهما بدلا عن الآخر نظير أداء القرض بمال آخر و يصير الشّرط سببا لوجوب رضا كلّ منهما ببدليّة ما في يده لمال الآخر

و لكنّه لا يخفى أنّ هذا يصحّ بناء على ما ذكرنا من معنى ضمان اليد المستفاد من على اليد ما أخذت بأن يكون أخذ مال الغير بدون التّلف موجبا لصيرورته في ذمّة الأخذ بماليّته و نوعيّته و شخصيّته فلصاحب المال إسقاط كلّ واحد من هذه الخصوصيات بأن يرضى ببدله و على هذا يصحّ اشتراط ردّ القيمة في المثليّ و بالعكس لأنّ له إسقاط الماليّة و الاكتفاء ببدله من غير هذا الجنس و لو لم يكن بهذا المقدار من القيمة أو إلقاء نوعيّته الّتي بها صارت العين مثليّة و الاكتفاء ببدلها من حيث الماليّة

و أمّا لو قلنا بأن مفاد على اليد هو الضمان عند التّلف فما دام العين موجودة لا يمكن أن يكون بدلها منتقلا إلى المشتري إلّا بالمبادلة فلا يصحّ و بالجملة الإشكال مبنيّ على أصل مسألة الضّمان و حيث اختار المصنف أنّ معنى على اليد استقرار الضّمان بالتّلف و لذا اختار قيمة يوم التّلف في القيميّ فلا يصحّ اشتراط كون المدفوع إلى المشتري بدلا عن ماله

نعم نفس شرط ردّ غير ماله إليه لتحقّق الخيار أو الفسخ أو الإقالة لا مانع عنه إلّا أنّه لا تصحّ بدليّة المردود عن الثّمن الموجود عند البائع من دون مبادلة هذا كلّه إذا كان الثّمن نقدا و أمّا إذا كان في الذمّة فإن كان في ذمّة المشتري فحكمه حكم الكلّي النّقدي قبل القبض و بعده و إن كان في ذمّة البائع فحيث إنّ الإنسان لا يملك ما في ذمّة نفسه فهو بمنزلة التّلف فله ردّ مثله أو قيمته بل لا معنى لشرط ردّ الثّمن في هذه الصّورة إلّا ردّ مثله أو قيمته

[الأمر الثّالث قيل أنه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ]

قوله قدس سره الأمر الثّالث قيل ظاهر الأصحاب إلى آخره

لا يخفى أنّه لم يستشكل أحد في صحّة إنشاء الفسخ بالفعل و لم يدّع مدّع اعتبار كونه بالقول فإنّ الأصحاب صرّحوا بكفاية ما دون و مثل ردّ الثمن في إنشاء الفسخ به بل نظرهم في المقام إلى العقود المتعارفة بين النّاس و المتعارف عندهم أنّ الرّد مقدمة للخيار أو للفسخ أو للإقالة فيجب بعده إنشاء الفسخ أو إعمال الخيار أو الإقالة بأمر آخر غير هذا الرّد الّذي به يتحقّق ملك الخيار أو الفسخ و الإقالة

ص: 47

[الأمر الرّابع يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد]

قوله قدس سره الأمر الرّابع إلى آخره

لا يخفى أنّ إسقاط الخيار بعد العقد و إن صحّ على الوجه الثّاني و الثّالث في المتن و لا اختصاص له بالوجه الثّاني لأنّه لا فرق بين كون الرّد فسخا فعليا و كونه مقدّمة للفسخ القولي إلّا أنّ صحّتها إنّما هي لكونه مالكا للخيار و على هذا يصحّ إسقاط الشّرط على الوجه الأوّل و الثّاني اللّذين ذكرناهما من الوجوه و هما أن يكون الخيار معلّقا على الرّد في مجموع المدّة أو في رأس المدّة و بعد انتهائها لأنّ الخيار و إن لم يتحقّق بعد على الوجهين إلّا أن المشترط مالك للشرط فله إسقاطه

و بالجملة في خروج إسقاط الشّرط و الخيار عن إسقاط ما لم يجب لا يكفي تحقّق سببهما الّذي هو العقد بل لا بدّ من تحقّق الملكيّة لمن يسقطهما و صحّة إسقاط خيار المجلس و الحيوان في ضمن العقد لم تكن من جهة تحقّق سببه من الإيجاب بل لأنّ إنشاء الإسقاط مترتّب على الإيجاب فإنّ الموجب مضافا إلى تمليك ماله للمشتري ملّكه التزامه فإذا جعل الشّارع أمر الالتزام بيد المملّك فله التّجاوز عن حقّه و جعل هذا الالتزام لطرفه فعلى هذا لو كان الخيار ثابتا له و كان الرّد فسخا فعليا أو مقدّمة للفسخ فله إسقاط الخيار و لو لم يكن ثابتا بل كان مقيّدا بالرّد أو كان الرّد شرطا للإقالة أو البيع ثانيا فله إسقاط الشّرط لأنّه ملك له

قوله قدّس سره و لو تبيّن المردود من غير الجنس فلا رد و لو ظهر معيبا كفى في الرّد إلى آخره

تنقيح الفرق بين الصّورتين سيجي ء مفصّلا و لا بأس بالإشارة إليه إجمالا و هو أنّه لا شبهة في أنّ قوام ماليّة المال إنّما هو بصورته النّوعيّة العرفيّة الّتي هي أخصّ من الصورة النّوعيّة باصطلاح أهل المعقول فإنّ العبد و الجارية في اصطلاحهم نوع واحد و لكنّهما في مقام البيع متغايران فإذا كان قوامها بالصّورة النوعيّة فلو باع العبد الحبشي فتبيّن أنّه حمار وحشيّ بطل البيع سواء عيّن النّوع بنحو التّوصيف أو الشّرط كما أنّه في مقام القبض أيضا لو أقبض بدل العبد حمارا بطل القبض لأنّ المقبوض غير ما تعلّق به البيع فإنّ البيع يتعلّق بالصّورة النّوعيّة لا بالمادة الهيولائيّة و أمّا لو باع عبدا شخصيّا موصوفا أو مشروطا بغير صفة الصّحة كالكتابة أو باع و لو من دون توصيف أو شرط بالنّسبة إلى وصف الصّحة فلو ردّ العبد في الأوّل و تبيّن فيه فقد الوصف و لو ردّه في الثّاني و تبيّن فيه فقد الصّحة فله الخيار بين الرّضا بالفاقد أو الأرش و أمّا لو كان المبيع كليّا فحيث إنّه يتنوّع بالوصف على نوعين فلو ردّ غير الموصوف فله التّبديل لا لأنّ مرجع الموصوف أو المشروط إلى تعدّد المطلوب بل لأنّ ما يستحقّه في عهدة المشروط عليه هو القسم المتّصف بالوصف فله إسقاط ما يستحقّه و له مطالبة الوصف و لما لم يمكن إعطاء الوصف إلّا في ضمن العين فيستبدل بعين أخرى

و بالجملة الكلّي الموصوف بغير وصف الصّحة يتعيّن مصداقه بالمتّصف فلو رد من غير الجنس فلا إشكال في أنّه خارج عمّا يستحقّه و لو ردّ من الجنس فاقدا للوصف المشترط أو للصّحة يتحقّق به الردّ غاية الأمر له في ذمّة المشروط عليه الخصوصيّة الكذائية فله التبديل لاستيفائها

قوله قدس سره و يسقط أيضا بالتصرّف في الثمن المعيّن إلى آخره

تنقيح ذلك الأمر يتوقّف على تمهيد مقدمات الأولى أنّ بين الثمن الشخصي و الكلّي فرقا في جهة الظّهور فإنّ شرط ردّ الثّمن في الشخصيّ ظاهر في ردّ عين الثّمن و في الكلّي ظاهر في الأعمّ لأنّ الكلّي و إن تشخّص بالمدفوع إلّا أنّه بنفسه قابل للانطباق عليه و على غيره نعم لو شرط في الشخصيّ ردّ غيره أو في الكلّي ردّ شخص المدفوع يتبع شرطه فعلى هذا لو أطلق في الشخصيّ و الكلي فالإطلاق على الأوّل

ص: 48

ينزّل على عين الثمن و في الكلّي على الأعمّ الثّانية أنّ مسقطيّة التصرّف و كونه فسخا فعليا لأحد الوجوه الثلاثة لأنّه إمّا للتنافي بين البناء على المالكيّة و البناء على الفسخ و إمّا لظهوره الفعلي في الأخذ بأحد طرفي التّخاير و إمّا لظهوره النّوعي الثّالثة أن بناء المعاوضة في البيع الخياري غالبا على التصرّفات المتلفة في الثمن بحيث عدّه غيره من الفرد النّادر الشّاذ

إذا عرفت ذلك نقول لو شرط ردّ عين الثّمن فلا إشكال في أنّ التصرّفات النّاقلة أو المتلفة فيه موجبة لسقوط الخيار لو وقعت في زمان الخيار بل موجبة لعدم ثبوته و إطلاق المسقط عليها مسامحة و أمّا لو أطلق كأن قال بشرط أن ترد مالي كما هو مفاد رواية معاوية بن ميسرة فمقتضى ما ذكرناه عدم سقوط خيار مطلقا كان الثمن شخصيا أو كليّا فإنّ الإطلاق و إن انصرف إلى ردّ العين في الشّخصي إلّا أنّه فيما لم يكن بناء البائع نوعا على الانتفاع بالتّصرفات المتلفة و أمّا مع بنائه كذلك فيحمل الإطلاق على شرط ردّ الأعمّ لو كان الاشتراط صحيحا و لو مع بقاء العين أو يحمل على الأعمّ في مورد التّلف

و بالجملة التّصرف من البائع إنّما ينافي فسخه أو أنّه ظاهر نوعيّ في إجازته أو مصداق فعليّ لها في غير المورد الّذي بناؤه على التصرّف بل لو قلنا بأنّ التّصرف مسقط تعبّدي يخرج مورد البيع الخياري عن دليل التعبّد إمّا لانصرافه عنه و إمّا لكون هذا البناء من البائع بمنزلة الاشتراط الضّمني بأن لا يكون هذا التصرّف مسقطا و هذا شرط سائغ لأنّه من حقوق المتبايعين و لو كان ثبوته من جهة النّص و التعبّد فإنّه لا يشترط عدم الحكم الشّرعيّ في هذا المورد بل يشترط على المشتري أن لا يكون تصرّف البائع موجبا لمالكيّة المشتري التزام نفسه

و على هذا فكلام المحقّق الأردبيلي و من وافقه في غاية المتانة و إيراد المصنف عليه في الحقيقة تأييد له لأنّ مرجع كلامه إلى عدم السّقوط في غير مورد شرط ردّ شخص العين و هو و من وافقه مورد كلامهم في المتعارف بين النّاس و المتعارف عدم شرط ردّ خصوص العين لأنّ بناءهم كمفاد الأخبار اشتراط ردّ المال و هو أعمّ من العين و المثل بل لا يمكن شرط ردّ خصوص العين مع أنّ غرضهم الانتفاع بالثمن بالتّصرف النّاقل

كما أن إيراد المصابيح عليهم غير وارد فإنّ حاصل إيراده أنّ التصرف المسقط في المقام من باب السّالبة بانتفاء الموضوع لأنّ التصرّف مسقط في زمان الخيار و الخيار المشروط بردّ الثّمن يحصل للبائع بعد ردّه إلى المشتري لا قبله فلو تصرف بعد الردّ إليه يسقط خياره لتحقّقه دون ما إذا تصرّف فيه قبل الردّ و ذلك لأنّ الخيار و إن علّق على الردّ إلّا أنّه يتصوّر على وجهين لأنّه تارة يتحقّق الخيار بانتهاء المدّة كيوم بعد السّنة و أخرى جميع المدّة ظرف للخيار ففي أيّ ساعة ردّه له الخيار

و في القسم الأوّل يرد إشكال المصابيح و أمّا في القسم الثّاني فلا كما في سائر الوجوه الأربعة الّتي تقدّم أنّ الردّ ليس قيدا للخيار أمّا في سائر الوجوه فواضح و أمّا في القسم الثاني من الوجه الأوّل في كلام المصنف فلأنّ الخيار و إن علّق على الردّ إلّا أنّ التزام البائع حيث إنّه تحت يده و إن علّقه على الردّ فله إسقاطه بالتصرّف الّذي هو مسقط فعلي كما له إسقاطه قولا و مجرّد كونه معلّقا لا يوجب خروج الالتزام عن سلطنة لأنّه علّقه على أمر اختياري كما لو جعل إعمال خياره في مكان خاصّ أو عند الحاكم الشّرعي

و بالجملة كان له الردّ في طول المدة لتحقّق خياره فهو مالك له فله إسقاطه قولا و فعلا و ليس من إسقاط ما لم يجب لا لإيجاد سببه بل لكونه ملكا له فعلا

ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ الوجه الأوّل في كلام المصنف على قسمين و في أحدهما يلتزم بإمكان إسقاط الخيار لا في كليهما كما هو صريح

ص: 49

عبارته في قوله نعم لو جعل الخيار و الردّ في جزء معيّن من المدّة كيوم بعد السّنة إلى آخره فلا تنافي بين كلاميه فلا يرد على ما أورده بعض المحشين

ثم إنّ محصّل كلام الجواهر في الردّ على المصابيح أمور ثلاثة الأوّل أنّه لو قيل بأنّه لا خيار قبل الردّ يلزم جهالة مبدإ الخيار الثاني أنّه خلاف ما يستفاد من فهم العرف فإنّهم يفهمون من هذا الشّرط جعل الخيار في طول المدّة لا بعد الردّ و الثالث أنه خلاف ما هو البناء من الأصحاب من ردّ الشّيخ القائل بتوقّف الملك على انقضاء الخيار ببعض هذه الأخبار المستفاد منه أنّ غلّة المبيع للمشتري لأن حاصل كلامهم أنّ مجموع المدّة ظرف للخيار مع أنّ نماء المبيع للمشتري فلو توقّف الملك على انقضاء الخيار لما كانت الغلّة للمشتري فمن ردّ الأصحاب مقالة الشّيخ بهذا الخبر يستفاد ثبوت الخيار مطلقا و إلّا لما كان وجه لاستدلال الأصحاب به على ردّ الشيخ

و محصّل ردّ المصنف على الجواهر أنّ الجهالة النّاشئة عن الردّ مع تعيين ظرف الخيار لا تضرّ و أمّا فهم العرف فلا يتبع فيما لو كان المدار على كيفيّة جعل الخيار و أمّا استدلال الأصحاب فلعلّهم فهموا من مذهب الشّيخ توقف الملك على انقضاء الخيار المنفصل أيضا و لا يخفى أنّ الأخير لا يستقيم لأنّ الشّيخ يقول بالتوقّف في نحو خيار المجلس و الشّرط لا مطلقا فلو لم يكن الخيار في المقام متّصلا و كان بعد الردّ لما كان وجه لاستدلالهم بهذه الأخبار على ردّ الشّيخ

و ينبغي التّنبيه على أمرين الأوّل أنّ فائدة النزاع في ثبوت الخيار و عدمه قبل الردّ مع قابليّة إسقاط الشّرط مطلقا لظهر في التصرّف فإنّه لو كان الخيار ثابتا في طول المدّة و كان الفسخ معلّقا على الردّ لكان التصرّف التزاما بالملكيّة و أمّا لو لم يكن الخيار ثابتا فليس التصرّف تصرّفا في زمان الخيار و أمّا الشّرط فعلى أيّ تقدير لا يسقط بالتصرّف لأنّ الإسقاط من العناوين الّتي ليست الأفعال مصداقا لها بل لا بدّ من تحقّقها بالقول

و بالجملة و إن كان الشّرط قابلا للإسقاط تحقق الخيار أم لا إلّا أن سقوطه منحصر بالقول بخلاف الخيار فإنّه يسقط مطلقا لأنّ التصرّف مصداق للالتزام الثّاني أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ المشروط بالشّرط لا يتحقّق قبل حصول شرطه كان المشروط وضعا أو تكليفا لامتناع الشّرط المتأخّر فلا يرد على المصابيح بأنّه لو كان الخيار في طول المدّة لكان التصرّف مسقطا لأنّه تصرّف في زمان الخيار مع أنّ الخيار على كلا الوجهين معلّق على الردّ فقبل الردّ لا خيار و ذلك لأن فعليّة الخيار و إن كانت متوقّفة على الردّ مطلقا إلّا أنّ ملك التزام العقد بيد ذي الخيار الذي هو البائع في المقام فيما إذا كان الخيار في طول المدّة لأنه قادر على إقدار نفسه في جميع الأوقات فالتصرّف في الثمن ردّ للالتزام العقدي الّذي كان زمام أمره بيده إلى المشتري بخلاف ما إذا كان الخيار منفصلا كيوم بعد السّنة فإن التزام نفسه فعلا بيد المشتري

و بالجملة لا تنافي بين المشروطيّة و كون المشروط بيد المشروط له و إن كان شرطه متأخّرا و لذا لو رجع المشرّط في باب المسابقة و شكّ في استحقاق السّابق السّبق مع رجوع طرفه يستصحب بقاء الحكم المشروط و هكذا الشكّ في نسخ الحكم المشروط بل جريان الاستصحاب التّعليقي منحصر في أمثال هذه الموارد ففي المقام زمام أمر العقد بيد البائع من زمان العقد إلى سنة مثلا فلو تصرّف ببناء مالكيّ و التزام عقدي فهذا التصرّف مسقط لحقّه و من هذا البيان قلنا إنّه يسقط بالإسقاط القوليّ أيضا لأنّه ليس إسقاطا لما لم يجب

[الأمر الخامس لو تلف المبيع كان من المشتري]

قوله قدس سره الأمر الخامس لو تلف المبيع إلى آخره

لا يخفى أنّ تلف المبيع لا يوجب سقوط خيار البائع إلّا بناء على أن يكون الخيار مطلقا

ص: 50

متعلقا بالعين أو اشتراط الردّ و الاسترداد الظّاهر في ردّ العين بخصوصيّتها أو قلنا بأنّ ظاهر الشّرط في المقام تعلّق الخيار تابعة لخصوصيّة فيها بنظر المشترط

و جميع الوجوه ضعيفة أمّا الأوّل فلما سيجي ء في أحكام الخيار من تعلّق الخيار بالعقد و أمّا الثّاني فلأنّ ظاهر الأخبار الواردة في المقام هو جعل الخيار للمشترط معلّقا على الردّ لا جعل الردّ له و أمّا الثّالث فلأنّ في البيع الخياري يتعلّق النّظر بماليّة المال غالبا و منشأ جعل الخيار فيه بيعه بأقل من ثمن المثل و لو كان منشأ جعل الخيار فيه الرغبة إلى الخصوصيّة العينيّة لباعها بثمن المثل و جعل لنفسه الخيار و البيع بثمن المثل لا يرغب فيه المشتري مع جعل الخيار للبائع إلّا أن يكون المبيع أمرا يرغب فيه المشتري جدا بحيث كان احتمال صيرورته له داعيا إلى الشّراء بثمن المثل مع جعل الخيار للبائع و لكن هذا نادر فلا وجه لتنزيل أخبار الباب على الفرد النّادر

و بالجملة تلف المبيع لا يوجب سقوط خيار البائع كان قبل ردّ الثّمن أو بعده و يظهر من صاحب الجواهر التفصيل بين بعد الردّ و قبله قال قدس سره و كما أنّ النماء له أي للمشتري فالتّلف منه بلا خلاف للصّحيح و الموثّق بل هو كذلك و إن كان بعد الردّ إلّا أنّه مضمون عليه لأنه وقع في زمان خيار البائع فله حينئذ الفسخ ثم الرّجوع إلى المثل أو القيمة بخلاف التّلف قبل الردّ الذي ليس زمان الخيار كي يستحقّ الرّجوع عليه بل المتّجه سقوط الخيار

انتهى و قبل بيان ما يرد على كلامه نقول لا إشكال في أنّ مقتضى المعاوضة قبل القبض ضمان كلّ من المتعاقدين لما انتقل عنهما بضمان المسمّى و لازم ذلك أنّه لو تلف يتعيّن المسمّى للبدليّة أي ينفسخ العقد و يرجع كلّ مال إلى مالكه الأصلي و لا شبهة أنّ بالقبض ينتقل الضّمان أي يصير المالك ضامنا لما انتقل إليه و يتبدّل الضّمان المعاوضي أيضا بضمان اليد بمعنى أنّه لو تلف المبيع مثلا عند المشتري بعد القبض و طرأ عليه الفسخ أو الانفساخ أو الإقالة فالتالف مضمون عليه بالمثل أو القيمة فيسترجع الباقي عند الطّرف و يؤخذ منه المثل أو القيمة و لا شبهة أيضا في أنّ انتقال ضمان التّالف إلى القابض إنّما هو لو لم يكن له الخيار و أمّا مع الخيار فالتّلف ممّن لا خيار له

نعم في خصوص قاعدة ضمان التّالف على من لا خيار له اختلف العلماء في أنّ الحكم مطلق في جميع الخيارات أو مختصّ بخيار الحيوان أو الشّرط أو هما مع المجلس و كذلك اختلفوا في اختصاص الحكم بتلف البيع كتلف الحيوان في يد المشتري مع ثبوت الخيار له أو يشمل تلف الثمن في يد البائع إذا كان له الخيار

و على أيّ حال فمعنى قولهم إنّ بالقبض ينتقل الضّمان إلّا أن يكون خيار أنّ القبض وجوده كعدمه إذا كان للقابض خيار فيكون حال المقبوض كحاله قبل القبض في أن ضمانه على مالكه الأصلي و هو الضّمان المعاوضي فإذا تلف الحيوان في يد المشتري الّذي له الخيار ينفسخ البيع و يردّ الثمن الموجود عند البائع إذا لم يكن له الخيار إلى المشتري إذا

عرفت هذا نقول يرد عليه أوّلا أنّ مقتضى كلامه في ردّ المصابيح هو أنّ مجموع المدّة ظرف الخيار لا بعد الردّ فالتّفصيل بين قبل الردّ و بعده في ثبوت الخيار بعده دون قبله لا وجه له و ثانيا لا وجه لقوله إذا تلف المبيع بعد ردّ الثّمن يكون تلفه من المشتري لأنّه وقع في زمان خيار البائع لأنّ قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له كما عرفت تختصّ بتلف المقبوض عند ذي الخيار

و بعبارة أخرى هذه القاعدة مفادها أنّ القبض كالعدم فلو كان الخيار للمنتقل إليه فتلفه يحسب من المنتقل عنه و في المقام التّلف عند القابض كان في زمان خيار المنتقل عنه و هو البائع و خياره ليس علّة

ص: 51

لكون تلف المبيع على المشتري لأنّ قبضه مع عدم الخيار له صار سببا لأن يكون تلفه عليه

نعم فائدة هذه القاعدة تظهر في تلف الثّمن عند البائع لو قلنا بالتعدّي إليه أيضا كما سنشير إلى وجهه و ثالثا أنّ هذا التّعليل مشترك بين قبل الردّ و بعده على ما اختاره هو قدس سره من عدم الفرق في قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له بين الخيار المتّصل و المنفصل فقبل الردّ و إن لم يكن الخيار ثابتا إلّا أنّه يتحقّق بعده فإذا اقتضت القاعدة كون تلف المبيع على المشتري بعد ردّ الثّمن لوقوعه في زمان خيار البائع فتقتضي كونه عليه أيضا قبل الردّ لتحقّق الخيار و لو بعد ذلك و رابعا أنّ مقتضى كون التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له انفساخ العقد قهرا لأنّ حال المقبوض كحاله قبل القبض فلا معنى لقوله لأنّه وقع في زمن خيار البائع فله حينئذ الفسخ و خامسا أنّه لا وجه لإطلاق كلامه في ثبوت الخيار بعد الردّ لو فرض أنّ للبائع نظرا إلى الخصوصيّة العينيّة

و بالجملة لا إشكال في عدم الفرق بين الردّ و قبله فإنّه لو كان الغرض متعلّقا بردّ العين فالتّلف موجب سقوط الخيار مطلقا و لو كان النّظر إلى ماليّتها فلا وجه لسقوطه أصلا و لا إشكال في أنّ مقتضى القواعد كون ضمان المقبوض على مالكه الّذي قبضه لو لم يكن له خيار على الطرف كان لطرف خيار أم لا فتلف المبيع على المشتري ليس لثبوت الخيار للبائع بل لأنّه ملك له و قد قبضه و ليس له خيار

و ممّا ذكرنا من أن مرجع قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له إلى أنّ قبض ذي الخيار كعدم القبض يظهر ما في عبارة المصنف أيضا من قوله و لو تلف الثّمن فإن كان بعد الردّ و قبل الفسخ فمقتضى ما سيجي ء من أنّ التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له كونه من المشتري و إن كان ملكا للبائع لما عرفت من أن مورد هذه القاعدة ما إذا تلف المقبوض عند مالكه مع كونه ذا خيار فهذه القاعدة على فرض تعميمها للثّمن موردها ما إذا تلف الثّمن في يد البائع أي صغراها تلف الثّمن قبل الردّ لا تلفه عند المشتري فلو قلنا بضمان المشتري بعد قبضه فإنّما نقول به لكونه في حكم المقبوض بالسوم كما سنشير إليه لا لقاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له

قوله قدّس سره إلّا أن يمنع شمول تلك القاعدة للثمن و يدّعى اختصاصها بالمبيع إلى آخره

لا إشكال في أنّ مورد قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له هو تلف المبيع عند المشتري مع كونه ذا خيار كما إذا كان المبيع حيوانا فالتعدي عنه إلى تلف الثمن عند البائع إذا كان ذا خيار كالمقام إنّما هو للتّعليل في ذيل هذه الأخبار و هو قوله ع حتى ينقضي الشّرط و يصير المبيع للمشتري فإنّ هذا الكلام بمنزلة أنّ استقرار الملك يوجب ثبوت التّلف على المالك فما دام الملك متزلزلا و للمالك ردّه لا يستقرّ ضمانه عليه بل ضمانه على صاحبه الأوّل الّذي ليس له خيار

و من هذا البيان يظهر عدم الفرق في تلف الشي ء على من لا خيار له لا على ذي الخيار بين الخيار المتّصل أو المنفصل لأنّ استقرار الملك رافع للضّمان لا أصل الملك فعلى هذا تلف الثمن يجب على المشتري إذا كان قبل الردّ سواء كان مجموع المدّة ظرف الخيار لو كان بعد الردّ

نعم سيجي ء إن شاء اللّٰه في أحكام الخيار أن هذا يختصّ بتلف الثّمن الشّخصي بالتّلف السّماوي أو ما هو بمنزلته كما إذا وجب عليه الإتلاف شرعا و بإتلاف من عليه الخيار أو الأجنبي و أمّا إتلاف ذي الخيار أو تلف المقبوض من الثمن الكلّي فليس ضمانه على من لا خيار له هذا مع أنّه لو قيل باختصاص قاعدة التّلف في زمان الخيار بتلف المبيع عند المشتري لو كان ذا خيار و عدم شمولها لتلف الثّمن إلّا أنّ تلف الثّمن بعد الردّ إلى المشتري على أيّ حال ضمانه على المشتري لأنّ البائع دفعه إليه ليستردّ منه المبيع لا مجانا

ص: 52

و بلا عوض فيصير كالمقبوض بالسوم في أنّ ضمانه على القابض

نعم لو تلف قبل الردّ إليه فتلفه على البائع بناء على الاختصاص و بالجملة مقتضى ذيل الرّواية المتقدّمة هو أنّ ضمان تلف الثّمن عند البائع على المشتري و العجب من صاحب الجواهر من عدّه التّعميم من غرائب الكلام ثم ردّه بخبر معاوية بن ميسرة مع أنّ الرّواية غير متعرّضة لتلف الثّمن أصلا و ليس مفادها إلّا أنّ نماء الثّمن للبائع و تلف المبيع على المشتري إلّا أن ينضمّ إليها قاعدة الخراج بالضّمان فإنّ كون نماء الثّمن للبائع بمقتضى رواية معاوية و كون المنافع بإزاء الضّمان بمقتضى تلك القاعدة ملازم لكون تلف الثّمن على من له نماؤه و هو البائع

و لكنّه لا يخفى أن قاعدة الخراج بالضّمان على فرض دلالتها على مدّعاه قابلة للتخصيص بقاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له و بقاعدة كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه مع أنّ دلالتها غير تامّة و أوضحنا مفادها في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده

و ملخّصه أنّ هذه القاعدة سيقت لبيان ما ارتكز عند العقلاء و هو أن من تعهّد شيئا و بذل بإزائه الثّمن فمنافعه له بسبب بذل العوض في مقابله فالضمان فيها بمعناه المصدري

و بعبارة أخرى بعد عدم إفادة هذه القاعدة ما استظهره أبو حنيفة من أنّ الغنم بإزاء الغرم فلا تشمل ضمان الغاصب يدور الأمر بين المعنى المصدري أي الضّمان الجعلي المالكي و اسم المصدر و هو الحاصل من الجعل الشّرعيّ التّعبّدي كالضّمان في القاعدتين و الأعمّ منهما بناء على صحّته و الأظهر هو الأوّل فإنّ المرتكز عند العقلاء هو أنّ التضمين صار سببا لاستيفاء المنافع و بالعكس أي من ضمن مالا و بذل بإزائه فخراجه أي منافعه له بإزاء ضمانه

إذا عرفت ذلك فمقتضى هذه القاعدة أنّ نماء الثّمن للبائع و نماء المثمن للمشتري بسبب تعويضهما و تضمينهما أي حيث بذل البائع المبيع بإزاء الثّمن و ضمن الثّمن فنماؤه له و حيث بذل المشتري الثّمن و عوّضه بالمثمن و ضمنه فمنافع ما ضمنه و أدخله في ماله له فينحصر مورده في التّضمين الجعلي المالكي الّذي أمضاه الشّارع فعلى هذا لا تشمل القاعدة الضّمان في قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له لأنّه ليس بجعل مالكيّ بل تعبّدي محض و كذلك لا تشمل الضّمان في قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه إذا كان تعبّديا محضا كما ذهب إليه جماعة من العلماء

و أمّا بناء على المختار من عدم كون القاعدة تعبّدية محضة بل منشأ الحكم بالضّمان كونه مقتضى الشّرط الضّمني الّذي يتعهّد به كلّ من المتعاقدين للآخر من التّسليم و التسلّم و إن أعمل فيه التعبّد في الجملة و هو جعل التّالف آنا ما في ملك من انتقل عنه قبل التّلف فقد يتوهّم تنافيها مع قاعدة الخراج بالضّمان لأنّ مقتضاها أنّ الضّمان على من كانت المنافع له فالمبيع إذا تلف قبل القبض مع أنّ منافعه للمشتري يكون ضمانه عليه مع أنّ قاعدة كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه تقتضي أن يكون ضمانه على البائع

و لكن يمكن دفعه بأن قاعدة الخراج ناظرة إلى التّضمين الأولي لا التّضمين الثّانوي المترتّب على الأولي

و توضيح ذلك أنّ في كلّ معاوضة يتحقّق ضمانان بالنّسبة إلى كلّ من البائع و المشتري فالبائع مثلا ضامن للثمن ابتداء و للمبيع ثانيا أي ضمن الثّمن بإزاء المثمن و أدرجه في ملكه و ضمن المثمن أي التزم بأنّه لو تلف يكون المسمّى بدلا له أي تعهّد بالتّسليم إلى المشتري بحيث لو تلف يكون عوضه المسمّى و هو الثمن باقيا على ملك المشتري لانفساخ العقد و لو تعبّدا و قاعدة الخراج بالضّمان ناظرة إلى التّضمين الأصلي لا التّبعي و لا تشمل

ص: 53

الثّانوي فلا تخصيص و لا حكومة

هذا مع أنّه لا مانع عن التّخصيص و الحكومة فلو كانت قاعدة التّلف عامّة و شاملة لتلف الثمن كما يستفاد ذلك من ذيل بعض الأخبار الواردة في خيار الحيوان فتقدم على قاعدة الخراج بالضّمان لأن مفاد قاعدة التّلف انفساخ المعاملة و ردّ التّالف إلى ملك من لا خيار له

فالعمدة استفادة التّعميم من قاعدة التّلف و عدمها لا جعل رواية معاوية بن ميسرة دليلا على أنّ تلف الثمن بعد الردّ من البائع و لو منضمّا إلى قاعدة الخراج بالضّمان و الحقّ عدم شمول قاعدة التّلف لتلف الثمن و اختصاصها بتلف المبيع في زمان خيار المشتري بخيار الشّرط و الحيوان أو المجلس أيضا على خلاف فيه

نعم لو قلنا بالتّعميم فلا فرق بين الخيار المتّصل و المنفصل لما عرفت من أنّ مناطه تزلزل البيع و سيجي ء تفصيل ذلك إن شاء اللّٰه في محلّه و يظهر أنّ الإشكالات الواردة على كلام المصنف في استصحاب الضّمان الثّابت قبل القبض إلى زمان القبض في مدّة الخيار و لو كان الخيار منفصلا غير واردة عليه

و لكن عمدة الإشكال أنّ مقتضى القواعد أنّ تلف كلّ مال على مالكه خرج منها تلف المبيع قبل القبض و تلفه بعد القبض في زمان خيار المشتري فبقي تلف الثّمن بعد قبض البائع له على حكم القواعد و قوله ع حتى ينقضي الشرط غاية لثبوت تلف المبيع في زمان خيار الحيوان أو الشّرط على البائع لا علّة حتى يعمّم إلى تلف الثمن في زمان خيار البائع هذا مضافا إلى أنّ التسالم على ثبوت الخيار لو شرط ردّ مثل الثمن في صورة تلف الثّمن و صحّة هذا الشّرط دليل على أنّ قاعدة التّلف لا تجري في تلف الثمن لأن مقتضى القاعدة بعد تعميمها للخيار المنفصل أن يكون تلفه على المشتري فينفسخ البيع و هذا الشّرط يقتضي أن يكون تلفه على البائع فيبقى العقد على حاله و ينفسخ أو يفسخ بردّ المثل و قاعدة التّلف لو قلنا بتعميمها فهي حكم تعبّدي شرعيّ ليس قابلا للتّغيير بالشّرط المخالف لها حتّى يقال إنّ شرط الخيار بردّ مثل الثّمن متضمّن لشرطين أحدهما الخيار و ثانيهما أنّ تلف الثّمن مع أنّه في زمان خيار البائع على البائع فالحقّ ما اختاره صاحب الجواهر لكن لا لظهور خبر معاوية بن ميسرة بل لعدم الدّليل على أنّ تلف الثّمن كتلف المبيع

[الأمر السادس لا إشكال في القدرة على الفسخ برد الثمن على نفس المشتري]

قوله قدس سره الأمر السادس لا إشكال في القدرة على الفسخ إلى آخره

لا يخفى أنّه لو شرط الردّ إلى خصوص المشتري فلا يكفي الردّ إلى غيره لو امتنع الردّ إليه لغيبة أو جنون أو موت و لو شرط الردّ على الأعمّ منه و من وكيله أو وليّه فيكفي الردّ إلى كلّ واحد منهم و لو أطلق فالمسألة ذات قولين و لا يخفى أنّ نسبة الحدائق إلى المشهور عدم اعتبار حضور المفسوخ عليه في الفسخ لا يلازم عدم اعتبارهم الردّ إلى خصوص المشتري فإنّه لا ملازمة بين الفسخ و الردّ و يمكن أن لا يكون حضور الطّرف معتبرا في الفسخ و يعتبر في الردّ الّذي هو الإقباض قبض خصوص الطّرف

و بالجملة يجب أن يخرج الردّ إلى الوارث عن محلّ الخلاف لأنّ الوارث ينتقل إليه المال على نحو تعلّق حقّ المورث البائع إليه سواء قلنا بأن الخيار و الفسخ يتعلّق بالعقد أم قلنا بأنّه يتعلّق بالعين مطلقا أم بالتّفصيل بين سائر الخيارات و المقام الّذي قلنا بأنّه متعلّق بالعين و لذا لا يجوز في المقام لمن عليه الخيار التصرّفات المنافية لاسترداد العين و ذلك لأنّ المال على أيّ حال ينتقل إلى الوارث على نحو كان لمورثه فالردّ إليه كالردّ إلى مورثه

نعم في مورد التّخصيص بخصوص شخص المشتري لا يكفي الردّ إلى الوارث إلّا أنّ في مورد الإطلاق لا يوجب الموت امتناع الردّ فالعمدة هو البحث عن الردّ إلى الوكيل المطلق لو كان أو إلى الحاكم الشّرعي

فقد يقال إنّ الأدلّة

ص: 54

الدالّة على ولاية الحاكم و وكالة الوكيل لا تشمل ما ليس للمولى عليه و الموكل مصلحة فيه فقبضهما ليس قبضا من المشتري حتى يكون المدفوع ملكا للمشتري فيجب عليهما حفظه و ردّ المبيع إلى البائع

و فيه أنّه لو فرض إطلاق الوكالة لماله و عليه كما هو المفروض في المقام فقبضه قبض الموكل و لذا لو خاطب أحد المتبايعين الآخر بقوله بعتك مع كون المشتري وكيلا لصحّ الخطاب كذلك مع أنّ الكاف لم يوضع للخطاب بالأعمّ و ليس إلّا لأنّ الوكيل هو الموكل تنزيلا ففي المقام إذا كان قبضه قبض الموكل يشمل الإطلاق الردّ إليه فليس إعمال الخيار ممتنعا

و أمّا ولاية الحاكم فلا تختصّ بما للمولى عليه مصلحة و لذا ينفق على زوجة الغائب من ماله بل لو قيل باعتبار المصلحة في التصرّف إلّا أنّ في المقام حيث إنّ الفسخ لا يناط بحضور المفسوخ عليه و قبوله فلذي الخيار إعماله فيبقى مال المشتري بلا وليّ فله ردّه إلى الحاكم لحفظه و اعتبار الحضور للردّ أيضا يكفي فيه حضور من هو قائم مقام المشتري شرعا

ثم إنّه لو باع الأب عن ابنه و اشترى الجدّ لطفل آخر فلا إشكال في أنّ الأب يردّ إلى الجد لو شرط الخيار و هكذا لو تولّى أحدهما طرفي العقد يجوز أن ينوي بالقبض الردّ إلى المفسوخ عليه أو يرد إلى الوليّ الآخر الّذي لم يكن متولّيا لطرفي العقد كما أنّه لو اشترى الأب للطّفل بخيار البائع فللبائع الردّ إلى الأب و إلى جدّ الطّفل لولاية كلّ منهما على الطّفل فقبض كلّ منهما قبض الطّفل

إنّما الإشكال في أنّه لو اشترى الحاكم للطّفل بخيار البائع فهل للبائع الردّ إلى حاكم آخر كما كان له الردّ إلى الأب و الجدّ أو لا بل يجب الردّ إلى خصوص الحاكم المشتري الأقوى أنّه يجب الردّ إليه بخصوصه لأن بتصرف الحاكم في مال اليتيم و وضع اليد عليه يخرج ماله عن المال الّذي لا وليّ له فليس لحاكم آخر التصرف في هذا المال

[الأمر السابع إذا أطلق اشتراط الفسخ برد الثمن]

قوله قدس سره و لو شرط البائع الفسخ في كلّ جزء بردّ ما يخصّه من الثمن جاز إلى آخره

قد يقال إنّ هذا الشرط مخالف للسنّة لأنّ السنّة جرت في اشتراط الخيار بردّ الجميع و لا يخفى ما فيه لأنّ جعل المتعاقدين التبعّض بالنّسبة إلى المبيع أو الثّمن ليس محلّلا للحرام و لا محرّما للحلال و يكفي في صحّته عموم المؤمنون عند شروطهم و توهّم أنّ الالتزام العقدي أمر بسيط فإمّا أن يجعل للمشروط له تمام الالتزام و إمّا يبطل فاسد جدا لأنّه لا ينافي بساطة الالتزام جعل التبعيض في الملتزم فإنّ التّبعيض قد ينشأ من جعل مختلفي الحكم متعلّقا لبيع واحد كما لو باع الخلّ و الخمر أو مال نفسه و مال غيره صفقة و قد ينشأ من جعل البائع أو المشتري بالنّسبة إلى الثمن أو المثمن الّذي لو لا الجعل كان جميع أجزائه متّحد الحكم ففيما لو أطلق اشتراط الفسخ بردّ الثّمن لم يكن له الفسخ إلّا بردّ الجميع و أمّا لو شرط الفسخ في كلّ جزء بردّ ما يخصّه من الثّمن فالبائع بالشّرط جعل المبيع للمشتري متبعّضا و لا مانع عنه

ثم إنّ هذا على أقسام قسم لا يجعل الخيار إلّا في بعض المبيع بردّ ما يقابله من الثمن سواء جعل على وجه كان الردّ فسخا فعليّا أم مقدّمة للفسخ أم الخيار و هذا لا إشكال في صحّته إذ ليس المشتري إلّا كمن اشترى دارا من شريكين جعل أحدهما الخيار لنفسه دون الآخر و قسم يجعل الخيار في المجموع و لكن بحيث إنّه كلّ ما يردّ مقدارا يثبت له الخيار بهذا المقدار أو يكون كلّ مقدار فسخا فعليا بمقدار ما يقابله من المبيع

و هذا أيضا كالسّابق في الصحّة و لا إشكال في القسمين بأقسامهما في أنّه ليس للمشتري خيار تبعّض الصّفقة لأنّ أصل ثبوت خيار التبعّض إنّما هو لتخلّف شرط ضمنيّ في العقد و هو كون مجموع المبيع بوصف

ص: 55

اجتماعه مقابلا لمجموع الثمن فلو صرّحا بانحلال العقد و إمكان تبعّضه فلا شرط ضمنا بل الشّرط على خلافه

نعم لو شرط فسخ المجموع متدرّجا و فسخ في البعض و لم يفسخ في الباقي حتّى خرجت المدّة بطل الفسخ في البعض نظير المكاتب المشروط و قسم يشترط فسخ المجموع بردّ جزء من الثّمن و هذا أيضا لا مانع منه

[الأمر الثّامن كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ كذا يجوز للمشتري]

قوله قدس سره الأمر الثّامن إلى آخره

حكم شرط المشتري بردّ المبيع لثبوت الخيار لاسترداد الثمن في جميع الصّور السّبع و في جعل ردّ المثل في القيميّ و بالعكس و في جعل ردّ المثل مع بقاء العين حكم شرط البائع و قد تقدم حكمه فراجع

[مسألة لا إشكال و لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشّرط بالبيع]

قوله قدس سره مسألة لا إشكال و لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشّرط بالبيع إلى آخره

تنقيح هذا العنوان يتوقّف على بيان أقسام العقود فنقول قد تقدم مرادا أنّ العقود على قسمين إذنيّة و عهديّة و العهديّة على قسمين تعليقيّة و تنجيزيّة فما كان من العقود الإذنيّة كالوكالة و الوديعة و العارية لا يجري فيه شرط الخيار لأن الخيار معناه ملك الالتزام و العقود الإذنيّة لا التزام فيها فهي خارجة عمّا يجب الوفاء به تخصصا بل إطلاق العقد عليها إنّما هو لكونها واقعة بين اثنين و إلّا فنفس حقيقتها متقوّمة بالإذن المحض و الرّضا الصّرف و ما كان من العهديّة فلو كان اللّزوم أو الجواز فيه حكميا لا حقيّا لا يجري فيه أيضا شرط الخيار فالأوّل كالنّكاح و الضّمان و الثّاني كالهبة

أمّا الأوّل فلأنّ شرط الخيار فيه مناف للسّنة فلا يصحّ الجعل من العاقد على خلاف مقتضاه الّذي رتّبه الشارع عليه و لذا لا يصحّ الإقالة فيه و سرّه أنّ الإقالة ردّ الالتزام الّذي ملكه كلّ من المتعاقدين إلى صاحبه و إذا لم يدخل الالتزام تحت الملك لا يقبل الردّ كما أنّ الخيار ملك التزام نفسه و هذا لو لم يدخل تحت الملك لا يصحّ جعله بالشّرط

و أمّا الثّاني فلأنّ العقد لو كان جائزا ذاتا فجعل الخيار فيه لغو رأسا و ليس من قبيل جعله فيما هو جائز عرضا كجعله فيما فيه خيار الحيوان أو المجلس لإمكان تأثير الجعل فيه بلحاظ إسقاطه و تقيد المسبّب بأسبابه

و لو كان اللزوم فيه حقيّا كسائر العقود فسواء كانت تنجيزيّة كالبيع و الصّلح و أمثالها أم تعليقيّة كالجعالة و السّبق و الرّماية يصحّ فيه شرط الخيار و من هذا البيان ظهر عدم جريان خيار الشّرط في مطلق الإيقاعات لأنه ليس فيها التزام و عهد من الموقع و لم يلتزم بمنشئه بالتزام عهدي و عقدي و ليس وجه عدم الجريان اعتبار وقوع الشّرط بين اثنين كما يظهر من بعض الأعلام حتى يرد عليه بأن كون الإيقاع من طرف واحد لا يقتضي عدم وقوع الشّرط في ضمنه لإمكان اشتراط الخيار في ضمنه و قبول الآخر لهذا الشّرط بل لأنّ حقيقة الشرط هو إناطة المنشإ به بحيث يصير الشّرط ضميمة لأحد العوضين و في الإيقاعات لا عوض فيها حتى ينضمّ الشّرط إليه

و بعبارة أخرى ليس الشّرط مجرّد ذكر شي ء منضما إلى آخر كما لو قيل بعتك الدّار و أجرتك البستان بل يجب أن يناط المنشأ به و في الإيقاعات لو أنيط أصل المنشإ به بطلت للتّعليق و لو ذكر غير مرتبط بالمنشإ فهو الشّرط الابتدائي الّذي لا يجب الوفاء به لكونه حينئذ مجانيا و بلا عوض و غير منضم إلى أحد الطّرفين

نعم بعض الإيقاعات يمكن تقييده بخصوصيّة خاصّة كعتق العبد و شرط الخدمة عليه إلّا أنّ هذا النّحو من الشّرط خارج عمّا هو محلّ البحث فإنّ موضوع البحث هو الالتزام بالشي ء في ضمن الالتزام بشي ء آخر لا إنشاء المنشإ بنحو خاصّ فالمولى لما كان مالكا لرقبة العبد و منافعه

ص: 56

و أمواله فله تخصيص عتقه ببعض الجهات و هذا ليس من قبيل الشّرط في ضمن العقود

و حاصل الكلام أنّ الإيقاع حيث إنه إذا أنشأ يوجد المنشأ بنفس الإنشاء و لا يتوقّف على القبول فالشّرط الواقع بعده إمّا يرجع إلى الشّرط الابتدائي و إمّا إلى تعليق المنشإ الّذي هو باطل و إمّا إلى تخصيص المنشإ بخصوصيّة خاصّة

و على أي تقدير هذا خارج عن الالتزام في الالتزام الّذي هو محلّ الكلام ثم إنّه لو رجع الشّرط إلى التّخصيص لا يتوقّف على قبول العبد نعم لو شرط على العبد بعد العتق شيئا يتوقّف نفوذه على قبوله كما لو قال أعتقتك و زوّجتك ابنتي و شرطت عليك إن تزوّجت أو تسرّيت عليها أن تعطيني مائة درهم و احتياجه هنا إلى القبول إنّما هو لعدم تملّك العبد لمائة درهم حال العتق فيرجع هذا الشّرط إمّا إلى مال الكتابة أي يرجع الإيقاع إلى العقد و يتوقّف صحّته على القول بصحّة المجاز أو الكناية و إمّا إلى الشّرط في ضمن التّزويج الّذي وقع بعد العتق

و يؤيّد ما ذكرناه بعض الأخبار الواردة في استثناء الخدمة من أنّه يجب استثناؤها قبل العتق لأنّه لو أعتق أولا يصير العبد حرّا مالكا لنفسه و منافعه فإنّه لو كان العتق قابلا للشّرط لم يكن وجه لهذا التعليل كما لا يخفى

و بالجملة جميع الإيقاعات لا يقبل جعل الشّرط في ضمنه سواء كان شرط الخيار أم غيره و لا يخرج غير شرط الخيار عن الشّرط الابتدائي أو التّقييد أو التّعليق أو عنوان عقديّ فعلى هذا لو أبرأ أو طلّق بشرط فيرجع الأوّل إلى المعاوضة و الصّلح عمّا في الذمّة بشي ء و الثّاني إلى الطّلاق بالعوض الّذي هو محلّ الكلام صحّة و فسادا

و تقدّم أنّ جميع العقود الإذنيّة و العقود الّتي لزومها و جوازها من الأحكام الشّرعيّة لا من حقوق المتعاقدين حكمها حكم الإيقاعات فانحصر صحّة الشّرط مطلقا أو شرط الخيار في العقود العهديّة الّتي يكون الجواز و اللّزوم فيها حكما مترتّبا على التزام المتعاقدين الّذي هو حقّ من حقوقهما القابل للإرث و الانتقال و الإسقاط هذا بحسب الثبوت

و أمّا بحسب الإثبات أمّا النّكاح فلزومه حكمي لا حقّي لتوقّف ارتفاعه على الطّلاق فينكشف منه أنّ اللزوم فيه ناش عن حكم الشّارع بلزوم نفس عنوان العقد لا عن التزام من المتعاقدين

و بعبارة أخرى كلّ لزوم نشأ من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فهو حقّي و كلّ ما نشأ من لزوم نفس العنوان فهو حكميّ فكون دفع النّكاح موقوفا على الطلاق شرعا كاشف عن أنّ رفعه ليس بيد المتعاقدين و يدلّ عليه عدم مشروعيّة الإقالة فيه فإنّها و الخيار توأمان كما عرفته مرارا و الفسخ في مورد العيوب ليس حقا ثابتا للفاسخ و لذا لا يرثه الوارث بل إنّما هو حكم شرعيّ مستثنى من الحكم بلزوم النّكاح فإنّ اللّزوم و إن كان حكميا إلّا أنّه قابل للاستثناء فكأنه حكم الشّارع بأنّ من مقتضيات عنوان النّكاح الّذي هو المنشأ بالصّيغة اللّزوم إلّا في مورد تخلّف الشرط كشرط البكارة و بنت المهيرة و نحو ذلك و في العيوب الخاصّة

و بالجملة عدم مشروعيّة شرط الخيار لعلّه إجماعي في النّكاح كتحقّقه بالنّسبة إلى عدم مشروعيّة التقابل فيه بلا إشكال لظهور أنّ اللّزوم مترتّب على نفس العنوان لا على عقده و ترتّب اللّزوم في البيع في بعض الأخبار على نفس العنوان لا على العقد كقوله ع فإذا افترقا وجب البيع مع كون اللّزوم فيه حقّيا بلا إشكال لا يدلّ على أنّ اللّزوم في النّكاح كذلك أيضا فإنّ قوله ع إذا افترقا وجب البيع بعد قوله المتبايعان بالخيار معناه وجوب عقد البيع لقرينة مقابلته بالخيار الّذي هو ملك الالتزام الّذي نشأ من العهد

و ممّا ذكرنا ظهر صحّة شرط الخيار في عقد البيع بلا إشكال فإنّ لزومه حقّي و يدلّ

ص: 57

عليه النصوص بالخصوص و أمّا الوقف فإن قلنا بأنّه إيقاع مطلقا فلا يصحّ شرط الخيار فيه أصلا و إن قلنا بأنّه عقد مطلقا أو عقد في الوقف الخاص فالأظهر من الأدلّة عدم دخول شرط الخيار فيه إمّا لأنّه فك ملك للّه بغير عوض فيكون كمطلق الصّدقات الّتي دلّ الدّليل على أنّه لا يرجع فيما كان للّه و إمّا لاعتبار التّأبيد فيه الملازم للّزوم شرعا

و الخبر الّذي استدلّ به في المتن لجواز شرط الخيار فيه لا يدلّ على المدّعى فإنّ رجوع الموقوفة إلى الميراث لعلّه لبطلان الوقف بسبب هذا الشّرط و لرجوعه إلى الحبس ما دام العمر مع أنّه فرض في الرّواية رجوع الوقف إلى الملك بمجرّد الاحتياج لا بعد الفسخ فليس رجوعه إليه من باب شرط الخيار و إلّا لتوقّف على إعمال الفسخ فيصير الرّواية دالّة على صحّته حبسا لأنّ اشتراط العود إليه مع الحاجة في قوة جعل الوقف ما قبل الحاجة

و أمّا الهبة فغير المعوّضة منها جوازه حكميّ لترتّب إمكان الرّجوع للواهب ما دام العين موجودة على نفس العنوان لا على عقدها كما يدلّ عليه أخبار الباب و جعل الخيار في الجواز الحكمي لغو

و أمّا المعوّضة أو ما قصد بها الثّواب أو الهبة لذي الرّحم و غير ذلك ممّا طرأ عليه اللّزوم كصورة تلف العين فاللّزوم فيها حكميّ و استثنيت من جواز الرّجوع في الهبة شرعا كما يظهر من أدلّتها فراجع

و أمّا الصّلح فلو كان في مقام المعاوضة يدخل فيه الخيار و أمّا لو كان في مقام الإبراء فلا يدخل فيه لأنّه إيقاع إلّا أن يرجع إلى المعاوضة و هكذا لو كان في مقام قطع الخصومة لا لأن مشروعيته لقطع المنازعة ينافي اشتراط الخيار لأنّ هذا حكمة لتشريعه لا علّة بل لأنّ لزومه رتب شرعا على نفس هذا العنوان لا على العقديّ منه

و أمّا الضّمان فكالنّكاح لزومه حكميّ لأنّ من أثره انتقال الدّين إلى ذمّة الضّامن و براءة المديون فإرجاعه إلى ما كان لا يمكن إلّا بضمان آخر و التّقابل المتصوّر فيه أيضا و بهذا المعنى و يلحقه الحوالة و الكفالة و أمّا الرهن فلا مانع من دخوله فيه غاية الأمر يصير الدّين بعد الفسخ كالديون الّتي لم يجعل وثيقة لها

و أمّا الجعالة و السّبق و الرّماية فالظّاهر أنّها غير لازمة قبل العمل و بعده لا يمكن شرط الخيار لاستحقاق العامل الأجرة و بالجملة كلّ عقد لم يكن لزومه أو جوازه حكميّا بل كان من جهة الالتزام العقديّ فيدخل فيه الخيار و ما ليس كذلك فلا يدخل فيه و ليس المقام مقام تنقيح المصاديق و إنّما أشرنا إلى بعضها تبعا لما أفاده شيخنا الأستاذ أدام اللّٰه تعالى بقاءه

[الرابع خيار الغبن]
اشارة

قوله قدس سره الرابع خيار الغبن إلى آخره

لا يخفى أنّ ثبوت هذا الخيار في الجملة لا إشكال فيه و إنّما الكلام في مدركه و أتمّ المدارك له هو حصوله من جهة تخلف الشّرط الضّمني و ذلك أنّه لما كان تعيّش بني آدم موقوفا على تبديل الأموال و بناء المتعاقدين على تساوي العوضين في الماليّة فيناط التّبديل بالتّساوي و حيث كان هذا البناء نوعيا بحسب العرف و العادة جرى نفس إجراء العقد بين العوضين مجرى اشتراط تساويهما في الماليّة بحيث لو علم المغبون بالحال لم يرض فمدرك ثبوت الخيار تباني المتعاقدين على تساوي العوضين في الماليّة و هذا بمنزلة الصّغرى و الكبرى أنّ تخلّف البناء يوجب عدم التراضي بالمعاملة و لما ثبت في باب الفضولي و المكره أنّ الرّضا اللّاحق كالسّابق فلم يكن تخلّف البناء موجبا لفساد البيع رأسا فله إقرار العقد و اختيار نتيجته و له ردّه

و المصنف قدس سره ناقش في الصّغرى و الكبرى جميعا مع أخذه بهذا المدرك في باب التّسليم و التسلّم و في اعتبار نقد البلد بل في خيار العيب و خيار الرّؤية و لا يخفى أنّ مع تسليمه في بعض

ص: 58

الموارد بأنّ الشّرط الضمنيّ كالشّرط الصّريح يوجب تخلّفه الخيار لا وجه لمناقشته في المقام مع أنّها غير تامّة أمّا في الصّغرى فلأنّ قوله الوصف المذكور أي كون العوضين متساويين في الماليّة ليس إلّا من قبيل الدّاعي

ففيه أنّ الدّاعي هو الموجب لإرادة شي ء أي الباعث لها كمن دعاه إلى بيع داره تزويج امرأة فإنّ تخلّفه لا يضرّ بالمعاملة و أمّا إذا كان اشتراط التّساوي و البناء عليه نوعيّا فيكون من قيود المراد و يدخل تحت الالتزام و أمّا في الكبرى فقوله قدّس سره مع أنّ أخذه على وجه التّقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن العقد

فيه أنّ التّقييد لو لم يذكر في متن العقد أصلا لا إجمالا و لا تفصيلا لا يوجب تخلّفه خيارا و أمّا مع أخذه فيه إجمالا و بالدلالة الالتزاميّة فهو بمنزلة أخذه صريحا

و بعد ما عرفت أنّ البناء على التساوي و ليس بناء شخصيا حتّى يكون من قبيل الداعي بل من المتعارف نوعا فهو بمنزلة إنشائه في متن العقد صريحا

و بالجملة لا اعتبار بالقيود البنائيّة الّتي لم تذكره في متن العقد أصلا لأنّ القصود ما لم ينشأ على طبقها لفظ و لا يوجد بفعل لا اعتبار بها و هذا يختصّ بقيد لا يرجع إلى وصف أحد العوضين كاشتراط الخياطة و أمّا إذا رجع إليه ككتابة العبد فتوجب البناء عليه صرف المعاملة إليه كما أنّه إذا كان التّقييد لازما عرفيا فيكون كالمنشإ في العقد غاية الأمر أنّه أنشأ به التزاما و لا فرق بين الإنشاء الصّريح و الضّمني

نعم الغبن الّذي يتسامح فيه عادة لا يوجب الخيار لعدم البناء على التقييد بعدمه كما أنّ اعتبار معناه اللّغوي و هو الخدعة من طرف الغابن لا وجه له أصلا لأنّ المدار على اشتراط التّساوي نوعا سواء كان الغابن جاهلا أو عالما نعم إذا كان المغبون عالما فليس له الخيار و سيجي ء وجهه و حاصل الكلام أنّه لا فرق في الشّروط ضمنيّة كانت أو صريحة في أنّ تخلّفها يوجب الخيار

إنّما الكلام في تقريب الاستدلال بالأمر و الشّريفة مع أنّ ظاهر المستثنى اعتبار الرّضا في صحّة المعاملة و أمّا ثبوت الخيار على تقدير تخلّفه فغير ناظر إليه هذا مع أنّ أصل الرّضا حين التّجارة و الإنشاء موجود فلو كان هو المعتبر صحّت المعاملة أبدا و لو كان المعتبر الرّضا التقديري لا الفعلي إلى الرّضا على تقدير التّساوي لبطلت المعاملة رأسا

ثم إنّ اختلاف الحالتين و صحّة المعاملة و لزومها قبل الاطّلاع على الغبن و عدم لزومها بعد الاطّلاع يحتاج إلى دليل و لكن يمكن تقريب الاستدلال بالآية الشّريفة بمجموع المستثنى و المستثنى منه بناء على كون المستثنى مفرغا و تقريبه أن قوله عزّ اسمه و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ في قوّة أن يقال لا تتملّكوا أموالكم بينكم بوجه من الوجوه فإنّه باطل إلّا على وجه التكسّب عن رضا فالتملّك بدون رضا المغبون تملّك بالباطل و مع رضاه تملّك صحيح ثمّ إنّ رضاه بالتّجارة بمعناها الاسم المصدري هو المعتبر في العقد و رضاه بها حاصل مع عدم علمه بالغبن و أمّا مع علمه به فإذا كان حاصلا دخل في عقد المستثنى و إلّا أي لو لم يمض و ما رضي بالفاقد دخل في المستثنى منه و لا نعني بالخيار في المقام إلّا ذلك

نعم لو كان المراد من التّجارة معناها المصدري و اعتبر الرّضا فيها بهذا المعنى فمع حصوله حين صدور التّجارة لا وجه لاعتباره بعد فلا يتمّ الخيار و مع عدم حصوله تبطل رأسا فلا معنى لصحّتها مع إمضائها و لكن قد عرفت في باب الفضولي أنّ اسم المصدر في العقود له اعتبار استمرار و بقاء و من هذه الجهة يقبل العقد الفضوليّة و ينسب بالرّضا اللّاحق إلى الراضي فالتّجارة الّتي اعتبر الرّضا فيها هي بمعنى اسم المصدر

ص: 59

و هي قابلة لأن يلحقها الرّضا بعد العقد فالمعاملة في المقام حيث كانت مقيّدة بقيد غير ركني و هو التّساوي بين المالين فتخلّفه لا يوجب بطلانها رأسا بل يوجب إناطتها بالرّضا فإذا لم يرض المغبون بفاقد القيد يدخل ما أخذه الغابن في أكل المال بالباطل و إذا رضي به يدخل في التّجارة عن تراض فهو راض بالتّجارة ما دام جاهلا بالغبن و يصحّ تصرّف الغابن و المغبون فيما انتقل إليهما و إذا علم به فلو رضي بالفاقد فهو و إذا لم يرض يدخل تحت أكل المال بالباطل

نعم يمتاز هذا المعنى من الخيار عن سائر الخيارات الّتي يحتاج الإمضاء و الفسخ فيها إلى الإنشاء فإنّ الدّليل المثبت لهذا الخيار بالتقريب المذكور لا يدل إلّا على أنّ مجرّد الرّضا بعد العلم بالغبن يكفي في الصّحة و عدمه يكفي في البطلان و الخيار الاصطلاحي ليس كذلك

و بالجملة إثبات الخيار الّذي هو عبارة عن ملك الإقرار و الإزالة بمقتضى الأدلّة العامّة مشكل

نعم لو صحّ سند النّبوي و هو قوله ص لا يتلقّى الجلب فمن تلقّاه و اشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار ثبت الخيار المصطلح لأنّ ظاهر قوله ص فهو بالخيار هو الخيار المصطلح و لكن الكلام في أصل ثبوت النّبوي مع عدم كونه مرويّا بطرق أصحابنا إلّا أن يقال إنّ الأصحاب تلقّوه بالقبول و لذا يعدّون غبن الرّكبان من أحد أسباب الخيار

و حاصل الكلام أنّه لو كان مدرك الخيار خصوص الشّرط الضّمني فإثباته بالمعنى المصطلح في غاية الإشكال لأنّ إناطة العوضين بالشّرط أو الوصف صريحا أو ضمنيّا لا يفيد إثبات الخيار لأنّ غاية التّقييد ثبوت حقّ للمشروط له فله إسقاط حقّه و رضاه بالفاقد و له عدم إسقاط حقّه و هذا لا يلازم فسخ العقد فلعلّه يكون من الحقوق الّتي تبقى في ذمّة من عليه الحق و لا يمكن استيفاؤه و يكون كسائر الدّيون

كما أنّ إثبات الخيار بما قد يقال من أنّ التّقييد بالوصف أو الشّرط من قبيل تعدّد المطلوب مشكل أمّا أوّلا فلأنّ وحدة المطلوب و تعدّده إنّما يتصوّر في الأحكام التكليفيّة لا الوضعيّة الّتي هي المنشئات بالعقود لأنّ المنشأ الموصوف أو المشروط أمر واحد لا تعدّد فيه و ثانيا هذا الكلام غير مطّرد و لا منعكس فإنّه قد يكون المطلوب متعدّدا في الصّور النوعيّة الّتي بها قوام ماليّة المال مع أنّ تخلّفها يوجب البطلان قطعا سواء ذكرت وصفا أو شرطا كما لو اشترى عبدا حبشيّا فانكشف كونه حمارا وحشيا أو اشترى عبدا و انكشف كونه جارية و قد يكون المطلوب واحدا في الشّروط و الأوصاف الّتي لها دخل في زيادة الماليّة كالكتابة و أمثالها بحيث لو علم أنّ العبد ليس كاتبا لم يقدم على شرائه مع أنّ تخلّفها لا يوجب البطلان

و ثالثا كون المقام من قبيل تعدّد المطلوب لا يفيد إلّا صحّة العقد لا الخيار بفقد أحد المطلوبين فله المطالبة بمطلوبه المفقود لا ردّ العقد الواقع على المجموع أو إمضائه

قوله قدس سره و أقوى ما استدلّ به على ذلك في التذكرة و غيرها قوله ص لا ضرر و لا ضرار إلى آخره

لا يخفى أنّه لو كان اعتبار التّساوي بين الأموال من الشّروط الضمنيّة فالاستدلال بلا ضرر في محلّه لأن مفاده أنّ الحكم الّذي ينشأ منه الضّرر مرفوع و الحكم بلزوم العقد مع عدم التزام المغبون بالغبن ضرريّ عليه لأنّه و إن جهل بالغبن و أقدم بما فيه الضّرر إلّا أنّه حيث شرط التساوي فهو بالشرط يملك على المشروط عليه حقا فإذا تخلّف الشّرط يكون كسائر الشّروط المتخلّفة الّتي يوجب تخلّفها أو تعذّرها الخيار

فلا يقاس الإقدام في المعاملات جهلا بالضّرر على الإقدام في العبادات جهلا به الّذي اخترنا فيه أنّ الحكم لا يرتفع في مورد الضّرر المجهول لأنّ الحكم

ص: 60

التكليفيّ المجهول لا يوجب الضّرر لأنه كان أو لم يكن فحيث إنّ المكلّف لا يرى الضّرر في الفعل يقدم على الفعل الضّرري فالحكم الشرعيّ يصير من قبيل المعدّ للضّرر و الجزء الأخير من العلّة لوقوعه فيه هو جهله به مع أنّ رفع الحكم منه في هذا الحال ليس امتنانا عليه لاستلزامه بطلان العمل و إعادته و ذلك ينافي الامتنان

و أمّا مع العلم به فالجزء الأخير من العلّة أو تمام العلّة هو الحكم الشّرعي و هذا بخلاف المعاملات فإنّ الأمر فيها بالعكس لأنّ مع العلم بالضّرر فالضّرر يستند إليه لإقدامه عليه و أمّا مع الجهل فالضّرر يستند إلى الحكم الشّرعي و هو لزوم العقد المغبون فيه

و أمّا لو كان اعتبار التساوي من الأمور البنائيّة أو الدّواعي الّتي لا إشارة في العقد إليها بنحو من الأنحاء لا مطابقة و لا التزاما فلا وجه للاستدلال بلا ضرر لإثبات الخيار لما عرفت من أنّ مفاده أنّ الحكم الّذي ينشأ منه الضّرر بحيث يكون الضّرر عنوانا ثانويّا له فهو مرفوع دون ضرر لا يكون عنوانا للحكم بل يكون عنوانا لنفس فعل المكلّف و بإقدام و اختيار صدر الفعل عنه و لو كان جاهلا بالضّرر و منشأ تضرّره في المقام ليس وجوب الوفاء بالعقد بل تخيّله التّساوي بين المالين إلّا أن يقال إنّ العاقد و إن أقدم على المعاملة الغبنيّة إلّا أنّ إقدامه عليها و إيجاده لها موجب لتحقّق موضوع وجوب الوفاء و إذا كان موضوعه ضرريّا وجب أن يرتفع حكمه بلا ضرر

و بعبارة أخرى و إن لم يكن اعتبار التّساوي من الشّروط الضمنيّة إلّا أنّ حكم الشّارع بوجوب الوفاء بالعقد الّذي صدر عن المكلّف حكم في موضوع ضرريّ فيجب أن يكون مرفوعا لأنّ الحكم يصير فعليّا بعد تحقّق موضوعه و موضوعه و إن صدر عن العاقد جهلا بالغبن و بتخيّل التساوي إلّا أنّه بعد تحقّقه ينسب الضّرر الوارد على العاقد باعتبار بقاء المعاملة إلى حكم الشّارع بالبقاء لا إلى إقدام المكلّف

إن قلت فعلى هذا لو علم العاقد بالضّرر و أقدم عليه لكان اللّازم عدم ثبوت وجوب الوفاء و لا يختصّ رفع الحكم بالجهل قلت في مورد العلم ليس الضّرر مستندا إلى الحكم بل إلى الإقدام لأنه علم بالضّرر و أقدم عليه فلا وجه لرفع حكمه فالفرق بيّن بين العلم و الجهل إلّا أنّ الكلام في أصل المدّعى لأنّ الحكم و إن لم يكن فعليّا إلّا بعد تحقّق موضوعه و لكنّ الكلام في أنّ الضّرر مستند إلى الإقدام أو إلى الحكم فنقول لو كان الضّرر ناشئا عن الحكم بحيث لو لم يكن الحكم الشّرعي لما وقع العاقد في الضّرر لكان هذا الحكم مرفوعا و المفروض في المقام أنّ العاقد بتخيّله التّساوي أقدم على المعاملة من دون أن يكون ملزما بها

و بعبارة أخرى كلّ حكم تكليفيّ أو وضعيّ كان هو تمام العلّة للضّرر أو الجزء الأخير منها فهو مرفوع و أمّا لو كان الحكم معدا كالوضوء المجهول أنه ضرريّ أو لا دخل للحكم أصلا في الضّرر كالمقام لأنّه بداعي النّفع أقدم على المعاملة فلا معنى لرفعه و مجرّد صيرورة الفعل ضرريّا باعتبار بقائه على حاله بعد صدوره اختيارا لا يوجب أن يرتفع حكمه و إلّا لزم أن يرتفع حكم الضّمانات و الإتلافات إذا صدر الفعل عن المكلّف جهلا بأنّ المال من غيره فإنّ أكل مال الغير بتوهّم أنّه ماله قد صدر عنه موضوع إذا حكم الشّارع بوجوب الخسارة عليه يكون حكما في موضوع ضرري مع أنّه لا يمكن أن يكون هذا الحكم مرفوعا و لا وجه له إلّا أنّ الإقدام صار منشأ للضّرر لا الحكم

و بالجملة لو لم يكن اعتبار التّساوي من الشّروط الضّمنيّة بل كان من الدّواعي أو الشّروط البنائيّة فلا وجه لأن يكون تعذّرها موجبا للخيار و عليك بالمراجعة إلى ما كتبناه في قاعدة لا ضرر

قوله قدس سره و لكن يمكن

ص: 61

الخدشة في ذلك بأنّ انتفاء اللّزوم و ثبوت التزلزل لا يستلزم ثبوت الخيار

محصّل مرامه قدس سره أنّ قاعدة الضّرر لا تثبت الخيار بين الفسخ و الإمضاء بكلّ الثمن كما عليه بناء الأصحاب لأنّ تدارك الضّرر يحصل بأحد الأمور الثّلاثة الأوّل الخيار و الثّاني ردّ مقدار ما تضرّر فيه من عين الثّمن أو المثمن فيكون حال المغبون حال المريض إذا اشترى بأزيد من ثمن المثل و حاله بعد العلم حال ورثة ذلك المريض في أنّ لهم استرداد الزّيادة من دون ردّ جزء من العوض و الثّالث ردّ ما به يتدارك ضرر المغبون و لو من غير جنس الثّمن أو المثمن نظير ما احتمله في القواعد من أنّه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في أخباره برأس المال و بذل المقدار الزّائد مع ربحه فلا خيار للمشتري فإذا أمكن تدارك الضّرر بأحد الأمور الثّلاثة فترجيح بعض منها بلا مرجّح لا وجه له

و فيه أنه لا يمكن تدارك الضّرر في المقام بالأمر الثّاني و الثّالث أمّا الثّاني فلأنّ المعاوضة وقعت بين مجموع مالي الغابن و المغبون فيجب أن يقال إمّا بالبطلان في الجميع أو بالصحّة كذلك

و بالجملة استرداد جزء من أحد العوضين من دون ردّ ما يقابله خلاف مقتضى المعاوضة من مقابلة المجموع بالمجموع و استرداد ورثة المريض لو قلنا به فهو حكم تعبّدي و لذا لا يتعدّى إلى ما لو باع بأقل من ثمن المثل

و أمّا الثالث فتدارك ما فات من المغبون لا يخرج عن كونه هبة مستقلّة و الهبة من الغابن أو غيره لا يخرج المعاملة عمّا وقعت عليه من الغبن و مجرّد كون داعي الواهب تدارك خسارة المتّهب لا يوجب انقلاب الهبة عن حقيقتها و تسمية هذا الإعطاء غرامة لا تغيّر الواقع عمّا هو عليه لأنّ الغرامة عبارة عن تدارك ما اشتغلت الذمّة به و مجرّد كون الغابن طرفا للمعاملة مع المغبون لا يوجب ضمانه لما تضرّر به المغبون لعدم تحقّق موجبات الضّمان من اليد و الإتلاف سيّما مع جهل الغابن بالغبن

و أمّا ما احتمله في القواعد من أنّه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في أخباره برأس المال و بذلك المقدار الزّائد مع ربحه فلا خيار للمشتري فلا ربط له بالمقام و يمكن تطبيقه على القواعد بأن يقال إنّ المعاملة وقعت حقيقة بين رأس المال واقعا و بين المبيع

غاية الأمر طبق البائع كذبا رأس المال على غير ما هو واقعه فيكون كالخطإ في التّطبيق كما لو اشتبه البائع مثلا و أقبض أربعة بدلا عن ثلاثة أمنان فإنه لا شبهة أنّه يردّ المنّ الزائد بدون خيار بين الفسخ و الإمضاء فإنّ المعاملة لم تقع بإزاء المنّ الزائد و لم يجعل جزء من الثّمن في مقابله فمسألة كذب البائع كذلك أيضا أي في عالم اللبّ و الواقع يجعل الثّمن بإزاء رأس المال الواقعي لا ما أخبر به فإذا انكشف خطاؤه أو كذبه يرد ما هو الزّائد على رأس المال مع ربح الزّائد إلّا أن يمتنع و هذا بخلاف المقام فإنّه قد جعل تمام الثمن بإزاء تمام المثمن فلا موجب لأخذ المغبون زائدا خارجيا هذا مضافا إلى أنّه لا يمكن أن يجعل الخيار بين الفسخ و الإمضاء في عرض الاحتمالين الأخيرين على فرض صحّتها لأنّه لو كانت المعاملة بالنّسبة إلى الزيادة باطلة و بالنّسبة إلى غيرها صحيحة كما هو مقتضى الاحتمال الثّاني أو كان الغابن ضامنا للتّفاوت و كان وجوب دفع الزّائد عليه من باب الغرامة كما هو مقتضى الاحتمال الثّالث فلا وجه لثبوت الخيار للمغبون بين الفسخ و الإمضاء في الكلّ لأنّه لم يتضرّر أصلا حتى يثبت له الخيار فثبوت الخيار له كذلك إنّما هو إذا لم يمكن الاحتمالان المذكوران فالخيار بهذا المعنى في طول هذين الاحتمالين لا في عرضهما كما لا يخفى

و حاصل الكلام أنّه لا يمكن الالتزام باسترداد جزء

ص: 62

من العوضين إلّا إذا لم تقع المعاملة على هذا الجزء بالخصوص أو إذا ثبت الخيار في هذا الجزء كما إذا وقع العقد على مختلفي الحكم كالحيوان و غيره و المفروض في المقام لا هذا و لا ذاك مع أنّه لو كان الفسخ راجعا إلى خصوص الجزء لوجب ردّ مقابله فيمتنع أن يكون الخيار بالمعنى المشهور مقابلا لهذا الاحتمال و في عرضه بل لا يمكن جمعهما كما لا يخفى كما أنّ الوجه الثّالث أيضا ليس في عرض الخيار فإنّه لو كان الغابن ضامنا لما فات فليس العقد ضرريا على المغبون فتأمل جيّدا

ثم إنّ المحقّق الخراساني قدس سره بعد ما اختار في الأصول أن مفاد لا ضرر نفي الحكم بلسان نفي الموضوع قال في حاشيته على المتن في ذيل هذا العنوان هذا إذا كان المرفوع بحديث لا ضرر الحكم النّاشي منه الضّرر

و أمّا إذا كان المرفوع ما كان للضّرر من الحكم مع قطع النّظر عن هذا الحديث كان المرفوع في المعاملة الغبنيّة وجوب الوفاء بها و هو يستلزم جوازها لا الخيار المصطلح الّذي هو من الحقوق لأنّ عدم وجوب الوفاء على المغبون لا يقتضي ثبوت حقّ له القابل للإسقاط و الصّلح و الإرث انتهى ملخّصا

ثم إنّه قدّس سره في باب المعاطاة جعل الفرق بين الجواز الحقّي و الحكميّ باعتبار اختلاف متعلّقه و قال لو كان الجواز و اللّزوم بمعنى جواز فسخ المعاملة و عدمه كما في باب الخيار فهما من أحكام الأسباب و أما لو كانا بمعنى جواز ترادّ العينين بلا توسط فسخ المعاملة كما في الهبة فهما من أحكام الملك فجعل الجواز الحقي بمعنى الخيار و الحكمي بمعنى الردّ الخارجي الّذي لا يمكن إلّا مع بقاء العينين و لا يخفى ما في كلامه في كلا المقامين أمّا جعل الجواز الحكمي كما في الهبة بإرجاع العين من دون فسخ المعاملة فهو لا يستقيم لأنّ ردّ العين من دون الفسخ تصرّف في مال الغير فليس الفرق ما ذكره بل ما ذكرنا في مقامه من أنّه لو كان الجواز أو اللّزوم راجعا إلى نفس المنشإ أي إلى المدلول المطابقي للعقد فهو حكمي كالجواز في الهبة و اللّزوم في النّكاح و لو كان راجعا إلى الالتزام الّذي التزم به كلّ من المتعاقدين الّذي بهذا الاعتبار تسمّى المعاملة عقدا فهو حقّي

و أمّا ما أفاده من عدم استلزام الجواز الخيار المصطلح فقد ظهر ما فيه ممّا ذكر من الفرق بين الجوازين لأنّه لو كان وجوب الوفاء بالعقد راجعا إلى الالتزام الّذي التزم به كلّ من المتعاقدين بما تضمّنه من شرط التّساوي فإذا فقد شرط التّساوي يرتفع ما التزم به لو كان ضرريّا و لازم ذلك أن يكون التزامه تحت سلطنته و هذا ليس إلّا الخيار فإذا كان مفاد لا ضرر عدم لزوم المعاملة الغبنيّة لأنّ من لزومه ينشأ الضّرر على المغبون فمعناه عدم كون الغابن مالكا للالتزام الّذي ملّكه المغبون بل أمر الالتزام بيد المغبون و له أن يفوّضه ثانيا إلى الغابن أو أن يفسخ

[مسألة يشترط في هذا الخيار أمران]
[الأول عدم علم المغبون بالقيمة]

قوله قدّس سره مسألة يشترط في هذا الخيار أمران إلى آخره

لا إشكال في أنّه لو علم المغبون بالقيمة و أقدم على المعاملة فلا خيار له أصلا سواء قلنا بأنّ منشأ ثبوته قاعدة لا ضرر أم تخلّف الشّرط الضّمني لأنّ مع العلم لا شرط و الضّرر لم ينشأ من الحكم باللّزوم بل نشأ من إقدامه و في حكم العلم الاطمئنان كما أنّه لا إشكال في ثبوت الخيار لو كان غافلا عن القيمة بالمرّة أو كان ملتفتا و لكن كان معتقدا للتّساوي أو مطمئنا به إنّما الإشكال في صورة الشكّ و ما يلحق به من الظّنّ الغير المعتبر فهل هو ملحق بالعلم بالغبن مطلقا أو ملحق بالعلم بعدمه مطلقا أو تفصيل بين صور الشكّ ثم الشّاك إمّا عالم بالحكم أو جاهل به فلو كان عالما و شكّ في القيمة و لكنّه أقدم على المعاملة برجاء أن لا يكون ضرر فهذا ليس مقدما على الضّرر عرفا و لا ينسب الضّرر إليه

فبناء على كون منشإ الخيار

ص: 63

قاعدة لا ضرر فالخيار ثابت له و أمّا لو كان منشؤه الشّرط الضّمني ففي ثبوت الخيار له إشكال لأنّه مع الشكّ في القيمة و إقدامه على المعاملة من دون اتّكاله على طريق أو أصل مثبت للتّساوي فكأنّه أقدم مع العلم بعدمه

فلا يقاس المقام على مورد الشكّ في الصحّة و العيب في أنّ الخيار لا يسقط إذا ظهر العيب لأنّه في باب العيب كان متّكلا على أصالة السّلامة في الأشياء و في المقام لا أصل يثبت أنّ القيمة الواقعيّة كذا و كذا و من هنا ظهر حال سائر أقسام الشكّ و هو ما إذا أقدم على المعاملة كيف ما كان فإنّه مع هذه الحالة كيف يشترط التّساوي

و هذا من غير فرق بين أن يكون عالما بالحكم أو جاهلا بل لا يجري قاعدة الضّرر أيضا لأنّه قد أقدم على المعاملة من دون رجاء التّساوي بل يمكن أن يقال إنّ الشّاكّ ليس له الخيار في جميع الصور المتصوّرة لأنّ مجرّد رجاء كون المالين متساويين في القيمة و عدم كونه مغبونا لا يقتضي الإقدام على المعاملة الضرريّة لأن رجاء العدم لا يخرج الفعل عن الاختيار كمن رجا أن لا يكون السّبع في الطّريق و لكنّه احتمله احتمالا عقلائيا فمشى في هذا الطّريق فإذا افترسه السّبع ينسب الفعل إليه

نعم لو كان متّكلا على بيّنة أو أصل فالافتراس لا يكون عن الإقدام

قوله قدس سره و لو أقدم عالما على غبن يتسامح به فبان إلى آخره

لا يخفى أنّ صور الإقدام أربع الأوّل أن يقدم على ما يتسامح به فبان أزيد ممّا لا يتسامح بالمجموع منه و من المعلوم الثّانية هذه الصّورة مع كون الزّائد بنفسه ممّا لا يتسامح به و في هاتين الصّورتين لا إشكال في أنّ الخيار لا يسقط أمّا في الثّانية فواضح و أمّا في الأولى فلأنّ المجموع من حيث المجموع لم يكن مقدما عليه و الإقدام على القدر المتسامح به لا أثر له لكونه مقيّدا بهذا المقدار و إلّا كان راجعا إلى إسقاط خيار الغبن و الثّالثة الإقدام على ما لا يتسامح فبان أزيد بما يتسامح به منفردا

و الأقوى في هذه الصّورة سقوط الخيار و لا يقاس على الصّورة الأولى لأنّ في الصورة الأولى موجب الخيار و هو المجموع لم يقدم عليه و ما أقدم عليه لا يكون موجبا للخيار و في المقام أقدم على ما يوجبه و ما لم يقدم عليه لا يكون موجبا للخيار الرّابعة الإقدام على ما لا يتسامح فبان أزيد بما لا يتسامح و الأقوى فيها ثبوت الخيار أمّا بناء على قاعدة لا ضرر فواضح و أمّا بناء على تخلّف الشّرط فقد يتوهّم أنّ من أقدم على ما لا يتسامح فكأنّه أسقط شرط التّساوي فلا موجب آخر للخيار و لكنّه فاسد لأنّ مقدار التفاوت و له مراتب فقد يسقط المغبون جميعها و قد يسقط بعضها فلو أسقط مقدارا خاصّا فلا وجه لسقوط الخيار رأسا

قوله قدس سره ثم إنّ المعتبر القيمة حال العقد إلى آخره

الكلام في المقام قد يقع بناء على كون مدرك الخيار قاعدة لا ضرر أو بناء على كون المدرك تخلّف الشرط الضّمني

ثم بناء على كونه تخلّف الشّرط فقد يتكلّم بناء على أن يكون مرجع الاشتراط مطلقا صريحا كان أو ضمنيّا إلى اشتراط كون المبيع حال العقد متّصفا بكذا أو بناء على أن يكون الاشتراط راجعا إلى اشتراط تسليم ما هو متّصف بكذا فلو كان الشّرط في قوّة اشتراط كون المبيع حال العقد متّصفا بكذا لو قلنا بصحته و عدم رجوعه إلى اشتراط ما لا يدخل في مقدوره فمقتضى تخلّف الشرط حال العقد ثبوت الخيار و لو وجد بعد العقد قبل القبض فضلا عمّا إذا وجد بعد القبض قبل العلم أو بعد القبض و العلم قبل الردّ لأنّ الزيادة الحاصلة بعد العقد إنّما حصلت في ملك المغبون و المعاملة وقعت على الغبن

و لو كان الشّرط راجعا إلى تسليمه

ص: 64

مع الوصف فالحقّ سقوط الخيار مطلقا كما عليه العلّامة قدس سره في قوله مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الردّ سقط الرّدّ و توضيح ذلك أنّه لو حصل الشّرط بعد العقد فتارة يحصل بعد العقد و قبل القبض و أخرى بعد القبض و قبل العلم و ثالثة بعد العلم و قبل الرّدّ

ثم إن حصوله قد يكون بفعل المشروط له و قد يكون بفعل المشروط عليه أو الأجنبي أو بقدرة اللّٰه سبحانه فلو حصل بفعل المشروط له قبل القبض أو بعده فلا يخرج ذمّة المشروط عليه من عهدة الشّرط لأنّه قد حصل في ملك المشروط له بفعله فلا وجه لبراءة ذمّة المشروط عليه فالتّعليل الّذي ذكره المصنف قدس سره من قوله لأنّ الزّيادة إنّما حصلت في ملكه يتمّ في هذه الصّورة و أمّا لو حصل بفعل المشروط عليه أو بفعل الأجنبيّ المتبرّع أو بقدرة اللّٰه سبحانه قبل القبض فلا إشكال في عدم الخيار للمشروط له

أمّا لو كان الأثر من فعل المشروط عليه فلأنّ فعله محترم شرعا فأثر فعله من أملاكه فليس عليه شي ء بعد الوفاء بالشّرط و أمّا لو كان من قدرة اللّٰه سبحانه أو من أجنبيّ متبرّع للمشروط عليه فسقوط الخيار أو عدم ثبوته يتوقّف على مقدّمتين الأولى أن لا يكون معنى الاشتراط إيجاد المشروط عليه هذا الشرط بنفسه بل يكون مرجعه إلى تسليم المبيع متّصفا به الثّانية أن لا يكون حصوله في ملك المشروط له منافيا لما التزم به المشروط عليه لأنّ سمن الدابّة مثلا و إن كان تابعا لملك الدابّة إلّا أن تبعيّته في الملك إنّما هو بعد تحقّقه لأنّ الملكيّة متأخّرة رتبة عن التحقّق و الشّرط يحصل في رتبة التحقّق

و بعبارة أخرى الوفاء بالشّرط إنّما يكون بحصوله فلا ينافي وقوعه في ملك المشروط له حصوله و أمّا لو حصل الشّرط بعد القبض قبل العلم بتخلّف الشرط فحكمه أيضا سقوط الخيار بضمّ مقدمة ثالثة و هي أنّ الاشتراط ليس معناه تسليم الشّرط مع العين المشروط فيها بل معنى الشّرط أن يكون المبيع موصوفا بالوصف بحيث لو أمكن إيجاد الوصف بدون وجود الموصوف أصلا برأ ذمة المشروط عليه فالمشروط له يملك على المشروط عليه أمرين المبيع و الشّرط فلو سلمهما إليه برأ من عهدة ضمانه و لو كان الموجد للشّرط هو اللّٰه سبحانه لأنّ حصوله بإيجاده سبحانه في معنى حصوله قهرا

و من هنا ظهر حكم الصّورة الثّالثة و هي حصول الشّرط بعد العلم سواء قلنا بأنّ العلم سبب للخيار أو كاشف و ذلك لأنّ الخيار لا يكون حدوثه كافيا في بقائه دائما بل تابع حدوثا و بقاء لانتفاء الشّرط فإذا حصل الشّرط ارتفع

ثم إنّ هذا كلّه لو كان المدرك تخلّف الشرط و أمّا لو كان قاعدة لا ضرر فحكم الصّور الثّلاث أظهر كما أشار إليه المصنف بقوله لأنّ التّدارك حصل قبل الرّدّ فلا يثبت الخيار المشروع لتدارك الضّرر لأنّه دائر مدار الضّرر فإذا ارتفع قبل الفسخ ارتفع الخيار

قوله قدس سره و أشكل منه ما لو توقّف الملك على القبض إلى آخره

يعني احتمال عدم الخيار في الصّرف و السّلم أظهر فيما إذا حصل الشرط بعد العقد و قبل القبض

و لكن قد عرفت أنّ الحقّ في جميع المعاملات ارتفاع الخيار بحصول الشّرط بعد العقد و لو بعد العلم فضلا عمّا قبله و فضلا عمّا قبل القبض و قد عرفت في خيار المجلس أنّه لو لم يكن القبض واجبا في البيع الّذي تتوقّف صحّته أو حصول الملكيّة فيه على القبض لا معنى للخيار أصلا و لو التفت إلى فقدان الشّرط ففي المقام إذا كان حال العقد مغبونا و ارتفع الغبن قبل القبض فبناء على عدم وجوب الإقباض لا موقع للخيار و بناء على وجوبه كما هو الحقّ فللخيار وجه

و لكنّك قد عرفت أنّه إذا ارتفع الغبن قبل القبض ثمّ أقبض بعد اطّلاعه على الغبن يرتفع الخيار و أمّا لو ارتفع

ص: 65

بعد القبض و قبل العلم أو ارتفع بعد العلم و قبل الرّدّ فحكم هذه المعاملة حكم سائر المعاملات لأنّ مدخليّة القبض في الصّحّة أو الملكيّة و عدم مدخليّته لا توجب تفاوتا في الحكم بعد تحقّق القبض و نظر المصنف قدس سره أيضا إلى ارتفاع الغبن قبل القبض مع حصول الاطلاع عليه أيضا قبل القبض

و بالجملة الفرق بين هذه المعاملة و غيرها يظهر في ارتفاع الغبن قبل القبض مع علم المغبون به قبله لأنّه إذا اطلع على الغبن قبل القبض فلو لم يكن القبض واجبا عليه لم يتحقّق له داع إلى الإقباض و لا موضوع للخيار و لو كان واجبا عليه فحيث إنّ وجوب إقباض الزائد في مقابلة النّاقص ضرر عليه فللخيار محلّ فإذا ارتفع الغبن بين العقد و الإقباض فسقوط الخيار في هذه المعاملة أظهر من غيرها لأنّ الملك قد انتقل إليه من دون نقص بخلاف سائر المعاملات لأنّ الملك انتقل فيها إليه مع النّقص و أمّا ارتفاع الغبن بعد القبض أو قبله مع الاطلاع عليه بعد القبض فلا فرق فيه بين هذه المعاملة و غيرها

قوله قدس سره و لو ثبت الزيادة أو النّقيصة بعد العقد فلا عبرة بهما إجماعا إلى آخره

يعني أنّ المدار في الخيار على الغبن الحاصل حال العقد فلو كان المال مساويا للآخر حاله ثم زاد أو نقص بعده فلا اعتبار به فالغبن الحاصل بعد العقد و لو حصل قبل القبض لا يوجب خيارا

إن قلت إذا كان المدار في الخيار على الغبن الحاصل حين العقد فليكن سائر الشرائط كذلك و لازمه أنّه إذا كان المبيع صحيحا حال العقد و صار معيبا بعده قبل القبض لم يكن موجبا للخيار و لازمه أيضا أن حصول الشّرط بعد العقد مع عدمه حينه غير موجب لسقوط الخيار و إلّا يلزم أن يكون الغبن قبل القبض و لو بعد العقد موجبا للخيار قلت المدار في ثبوت الخيار فقدان الشّرط من حين العقد مستمرا إلى زمان إعمال الخيار فيجب أن يكون الشّرط مفقودا من حين العقد و ثبوت الخيار في العيب الحاصل بعد العقد قبل القبض إنّما هو لقاعدة تلف المبيع قبل قبضه فإنّها تشمل أيضا تلف الأوصاف و لا تشمل ارتفاع القيمة السّوقيّة أو نقصانها بعد العقد

و بالجملة العبرة في شرط التساوي الموجب للخيار هو وجوده حال العقد إلى زمان الفسخ فلا عبرة بما يحدث بعد العقد و هذا لا ينافي ما ذكرناه من أنّ موجب الخيار إذا زال بعد العقد قبل الفسخ يرتفع الخيار

قوله قدس سره ثم إنّه لا عبرة بعلم الوكيل في مجرّد العقد إلى آخره

لا إشكال في أنّ الوكيل في مجرّد العقد لا عبرة بإقدامه على الغبن و عدمه فضلا عن علمه و جهله نعم الوكيل المفوض حتّى في المعاملات المحاباتيّة لو علم بالغبن فلا خيار له لأنّه لا تشمله أدلّة الضرر و لا الدّليل الدالّ على أنّ تخلّف الشرط موجب للخيار كما تقدم وجهه و في هذه الصورة لا خيار للموكل أيضا و لو كان جاهلا بالغبن فضلا عمّا إذا كان عالما كما أنّه لا إشكال في أنّ مع جهلهما يثبت الخيار إنّما الكلام فيما لو كان الوكيل جاهلا و الموكل عالما و هذا على قسمين فتارة مع علمه بالغبن جاهل بأنّ الوكيل عالم به و أخرى يعلم بأنّه جاهل

و يظهر من المصنف عدم ثبوت الخيار في كلتا الصّورتين مع أنّ الأقوى في الصّورتين خصوصا في الأولى ثبوت الخيار لأنّ مجرّد علم الموكل بالغبن لا يوجب عدم ثبوت الخيار لأنّ العلم إنّما اعتبر طريقا و أمارة على الإقدام و مجرّد عدم الرّدع مع العلم ليس دليلا على الإقدام بالغبن إذ لعلّه من جهة ثبوت الخيار للوكيل الجاهل بالغبن لا يردعه عن المعاملة لجهة عقلائية داعية له إلى المعاملة فعلا مع إعمال الخيار بعد ذلك

ثم إنّه إذا ثبت الخيار للوكيل فهل هو

ص: 66

للموكل أيضا أو مخصوص بالوكيل وجهان و قد مرّ في خيار المجلس تفصيل ذلك

قوله قدس سره لأصالة عدم العلم الحاكمة على أصالة اللّزوم إلى آخره

لا يخفى أنّه لا وجه لإجراء أصالة عدم العلم لأنّ العلم بالقيمة و عدمه ليس موضوعا بل الموضوع هو الإقدام و عدمه فلا مانع من إجراء أصالة عدم الإقدام مع أنّ الإقدام بنفسه أمر مسبوق بالعدم و ليس نعتا للعقد هذا مع أنّ جعل المغبون مدّعيا مع مطابقة قوله لأصالة عدم العلم ينافي ما جعلوه ضابطا للمدّعي و المنكر و على هذا فلا وجه لإدراجه فيمن يتعسّر إقامة البيّنة عليه فإنّه كان كذلك أو لم يكن مع مطابقة قوله للأصل لا يطالب بالبيّنة

و بالجملة من يقبل قوله بيمينه و لو كان مدّعيا هو من ادّعى شيئا لا يعلم إلّا من قبله مع كون المدّعى به مخالفا للأصل و أمّا لو كان مطابقا للأصل فليس من مصاديقه

و على أيّ حال يختصّ بمن لا يعلم إلّا من قبله لا بمن تعسّر عليه إقامة البيّنة و إلّا يلزم أنّ من تعسّر عليه إقامة البيّنة يقبل قوله بيمينه و لم يلتزم به أحد و محصّل الكلام أنّ ظاهر العنوان أنّ الغابن منكر و المغبون مدّع و لذا قال بأنّ الجهل يثبت باعتراف الغابن و بالبيّنة و واضح أنّ البيّنة هنا بيّنة المدّعي لا بيّنة المنكر لرفع اليمين على القول به و جعل المغبون مدّعيا ينافي مطابقة قوله للأصل المعوّل عليه لو لا الدعوى

ثمّ على فرض جعله مدّعيا لا معنى لسماع دعواه مع اليمين بمجرّد تعسّر إقامة البيّنة عليه لأنّ يمين المدّعي إنّما يعتبر في موارد خاصّة و هو اليمين المردودة و الّتي تكون جزء البيّنة و يمين الاستظهار و أمّا يمينه مع تعسّر إقامة البيّنة عليه فلا دليل على اعتباره

ثمّ إنّه لا وجه لقبول يمين المدعي بمجرّد عدم إمكان حلف المنكر و هو الغابن لإمكان فصل الخصومة بالصّلح و نحوه هذا مع أن بحث القوم و موضوع عنوانهم ما إذا كان الغبن معلوما و الغابن يدّعي علم المغبون و المغبون ينكره

و على هذا فلا معنى لقوله قدس سره و لا يمكن للغابن الحلف على علمه لجهله بالحال لأنّ المدّعي لا بدّ أن يدّعي على خلاف مقتضى الأصل

قوله قدس سره و قد يشكل بأنّ هذا إنّما يوجب عدم إلى آخره

لا يخفى ما فيه أمّا أوّلا فلأنّ مجرّد مخالفة قوله للظّاهر لا يوجب أن يجعل مدّعيا إلّا إذا كان الظّاهر حجّة و أمّا لو لم يكن حجّة فلا اعتبار به أصلا و ثانيا أنّه ليس مقصود جامع المقاصد و المسالك من قولهما إنّ المغبون لو كان من أهل الخبرة لا يسمع دعواه هو جهة مخالفته للظّاهر حتّى يشكل عليهما بما أشكله قدس سره بل مقصودهما أنّه من شرط سماع الدعوى أن يكون الاحتمال الّذي يدّعيه المدعي في مقابل الأصل عقلائيا و عاديا لا مجرّد كونه عقليا مثلا إذا ادّعى المعدم الفقير على غنيّ فصّا بقيمة عشرة آلاف ليرة لا يسمع دعواه و ثالثا لو قلنا إن كلّ ما لا يعلم إلّا من قبل المدعي يقبل مع اليمين فهذه القاعدة تكون حاكمة على جميع الأصول و الظّواهر فمن يدّعي ما لا يعلم إلّا من قبله يكون منكرا لأنّ قوله مطابق لما هو الأصل في المسألة لا أنّه مدع و يقبل قوله

و رابعا على فرض أن يكون هذا مدّعيا لأن قوله يخالف الظّاهر الّذي هو حجّة فلا وجه لقوله إلّا أن يقال إنّ معنى تقديم الظّاهر جعل مدعيه مقبول القول بيمينه لا جعل مخالفه مدّعيا يجري عليه جميع أحكام المدعي إلى آخره لأنّه لو كان مدّعيا يجري عليه جميع أحكام المدّعي كما أن قول من يوافق الظّاهر الّذي هو حجّة يجري عليه جميع آثار المنكر

قوله قدس سره و لو اختلفا في القيمة وقت العقد إلى آخره

لا يخفى أن عبارته و إن لم تكن وافية بالمرام إلّا أنّ المقصود واضح و محلّ النّزاع

ص: 67

ثبوت الغبن و عدمه و لا شبهة أيضا أنّ استصحاب اللّزوم يجري في جميع الصّور إنّما الكلام في جريان الأصل الموضوعي الحاكم على أصالة اللّزوم

فنقول تارة يقع الاختلاف في القيمة حال العقد مع اتفاقهما على قيمة الفعليّة مثلا البائع يدّعي أنّ المبيع حال العقد يسوي عشرة و تنزّلت قيمته فكون قيمته فعلا ثمانية الّتي تطابق الثّمن الّذي وقع العقد عليه لا يخرجه عن الغبن و المشتري يدّعي أنّ قيمته حال العقد ثمانية فلا غبن فأصالة عدم التّغيير مضافا إلى أنّ التّغيير ليس بنفسه أمرا مسبوقا بالعدم و مضافا إلى أنّ الاستصحاب قهقريّ لا تفيد للمغبون لأنّها تنتج عدم الغبن فلو جرت فهي مطابقة لأصالة اللّزوم و لكن الحقّ عدم جريانها لما ظهر في محلّه أنّ الاستصحاب القهقرائي ليس بحجة مع أنّه مثبت لأنّ الأثر لم يرتّب على هذا الأمر الانتزاعي بل رتّب على منشإ انتزاعه و هو عدم التّساوي حال العقد

و أخرى يقع الاختلاف في القيمة حال العقد مع اتّفاقهما على قيمته سابقا كما لو كان قيمة المبيع قبل العقد عشرة و بيع بثمانية فيدعي من يدعي الغبن بأنّ قيمته حين العقد كانت كقيمته قبله و منكر الغبن يدعي التنزّل و أنّ المبيع حين العقد قيمته ثمانية فأصالة عدم التّغيير لو جرت كانت مثبتة للخيار و مخالفة لأصالة اللّزوم و ثالثة يقع الاختلاف في القيمة بعد العقد مع اتّفاقهما على موافقة قيمته حال العقد و قيمته الفعليّة فإذا بيع بثمانية و يدّعي مدع الغبن أنّ قيمته حال العقد عشرة و الآن كذلك أيضا و المنكر يدعي أنّ قيمته فعلا ثمانية فتطابق مع قيمته حال العقد فالشكّ هنا ليس في التّغيير مع الاختلاف في الغبن و عدمه

إذا عرفت ذلك ظهر ما في كلام المصنف قدّس سرّه من جعله أصالة عدم التّغيير رديفا لأصالة اللّزوم لأنّها لو جرت ففي صورة واحدة تطابق أصالة اللّزوم لا مطلقا

[الأمر الثّاني كون التّفاوت فاحشا]

قوله قدّس سرّه الأمر الثّاني كون التّفاوت فاحشا فالواحد إلى آخره

لا يخفى أنّ ما يتسامح فيه في المعاملة قد يكون قليلا جدا بحيث لا يصدق عليه الضّرر و هذا خارج عن موضوع البحث في المقام لأنّ الكلام سيق لما إذا كانت المعاملة ضرريّة فتارة يكون الضّرر ممّا يتسامح فيه و أخرى ما لا يتسامح

ثمّ إنّه من المعلوم أنّ المدار في التّسامح و عدمه على اختلاف المعاملات فيختلف الضّرر أيضا باختلافها فإذا لم يكن الضّرر الخاص ممّا يتسامح فيه في المعاملة الكذائيّة فلا إشكال في ثبوت الخيار و إذا كان ممّا يتسامح فلا خيار سواء كان مدركه تخلّف الشّرط الضّمني بنفسه من دون جعل تخلّفه مقدّمة لقاعدة الضّرر أو لكون تخلّفه موجبا للضّرر أو لنفس قاعدة الضّرر لأنّ مع التّسامح لا يتحقّق الشّرط الضّمني و لا تجري قاعدة نفي الضّرر أيضا لكونها واردة في مقام الامتنان فلا تشمل ما إذا كان بناء المتعاملين على الإقدام على الضّرر و إنّما الإشكال في الشكّ في أنّه ممّا يتسامح أولا

فإذا كان مدرك الخيار نفس قاعدة الضّرر فالشكّ إذا رجع إلى الشكّ في المصداق لا يمكن التمسّك بقاعدة الضّرر لأنّ التّخصيص و إن كان لبيّا لا لفظيّا إلّا أنّ الخارج لو كان عنوانا كليّا كخروج يد المحسن عن قاعدة على اليد يكون اللّبي كاللّفظي في عدم جواز التمسّك بعموم العام في الشبهة المصداقيّة

فلا يقاس على جواز لعن المشكوك إيمانه من بني أميّة تمسّكا بعموم لعن اللّٰه بني أميّة قاطبة لكون التّخصيص فيه أفراديا كما بيّنا وجهه في الأصول و لكن الشكّ في المقام راجع إلى المفهوم لأنّ

ص: 68

الشّبهة المصداقيّة ما كان المقدار المتسامح فيه الخارج عن عموم لا ضرر معلوما كالعشرة و الباقي تحت العموم معلوما كالخمسة و شكّ في أنّ الغبن في هذه المعاملة عشرة أو خمسة و في المقام نفس القدر المتسامح فيه مشكوك مفهوما لدورانه بين الأقلّ و الأكثر فالمرجع هو عموم قاعدة لا ضرر و أمّا إذا كان مدرك الخيار تخلّف الشّرط إمّا بنفسه أو بضميمة لا ضرر فالمرجع هو قاعدة اللزوم المستفادة من العمومات

[بقي هنا شي ء]

قوله قدّس سرّه بقي هنا شي ء إلى آخره

لا يخفى أنّ قاعدة لا ضرر و لا حرج في مقام حكومتها على أدلّة الأحكام يراعى فيهما الضّرر و الحرج الشّخصي لا النّوعي نعم إذا كانا حكمة لتشريع الحكم كطهارة الحديد و ثبوت الشفعة فالمدار على النّوعي بل على الاتّفاقيّ منهما و لو لم يكن نوعيا كجعل العدّة لعدم اختلاط المياه و لا فرق في رعاية الشّخصيّ منهما بين الحكم التّكليفي و الوضعيّ

إذا عرفت ذلك فنقول شراء ماء الوضوء لمن لا يضرّ به و عدم شرائه لمن يضرّ به تارة يفرض فيما إذا كان قيمة الماء في محلّ الشّراء أضعاف قيمته في غير هذا المحلّ كالماء في المفازة في شدّة الهجير و أخرى فيما إذا لم يكن قيمته إلا كقيمته في سائر الأزمنة و الأمكنة ففي الأوّل نفس المعاملة ليست ضرريّة لأنّ ذلك قيمة الماء فيجب شراؤه على من يتمكّن منه لأنّه واجد للماء و متمكن عن إيجاده و إنّما لم يجب على من لا يتمكّن من شرائه لأنّ إيجاب الوضوء على هذا الشخص ضرريّ لا لزوم المعاملة و لذا لو اشترى هذا المفلس هذا الماء بهذا المقدار لا خيار له في المعاملة و في الثّاني لم يعلم من الأصحاب فتوى بوجوب الشّراء و لو للتمكّن لأنّ نفس المعاملة ضرريّة إلّا أن يتمسّك بدليل النصّ

و بالجملة في جميع الأبواب المدار على الضّرر الشّخصي و الغبن في المعاملة بمقدار الثّلاث ضرر على كلّ شخص و لو كان ذا ثروة و مال و بمقدار نصف العشر ليس ضرريا و لو للمعدم المفلس و شراء ماء الوضوء لو كان قيمة الماء كثيرة و لم يقع الغبن في المعاملة لا يكون ضرريّا حتى يقال شخصيّ أو نوعي و إذا وقع الغبن فيها فالمدار على أنه ممّا يتسامح أو لا يتسامح

نعم قد يكون شراء الماء للمعدم حرجيّا و لو لم تكن المعاملة ضرريّة كما إذا كان قيمة الماء في المفازة بمقدار ما اشتراه به فإذا كان حرجيا فإيجاب الوضوء عليه حرجيّ باعتبار مقدّمته

[مسألة ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي]

قوله قدّس سرّه مسألة ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي إلى آخره

لا يخفى أنّ الخيار حق واقعيّ سواء قلنا بأنّ مدركه تخلّف الشّرط الضّمني مطلقا أو من جهة الضّرر أم قلنا بأنّ مدركه قاعدة لا ضرر من دون أن يكون التّساوي شرطا بل كان داعيا أو شرطا بنائيا غير مذكور في العقد فلا يدور مدار العلم بالغبن بل العلم به كاشف عقليّ لأن معنى الخيار أنّ ملك الالتزام بيد نفس الملتزم فإذا كان منشأ الخيار اشتراط التساوي فتخلّفه من حين العقد موجب لعدم التزام المغبون بما التزم به فيرجع اشتراط التّساوي إلى الخيار الجعليّ من حين تخلّف التّساوي و هكذا إذا كان منشأ الخيار قاعدة لا ضرر لأنّه يرجع مفادها إلى جعل الشّارع الخيار للمتضرّر و معلوم أنّه متضرّر حين العقد فلا بدّ أن يكون لزومه مرتفعا من حين وقوعه لا من حين العلم بالضّرر لما ذكرناه في قاعدة لا ضرر أنّ الضّرر الواقعيّ رافع للأحكام الوضعيّة لا المعلوم لأنّ الضّرر هنا لا يستند إلى الجهل بل إلى اللّزوم لأنّ الجهل به لا يوجب إلّا صدور المعاملة من المغبون و نفس صدورها ليس ضرريا بل الضّرر يتحقّق بعد تحقّق المعاملة إذا كانت لازمة

فلا يقاس المقام على الأحكام التّكليفيّة

ص: 69

حيث تقدم أنّ العلم بالضّرر له دخل في رفع الحكم و هذا بخلاف الوضعيات فإنّ الضّرر مستند إلى الجعل الشّرعي و هو لزوم العقد و لا دخل للعلم و الجهل فيه

نعم يكون العلم كاشفا عقليا و قد يتوقف إعمال الخيار على العلم به كما إذا قيل بأنّ التصرّف مسقط للخيار لكشفه عن الرّضا الفعلي لا لكونه مسقطا تعبّديا و لا لكونه مصداقا للمسقط بالحمل الشّائع الصّناعي فإن كاشفيّته عن الرضا الفعلي موقوف على العلم بالخيار

و ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام المصنف من قوله و توضيح ذلك أنّه إن أريد بالخيار السّلطنة إلى آخره فإنّ الخيار كما عرفت هو ملك الالتزام و هو حق واقعيّ شرعيا كان أو جعليا و من آثاره السّلطنة لا أنّه نفس السّلطنة و توقف إعمال الحق في بعض المقامات على العلم به لا يوجب أن يكون الخيار مردّدا بين الأمرين

ثم إنّ الآثار المجعولة للخيار بأجمعها تترتّب على نفس الحقّ الواقعي لا أن بعضها مترتب على العلم و بعضها على واقعه و بعضها مردّد بين الأمرين لما عرفت من أنّ تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة إذا كان كاشفا عن الرّضا و مع عدم العلم بالحقّ لا يكشف عن الرّضا و هذا بخلاف ما لو قلنا بأنه مسقط تعبّدي فإنه يكون مسقطا و لو لم يعلم بالخيار

[يسقط هذا الخيار بأمور]
[أحدها إسقاطه بعد العقد]

قوله قدّس سرّه مسألة يسقط هذا الخيار بأمور إلى آخره

لا يخفى أنّ محلّ البحث تارة يقع في إسقاط الخيار بلا عوض بعد العلم بالغبن و أخرى في المصالحة عنه بالعوض فلو كان بلا عوض فلو أسقط مرتبة خاصّة و ظهر الغبن الواقعي مخالفا لما أسقطه فلا وجه لسقوطه لأنّ ما هو الواقع لم يقصد و ما قصد لم يقع و أمّا لو كان مطابقا لما أسقطه فلا إشكال في سقوطه كما أنّه لو كان جاهلا بمرتبة و لكن احتمل بلوغه إلى مائة دينار مثلا فأسقطه بالغا ما بلغ و ظهر الغبن بأقلّ من مائة أو بمقدار مائة فلا إشكال في سقوطه أيضا

و إنّما الإشكال في موردين آخرين أحدهما ما لو أسقطه بزعم أنّه عشرة فتبيّن كونه مائة و الثّاني ما لو أسقطه بالغا ما بلغ و لكن لم يحتمل بلوغه إلى مائة بل تخيّل أنّ غايته خمسين فظهر كونه مائة ففي السّقوط وجهان قد يقال إنّ مبنى الوجهين أنّ اعتقاد مرتبة من الغبن أو احتماله لو كان من قبيل الدّاعي فتخلّفه لا يضرّ بسقوط خيار الغبن بلغ ما بلغ و أمّا لو كان من قبيل التّقييد فلا

و لا يخفى أنّ المقام ليس من موارد دوران الأمر بين الدّاعي و التّقييد كالوجوب و الأداء مثلا في باب العبادات لأنّ المدار في المعاملات صحّة و فسادا على تخلّف الوصف أو العنوان أي الصّورة النّوعيّة فتخلّف العنوان يوجب البطلان و لو ذكر بنحو الشّرط كقوله بعتك هذا إن كان حمارا و أمّا تخلّف الأوصاف و القيم فلا يوجب الفساد و لو جعلهما عنوانا للمبيع كقوله بعتك هذا الكاتب أو هذا الّذي قيمته كذا نعم لو جعلهما قيدا للموضوع بطل العقد من جهة التّعليق لا من جهة تخلّف القيد

و بالجملة الأوصاف أو القيم لا يتردّد أمرها بين القيديّة و الدّاعويّة بل هي إلى الدّواعي أقرب كما أنّ العناوين ليست مردّدة بينهما بل هي من قبيل القيديّة إذا عرفت ذلك فإسقاط ما احتمله أو اعتقده من مرتبة الغبن لو كان موجبا لتقييد الإسقاط بتلك المرتبة نظير تقييد المبيع بالصّورة النوعيّة لكان لعدم سقوط الخيار عند تبيّن زيادة الغبن عما احتمله أو اعتقده وجه إلّا أنّه لا يمكن التّقييد في المقام لأنّ الخيار أمر واحد بسيط ليس ذا مراتب و لا يقبل التأكّد و في المقام لا يقبل التخصّص بسبب دون سبب كما في اجتماع خيار المجلس و الحيوان مثلا لأنّ التخصّص فرع اختلاف الأسباب و في المقام للخيار بسبب واحد لأنّ مائة دينار مرتبة واحدة من الغبن و ليس إسقاط الخيار كإسقاط الدين باعتقاد أنه عشرة

ص: 70

فتبيّن كونه مائة لأن دوران الدّين بين الأقلّ و الأكثر و اشتغال الذمّة بديون متفاوتة موجب لسقوط ما أسقطه دون الزّائد و هذا بخلاف مرتبة واحدة من الغبن فإنّ في هذه المعاملة الخاصّة ليس سبب الخيار إلّا هذه المرتبة الّتي هي إحدى مراتب الاختلاف و ليست مركّبة من مراتب طوليّة

و بالجملة إذا لم يكن سبب الخيار إلّا أمرا واحدا و لم يكن نفس المسبّب إلّا أمرا بسيطا فليس اعتقاد مرتبة إلّا من قبيل الدّاعي بحيث لو قيّد الإسقاط بهذه المرتبة لبطل من جهة التّعليق في المنشإ فبدون إرجاعه إلى تقييد المنشإ لا وجه لبطلانه و مقتضاه سقوط الخيار هذا كلّه فيما لو أسقطه بلا عوض

و أمّا إسقاطه بالعوض أي المصالحة عنه بالعوض فحكم الصّور الثلاث الأول حكم الإسقاط بلا عوض و أمّا الصّورتين الأخيرتين و هما ما لو صالح عنه بزعم أنّه عشرة فتبيّن كونه مائة و ما لو أسقطا الغبن بالغا ما بلغ مع اعتقاده بأنّه خمسون فتبيّن كونه مائة فالمحتملات ثلاثة صحّة الصّلح مع الخيار للغبن في المصالحة و الفساد و الصّحة بلا خيار و قد ذكر المصنف وجه الجميع في المتن و لكنّه لا يخفى أنّه لو صالح خيار الغبن بالغا ما بلغ يكون الصّلح مبنيا على المحاباة فلا يجري فيه خيار الغبن

قوله قدّس سرّه و أمّا إسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن إلى آخره

لو قلنا بأنّ ظهور الغبن كاشف عقليّ فلا إشكال في سقوطه على جميع المدارك و أمّا لو قلنا بأنّه شرط شرعيّ فبناء على كون المدرك النّص الوارد في تلقّي الركبان أو الإجماع فتارة يسقطه على تقدير ظهور الغبن و معلّقا فيكون من التّعليق في المنشإ إلّا أنّه لا إشكال فيه لما ظهر في محلّه من أنّ الشرط لو كان لفرض وجود الموضوع يخرج عن التّعليق و التّقييد و أخرى يسقطه فعلا و منجزا فيكون من إسقاط ما لم يجب و الجواب عنه بأن مع تحقّق المقتضي يخرج من إسقاط ما لم يجب غير صحيح كما بيّناه في خيار المجلس و محصّله أن بطلان إسقاط ما لم يجب حكم عقليّ غير قابل للتّخصيص لأنّه من مصاديق وهب الأمير ما لا يملك و بمجرّد حصول المقتضي مع عدم تحقّق الجزء الآخر لعلّه لا يمكن ترتّب المقتضى بالفتح عليه و لا يقاس إسقاطه بعد العقد على إسقاطه في متن العقد فإنّه يرجع إلى الدّفع لا الرّفع لأنّ العقد يقتضي الخيار لو خلي و طبعه أي إطلاق العقد يقتضي التّساوي و السّلامة عن العيوب أمّا لو التزم بعدم التّساوي و بالبراءة عن العيوب فلا مقتضى للخيار أصلا

و أمّا مسألة إبراء المالك الودعي المفرط عن الضّمان فلا ربط له بالمقام لأنّ الإبراء قبل التّفريط يرجع إلى إذن المالك الودعي في وضع المال في غير المخزن فيرجع إلى الإذن في التّفريط لا إلى إسقاط الضّمان بعد التفريط و إلّا لا يسقط كما في المقام و أمّا إسقاطه بعد التفريط كما هو ظاهر العبارة فليس إسقاطا لما لم يجب لأنّ المال بمجرد التّفريط يدخل في ضمان المفرط و اعتبار التّلف إنّما هو لاعتبار قيمة المال يوم التّلف لا لتحقّق الضّمان في ذلك الزمان فتأمّل كما أنّ البراءة عن العيوب لو تحقّقت في متن العقد فترجع إلى الدّفع و لو تحققت بعد العقد قبل ظهور العيب مع كون ظهوره شرطا للخيار فالكلام الكلام

و بالجملة مجرّد تحقّق المقتضي للخيار لا يخرج إسقاط الخيار عن إسقاط ما لم يجب لو كان مدركه النصّ و الإجماع

نعم لو كان مدركه تخلّف الشّرط أو قاعدة الضّرر يمكن إسقاطه و لو كان الخيار متوقّفا على العلم بالغبن لما عرفت في خيار الشّرط من أنّه لو شرط الخيار بعد سنة بحيث كان مبدؤه رأس السّنة فهو قبل تمام السّنة و إن لم يكن ذا خيار

ص: 71

إلّا أنّه مالك للشرط فله إسقاط شرطه و يذهب به موضوع الخيار ففي المقام أيضا له الالتزام بغير المساوي أو الإقدام به

نعم في متن العقد حكم إسقاطه حكم إسقاط خيار المجلس من أنّ إسقاط الحق في محلّ ثبوته ليس من إسقاط ما لم يجب فيكون الإسقاط راجعا إلى دفع الحقّ لأنّه قد رضي بعدم التّساوي و الضّرر

و بالجملة العقود اللّفظيّة متضمّنة للالتزام العقدي و لا شبهة أن محلّ الالتزام نفس العقد فلكلّ من المتعاقدين أن يلتزم بمدلول العقد و يذهب موضوع الخيار فلا فرق بناء على هذا بين إسقاط الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن و إسقاطه في متن العقد لأنّ في الأوّل من قبيل إسقاط الشرط و في الثاني من التزام العاقد بما أنشأه و لا شبهة أنّه لصاحب الالتزام أن يتصرّف فعلا فيما هو تحت سلطانه

[الثاني من المسقطات اشتراط سقوط الخيار في متن العقد]

قوله قدّس سرّه نعم هنا وجه آخر للمنع يختصّ بهذا الخيار و خيار الرّؤية إلى آخره

محصّل الإشكال أنّ إسقاط الخيار في متن العقد يوجب الغرر أمّا في خيار الرّؤية فلأنّ بيع العين الغائبة لا يصحّ إلّا بذكر الأوصاف الّتي بها تختلف ماليّة المال و مرجع إسقاط الخيار إلى اشتراء المال بأيّ وصف كان و هذا غرريّ لأنّ الأوصاف لها دخل في الماليّة فمقدار الماليّة من هذا المبيع غير معلوم و أمّا في خيار الغبن فكذلك فإن اعتبار ذكر أوصاف المبيع ليس إلّا لأجل العلم بمقدار ماليّته فإذا كان الجهل بالمبيع أو بالصّفة راجعا إلى الجهل بالماليّة فإسقاط خيار الغبن أيضا يرجع إلى الجهل بمقدار ماليّة المال فيلزم الغرر و فيه أوّلا النّقض بالمعاملة المحاباتية فإنّها تصحّ بلا شبهة و لا فرق فيها بين العلم بمقدار الماليّة و المعاملة بالنقص منها أو أزيد و بين الشكّ فيه

و بالجملة لا إشكال في أنّه يصحّ أن يبيع ما لم يعلم قيمته السوقيّة بمقدار معيّن من المال و ثانيا بالحلّ و هو أنّ المعاملة مع الجهل بالقيمة السّوقيّة ليست غرريّة فإن الغرر يرجع إلى الجهل بالعوضين أو إلى الجهل بصفاتهما الرّاجعة إلى التفاوت في الماليّة للفرق بين عدم العلم بأنّ المبيع حنطة أو شعير أو أنّ الحنطة متّصفة بكذا أو كذا و بين عدم العلم بأنّ الحنطة الكذائيّة بأيّ مقدار تشتري في السّوق ففي الأولين ماليّة المال مشكوكة و في الأخير ماليّته معلومة عند المتبايعين و مشكوكة في أنّ غيرهما يشتريه بهذا المقدار أو أزيد أو أنقص

و بالجملة حكم الغبن حكم العيب و لا شبهة في صحّة البراءة من العيوب و منشأ ذلك أنّ أصالة السّلامة أو اشتراط التّساوي في الماليّة ليس مصحّحا للبيع حتى بإسقاطهما يفسد بل هما من الشّروط الضّمنية الّتي يوجب تخلّفهما الخيار فإذا بنى العاقد على الشراء و لو كان معيبا أو و لو لم يسو بما اشتراه فيسقط شرطه و هذا بخلاف الأوصاف الّتي بها تختلف القيمة في العين الغائبة فإن اعتبارها مصحّح للبيع فلا يمكن إسقاطها فإنّه يناقض اعتبارها فلا يصحّ قياس إسقاط خيار الغبن على خيار الرّؤية بل الصواب فيه أن يقاس على خيار العيب فكما أن وصف الصحّة ليس من الأمور الّتي بسبب اعتبارها يصحّ العقد و يخرج البيع عن الغرر لأنّ البيع ليس غرريّا كان الأصل في الأشياء هو السّلامة أو العيب فكذلك البيع بمقدار معيّن من الثّمن ليس غرريا كان بناء المتعاقدين على اشتراط تساوي العوضين في الماليّة أولا

[الثّالث تصرّف المغبون]

قوله قدّس سرّه الثّالث تصرّف المغبون إلى آخره

قد ذكرنا في خيار الحيوان وجه كون تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة بما لا مزيد عليه فراجع و ظهر ممّا قدّمناه أنّ التّصرّف المالكيّ مسقط للخيار مع العلم بموضوع الخيار فلو اشتبه عليه الحيوان الّذي اشتراه و تصرّف

ص: 72

فيه يتخيّل غيره فهذا التصرّف ليس مسقطا ففي المقام لو لم يعلم بالغبن فالتصرّف الواقع منه ليس التزاما بالنّاقص مقابل الزّائد و هذا واضح

قوله قدّس سرّه فتأمّل

لا يخفى أنّ ما يتخيّل كونه منشأ للأمر بالتّأمل أحد الوجوه الثّلاثة الأول المناقشة في الفرق بين الدّفع و الرّفع فيما كان الدّليل الدّال على حكم المستصحب إجماعا أي لا فرق بين أن يكون الشّك في الدّفع أو الرفع فلا يجري الاستصحاب مطلقا لأنّ الحكم ثبت بالإجماع لا بالدّليل حتى يستصحب في مورد الشكّ و لكن لا يمكن أن يكون ذلك وجه نظر المصنف قدّس سرّه لما أوضحه في الأصول من أنّ الاستصحاب يجري في مورد الشكّ في الرافع و لو كان الدليل المثبت للحكم إجماعا و إنّما يناقش في خصوص دليل العقل

الثّاني كون الشكّ في المقتضي لا الرّافع و تقريبه أن مقدار استعداد بقاء المستصحب مع التصرّف غير معلوم و لكنّه أيضا كالسّابق ليس منشأ للأمر بالتأمّل لأنّ المدار في الشكّ في المقتضي على أن لا يعلم مقدار بقاء المستصحب من حيث الزّمان لا بقاؤه من حيث الزّمانيّ و بالنّسبة إلى كلّ طار و عارض و إلّا يرجع جميع أقسام الشكّ في رافعيّة الموجود إلى الشكّ في المقتضي مثلا لو شكّ في استعداد بقاء الطّهارة مع الوذي و المذي فلو لم يجر استصحاب الطّهارة لكونه شكا في المقتضي فلا مورد لأغلب الاستصحاب كما لا يخفى

و الثّالث و هو المتعيّن أن يكون الشكّ شكا في الموضوع لأنّ موضوع من له الخيار ليس ذات المغبون حتى يستصحب حكمه و هكذا ليس الموضوع الّذي تعلّق به الخيار العقد الغبني بل يحتمل أن يكون لوصف عدم الرّضا و لو نوعا دخل في الموضوع فمن تصرّف تصرّفا يكشف عن رضاه ليس له الخيار كاحتمال دخل عدم التصرّف في الموضوع الّذي تعلّق به الخيار

[الرّابع من المسقطات تصرّف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن]
اشارة

قوله قدّس سرّه الرّابع من المسقطات تصرّف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن إلى آخره

لا يخفى أنّه لا وجه لسقوط خيار المشتري المغبون قبل العلم بالغبن إلّا إذا ثبت إجماعا تعبّديا فيكون كخيار العيب الّذي ثبت بالنّص سقوط الردّ به لو تصرّف في العين و لو قبل العلم بالغيب تصرّفا مغيرا للعين كما سيجي ء في محلّه و ما ذكروه وجها للسقوط ضعيف كما اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدّس سرّه و لا إجماع في المسألة و القاعدة تقتضي عدم سقوط الخيار إذا كان منشؤه الضّرر أو تخلّف الشّرط إلّا في مورد الإقدام على الضّرر أو إسقاط الشّرط و المفروض أنّ مع الجهل بالغبن لا يتحقّق الإقدام أو الإسقاط إلّا معلقا أو إسقاطه في متن العقد فمجرّد التصرّف ليس مسقطا سواء كان تصرّفا ناقلا كالبيع و نحوه أو كان فكا للملك كالوقف و العتق أو رهنا و إجارة و استيلادا أو تلفا حقيقيا أو نقلا جاز للنّاقل الرّد كالهبة و البيع الخياري

نعم لو ثبت كون التصرّف من المغبون مطلقا أو من خصوص المشتري المغبون مسقطا إجماعا يجب أن يفصل بين التصرّفات ففي مورد التّلف الحقيقيّ أو الحكمي كالعتق و الوقف ينبغي القول بسقوط الخيار و أمّا في مورد النّقل فيمتنع الفسخ ما دام العين المغبون فيها خارجة عن ملك المغبون و لو كان النّقل جائزا لأن الفسخ يقتضي ردّ العين من ملك الفاسخ إلى ملك المفسوخ عليه و ردّ بدلها من ملك المفسوخ عليه إلى ملك الفاسخ و العين إذا لم تكن ملكا للفاسخ يمتنع الردّ

نعم له ردّ العين إلى ملكه إلّا أنّه ما لم يردها يمتنع ردّها إلى ملك المفسوخ عليه و أمّا في مورد التّدبير و الوصيّة فلا إشكال في إمكان الفسخ لأنّ نفس الفسخ إبطال لهما و في مورد الإجارة أيضا كذلك لأنّ كون العين تحت يد المستأجر لا يمنع عن ردّ رقبة الملك إلى الغابن و الفسخ

ص: 73

لا يقتضي إلّا ردّ الملك و أمّا في مورد الرّهن و الاستيلاد فيمتنع الرّد أمّا الرّهن فلأنّ حقّ الرهانة يقتضي بقاء العين المرهونة في ملك الرّاهن ليستوفي المرتهن حقّه منها فكون الرقبة ملكا للرّاهن لا يفيد لصحّة الرّد لامتناع إخراج الرّهن ما دام رهنا عن ملك الرّاهن و ليس حقّ الرهانة كحقّ الجناية يتبع رقبة العبد أينما كان و أمّا الاستيلاد فكذلك أيضا لأنّه لو انعقد الولد في ملك المستولد بلا تعلّق حقّ أحد على الأمة يمتنع إخراجها عن الملك ما دام الولد حيّا

قوله قدّس سرّه و ربما يبنيان على أنّ الزائل العائد كالّذي لم يزل أو كالّذي لم يعد إلى آخره

قد يورد على المصنف قدّس سرّه بأنّه لا وجه لذكر هذه العبارة المنقولة من الشّافعيّة إلّا حسنها و لكنّه لا يخفى أنّ وجه إمكان الرّد و عدمه بعد عود الملك إلى ملك المغبون و ارتفاع المانع ليس إلّا هذين المبنيين فلو قيل بأنّ الزائل العائد كالّذي لم يزل فله الرّد و لو قيل بأنّه كالّذي لم يعد فلا و الحقّ هو التّفصيل بين موارد العود

فلو عاد إلى ملك المغبون على الوجه الّذي كان ملكه قبل التصرّف بحيث كان قوام ملكه بعد العود هو قوامه قبل التصرف فالزّائل العائد كأنّه لم يزل فلو باع بالبيع الخياري أو وهبه ثم فسخ البيع أو رجع عن الهبة فالفسخ و إن كان حل العقد من حينه لا من حين العقد إلّا أنّ سبب الملك للمغبون بعد الفسخ أو الرّجوع عن الهبة هو السّبب الّذي كان قبل تصرّفه و هو اشتراؤه من الغابن فإذا رجع العين إلى حالها قبل التصرّف فلا مانع من ردّها إلى الغابن و يلحق بالفسخ الإقالة و فكّ الرهن و موت ولد أمّ الولد و كلّ ما رجع الملك إلى سببه الّذي كان بين الغابن و المغبون

و أمّا لو عاد إلى ملكه على غير ما كان له قبل التّصرف كما لو رجع إليه بالاشتراء أو بالإرث و نحو ذلك بحيث كان سببه بعد العود غير سببه قبل التصرّف فالزّائل العائد كالّذي لم يعد لأنّ هذه الملكيّة الحاصلة له فعلا غير الملكيّة الحاصلة له قبل التصرّف فإن سبب ملكه قبل التصرّف هو اشتراؤه من الغابن و سبب ملكه فعلا هو الإرث و الاشتراء من غير الغابن فيتخلف السّببان فيمتنع الفسخ لأنّه عبارة عن ردّ كلّ مال إلى مالكه الأصلي على نحو خرج عن ملكه و العين بعد رجوعها إلى ملك المغبون بسبب جديد لا يمكن ردّها إلى ملك الغابن على نحو خرج عن ملكه و دخل في ملك المغبون

و بعبارة أخرى الفسخ يتعلّق بردّ الملك أي مبطل لسببه فالسّبب لو كان موجودا أمكن إبطاله و أمّا لو انعدم و تبدّل بسبب آخر فلا معنى لإبطاله

[و أمّا تصرف الغابن]
اشارة

قوله قدّس سرّه هذا كلّه في تصرّف المغبون و أمّا تصرف الغابن فالظّاهر أنّه لا وجه لسقوط خيار المغبون به إلى آخره

هذه المسألة من صغريات تصرّف من عليه الخيار و الظّاهر أنّه لا يسقط بتصرفه خيار من له الخيار سواء تصرّف بالنّقل اللّازم أو ما بحكمه من الإتلاف و الهبة لذي الرّحم أم بالنّقل الجائز أم بالتّغيير أو المزج و الخلط لأنّه لا موجب لسقوط الخيار و لو قلنا بنفوذ تصرّف من عليه الخيار لعدم الملازمة بين نفوذ تصرّفه و سقوط حق ذي الخيار و هذه المسألة و إن كان محل تنقيحها في أحكام الخيار إلّا أنّه لا بأس بالتعرّض لها إجمالا تبعا لما أفاده شيخنا الأستاذ مد ظلّه و توضيحا للفروع الآتية في المتن

فنقول في نفوذ تصرّف من عليه الخيار مطلقا أو عدم نفوذ تصرّفه مطلقا أو التّفصيل بين الموارد أقوال و الظّاهر أن محلّ الخلاف في غير العين الّتي اشترط ردّها بردّ الثمن فإنّ المشتري ليس له التّصرفات الناقلة فيها إلّا أن يكون النّظر بماليّتها و كيف كان فلو فسخ ذو الخيار و وجد العين خارجة عن ملك من عليه الخيار فلو قيل بعدم جواز تصرّف من عليه الخيار وضعا و تكليفا فخروجها كالعدم لأنّ

ص: 74

تصرّفه باطل رأسا

و أمّا لو قيل بجواز تصرّفه تكليفا فهل ينفذ منه مطلقا أو في خصوص العتق فلذي الخيار المثل أو القيمة أو يبطل من أصله أو من حين الفسخ وجوه بل أقوال منشؤها الاختلاف في متعلّق حق الخيار فقيل بأنّه العين و قيل بأنّه العقد بما هو عقد و قيل بأنّه العقد طريقا لاسترجاع العين فعلى الأوّل و الثّالث لا ينفذ تصرّفه لأنّ العين إذا كانت متعلّقة لحق الغير لا ينفذ تصرف مالكها فيها كما في العين المرهونة و استشهد لهذا القول بما اختاره الفقهاء من أنّ التصرّف النّاقل إذا وقع بإذن ذي الخيار سقط خياره فلو لم يكن حقّه متعلّقا بالعين لم يكن إذنه موجبا لسقوط حقّه و كان له فسخ العقد

و أورد عليه المصنف بأنّ سقوط الخيار بالإذن في التصرّف إنّما هو لدلالة الإذن عرفا على السّقوط لا التعلّق الخيار بالعين و فيه أنّه لو كان منشأ السّقوط دلالة الإذن عليه عرفا لكان اللّازم سقوطه مطلقا سواء تصرّف من عليه الخيار أم لم يتصرّف مع أنّ الأقوى أنّ السّقوط إنّما هو بالتصرّف المأذون فيه لا بمجرّد الإذن كما هو الشّأن في بيع الرّاهن بإذن المرتهن فإنّه لا يسقط حقّ المرتهن أيضا بنفس الإذن

هذا مع أنّ دلالة الإذن على الإسقاط ممنوعة لأنه قد أذن لمن عليه الخيار في التصرّف في ماله الّذي يقتضيه طبع المعاملة فلا يدلّ على الإجازة و لذا يفصل في العرض على البيع بين عرض المنتقل عنه و المنتقل إليه فإنّه بالنّسبة إلى المنتقل عنه فسخ و ليس إجازة بالنّسبة إلى المنتقل إليه

و بالجملة لا وجه لسقوط حقّه بمجرّد إذنه لمن عليه الخيار في التصرّف في ماله و لا ينافي ذلك كون إذنه للأجنبي في بيع المنتقل عنه فسخا و ذلك لاختلاف المقامين في دلالة الإذن على الإجازة أو الفسخ عرفا كاختلاف العرض على البيع بالنّسبة إليهما

نعم الملازمة بين الفسخ و الإجازة إنّما تكون في التصرّف الناقل من نفس ذي الخيار فكل مورد كان تصرفه في المنتقل إليه إجازة يكون تصرّفه في المنتقل عنه فسخا فالصّواب في الجواب أن يقال إنّه يمكن القول بسقوط الخيار بالتصرّف المأذون فيه و إن لم يكن الحق متعلّقا بالعين لأنّه بالإذن يرفع موضوع الخيار فإنّ إعماله لا يمكن إلّا إذا أمكن الفسخ و الإمضاء كلاهما و بعد إذنه في التصرّف لو تصرّف المأذون لا يمكن أن يكون ضمان العين في عهدته فإذا امتنع الضّمان امتنع الفسخ فامتنع الخيار

ثم إنّ هذا بناء على سقوط الخيار بالتصرّف المأذون فيه لا بنفس الإذن و أمّا بناء على صحّة ما نسبه شارح الميسية إلى المشهور من سقوط الخيار سواء تصرّف المأذون أم لم يتصرّف فيصحّ الاستشهاد به لتعلّق حق الخيار بالعين لأنّه لو لم يكن حقّه متعلّقا بها لكان إذنه كإذن الأجنبي

هذا بناء على الوجه الأوّل و الثّالث و أمّا لو قيل بتعلّق حقّ الخيار بالعقد بما هو هو فقد يقال بنفوذ تصرّفه مطلقا و قد يفصل بين الإتلاف و الإخراج عن الملك و على أيّ حال لا ينافي ذلك إعمال الخيار فلو فسخ يتعلّق حقّه بالبدل مطلقا أو في مورد الإتلاف و أمّا في التصرّف النّاقل فيرجع المال عن ملك من انتقل إليه إلى ملك المتصرّف و عن ملكه إلى ملك الفاسخ أمّا من حين الفسخ أو من أصله

ثم إنّه استشهد المصنف لنفوذ تصرّفه مطلقا و كون الخيار متعلّقا بالعقد بمقدمتين الأولى أنّه لو كان الخيار متعلّقا بالعين لزم سقوطه بتلفها الثّانية أنّ الفقهاء اتّفقوا بأنّ تلف العين لا يوجب سقوط حق من له الخيار فتنتج هاتان المقدّمتان اللّتان إحداهما بمنزلة الصّغرى و الأخرى بمنزلة الكبرى نفوذ تصرّفات من عليه

ص: 75

الخيار مطلقا و أن الخيار متعلّق بالعقد لا بالعين

و فيه منع المقدّمة الأولى فإنّ سقوط الحقّ بتلف متعلّقه إنّما يصحّ لو لم يكن المتعلّق في عهدة من تلف عنده و العين في المعاملات مضمونة إمّا بالمسمّى أو بالمثل أو القيمة و كيف كان فوجه تعلّق حقّه بالبدل لو نفذ تصرّف من عليه الخيار هو أنّه لو جاز التصرّف فلا موجب لإهمال ما يقتضيه من ترتيب آثار الملك على ملك المشتري الثّاني فلو فسخ ذو الخيار يتعلّق حقّه بالبدل جمعا بين الدّليلين

و أمّا وجه انفساخ المعاملة الثّانية بفسخ المعاملة الأولى فهو لحديث الفرعيّة و حاصله أنّ جواز التصرّف و الانتقال إلى المشتري الثّاني نشئا من كون المال ملكا للمشتري الأوّل فإذا أزال المنشأ بفسخ ذي الخيار ينفسخ العقد الثاني إمّا من حين الفسخ كما هو مقتضى تأثير الفسخ في غير المقام أو من أصله كما هو مقتضى الفرعيّة فإنّ العقد الثاني لو كان متفرّعا على الأوّل فإذا بطل الأوّل يبطل الثّاني من أصله و يصير كأن لم يوجد هذا مع أنّ مقتضى الفسخ تلقي كلّ من المتعاقدين الملك من الآخر فلا بدّ من انفساخ العقد الثّاني من أصله حتّى يتلقى الفاسخ الملك من المفسوخ عليه لا من المشتري الثّاني

إذا عرفت مدرك الأقوال إجمالا فلا بأس للإشارة إلى ما هو المختار فنقول الأقوى هو تعلّق حق الخيار بالعقد طريقيّا فإن المقصود من جعل الخيار لذي الخيار هو تمكّنه من استرجاع العين و ردها إلى حالها قبل العقد

و يؤيد ذلك تفصيل المشهور في إرث الزّوجة الخيار الّذي يستحقّه الزّوج الميّت المتعلّق بالأرض بين ما كانت الأرض منتقلة عن الزّوج فلا ترث و ما كانت منتقلة إليه فترث لأنّ في الانتقال عنه لا يفيد للزّوجة حقّ الخيار لأنّها لا ترث من العقار و في الانتقال إليه ترث الثمن لو فسخت العقد و لو لم يكن العين متعلّقة لحقّ الخيار بل كان الخيار مجرّد السّلطنة على حلّ العقد من دون نظر إلى العين لما كان وجه للتّفصيل كما لا يخفى

و يؤيّده أيضا عدم إرث وارث الأجنبي الخيار المجعول له فإنّه لو كان الخيار مجرّد السّلطنة على العقد و لم يكن ماليّة من باب استرجاع العين بل كان هو شيئا في حيال ذاته لكان اللّازم إرث الوارث له لأنّه ممّا تركه الميّت و هذا بخلاف ما إذا كان ماليّة الخيار باسترجاع العين فحيث إنّ الوارث ليس له حظّ من العين و نفس حلّ العقد ليس له ماليّة فلا يرثه الوارث

و يؤيّده أيضا عدم صحّة نقل الخيار إلى غير من عليه الخيار فإنّه لو لم يكن للخيار مساس بالعين لما كان وجه لعدم الانتقال إلى الأجنبي فعدم الانتقال إليه يكشف عن تعلّق الخيار بالعين اللّٰهمّ إلّا أن يقال إن جميع هذه المؤيّدات لا تقاوم ما تقدم في بيان حقيقة الخيار من كونه راجعا إلى ملك الالتزام و حلّ التّبديل و التعهّد فإنّه تقتضي كونه راجعا إلى العقد من دون مساس له بالعين

هذا مضافا إلى أنّ نفس حقيقته لا تختلف ببقاء العين و تلفها و في كلتا الصّورتين يعمل الخيار و يفسخ التعهّد بعناية واحدة لا أنّ مع بقائها يرجع إلى ردّ شخصها و مع تلفها يرجع إلى ماليّتها فإذا كان إعمال الخيار على وجه واحد في المقامين فلا بدّ من أن يكون متعلّقا بنفس العقد و الاختلاف ناشئا من اختلاف الموارد لأنّ إبطال التبديل بين المالين مع بقاء العين يقتضي قهرا ردّ العين و مع تلفها حيث إنّها في ضمان الطّرف يرجع المثل أو القيمة

و على هذا فالحقّ ما اختاره المصنف قدّس سرّه و صحيحة ابن سنان حتّى يصير للمشتري غير ناظرة إلى تعلّق الخيار بالعين أصلا

ص: 76

فإنّها في مقام بيان أنّ تلف العين في ضمان من ليس له الخيار و في عهدته إلّا إذا انقضى الخيار و يصير الحيوان ملكا مستقرّا للمشتري بحيث لا يقدر أن يخرجه عن ملكه إلّا بمعاملة جديدة

و بعبارة واضحة الفسخ ليس تملّكا جديدا حتّى يتقوّم بالعين و يمنع كونه ملكا لذي الخيار عن تصرّفات من عليه الخيار بل ردّ للتّبديل السّابق و حلّ للتّعقيد و التعهّد و رجوع العين أو بدلها إلى حالها السّابق من لوازم ردّ التّبديل لا من جهة تعلّق الحقّ بها

ثم إنّه لو جاز تصرّف من عليه الخيار فلا وجه لبطلان المعاملات الصّادرة منه لا من أصلها و لا من حين الفسخ و حديث الفرعيّة لا محصّل له كما لا يخفى و أمّا لو لم يجز لتعلّق الخيار بالعين فهل يبطل المعاملات رأسا بمعنى أنّ من شرائط صحّة البيع مثلا كون الملك غير متعلّق للخيار كما أنّ من شرائطه عدم الفرد أو أنّ معنى عدم جواز تصرّفاته أنّ لزوم العقد يتوقّف على عدم تعلّق الحقّ بالعين و الحقّ هو الثّاني إلّا على القول ببطلان الفضولي فيما لو كان العين متعلّقا لحقّ الغير كبيع الرّاهن و حيث إنّ المختار صحّته مع إجازة ذي الحقّ فيصحّ في المقام مع إجازة من له الخيار

ثمّ إنّ تعلّق حقّه بالعين هل هو من قبيل تعلّق حقّ الجناية بالعبد الجاني و تعلّق حق الشّفعة بالدار المشتركة أو من قبيل حقّ الرهانة وجهان و الحقّ هو الثّاني لأنّه لا يمكن أن يتعلّق الحقّ في المقام بملك الثّالث و على هذا فالتصرّفات المتلفة لا تجوز أصلا و أمّا التصرفات النّاقلة فمراعى بإجازة ذي الخيار و انقضاء مدّة الخيار و يجري نزاع الكشف و النّقل في الإجازة كما يجري نزاع الفسخ من الحين أو من الأصل في الفسخ بالنّسبة إلى العقد الأوّل

و أمّا بالنّسبة إلى العقد الثّاني فيفسخ العقد الأوّل يبطل الثاني من رأسه لأنّه كبيع الرّاهن مع فسخ المرتهن نعم ليس لذي الخيار إبطال العقد الثاني من دون فسخ العقد الأوّل لأن حقّه لم يتعلّق إلّا بالعين و ليس له السّلطنة على عقد المالك و قد أشرنا إليه في باب الفضولي و أمّا وطي الأمة فلو كانت الطّلقيّة من شرائط صيرورة الأمة أمّ الولد شرعا فالاستيلاد غير مانع عن تعلّق حقّ الخيار بالعين فلا مانع من الوطي

و أمّا لو لم تكن الطلقيّة شرطا فلا يجوز لأنّه موجب لإتلاف حقّ ذي الخيار و لكنّه لو استولدها و لو معصية تصير الموطوءة أمّ الولد فيمتنع ردّها بالفسخ و إن كان الخيار مقدّما لأنّ تقدّم الحقّ إنّما يؤثر لو كان الحقّان في رتبة واحدة و أمّا لو كان أحدهما معدما لموضوع الآخر فلا يلاحظ التقدّم و إذا كان رجوع العين مشروطا بإمكانه عقلا أو شرعا يؤثّر الاستيلاد لأنّه مانع شرعيّ

ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر مدرك الوجوه الّتي ذكرها المصنف من تسلّط المغبون على إبطال تصرفات الغابن من حين الفسخ أو من الأصل و من عدم تسلّطه و ظهر أيضا أنّ بطلان التصرّف من حين الفسخ أو من الأصل يمكن على كلا القولين من عدم تعلّق حقّ الخيار بالعين و من تعلّقه بها فعلى القول بعدم التعلّق فمنشأ البطلان من حينه أو من أصله هو الفرعيّة و على القول بالتعلّق فمنشأ الاحتمالين كون التصرّف من قبيل تصرّف الراهن فبالفسخ يبطل من أصله أو كونه من قبيل تصرّف من عليه حقّ الشّفعة فيمكن للشّفيع إبطال العقد الثّاني أو الثّالث

ثم لا يخفى أنّ الحقّ بناء على جواز التصرّف هو عدم الفرق بين العقود الجائزة و اللّازمة و لا وجه لما ذكره في المسالك من كون الغابن ملزما بالفسخ فيما لو باع بخيار أو وهب بغير ذي الرّحم لما عرفت من أنّ حقيقة الفسخ تقتضي ردّ التبديل بمجرّد الفسخ و إذا انتقل

ص: 77

بدل العين حين الفسخ إلى ملك الفاسخ فلا موجب لإلزام المفسوخ عليه بالفسخ و ليس البدل في المقام كبدل الحيلولة فإن العين في بدل الحيلولة باقية على ملك مالكها و البدل غرامة فلصاحب العين إلزام الضّامن بتحصيل العين بخلاف المقام فإنّ حق المغبون بمجرّد الفسخ يتعلّق بالبدل

ثمّ بناء على القول بعدم وجوب الفسخ في العقد الجائز فلو اتّفق عود الملك إلى الغابن بالفسخ قبل فسخ المغبون فلا إشكال في أنّ فسخه يتعلّق بالعين و لو اتّفق عوده إليه بسبب جديد فالعائد كأنّه لم يعد

و أمّا لو اتّفق عوده بعد فسخ المغبون فلو عاد بسبب جديد فلا إشكال في أنّه لا يتعلّق حق المغبون به و أمّا لو اتّفق عوده بالفسخ فلا يبعد أن يقال بتعلّق حقّ المغبون به خلافا للمصنف لأنّ البدل في المقام و إن لم يكن من قبيل بدل الحيلولة إلّا أنّ منشأ تعلّق الحق به تعذّر العين فلو ارتفع التعذّر يرجع البدل و لذا لو فرض محالا عود العين التّالفة فلا إشكال في تعلّق حق المغبون بها فيكون المقام كما لو صار الخلّ عند الغاصب خمرا فأخذ المالك بدله ثمّ صار بعده خلا فإنّه يرتفع البدلية

و بعبارة أخرى إذا فسخ الغابن المعاملة الواقعة بينه و بين الثّالث و رجع العين إليه فلا بدّ أن لا تبقى في ملكه مع فسخ المغبون لأنّ المفروض أن منشأ ملكيته للعين كانت المبادلة بينه و بين المغبون فإذا ارتفعت المبادلة و لو قبل رجوعه إلى الثّالث ترجع العين إلى ملك المغبون و بدلها إليه حتى بناء على ما اختاره صاحب المقابس من أنّ التّلف و ما بحكمه يوجب المعاوضة القهريّة الشرعيّة لأنّه لا ينافي وقوع المعاوضة قهرا بالتّلف و بطلانها برجوع التّالف إلّا أن يكون للدّليل الدالّ على وقوع المعاوضة إطلاق بحيث يشمل بعد رجوع التالف إلى حاله السّابق و حيث إنّه لا دليل على ذلك من أصله فضلا عن إطلاقه فلا فرق بين الفسخ الغابن قبل فسخ المغبون أو بعده قبل أخذ البدل أو بعده

[و لو تصرّف الغابن تصرّفا مغيّرا للعين]

قوله قدّس سرّه و لو تصرّف الغابن تصرّفا مغيّرا للعين إلى آخره

لا يخفى عدم صحّة ما فصّله في النقيصة بين أن يكون النّقص موجبا للأرش و بين ما لا يوجبه فإنّه مضافا إلى عدم صحّته في نفسه يكون مخالفا لما اختاره في الأبواب الأخر من عدم الفرق بين الأوصاف

و بالجملة لو كان وصف الصّحة الّذي يوجب فقده الأرش في باب خيار العيب موجبا لكون الغابن ضامنا له لكان وصف الكمال أيضا كذلك و لو لم يكن فقد وصف الكمال موجبا للضّمان فلا يوجب فقد وصف الصّحة أيضا لأنّ التّفرقة بينهما إنّما يكون بأحد الوجهين الأوّل كون وصف الصّحة بمنزلة الجزء بأن يقع مقدار من الثمن بإزائه دون وصف الكمال و ذلك ممّا لا يلتزم به المصنف و لا يمكن الالتزام به لأنّ الأوصاف و إن كانت موجبة لزيادة ماليّة المال إلّا أنّها لا تقع بإزائها في عقد المعاوضة شي ء من العوض و ثبوت الأرش في مقابل وصف الصّحة إنّما هو بالتعبّد لا من جهة وقوع الثمن بإزائه و إلّا كان اللّازم ردّ بعض من خصوص الثّمن و الثّاني أن يكون زوال وصف الصّحة تحت اليد موجبا للضمان دون وصف الكمال فيقال بأنّ الضّمان المعاوضي و إن تبدّل بضمان اليد بعد القبض إلّا أن تبدّله به إنّما هو في خصوص العين و وصف الصّحة دون وصف الكمال و هذا أيضا ممّا لا يمكن التزام به لأنّه لا فرق بين الأوصاف في أنّها بأجمعها مضمونة على المفسوخ عليه كما تكون مضمونة على الغاصب لأنّ وجه الضّمان في البابين هو قاعدة اليد

و لا يمكن أن يقال بأنّه لا وجه لضمان المفسوخ عليه

ص: 78

النّقص الحاصل في ماله فإنّه لو تمّ ذلك اقتضى أن لا يكون ضامنا لوصف الصّحة بل العين أيضا لأنّ كلّا منهما ملكه و تلف تحت يده مع أنّه ضامن بلا إشكال بمعنى أنه يجب عليه ردّ المثل أو القيمة و استرداد ما دفعه إلى طرفه لو لم يكن التّلف في زمان خيار الطّرف و إلّا يجب عليه ردّ المثل أو القيمة من دون استرداد ماله أو بدله

و ممّا ذكرنا ظهر حكم الإجارة فإنّها نقص يجب على المفسوخ عليه تداركه و لا يمكن الفرق بين الفسخ و التّفاسخ و لم يبين المصنف وجه الفرق أصلا

ثمّ إنّ مما ذكرنا ظهر ما في حاشية السيد من قوله و لكنّ الظاهر أنّ الفقهاء لا يلتزمون بما ذكرناه فإن سقوط خيار التّفليس بنقصان وصف الصّحة و عدم سقوطه بنقصان سائر الأوصاف لو قيل بهما فليس ذلك للفرق بين الأوصاف بل لاعتبار قيام العين على ما كانت عليه حال البيع في ذلك الباب و مع تلف وصف الصّحة ليس العين قائمة بعينها دون وصف الكمال ففي تلف وصف الصّحة تكون العين كسائر أمواله ممّا يتعلّق بها حق الغرماء دون تلف وصف الكمال فإنّ البائع يأخذ نفس العين و قولهم في باب الفلس بأنّه لو ردّ البائع العين المعيبة ليس له الأرش للنقصان لا يستقيم و لذا ينتقل هو خلافه عن العلّامة و الشّهيد

و بالجملة معنى الضّمان في المعاوضات كالبيع مثلا هو أنّ البائع ضامن للمبيع قبل القبض أي عهدة المبيع عليه فإذا تلف ينفسخ البيع و يتعيّن المسمّى للعوضيّة أي يرجع نفس الثّمن إلى المشتري و بعد إقباضه ينتقل الضّمان أي عهدة المبيع إلى المشتري فإذا تلف و طرأ على العقد فسخ أو إقالة يجب عليه ردّ المثل أو القيمة و يسترد ثمنه من البائع لو كان موجودا أو مثله أو قيمته لو كان تالفا

فعلى هذا يكون كلّ من المتبايعين ضامنا لما انتقل عنه قبل القبض و ضامنا لما انتقل إليه بعد القبض و ضمانه بعده ضمان اليد فإذا كانت يده يد ضمان يجب عليه ردّ قيمة العين بجميع أوصافها الّتي تتفاوت بها ماليّة المال و لو كانت مثل وصف الكمال

و على هذا فلا فرق في النقص الحاصل في مال الفاسخ بين أن يكون من جهة إجارة الطّرف أو غيرها فإنّ إجارته و إن كانت صحيحة بناء على عدم تعلّق حق الخيار بالعين في غير المشروط بردّ مثل الثّمن إلّا أنّها توجب نقصان في المال فإنّ مناط ماليّة المال منافعه و المفروض أنّ ضمان النقص على المفسوخ عليه فيجب عليه تدارك النّقص بتقويم المال غير مسلوب المنفعة و تقويمه مسلوب المنفعة في مدة الإجارة و أخذ التفاوت

و بالجملة كون المنفعة تابعة للملك لا ينافي ضمان الموجب للنّقص الحاصل بالإجارة نعم لا وجه لأن يكون ضامنا لأجرة المثل لأنه قد تصرّف في ملكه من دون تعلّق حق به و أجرة المثل إنّما تصحّ في التصرّف في مال الغير بدون تعيين العوض كما أنّه لا يكون ضامنا لأجرة المسمّى و ذلك واضح فالفرق بين التّفاسخ و الفسخ لا يعقل و كون التّفاسخ من الأصل و الفسخ من الحين غير فارق بعد ما ظهر أنّ المناط في الضّمان كون يده يد ضمان هذا مضافا إلى أنّه لا وجه للفرق بين التّفاسخ و الفسخ فإن كلّا منهما من الحين و حكمهما حكم الإقالة و الانفساخ

[و إن كان التّغيير بالزيادة]

قوله قدّس سرّه و إن كان التّغيير بالزيادة إلى آخره

الزيادة قد تكون حكميّة محضة أي ليس لها ما بحذاء خارجي كقصارة الثّوب و قد تكون عينية محضة كالغرس و قد تكون من كلتا الجهتين كالصّبغ بالنّيل و خياطة الثّوب إذا كان الخيط من الخيّاط ثمّ إنّ الزّيادة قد تكون موجبة لزيادة قيمة العين و قد لا تكون

أمّا ما لا يوجب زيادة القيمة فالحقّ عدم ثبوت شي ء لمحدثها

ص: 79

لأنّه عمل لنفسه في ماله و لا يمكن أن يكون عمله لنفسه مضمونا على غيره و أمّا ما يوجب الزيادة في القيمة فإذا كانت حكميّة فتارة تكون هذه الزّيادة بفعل الغابن و أخرى بفعل من اللّٰه سبحانه و ما بفعل من اللّٰه سبحانه قد يكون عمل الغابن معدا له كتعليف الدابّة و سقيها الموجبين للسّمن و قد لا يكون فعلا من الغابن أصلا كما لو صار العبد كاملا بصنع اللّٰه تبارك و تعالى و معنى كون الزّيادة بفعل الغابن أن تكون الزيادة أثرا لفعله بحيث كان فعله علّة تامّة لحصول الزيادة كقصارة الثوب

ثم إنّ في المقام مصاديق مشتبهة في أنّ الأثر مترتّب على الفعل بلا واسطة أو مترتّب عليه مع الواسطة كتعلم العبد فإنّه قد يقال بأنّ التّعليم علة تامّة له و قد يقال بأنّه معد له كالعلف للدابّة فإنه معد للسّمن و كيف كان فلو كانت الزيادة بفعل من اللّٰه من دون مدخلية للغابن في حدوثها أصلا أو كان فعل الغابن معدّا لها فإذا فسخ المغبون فليس للغابن شي ء بإزائها لأنّها و إن حدثت في ملكه و كان هو مالكها قبل الفسخ إلّا أن منشأ ملكيّته لها هو التبعيّة للعين فإذا انتقلت العين عنه إلى المغبون تصير تابعة لملك المغبون

و أمّا لو كانت الزيادة بفعل من الغابن فيصير شريكا مع المغبون فإنّ كون الزيادة أثرا لفعله يوجب أن يملكها العامل و لا ينافي تبعيّة العمل للعين في الملكيّة ملكيّة الاستقلاليّة عند خروج العين عن ملكه فإنّ هذا العمل له جهتان جهة منسوبة إلى الفاعل من حيث صدوره عنه و جهة منسوبة إلى المحلّ من حيث وقوعه فيه و جهة الوقوع متأخر رتبة عن جهة الصّدور فيلاحظ في المقام ملكيته من حيث الصّدور فإذا ملكه مستقلا فانتقال العين عنه لا يوجب انتقال هذا الملك منه فلو لم ينتقل يصير شريكا مع المغبون في الماليّة لا في العين فيقوم الثوب مثلا مع القصارة و بدونها و يكون التّفاوت بين القيمتين ملكا للغابن

و من هذا البيان ظهر وجه فرق الأساطين في وجوب تسليم العين الّذي عمل فيها المؤجر عملا و عدم وجوبه بين الموارد فإنّ المورد الّذي له حبس العين هو ما كان العمل ملكا له مستقلا فكأنّ المؤجر يبدّل عمله بالأجرة فله حبس عمله حتّى يأخذ ثمنه و لما لم يمكن حبسه إلّا بحبس العين فلا يجب عليه تسليمها و المورد الّذي ليس له الحبس ما لم يكن عمله علّة تامّة لترتّب الأثر كسقي الدابّة و علفها فليس له الأجرة إلّا بعد تسليم العين لأنّ المؤجر لا يستحقّ الأجرة إلّا بعد العمل

و المفروض أنّ عمله ليس موجبا لأن يملك أثره لعدم كونه علّة لتحقّق الأثر فليس له إلّا أجرة العمل هذا كلّه في الزيادة الحكميّة و أمّا الزّيادة العينيّة المحضة كالغرس فتنقيح البحث فيه يتوقف على بيان أقسام الغرس إجمالا

فنقول إذا اختلف و تعدّد مالك الأرض و مالك الشّجر فتارة يكون تعدّدهما ابتدائيا و أخرى عارضيّا فالأوّل كما إذا غرس من استعار الأرض أو استأجرها إغارة أو إجارة مطلقة أو لخصوص الغرس أو غرس غاصب في أرض الغير أو غرس فيها الجاهل بفساد المغارسة المعمولة في بعض البلدان و هي أن يغرس في أرض الغير بأن يشتركا في الغرس و الأرض و الثّاني كمن باع الشّجر دون الأرض أو بالعكس أو باع الأرض من زيد و الشجر من عمرو أو باع الأرض من زيد فغرس زيد فيها ثم أخذ الأرض منه بالشّفعة و هذا على أقسام ستّة غير التعدّد بالبيع قسمين منها تعدّد المالك نشأ من جهة الحقّ الثّابت قبل الغرس كحقّ الخيار و حقّ الفسخ و أربعة منها نشأ الحقّ بعد الغرس كالتّفاسخ و الانفساخ و الإقالة و خيار التّفليس

أمّا إذا كان المالك متعدّدا ابتداء فالحقّ في جميع الصّور أنّ

ص: 80

لمالك الأرض قلع الشّجر من دون أرش عليه لصاحبه أمّا في مورد الغصب فلأنّه ليس لعرق ظالم حقّ و أمّا في البيع الفاسد فلأنّ الغارس و إن لم يقدم على تلف ماله إلّا أنّه مشترك مع الغاصب في عدم ثبوت حقّ الإبقاء له لأنّ مناط جواز القلع عدم ثبوت حقّ للغارس لا الإثم و الإقدام و منه يظهر جواز القلع في مورد العارية و الإجارة و لو للغرس فإنّ بعد انقضاء مدّة الإجارة أو بعد رجوع المعير لا حقّ للغارس في بقاء شجره في أرض الغير

و أمّا إذا طرأ التعدّد فلا شبهة أنّه لو تعدّد المالك بالبيع فليس لمالك الأرض القلع و لا الأجرة لأنّه ملكها مشغولة بالشجر و الشّجر مناط ماليّته وصف الشّجريّة فيستحق مالكه بقاؤه من دون حقّ عليه لمالك الأرض و من هذا القبيل إرث الزّوجة للمثبتات فإنّها تستحقّ قيمتها بما هي مثبتات و أمّا لو تعدّد بالفسخ أو بالشفعة أو بسائر الأسباب من الانفساخ أو التّفاسخ أو الإقالة أو خيار التّفليس فقد يقال في جميع هذه الأقسام السّتة بعدم جواز قلعه لمالك الأرض مطلقا

و قد يقال بجواز قلعه مع الأرش في جميع الصّور أو بجوازه بلا أرش و قد يفصل بين الفسخ و الشّفعة و بين سائر الأسباب فيجوز القلع فيهما لا في غيرهما و منشأ التّفصيل توهّم أنّ الملك في مورد الشّفعة و الخيار متزلزل و حقّ ذي الخيار و الشّريك متعلّق بالأرض قبل الغرس فيجوز لذي الحقّ قلع الشّجر إذا رجع إليه الأرض و لكن الحقّ أنّ الملكيّة في جميع الموارد غير متزلزل و جواز الرّجوع حكم شرعيّ فالأرض لا يتعلّق بها الحقّ في جميع الموارد

و منشأ جواز القلع مطلقا أنّ الفسخ أو الانفساخ و ما بحكمهما يقتضي رجوع العين على ما هو عليه قبل الغرس و الغرس لو كان موجبا لتلف وصف من الأوصاف حقيقة لكان ضمانه على من تلف الوصف عنده كما لو صارت العين معينة لا يمكن زوال عيبها و أمّا لو لم يوجب تلف الوصف حقيقة لإمكان قلعه فلا وجه لأن يكون باقيا حتّى يكون على الغارس أجرة المثل

و من هذا البيان ظهر وجه جواز القلع مع الأرش على القالع أمّا جوازه فلما تقدم و أمّا الأرش فللضّرر الوارد على مالك الشجر من دون إقدام منه عليه

و بعبارة أخرى غرسه عمل محترم فلا يمكن إزالته من دون أرش و منشأ عدم جواز القلع مطلقا أنّ الغرس وقع من أهله في محلّه فالغارس مالك للغرس بوصف الشّجريّة غاية الأمر أنّ غرسه موجب لتفويت منفعة الأرض على مالكها فله أرش نقص هذه المنفعة الفائتة

و بالجملة الغارس استوفى منفعة الأرض ما دام غرسه باقيا فيجب عليه بعد الفسخ أو الانفساخ تدارك ما استوفاه بأجرة المثل أو قيمة النقص و لا يبعد أن يكون هذا القول هو المشهور بين العلماء و لكنّه يرد عليه أنّ هذا التقريب دور واضح لأنّ استحقاق مالك الغرس للبقاء يتوقف على استيفائه منفعة الأرش حتّى يكون باستيفائه متلفا منفعة الأرض و كونه مستوفيا متوقف على عدم جواز قلع مالك الأرض و أمّا لو جاز فلم يستوف إلّا قبل زمان الفسخ أو الانفساخ و عدم جوازه يتوقف على استحقاق مالك الغرس للإبقاء

و بالجملة كما أنّ مالك الشجر مالك له بوصف الشّجرية فكذلك مالك الأرض مالك لجميع منافعها فتقديم حقّ أحدهما من دون مرجّح ممتنع إلّا أن يقال بالفرق بين الفسخ و ما بحكمه و بين الانفساخ و ما بحكمه و بين الانفساخ و ما بحكمه و هو أنّ الملك في الأوّل و إن كان تاما و الحق لم يتعلّق إلّا بالعقد إلّا أن كونه في معرض الزّوال يوجب الشكّ في بقاء احترامه بعد الفسخ فيجب أن يثبت الاحترام

ص: 81

للغرس بعد الفسخ حتى لا يمكن لمالك الأرض قلعه و إثبات احترامه بعده دوري و هذا بخلافه في الثّاني فلأنه ليس في معرض الزّوال أصلا إلّا إذا وقع التّفاسخ أو الإقالة على خلاف العادة فيبقى في ثبوت حقّ الغارس كون ملكه من حيث السّبب و المسبّب تامّا فغرسه محترم لأنّه وقع من أهله في محلّه فيكون كسائر تصرّفاته مثل إجارته و هبته فإذا كان حين الغرس محترما فيوجب أن يكون القلع ممتنعا شرعا فيصير كالتّلف الخارجي

نعم على الغارس أجرة المثل ما دام شجرة باقيا و عليه ضمان النّقص في الملكيّة أيضا لو كان الغرس موجبا له و لو مع ثبوت الأجرة فإنّها قد لا يتدارك بها النّقص الحاصل في المبيع فإنّ الأرض المستأجرة مدّة مديدة لا يرغب في شرائها و لو أعطى الأجرة للمشتري لأنّ نفس كون الأرض في يد المالك بحيث يتصرّف فيها ما يشاء ماليّة لا تتدارك بأجرة الأرض و عدم تعرّض الأساطين لأرش النقص و ذكر أجرة المثل وحدها إنّما هو لإيكال الأمر إلى محلّه و هو ضمان الصّفات الّتي بها تتفاوت الماليّة

و بالجملة و لو قلنا باستحقاق مالك الغرس للإبقاء إلّا أنّه مع ذلك يجب عليه أجرة المثل في ما بعد الانفساخ لأنّ عدم جواز القلع لمالك الأرض تكليفي لا ينافي ثبوت الأجرة له كما في جواز أكل مال النّاس في المخمصة فإنه لا ينافي الضّمان فالضّمان يجتمع مع حقّ البقاء

ثم إنّه قد ظهر أنّ وجه ثبوت حق البقاء له هو حرمة المال لا الضّرر الوارد عليه لأنّ الضّرر عليه معارض بضرر المالك و لا يقاس بالضّرر الوارد على الجار من جهة تصرف صاحب الدّار في أنّ ضرر صاحب الدّار لا يرتفع بقاعدة لا ضرر لأنّ الضّرر عليه نشأ من قاعدة لا ضرر في حق الجار فقصر السّلطنة النّاشئة عن لا ضرر إذا كان ضرريّا لا يرتفع بلا ضرر لأنّ الموضوع المتولّد من الحكم على موضوع لا يشمله هذا الحكم و هذا بخلاف المقام فإن كلّ واحد من ضرر مالك الأرض و ضرر صاحب الغرس في عرض واحد فلا يمكن أن يكون أحدهما مرفوعا بلا ضرر دون الآخر

ثمّ إنّه بناء على أن يكون جواز القلع دائرا مدار الضّرر فوجه فتوى المشهور بأنّ الزّرع ليس حكمه حكم الشّجر في جواز قلعه لمالك الأرض ظاهر لا لما قيل من أنّ للزّرع أمدا ينتظر فإنّ مجرّد ذلك لا يوجب الفرق بل لأنّ بقاء الزّرع إلى زمان الحصاد ليس ضررا على مالك الأرض فإنّ الأرض معدّة في طبعها للزّراعة و استيفاء منفعتها فإذا أمكن استيفاؤها بأخذ الأجرة من مالك الزّرع لم يتوجّه ضرر على مالك الأرض حتّى يتعارض الضّرران و هذا بخلاف بقاء الأرض مشغولة بالشجر مدّة مديدة فإنّه ضرر على مالكها و لو استوفى أجرة الأرض و لذا لو أعطى غاصب الدّار أجرتها أزيد ممّا يعطيه غيره لكان نفس عدم تسلّط المالك على داره ضررا عليه

و بالجملة فرق بين الزّرع و الغرس في ورود الضّرر على مالك الأرض نعم غرس شجر التوت لدود القز حكمه حكم الزّرع فالأولى التّفصيل بين موارد الغرس ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون وجه التّفصيل بين الغرس و الزّرع من أنّ للزّرع أمدا ينتظر راجعا إلى ما ذكرناه من الفرق بينهما في الضّرر و عدمه

[و لو كان التّغيير بالامتزاج]

قوله قدّس سرّه و لو كان التّغيير بالامتزاج إلى آخره

لا يخفى أنّ المزج قد يكون اتّفاقيا و قد يكون بفعل شخص فإذا كان اتّفاقيا فلا ضمان على من كان المال عنده و إن أوجب النقص لو لم تكن يده يد ضمان و أمّا إذا كانت يده يد الضّمان فحكمه المزج عمدا

و أمّا لو كان بفعل شخص فالنّقص عليه لو كانت يده يد الضّمان

ص: 82

كالغاصب و من بحكمه كما في مورد المعاملة الفاسدة أو المعاملة الصّحيحة بعد القبض لما تقدّم سابقا أنّ كلّ نقص حصل في يد من عليه الخيار و من بحكمه ممّن يكون ضامنا للمقبوض فضمانه على ذي اليد

ثم إنّ المزج إمّا أن يكون بغير الجنس أو بالجنس و الممزوج بغير الجنس قد يعد تالفا عرفا كمزج ماء الورد بالنّفط و حكمه هو الرّجوع إلى المثل أو القيمة و قد لا يكون تالفا و هو على أقسام لأنّه إمّا يوجب المزج انقلاب المالين إلى حقيقة أخرى أي به تتبدّل الصّورة النوعيّة للممتزجين إلى صورة أخرى كما في مزج أجزاء التّرياق الفاروق و مزج الخلّ بالأجنبيين على قول و إمّا لا يوجب الانقلاب و هو على قسمين قسم يرتفع الامتياز بينهما كمزج الخلّ بالدّبس و قسم لا يرتفع الامتياز إلّا أنّه يتعذّر أو يتعسّر الإفراز بينهما كمزج الحنطة بالشّعير

و حكم الصّورة الأولى هو الاشتراك في الماليّة كما هو مقتضى القاعدة في كلّ مال اختلط مع الآخر اختلاطا يرفع التّمييز لأنّ الخصوصية العينيّة الشخصيّة لكلّ من المالين إذا ارتفعت لا يمكن أن يتعلّق بهما حكم تكليفا كان أو وضعا فيتعلّق الوضع بأصل المالية فيشتركان في العين بحسب الماليّة أي يقوم الخلّ منفردا و الأنجبين منفردا و يؤخذ لكلّ من المالكين قيمة الممزوج بالنسبة من نفس العين فإذا كان قيمة منّ من الأنجبين دينارا و قيمة منّين من الخلّ دينارا أو اختلطا و صارت القيمة ثلاثة دنانير فليس الاشتراك هنا أولا في العين بأن يأخذ صاحب الأنجبين منّا من المخلوط و صاحب الخلّ منّين لأنّ بالخلط تصير قيمة الأنجبين ناقصة و قيمة الخلّ زائدة فلا بدّ من أن يشتركا في الماليّة بأن يأخذ صاحب الأنجبين منّا و نصفا و صاحب الخلّ أيضا كذلك لأنّ هذا نسبة قيمة مالهما إلى المجموع و لا يتوقّف التّقسيم و الإفراز هنا على البيع كما في قصارة الثّوب لأنّه لا يمكن فيها تقسيم الثوب

و أمّا حكم الصورة الثّانية و الثّالثة فسيجي ء و على أيّ حال المزج في الصّور الثّلاث لا يوجب سقوط حقّ الخيار و لا الرّجوع إلى المثل أو القيمة نعم لو كان الخيار متوقّفا على بقاء العين بعينها سقط من هذه الجهة كخيار التّفليس و العيب كما أنّه لو كان الجواز الحكمي أيضا متوقّفا على البقاء كما في الهبة لا يجوز الرّجوع عند الخلط

و أمّا لو امتزج بالجنس ففي صورة تساوي الجنسين لا شبهة في الاشتراك في المقدار إنّما الكلام في المزج بغير الجنس في الصّورتين الأخيرتين و المزج بالجنس في صورة الخلط بالأردإ و الأجود و تنقيح البحث في جميع صور الامتزاج يتوقّف على بيان أمرين الأوّل أنّ الامتزاج في المائعات يوجب الاشتراك بمقتضى القاعدة الأوّلية لما عرفت من أنّ التّالف لا يتعلّق به تكليف أو وضع سواء حصل التّلف قهرا أو بالاختيار عدوانا أو بحقّ و المفروض أنّ الامتزاج موجب لتلف الخصوصيّة الشّخصيّة من كلّ مال في جميع الصّور فكما لا يمكن أن يتعلّق تكليف بإفراز المالين فكذلك الوضع فمع تلف الشخصيّة لا يمكن أن يكون مالك المال قبل الامتزاج مالكا لشخص ماله بعد الامتزاج فيوجب التّلف الإشاعة قهرا عكس القسمة

الثّاني أنّ للاشتراك مراتب ثلاثة لا تصل النوبة إلى المرتبة اللّاحقة إلّا بعد تعذّر السّابقة الأولى الاشتراك في الممتزج بنسبة المالين في المقدار لأنّه لو أمكن أخذ كلّ مالك من عين الممزوج بمقدار حقّه قبل المزج فهو المتعيّن و هذا في مزج الجنس بالجنس مع تساويهما في الصّفات واضح فإنّ الفائت ليس إلّا الخصوصيّة الشخصيّة دون

ص: 83

أصل المال و وصفه و ماليّته فيأخذ كلّ منهما بمقدار حقّه من العين

الثّانية الشّركة في العين بمقدار المالية لا بمقدار الوزن و هذا كما في مزج الخلّ بالعسل لأنّ الفائت هنا شيئان خصوصيّة المالين و تلف الصّورة و لو عرفا فإن الخلّ لم يبق بصورته الأولى و لا العسل فهما شريكان في قيمة الممزوج و لكن من نفس الممتزج فإنّه لا وجه لشركتهما في الثّمن مع أنّ مادّة مالهما موجودة

الثّالثة الشركة في الثّمن كما في قصارة الثّوب و صبغه فإنّه لا يمكن الاشتراك في الثّوب فيباع و يقسّم الثمن بمقدار المال و العمل أو بمقدار المالين و العمل إذا عرفت ذلك ظهر أنّ الحقّ في المزج بالجنس مطلقا هو الشّركة في المقدار نعم لو امتزجه الغابن أو الغاصب بالأردإ فعليه أرش النّقص و لا وجه للشّركة في الماليّة لأنّه إذا أمكن الشّركة في المقدار لا تصلّ النّوبة إلى الشّركة في القيمة فإنّ امتزاج الحنطة الجيّدة بالرديئة لا يوجب إلّا فوت الخصوصيّة الشّخصيّة و تلف وصف الجودة أمّا فوت الخصوصيّة فيوجب الشّركة و أمّا تلف الجودة فيوجب استحقاق الأرش فلا وجه لأن يقوم المجموع و يأخذ كلّ منهما منه بمقدار قيمة ماله مع إمكان أخذ مقدار المال مع الأرش و ليس مزج الجيّد بالردي ء كمزج العسل بالخلّ في تلف الصّورة حتّى يقاس عليه فإنّ الصّورة باقية هنا عرفا

و أمّا لو امتزجه بالأجود فلا شي ء له أمّا الغاصب فظاهر و أمّا الغابن فلأنّه لم يعمل عملا حتّى يشترك في الثّمن و ليس على أحد ضمان جودة ماله فلا شي ء له و زيادة صفة في مال المغبون رزق رزقه اللّٰه تعالى ثمّ لا يخفى ما في عبارة المصنف من اختصاص إشكال الرّبا في الخلط بالأجود مع أنّه لو لزم الرّبا للزم في الصّورتين لأنّه لا فرق بين أن يأخذ الغابن أزيد من مقدار ماله أو المغبون و لكنّه لا يلزم في المقام من أصله و إنّه يجري في المعاوضات و توابعها و في الضّمانات و في المقام إذا اقتضى مزج المالين ذهاب المقدار كما في تبدّل الصّورة بصورة أخرى تصير العين مشتركة بينهما بحسب الماليّة و هذا ليس تبديلا حتّى يلزم الرّبا

[بقي الكلام في حكم تلف المعوضين]

قوله قدّس سرّه بقي الكلام في حكم تلف المعوضين إلى آخره

لا يخفى أنّه ينبغي أن يذكر حكم التّلف في أحكام الخيار و إنّما ذكره في المقام لمزيد اختصاص به و هو أنّه قد ادّعى الشّهرة بل الإجماع على أنّ تصرّف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن مسقط لخياره فقد يتوهّم أنّه لو كان التصرّف مسقطا لكان التّلف أولى فذكروا حكم التّلف في المقام لدفع هذا التوهّم و هو أنّه لو قلنا بسقوط الخيار بالتصرّف فلا يلزمنا القول بسقوطه بالتّلف إلّا أن يكون ما علل به في التّذكرة للسّقوط بالتصرّف و هو عدم إمكان استدراكه مع الخروج عن الملك هو بنفسه موردا للإجماع أو يكون مفاد دليل معتبر و المفروض أنّه لا هذا و لا ذلك فلا وجه للسّقوط بالتّلف مع أنّه قد عرفت أنّ أصل سقوطه بالتصرّف ليس إجماعيا

ثم إنّه لا يخفى عدم الفرق بين تلف مال من عليه الخيار و تلف مال من له الخيار فإنّ حكم التّلف في جميع الصّور واحد سواء تلف مال الغابن أو المغبون كان قبل الفسخ أو بعده فلا وجه للبحث فيما وصل إلى كلّ منهما مستقلا نعم في خصوص الفسخ قبل التّلف فرّق العلّامة فيما وصل إلى من عليه الخيار و من له الخيار فقال لو فسخ ذو الخيار و تلف ما وصل إلى من عليه الخيار ليس عليه ضمان فإنّ العين في يده أمانة و أمّا لو تلف ما وصل إلى من له الخيار بعد الفسخ فيده يد ضمان

و لكن أورد عليه شرّاح هذه العبارة و قالوا بعدم الفرق بين الصّورتين و أنّ يد كلّ منهما يد ضمان و مجرّد كون الفسخ ناشئا من قبل

ص: 84

من له الخيار لا يوجب أن يكون يد من عليه الخيار يد أمانة فإذا لم يكن فرق بين الصّور أصلا فنقول في محلّ البحث و هو التّلف قبل الفسخ أنّ التّلف إمّا أن يكون بآفة سماويّة أو بالإتلاف و المتلف إمّا من كان المال بيده أو طرفه أو الأجنبي فإذا كان التّلف بآفة أو بإتلاف من كان المال بيده فبالفسخ ينحلّ العقد و يرجع كلّ من المالين إلى صاحبه فلو كان الثّمن موجودا عند البائع الغابن و تلف المبيع عند المشتري المغبون بآفة أو بإتلافه يرجع المغبون إلى عين ثمنه و يضمن قيمة التّالف للبائع

ثمّ إنّ المدار في القيمة هل على قيمة يوم التّلف أو يوم الفسخ أو يوم الأداء أو أعلى القيم وجوه و الأقوى هو الثّالث لأن منشأ القول بأعلى القيم في غير المورد هو أن تفاوت القيمة السّوقيّة كتلف الأوصاف مضمون على القابض و في المقام نفس الأوصاف الحاصلة بين القبض و الفسخ ليس ضمانها على الفاسخ فضلا عن ارتفاع القيمة فإنّ سمن الدابّة المهزولة حين العقد غير مضمون على الفاسخ فإنّ ما اخترناه من ضمان الأوصاف هو الأوصاف الموجودة حال العقد التالفة حين الفسخ لا كلّ صفة تالفة و لو لم تكن موجودة حال العقد فيدور الأمر بين الأقوال الثّلاثة و القول بيوم القبض في غير هذا المورد ينطبق على القول بيوم الفسخ في المقام لأنّه يوم يصير المال في عهدة من كان مالكا له قبل الفسخ و حيث قلنا في باب الغصب و العقد الفاسد أنّ صحيحة أبي ولاد لا تدلّ على اعتبار يوم الغصب و لا تقتضي القواعد العامّة أيضا الانتقال إلى القيمة يوم الغصب فالقول بيوم الفسخ لا وجه له لأنه و إن كان يوم ردّ كلّ مال إلى صاحبه إلّا أنّ المال لما صار بسبب القبض مضمونا بضمان اليد فمقتضى الضّمان أنّه لو طرأ الفسخ و كان المال تالفا يجب ردّه بماليّته و أمّا ردّ قيمته يوم الفسخ فلا دليل عليه فيدور الأمر بين يوم التّلف أو يوم الأداء و منشأ الوجهين هو ما تقدم في ضمان اليد من أنّ التّلف هل يقتضي أن تتقدر ماليّة المال في ذاك اليوم أو لا يقتضي ذلك بل يبقى ماليّته في ذمة المتلف أو من تلف عنده إلى يوم الأداء و المختار هو الأخير

و كيف كان فلا يحتمل الضّمان في الفسخ بعد التّلف إلّا قيمة يوم التّلف أو يوم الأداء لا سائر الاحتمالات ثم لا يخفى أنه لو قيل بأنّ المدار على قيمة يوم التّلف فلا وجه لصحّة المصالحة على العين التّالفة لأنّه لو لم يكن للعين اعتبار البقاء و لو بحسب الماليّة فلا يصحّ الصّلح إلّا على قيمتها فلو صحّ على نفس العين يجب أن يكون المدار على يوم الأداء فالجمع بين جواز الصّلح و القول بيوم التّلف غير ممكن كما أنّه لو قيل بأن المدار على يوم التّلف فينبغي عدم الفرق بين الانفساخ و الفسخ

فما يظهر من الدّروس و من تبعه من أنّه لو اشترى عينا بعين فقبض إحداهما دون الأخرى فباع المقبوض ثم تلف غير المقبوض أنّ البيع الأوّل ينفسخ بتلف متعلّقه قبل القبض دون الثّاني فيغرم البائع الثّاني قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض لا وجه له لأنّ غرامة البائع الثّاني الّذي هو المشتري قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض ينطبق على القول بأنّ المدار على يوم الفسخ و إلّا لكان على البائع الثّاني قيمة يوم البيع الصّادر منه مع المشتري الثّاني فإنّه يوم تلف المبيع

و بالجملة قد ذكرنا مرارا أن مقتضى الضّمان المعاوضي كون البائع ضامنا للمبيع و المشتري للثّمن قبل القبض فإذا تلف أحدهما حينئذ يرجع الباقي إلى مالكه الأوّل لانفساخ المعاملة بسبب التّلف قبل القبض

ثمّ إذا وقع التّقابض يتبدّل ضمان البائع للمبيع بضمانه للثّمن و ضمان المشتري للثمن بضمانه للمبيع

ص: 85

و ينتقل الضمان المعاوضي بضمان اليد أي إذا تلف المبيع مثلا ثمّ طرأ الفسخ أو الانفساخ أو الإقالة يردّ المشتري إلى البائع قيمة المبيع و يأخذ ثمنه الّذي كان بدلا عن المبيع و إذا تلف كلّ منهما فيأخذ كلّ منهما قيمة ماله الّذي انتقل إلى الآخر ففي هذا المال حيث تلف المبيع أولا لانتقاله إلى الغير ثم طرأ الانفساخ من جهة تلف الثمن الغير المقبوض فالانفساخ يقتضي رجوع كلّ مال إلى صاحبه الأصلي و إذا كان كلّ منهما تالفا أحدهما قبل القبض و الآخر بعده فالقاعدة تقتضي في تلف المقبوض الرّجوع إلى قيمة يوم التّلف بناء على ما اختاروه و يوم تلف المبيع هو قبل الانفساخ أي يوم البيع و في تلف الثّمن حيث إنّه قبل القبض يقتضي رجوع المبيع إلى مالكه الأصلي و لمّا لم يمكن الرّجوع بعينه فيرجع بماليّته إمّا متقدّرة أو غير متقدّرة و لا وجه لرجوع قيمته يوم الانفساخ و الفرق بين الفسخ و الانفساخ لا وجه له

هذا كلّه حكم التّلف أو الإتلاف من المنتقل إليه و ظهر أنه لا فرق بين تلف ما عند الغابن أو المغبون فحكم تلف ما عند الغابن بتلف سماويّ أو بإتلافه حكم التّلف عند المغبون

بقي الكلام في إتلاف كل واحد ما عند الآخر و إتلاف الأجنبي فلو أتلف الغابن ما عند المغبون فلو لم يفسخ يأخذ قيمة ماله يوم الإتلاف و إذا فسخ يأخذ ثمنه ثم يردّ عليه قيمة التّالف يوم التّلف أو يوم الفسخ أو يوم الأداء و يأخذ منه قيمة التّالف يوم الإتلاف بناء على أن الإتلاف يقتضي اشتغال ذمّة المتلف بقيمة ذلك اليوم فقد يختلف القيمة الّتي يردّها و الّتي يأخذها و لو أتلف المغبون ما عند الغابن ثمّ فسخ يأخذ المغبون قيمة ماله على أحد الوجوه المتقدّمة و لكن يأخذ الغابن من المغبون قيمة يوم الإتلاف زادت على القيمة الّتي قيل بها في التّلف أو نقصت

و بالجملة كلّ مورد وقع تلف أو إتلاف في أحد العوضين دون الآخر فالباقي يردّ إلى صاحبه الأصلي بالفسخ أو الانفساخ و إنّما الكلام في التّالف في أنّه يؤخذ قيمته يوم التّلف أو يوم الفسخ أو يوم الأداء فإذا قلنا بأنّ الإتلاف يقتضي قيمة التالف يوم الإتلاف و الفسخ يقتضي قيمة التالف يوم الفسخ أو الأداء فإذا كان قيمة يوم الإتلاف مغايرا لقيمة يوم الفسخ أو الأداء يختلف ما يأخذه الفاسخ مع ما يأخذه المفسوخ عليه و أمّا لو كان موافقا فيصير تهاترا قهريا

و لو أتلف الأجنبيّ فلو أخذ منه صاحب المال قبل الفسخ قيمة التالف يتعيّن رجوع الفاسخ إلى المفسوخ عليه و كذا العكس و أمّا لو لم يأخذها ففسخ ذو الخيار فلا يتعيّن على كلّ منهما الرّجوع إلى طرفه بل يتخيّر بين الرّجوع إلى الطّرف و الرّجوع إلى المتلف كما هو مقتضى ضمان شخصين لمال واحد على التّعاقب

نعم بناء على الاعتبار بيوم الفسخ يتعيّن الرّجوع إلى الطّرف لأنّ المال و إن كان في ذمّة المتلف أيضا إلّا أنّه قد أتلف ما ليس للفاسخ قبل الفسخ فهو ضامن لمالكه الفعلي و المالك الأصلي يطلب مصداق ماليّته يوم الفسخ و من يشتغل ذمّته بمصداق هذا اليوم هو الطّرف لا المتلف فإنّه إنّما يضمن لعين المال أو قيمته يوم التّلف أو يوم الأداء

و على أيّ حال لا وجه لتعيّن الرّجوع إلى المتلف حتى بناء على اشتغال ذمّته بالغبن أو بماليّتها الغير المتقدّرة لأنّ المال و إن كان قبل الفسخ ملكا لمن انتقل إليه و بعد الفسخ ملكا لمن انتقل عنه إلّا أنّ مقتضى ضمان الطّرف جواز رجوع من انتقل عنه التّالف إلى الطّرف أيضا كما في تعاقب الأيدي ثم إنّه لا يخفى أنّ الإبراء بمنزلة القبض كما في إبراء الزّوجة قبل الدّخول مهرها فلو أتلف الغابن مثلا

ص: 86

مال المغبون فأبرأه المغبون ثمّ فسخ بأخذ ثمنه من الغابن و يرد عليه قيمة ما أبرأه من دون أخذ قيمة التّالف و ذلك واضح

[مسألة الظّاهر ثبوت خيار الغبن في كلّ معاوضة ماليّة]

قوله قدّس سرّه الظّاهر ثبوت خيار الغبن في كلّ معاوضة ماليّة إلى آخره

لا يخفى أنّه لو كان مدرك ثبوت خيار الغبن هو الإجماع لكان اللّازم هو الاقتصار على مورده و أمّا لو كان هو الشّرط الضّمني أو نفي الضّرر فيجري في كلّ معاوضة كان بناؤها نوعا على الدقّة و عدم المغابنة و لمّا اخترنا أنّ مدركه الشّرط الضّمني فيتعدّى إلى المعاوضات الّتي مبناها على الدقّة فينبغي بيان بناء المعاوضات طرّا فنقول منها ما يقتضي البناء النّوعي فيه على تساوي المالين و هو البيع و الإجازة و الصّلح القائم مقامهما كصلح ما في ذمّة شخص بعوض معيّن

و منها عكس ذلك كالصّلح الواقع في مقام رفع الخصومة و كالصّلح الواقع في مقام إبراء ما في ذمّة المصالح له فإن بناء هذين العقدين نوعا على التّسالم و التّجاوز عن الحقّ كائنا ما كان

و منها ما لا يقتضي هذا و لا ذاك فيتّبع اشتراط شخص العاقد في شخص المعاملة كالجعالة و نحوها فلو كانت المعاوضة من القسم الأوّل يجري فيها خيار الغبن إلّا إذا بنى أحد المتعاقدين أو كلاهما على المعاوضة بالغا ما بلغ فإنّ مع الإقدام يسقط شرط التّساوي و يقدم البناء الشّخصي على النّوعي و لو كانت من القسم الثّاني لا يجري فيها لأنّه لا اشتراط و لا في رفعه منّة بل يمكن أن يقال ليس الصّلح في مقام رفع الخصومة و لا في مقام الإبراء من المعاوضات و لذا لا يعتبر فيهما ثبوت حقّ أصلا و لو كانت من القسم الثّالث فيدور ثبوت الخيار فيه مدار الاشتراط و يتبع حكم كلّ معاملة شخص تلك المعاملة فظهر ممّا ذكرنا أنّ التّفصيل الّذي ذكره عن بعض هو الحقّ فإنّه لو لم يكن الخصوص معاوضة بناء نوعي يدور ثبوت الخيار فيه مدار الشّرط و مع البناء على التّسامح لا يجري الخيار بل قد عرفت أنّ البناء الشّخصي مقدّم على البناء النّوعي

[مسألة اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي]

قوله قدّس سرّه مسألة اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي إلى آخره

لا يخفى أنّ هذا الاختلاف يجري في كلّ عقد خياريّ لم يكن لمدّة الخيار تحديد من الشّرع كخيار الرّؤية و العيب و نحو ذلك و منشأ القول بالفوريّة هو الرّجوع في زمان الشّكّ إلى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و بالتّراخي إلى الاستصحاب و المصنف قدّس سرّه قد ناقش في كليهما أمّا الاستصحاب فللشكّ في موضوعه و لا يرد عليه أنّ الموضوع في باب الاستصحاب يؤخذ من العرف فلا وجه للشكّ فيه لأنّ ما يرجع فيه إلى العرف هو حيثيّة بقاء المستصحب لا حيثيّة ثبوته بمعنى أنّه لو أحرز للموضوع أوّلا ثمّ شكّ في ارتفاع الحكم عنه لاحتمال مدخليّة القيد الزّائل في عليّة ثبوت الحكم مع حكم العرف باتّحاد الموضوع في زمان الشكّ مع الموضوع في زمان المتيقّن لعده التبدّلات من حالات الموضوع لا من قيوده يجري الاستصحاب و أمّا لو لم يحرز الموضوع أوّلا بل ثبت الحكم في العنب مثلا و شكّ في مدخليّة العنبيّة في موضوع الحكم فلا يمكن إجراء الحكم في الزّبيب

و بالجملة إذا أحرز بمناسبة الحكم و الموضوع أنّ الموضوع هو ذات الشّي ء و شكّ في عليّة الوصف للحكم حدوثا أو حدوثا و بقاء فهنا محلّ الاستصحاب و أمّا لو لم يحرز أنّ الموضوع ذات الشّي ء أو أحرز عدمه و أنّ الوصف هو تمام الموضوع كالفقر لاستحقاق الزّكاة فلا يمكن إجراء الاستصحاب

و ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام الرّياض قدّس سرّه من التّفصيل بين ما إذا كان مدرك الخيار هو الإجماع فيجري الاستصحاب و ما كان مدركه قاعدة الضّرر فلا يجري و ذلك لأنّه لو سلّم اتّحاد الموضوع

ص: 87

في القضيّة المتيقّنة و المشكوكة يجري الاستصحاب سواء كان دليل المستصحب الإجماع أو قاعدة الضّرر لأنّ فائدة الاستصحاب إجراء الحكم الثّابت سابقا السّاكت عن زمان الشّكّ في مورد الشّكّ و لو ناقش في الموضوع لا يجري الاستصحاب كان دليل المستصحب هو الإجماع أو قاعدة الضّرر

فالأولى أن يقال إنّ الموضوع في المقام غير محرز لا لما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ الموضوع هو من لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ بل لوجه أمتن و أدقّ و هو أنّه فرق بين أن يدلّ دليل على أنّ الخيار ثابت التضرّر و بين أنّ ينفي اللّزوم لحكومة لا ضرر على الحكم الّذي ينشأ منه الضّرر فلو كان من قبيل الأوّل يمكن أن يقال إنّ الموضوع هو الشّخص المتضرّر لا الوصف العنواني و الشّخص باق كما في الخيار الثّابت للمبيع و لصاحب الحيوان و لذا يستصحب و أمّا لو كان من قبيل الثّاني فلا معنى للاستصحاب لعدم تحقّق أركانه أصلا لأنّه لم يثبت الخيار لشخص المغبون حتّى يستصحب الخيار له بل إنّما دلّ لا ضرر على أنّ الحكم الضّرري منفي ففي مورد لم يكن الحكم ضرريّا فلا حكومة فالقضيّة المتيقّنة غير المشكوكة بأسرها موضوعا و محمولا و نسبة لأنّ من يتمكّن من إعمال الخيار و لو آنا ما فاللّزوم ليس ضرريّا عليه أصلا هذا كلّه في التّمسّك بالاستصحاب

و أمّا الرّجوع إلى العموم في زمان الشّكّ فتنقيح ما فيه يتوقّف على ترتيب أمور الأوّل أنّ الزّمان بحسب طبعه الأصلي ظرف للأمر الواقع فيه و كونه قيدا له يحتاج إلى عناية و مئونة زائدة و منشأ جريان الاستصحاب في الزّمانيات هو كون الزّمان ظرفا و إلّا يكون من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر الثّاني أنّ الزّمان قد يكون ظرفا لمتعلّق الحكم و قد يكون ظرفا لنفس الحكم له قد يقع الزّمان تحت دائرة الحكم و يرد الحكم على الزّمان كما يرد على الأفراد كما إذا كان إكرام كلّ عالم في كلّ زمان واجبا و قد يقع الحكم تحت الزّمان و يرد الزّمان على الحكم فيكون الزّمان ظرفا لوجوب الإكرام الثّالث أنّه لو كان الزّمان ظرفا للمتعلّق يمكن استفاده العموم الزّماني من الدّليل الدّال على وجوب المتعلّق

و أمّا لو كان الزّمان ظرفا للحكم فلا يمكن استفادته من نفس دليل الحكم لأنّ الحكم لا يمكن أن يتعرّض لبقاء نفسه فلا بدّ في ثبوته من التّمسك بدليل الحكمة أو دليل آخر كقوله ع حلال محمّد صلّى اللّٰه عليه و آله حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة الرّابع أنّ ما ذكرناه في الأمر الأوّل من أنّ الزّمان بمقتضى طبعه الأولي يكون ظرفا و كونه قيدا يحتاج إلى مئونة زائدة إنّما هو بالنّسبة إلى الحكم الثّابت في الأزمنة المتعدّدة المتكثّرة فإنّ الحكم الثّابت في زمان إذا كان الزّمان قيدا له لا يمكن استصحابه في زمان آخر

و أمّا متعلّق الحكم فلا يجري فيه هذان اللّحاظان لأنه أمر وحدانيّ في جميع الأزمنة و لا يمكن فيه التكثّر بلحاظ الأزمنة لأنّ المتعلّق في زمان بنظر العرف عين المتعلّق في زمان آخر فإذا وجب الجلوس من الزّوال إلى الغروب في كلّ آن و شكّ في آن أنّه من بعد الغروب أو من قبله لا يمكن استصحاب الحكم و أمّا لو شكّ في بقاء الجلوس و ارتفاعه أو شكّ في أنّه جلوس نهاري أو ليلي فلا مانع من استصحابه

الخامس أنّ العموم على قسمين مجموعيّ و استغراقي و المراد من المجموعيّ ما كان الحكم الوارد على الأفراد المتعدّدة و الأزمنة المتكثّرة ملحوظا على وجه الارتباطيّة بين الأفراد أو الأزمان فيكون كلّ فرد أو كلّ زمان جزءا من الكلّ و المراد من الاستغراقي ما كان كلّ فرد جزئيّا و لا فرق بين الزّمان

ص: 88

و غيره في صحّة انقسامهما إلى المجموعي و الاستغراقي و صحّة تخصيص كلّ منهما و أنّ التّخصيص لا يضرّ بالمجموعيّة كما لا يضرّ بالاستغراقيّة لأنه كما يوجب خروج فرد من الاستغراقي كذلك يوجب خروج جزء من المجموعيّ و كما أنّه إذا خرج فرد عن العموم الاستغراقي يجب امتثال الحكم في سائر الأفراد فكذلك إذا خرج جزء عن المركب يقع الارتباطيّة في باقي الأجزاء

ثم إنّه كما إذا شكّ في التّخصيص في الاستغراقي يتمسّك بالعموم فكذلك إذا شكّ في خروج بعض الأجزاء من المجموعي يتمسّك بالعموم و كيف كان فلا يخفى أنّه ليس الارتباطي غير المجموعي و لا ينقسم العموم إلى زيد من القسمين

إذا عرفت ذلك ظهر أنّه لو كان الزّمان ظرفا للمتعلّق لكان استفادة العموم الزّماني من الدّليل الدالّ على وجوب المتعلّق في مقام اللّفظ بمكان من الإمكان فيصحّ أن يقال أكرم العلماء دائما أو في كلّ زمان أو مستمرّا و غير ذلك من الألفاظ و أمّا إذا لم يكن ظرفا للمتعلّق فلا يمكن استفادة العموم و استمرار الحكم إلّا من دليل خارجيّ من حكمة و غيرها و هذا لا إشكال فيه إنّما الكلام في تمييز الموارد التي يكون الزمان ظرفا للحكم عن غيرها فنقول جميع الأحكام الوضعيّة لا بدّ من أن يكون الزّمان فيها ظرفا للحكم كقوله هذا نجس و هذا طاهر و هذا ملك زيد و العقد لازم و هكذا لعدم ثبوت متعلّق فيها حتى يردّد بين كون الزّمان ظرفا له أو للحكم بل هناك حكم و موضوع فيجب أن يكون الزّمان ظرفا للحكم

فإن قلت هذا لو قيل بتأصليّة الأحكام الوضعيّة و أمّا لو قيل بانتزاعيّتها من الأحكام التكليفيّة فلا محالة كلّ حكم تكليفيّ له متعلّق فيمكن أن يكون الزّمان ظرفا له لا للحكم

قلت أولا أنّه لا يمكن أن يكون مثل النّجاسة و الطّهارة و لزوم العقد و الملكيّة و الزّوجيّة و أمثال هذه الوضعيات منتزعة لعدم صحّة انتزاع النّجاسة المترتّبة عليها آثار مختلفة كحرمة شربها و فساد بيعها و عدم جواز الصّلاة معها من حكم تكليفيّ يكون منشأ لانتزاع هذه الأحكام و الآثار لأنّ قوله اجتنب عنه أو لا تشربه أو غيرهما لا يشمل جميع الآثار الوضعيّة و ثانيا أنّ الحكم التّكليفي المنتزع عنه لزوم العقد ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ليس له متعلّق صادر عن المكلّف خارجا لأنّ الوفاء ليس من أفعال المكلّف حتّى يمكن أن يكون دائميّا بلحاظ كل آن من الآنات و حرمة تصرّف كلّ عاقد فيما انتقل عنه ليس من آثار الوفاء و لكون التصرّف نقضا له بل من جهة أن ما انتقل عنه صار مال الغير فيكون تصرّفا غصبيّا فهذا الحكم التّكليفي لا محالة يرجع إلى أنّ العقد لازم و لا ينتقض و ليس أوف بالعقد كأوف بالنّذر حتى يكون وجوب الوفاء به هو العمل به كالعمل بالنّذر و إلّا وجب العمل بالعقد بأن يتصرّف في ما انتقل إليه و ثالثا أنّ الحكم التّكليفي المجعول لا بدّ من أن يكون مناسبا للحكم الوضعيّ لأنّ المقصود بالأصالة إذا كان تشريع الوضعيّ و لم يمكن جعله إلّا بجعل منشإ انتزاعه فيجب أن يجعل منشأ الانتزاع على نحو ينتزع عنه الحكم الوضعيّ فإذا قيل يجب الوفاء بالعقد فلا بدّ من إثبات الوجوب في جميع الآنات و بالنّسبة إلى كلّ طار من الفسخ و غيره و إثبات الوجوب في جميع الآنات لا محالة إمّا بدليل خارجي و إمّا بدليل الحكمة و هو لغويّة وجوبه في بعض الآنات فبالأخرة يرجع الزمان إلى الحكم لا إلى المتعلّق و أمّا إثبات الوفاء بالنّسبة إلى كلّ طار فلا يفيد إلّا أنّ العقد بالفسخ لا ينفسخ لا أنّ الوفاء ثابت دائما

و بالجملة و إن أمكن أخذ الزمان ظرفا للمتعلّق فيقال إنّ الوفاء في كلّ آن واجب

ص: 89

إلّا أنّه لو لم يؤخذ في اللّفظ كذلك و علم من الخارج لغويّة تشريع هذا الحكم في بعض الأزمان يقع الزّمان فوق دائرة الحكم لا محالة

و أمّا التكليفيات فالكلام فيها تارة يقع في النّواهي و أخرى في الأوامر أمّا النّواهي فيمكن ثبوتا كلا القسمين فيها بأن تكون حرمة الخمر مثلا دائميّة في جميع الأزمنة أو يكون الشّرب محرّما دائما فإذا كان الزّمان ظرفا للحكم لا يمكن تشريع الاستمرار ثبوتا بتشريع الحكم و لا استفادته إثباتا من دليل الحكم لأنّ الحكم بمنزلة الموضوع للدّوام و الاستمرار فلا بدّ من تشريعه أولا ثم جعله دائميّا و هكذا في مقام الإثبات لا بدّ من استفادة الاستمرار من غير دليل الحكم كدليل الحكمة و نحوه و إذا كان ظرفا للمتعلّق فيمكن تشريعه ثبوتا بتشريع الحكم و استفادته إثباتا منه و تقدّم أنّ اعتبار ثبوت المتعلّق في جميع الآنات لا يختصّ بلفظ خاصّ فينشأ بمثل أبدا أو دائما أو في كلّ آن أو يستفاد من دليل التّخصيص كما إذا خرج الشرب في زمان خاصّ من لا تشرب الخمر فإنّه يستكشف منه أن الشرب في جميع الآنات كان متعلّقا للحكم

ثم لا يخفى أنّ لفظ الاستمرار و الدّوام و الأبد مثل لفظ كلّ آن في أنّ الظّاهر من الجميع هو العموم الأصولي أي كلّ آن من الآنات موضوع غير الآن الآخر لا العموم المجموعي فعلى هذا كان الزّمان ظرفا للحكم أو للمتعلّق لو عصى المكلّف في آن و أطاع في الآخر كان كلّ آن تابعا لنفسه و لا يرتبط طاعته إن بان آخر فمحلّ النزاع في المقام هو العموم الزمانيّ الأصوليّ كعموم الأفراديّ العرضيّ كما أنّ النّزاع أيضا يختصّ بالأحكام الشخصيّة المتعلّقة بالموضوعات الخارجيّة بعد تحقّقها

و أمّا الأحكام الكليّة أي المجعولة على سبيل القضيّة الحقيقيّة و المنشأة على الموضوعات المقدر وجوداتها فالزمان المأخوذ فيها ظرف للحكم و عموم الحكم معناه عدم نسخه فما يقال إن النسخ تخصيص في الأزمان قول صدر على خلاف الاصطلاح لأنّ عموم الزمان الّذي يرفعه النّسخ إنّما هو للحكم المجعول على كلّ موضوع على فرض وجوده لا للمتعلّق أو الموضوع حتّى يقبل التّخصيص

ثمّ إنّه إذا كان الزمان ظرفا للمتعلّق فخروج بعض أفراد المتعلّق لا يوجب رفع اليد عن غيره ففي مورد الشّكّ يرجع إلى العام لا إلى استصحاب حكم المخصّص و لا يمكن الرّجوع إليه و لو لم يكن هناك عام لأنّه من إسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر لما عرفت أنّ محلّ البحث إنّما هو فيما إذا كان كلّ آن من الآنات موضوعا مستقلّا غير الآن الآخر

و أمّا إذا كان الزمان ظرفا للحكم فلا يمكن الرّجوع إلى العموم لأنّ العموم الثّابت بدليل الحكمة أو بدليل آخر تابع لوجود موضوعه أي إذا كان شي ء حلالا فحليّته تستمرّ إلى أن يزيلها المزيل و أمّا إذا خرج عن الحليّة كما لو صارت الشّاة جلّالة ثم شكّ بعد خروجها عن الجلل بأنّها حلال أو حرام فبقوله ع حلال محمّد ص حلال إلى يوم القيمة لا يمكن التمسّك لرفع الشّكّ و إثبات الحليّة لأنّ كلّ حلال يستمرّ حليّته و أمّا أن هذا حلال أو حرام فلا يمكن إثباته بهذا العموم لأنّه كما يدلّ على استمرار حليّة الحلال كذلك يدلّ على استمرار حرمة الحرام و مع الشّكّ في الحليّة و الحرمة لا يمكن إثبات الاستمرار الّذي هو تابع لإحراز الموضوع و لا يعقل أن يكون عموم الحكم محرزا لموضوعه ففي المقام مرجع الأمر إلى استصحاب حكم المخصّص لا إلى عموم العام بل لو لم يجر الاستصحاب لم يمكن الرّجوع إلى العام

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّه لو كان الزّمان ظرفا للمتعلّق أي أخذ كلّ آن من آنات الشّرب موضوعا و تعلّق الحكم بجميعها فإذا شكّ في أصل التّخصيص أو في مقدار المخصّص فالمرجع هو عموم العام لأنه لا فرق

ص: 90

في صحّة التمسّك بالعموم بين الأفراد العرضيّة للشرب و أفراده الطّوليّة غاية الفرق بينهما أنّ أفراده العرضيّة بنفس تعلّق النّهي بالطّبيعة يندرج كلّ فرد تحتها و لذا يقال إن ترك الطّبيعة بترك جميع الأفراد و أمّا الأفراد الطّوليّة فلا بدّ من لحاظها على حدة غير تعلّق الحكم بالطّبيعة لأنّ ترك الطبيعة بنفسه لا يدلّ على تركها في جميع الأزمان و لكنّها إذا لوحظت و تعلّق الحكم بالطبيعة بهذا اللّحاظ فلا يتوقّف على عناية زائدة لأنّ طواري المتعلّق يمكن لحاظها إطلاقا أو تقييدا في مرتبة الجعل لأنّ طواريه كطواري الموضوع تكون في المرتبة السّابقة على الحكم

و أمّا لو كان الزّمان ظرفا للحكم فبنفس تشريع الحكم لا يمكن لحاظ بقائه في كلّ آن بل لا بدّ من تشريعه أوّلا ثم لحاظه كذلك لأن بقاء الحكم كالعلم و الجهل به من الطّواري المتأخّرة عن رتبة الجعل فلا بدّ من ثبوت الموضوع أوّلا ثمّ الحكم ببقائه و إذا جعل الزّمان ظرفا له بجعل آخر فلو شكّ في أصل تخصيصه أو في مقدار المخصّص فالمرجع ليس عموم العام بل استصحاب حكم العام إذا شكّ في أصل التّخصيص و استصحاب حكم المخصّص إذا شكّ في مقدار المخصّص

فتبيّن ممّا ذكرنا أنّ مورد الرّجوع إلى العام غير مورد الرّجوع إلى الاستصحاب و لم يفرض المصنف قدّس سرّه ظرفيّة الزّمان في مورد واحد على قسمين حتّى يورد عليه ما أورد و تمام الخلط نشأ من هذا التوهّم و بعد وضوح المقصود فلو كان التّعبير منه قدّس سرّه قاصرا و موهما فالإيراد على التعبير لا وقع له

و عمدة الفرق ما ذكرنا من أنّ الزّمان قد يؤخذ تحت الحكم و قد يؤخذ فوقه و الرّجوع إلى العموم يصحّ في الأوّل دون الثاني و الرجوع إلى الاستصحاب يصحّ في الثّاني دون الأوّل

و إذا تبيّن أنّ النّواهي بأسرها قابلة لكلا القسمين فهل الأصل اللّفظي يقتضي أن يكون الزّمان ظرفا للحكم أو المتعلّق فنقول إنّ مقتضى القواعد اللّفظية هو الأوّل لأنّ كونه ظرفا للمتعلّق لا بدّ من التّصريح به في اللّفظ بأن يقال الشّرب في كلّ آن حرام فإذا لم يؤخذ المتعلّق في كلّ آن متعلّقا للحكم بل ورد النصّ على الطبيعة المرسلة أو على النّكرة فتعلّق النّهي بهما لا يقتضي إلّا عموم الطّبيعة لجميع أفرادها العرضيّة دون الطّوليّة و ذلك لأنّ النهي لم يوضع للدّوام و التّكرار و لذا يجري النّزاع في دلالة الأمر على الفور و عدمها في النّهي و إلحاق النّهي بالأمر في هذا النّزاع يكشف عن أنّ جهة الفرق بينهما تختصّ بدلالة النّهي على ترك الطّبيعة بمطلق وجوداتها العرضيّة دون الأمر فإنه يدلّ على صرف الوجود و أمّا من غير هذه الجهة فهما سيّان فلا بدّ من إثبات الفوريّة و الدّوام من دليل خارج فإذا ورد النّهي مجردا عن الدّوام كأن قيل لا تشرب الخمر فيحتاج في استفادة ترك الطّبيعة زائدا عن المقدار المتيقّن و هو آن ما إلى مقدمات الحكمة و لا شبهة أنّ الحكمة تقتضي تعلّق الطّلب بأزيد من مقدار ما لأنّ ترك الشّرب آنا ما حاصل فتشريعه لغو فإذا استفيد الدّوام من مقدمات الحكمة فلا محالة يرجع نتيجة الدّوام إلى دوام الحكم لا إلى آنات المتعلّق لأنّ المتعلّق معنى أفرادي و قرينة الحكمة تجري في الجمل لأنّه لا معنى لأن يقال إنّ الحكمة تقتضي دوام الخمر أو دوام الشرب بل الحكمة تقتضي دوام النّهي و دوام اللّزوم و هكذا

و ظهر ممّا ذكرناه سر عدم تمسّك العلماء لحرمة الخمر في مورد الشّكّ في حليّته و حرمته كحال المرض بمثل لا تشرب الخمر بل يتمسّكون لإثبات حرمته بالاستصحاب لأنّ التمسّك بالخطاب لا يمكن إلّا إذا أخذا الزّمان ظرفا للشّرب و أخذه كذلك يجب أن يكون بتصريح في اللّفظ و إلّا فلا محالة يقع الزمان ظرفا للحكم

ص: 91

لما ظهر أنّ الحكمة لا تجري في ناحية المتعلّق لأنّه من دون تعلّق حكم به لا معنى لأن يؤخذ دائما أو لا دائما فدليل الحكمة في ناحية المتعلّق يكون من السّالبة بانتفاء الموضوع

هذا كلّه في النّواهي و أمّا الأوامر فما كان من الأمور الاعتقاديّة فأخذ الدّوام في نفس الحكم بمكان من الإمكان و بعده أسّسنا الأصل اللّفظي ففي مورد الشّكّ في أخذ الزّمان في الحكم أو في المتعلّق فالأصل يقتضي أن يقع الزّمان ظرفا للحكم

و ما كان من الأعمال الجوارحية كالصّوم و الصّلاة فما كان للزّمان دخل في مصلحته و ملاكه كالصّوم فأخذ الزّمان ظرفا للحكم أيضا لا محذور فيه بأن يكون وجوب الصّوم من أوّل الطّلوع إلى الغروب مستمرّا كما يمكن أن يكون الإمساك المستمرّ واجبا أي يمكن أن يجعل الاستمرار ظرفا للطّلب كما يمكن أن يجعل ظرفا للمطلوب فلو لم يكن الزّمان في مقام الإثبات ظرفا للمطلوب فلا محالة يرجع إلى الطّلب

و الثّمرة بين الوجهين تظهر في وجوب الإمساك في بعض الآنات مع العلم بعدم تعقّب هذا الجزء بالأجزاء اللّاحقة كما إذا علم بأنّه يسافر قبل الزّوال أو علمت المرأة بأنّها تحيض في أثناء النّهار فلو كان الزّمان ظرفا للحكم يجب الإمساك لأنّ الطّلب باق بمقدار بقاء الشّرط و وجوب الكفّارة يستقيم في هذا الفرض أيضا لأنّ كلّ آن تابع لدليل حكمه و لا يتوقّف أيضا على تصوير الشّرط المتأخّر و جعل الأمر الانتزاعي شرطا لأنّ الشّرط لوجوب الإمساك في كلّ آن حاصل

و أمّا لو كان الزّمان ظرفا للمتعلّق فلازمه أن يكون الطّلب بالنّسبة إلى هذا الأمر الممتد فعليّا من أوّل الطّلوع و لازم فعليته مع كون المطلوب مستمرّا أن يكون تعقّب سائر الأجزاء مع شرائطها معتبرا في فعليّته فيتوقّف الفعليّة على الشّرط المتأخّر بنحو التّعقّب و لازمه أيضا أن يكون وجوب الإمساك و الكفّارة مع العلم بعدم تعقّب هذا الجزء بسائر الأجزاء من جهة دليل خارجيّ و إلّا فلا بدّ من القول بصحّة أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه

و بالجملة قد ذكرنا في باب التّرتب أنّه يمكن تصوير الاستمرار في نفس الطّلب و يتبعه المطلوب في الاستمرار و يرتفع به الإشكالات الواردة في الصّوم مع الالتزام بقبح أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه هذا إذا كان للزّمان دخل في المصلحة

و أمّا إذا لم يكن كذلك و إن كان زمانيّا لا بدّ و أن يقع في الزّمان كالصّلاة و أمثالها فقد يتوهّم أنّه لا يمكن أن يجعل الزّمان ظرفا للحكم لأنّ لازم استمراره أن يكون المكلّف في كلّ آن مشغولا بالصّلاة و لكنّه توهّم فاسد لأنّ استمرار الحكم تابع لكيفيّة جعل المتعلّق فإذا وجب الصّلاة في أوّل الظّهر ثمّ بعد العصر ثمّ بعد الغروب أو جعل الصّلاة واجبة في أوّل الظّهر من اليوم و في أوّل الظّهر من الغد و هكذا و أخذ الزّمان ظرفا للحكم فمعنى استمرار الحكم أنّ الوجوب في أوّل الظّهر في جميع الأيّام باق و انفصال الامتثال لا يضرّ بالاتّصال فيمكن أخذ الزّمان ظرفا لنفس الحكم في مثل الصّلاة و نحوها ممّا لم يكن للزّمان دخل في ملاك الحكم كما يمكن أخذه ظرفا للمتعلّق و تظهر الثّمرة بين الوجهين فيما إذا أخرج المقيم عن بلد الإقامة من دون إنشاء سفر جديد بل كان قاصدا للرّجوع إلى محلّ الإقامة أو كان متردّدا بناء على أن تكون الإقامة قاطعة للسّفر حكما لا موضوعا و أمّا لو قيل قاطعة موضوعا فلا يترتّب على الوجهين ثمرة

و توضيح ذلك أنّه لو قيل بأن المقيم ليس بمسافر موضوعا كما هو المختار فالحكم واضح و معنى كونه غير مسافر موضوعا أن تكون الإقامة عرفا ضدا للسّفر فإنّ المكث في محلّ يخرج المسافر عن كونه مسافرا

نعم خروجه عن هذا العنوان له مراتب متفاوتة في نظر العرف و لكنّ

ص: 92

الشّارع حدّد الموضوع و عيّنه في إقامة عشرة أيّام كسائر التّحديدات الشّرعيّة كتحديده أصل السّفر فإنّه بنظر العرف مختلف و لكن حدّده الشّارع بثمانية فراسخ و هكذا الكثرة في الماء الّذي لا يستقذر حدّدها الشّارع بمقدار خاص فلا يقال إنّ المقيم لو كان حاضرا موضوعا لكان اللّازم عدم الفرق بين عشرة أيّام و عشرة أيّام إلّا ساعة لأنّ العرف و إن لم يفرّق بينهما إلّا أنّ بعد تحديد الشّارع هذا الموضوع العرفي لا يبقى مجال لسؤال الفرق فإذا كان المقيم غير مسافر موضوعا فيجب على المقيم الخارج عن محل الترخّص العازم على العود أو المتردّد في السّفر التمام و ذلك لأنّه يستفاد من الأدلّة على أنّ كلّ مكلّف يجب عليه التمام خرج عنها المسافر فإذا شكّ في أن الخارج عن محلّ الإقامة العازم على العود حكمه حكم حال الإقامة أو حكمه حكم حال السّير فمقتضى العموم هو وجوب التمام عليه سواء كان الزّمان في باب السّفر مأخوذا في المتعلّق أو في الحكم لأنّه على أيّ حال خارج عن كونه مسافرا

و أمّا لو قيل بأن المقيم مسافر و لكنّه خارج عنه حكما كالعاصي بسفره فإنّه لا إشكال في كونه مسافرا يجب عليه التمام فتظهر الثّمرة بين جعل الزّمان ظرفا للحكم أو للمتعلّق لأنه لو كان وجوب القصر على المسافر مستمرّا فلو رجع العاصي بسفره عن عزمه و لم ينشأ بعد الرّجوع سفرا جديدا أي بمقدار المسافة و هكذا لو خرج المقيم من دون عزم على السّفر الجديد فالمرجع هو استصحاب حكم المخصّص و لو كان الزّمان ظرفا للمتعلّق بأن كان مفاد الدّليل على أنّ لكلّ مسافر القصر فخروج بعض أفراد الصّلاة لا يمنع عن الرّجوع إلى العام في البعض الآخر المشكوك فيجب عليه القصر بعد الخروج أو بعد الرّجوع عن المعصية

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ الزمان في الوضعيات بأسرها مأخوذ في الحكم و أمّا التّكليفيّات وجوبيّة كانت أو تحريميّة و الوجوبيّة جوانحيّة كانت أو جوارحيّة فيمكن بحسب الثّبوت أن يكون الزّمان ظرفا للمتعلّق و أن يكون ظرفا للحكم و إذا لم يصرّح في اللّفظ بكونه ظرفا للمتعلّق و علم بأنّ ثبوت التّكليف في الجملة لغو فلا محالة يقع الزّمان ظرفا للحكم و لازمه أن لا يكون المرجع عموم العام بل إمّا استصحاب حكم العام أو استصحاب حكم المخصّص

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّه لو شكّ في كون الخيار على الفور أو التّراخي ليس المرجع عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بل لا بدّ أن يرجع إلى استصحاب حكم المخصّص

إن قلت يمكن أن يكون المرجع عموم العام بتقريب آخر و هو أنّه لا شبهة أنّ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وضعيّة كانت أو تكليفيّة حكم على من أنشأ الالتزام العقدي و المنشئ ينشئ الملكيّة الدّائمة لا الموقّتة فإذا كان وجوب الوفاء بالملكيّة الدائمة لازما فيرجع في غير القدر المتيقن من زمان ثبوت الخيار و هو الفور إلى وجوب الوفاء بالمنشإ

قلت فيه أوّلا أنّ الدّوام و التّوقيت ليسا من منشئات المتعاقدين بل إنّما هما من الأحكام الشّرعيّة و ليس المنشأ بقوله بعت البيع من زمان الإنشاء إلى آخر الدّهر و بعبارة أخرى اللّزوم و الجواز أو التأبيد و التّوقيت في البيع من الأحكام الشرعيّة لا من منوعات البيع و لا يختلف حقيقته باختلاف أحكامه و هكذا في النّكاح على المشهور فإن حقيقة الانقطاع و الدّوام واحدة و لذا لو نسي ذكر الأجل يقع دائما بمقتضى القاعدة لأنّ الدّوام لا يحتاج إلى إشارة إليه في العقد بل عدم ذكر المدّة مع إنشاء علقة الزّوجيّة يقتضي الدوام

نعم لو كان الدّوام و الانقطاع حقيقتين مختلفتين فنسيان الأجل يقتضي بطلان النّكاح رأسا لأنّ ما قصد لم يقع و ثانيا أنّ الدوام و إن كان من منشئات المتعاقدين إلّا أنّه يجب الوفاء به إذا دلّ عليه لفظ أي إذا أنشأ بما

ص: 93

هو آلة لإيجاده و مجرّد قصد العاقد الدّوام مع عدم إيجاده بآلته من قول أو فعل لا اعتبار به في العقود لأنه يكون كالشّروط البنائيّة الّتي لم تذكر في العقود لا صريحا و لا إشارة

قوله قدّس سرّه و أمّا استناد القول بالتّراخي إلى الاستصحاب فهو حسن على ما اشتهر من المسامحة إلى آخره

قد ذكرنا في أوّل العنوان أنّ المصنف قدّس سرّه ناقش في أدلّة الفور و التّراخي كليهما

و ظهر أنّ المدرك للخيار لو كان هو قاعدة لا ضرر لا يجري الاستصحاب لوجهين الأوّل أنّ الموضوع لو كان اشتقاقيا كالمتضرّر يمكن أن يكون بحسب الثّبوت تمام الموضوع للحكم هو الوصف العنواني و يمكن أن يكون الموصوف بالوصف ففي مقام الإثبات إذا أحرز بمناسبة الحكم و الموضوع أنّ الموضوع أيّهما فهو و إلّا فلا يجري الاستصحاب للشّكّ في الموضوع و لو كان جامدا فالموضوع هو ذات الشّي ء بصورته النّوعيّة لا بالمادّة الهيولائيّة و حيث إنّ الموضوع في المقام عنوان اشتقاقيّ و يشكّ في أنّه الموصوف أو الوصف فلا يجري الاستصحاب و الثّاني أن مقتضى حكومة أدلّة لا ضرر و لا حرج على الأحكام الثّابتة أن يكون الحكم المعنون بالضّرر و الحرج مرفوعا فالعقد اللّازم إذا كان لزومه الشّرعي ضرريّا فلزومه منفي و أمّا لو لم يكن كذلك فلا وجه لنفيه و رفعه ففي غير مورد الضّرر لا حكومة أصلا

و أمّا لو كان المدرك للخيار هو الإجماع فهذان الإشكالان غير واردين لأنّ الإجماع يثبت الخيار للمغبون فالموضوع باق حين الشّكّ إلّا أنّه حيث ثبت في محلّه عدم جريان الاستصحاب مع الشّكّ في بقاء المستصحب بحسب طبعه في عمود الزّمان مع قطع النّظر عن طروّ زمانيّ عليه فلا يفيد الإجماع أيضا لاستصحاب الخيار

ثمّ إنّه لا يخفى أنّ منشأ الإشكال بحسب كلّ مدرك غير منشئه بحسب مدرك آخر و عبارة الكتاب لا يخلو من اضطراب و الخطب هيّن هذا تمام الكلام فيما استفدته من شيخنا الأستاد دام ظلّه في الخيارات و لما فاتني ما أفاده في خيار التأخير و أحكام الشّروط فاستنسخته ممّا كتبه العالم الفاضل ثقة الإسلام المرحوم الشّيخ أبي الفضل طاب ثراه نجل المرحوم الآخوند ملّا محمّد علي الواعظ الآبي الأصفهاني النّيم آوردي فخيار التّأخير و أحكام الشّروط من تقريرات هذا الفاضل المرحوم قال رحمه اللّٰه تعالى في حاشيته على الكتاب

القول في خيار التّأخير
اشارة

القول في خيار التّأخير إلى آخره

من باع شيئا و لم يسلّمه إلى المشتري و لا قبض الثمن لزمه البيع ثلاثة أيّام فإن جاء المشتري بالثمن في الثلاثة فهو أحقّ بالعين و إلّا يتخيّر البائع بين الفسخ و الصّبر و المطالبة بالثّمن هكذا عند الإماميّة كما قال العلّامة في التّذكرة و علّله بأنّ الصّبر أبدا مضرّ بالبائع فينفي بحديث الضّرر

و لكنّه لا يخلو عن المناقشة حيث إنّ مجرّد الصّبر على الثّمن لا يعدّ ضررا و باعتبار كونه في ضمانه و دركه عليه لو تلف قبل قبضه فهو أيضا لا يصلح لكونه موجبا للخيار فعلا حيث إنّه في معرض الضّرر هذا مضافا إلى أنّ إناطة الحكم به لا تنطبق على ما بنوا عليه نفيا و إثباتا سعة و ضيقا

و ربّما يعلّل بإطلاق العقد بتقريب أنّ مقتضاه تسليم المبيع و تسلّم الثّمن على غير وجه المماطلة و المسامحة عرفا و حيث إنّه لم يكن منضبطا عند العرف فربّما يوجب التّشاح و التّشاجر فحدّده الشّارع بثلاثة أيّام كما في غيره من التحديدات الشرعيّة فمرجعه إلى الشّرط الضّمني و الخيار عند تخلّف الشّرط

و هذا و إن يساعده الاعتبار و ربما يشعر به بعض الأخبار لكنّه إنّما يصلح لأن يكون علّة لتشريع الحكم لا أن يناط به الحكم نفيا و إثباتا

ص: 94

و إلّا فلا وجه لاختصاصه بالبائع و لا بصورة عدم قبض الثّمن و إقباض المثمن فتأمل جيّدا

و كيف كان فالمدرك الصحيح في المسألة الأخبار الخاصّة إلّا أن مقتضاها طرّا إبطال البيع و أنّه لا بيع بينهما بعد الثلاثة الظّاهر في نفي حقيقته و صحّته لا مجرّد لزومه و لذا توقّف فيه بعض الأجلّة و جزم به صاحب الحدائق طاعنا على العلّامة في المختلف حيث إنّه قدّس سرّه اعترف بظهور الأخبار في البطلان و مع ذلك اختار نفي اللّزوم و ثبوت الخيار مستدلا بأنّ الأصل بقاء صحّة العقد

هذا و لكن لا يخفى على المتأمّل أن بعد القطع بأنّ تشريع هذا الخيار الخصوص البائع دون المشتري إنّما هو لأجل الإرفاق على البائع إمّا لكون المبيع قبل القبض في ضمانه و إمّا لتوقيف ثمنه و عدم انتفاعه به مع خروج المبيع عن ملكه و على أيّ حال الإرفاق عليه لا يقتضي أزيد من خياره بل ربّما يكون الحكم بالبطلان منافيا له كما لا يخفى

هذا مضافا إلى ظهور قوله عليه السّلام في غير واحد من الأخبار لا بيع له إلى آخره في انتفاء البيع من طرف المشتري المنتج لثبوت الخيار في طرف البائع و بعد اعتضاده بما ذكرنا من الإرفاق و بفهم العلماء منها نفي اللّزوم لا الصّحة بالاتّفاق إلّا ما شذّ و بموافقته مع الأصل المقتضي لبقاء الصّحة عند الشّكّ فلا يعارضه ما في رواية عليّ بن يقطين من أنّه لا بيع بينهما الظاهر في بطلان البيع و انفساخه من الطّرفين رأسا كما لا يخفى

و كيف كان فالقدر المسلّم من هذه الأخبار في قبال عمومات صحّة العقود و لزومها ثبوت الخيار بالشّرائط المذكورة في عنوان المسألة منها أن لا يقبض المبيع و الظّاهر عدم الخلاف في اشتراطه كما هو المصرّح به في بعض الأخبار فيقيّد به سائر مطلقاتها كما هو القاعدة في جميع الأبواب فأصل الاشتراط ممّا لا إشكال فيه و إنّما الإشكال في أنّ المراد منه القبض الخارجيّ كما هو مقتضى ظهوره الأوّلي فلو مكّنه من المبيع فلم يقبض كان الخيار باقيا على حاله لصدق أنّه ما قبضه و في قباله لو قبضه بدون إذن البائع و اطلاعه كان رافعا للخيار لصدق أنّه قد قبضه مطلقا أو مع عدم الاسترداد و المراد منه القبض الرّافع لضمان البائع الحاصل بالتّمكين و لو لم يقبض الغير المتحقّق بالعدوان فلو لم يسترد فلا خيار في الفرع الأوّل لتحقّق القبض دون الثّاني لعدم تحقّقه وجهان من التعبّد بظاهر النصوص و ممّا ذكرنا من القرينة المقاميّة المرتكزة من أنّ جعل الخيار هنا للبائع من جهة الإرفاق عليه و كون المبيع قبل قبضه في ضمانه و دركه على عهدته

فيدور الحكم هنا مدار تلك المسألة فكل قبض كان مسقطا لضمان البائع هاهنا مسقط لخياره هناك فلو مكّنه من المبيع و لم يقبض لم يكن له خيار حيث لا يكون له ضمان و كذلك لو قبضه ثمّ أودعه عنده

و دعوى إطلاق الأدلّة حيث إنّ قوله ع ثم يدعه عنده أعمّ من كونه مسبوقا بالتّمكين و عدمه مدفوعة بما استظهرنا من القرينة المقاميّة و القاعدة الارتكازيّة و هي كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و بها رفعنا اليد عن ظهور الأخبار في نفي الصّحة إذ ليس هذا الظهور بأقوى من ذلك الظهور قطعا و كذلك ظهور القبض في القبض الخارجي بل بعد ارتكازيّة ذاك الحكم و احتفاف الكلام بتلك القرينة لا ينعقد ظهور على خلافها و على وجه ينافيها و يعارضها فتأمل جيدا

و من هنا يظهر الوجه في الفرع الرّابع الّذي ذكروه في هذا المقام و هو قبض بعض المبيع دون بعض فعلى البناء على التعبّد لا وجه لتبعّض الخيار بل اللّازم القول به مطلقا نظرا إلى صدق عدم قبض المبيع الظّاهر في الجميع فقبض البعض كلا قبض أو القول بعدم الخيار كذلك بدعوى

ص: 95

انصراف الأخبار إلى صورة عدم قبض شي ء منه و على البناء على أنّه إرفاق للبائع من جهة الضّمان فاللّازم تبعّض الخيار بالنّسبة إلى المقبوض و غيره و إن قلنا بأنّه خارج عن منصرف الأخبار

و بالجملة فهذه الفروع الأربعة المذكورة في المقام كلّها مبنيّة على الوجهين من احتمال التعبّد فيدور الحكم نفيا و إثباتا مدار الاستفادة من الأخبار و احتمال كونه إرفاقا للبائع فيدور مدار هذا المعنى كما لا يخفى

و الإنصاف أنّ الالتزام بالتعبّد المقتضي للجمود على ألفاظ الرّوايات في جميع المقامات بعيد جدا و إلّا فاللّازم هو القول بنفي الصّحة لا اللّزوم و فهم الأصحاب حينئذ لا اعتماد به بعد احتمال استناده إلى تلك القرينة المرتكزة أي كون الحكم من جهة الإرفاق على البائع بمقتضى الضّمان قبل القبض كما أنّ إناطة الحكم بتلك الجهة أيضا موجبة للخروج عن مورد الأخبار طرّا لوضوح أنّ قبض الثّمن و عدمه غير مرتبط بتلك الجهة مع أنّ اشتراط عدمه مجمع عليه ظاهرا نصّا و فتوى و إن كان الإرفاق من جهة تأخير ثمنه لا من جهة كون المبيع في ضمانه كما احتملناه سابقا فحينئذ فاشتراط عدم قبض المبيع غير موجّه لعدم مدخليّته في تلك الجهة و إن كان كلّ واحدة من الجهتين مقتضية للتشريع الخيار للبائع فلازمه الاكتفاء بأحد الأمرين من عدم قبض الثّمن أو إقباض المثمن

و بالجملة فالجهتان كأنّهما متدافعتان و هذا المطلب يعطي التعبديّة و الاقتصار على ما يستظهر من الأخبار من الخصوصيّة اللّٰهمّ إلّا أن يقال إنّ كلتا الجهتين كانتا مرعيّتين في تشريع هذا الخيار و الشّاهد عليه كما يساعده الاعتبار أنّ مع إقباض المثمن و عدم قبض الثمن يمكن استيفاء حقّه بالمقاصّة و نحوها و كذلك مع قبضه الثّمن فقط يمكن إقباض المثمن إلى الحاكم و غيره رفعا لضمانه و تخلّصا عن دركه و هذا بخلاف ما إذا لم يقبض الثّمن و لم يقبض المثمن فإنّ تخلّصه من درك هذه المعاملة إنّما هو بالخيار بعد الثلاثة و جواز الفسخ و استيفاء حقّه من نفس المثمن فتأمل جيّدا

و كيف كان فالمعتبر نصا و فتوى اعتبار كلا الأمرين من عدم إقباض المثمن و عدم قبضه للثّمن كما هو ظاهر النصوص المتقدمة و قد تقدم الكلام فيما يتعلّق بالأوّل و أمّا الثّاني فيقع الكلام فيه أيضا في فرعين الأوّل الظّاهر أن قبض بعض الثّمن هنا أيضا كلا قبض فلا يضرّ بالخيار كما هو ظاهر الأخبار لصدق أنه ما قبض الثّمن و دعوى انصرافها إلى صورة عدم قبض شي ء منه في غاية المنع كما يشهد عليه فهم أبي بكر بن عيّاش في رواية ابن الحجّاج المتقدّمة و إقناع المتنازعين بما حكي عن الإمام مع أنّ الظّاهر المحكي عنه عليه السّلام عدم قبض تمام الثّمن فاستدلال التذكرة بالرّواية في محلّه و إن نظر فيه شيخنا العلّامة و لكن لم يعلم وجه النّظر فتدبّر

الثّاني لو قبض الثّمن بدون إذن المشتري فهل هو كعدمه لظهور الأخبار و انصرافها إلى القبض الصّحيح الأعمّ من أن يكون بإذن المشتري أو قبضه بحقّ كما إذا كان بعد تمكين المبيع للمشتري و عدم قبضه الموجب لسقوط ضمانه للمبيع و جواز التّصرّف في الثمن بأيّ وجه أو أنّه في حكم القبض موجب لسقوط الخيار نظرا إلى إطلاق بعض الأخبار و ظاهر عنوانهم للمسألة من اشتراط عدم إقباض المبيع و عدم قبض الثّمن الظاهر في معناه الأعمّ و به يفرّق بين الثمن و المثمن وجهان أقواهما الأوّل لما عرفت من أنّ الظاهر المتبادر من إطلاق القبض ما هو المتعارف المتداول في المعاملات من وقوعه مع الإذن و التّعبير في العنوان بالإقباض في طرف المبيع و القبض في طرف الثّمن إنّما هو لاختصاص المسألة بالبائع و ثبوت الخيار له لا لأجل

ص: 96

الاكتفاء بقبض الثّمن كيف ما اتّفق و هذا واضح لا يكاد ينكر و إلّا فما ذكر لا اختصاص له بظاهر العناوين بل هو الظاهر من رواية عليّ بن يقطين أيضا

و لكن مع ذلك كلّه لا دلالة لها على الاكتفاء بالقبض مطلقا لما عرفت من انصرافه في النصوص و الفتاوى إلى القبض الصّحيح المتعارف في المعاملة نعم يمكن المناقشة في ثبوت الخيار حينئذ من جهة أخرى و هي أنّ قبض الثّمن عدوانا كأنه ارتضاء للبيع فيكون مسقطا للخيار من تلك الجهة و لعلّه الوجه لما في عناوين المسألة من التّعبير بإقباض المبيع و قبض الثّمن و لعلّ لبعض ما ذكرنا أمر شيخنا العلّامة بالتأمّل فتأمل

و كيف كان فعلى اعتبار الإذن كما هو الأقوى و الأظهر فالإجازة اللّاحقة أيضا في حكم الإذن و هل هي كاشفة أو ناقلة وجهان أقواهما الثّاني و يتفرّع عليه ما لو قبض قبل الثّلاثة فأجاز المشتري عبدها فعلى النّقل لا يمنع من الخيار لعدم قبض الثمن في الثّلاثة و على الكشف لا خيار حيث إنّه قبض الثّمن و ربّما يتخيّل جريان هذا الفرع في قبض المبيع أيضا فيشكل على الشّيخ قدّس سرّه من جهة تخصيصه بقبض المثمن و لكنّه توهّم فاسد لوضوح أنّ إجازة البائع لقبض المبيع ارتضاء منه للبيع و إسقاط لخياره سواء وقعت قبل الثّلاثة أو بعدها فلا يتفاوت بين كونها كاشفة أو ناقلة فلا تغفل

و كيف كان هل الإجازة هنا كما في باب الفضولي فيجري فيه ما ذكر هناك من الأقوال أو اللّازم هنا القول بالنّقل و إن كان في الفضولي محلّا للإشكال وجهان أقواهما الثّاني كما اختاره شيخنا العلّامة مع أنّه قائل بالكشف الحكمي في تلك المسألة فلا يرد عليه أنّ هذا مخالف لمبناه

و توضيح المقام أنّ توقّف العقد على الإجازة تارة لأجل أنّ العقد بنفسه وقع صحيحا جامعا لشرائط الصّحة و لكن حيث إنّه وقع عن غير المالك فلا يستند إليه لا تسبيبا و لا مباشرة حتى صار العقد عقده فيعمّه أدلّة لزوم الوفاء بالعقد فيتوقّف على الإجازة ليستند إليه و لو تسبيبا حيث إنه قابل للنّيابة و أعمّ من التّسبيب و المباشرة على الفرض فإذا أجاز و استند إليه العقد فعلا يقع الكلام في أن استناد العقد إلى المالك بالإجازة يوجب صحّته من أوّل الأمر فيترتب عليه آثار الصّحّة كذلك أو يتّصف بالصّحّة من حين الإجازة حيث إنّ في هذا الحين صار العقد عقدا له

و بالجملة فمحلّ الكلام في أنّ الإجازة كاشفة حقيقة أو حكما أو ناقلة من حينها إنّما يختصّ بما إذا كان عدم تماميّة العقد من جهة عدم الاستناد إلى المالك فقط و إلّا فجميع جهات العقد من الإيجاب و القبول و النقل و الانتقال و كون كل واحد من العوضين مضمونا عليه و غير ذلك محفوظة كما لا يخفى

و هذا بخلاف ما إذا كان من قبيل جعل الأجرة على الأعمال كما في جميع العقود العهديّة مثل القراض و المضاربة و السّبق و الرّماية و الجعالة و نحو ذلك فإنّ قوام وقوع العمل محترما مضمونا على الغير بأن يكون بأمر الغير و التماس منه

و بعبارة أخرى كان إرادة الفاعل منبعثة عن إرادة الغير و إلّا فلا يقع محترما و مضمونا عليه جدا و حينئذ لو أجاز مالك الجعل أحد هذه العقود المذكورة فبالإجازة و إن استند العقد إليه و صار عقدا له و لكن فائدته أنّ العامل لو لم يأت بالعمل فمن حين الإجازة يصير عمله محترما و واقعا بإذن الغير و التماس منه فيقع مضمونا عليه و أمّا الأعمال السّابقة فلا يكاد يفيدها الإجازة لوضوح أنّ بالإجازة لا يخرج العمل عمّا وقع عليه من كونه متبرّعا غير مضمون على أحد

نعم لو كان جاهلا بالحال و أقدم بتغرير الفضولي يرجع إليه بمقتضى الغرور

ص: 97

يرجع إلى من غره و هذا مطلب آخر

و بالجملة ففي هذا النسخ من العقود لا سبيل إلى القول بالكشف و لو قلنا به في العقود المعاوضيّة كما لا سبيل إليه في العقود الإذنيّة الّتي قوام تحقّقها بالإذن و الاستنابة كالوكالة و الوديعة و العارية و اشتباه ذلك فلو وكّل شخص أحدا فضولا من الغير فمرجع إجازة الغير إلى إذنه و استنابته فيما وكّل له فعلا و لا معنى لكشفها عن صحّة ما وقع فضوليا لما عرفت أن حقيقة هذه العقود الإذن و الاستنابة فيما هو وظيفة للمنوب عنه فلا يعقل وقوعها بدون الإذن و إن لحقه و يترتّب عليه ضمان الوكيل الفضولي لو تصرّف في مال الغير على وجه يوجب الضّمان إلّا أن يكون إذنه و إجازته فيما بعد على وجه يستلزم سقوط ضمانه فتأمل جيدا

و أولى بما ذكرنا من عدم قابليّة الإجازة للكشف ما إذا كان توقّف المعاملة عليها لأجل تعلّق حقّ للمجيز على أحد العوضين على وجه يمنع من تصرّف المالك كما في بيع الرّاهن العين المرهونة بلا إذن من المرتهن و كما في بيع ما تعلّق به حق الخيار بناء على أنّه حقّ متعلّق بالعين

و كيف كان ففي هذه المواضع أيضا لا معنى لكاشفية الإجازة بلا شبهة لأنّ البائع إنّما باع مال نفسه فلا معنى لتوقّفه على إجازة غيره

غاية الأمر حيث إنّه مناف لحقّ المرتهن فلا بدّ من التخلّص عنه بوجه إمّا بفكّ الرّهن أو باستيذان منه و إلّا فالبائع ما باع مال غيره حتّى يتوقّف على الإجازة لا من جهة الاستناد و لا من جهة أخرى كما لا يخفى

و بالجملة ففي هذه الموارد الثلاثة لا محيص عن القول بأنّ الإجازة مثبتة بمعنى أنّ ما يترتب على الفضولي يثبت بها لا أن يثبت بالعقد و يكون الإجازة كاشفة عنه كما لا يخفى و ما نحن فيه من قبيل القسم الأخير حيث إنّ البائع إنّما قبض ماله غايته للمشتري حقّ الحبس لعدم أخذه المبيع فقبضه بدون إذن منه مناف لحقّه الثّابت فيه فيكون من قبيل تصرّف المالك في العين المرهونة فتأمّل و لا تغفل

[ثم إنه يشترط في هذا الخيار أمور]
[الشرط الرابع أن يكون المبيع عينا أو شبهه كصاع من صبرة]

قوله قدّس سرّه إلّا أنّ الظاهر من لفظ الشّي ء الموجود الخارجي إلى آخره

و حاصل الاستظهار بنحو أسدّ و أخصر أنّ ظاهر لفظ الشّي ء كلفظ المبيع و المتاع أن يكون المبيع معنونا بهذا العنوان قبل البيع و الكلي الثابت في الذّمّة لا يكون قبل البيع شيئا بل اعتبار يحدث بالعقد فرواية أبي بكر بن عيّاش أيضا منصرفة عنه كسائر الأدلّة

[ثم إن هنا أمورا قيل باعتبارها في هذا الخيار]
[منها عدم الخيار لأحدهما أو لهما]

قوله قدّس سرّه منها عدم الخيار لأحدهما أو لهما

الوجوه المحتملة هاهنا أنّ الخيار تارة في الثّلاثة و أخرى بعدها و ثالثة عندها أي رأس الثلاثة و على التّقادير إمّا لأحدهما أو لكليهما و الّذي يمكن استظهاره من الأدلّة على ما يشير إليه أن يكون خيار في البين عند الثّلاثة الّذي هو موقع جعل خيار الشّرط إمّا بعدها أو قبلها فلا وجه للاشتراط و على هذا فلا ينافي مع خيار الحيوان على ما يتّضح لك إن شاء اللّٰه

قوله قدّس سرّه و كيف كان فلا أعرف وجها معتمدا في اشتراط هذا الشّرط إلى آخره

لا يخفى أنّ ما أفاده أخيرا من أنّ ظاهر الأخبار كون عدم مجي ء المشتري بالثّمن بغير حقّ التأخير و ذو الخيار له حقّ التأخير مبنيّا على ما أفاده في التّذكرة في أحكام الخيار من أنّه لا يجب على البائع تسليم المبيع و لا على المشتري تسليم الثّمن في زمن الخيار وجه وجيه لعدم الخيار مناقشته فيه بقوله و فيه بعد تسليم الحكم في الخيار إلى آخره كما ناقش فيه في أحكام الخيار أيضا ممّا لا وجه له مع اعترافه قدّس سرّه به في باب القبض و عليه يبنى جواز حبس أحد المتبايعين ما انتقل عنه مع امتناع الآخر عن تسليم ما انتقل إليه و به يجيب قدّس سرّه في ذاك الباب من إشكال

ص: 98

الأردبيلي في المسألة من أن ظلم أحد المتبايعين و منع الغير عن حقّه لا يوجب جوازه على الآخر

و بالجملة ما أفاده في التّذكرة في غاية المتانة و توضيحه أن بعد ما كان بناء المعاملة و عقد المعاوضة على التّسليم و التسلّم و التّبديل و التبدّل فيصير القبض و الإقباض من الشّروط الضّمنية الّتي التزم بها المتعاقدان في متن العقد و هذا هو المراد من قولهم إن إطلاق العقد يقتضي كذا و كذا و حينئذ فمرجع كون العقد خياريا إلى أنّه بجميع ما تضمّنه من الشّروط الضّمنية أو الصّريحة غير واجب الوفاء فكما لا يجب الوفاء بنفس العقد كذلك لا يجب الوفاء بما في ضمنه من التعهّدات الضّمنيّة و عليه يتفرّع أنّ الشّروط الصّريحة في ضمن العقد غير واجبة على المشروط عليه إذا كان العقد خياريا أمّا إذا كان له الخيار فواضح و أمّا إذا كان عليه الخيار و لم يسلّم الآخر ما انتقل عنه فلما عرفت من أنّ التّسليم و التسلّم التزام من الطّرفين فإذا لم يف أحدهما به و لو حقا فلا يجب على الآخر أيضا الوفاء به

نعم لو سلّم ذو الخيار فيجب على من عليه الخيار أيضا أن يسلّم ما انتقل عنه بجميع ما اشترط عليه في ضمن العقد صريحا أو ضمنا

و حينئذ ففي المسألة لو فرضنا أن يكون لأحدهما أو كليهما خيار عند الثلاثة الّتي هي زمان جعل الخيار فلا يجب على المشتري بذل الثّمن في هذا الحال أمّا لو كان له خيار زائد عند الثّلاثة الّتي هي زمان جعل الخيار فلا يجب زائد على المشتري بذل الثّمن في هذا الحال أمّا لو كان إلى هنا خيار فلما عرفت أنّ ذلك مقتضى عدم وجوب الوفاء بالعقد بجميع ما يتضمّنه ضمنا أو صريحا و من جملة تسليم ما انتقل عنه و أمّا لو كان للبائع خيار فلأنّ المفروض أنّه لم يسلّم المبيع فلا يجب عليه البذل أيضا لما عرفت من أنّه التزام من كلا الطّرفين فإذا لم يكن أحدهما ملزما به بمقتضى خياره فلا يلزم الآخر أيضا بمقتضى التزامه إلّا أن يشترط عليه تعجيل الثّمن و هو خارج عن موضوع المسألة

و حينئذ فبضميمة الاستظهار من الأخبار من كون عدم مجي ء المشتري بالثّمن بغير حق التأخير يتمّ المطلب كما أن حكمة تشريع هذا الخيار و هو كونه قهرا على المشتري المماطل و جبرا على البائع و ملاحظة مناسبة الحكم مع موضوعه أيضا يقتضي أن يكون كذلك

و لكن لا يخفى أنّ ذلك لا يقتضي أزيد من أن لا يكون التأخير عند الثّلاثة بحقّ و عن مماطلة و أمّا في الثّلاثة فلا موجب للالتزام به كما أفاده قدّس سرّه فأشكل عليه لزوم اختصاصه بغير الحيوان مع اتّفاقهم على ثبوته فيه ظاهرا بل ربما يستأنس من التحديد بالثلاثة أن يكون الغرض منه مراعاة خيار الحيوان فجعل الخيار للبائع بعد الثّلاثة

و بالجملة فلا وجه و لا موجب للالتزام بكون تأخير الثّمن عن مماطلة في مجموع الثّلاثة بل غاية ما يقتضيه ما تقدم عدم كونه كذلك عند الثلاثة فلا ينافي مع خيار الحيوان بوجه نعم ربما ينافي مع ما يدّعى ظهور الأخبار في كونه إمهالا على المشتري في الجملة فتأمل

و كيف كان فلا ينافي هذا الخيار مع خيار المجلس أصلا و العجب أنّه قدّس سرّه مع التزامه بذلك و تقوية كون مبدإ هذا الخيار من حين العقد كما يأتي آنفا المستلزم لعدم كون التأخير في بعض الثلاثة بغير حق فمع ذلك يلتزم بأن لا يكون في مجموع الثلاثة كذلك و على أيّ حال فلا ينافي مع خيار المجلس بلا إشكال إلّا أن يتّفق بقاء المجلس و اصطحابهما إلى الثّلاثة فمقتضى ما ذكرنا أيضا عدم الخيار و لكنّه فرض نادر جدا و من مطاوي ما ذكرنا ظهر أنّ مبدأه أيضا من حين العقد كما هو المستظهر من مضامين الأدلّة

و أمّا احتمال كونه من حين التفرّق فلا وجه له عدا ما تقدم من الإشكال

ص: 99

المعروف في خيار الحيوان أو المجلس من دعوى امتناع اجتماعهما في زمان و لكنّها باطلة جدّا كما هو المحقّق في محلّه و احتمال كون المبدإ في خصوص المقام بعد التفرّق استظهارا من الأخبار فاستظهاره على مدّعيه و إلّا فقد عرفت أن ظاهر الأخبار يعطي خلافه

و أمّا خيار الحيوان الثابت للمشتري فلا يمنع أيضا عن هذا الخيار بناء على ما حقّقناه أنّ غاية ما يمكن أن يلتزم به و يستظهر من الأدلّة من مناسبة الحكم و موضوعه أن يكون التّأخير عند انقضاء الثّلاثة بغير حقّ فالواجب أن لا يكون له خيار في هذا الحال و أمّا قبله أو بعده فلا وجه للالتزام به بلا إشكال فلا ينافي اعتبار ذلك مع ما في المختلف من الاتّفاق على ثبوته في الحيوان بل قد عرفت أنّ الإمهال في الثّلاثة لعلّه لأجل مراعاة خيار الحيوان

نعم بناء على ما أفاده قدّس سرّه و استظهره من الأدلّة من أن لا يكون التأخير بحقّ في مجموع الثّلاثة فينافي مع خيار الحيوان كما أفاده لكن الاتّفاق المذكور يدفعه مضافا إلى منافاته مع جعله قدّس سرّه المبدأ من حين العقد فتأمل

و أمّا سائر الخيارات مثل خيار العيب و الغبن و الرّؤية المشروطة فعليّتها بالعلم بالعيب و ظهور الغبن و فقد الوصف و إن كان مبدؤها من حين العقد فربما يختلف الحال فيها من حيث حدوث العلم في الثّلاثة أو بعدها كما يتفاوت الحكم أيضا من جهة القول بالفوريّة و عدمها فالضّابط في منعها عن هذا الخيار ما ذكرنا من أن لا يكون عند انقضاء الثلاثة الّذي هو محلّ خيار الشّرط و موقع حلوله خيار بأن علم به و لم يفسخ و قلنا بسقوط خياره بسبب الفوريّة

و أمّا إذا لم يعلم به إلى أن حلّ الثلاثة فمنعه عن خيار التأخير و عدمه مبنيّ على أنّ استفادة الحكم يدور مدار واقعه فلم يكن التأخير بغير حقّ فلا يكون خيار أو مدار فعليّة الخيار فلا يمنع عنه حيث لا خيار بالفعل و لعلّ الثّاني أظهر لصدق المماطلة في تأخير الثمن فتأمل جيّدا

و منه يظهر حال خيار الشّرط و أنّ المعتبر في منعه أن يكون ثابتا موجودا عند انقضاء الثّلاثة إمّا بأن يكون مبدؤه عند انقضاء الثّلاثة أو من حين العقد إلى التّالي كما هو الشّائع المتداول في خيار الشّرط و لعلّه الوجه في تخصيص السّرائر الحكم بخيار الشّرط فلا تغفل

[مسألة يسقط هذا الخيار بأمور]
[أحدها إسقاطه بعد الثّلاثة]

قوله قدّس سرّه و في سقوطه بالإسقاط في الثّلاثة وجهان إلى آخره

بل لا ينبغي التأمّل في سقوطه به و كذلك في إسقاطه في متن العقد كما في خيار العيب و الغبن فإن فعليّة الخيار و إن كانت عند الثّلاثة و لكن مبدأه و هو استحقاق مطالبة الثمن في كلّ آن موجود من حين العقد فمرجع إسقاطه إلى اجتيازه عن حقّه الثّابت بالعقد كما اعترف به قدّس سرّه في خيار الغبن و نحوه مع أنّ فعليّته أيضا مشروطة بالعلم به فلا مجال لنظره قدّس سرّه و التأمّل فيه

هذا إذا أسقطه في الثّلاثة و أمّا اشتراط إسقاطه في متن العقد فيرد إشكالا تارة من جهة الشكّ في مشروعيّته و منافاته لما هو مقتضى العقد شرعا فلا يصحّ التمسّك بأدلّة الشّروط بعد تخصيصها بما لا يكون منافيا للمشروع فلا دليل على لزوم الوفاء به شرعا و أخرى من جهة كونه إسقاطا لما يتحقّق بالعقد بعد تماميّته فيكون من قبيل إسقاط ما لم يجب

و قد أجيب عن الأوّل في محلّه بأنّ كلّما كان من قبيل الحقوق فإسقاطه جائز نافذ لوضوح أنّ الحقّ سلطنة و جدة مجعولة لصاحبه فمعناه متقوّم بجواز رفع اليد عنه و كون زمام اختياره بيده إلّا أن يقوم دليل خاص على أنّه نحو سلطنة لا يصحّ الاجتياز عنه و إلّا فمقتضى طبعه جواز سلبه عنه و التّقليب و التقلّب فيه و هذا

ص: 100

هو أحد الوجوه الفارقة بين الحقّ و الحكم

نعم إذا كان الحكم الشّرعي هو الإباحة فهو أيضا كذلك حيث إنّ معناه ترخيص المكلّف بالنّسبة إليه فعلا و تركا فيصحّ التزامه به كذلك بالنّذر أو بالاشتراط في ضمن العقد إلّا أن يدلّ دليل على عدم جوازه كشرط عدم التّسري في عقد المزاوجة كما قيل

و أمّا إذا كان الحكم الشّرعي من قبيل الوضع أو الوجوب و التّحريم فمعلوم أنّ الالتزام بخلافه في ضمن العقد أو بالنّذر و العهد يكون منافيا للمشروع إلّا إذا دلّ دليل خاص على جوازه أيضا كما في نذر الإحرام قبل الميقات أو الصوم في السّفر على ما حقّق في محلّه

و عن الثّاني بمنع كونه من قبيل إسقاط ما لم يجب حيث إنّه يشترط الإسقاط في رتبة حصول الملكيّة فيكون إنشاؤه مترتّبا على إنشائهما كما أن تحقّقه أيضا مترتّب على تحقّقها فلم يرد الإسقاط لا في مرحلة الإنشاء و لا مرحلة التّحقّق إلّا على أمر ثابت و احتياجه إلى أزيد من ذلك ممنوع جدّا و لا موجب له عقلا كما لا يخفى و نظائره كثيرة في الفقه أيضا كما صرّحوا بصحّة أن يقال بعتك هذا و جعلت ثمنه رهنا عندك أو اشتريت هذا و رهينة عندك أو يقال وكّلتك في نكاح فلانة و طلاقها إلى غير ذلك ممّا يشبه المقام

و العجب من شيخنا العلّامة حيث إنّه ملتزم بما ذكرنا كلّه في محلّه و مع ذلك يقول فإن كان إجماع على السّقوط و إلّا فللنّظر فيه مجال مع أنّ من جهة الإشكال الأوّل و هو أنّ الخيار إنّما هو مسبّب عن التأخير بعد الثلاثة لا العقد وحده فهو مشترك مع خيار الغبن و العيب بناء على أنّ فعليّة الخيار مسبّبة عن ظهور العيب و العلم بالغبن و قد تقدّم تفصّيه عنه بما ذكرنا من أنّ الإسقاط راجع إلى ما هو مبدأ الخيار الثّابت في حال العقد و من جهة الإشكالين الأخيرين مشترك مع خيار المجلس و الحيوان أيضا

و قد أجاب عنهما أيضا بما يرجع إلى ما ذكرنا و كيف كان فليس للنّظر فيه مجال بل يسقط الخيار بجميع أنحاء إسقاطه بلا ريب و لا إشكال

[الثالث بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة]

قوله قدّس سرّه و لا يبعد دعوى انصراف الأخبار إلى صورة التضرّر فعلا إلى آخره

لا يخفى أن بعد دعوى هذا الانصراف لا مجال للتمسّك بإطلاق الأدلّة على فرض إطلاقها و لا باستصحاب الخيار الّذي استحسنه قدّس سرّه أولا على فرض إهمالها إذ انصراف الأدلّة يوجب تخصيصها بخصوص هذه الصّورة و كذلك يوجب تبدّل الموضوع المستصحب على ما عرفت في خيار الغبن أيضا فلا مجال للتمسّك بهما إلّا أن دعوى هذا الانصراف لا تخلو عن التّمحل و الاعتساف مع أنّه ليس في الأدلّة من الضّرر لا عين و لا أثر

و لو سلّم دخله فهو من قبيل علل التشريع الغير المقتضية لإناطة الجعل بها نفيا و إثباتا و حينئذ فمختار التّذكرة من القول بالسّقوط لا يخلو عن الإشكال فضلا من أن يكون فيه القوّة اللّٰهمّ إلّا أن يدّعى أنّ من ملاحظة مجموع أدلّة الباب و التّفصيل بين ما يتسارع فيه الفساد و غيره و غير ذلك يشرف الفقيه القطع بإناطة الحكم بالضّرر نفيا و إثباتا

و كيف كان فعهدتها على مدعيها فتأمل و لا تغفل

[الرابع أخذ الثمن من المشتري]

قوله قدّس سرّه فلو احتمل كون الأخذ بعنوان العارية إلى آخره

لا يخفى أنّ المناط إنّما هو بقصد الدّافع فاحتمال الأخذ بعنوان العارية لا ينفح بعد ما كان دفع المشتري ظاهرا في بذل الثّمن فأخذ البائع بلا تصريح بخلافه أيضا يحمل عليه و يكون رضا فعليا و التزاما بالعقد الموجب لسقوط خياره كما أفاده قدّس سرّه

نعم يمكن المناقشة في أصل كون مجرّد الأخذ التزاما كما في سائر أبواب الخيارات و لكن الفرق بينها و بين خصوص هذا الخيار المسبّب عن تأخير

ص: 101

الثّمن واضح فلا تغفل نعم مطالبة الثمن لا تدلّ على الالتزام لإمكان أن يكون لأجل أنّه لو رآه مماطلا سيفسخ فيكون استدفاعا للضّرر المستقبل كما أفاد قدّس اللّٰه روحه

[مسألة في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي قولان]

قوله قدّس سرّه و قد تقدم ما يصلح أن يستند إليه لكلّ من القولين إلى آخره

إشارة إلى ما أفاده في خيار الغبن من ابتناء الفوريّة و عدمها على التمسّك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أو الاستصحاب و قد منع في ذاك الباب التمسّك بكلا الأمرين أمّا العموم فلجعل الدّوام و الاستمرار ظرفا للحكم لا لمتعلّقه بحيث يكون مكثّرا لأفراده بحسب الزّمان كتكثّره بحسب الأفراد و أمّا الاستصحاب فلعدم إحراز بقاء الموضوع بعد تمكّن المغبون من تدارك الضّرر فالمرجع إلى أصالة عدم تأثير الفسخ و عدم ترتّب الأثر عليه هذا ملخّص ما أفاده هناك أمّا المقام فمن جهة التمسّك بالعموم فالكلام فيه هو الكلام

لكن لا يخفى أنّ من جهة الضّرر فرقا بين المسألتين كما اعترف به قدّس سرّه فإنّ في مسألة الغبن نفس العقد وقع ضرريّا فعدم المبادرة إلى الفسخ مع علمه بالخيار حكما و موضوعا يمكن القول بأنّه رضا فعليّ بالعقد و إقدام على الضّرر كما لو علم به من حين العقد فالمسامحة و المماطلة مع أنّها خلاف العادة العقلائيّة كاشف نوعيّ عن ارتضاء العقد و اختياره الموجب لسقوط خياره و هذا بخلاف المقام فإنّ الضّرر مستند إلى تأخير الثمن المتجدّد بدوام التأخير في كلّ آن فعدم المبادرة إلى الفسخ غايته الكشف عن الرّضا بالضّرر الفعلي فلا يوجب سقوط الخيار لسبب الضّرر المستقبل فمقتضى حديث نفي الضّرر ثبوت الخيار له في كلّ آن من غير حاجة إلى الاستصحاب فلا تغفل

قوله قدّس سرّه و كيف كان فالقول بالتراخي لا يخلو عن قوّة إمّا لظهور النصّ و إمّا للاستصحاب إلى آخره

أمّا ظهور النصّ ففي محلّ المنع إذ ليس لنا لفظ نستظهر منه نفي اللّزوم رأسا أو في الجملة و دعوى النسبيّة بنفي الحقيقة غير موجهة إذ ليس في البين عدا الإجماع و بعض القرائن على إرادة نفي اللّزوم في الجملة فالالتزام بإهمال النصّ أمسّ بالقواعد اللّفظيّة

و أمّا استصحاب الخيار فالإشكال فيه من جهة إرجاع الشكّ إلى المقتضي على حسب الضّابط الّذي أفاده في محلّه حيث لم يحرز من الأدلّة بقاء هذا الخيار إلى أن يعرضه العارض فأصل المقتضي له لم يحرز إلّا في الجملة فالمرجع إلى ما ذكرنا من التمسّك بنفس أدلّة الضّرر فتدبّر

[مسألة لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البائع]

قوله قدّس سرّه لكن النّبوي أخصّ من القاعدة الأولى إلى آخره

المراد من القاعدة ما يستفاد من الحديث النّبويّ المعروف المتلقّى بالقبول و هو قوله ص الخراج بالضّمان و المراد بالخراج ما يستخرج من الشّي ء من الزّيادات و المنافع فيوهم أنّ منافع الشّي ء و زياداته في مقابل دركه و خسارته فكلّ من يستوفي المنافع كانت العين مضمونة عليه و لذا حكم الشّيخ قدّس سرّه في المبسوط بأنّ نماء المبيع المردود بخيار العيب قبل القبض للبائع بمقتضى ضمانه و لكنّه مبنيّ على الأصل الّذي هو المختار عنده من عدم حصول النّقل و الانتقال التّام قبل انقضاء الخيار و أمّا على الأصل الّذي هو المشهور بل أرسلوه من المسلّمات من حصول الملكيّة التّامّة بالعقد و جميع المنافع و الزّيادات لمالكه أي المشتري فربّما يوهم التّعارض بين تلك القاعدة و القاعدة الأخرى مسلّمة أيضا و هي أن كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه

و لكن لا يخفى أنّ معنى الحديث الخراج بالضّمان أنّ الشّي ء بعد ما ضمنه الإنسان و تضمّنه و دخل في ملكه فمع قطع النّظر عن عروض العوارض عليه يكون تكفّله عليه من حفظه و إصلاحه و الإنفاق

ص: 102

عليه لو كان حيوانا و لو تلف كان من كيسه بإزاء ما يستوفي منه من منافعه و زياداته و هذا لا ينافي أن يقع في عهدة الغير و ضمانه بتلف أو غصب أو عارية مضمونة و غير ذلك كما لا ينافي أن يكون العين في عهدة مالكه و لكن كان منافعه للغير بسبب آخر فالمراد بالضمان نفس التعهّد الحاصل للمشتري بالعقد و دخول المبيع في ملكه بإزاء ثمنه كما يشهد بذلك ما في الخبر الوضيعة بعد الضّمنية حرام إلى آخره حيث أطلق الضّمنية على نفس العقد بل إطلاق العقد عليه أيضا بتلك الملاحظة حيث إنّه لغة العهد أو العهد المؤكّد

و بالجملة فهذا الضّمان لا ينافي مع ما يحصل من سائر الأسباب الاتّفاقيّة من اليد أو التّلف و نحوهما فلا ينافي مع ضمان البائع قبل القبض تعبّدا بل كلّها وارد عليه فإن شئت عبّر عن هذا الضّمان بضمان التكفّل و عن تلك الضّمانات بضمان الغرامة كما عبّر كذلك بعض السّادة الأجلّة كما لا ينافي مع القاعدة الأخرى و هي أنّ التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له بذاك البيان الّذي قلنا فإنّ كلّ ذلك لأجل جهات خارجة عن المعاملة

و كيف كان فالمسألة منقّحة خالية عن الشّبهة نعم الّذي يوجب التحيّر في المقام التّفصيل الّذي نقل عن بعض الأجلّة من أنّه لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البائع و لو تلف في الثّلاثة فمن المشتري فإنّه لا يوجّه بوجه من الوجوه بل يوهم أن يكون التّفصيل بالعكس بتوهّم المعارضة بين قاعدة التّلف قبل القبض و قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له و تقديم الثّانية مع أنّه أيضا فاسد حيث إنّ الثّانية مخصوصة ببعض الخيارات أوّلا و موردها التّلف بعد القبض فلا يعارض مع هذه أبدا ثانيا و كيف كان فينبغي التأمّل و التتبّع لعلّه وقع اشتباه في النّقل فراجع و تأمّل

[القول في الشروط]
[الكلام في شروط صحّة الشّرط]
[أحدها أن يكون داخلا تحت قدرة المكلّف]

قوله قدّس سرّه الكلام في شروط صحّة الشّرط و هي أمور قد وقع الكلام أو الخلاف فيها أحدها أن يكون داخلا تحت قدرة المكلّف إلى آخره

لا يخفى أنّ اشتراط هذا العنوان يوجب اختصاصه بما إذا كان الشّرط من مقولة الأفعال و أمّا اشتراط الوصف الحالي في المبيع مثلا فلا يتّصف بالقدرة و عدمها إلّا بإرجاعه إلى التّسليم بشرط كذا و كذا و كذلك اشتراط بعض النّتائج الغير المتوقّفة على سبب خاص المتحقّق بنفس الشّرط فإنّه لا إشكال في صحّته كما اعترف به مع أنه لا يتّصف بالمقدوريّة

نعم لو كان مرجع الشّرط إلى إيجاد الأسباب فهو كاشتراط الفعل و حينئذ فالأولى التّعبير بكون ما يشترط تحت سلطانه و استيلائه فيعمّ الأفعال التوليديّة و المباشريّة و غيرها من الشّروط الجائزة ككون العبد كاتبا فإنّه يسلّط على الوصف بسلطنته على العين و كذلك في الغايات المتوقّفة على الأسباب و غيرها غايته مرجعه في الأوّل إلى اشتراط إيجاد السّبب و في الثّاني بنفس الاشتراط

و بالجملة فالمعتبر أن يكون الشّرط مملوكا للمشروط عليه كما اعتبر في باب الإجارة كذلك فيعمّ الأعيان و المنافع و الأوصاف و غيرها و الأفعال بجميع أقسامها و وجه اعتباره أيضا أوضح من اعتبار القدرة فإنّ الشّرط أعدّ لنقل ما يصحّ نقله بسائر العقود و ما لا يصحّ نقله بها فلا بدّ كالبيع و الإجارة و غيرهما أن يكون مملوكا للشارط و إلّا فهو من قبيل وهب الأمير ما لا يملك

و على أيّ حال ما كان فعلا للشّارط فلا بدّ أن يكون تحت قدرته إمّا ابتداء كالأفعال المباشريّة أو بتوسيط سببه على وجه لم يكن بين السّبب و المسبّب أمور غير اختياريّة الموجبة لحصول الغاية تارة و عدم حصولها أخرى

ص: 103

كاشتراط جعل الزّرع سنبلا و البسر رطبا فإنّ هذه الأمور من أفعال اللّٰه تبارك و تعالى بتوسيط أمور خفيّة و غير خفيّة يكون فعل العبد و هو الزّرع و السّقي و نحوهما مجرّد إعداد لها فلا يصحّ استناده إلى العبد و عدّه من أفعاله كما لا يخفى

و أمّا ما كان من قبيل أوصاف المبيع فلا بدّ أن يكون خاليا بحيث يقدر الشّارط على أن يسلمه تبعا للعين فإن لم يكن خاليا مثل الأوصاف الّتي يمكن تحقّقها كما يجوز عدمه ككون الزّرع سنبلا أيضا بناء على اشتراط اعتباره وصفا للمبيع لا فعلا للشّارط إذ يصحّ اعتباره بكلا الوجهين و اشتراط القدرة احتراز عنه بكلا وجهيه فلا يجوز اشتراط لما ذكرنا من عدم كون الوصف الغير الفعليّ مملوكا له و تحت سلطنته

و ما كان من قبيل شرط النّتائج مثل كون المال المخصوص لزيد مثلا فالقدرة عليه حصوله بنفس الاشتراط من غير حاجة لي سبب خاص فاشتراط كون زوجته مطلّقة أو أمته حرّة و أمثال ذلك باطل جدّا نعم يصحّ اشتراط إيجاد السّبب مثل أن يعتق عبده مثلا فلا مانع منه من تلك الجهة لكونه تحت سلطنته لو لم يكن فيه محذور من جهة أخرى فتأمل جيدا

[الثّاني أن يكون الشّرط سائغا في نفسه]

قوله قدّس سرّه الثّاني أن يكون الشّرط سائغا في نفسه إلى آخره

الظّاهر أنّ ذكر هذا الشّرط مستدرك لإرجاعه إلى اشتراط القدرة فإنّ الممتنع شرعا كالممتنع عقلا و كذلك على ما ذكرنا من اعتبار كونه مملوكا له إذ بالنّهي الشّرعي يخرج عن تحت سلطنته و مملوكيّته مضافا إلى أنّ مرجع اشتراط المحرّم إلى الاشتراط المخالف للكتاب فيكون من مصاديق المسألة الآتية فتأمّل و لا تغفل

[الثالث أن يكون ممّا فيه غرض معتدّ به عند العقلاء]

قوله قدّس سرّه الثالث أن يكون ممّا فيه غرض معتدّ به عند العقلاء إلى آخره

و لو لم يوجب زيادة في الماليّة و لم يجعل بإزائه المال أيضا فإنّ الشّرط على أيّ حال لا يقع بإزائه الثّمن و لا يقصد في العقد أصالة فلا يلزم أن يكون له الماليّة و هذا بخلاف باب الإجارة فإن تمام الغرض هناك انتقال المنفعة فلا بدّ أن تكون لها ماليّة و تكون عائدة إلى المستأجر بإزاء ثمنه و لذا لا يصحّ إجارة العبادات الغير القابلة للنّيابة

و كيف كان حيث إنّ المدار على كون الغرض معتدّا به عند العقلاء فربّما يشكّ في بعض مصاديقه مثل اشتراط كون العبد كافرا أو جاهلا بالعبادات أو آكلا لأشياء مخصوصة و الضّابط عدم اللغويّة على وجه يوجب ثبوت حقّ للمشروط له على الشّارط فتأمل جيّدا

[الرّابع أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنة]

قوله قدّس سرّه الرّابع أن لا يكون مخالفا للكتاب إلى آخره

و هذا هو العمدة في باب الشّروط و الدّليل عليه الأخبار المتضافرة بين ما هو مضمونه بطلان الشّرط المخالف للكتاب أو بطلان ما ليس في كتاب اللّٰه أو ما كان سوى كتاب اللّٰه أو ما كان ممّا حرّم حلالا أو أحلّ حراما

و في صحيحة ابن سنان من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّٰه عزّ و جل فلا يجوز على الّذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّٰه إلى غير ذلك من العناوين و في عدّ اشتراط الولاء لغير المعتق مخالفا للكتاب كما في بعض هذه الأخبار دلالة على أنّ المراد أعمّ من الكتاب و السّنة كما صرّح به في رواية محمّد بن قيس فيمن تزوّج امرأة و اشترطت عليه أنّ بيدها الجماع و الطّلاق قال ع خالفت السّنة و ولّيت حقّا لست أهلا له إلى آخره

فالضّابط أن لا يكون مخالفا للمشروع و على هذا فلا فرق بين اعتبار الموافقة أو عدم المخالفة إذ لو لم يكن مخالفا للمشروع فلا محالة يكون موافقا لأحد العمومات و الإطلاقات الواردة في الكتاب و السّنة فمرجع جميع هذه العناوين إلى ما ذكرنا من عدم المخالفة للمشروع كما

ص: 104

لا فرق بين كون نفس الشّرط أي الملتزم به مخالفا للكتاب أو الالتزام به كاشتراط عدم التسرّي و التّزويج كما مثّل به قدّس سرّه بناء على استفادة عدم جوازه من الأخبار و لكنّها لا تخلو عن إشكال فإنّه ورد في روايتين على ما نقل قدّس سرّه

إحداهما رواية منصور بن يونس و هي و إن دلّت على التّوبيخ عليه حيث قال ع بئس ما صنع لكنّها مصرّحة بنفوذ الشّرط و وجوب الوفاء به مستشهدا بقول رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله المسلمون عند شروطهم و ثانيتهما رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام و هي و إن كانت ظاهرة في عدم نفوذ الشّرط لكن مفروض السّائل تعليق الطّلاق و أنّه إن تزوّج عليها أو هجرها أو أتى عليها سريّة فهي طالق فيمكن أن يكون عدم نفوذه لتعليق الطّلاق لا لكون الشّرط بنفسه مخالفا للمشروع اللّٰهمّ إلّا أن يقال استشهاد الإمام و تعليله عليه السّلام بمثل فانكحوا ما طاب لكم من النّساء و أحلّ لكم ما ملكت أيمانكم و قوله تعالى وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ يدلّ على أنّ عدم النّفوذ لأجل مخالفة الاشتراط لتلك العمومات فيتمّ المدّعى و لعلّه الوجه لأمره قدّس سرّه بالتأمّل بعد التفاته إلى ما ذكرنا من الإشكال فراجع و تأمّل

و كيف كان العمدة في المقام تشخيص الضّابط لمخالف الكتاب و تمييزه عن غيره فإنّه في غاية الإشكال

و قد أطنب الكلام قدّس سرّه في بيان الضّابط تارة بما حاصله أنّ الحكم الشّرعي لو كان ثابتا على موضوعه لو خلي و طبعه مع قطع النّظر عن الطّواري فاشتراط خلافه ليس مخالف للكتاب فإنّه من الطّواري المغيّرة له فلا ينافي كونه لو خلّي و طبعه مباحا و لكن صار واجبا بعروض الاشتراط أو النذر و العهد أو بأمر الوالدين و غيرهما ممّن يجب إطاعته و إن كان ثابتا لمتعلّقه بجميع حالاته و طواريه فاشتراط الخلاف مخالف للكتاب و أخرى بما حاصله الفرق بين كون ثبوت الحكم المتعلّقة على وجه العليّة أو وجه الاقتضاء فلا ينافيه اشتراط الخلاف إلى غير ذلك ممّا يكون من قبيل الإحالة إلى المجهول و الّذي ينبغي أن يقال في المقام أنّ الشّرط أي ما يتعلّق به الشّرط تارة من الوضعيّات الشّرعيّة

و أخرى من التّكاليف الخمسة التكليفيّة كاشتراط ترك واجب أو مباح أو فعل محرّم أو مكروه و نحو ذلك

أمّا الوضعيّات فتارة من الأمور الّتي جعلها الشّارع تحت سلطنة الشارط و أعطاه زمام اختياره كما في باب الحقوق و الأموال و أخرى ليست من هذه الأمور مثل كون الولاء لمن أعتق و ولد الحرّ حرّ أو الطّلاق بيد من أخذ بالسّاق و غير ذلك من الأمور الّتي ليست تحت اختيار المكلّف بوجه أمّا هذا القسم من الوضع فلا ينبغي الشّبهة في أن اشتراط خلافها مخالف للمشروع جدّا إلّا أن يقوم دليل خاصّ على جواز تغييره بالشّرط أو النّذر و نحوهما و من هذا القبيل اشتراط إرث المتمتّع بها أو رقّيّة من كان أحد أبويه حرّا فإنّ الإشكال فيها من جهة تعارض النّصوص فمن يدّعي جوازه يدّعيه لسبب نصّ خاصّ و إلّا لا يكاد يصحّ تبدّله بالشّرط و نحوه كما لا يخفى كما لا ينبغي الشّبهة في التبدّل بالشّرط فيما إذا كان من قبيل القسم الأوّل أي الحقوق و الأموال إذا المفروض سلطنة عليها و كون اختيار بيده هنا فيتصرّف فيها كيف ما شاء و قد أشرنا سابقا أنّ الشّرط وضع لتملّك ما لا يصحّ تملّكه بالبيع و الإجارة و غيرها فيعرض عن حقّ خياره في المجلس و غيره أو كون مال كذا لزيد أو غير ذلك و هذا أيضا ليس على وجه العليّة لإمكان قيام دليل خاصّ

ص: 105

على المنع من التصرّف الخاصّ كبيع المصحف من الكافر و ما يكون من نظائره فتأمل جيدا

و أمّا ما كان من قبيل التّكاليف فالظاهر أنّ الالتزام بترك الواجب أو فعل المحرّم نوعا خلاف المشروع بل لا ينبغي الشّبهة فيه لمكان إطلاق دليلهما التّأمل لصورة الالتزام بالخلاف و عدمها فيكون مخالفا للكتاب و محلّلا للحرام إلّا أن يقوم دليل خاصّ على جواز تغييره بالشّرط كسائر العوارض المجوّزة لفعل الحرام و ترك الواجب و دليل وجوب الوفاء بالشّرط لا يصلح لذلك لاشتراطه بعدم كونه مخالفا للكتاب و محلّلا للحرام فلا يقع التّعارض بين دليل التّكليف و أدلّة الشّرط أبدا كما توهّم و قيل بالرّجوع إلى المرجّحات و كيف كان فهذا وظيفة دليل آخر غير دليل الشّرط أو كان دليل الواجب أو المحرّم مهملا من تلك الجهة أي لم يكن له إطلاق حتّى في صورة اشتراط خلافه و هذا و إن كان مجرّد الفرض إلّا أنّ على تقدير تحقّقه فالمرجع إلى الأصل الّذي ينقّح تفصيلا فهذا أحد موارد الشكّ الّتي تحتاج إلى الأصل و كذلك فيما إذا تعارض الأدلّة في جواز تغيير الحكم بالشرط و الشّبهة و إن كانت مفهوميّة بل الشكّ من جهة الموضوع في أمثال المسألة قليل جدا و لكن مع ذلك لا مجال للرّجوع إلى العالم لكون المخصّص متّصلا فيوجب إجماله فراجع و تأمّل

و أما المباحات فالالتزام بتركها أو فعلها ليس مخالف للمشروع لعدم منافاة وجوبها بالعرض مع إباحتها كما لا يخفى نعم قد يقال بأنّ نفس الالتزام محرّم للحلال و إن لم يكن الملتزم به مخالف للكتاب لما قيل من عدم المنافاة بل يلزم ذلك في مثل النّذر و العهد و ما يشبههما أيضا حيث إنّ الالتزام بترك المباح محرّم له لا محالة فيعمّه تلك الأدلّة مع أنّ جميع موارد الالتزامات الصّحيحة إمّا التزام بفعل مباح أو مندوب أو ترك مباح أو مكروه فكيف التّوفيق

و يمكن استفادة ما يذبّ به عن الإشكال ممّا ورد في بعض الأخبار من بطلان الحلف على ترك شرب العصير المباح دائما معلّلا بأنّه ليس لك أن تحرّم ما أحلّ اللّٰه فيمكن أن يقال بأنّ الالتزام على ترك المباح تارة التزام بترك مصداق منه أو بتركه مطلقا في برهة من الزّمان و هذا لا بأس به لعدم مخالفته للكتاب لا من حيث الالتزام و لا من حيث الملتزم و أخرى التزام بترك نوع مباح دائما كالحلف على ترك شرب العصير دائما و حينئذ يكون التزامه محرّما لما أحلّه اللّٰه كما في الرّواية

و بالجملة يمكن الفرق بين الالتزام على ترك مباح نوعا أو بعض مصاديقه و كذلك بين تركه دائما أو في برهة من الزّمان و يكون ذلك توفيقا بين الأدلّة على حسب ما تقتضيه الرّواية الواردة في العصير و الإنصاف أنّه لو لم تكن تلك الرّواية كانت المسألة محلّ الشّبهة فتأمل جيّدا

ثمّ إنّ بناء على هذا التّفصيل فالقدر المسلّم من صحّة الالتزام ما إذا كان على بعض مصاديق المباح أو نوعه في برهة قليلة من الزمان و من عدم صحّة الالتزام ما إذا كان على نوع المباح دائما و أمّا الالتزام على بعض مصاديقه دائما أو على نوعه في مدّة متمادية فيكون من موارد الشكّ فالمرجع إلى الأصل و كيف كان فالمسألة لا يخلو عن التأمّل و الإشكال في بعض الموارد و أنحاء الالتزامات فالأولى تأسيس ما يقتضيه الأصل فيها حتى يكون هو المرجع في هذه المقامات

و الّذي أفاده قدّس سرّه هنا أنّ المرجع عند الشكّ في مشروعيّة الشرط أصالة عدم مخالفته للكتاب خلافا لما اختاره في أصوله و عقد تنبيها خاصا لعدم جريان هذا الأصل

ص: 106

في تنبيهات الاستصحاب لأنّ المخالفة ليست مسبوقة بالعدم مع فرض وجود موضوعه حتى يحكم باستمرار العدم إذ الشّرط إمّا وجد مخالفا أو غير مخالف فلا محالة يكون استصحاب عدم المخالفة بلحاظ العدم السّابق على وجود موضوعها من حيث كونها بنفسها من الحوادث المسبوقة بالعدم الأزلي لا محالة و بهذا اللّحاظ أي بلحاظ عدمها النّفسي المحموليّ لم يؤخذ موضوعا بل أخذ بلحاظ عدمها النّعتي أي عدم كون الشّرط مخالفا و بهذا الاعتبار ليس مسبوقا بالحالة السّابقة

و حاصل الإشكال على هذا الأصل أنّ عنوان المخالفة بوجوده النّفسي المحمولي و إن كان مسبوقا بالعدم لا محالة لكن إثباته لا يكاد يثبت الموضوع الشّرعي و لا يكاد يلتئم به الموضوع المقيّد و يحرز بضمّ الوجدان إلى الأصل حتّى يترتّب عليه حكمه إلّا بنحو من الملازمة العقليّة الّتي لا اعتبار بها في الأصول على ما حقّق في محلّه و بوجوده النّعتي الرّابطي إذا استصحب عدمه يلتئم منه الموضوع و لكنّه غير مسبوق بالعدم الكفائي لوضوح أنّ العدم لا يكاد يصير نعتا لموضوعه إلّا يتحقّق الموضوع غير متّصف بالوصف فيصير عدم الوصف نعتا له إمّا قبل وجود الموضوع فليس إلّا العدم المحمولي

و لقد أجاد قدّس سرّه في تنبيهات الاستصحاب في بيان الضّابط بين العدم النّفسي و النّعتي و عدم جريان الأصل في الثّاني دون الأوّل و كأنّه عدل عنه و بنى على جريان هذا الأصل

و حيث إنّه أصل دائر في كثير من المسائل الفقهيّة فلا بأس بشرط من الكلام فيه و بيان ما هو التّحقيق فيه في الجملة فنقول إذا أخذ قيد في موضوع الحكم الشّرعي وجودا أو عدما فتارة من قبيل العرض و محلّه و أخرى من قبيل الجوهرين مثل كون زيد و عدم كون عمر و معه مثلا أو عرضين لموضوعين أو لموضوع واحد خارج عن موضوع الحكم

أمّا ما لم يكن من قبيل العرض و موضوعه فجريان الاستصحاب في كلّ واحد من الجزءين مبني على مسألة معلومي التّاريخ و مجهولي التّاريخ فإن كان أحدهما معلوما كموت المورّث و الآخر مجهولا كإسلام الوارث مثلا يستصحب عدمه إلى زمان الآخر فيلتئم الموضوع بضمّ الوجدان إلى الأصل و يترتّب عليه الحكم الشّرعي أو نقيضه إذا كان المأخوذ في لسان الدّليل مجرّد كون الحادثين مجتمعين في سلسلة الزّمان أو كان أحدهما قبل الآخر أو بعده كذلك من دون اعتبار عنوان بسيط من العناوين المنتزعة عن ذلك كالتّقارن و التقدّم و التأخّر حتى عنوان الحال و شبهه و إلّا فجريان الأصل لا يكاد يثبت هذا العنوان كما لا يخفى

نعم لو كان كلاهما مجهولي التّاريخ فالأصلان فيهما متعارضان متساقطان كما شرح في محلّه و أمّا ما كان من قبيل العرض و موضوعه فتارة يكون العرض نعتا لموضوعه مسبوقا بالوجود أو العدم مثل أنّ زيدا كان عادلا فيشكّ فيستصحب عدالته أو كان و لم يكن بفاسق فيستصحب عدم فسقه و هذا ممّا لا إشكال فيه و إنّما الإشكال في استصحاب عدمه المحمولي أي بلحاظ عدم السّابق على وجود موضوعه فيما إذا لم يكن بوصفه النّعتي مسبوقا بالوجود أو العدم بل موضوعه إمّا وجد متّصفا به أو غير متّصف به من أوّل الأمر و هذا مبنيّ على إمكان أخذه بهذا اللّحاظ في موضوع الدّليل ثبوتا و إثباتا حتّى يلتئم الموضوع ببركة الاستصحاب و ضمّ الوجدان إلى الأصل

و الأقوى عدم إمكان أخذه كذلك أي بوجوده النّفسي المحمولي أو عدمه كذلك لا ثبوتا و لا إثباتا أمّا من حيث الثّبوت فلأنّ المعروض بالنّسبة إلى انقسامه إلى هذا

ص: 107

العرض و نقيضه إمّا أن يكون مطلقا فتقيّده بعدم كون العرض بوجوده المحمولي مقارنا له يدافع مع هذا الإطلاق لبداهة أنّ الملازمة العقليّة مرعيّة بحسب الواقع و نفس الأمر و إنّما لم يعيّن بها في مقام إجراء الأصول و وجود العرض بنفسه و لنفسه عين وجوده لموضوعه فإذا فرضنا أنّ المعروض من حيث انقساماته الأوّليّة الملحوظة قبل انقساماته من حيث الأمور المقارنة له مطلق غير مقيّد لا بوجود العرض نعتا له و لا بعدمه فتقيّده بعدمه المحمولي يدافع مع هذا الإطلاق لا محالة و إن كان مقيّدا به أو بنقيضه على وجه النّعتيّة فتقيّده به كذلك أي كونه أمرا مقارنا له لغو صرف لأجل الملازمة الواقعيّة بين نحويه من الموجود مثلا في قولنا أكرم العالم إذا كان العالم من حيث انقسامه إلى الفاسق و نقيضه مطلقا غير مقيّد لا به و لا بنقيضه فتقييده أيضا بعدم وجود فسقه مقارنا لوجوده يدافع مع هذا الإطلاق و يناقضه لا محالة و إن كان مقيّدا بعدم كونه فاسقا فتقيّده أيضا بعدم وجود الفسق في زمانه تقييد لغو مستهجن فيتعيّن أن يكون العرض ملحوظا على وجه النّعتية في مقام الإطلاق و التّقييد بالنّسبة إلى مفروضه و لا تصل النّوبة إلى لحاظه عرضا و محمولا لما أشرنا إليه من أنّ لحاظ الموضوع إطلاقا أو تقييدا بالنّسبة إلى عوارضه و انقساماته الطارية عليه أوّلا مقدّم على لحاظه باعتبار مقارناته فإطلاق الموضوع أو تقييده بالنّسبة إلى عوارضه إنّما يلاحظ بوجوداتها النّعتية و لا يعقل الإطلاق و لا التّقييد بلحاظ وجوداتها النّفسية و بما هي أشياء في حدّ نفسها مباينة لوجود موضوعاتها فتأمل جيّدا

و أمّا من حيث الإثبات و ملاحظة الأدلّة فلأن أخذ القيد في موضوع الحكم تارة بنحو المركّب التّوصيفي كقولك أكرم العالم العادل مثلا و اعتباره نعتا لموضوعه بديهيّ في هذا القسم و استصحاب وجود العدالة مقارنا للعالم لا يثبت عنوان العالم العادل كما هو واضح و أخرى بدليل منفصل كقولك لا تكرم الفاسق من العالم بعد الحكم بإكرام العالم مطلقا

و هذا القسم أيضا يكشف الدّليل المنفصل عن اعتبار نقيضه العدمي أي من ليس بفاسق في مصبّ العموم و يخرج العام عن كونه تمام الموضوع فيساوق التّوصيف غايته بعنوان عدمي الّذي هو نقيض الخارج

و ما أفيد في المقام من بعض أساتيدنا الأعلام طاب ثراه من عدم معنونيّة العام بعنوان النّقيض بل هو معنون بكل عنوان فيعمّ صورة لحقوق العرض عليه بوجوده المحمولي فيستصحب عدمه الأزلي و ببركته يدخل في موضوع العام و يعمّه حكمه مرجعه إلى عدم التّخصيص المفروض وجوده فيلزم الخلف لبداهة أنّ بعد خروج عنوان الفاسق مثلا عن تحت العام فلا محالة تضيّق موضوع الحكم و مصب العموم و لا يبقى انقسامه إلى الخارج و نقيضه و لا نعني بالتّقييد إلّا هذا

نعم إطلاقه بالنّسبة إلى وجود العرض و عدمه بما هو أمر مقارن له و إن لم ينثلم بالتّقييد اللّفظي فإنّ الخارج إنما هو بعنوانه النّعتي و نقيضه الّذي يقع في مصبّ العموم كذلك لا محالة و لكن قد عرفت أنّ بعد هذا التّقييد لا يكاد يبقى ذلك الإطلاق و إلّا يتدافعان لأجل الملازمة الواقعيّة

و توضيح المقام بأزيد من هذا البيان موكول إلى محلّه و كيف كان فهذا القسم أيضا بعد وقوع نقيض الخارج في مصبّ العموم مرجعه إلى التّقييد بالمتّصل و ثالثة يكون بنحو الاستثناء كقولك أكرم العالم إلّا الفاسق منهم و هذا أيضا كالمنفصل في تضييق مصبّ العموم و تقييده بنقيض الخارج بل هو أولى كما لا يخفى على المتأمّل فتأمل و رابعة يكون بدليل منفصل لكن على نحو يكون التّقييد واردا على عنوان الوصف كما هو الشّائع المتعارف في ألسنة العلماء و لا يخلو لسان الأدلّة

ص: 108

عنه أيضا كقولهم يشترط في الإمام العدالة و الذكوريّة و الحريّة مثلا و هذا القسم مع قطع النّظر عما ذكرنا في مرحلة الثّبوت يمكن في مقام الإثبات أن يكون اعتبار الوصف في موضوع الحكم بجواز الاقتداء بوجوده النّفسي المحمولي بأن يكون الشّرط في جواز الاقتداء مثلا كون العدالة و الحريّة و نحوهما موجودة في زمان وجود الإمام و مقارنة لوجوده لا نعتا له بأن يكون عادلا أو حرّا مثلا و هذا مع قطع النّظر عن كونه تقييدا مستهجنا ربما يقطع بعدمه و عدم إرادته لو فرض وقوعه في لسان الأدلة غايته أنّه يوجب الشكّ في أحد النّحوين و هما كيفيّتان متباينتان من التّقييد فلا بدّ من إحراز القيد بكلا الوجهين فلا بد أن يكون الوصف بكلا نحويه مسبوقا بالوجود أو العدم بل إثبات عدمه نعتا يلازم عدمه مقارنا و لا عكس فتأمل جيدا

و بالجملة فقد ظهر أن بحسب لسان الأدلّة إنّما أخذ الأوصاف الّتي نسبتها إلى موضوع الحكم نسبة العرض إلى محلّه على وجه النّعتيّة و الصّفتيّة لا بوجوداتها النفسيّة و بما هي ماهيّات في حيال ذاتها فلا بدّ في إحرازها بالاستصحاب أن تكون مسبوقة بالحالة السّابقة بما هي نعوت لموضوعاتها و إحراز عدمها الأزلي بما هي ماهيات في قبال موضوعاتها لا يثبت عنوان نعتيّتها إلّا بالملازمة العقليّة الغير المرعيّة في الأصول العمليّة على ما حقّق في محلّه و حينئذ فاللازم تنقيح أنّها بوجوداتها النعتيّة مسبوقة بالعدم حتّى يستصحب عدمها أو ليست مسبوقة بالعدم كذلك فلم يكن مجال للاستصحاب و صحّة الاستصحاب هنا مساوقة لما هو المعروف عند المنطقيّين من صداق السّالبة بانتفاء الموضوع و عليه بنوا الفرق بين السّالبة المحصّلة و الموجبة المعدولة المحمول و لكن المرضيّ عند المحقّقين أنّه من الأغلاط كما صرّح به الحكيم السّبزواري في حاشيته على الأسفار و إن تبعهم في منظومته في المنطق و كيف كان توضيح المقام مبنيّ على بيان إجماليّ في حقيقة الرّبط و النّسبة في القضيّة و أنّه من ناحية الماهيّة بمعنى أنّ الماهيات العرضيّة مع قطع النّظر عن وجوداتها لها جهة نفسيّة و جهة ربطيّة بموضوعاتها فإذا كانت الماهيّة بكلتا جهتيها مسبوقة بالعدم فنعتيّتها لموضوعها تكون مسبوقة بالعدم الأزلي فيصح استصحاب عدمها بنحو من العناية و أنّ الرّبط و النّسبة بأنفسهما ماهيّة ثالثة خارجة عن ماهيّة الموضوع و المحمول و هي المادّة المشتركة الّتي يرد عليها الإيجاب تارة و السّلب أخرى فيكون عنوان الرّبط بنفسه كسائر الماهيات مسبوقا بالعدم فيستصحب استمرار العدم و عدم طرده بالوجود أو أنّه معنى منتزع من ناحية وجود العرض و الماهيّة بنفسها ليست إلّا هي تارة يلحقها الوجود المحمولي الطارد لعدمه كذلك و أخرى باقية على عدمها فالنعتيّة و الربطيّة و الاتّصاف و غيرها كلّما شئت فعبّر عناوين منتزعة عن خصوصيّة وجود العرض و أنّه إذا وجد في الغير لا محالة

و بعبارة أخرى إذا أفيض الوجود إلى العرض و وجد في موضوعه فلوجوده اعتباران لا أنّ له وجودين فإنّه من الأغلاط اعتبار كونه بنفسه موجودا من الموجودات في عرض موضوعه و اعتبار كونه حالا فيه و قائما به و فانيا فيه فمن اعتباره الثاني ينتزع الوجود الرّبطي و النّعتي كما أنّ من اعتباره الأوّل ينتزع الوجود النّفسي المحمولي

و على هذا ليست النعتيّة مسبوقة بالعدم بل المسبوق به هو الماهية العرضيّة الّتي تنقسم إلى الموجودة تارة و إلى المعدومة أخرى و هي الّتي نسبتها إليهما على حدّ سواء و أمّا الوجود فلا يعقل أن يعرضه العدم كما هو واضح لا يخفى و ما قيل من أنّ الوجود مسبوق بالعدم فيه مغالطة فإن معناه

ص: 109

أن وجود الماهيّة مسبوق بعدمها لا بعدمه بمعنى أنّ وجودها يطرد عدمها و ينقضه لا أنّ الوجود كان معدوما ثم لحقه الوجود أو يشكّ فيه فيستصحب عدمه فإنّ ذلك من الأغلاط الواضحة الّتي لا يكاد يتفوّه به ذو مسكة فإنّهما وصفان متقابلان يعرضان الماهيات فلا يعقل اتّصاف أحدهما بالآخر تارة و بنقيضه أخرى كما لا يخفى

و بالجملة الّذي يكون مسبوقا بالعدم هو الماهيّة و هي القضيّة المتيقّنة في الاستصحاب الّتي يصحّ أن يقال إنّها كانت معدومة و الآن كما كانت و لا يصحّ أن يقال إنّ الوجود الرّبطي كان معدوما و الآن كما كان بالضّرورة من العقل و البداهة من الوجدان

فقد ظهر من ذلك كلّه أنّ الربطيّة و النعتيّة و غيرهما من العناوين منتزعة عن وجود العرض و تحقّقه في الخارج قائما بموضوعه و فانيا فيه فلا يعقل أن يكون مسبوقة بالعدم المحمولي فضلا عن النّعتي و إنّما المسبوق به ذات العرض بما هو عرض لا بما هو عرضيّ فافهم و اغتنم و قد ظهر أنّ هذا مساوق لكذب القضية السالبة بانتفاء الموضوع كما قال به أهل التّحقيق

نعم بناء على الوجهين الأوّلين و هو أن يكون الربطيّة من قبل ذات الماهيّة العرضيّة أو تكون الماهيّة ثالثة رابطة بين الموضوع و المحمول فإذا كانت الماهيّة بخصوصيّاتها مسبوقة بالعدم فيصحّ أن يقال خصوصيّتها النعتيّة كذلك مسبوقة بالعدم و أوضح من ذلك الوجه الثّاني لوضوح أنّ عنوان الربطيّة إذا كانت ماهيّة من الماهيّات فمسبوقة بالعدم لا محالة فيصحّ الاستصحاب و كذلك يصحّ قولهم بصدق السّالبة بانتفاء الموضوع فإنّ نفي الرّبط كما يصدق مع وجود الموضوع كذلك يصدق مع عدمه أيضا و لعلّه يرجع إلى ما ذكرنا من الوجهين الخلاف المحكيّ بين القدماء من المنطقيين و الجماعة المتأخّرة عنهم من أن مفاد السّالبة هو سلب الرّبط الّذي في الموجبة بمعنى أنّ الإيجاب في الموجبة عبارة عن نسبة المحمول إلى الموضوع فيرد على مادّة المحمول و في السّالبة يرد السّلب على هذه النّسبة الإيجابيّة و لازمه عدم وجود السّلب و الإيجاب على شي ء واحد

و هذا خلاف ما يقضي به الوجدان لبداهة أنّ ما يثبت للموضوع في الموجبة بعينه يسلب و ينفى في السّالبة و كذلك لازم هذا القول خلوّ القضيّة السّالبة عن الرّبط و النّسبة و هذا أيضا ممّا لا يساعده الضّرورة من الوجدان و لذا عدل عن ذلك الجماعة المتأخّرة و قالوا بأنّ مفادها ربط السّلب أي السّلب و الإيجاب يردان على النّسبة الخبريّة على حذو واحد و هي المادة المشتركة في كلتا القضيّتين الخارجة عن مادّتي الموضوع و المحمول و لازمه القول بتربيع أجزاء القضيّة كما قالوا و هذا الوجه و إن كان أصلح من الوجه الأوّل إلّا أنّه أيضا خلاف التّحقيق و يصادمه الوجدان الدّقيق إذ من البديهي في استعمالاتنا و محاوراتنا أن النسبة ليست شيئا برأسها و جزءا للقضيّة بنفسها إذ لازمه أن يكون من سنخ الماهيات مع أنّها منحصرة في المعقولات المعروفة مضافا إلى أنّ بناء عليه تحتاج بنفسها إلى ما يربطها بطرفيها فافهم جيّدا

و قد خرجنا عمّا هو المقصود في المقام

و كيف كان فعلى هذين الوجهين يتمّ استصحاب الأعراض بوجوداتها النّعتيّة كما يصحّ صدق السّالبة بانتفاء الموضوع أيضا و لكن على ما هو تحقيق الحقّ في المقام كما قال به المتأخّرون من أهل الصّناعة من أنّ النّسبة في حاق حقيقتها منقسمة إلى ثبوتيّة و سلبيّة و أنّها بكلا قسميها واردة على مادّة المحمول فالإيجاب عبارة عن ثبوت المحمول العرضي لموضوعه كما أنّ السّلب

ص: 110

سلب المحمول عن موضوعه و أنّه غير متّصف به و غير معنون بعنوانه و مرجعه إلى ما ذكرناه و اخترناه على ما يساعد عليه الوجدان في الاستعمالات و المحاورات من أنّ النسبة الثبوتيّة أمر منتزع عن نفس وجود العرض في محلّه و قيامه به و فنائه فيه كما أنّ السلبيّة عبارة عن عدم قيام العرض بمحلّه فيصير ذلك وصفا أو عنوانا عدميّا للموضوع لا محالة و هذا معنى قولهم النسبة في حاقّ حقيقتها تنقسم إلى الثّبوتيّة و السّلبيّة

و يشهد لذلك ما بنوا عليه و حقّقوه من أنّ كلّ واحد من الوجود و العدم ينقسم إلى النفسيّ المحموليّ و الرابطيّ نعم قد استشكل صدر المتألّهين في العدم الرّبطي نظرا إلى أنّ العدم كيف يكون رابطا مع أنّه لا يصلح لأن يكون منشأ لأثر بل الآثار كلّها من قبل الوجود و هو منشؤها و مبدؤها و لذا قد مال في حقيقة النّسبة إلى ما ذهب إليه المتقدّمون من أنّ النّسبة السلبيّة سلب ما في القضيّة الإيجابيّة غفلة عن تواليه الفاسدة و محاذيره الّتي أشير إليها في الجملة مع مصادمته للضّرورة و الوجدان

و قد أجاد شيخنا الأنصاري قدّس سرّه و كيف أجاد بل لعلّه ممّا أجرى اللّٰه تعالى على قلمه من التّعبير عن العدم الرّبطي بالنّعتي و به يحسم مادّة الإشكال لوضوح صلاحيّة العدم المضاف أن يصير نعتا لمنعوته و عنوانا له و لو سلّم عدم صلاحيّته للرّبط كما توهّم

و الحاصل أنّ الذّوات كما تتّصف بالأوصاف الوجوديّة كذلك تتّصف بالأوصاف العدميّة بمعنى أن يكون عدم القيام مثلا عنوانا و وجها لزيد كما أن وجوده ربما يكون كذلك

و قد ظهر أن كلّا منهما بذاك الاعتبار ليس مسبوقا بالعدم فلا مجال لاستصحابه بل المسبوق به باعتبار وجود الوصف و عدمه المحمولي و استصحابه بذاك الاعتبار لا يثبت وجوده و عده نعتا و إن يلازمه واقعا إلّا أنّ بناء الأصول على التّفكيك بين اللّوازم و الملزومات و الملازمات كما لا يخفى

و قد ظهر أيضا أن صدق السّالبة بانتفاء الموضوع من الأغلاط الواضحة و ما يتداول في الألسنة بنحو من العناية لا محالة لو كان من الاستعمالات الصّحيحة فلا يزاحم مع ما ذكرنا من البيان و إقامة البرهان

نعم هناك مغالطة قد استدلّ بها القائلون بالصّدق و هي أنّه لو لم يصدق السّالبة عند انتفاء الموضوع لصدق نقيضه لا محالة و التّالي باطل بالضّرورة فالمقدم مثله مثلا لو لم يصدق زيد ليس بقائم عند انتفاء الموضوع لصدق نقيضه و هو زيد قائم لامتناع ارتفاع النّقيضين و حلّه أنّ العوارض اللّاحقة للموضوعات تارة هي نفس الوجود و العدم و أخرى سائر العوارض كالقيام و القعود و نحوهما

أمّا الوجود و العدم فيلحقان ذات الموضوع بماهيّته و حقيقته العارية عن كلا الوصفين و لذا يكون الحمل في مثل زيد موجود مبنيا على العناية و التّجريد و حينئذ فيهما وصفان متقابلان تقابل الإيجاب و السّلب بمعنى امتناع ارتفاعهما بالقياس إلى الماهيّات كما يمتنع اجتماعهما أيضا و لا يعقل الواسطة بينهما إذ معروضهما ذوات الماهيّات كما قلنا

و أمّا سائر العوارض فتلحق الموضوعات المفروضة وجودها فإنّها هي الّتي تصحّ قيام العرض بها أو نقيضه و انقسامها إلى القسمين و أمّا الماهيّة بذاتها مع قطع النّظر عن كونها موجودة لا تكاد تتصف بالقيام و لا بنقيضه و كذلك سائر العوارض فيكون تقابل كلّ عرض و نقيضه تقابل العدم و الملكة لورودهما على موضوع قابل لأن يتّصف بهما و هو الموضوع المفروض الوجود فيصحّ حينئذ ارتفاعهما بانتفاء موضوعه

نعم بعد فرض وجود الموضوع

ص: 111

لا يعقل ارتفاعهما كما لا يمكن اجتماعهما و لا يجري ذلك بالنّسبة إلى وصفي الوجود و العدم فإنّ فرض انتفاء الموضوع مساوق لاتّصاف الماهيّة بالعدم فلا يعقل تصوّر خلوّها عن الوصفين كما لا يخفى و حينئذ نقول السّالبة عند انتفاء الموضوع بنفسها من الأغلاط لعدم صلاحيّة الموضوع بعد فرض انتفائه للحوق عدم القيام به كما لا يصلح للحوق القيام به فتأمل جيدا فإنّ قلت على هذا فلا فرق بين السّالبة المحصّلة و الموجبة المعدولة المحمول من حيث الصّدق مع أنّهم قد فرّقوا بينهما باعتبار ثبوت الموضوع في الثّانية كما في سائر الموجبات دون الأولى قلت نعم لا فرق بينهما بحسب الصّدق و التفرقة المذكورة عين المدّعى فمصادرة

نعم فرق بينهما من جهة أخرى و هو ما أشرنا إليه من أنّ الموضوع إذا اتّصف بوصف عدميّ يصير ذلك العدم المضاف عنوانا له بلحاظ الثّانوي فالفرق بينهما هو الفرق بين العناوين الأوّليّة و الثّانوية بمعنى أنّ زيدا إذا حكم عليه بعدم القيام فينزع منه عنوان بسيط ثانويّ باللّحاظ الثّانوي فيتّصف بكونه لا قائم و لذا لو كان موضوعا لحكم شرعيّ بهذا العنوان فاستصحاب عدم اتّصافه السّابق بالعرض لا يثبت ذاك العنوان فافهم جيّدا

و كيف كان فنتيجة ما ذكرنا من التّفصيل و التّطويل و إن لم يكن خاليا عن الفائدة و الإفادة لشيوع هذا الاستصحاب في الأبواب كثيرا فلا بدّ من تنقيحه أنّ النّعوت العدميّة الّتي نسبتها إلى منعوتاتها نسبة العرض إلى موضوعه مثل عدم كون الشّرط مخالفا أو عدم كون الدّم حيضا أو عدم كون الماء كرّا أو عدم كون الامرأة قرشيّة إلى غير ذلك من الموارد العديدة الّتي لا تحصى لا مجال لاستصحابها بلحاظ عدمها السّابق على وجود موضوعاتها لعدم كونها بهذا اللّحاظ مسبوقة بالعدم و بلحاظ عدمها المحمولي لم تؤخذ موضوعا لحكم بل قد عرفت امتناعه ثبوتا و عدم وقوعه إثباتا و حينئذ لو شكّ في هذه الموارد مثل أنّ الشّرط مخالف للكتاب أم لا فلا أصل في تلك المرحلة و لكنّه حيث يوجب الشكّ في نفوذ الشّرط فالأصل المسبّبي أي أصالة عدم نفوذ الشّرط و عدم كون المشروط عليه ملزوما به هو المحكم فافهم و اغتنم

[الشّرط الخامس أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد]

قوله قدّس سرّه الشّرط الخامس أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد إلى آخره

اعلم أنّ مقتضيات العقد تارة ما يقتضيه بذاته بمعنى أنّ سلب ذلك المقتضي عنه يكون مساوقا لنفيه و إبطاله و أخرى ما يقتضيه بإطلاقه سواء كان من آثاره المترتّبة عليه عرفا مثل اقتضائه للتّسليم و التسلّم و كون الثمن نقدا و كونه نقد البلد و ما يشبه ذلك أو من الأحكام الثّابتة له شرعا مثل ثبوت خيار الحيوان للمشتري و خيار المجلس للمتعاقدين و نحوهما فإنّ مرجع الجميع إلى الأحكام الثّابتة له شرعا غايته إمّا تأسيسا أو إمضاء و إلّا فالأثر العرفي لو لا الإمضاء الشّرعي لا مانع من اشتراط خلافه لعدم منافاته مع ذات العقد و لا يندرج تحت عموم الشّرط المخالف للكتاب فلا محذور

و كيف كان فمن المعلوم أنّ ما كان منافيا لإطلاقه لا مانع عن اشتراطه لوضوح أنّ معنى الإطلاق صلاحيّته للتّقييد و صحّة الاشتراط على خلافه فالمنع عنه من جهة أخرى لا محالة فيندرج المسألة من تلك الجهة في المسألة السّابقة من ملاحظة كونه مخالفا للمشروع أو غير مخالف فما أفاده قدس سرّه من الوجهين لعدم الصّحة لا يجريان في مورد واحد بل الوجه الأوّل لما كان منافيا لذات العقد و الثّاني لما كان منافيا لما جعله الشّارع من آثاره فلا بدّ من ملاحظة دليل

ص: 112

ذلك الجعل من أنه جعل أثرا لذات العقد أو لإطلاقه

و على أيّ حال لا دخل له بما يقتضيه العقد من الالتزامات المنشأة به صريحا أو ضمنا مطابقة أو التزاما بل من الأحكام الثّابتة له بالتّعبد فالمتّبع ملاحظة دليله و كيف كان فقد اختلط هذه المسألة بالمسألة السّابقة و لعلّه المنشأ للإشكال و صعوبة الفرق بين الموارد الّتي يصحّ الاشتراط عمّا لا يصحّ فكان حقّ المقام تخصيص البحث هنا بالآثار المترتّبة بحسب العرف و العادة على ما ينشأ بالعقد و البحث عمّا هو مقتضى ذات العقد بحيث لو لم يكن كان الإنشاء لغوا و كان اشتراط عدمه مناقضا لما أنشأه بالعقد أوّلا و ما هو مقتضى إطلاقه فاشتراط عدمه كان رافعا للإطلاق المقتضي له لا منافيا لما اقتضاه مع حفظ المقتضي كما لا يخفى على المتدبّر فتدبّر

و أمّا الآثار المجعولة على العقد شرعا التي لا ربط لها بالإنشاء العقدي و ما ينشأ به و يلتزم به المتعاقدان صريحا أو ضمنا فهي خارجة عن هذه المسألة رأسا و مندرجة في المسألة السّابقة

و قد عرفت أنّ المتّبع ملاحظة دليل الجعل و حينئذ فتشخيص القسمين أي ما يقتضيه ذات العقد أو إطلاقه في غاية الوضوح و كمال السهولة فإن المنشئات العقديّة تارة ينشئها العاقد أوّلا و بالذّات و يدلّ العقد عليه مطابقة مثل تمليك الأعيان في البيع و المنافع في الإجارة و أخرى ينشئها تبعا و ضمنا بحيث يعدّ من مداليل العقد التزاما مثل كون العوض نقد البلد أو كون ما انتقل عنه صحيحا أو غير ذلك من الأمور الّتي يتضمّنه العقد و يدلّ عليه بالدّلالة الالتزاميّة

فإن كان مرجع الاشتراط إلى ما ينافي الأوّل مثل أن يكون مرجعه إلى عدم حصول المبادلة و التّمليك و التّملك مثلا فهو مناف لمقتضى العقد لا محالة للزوم المناقضة الواضحة و من هنا يظهر وجه بطلان اشتراط كون البيع بلا عوض و الإجارة بلا أجرة فإنّ العوض و الأجرة في البيع و الإجارة من مقوّماتهما الّتي يدلّ العقد عليه بمدلوله اللّفظي المطابقي لما عرفت من أنّ حقيقة البيع مبادلة الأعيان بالأموال و الإجارة مبادلة المنافع بها فاشتراط عدمهما مناف لما أنشأ به العاقد ابتداء كما لا يخفى

و هذا بخلاف اشتراط عدم بيعه أو وقفه أو هبته مطلقا أو بشخص خاصّ فإنّه لا ينافي مع التّمليك و التّملك المنشأ بالعقد بل هو من آثاره و لوازمه المترتّبة عليه بحسب العرف و العادة لو لا الاشتراط على خلافه

نعم إذا كان مرجع الاشتراط إلى منع جميع الآثار المترتّبة على ما ينشأ بالعقد من الزّوجية و الملكيّة و نحوهما فلا يبعد إلحاقه إلى ما ينافي لمقتضى العقد لأنّ ما ينشأ به إنّما هو طريق للوصلة إلى تلك الآثار فمع اشتراط عدمها كأنّه لم ينشأ بالعقد شيئا فيلزم المناقضة و لو بنحو من العناية و المسامحة و كذلك الأثر الظّاهر على وجه كان تمام الغرض و الغاية للعقد و كان سائر الآثار بالنسبة إليه من قبيل ضمّ الحجر إلى جنب الإنسان غير ملحوظة بنظر المتعاقدين و غير مرغوبة من العقد بحسب العرف و العادة بحيث كان انتفاؤه بنظرهم مساوقا لانتفاء العقد و لعلّ نظر المشهور في عدم صحّة اشتراط المنع عن البيع و الهبة في ضمن عقد البيع إلى ذلك و لكنّه ليس بجيّد لأنّ البيع بالنّسبة إلى الملكيّة ليس بهذه المثابة

نعم ربما يكون كذلك في بعض الأعيان بالنّسبة إلى بعض الأشخاص إلّا أنّ المناط ليس على ملاحظة الأشخاص بل على ما هو كذلك نوعا بحسب ما يقتضيه العرف و العادة و من هذا القبيل اشتراط عدم الوطي في عقد المزاوجة فلا مانع عنه كما ورد عليه الرّواية

نعم لا يبعد أن يكون المنع عن مطلق الاستمتاع فيه منافيا لمقتضى العقد

ص: 113

بذاك المعنى الّذي أشرنا إليه و إن كان مرجعه إلى نفي الالتزامات الضّمنية التّبعية الّتي يتضمّنها العقد بحسب العرف و العادة فقد عرفت أنّها من مقتضيات إطلاقه المنصرف إلى ما هو المعمول في نوع المعاملة عرفا فإذا صرّح على خلافه كالبراءة عن العيوب أو كون الثّمن مؤجّلا و نحو ذلك فلا إطلاق حتّى يكون اشتراط الخلاف منافيا لمقتضاه فلا محذور

و بالجملة فرق بين الالتزام المنشإ في متن العقد صريحا و مطابقة و الالتزامات التّبعية المتفرّعة عليه اللّاحقة له عند إطلاقه فاشتراط الخلاف مناف لمقتضى العقد في القسم الأوّل دون الثّاني و يلحق بالقسم الأوّل اشتراط المنع عن جميع الآثار أو الأثر المطلوب المرغوب من العقد بحيث يكون سائر الآثار في جنبه وجودها كعدمها غير مرعيّة بنظر المتعاقدين كالملكيّة في عقد البيع بناء على كونها من لوازم البيع حيث إنّ حقيقته مبادلة المال بالمال في الملك و إن قلنا بأنّه تمليك بالعوض فالملكيّة نفس المنشإ بالعقد

و على أي حال اشتراط عدمها مناف لمقتضى العقد بخلاف مثل الالتزام بوصف الصّحة أو عدم تغابن العوضين أو كون الثّمن مؤجّلا و نحو ذلك فإنّها التزامات تبعيّة يقتضيها العقد بإطلاقه بحسب العرف و العادة فبالتّصريح على خلافه يرتفع موضوع الإطلاق من دون انثلام في حقيقة العقد كما هو واضح

و أمّا الآثار الشّرعيّة الثّابتة للعقد تعبّدا فتارة مترتّبة على المعقود عليه من دون نظر إلى سببه أصلا مثل النّاس مسلّطون على أموالهم فإنّ السّلطنة جعلت أثرا للملكيّة من أي سبب كانت و لو حصلت من الإيجاب القهريّة كالإرث مثلا و هذا لا مساس له بباب منافيات العقد بوجه فيتمحّض المنع عنها بكونه مخالفا للكتاب و من هذا القبيل حقّ الإسكان الثّابت للزّوج فلا ربط له بالعقد حتى يكون منعه عنه منافيا لمقتضاه بل الكلام فيه ينبغي أن يقع من حيث كونه حقّا قابلا للإسقاط أو حكما تعبديّا غير قابل له لا من حيث منافاته للعقد و كذلك ما يرجع إلى قصر السّلطنة في الأموال مثل المنع عن البيع و أمثاله

و قد عرفت في المسألة السّابقة أنّ كلّما يرجع إلى باب الحقوق يصحّ إسقاطه بالاشتراط في متن العقد أو بعده فإنّه مقتضى كمال السّلطنة و تماميتها كما لا يخفى و أخرى مترتّبة على العقد بما هو عقد خاص كخياري المجلس و الحيوان في عقد البيع و هذا القسم يمكن إدراجه في المسألة بأنّ المنع عن تلك الآثار مخالف لما يقتضيه العقد شرعا و لكن مع ذلك حكمه موكول إلى المسألة السّابقة من الفرق بين كونها حقّا أو حكما وضعا أو تكليفا و الرّجوع إلى دليله من حيث قابليّته للاشتراط على خلافه و عدمها

و حينئذ فاشتراط عدم الخيارين في البيع مثلا لا محذور فيه إن كان مرجعه إلى إسقاط ما جعله الشّارع حقّا لهما لما نقحنا في المباحث السّابقة أنّ حقيقة الحق متقوّمة بكونه تحت سلطانه و زمامه بيده

نعم لو كان مرجعه إلى عدم كون العقد خياريّا فيرجع إلى التّصرف في الحكم الشّرعي فلا ينتقل و لا يجوز قطعا فتأمل جيّدا و ممّا ذكرنا ظهر أنّ بعض المسائل المبحوث عنها في المقام لا مساس له بالشّرط المخالف لمقتضى العقد مثل اشتراط عدم بيعه أو وقفه أو هبته مطلقا أو من شخص خاص فلا مانع من الاشتراط من غير فرق بين العتق و غيره كما قيل و إلّا فبناء العتق على التّغلب لا يكاد ينفع كما لا يخفى و كذلك اشتراط عدم إخراج الزّوجة عن بلدها لما عرفت من أنّه غير مرتبط بالعقد

نعم ينبغي التّكلم في بعض هذه المسائل مثل الفرق بين الإجارة و العارية و جواز اشتراط الضّمان في الثاني

ص: 114

دون الأوّل و اشتراط توارث الزّوجين في عقد المتعة و اشتراط عدم الخسران في عقد الشّركة فإنّها لا يخلو عن التّأمل و الإشكال

فنقول و على اللّٰه الاتّكال أمّا الأولى فالمشهور بينهم عدم جواز اشتراط الضّمان في عقد الإجارة دون العارية معلّلا بأنّه مخالف لمقتضى العقد و ناقش فيه المقدّس الأردبيلي و تبعه شارح الرّوضة في حاشيته عليها بمنع كونه منافيا لذات العقد بل ينافي إطلاقه الغير المنافي مع اشتراط خلافه و عن بعضهم على ما حكى شيخنا المحقّق الأستاذ دام ظلّه التّفصيل بين الإجارة على الأموال فلا يجوز و على الأعمال فيجوز إذ فرق بينهما ففي إجازة العين يقع مال المؤجر في يد المستأجر و معنى ضمانه ضمان المستأجر و في الإجارة على الأعمال كالخياطة و القصارة و نحوهما يقع مال المستأجر في يد الأجير و المراد بضمانه ضمان الأجير لا المستأجر

ثم إنّ المتسالم بينهم ظاهرا في القسم الثّاني عدم استحقاق الأجير للأجرة إلّا بمقدار وفائه للعمل فيستحقّ الأجرة تدريجا بأداء العمل كذلك و هذا ينطبق على ما هو المعروف من أنّ الإجارة عقد على المنافع التدريجيّة الموجودة جزءا فجزءا و لا إشكال فيه من حيث كونها معدومة فلا يصحّ تعلّق العقد بها و تملّكها بعد ما كان لها نحو وجود اعتبارا عند العقلاء و يصحّ بذل المال بإزائها عندهم و جرت سيرتهم عليه

و أمّا القسم الأوّل أي الإجارة على الأعيان فالمتسالم عندهم ظاهرا استحقاق المؤجر للأجرة بمجرّد تسليم العين و عدم حقّ النّكول للمستأجر بعد وضع يده عليها و أنّ استقرار ملكيّته للأجرة يتوقف على انقضاء المدّة فلو تلف العين أو سلب عنها المنفعة تحسب عليه و انطباق هذا الفتوى على تمليك المنافع لا يخلو عن الإشكال إذ المنافع تدريجيّة فلازمها استحقاق الأجرة كذلك

ثم إنّه لو استحقّ الأجرة بتسليم العين فتوقّف استقرار ملكيّته على انقضاء المدّة لا يستقيم بظاهره و من ذلك كلّه يستكشف أنّ ما يقع عليه الإجارة ليس صرف المنافع المتدرّجة و إلّا فقد عرفت أنّه لا وجه لاستحقاق الأجرة بتسليم العين بل للعين نحو دخل في متعلّق الإجارة و لذا نقل عن بعض أهل النّظر من هؤلاء الأواخر أنّ الإجارة تمليك العين موقّتا و لكن فساده واضح لعدم معهوديّة التوقيت في الملكيّة في الشّريعة إلّا أنّ بناء ذاك القائل مخالفة القوم في هذه المراحل فتأمل

و يظهر من المحقّق و العلّامة قدّس سرهما من تعريفهم لها بأنّها عقد ثمرته تمليك المنافع أنّ المعقود عليه ليس صرف المنافع بل المحكي عن التذكرة التصريح بذلك و هو كذلك عند التّحقيق و النّظر الدّقيق فإنّ النّقل و الانتقال تارة يقع على نفس الأعيان فيتبعه آثار الملكيّة و كلّما يكون من لوازمها عرفا و شرعا و منها كون العين تحت يده الانتفاعيّة بمعنى سلطنته عليها على نحو يصحّ له الانتفاع بها بأنحاء منافعها و إن لم ينتفع بها فعلا

و أخرى يقع على نفس المنافع المستوفاة تدريجا فإنّها و إن كانت معدومة و لكن لها نحو وجود باعتبار قابليّة العين لها و نحو اعتبار عقلائي يصحّ بذل المال بإزائها كما قدمناه فلا إشكال في تمليكها من تلك الجهة و لكن لازمه تقسيط الثمن الّذي يقابلها و انتقاله إلى من انتقل إليه جزءا فجزءا حيث إن استحقاقه للأخذ مشروط بقبض ما انتقل عنه إلى المنافع و المفروض كون قبضها تدريجيا فيكون استحقاقه لأخذ الثّمن كذلك فافهم

و ثالثة يقع على ذاك الأمر المتوسّط الّذي أشرنا إليه من أنّه من توابع الملكيّة و لوازمها أي كون

ص: 115

العين تحت يد الانتفاع و هذا المعنى أيضا اعتبار عقلائي يصحّ بذل المال بإزائه بل هو أقوى من المنافع الفعليّة فإنّه أمر يتحقّق بالعقد و ينشأ بإنشاء تملّكه و إن كان بقاؤه منوطا ببقاء العين على قابليّة الانتفاع

أمّا القسم الأوّل فهو مختصّ بالبيع و ما هو موضوع لنقل الأعيان من العقود و أمّا القسمان الأخيران فيقع الكلام في أنّ المعقود عليه في عقد الإجارة أيّهما هل هو نفس المنافع التدريجيّة أو ذلك المعنى المتوسّط الذي تصوّرناه و على الثّاني ينحلّ ذاك الإشكال الّذي أشرنا إليه من تسالمهم على استحقاق الأجرة بتمامها بتسليم العين إلى المستأجر لما عرفت من أنّه أمر متحقّق حال العقد و ينشأ به آنا لا تدريجا و قبضه إلى من انتقل إليه أيضا بنفس قبض العين و وضع يده عليها فيستحقّ المؤجر العوض أي الأجرة بتمامها بنفس تسليم العين لا أن يكون القبض تدريجا حتى يكون استحقاق العوض أيضا كذلك كما يستقيم أيضا تسالمهم على توقف استقرار العوض في ملكه ببقاء العين على قابليّة الانتفاع لما عرفت من أنّ هذا المعنى و إن كان آنيّ الحصول بالعقد لكن بقاؤه متقوّم ببقاء العين أيضا فبخروج العين عن الانتفاع المقصود بالعقد يخرج عن كونه مقبوضا و يترتّب عليه حكم التّلف قبل القبض فتأمل جيّدا

و كيف كان فلو قلنا بأنّ المعقود عليه في إجارة الأعيان ذاك المعنى المتوسّط المستتبع للمنافع التّدريجيّة كما هو التّحقيق و الظّاهر من كلمات بعض الأجلّة كالمحقّق و العلّامة بأنّها عقد ثمرته تمليك المنافع فاستحقاق المستأجر لوضع اليد على العين في كمال الوضوح لما عرفت من أنّ حقيقة العقود عليه متقوّمة بوضع اليد على العين بل هو هو معنى كما لا يخفى و أمّا على القول بأنّه نفس المنافع فلازم استحقاقها و ملكيّتها وضع اليد عليها عقلا

و على أيّ حال فنفس الإنشاء العقدي متضمّن لكون العين تحت انتفاعه إمّا مطابقة على الأوّل أو التزاما على الوجه الثّاني فيكون وضع اليد على العين عن حق مالكيّ منشأ بالعقد مطابقة أو التزاما فاشتراط ضمانها على المستأجر خلاف الكتاب كما هو واضح فكون اليد عن حقّ مالكيّ إنّما يثبت بالعقد و من المدلولات الالتزاميّة لما هو المنشأ به بل نفس المنشإ على تقدير و عدم ضمان اليد الثّابت عن حق و استحقاق أمر ثابت في الشّرع فلا ينفذ اشتراط الضّمان و هذا بخلاف الإجارة على الأعمال فإنّ مال المستأجر هنا يقع عليه يد المؤجر و لا استحقاق له على وضع اليد عليه لجواز استيفاء العمل مع كون العين في يد مالكها أو بذل المالك للأجرة بلا استيفاء العمل فلا يكون يد المؤجر عليها بحق يلزمه العقد بوجه فلا بأس باشتراط كونها مضمونا عليه لعدم منافاته لمقتضى العقد بل هو لا اقتضاء بالنسبة إليه كما في العارية على ما سنشير إليها إجمالا و لا يكون مخالفا للمشروع أيضا كما هو واضح

و حينئذ فالتّحقيق هو التّفصيل بين الإجارة على الأعيان و الأموال لما ذكرنا من أنّ الفرق الواضح بينهما و على هذا فما ورد في بعض الأخبار من جواز شرط الضّمان على مثل الملّاح و المكاري و الجمّال خال عن الإشكال و على مقتضى القاعدة فإنّه في إجارة السّفينة من الملّاح لحمل الطعام و اشتراط أنّه لو نقص كان عليه فقال ع جائز إلى آخره فيكون من باب الإجارة على العمل فراجع و تأمّل و لا تغفل

و كيف كان فقد ظهر أنّ وجه عدم الضّمان في الإجارة إنّما هو استحقاق المستأجر لوضع اليد على العين النّاشي من قبل نفس العقد

ص: 116

مطابقة أو التزاما بأحد الوجهين و إذا كان يده بحقّ مالكيّ أي يملكه بالعقد لا مجرّد كونه برضا المالك و تسليطه عليه فاشتراط كون اليد يد ضمان خلاف للمشروع إذ الّذي هو محلّ الكلام هو هذا لا مجرّد أنّه لو تلف العين يتداركه المستأجر من ماله فإنّه ربما يكون نافذا جائزا فتأمل جيدا

و من هذا القبيل يد المرتهن على العين المرهونة فإنّه أيضا بحقّ مالكيّ ناش من قبل العقد فإن كون العين وثيقة عنده بحيث كان له استيفاء ماله عنها في محلّه لا يكاد ينفك عن وضع اليد على العين و كونها تحت سلطنته فاشتراط الضّمان فيه أيضا مناف لمقتضى العقد بالمعنى الّذي ذكرناه

و أمّا سائر أبواب الأمانات فما عدا العارية و هو الوكالة و الوديعة فكذلك أي لا يصحّ شرط الضّمان لكن لا من جهة استحقاقه كون العين في يده بل من جهة كونهما استنابة عن المالك فجعل يدهما بمنزلة يده ينافي ضمانه فحقيقة الاستنابة منافية للضّمان لإرجاعه إلى ضمان نفسه

و على هذا فلا فرق في الوكالة بين كونها تبرّعا أو بجعل فإنّ الجعل لا ينافي الاستنابة نعم لو قيل كما توهّم أن عدم الضّمان من جهة إرجاعهما إلى مصلحة المالك فيتفاوت صورة التبرّع و غيرها و لكن مجرّد ذلك لا يكاد يكفي في عدم الضّمان إلّا بضميمة مثل ما جعل اللّٰه على المحسنين سبيلا و أمثال ذلك حتّى يتمّ و ينتج و على أيّ حال بعد ما عرفت من منافاة الاستنابة مع الضمان و كونهما من هذا الباب فلا نحتاج إلى كبرى أخرى

بقي الكلام من الأمانات الخمس في العارية و قد ظهر أنّه لا مانع من اشتراط الضّمان فيها لعدم دخولها في إحدى الكبريات المذكورة من كون تصرّف المستعير عن حق مالكي أو استنابة أو كونه مصلحة للمالك و إحسانا عليه بل مجرّد تحليل و إباحة و هذا غير مقتض لعدم الضّمان بوجه

نعم مقتضى إطلاقها و إرسالها ذلك و عليه يحمل ما في بعض الأخبار ليس على المستعير عارية ضمان إلى آخره فإنّ عدم الضّمان كما يمكن أن يكون مستندا إلى علّة موجبة لذلك كذلك يمكن أن يكون لعدم المقتضي للضّمان فلا اقتضاء للعقد بحسب ذاته لا له و لا لعدمه فيصحّ اشتراط الضّمان كما يصحّ اشتراط عدمه و طريق استكشاف ذلك أي كونه من باب عدم العلّة أو العلّة الموجبة لعدمه ما في الأخبار العديدة من الضّمان عند الاشتراط فراجع

و قد ظهر ممّا تقدّم أنّ حال الإجارة على الأعمال بعينه حال العارية في عدم دخولها في الكبريات المذكورة المنافية للاشتراط كما هو واضح الثّانية في اشتراط عدم الخسران في عقد الشّركة فإنّه أيضا محلّ خلاف و إشكال و على جوازه وردت رواية صحيحة عن رفاعة قال سألت أبا الحسن موسى ع عن رجل شارك رجلا في جارية له و قال إن ربحنا فيها فلك نصف الرّبح و إن كانت وضيعة فليس عليك شي ء فقال ع لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية إلى آخره و لكن منعه ابن إدريس مطلقا لمنافاته مع الشّركة و الرّواية خبر واحد ليس حجّة عنده

و عن التّنقيح الاقتصار على مورد النّص تعبّدا و عن المحقّق في الشّرائع جوازه في مطلق الحيوان و لا يعلم له وجه و عن الدّروس كما نقل عنه التعدّي إلى مطلق المبيع معلّلا بأنّ تبعيّة المال من لوازم الشّركة المطلقة لا مطلق الشّركة فلا ينافي في اشتراط خلافها و الرّواية على القاعدة فيتعدى عن موردها إلى سائر الموارد أيضا

هذا ما أفاده قدس سرّه في بيع الحيوان و في الشّركة الابتدائيّة استظهر البطلان و في الصّلح تسلّم الصّحة بلا إشكال و لذا أورد عليه صاحب الجواهر بالتّهافت بين

ص: 117

كلماته و لكن سيتّضح لك عدم التّهافت بينها و أنّ كل واحد وقع في محلّه

و بالجملة كلمات الأكابر على ما نقل مختلفة في الأبواب الثلاثة فالظاهر في باب الصّلح تسالمهم على الصّحة لمكان غير واحد من الأخبار كما أنّ الظّاهر أيضا تسالمهم على البطلان فيما إذا كان الشّرط في ضمن عقد الشركة معلّلا بعدم وقوع الزيادة لأحدهما في مقابل عوض و لا وقع اشتراطها في ضمن عقد معاوضة ليضمّ إلى أحد العوضين و لا اقتضى تملّكها عقد هبة و الأسباب المقرّرة للملك معدودة و ليس هذا منها

هكذا و أفادوا و نعم ما أفادوا فإنّ حقيقة الشّركة إنّما تحصل بامتزاج المالين لا بالعقد و لذا لو عقد أو لم يحصل الامتزاج لا يتحقق الشّركة كما أنّه لو امتزج المالان يتحقّق الشّركة و إن لم يعقدا فالشّركة من لوازم الامتزاج الواقع في الخارج

و من الواضح كون النّماءات الحادثة أيضا مشتركة بينهما بنسبة أصلها كما أنّ النّقص لو ورد يرد على المجموع و ليس لذلك الامتزاج المتحقّق في الخارج قهرا أو اختيارا مساس بباب العقد و اللّفظ و الإنشاء و نحو ذلك حتى يبحث أنّ التّساوي في الرّبح و الخسران هل مقتضى ذات العقد أو مقتضى إطلاقه كما هو واضح بل هو مقتضى الشّركة الخارجيّة الحاصلة بالامتزاج و لكن حيث إنّ مقتضى الشّركة عدم جواز التصرّف لكلّ منهما بدون إذن الآخر ففائدة العقد هي الإذن في التّصرّف في مقام التّجارة و الاسترباح من أحدهما أو كليهما و كيفيّة العمل على وجه تعاطيا عليه في عقد الشّركة و حينئذ فاشتراط التّفاضل و النقص في الرّبح و الخسران في ضمنه لا يكاد يفيد شيئا لأنّه بمثابة الشّروط الابتدائيّة حيث لا يرجع إلى خصوصيّات الإذن و كيفية العمل لوضوح أن مجرّد اقترانه بالعقد لا يوجب صيرورته شرطا في ضمن العقد فافهم

و بالجملة إذا لوحظ هذا الاشتراط إلى الشّركة الحاصلة بالامتزاج و لو لم يكن مسبوقا بالعقد فمخالف للمشروع و ما يقتضيه الشّركة عرفا و شرعا و هو أنّ نماء كل مال لصاحبه لا محالة إلّا بسبب مملّك مفقود في المقام على الفرض و إذا لوحظ إلى عقد الشّركة يكون من قبيل الشّروط الابتدائيّة الغير النّافذة على ما سيأتي توضيحه لعدم ارتباطه بما هو المنشأ بالعقد من إذن كلّ واحد منها في التصرّف في مال الآخر بإعماله في مقام التكسّب و الاسترباح

نعم لو كان الشّرط راجعا إلى خصوصيّات العمل فكونه في ضمن عقد جائز لا يضرّ حيث إنّ مرجعه إلى تقييد الإذن فبدونه يبطل العقد لا الشّرط و بعبارة أخرى المشروط عليه ملزم بالوفاء بالشّرط مع التزامه بالشّركة نظير الوجوب الشّرطي في المستحبّات العباديّة

و كيف كان فقد تحصّل أنّ المتّجه بطلان اشتراط التّفاوت في الرّبح و الخسران في الشّركة الابتدائيّة أي ما يكون بالعقد كما أفاد الدّروس و غيره و لكن لا يخفى أنّ مقتضى تعليلهم من لزوم انتقال الزيادة في ملك المشروط له بلا عوض و بلا سبب مملّك من هبة أو وقوعه في ضمن عقد معاوضة ليضمّ إلى أحد العوضين أنّه لو كان للمشروط له عمل أو كان الاشتراط في ضمن عقد المعاوضة كالبيع مثلا كما هو مورد الرّوايتين الواردتين في الجارية كان صحيحا نافذا إذ على الأوّل يكون الزيادة في مقابل العمل كما في باب القراض و لذا قالوا بأنّ الاسترباح إذا كان منوطا بعمل فهو بالقراض أشبه من الشّركة فيصير الشرط هنا من خصوصيات الإذن و كيفية الجعل المنشإ بالعقد

و قد عرفت أنّ مع فرض بقاء الشّركة و حفظها يجب الوفاء بالشّرط

ص: 118

إذ بدونه لا إذن كما في سائر العقود الإذنيّة كالوكالة و نحوها فيصحّ الاشتراط سواء كان للآخر أيضا عمل أو اختصّ بالمشروط له إذ مرجع الاشتراط إلى تبرّع الشّارط في عمله فلا بأس و أمّا الثّاني أي ما كان في ضمن عقد معاوضة نشأت منه الشّروط فمقتضى القاعدة و التّعليل المذكور أيضا الصّحة لصيرورته ضميمة لأحد العوضين فلا يكون بلا عوض و لوقوعه في ضمن عقد لازم فيلزم

نعم فيه إشكال الغرور الجهالة و كونه متعلّقا على أمر غير حاصل و انحصار الأسباب المملّكة بالعقود الخاصّة فإن قلنا بأنّ الملكيّة لا لتوقّف على سبب خاصّ كما يأتي توضيحه إن شاء اللّٰه و أنّ القدر المسلّم من التّعليق الممنوع إنّما هو في باب العقود و الإيقاعات لأنّ الدّليل الوافي به ليس إلّا الإجماع الممكن تخصيصه بالبابين دون باب الشّروط كما يأتي تنقيح ذلك أيضا إن شاء اللّٰه و أنّ الجهالة حيث يضاف الرّبح و الخسران إلى رأس المال و هو أمر مقدّر لا بأس بها فاشتراط التّفاضل لا بأس به كما هو المنصوص في قضيّة الجارية فيكون الرّوايتان على القاعدة الموجبة لجواز التعدّي إلى سائر الموارد كما أفاد الدّروس قدّس سرّه و بينه و بين الاشتراط في ضمن عقد الشّركة بون بعيد لا يقاس أحدهما بالآخر فتدبّر

هذا إذا كان مرجع الاشتراط إلى جبر خسرانه من ماله الذي ينتقل إليه بالمعاملة فمرجعه إلى تمليك مقدار من حصّته على تقدير الخسران فلا محذور فيه عدا الجهالة و التّعليق و أمّا إذا كان المرجع عدم انتقال مقدار من الثّمن إلى الشّارط رأسا بل ينتقل إلى المشروط له ابتداء فهذا خلاف القاعدة و مخالف للكتاب و السّنة بالبداهة لإرجاعه إلي عدم انتقال العوض إلى من له المعوّض بل إلى غيره و هذا فاسد جدا و الرّوايتان و إن أمكن انطباقهما على الوجهين و لكن لا داعي إلى حملهما على الوجه الثّاني بعد صلاحيّة الحمل على الوجه الأوّل لو لم تكونا ظاهرتين فيه لأنّ ما يتعلّق به الغرض غالبا عدم الخسران و جبر النّقصان بأيّ وجه كان و أمّا كونه بوجه خاصّ فلا يكون ملحوظا للأنظار كما لا يخفى كما أنّ صحّة الاشتراط أيضا مبني على عدم شمول الخسران لصورة تلف المال رأسا كما هو الظّاهر المتبادر منه عرفا و أمّا لو قيل بشموله للتّلف أيضا حيث إنّه أقوى مصاديق الخسران فلا ينبغي الشّبهة في بطلان الشّرط لإرجاعه إلى كون المملوك في عهدة غير مالكه و أن خسارته و دركه على غيره هذا مناف للقاعدة و الملازمة بين الضّمان و الملكيّة و لا يقاس على ضمان ما في الذّمة لبداهة الفرق بين المقامين كما لا يخفى على أهل البصيرة فإنّ مرجع الضّمان انتقال ما في ذمّة المضمون له إلى ذمّة الضّامن لا كون العين الموجودة مملوكة لأحد و كون ضمانها على الآخر فإنّ حقيقة الملكيّة كون الدّرك و الخسارة على المالك فافهم و لكنّ الأوصاف أنّ المتبادر من الخسران وقوع النقص على المال عند المعاوضة لا مطلق الدّرك حتى عند التّلف

نعم ظاهر ما ورد في باب الصّلح من قوله و عليك التوى إلى آخره شموله لصورة التّلف أيضا و لكن هذه الأخبار كلّها محمولة على صورة إرادة فسخ الشّركة و تسالم أحد الشّريكين على أخذ رأس ماله و تجاوزه عن ربحه و خسرانه و هذا لا مانع منه بوجه من الوجوه لا من جهة منافاته مع الشّركة لما عرفت من أنّه عند إرادة فسخها أو انقضائها و لا من جهة الرّبح و الخسران لإرجاعه إلى هبة كل واحد منهما ما عنده من الزيادة إلى الآخر إن كان عينا و إلي إبراء ما في ذمّته إن كان دينا

نعم ربما يلزم في بعض صوره الربا و لكنّه كالغرر و الجهالة مغتفر في باب الصّلح و بالجملة فقد ظهر اختلاف الحكم

ص: 119

في الأبواب الثلاثة كما نقل عن الشّهيد و تبعه غيره أيضا فلا تناقض بين كلماتهم كما أورد صاحب الجواهر على الشّهيد قدّس سرّهما

و قد عرفت كمال الفرق بين الأبواب و العجب منه قدّس سرّه أنّه شدّد النّكير على الشّهيد في صحّة الاشتراط في ضمن عقد البيع و في باب الشّركة ظاهره الميل إلى الصّحة مع ما عرفت أنّ الأمر بالعكس فراجع و تأمّل و أعجب منه حمله مورد الرّوايتين في الجارية على بيع الكلّي في المعيّن في مقام تطبيقهما على القاعدة مع أنّ تصويره في غاية الإشكال و على فرض التّصوير لازمه عدم استحقاق الرّبح أيضا

نعم في الأخبار الواردة في باب الصلح يمكن تطبيقها عليها كما تقدّم و كيف كان فما أفاد الشّهيد في باب الصّلح و في ضمن عقد البيع الموجب للشّركة من صحّة الاشتراط بل و كذلك كل عقد لازم كان موجبا للشّركة و عدم الصّحة في عقد الشّركة كلّها على القاعدة و منطبق على الأصول الكليّة كما أشير إليها في الجملة

بقي الكلام فيما إذا حصل الشّركة بسبب آخر قهري كالإرث و نحوه أو اختياري كالبيع و الحيازة و نحوهما ثم اشتراط التفاوت في الرّبح و الخسران في ضمن عقد لازم آخر و بعبارة أخرى تارة يكون الاشتراط في ضمن عقد هو منشأ الشّركة و أخرى في ضمن عقد بعد فرض تحقّقها بسبب آخر و الفرق أنّ على الأوّل يمكن القول بأنّ الشركة إنّما تحقّقت على هذا الوجه فلا اقتضاء لها حتى ينافيه الاشتراط بخلاف الثّاني فإنّ الشّركة المتحقّقة سابقا مقتضية لتساويهما في الرّبح و الخسران فاشتراط التّفاوت مناف لمقتضاها و إن لم يكن فيه محذور من جهة كون التّفاضل بلا عوض أو من جهة عدم السّبب المملّك لما عرفت من اندفاعهما إذا كان في ضمن عقد لازم

و لكن قد عرفت أنّ اشتراط التّفاضل يتصوّر بأحد الوجهين تارة يكون مرجعه إلى عدم دخول الزيادة في ملك الشّارط و انتقاله إلى المشروط له ابتداء أي عند حصول المعاوضة و ظهور الرّبح و أخرى إلى انتقالها إلى مالكها على القاعدة ثم انتقاله من ملكه إلى المشروط له

و قد عرفت أنّ على الأوّل لا يجوز الاشتراط في ضمن العقد المنشإ للشركة أيضا لمنافاته مع ما يقتضيه الملكيّة و مخالفته للقواعد المستفادة من الكتاب و السّنة و على الثّاني لا محذور فيه في كلا المقامين لعدم منافاته مع ما يقتضيه الشّركة حتّى يفرّق بين كونها متحقّقة سابقا أو حاصلة بنفس هذا العقد

نعم فيه إشكال الغرر و الجهالة و انحصار سبب الملك في العقود المعهودة و تعليق التّمليك على المرابحة و ظهور الرّبح و قد أشرنا سابقا أنّ الوجوه الثّلاثة قابلة للمنع كما يأتي توضيحه إن شاء اللّٰه

و كيف كان فقد تلخّص من مجموع ما ذكرنا أنّ اشتراط التّفاضل لأحد الشّريكين بجميع وجوهه المتصوّرة من كون الرّبح لأحدهما و الخسران بينهما أو الرّبح بينهما و الخسران على أحدهما أو تفاضل أحدهما في الرّبح من دون أن يكون له عمل موجب لاستحقاقه لذلك تارة في ضمن عقد الشّركة ابتداء و أخرى في ضمن عقد لازم يحصل منه الشّركة سواء كان العقد بينهما أو بينهما و بين ثالث يشترط تفاضل أحدهما في الرّبح على الآخر و ثالثة في ضمن عقد لازم مع تحقّق الشّركة سابقا بأسبابها القهريّة أو الاختياريّة ففي القسم الأوّل الوجه بطلان الشّرط لمنافاته مع القواعد الكليّة و ما يقتضيه عقد المشاركة أيضا و أمّا في القسمين الأخيرين فالمتّجه النفوذ و الجواز إن كان مرجعه إلى ما ذكرنا من أحد الوجهين و لم يمنع الغرر و التّعليق و كون الشّرط مملّكا و إلّا ففي صحّته

ص: 120

إشكال بل منع و اللّٰه العالم بحقيقة الحال

[الشّرط السّادس أن لا يكون الشّرط مجهولا]

قوله قدّس سرّه الشّرط السّادس أن لا يكون الشّرط مجهولا إلى آخره

و ليعلم أوّلا أن محل الكلام في الشّرط الواقع في ضمن العقد الّذي لم يكن وضعه على التّغابن و المهاباة كالبيع و الإجارة و نحوهما و أمّا ما بني لذلك و وضع للتّمليك و التملّك للأشياء المجهولة كالصّلح فالشّرط المجهول في ضمنه لا بأس به إذ لا معنى لأن يعتبر فيه ما لم يعتبر في نفس العوضين و أن لا يغتفر فيما هو بمنزلة الضّميمة لأحدهما مما اغتفر فيهما من الغرر و الجهالة كما لا محذور فيه من جهة إطلاق النّبوي النّهي عن الغرر لخروج الصّلح عنه على الفرض فيكون خارجا بجميع ما يتضمّنه من الشّروط و اللّواحق لا محالة

و بالجملة فهذا القسم من الشّرط خارج عن محلّ الكلام و لا يضرّ به الجهالة بلا شبهة كما لا شبهة ظاهرا في بطلان ما يكون راجعا إلى أوصاف العوضين فإنّ الظّاهر اتّفاقهم على بطلانه كما صرّحوا به في مسألة تعيين الأجل للثمن أو المثمن في النّسيئة و بيع السّلم بأن اشتراط الأجل لو لم يكن مضبوطا معيّنا يوجب بطلان المعاملة لمكان الغرر و الجهالة فضلا عن الأوصاف الرّاجعة إلى نفس الثّمن و المثمن كما هو واضح لا يخفى

فمحطّ الكلام في الشّروط الخارجيّة الغير المرتبطة بهما لو لا الشّرط فالكلام في أنّ باشتراطها في ضمن العقد يرتبط بهما بحيث تصير ضميمة لهما و جهالته يوجب جهالتهما أو مجرّد التزام تبعيّ غير مقصود في العقد أصالة فيكون من قبيل توابع الدار مثلا مثل ممرّه و مفتاحه و أمثال ذلك ممّا لا يكون جهالته موجبا لجهالته و هذا هو المراد من الدّروس فيما لو جعل الحمل جزءا للمبيع فقال الأقوى الصحّة لأنّه بمنزلة الاشتراط و لا يضرّ الجهالة لأنّه تابع انتهى

و لكن لا يخفى أنّ مجرّد التبعيّة ليس من الكبريات الّتي لا يضرّ فيها الجهالة لعدم مساعدة دليل عليه لا عقلا و لا نقلا و اغتفارها بعض التوابع لأجل دليل أو إجماع لا يقتضي استفادة قاعدة كليّة في جميع التّوابع فلو سلم كون الشّرط تابعا و عدم وقوعه ضميمة لأحد العوضين فلا دليل على اغتفار الجهالة فيه بمجرّد ذلك

نعم تعليله بذلك في العقود الّتي لا يضرّ الجهالة فيها بنفسها كالصّلح مثلا لا بأس به و يتمّ به المدّعى حيث إنّ تبعيّته تقتضي اغتفار الجهالة فيه أيضا كما لا يخفى و أمّا في غير هذا المقام فإثبات التبعيّة لا يقتضي عدم المنع من الجهالة

هذا مضافا إلى إمكان منع التبعيّة رأسا مع كون الالتزام العقدي منوطا بالشّرط بحيث لو لم يف به كان للمشروط له فكّ التزامه و فسخه و كون عدم الوفاء به موجبا للخيار دون البطلان لا يقتضي تبعيّته كيف و الحكم في الشّروط الرّاجعة إلى أوصاف العوضين أيضا كذلك يوجب الخيار دون الفساد هذا مضافا إلى ما صرّحوا به من أنّ للشّرط قسطا من الثمن بمعنى أنّه يوجب زيادة الماليّة و بذل الثّمن بإزاء ما كان في طرفه بحيث لو لم يكن هذا الشّرط لم يبذل بإزائه هذا المقدار من الثّمن أو هذا المثمن و مع ذلك كيف يصحّ دعوى أنّه غير مقصود في العقد غير ملحوظ في المعاوضة

و بالجملة فقد ظهر أنّ المتّجه هو القول بالبطلان لصيرورته ضميمة لأحد العوضين كالأوصاف فجهالته توجب جهالتهما لا محالة مضافا إلى أنّ إطلاق النبويّ يقتضي بطلانه بنفسه و لا موجب لأن يدّعى انصرافه إلى غير الشّروط نعم ما كان مشتملا على لفظ البيع من الأخبار فيمكن دعوى عدم شموله للشّرط المجهول بناء على كون المراد من البيع هو المسبّب لا عقد البيع فتأمل جيّدا

و كيف كان فما أفاده قدّس سرّه من الوجهين

ص: 121

للبطلان في محلّه و في غاية المتانة إلّا أنّ استدراكه في آخر كلامه فيما إذا عدّ المشروط تابعا غير مقصود بالبيع كبيض الدّجاج لا يخلو عن الإشكال إذ لو لم يكن مقصودا فلا موجب للاشتراط و قد عرفت أنّ التبعيّة ليست كبرى كليّة حتّى في مثل المقام

[الشّرط السّابع أن لا يكون مستلزما للمحال]

قوله قدّس سرّه الشّرط السّابع أن لا يكون مستلزما للمحال إلى آخره

و قد مثّلوا له بقول البائع بعتك بشرط أن تبيعه منّي أو بعتك بشرط أن يكون مبيعا لي و الأوّل شرط الفعل و الثاني شرط النّتيجة فيملك بنفس الشّرط لو كان صحيحا بناء على عدم اختصاصه بسبب خاصّ و حصوله بالشرط أيضا و كيف كان فالثّاني أولى بالبطلان كما سيتّضح عليك إن شاء اللّٰه و لكن محطّ الكلام و النقض و الإبرام هو الأول و الظّاهر اتّفاقهم على بطلان هذا الشّرط و إنّما الكلام في وجه البطلان فقد علّله العلّامة في التّذكرة بأنّه مستلزم للدّور لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيّته له المتوقّفة على بيعه فيدور إمّا لو شرط أن يبيعه على غيره فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السّنة انتهى

و قرّره في جامع المقاصد بأنّ انتقال الملك موقوف على حصول الشرط و حصول الشرط موقوف على الملك و هذا بظاهره واضح الفساد كما أورد عليه جماعة ممّن تأخّر عنه إذ لا يكاد يخفى على فاضل أنّ حصول الملكيّة لا يتوقّف على تحقّق الشّرط في الخارج فكيف يخفى على مثل العلّامة مع أنّ كلماته في التّذكرة و غيره مشحونة من أنّ سبب الملكيّة هو العقد و حصول الشّرط موجب للزومه فلا وقع إنصافا للإيراد عليه بأنّ صحّة العقد لا يتوقف على حصول الشّرط فلا دور و إن صدر ذلك عن بعض الأكابر مثل الشّهيد و غيره كما أنّه قدّس سرّه متفطّن للانتقاضات الواردة عليه من اشتراط بيعه لغيره أو وقفه عليه أو على ولده أو عتقه أو اشتراط كون المبيع رهنا على الثّمن و غير ذلك من الأمور المتوقّفة على الملك فإنّ الملكيّة لو كانت متوقفة على الشّرط أيضا يلزم الدّور بالتّقريب المتقدّم فتخصيصه للمقام بلزوم الدّور يكشف عن أنّ غرضه بيان مطلب آخر

قال في التّذكرة بعد كلامه المتقدّم لا يقال ما التزمتموه من الدّورات هنا أي في اشتراط بيعه على غيره لأنّا نقول الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا على حدّ التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع على البائع انتهى و منه يعلم أيضا أن جهة الإشكال ليست مجرّد توقف صحّة الشّرط على الملك بل المحذور شي ء آخر مختصّ بالاشتراط على البائع دون غيره

و كيف كان فالظّاهر أن ما أورد عليه كلّه من سواء التّعبير الواقع في كلامه في بيان الدّور و الّذي يمكن أن يقال في تقريب الدّور و توجيه الإشكال على وجه يختصّ بالمقام دون سائر الأمور المتوقّف على الملك كما يلوح من كلامه قدّس سرّه في مقام آخر من التذكرة أنّ الشرط لا بدّ و أن يكون مقدورا و مملوكا للشّارط كما بيّناه سابقا بمعنى أن يكون أمرا طرفاه بيده و تحت سلطنته نفيا و إثباتا و هذا المعنى منتف في المقام حيث إنّ ظرف الاشتراط ظرف ملكيّة البائع و عدم انتقال المبيع بعد إلى المشتري فاشتراط بيعه على نفسه مرجعه إلى اشتراط بيع المال على مالكه و هذا أمر غير معقول و تحصيل أمر حاصل و لذا قد صرّح قدّس سرّه أنه لو شرطه بعد فرض خروجه عن ملكه و انتقاله إلى المشتري لا محذور فيه

و قد نقل كلامه شيخنا أستاذ الأساتيد قدّس سرّهما المشعر بذلك بل المصرّح به في باب النّقد و النّسيئة فراجع و تأمّل و بالجملة فحاصل تقريب الدّور أن صحّة الشّرط يتوقّف على صحّة العقد و انتقال المبيع إلى المشتري و خروجه عن ملك الشّارط لئلّا يكون من قبيل شرط بيع المال على مالكه و صحّة العقد

ص: 122

و كونه موجبا لذلك يتوقّف على صحّة الشّرط بناء على بطلان العقد المشروط بالشّرط الفاسد و حينئذ فالفرق بين اشتراطه على نفسه أو على غيره أو اشتراط وقفه أو عتقه و نحو ذلك في غاية الوضوح لعدم إرجاعه إلى اشتراط أمر غير معقول و هو بيع المال على مالكه و هذا هو المراد من قوله لجواز أن يكون بيعه على غيره جاريا على حدّ التّوكيل أو عقد الفضولي و بيانه يوجب تطويل المقال و لا يساعده الحال و اللّٰه الموفّق و المعين في جميع الأحوال

و لكن يرد عليه أنّ في جميع هذه الموارد بل في كلّ شرط يرجع إلى التصرّف في المبيع إن كان بعد فرض خروجه عن ملك البائع و انتقاله إلى المشتري فلا محذور في الاشتراط بوجه و إن كان قبل فروض خروجه عن ملكه يعمّ المحذور في الجميع أيضا فإنّ مرجعه في اشتراط الوقف أو العتق مثلا إلى اشتراط وقف ماله أو عتق عبده على غيره و جعل ماله رهنا عند نفسه في اشتراط الرّهن و قوله من جواز أن يكون جاريا على حدّ التّوكيل أو عقد الفضولي لا يكاد ينفع فإنّ الغرض من اشتراط الوقف أو العتق وقف المشتري أو عتقه من ماله و من قبل نفسه لا من قبل البائع مع أنّه لا يجري في اشتراط الرّهن فتأمل تفهم

و بالجملة فلزوم المحذور في الجميع على نهج واحد و حلّه ما أشرنا إليه من أنّ ظرف وقوع الإنشاء ظرف خروج المبيع عن ملك البائع و انتقاله إلى المشتري فيكون الشّرط واردا على المال المفروض انتقاله إلى المشروط عليه إنشاء

و بعبارة أخرى إنشاء الشّرط مترتّب على إنشاء البيع و فرض تحقّقه إنشاء كما أنّ تحقّق الشّروط خارجا بعد تحقّق البيع و انتقال المبيع إلى المشتري كذلك فيكون قادرا عليه و مملوكا له و نظائره كثيرة في أبواب الفقه كقوله أنت وكيل في نكاحها و طلاقها أو طلّقتك و رجعت إليك أو بعت و ارتهنت بل عليه يحمل ما ورد في الرّواية أعتقتها و زوّجتها و جعلت عتقها مهرها فإنّ إسقاط جميع ذلك يصلح و ينطبق على القاعدة بالبيان الّذي تقدم بل به يمكن حلّ الإشكال الوارد على إسقاط الخيار في متن العقد و أنّه إسقاط لما لم يجب فإنّ ظرف إنشاء البيع ظرف تحقّق الخيار و إيجابه إنشاء فيكون الإسقاط بعد فرض الإيجاب إنشاء كما أن حصول الإسقاط خارجا بعد تحقّق البيع و إيجاب الخيار كذلك فلا إشكال فتأمل جيّدا

و كيف كان فقد ظهر أنّه لا محذور في الشّرط المبحوث عنه من تلك الجهة أي من جهة لزوم الدّور و استلزامه للمحال و لذا علّل الشّهيد البطلان بعدم القصد إلى البيع بعد ما أجاب عن الدّور المذكور بما أشرنا إليه و هذا أيضا مضافا إلى الانتقاضات الواردة عليه من اشتراط البائع وقفه عليه و على عقبه و نحو ذلك ممّا يوهم كون البيع وسيلة إليه كإسناد يدلّ على المنع كلّيا لإمكان تحقّق القصد إليه حقيقة هذا أوّلا و ثانيا كون الدّاعي على البيع رجوع المبيع إليه ثانيا بيعا أو وقفا أو هبة لا ينافي مع القصد الإنشائي لمدلول العقد فتأمل جيّدا

و ربّما يعلّل البطلان و يستدلّ عليه بأخبار العينة و هي أن يشتري الإنسان شيئا نسيئة ثم يبيعه على البائع بأقل من ثمنه نقدا تخلّصا عن الرّبا أو لوجه آخر ففي رواية الحسين بن منذر بعد ما سئل ع عن صحّة هذا البيع أنّه قال ع إن كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار و إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر إلى آخره و نحوها رواية عليّ بن جعفر فإنّهما تدلان على صحّة المعاملة و عدم البأس بها إذا لم يكن كلّ واحد من المتعاقدين ملزما بالبيع الثّاني بل كان لكلّ واحد خيار إن شاء يبيع و إن شاء لا يبيع فيدل بمفهومه على البأس و البطلان إذا كان المشتري ملزما بالبيع ثانيا لأجل الاشتراط

ص: 123

إذ لا موجب لالتزامه به إلّا اشتراطه عليه كما هو محلّ الكلام

و الإنصاف أنّه لا مساس لهذه الأخبار بما نحن فيه أبدا بل هي في مقام بيان مطلب آخر و هو التّفصيل بين كون البيع الثّاني عن طيب أو كره مضافا إلى أنّ ظاهرها السّؤال عن البيع الثاني و البحث في صحّة الاشتراط إنّما هو في البيع الأوّل فلا مساس لها بالمقام

و كيف كان فقد ظهر أنّه لو كان إجماع على بطلان هذا الشّرط كما لا يبعد بأنّ بطلانه كأنّه مفروغ عنه عندهم فهو و إلّا فلا موجب للبطلان لعدم مساعدة ما ذكر من الوجوه عليه كما عرفت نعم فيما إذا كان مرجع الشّرط إلى النّتيجة كأن يقال بشرط أن يكون مبيعا أو مملوكا يمكن القول بالبطلان لإرجاعه إلى خلاف ما يقتضيه العقد فيدخل في تلك المسألة لا لأجل الوجوه المتقدّمة فتأمل جيّدا فإنّ المسألة لا تخلو عن الإشكال

[الشّرط الثّامن أن يلتزم به في متن العقد]

قوله الشّرط الثّامن أن يلتزم به في متن العقد إلى آخره

و المراد به العقود اللّازمة و إن لم يصرّح به لوضوح أنّ العقد الجائز بنفسه لا يجب الالتزام به فضلا عن الشّرط الّذي في ضمنه

نعم قد أشرنا في الأبحاث السّابقة المتعلّقة بالشّركة أنّ العقود الإذنيّة إن كان الشّرط فيها راجعا إلى اعتبار خصوصيّته في الإذن مثل اشتراط الضّمان في العارية أو كون المال في حرز خاص مثلا في الوديعة أو كون تصرّف أحد الشّريكين أو عمله على وجه خاصّ مثلا يلزم الوفاء به لا من باب وجوب الوفاء بالشّرط بل لإناطة الإذن في التّصرف به فبدونه لا إذن

و كيف كان فالمراد ذكره في عقد المعاوضة حتى يصير بمنزلة الضّميمة لأحد العوضين و يخرج عن كونه مجانا إذ المستأنس من حكم الشّارع بجواز العقود المجانيّة مثل الهبة و العارية أنّ مطلق التعهّدات المجّانيّة لا يجب الوفاء بها و لعلّه المستكشف من الإجماع المحقّق ظاهرا على عدم لزوم الشّروط الابتدائيّة و توقّف اللّزوم على صيرورتها بمنزلة الجزء لأحد العوضين فالوجه لعدم لزومها مجّانيّتها لا مجرّد كونها ابتدائيّة و لذا لو التزم بشي ء من الأعيان أو المنافع بعوض و قلنا بعدم توقّف ملكيّتها على لفظ خاصّ لا يبعد القول بلزومه و إرجاع الأوّل إلى البيع و الثّاني إلى الإجارة أو إلى الصّلح في كليهما فتأمل جيّدا

و كيف كان فتحقيق الكلام في الشّروط بحسب أقسامها أنّها تارة مذكورة في متن عقد المعاوضة فلا شبهة في لزوم الوفاء به على المشروط عليه كوفائه بأصل المعاوضة وضعا و تكليفا على التّفصيل الّذي يأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه و أخرى غير مذكورة في العقد بل مجرّد تعهّد و التزام من أحدهما للآخر من غير تعقّبه بعقد و معاوضة أصلا و هذا هو المراد من الشّروط الابتدائيّة و لا شبهة في عدم إفادتها اللّزوم بوجه

و قد عرفت ثبوت الإجماع على عدم لزومها و به يخصّص عموم المؤمنون عند شروطهم بناء على شموله لمثلها و عدم اختصاصه بالالتزام في البيع كما تقدّم نقله عن القاموس أو في مطلق العقد كما ورد الاستشهاد به في كثير من الأبواب في غير واحد من الأخبار و ثالثة تواطيا عليه قبل العقد من دون ذكرها في متن العقد و إيقاعه في حيّز الإنشاء سواء كان راجعا إلى أوصاف العوضين أو غيرها و هذا هو المصطلح عندهم بشروط التّباني و وقع في الجملة محل الإشكال من جهة لزوم الوفاء به و عدمه و إن كان المشهور على عدم اللّزوم أيضا إلّا أنّ ظاهر الخلاف و المختلف يوهم خلافه و غاية ما قيل أو يقال في توجيه اللّزوم من وجوه أحدها أنّه لا شبهة في أنّ بعض الأمور مثل التّسليم و التّسلم و كون الثمن نقد البلد

ص: 124

و نحو ذلك بسبب تعاهده عند العرف و العادة يصير مدلولا للعقد التزاما و لو لم يذكر في متن العقد بل لم يكن العاقد ملتفتا إليه أصلا و ليس ذلك إلّا من جهة أنّ تعاهده عند العرف و تبانيهم عليه و جري عادتهم على الإلزام و الالتزام به يوجب وقوع العقد مبنيّا عليه و كون الالتزام منوطا به على وجه يوجب انتفاؤه الخيار لا البطلان على ما سيأتي توضيحه

و حينئذ يمكن أن يكون تواطؤ المتعاقدين و تبانيهما على أمر قبل العقد موجبا لصيرورته كذلك و وقوع العقد مبنيّا عليه إذ لا فرق بين كون ذلك بالتّعاهد عند العرف أو بسبب تعاهده عندهما و تبانيهما عليه غايته أنّ اللّازم هنا التفاتهما إليه و عدم نسيانهما حتّى يقع العقد مبنيّا عليه بخلاف الشّروط الضّمنيّة فإنها لكونها بحسب العرف و العادة فلا يلزم الالتفات إليها بل العقد يتضمنها و لو كان العاقد جاهلا بها أو ناسيا لها

و بالجملة فحال شروط التّباني كحال الشّروط الضّمنية في كون التّعاهد في خارج العقد موجبا لتضمّنه عليها و وقوعه مبنيّا عليه فتقع تحت الإلزام و الالتزام العقدي و يدلّ عليه العقد بمدلوله الالتزامي فيجب الوفاء به كما يجب الوفاء بها و يوجب تعذّره الخيار كما يوجب ذلك تعذّرها

و فيه ما لا يخفى من الفرق بين المقامين لوضوح أنّ الشّروط الضّمنية بسبب تعاهدها عند العرف يصير من المدلولات العرفيّة للّفظ قصدها المتعاقدان أو لم يقصدا و هذا بخلاف ما تباينا عليه فإنّه لا يكاد يصير مدلولا للّفظ أبدا لبداهة أنّ تباني المتكلّم و المخاطب على معنى لا يكاد يوجب الدّلالة و صيرورة اللّفظ دالا عليه بنحو من الأدلّة بخلاف كون الشّي ء متفاهما من اللّفظ عرفا فافهم و تأمّل جيّدا ثانيها أنّه إذا كان التّباني على أمور راجعة إلى أوصاف العوضين يوجب انصراف لفظ الثّمن أو المثمن إلى ما هو المعهود عندهما كما هو كذلك في غير المقام

و فيه أنّه لو كان مرجع الاشتراط مطلقا سواء كان من أوصاف العوضين أو غيرها إلى تقييد الثّمن أو المثمن ببعض الخصوصيات بحيث يوجب انتفاء الخصوصيّة انتفاءهما كما هو قضيّة التّقييد و الانصراف فله وجه إلّا أنّ مقتضاه بطلان العقد بتخلّفه أو تعذّره و ليس البناء في الشّروط على ذلك بل الالتزام بها على نحو ينتج الخيار عند تعذّرها و ارتباطها بالعقد بهذا المقدار من الارتباط لا التّعليق و التقييد الموجبان لانتفاء المشروط عند انتفائها كما لا يخفى

و هذا المعنى لا يكاد يحصل بالانصراف بل يحتاج إلى التزام على حدة و إنشائه عند العقد و لذا قالوا بأنّ مرجع التّوصيف في باب العقود إلى الاشتراط و سيأتي مزيد توضيح في ذلك إن شاء اللّٰه و ثالثها ما أشار إليه قدّس سرّه أنّ التّباني يوجب إناطة التّراضي المعتبر في المعاملة بوجود الشّرط و لو لم يكن كذلك بحسب اللّفظ و الإنشاء فيكون العقد بدونه تجارة لا عن تراض الدّاخل في عنوان أكل المال بالباطل

و فيه أنّ التّواطي على الشّرط غايته أن يصير داعيا على إيقاع العقد إنشاء فتخلّفه كتخلّف سائر الدواعي لا يكاد يوجب قصورا فيما اعتبر في العقد من قصد إنشائه و تحقق مدلوله كما في سائر المقامات كيف و لو كان القصد منوطا بوجود الشّرط فلازمه البطلان عند فقدانه لا ثبوت لخيار للمشروط له كما هو المدّعى فلا بدّ من الالتزام بتحقّق القصد المعتبر في صحّة المعاملة مع فقد الشّرط أيضا فإن قصد مدلول العقد مطلب و كون الغرض الباعث إليه شيئا ربما يترتّب عليه و ربما لا يترتّب عليه مطلب آخر فتدبّر

و كيف كان فالظّاهر من كلماتهم و عدم

ص: 125

ترتيبهم أثر اللّزوم على الشّرط الغير المذكور في العقد من كون فساده موجبا لفساده و كون التّباني عليه موجبا لبطلان معاوضة أحد المتجانسين بأزيد منه و غير ذلك ممّا يوجب الفساد لو كان مذكورا في العقد التّسالم على عدم لزوم هذا القسم من الشّرط أيضا كما في الشّرط الابتدائي و أنت إذا تأمّلت في الفروع الّتي ذكروها في أبواب العقود و المعاملات ربما تقطع بصحّة هذه الدّعوى فراجع و تأمّل و اللّٰه هو العالم

[و قد يتوهّم هنا شرط تاسع و هو تنجيز الشرط]

قوله و قد يتوهّم هنا شرط تاسع إلى آخره

الظاهر أنّه من المحقّق الثّاني قدّس سرّه على ما أفاد أستاذنا المحقّق دام ظله العالي و حاصله اعتبار التّنجيز في الشّروط كاعتباره في نفس العقود عدا الوصيّة و التّدبير إجماعا على ما هو الظّاهر من كلماتهم

و توضيح المقام أنّ التّعليق بمعنى إناطة العقد على تقدير دون تقدير تارة يرجع إلى الإنشاء أي قصد مدلول اللّفظ و تحقّقه به و هذا أمر غير معقول إذ مرجعه إلى عدم القصد الّذي يتقوّم به الإنشاء و لا يكاد يحصل بدونه و أخرى يرجع إلى المنشإ بمعنى أن يقصد حصول الملكيّة على تقدير مجي ء زيد مثلا و هذا في التّكوينيّات العينيّة مثل الضرب و القتل مثلا أيضا غير ممكن بأن يقصد حصول القتل على تقدير كون ما وقع عليه عدوا مثلا و إناطته به على وجه لو كان صديقا لم يقع عليه و هذا واضح لبداهة وقوع القتل على أي حال غايته أنّ الدّاعي على إيقاعه و هو قتل العدوّ تارة يصادفه و أخرى يتخلّف عنه فإناطة ذات الفعل على تقدير كونه قتل العدوّ أمر مستحيل غير معقول كما هو واضح و لكن في الاعتباريات مثل ما ينشأ بالعقود أو الإيجاب و التّحريم في باب التّكاليف فحيث إن أصل وجودها باعتبار المعتبر و على نحو اعتباره فيمكن أن يكون اعتباره على تقدير خاصّ و إناطة على أمر خارج عن الاختيار من زمان أو زمانيّ و نحو ذلك فيصحّ إيجاب الحجّ على تقدير الاستطاعة أو إنشاء الملكيّة على تقدير الموت كما في الوصيّة و نحو ذلك

و بالجملة فالمنشئات بالعقود كالملكيّة و الزّوجيّة و غيرهما و كذلك الإيقاعات و إن أمكن تعليقها على أمر حالي أو استقبالي إلّا أنّ ظاهرهم الاتفاق و التّسالم على بطلان العقد أو الإيقاع به لا لكونه موجبا للغرر حتّى يختصّ بما إذا كان معلّقا على أمر مشكوك الحصول و يصحّ فيما اغتفر فيه الغرر كما في باب الصّلح بل لاتّفاقهم على ذلك تعبّدا و إطلاق معاقد إجماعاتهم فيعمّ التّعليق على متيقّن الحصول كالزمان و أيضا

نعم فيما إذا كان المعلّق عليه أمرا حاليا حاصلا عند العقد فربّما يظهر من بعض الكلمات جوازه و كذلك فيما إذا كان التّعليق من مقتضيات نفس العقد بمعنى كون العقد متضمّنا له و لو لم يصرّح به كقوله إن كان هذا حمارا فبعته أو إن كان هذا رقّا فأعتقته و أمثال ذلك فيبقى التّعليق على أمر حاليّ مشكوك الحصول و الاستقبالي سواء كان متيقّنا أو مشكوكا حصوله على إشكال في المتيقّن منه و تمام الكلام في محلّه

و من هنا ظهر عدم صحّة مقايسة المقام كقوله بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي إن جاء زيد على قوله أنت وكيلي في أن تبيع إذا جاء رأس الشّهر نظرا إلى أنّ التّعليق و التّقييد راجع إلى متعلّق الشّرط و هو الخياطة على تقدير المجي ء كما أنّ في الثاني راجع إلى متعلّق الوكالة و هو البيع في زمان خاصّ فلا يلزم التّعليق في نفس الشرط أو الوكالة فلا محذور

و فيه إمكان تصحيح ذلك في المقيس عليه حيث لا محذور فيه إلّا التعليق على أمر متيقّن الحصول الممكن إرجاعه إلى ما أفاده قدّس سرّه و هذا بخلاف المقيس لاستلزامه الجهل بالثّمن و الغرر في المعاملة بناء على كون الشّرط بمنزلة جزء من العوضين فيلزم أن

ص: 126

يكون الثّمن هو الدّرهم على تقدير و مع الضّميمة على تقدير آخر و هذا معنى لزوم أدائه إلى البيع بثمنين كما قيل و إرجاع التّعليق إلى متعلّق الشّرط أي الخياطة لا إلى نفس الشرط لا يدفع هذا المحذور و هو اختلاف الثّمن على التقديرين

و حينئذ فالمتّجه في الجواب أن يمنع كون الشّرط جزءا للثّمن حقيقة حتّى يختلف الثّمن كيف و لازمه تبعّض المعاملة بتعذّر الشّرط كما في الأجزاء الحقيقيّة بل المراد من كونه بمنزلة الضّميمة أنّ الإلزام و الالتزام الواقعين بين العوضين منوطان بالوفاء به فمع التعذّر لا إلزام و لا التزام و هذا هو حقيقة الخيار كما قدّمناه مشروحا

و كيف كان فلا إشكال فيه من تلك الجهة و لا من جهة الإجماع على اعتبار التّنجيز في العقود فإنّ القدر المسلّم منه خصوص بابي العقود و الإيقاعات باستثناء موارد فيهما أيضا و على أيّ حال ثبوته في باب الشّروط غير معلوم بل الظّاهر من غير واحد من الأجلّة نفوذ الشّرط مع التّعليق كما صرّحوا به في الخيار المشروط بردّ الثّمن و يدلّ على نفوذه مضافا إلى ذلك كلّه ما ورد في امرأة مكاتبة أعانها ولد زوجها على أداء مال كتابتها مشروطا عليها عدم الخيار على زوجها بعد الانعتاق من نفوذ الشّرط و صحّته مستشهدا بعموم المؤمنون عند شروطهم فإنّه أقوى دليل على المدّعى كما لا يخفى

[مسألة في حكم الشرط الصحيح و تفصيله]
[القسم الأوّل إذا تعلق الشرط بصفة من صفات المبيع]

قوله قدّس سرّه و لا إشكال في أنّه لا حكم للقسم الأوّل إلّا الخيار مع تبيّن فقد الوصف المشترط إذ لا يعقل تحصيله هنا إلى آخره

ينبغي تخصيص ذلك بالأوصاف الّتي لا يمكن تحصيلها و إحداثها للمشروط عليه قبل تسليم الموصوف إلى مالكه و إلّا كوصف الكتابة للعبد مثلا أو إزالة العيب عنه إذا كان معيبا فاللّازم عليه تحصيل الشّرط و تسليمه متّصفا بالوصف و لا خيار للمشروط له أيضا فإنّ المدار في وجود الوصف و عدمه حال التّسليم لا حال وقوع العقد عليه و لذا حال فقد الوصف كتجدّد العيب مثلا بعد العقد و قبل القبض حال فقدانه حال العقد في كونه موجبا للخيار كما تقدم تفصيلا

نعم إذا كان المناط حال العقد و اتّصافه بالوصف حين وقوعه عليه فنتيجة ما أفاده من عدم الفرق لعدم إمكان تحصيل الوصف المعتبر وجوده حال العقد إلّا أنّ ذلك يحتاج إلى قرينة أخرى و مئونة زائدة على ما يقتضيه الاشتراط و إلّا فما هو المعهود المتعارف من الاشتراط في ضمن العقود من أوصاف العوضين اتّصافهما بها حال تسليمهما و عليه يتفرّع ما اختاره في خيار العيب من أنّه لو زال بعد العقد و قبل القبض بل قبل العلم و لو بعد القبض يسقط به الرّد بل نقل عن العلّامة التّصريح في مواضع من التذكرة بأنّه مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرّد سقط حق الرّد و كذلك لو زادت القيمة السّوقيّة في خيار الغبن قبل العلم به أو بعده و قبل الفسخ أو بعده و قبل الرّد يسقط خياره و إن ناقشناه في بعض فروضه

و على أيّ حال لو زادت القيمة أو زال العيب قبل تسليمه إلى من انتقل إليه فلا ينبغي الإشكال في سقوط الرّد فالمدار على حال القبض لا على حال العقد كما لا يخفى ثم إنّ ما أفاده قدّس سرّه من أنّه لا حكم لهذا القسم أي اشتراط الوصف الرّاجع إلى العوضين إلا الخيار لعدم أثر آخر له شرعا حتى يترتّب عليه بأدلّة وجوب الوفاء بالشّرط مبنيّ على ما اختاره في هذا الباب من أنّ مفاد أدلّة الشّرط و وجوب الوفاء به ترتيب ما له من الأثر شرعا فتكون فقط متكفّلة لبيان الحكم التّكليفي و أمّا اللّزوم الوضعيّ فهو منتزع من التّكليف كما هو مختاره في مطلق الوضعيّات على ما يظهر من بعض كلماته و إن كان بعضها موهما لخلافه

و كيف كان فما أفاده هنا من أنّه

ص: 127

لا معنى لوجوب الوفاء فيه و عموم المؤمنون مختص بغير هذا القسم مبنيّ على هذا المسلك أي انتزاع الوضعيات من التّكليف و عدم تأصّلها بالجعل

و يرد عليه مضافا إلى بطلان هذا المبنى من أصله كما حقّقناه في محلّه أن بناء عليه لا موجب للخيار أيضا و لا دليل على جوازه و نفوذه إذ المفروض عدم شمول الأدلّة للمسألة لانتفاء الأثر الشّرعي و لا يصحّ شمولها باعتبار نفس الخيار لأنّه متفرع على نفوذ الشّرط و لزومه على المشروط عليه حتى يوجب تعذّره أو امتناعه جواز الفسخ للمشروط له فيلزم أن يكون ثبوت الخيار في المسألة بلا دليل يوجبه و لا يكاد يصحّ الالتزام به لأنّه من أظهر موارد ثبوت الخيار لتعذّر الشّرط و أوضح أقسامه كما لا يخفى على المتأمّل فتأمل

و حينئذ فلا محيص من القول بأنّ مفاد الأدلّة بيان اللّزوم الوضعي و يترتّب عليه ما له من الأثر الشّرعي لو كان له أثر كما في غير المقام و هذا هو الظّاهر المتبادر من قوله ع المؤمنون عند شروطهم فإنّ الظّاهر من موارد استعمالات هذا الظّرف الوقوف عند الشّي ء و عدم إمكان المضيّ عنه فيكون المعنى و اللّٰه العالم أنّهم واقفون عند شروطهم و ملزمون بها و هذا معنى اللّزوم الوضعيّ كما لا يخفى و كذلك وجوب الوفاء بالشّرط لو كان في أدلّة الشّروط ما هو بهذا المضمون كما في أَوْفُوا بِالْعُقُودِ كناية عن حصول الشّرط و تحقّقه و ثبوته على المشروط عليه و في ذمّته و غير ذلك من التعابير الّتي نتيجتها مطلوبيّته لأدائه لا مجرّد ترتّب الآثار حقّ يختصّ بمورد دون مورد بل معنى يعمّ جميع الموارد و يستتبع وجوب معاملة ملك الغير مع المشترط في ما له من الآثار شرعا فتأمل جيّدا

[القسم الثّالث إذا تعلق الشرط بما هو من قبيل الغاية]

قوله قدّس سرّه و أمّا الثّالث فإن أريد اشتراط الغاية إلى آخره

و المراد من الغايات النّتائج الحاصلة بالعقود و الإيقاعات مثل الملكيّة و الحريّة و نحوهما فالكلام فيها في أنّها كما تحصل بأسبابها المعدّة لها كذلك تحصل بنفس الاشتراط في ضمن عقد آخر أم لا بل لا بدّ في حصولها من إنشائها مستقلّا و لا يصحّ جعلها تبعا لأحد العوضين في عقد آخر و لذا لو كانت بنفسها تبعا لأحد العوضين كالزّوائد المتّصلة في الحيوان مثل صوفه و وبره مثلا فإنّه يملّك بتبع العين سواء اشترط أو لم يشترط بل استثناؤه يحتاج إلى الاشتراط و كذلك ما لم يكن بنفسه تبعا و لكن باشتراطه يصير تابعا حقيقة

و بعبارة أخرى يصير من لواحق المتبوع و زوائده كبيع الدابّة مع الحمل و العبد مع ماله و نحو ذلك فإنّ الظاهر عدم الإشكال في صحّة الاشتراط في أمثال هذه المقامات سواء كانت الغاية متوقّفا حصولها على سبب خاصّ أو لم يكن فلو بيع الدابّة مع حملها أو الشّجرة مع ثمرتها يصحّ و لو قلنا بتوقّف البيع على سبب خاصّ فإنّ المعاوضة هنا بين المتبوع و عوضه حقيقة و إنشاء فلا يرد عليه ما يرد على غير هذا المقام كما يأتي الإشارة إليه إن شاء اللّٰه

و حينئذ فدعوى تسويغ هذه الموارد لكونها توابع للمبيع موجّهة و ما أفيد من عدم صلاحيّة ذلك للفرق غير مفيد لوضوح الفرق بين اشتراط حمل الدابّة أو ثمرة الشجرة و اشتراط كون مال آخر ملكا له بلا عوض

و حينئذ ما يوجّه على المحقّق الثّاني هو جعل الحمل تبعا لدابّة أخرى فإنّ من المعلوم أنّه لا يصير تبعا لها بالجعل كما لا يخفى لا على أصل التبعيّة و عدم صلاحيّتها للفرق

و كيف كان فالّذي هو محلّ الإشكال أن لا يكون المشترط بنفسه تبعا لأحد العوضين و لا بالاشتراط يصير كذلك بل كان تبعا لأحدهما في العقد إنشاء مع كونه بنفسه شيئا مستقلا في عرضهما يبذل بإزائه المال كالبدل بإزائهما

ص: 128

كأن يقال بعتك هذا الكتاب بدرهم على أن يكون هذا القميص لي أو لزيد أيضا

و على أيّ حال فقد بناه قدّس سرّه على أن يكون الغاية ممّا ثبت بالدّليل اعتبار تحقّقها بسبب خاصّ كما لا يبعد دعواه في جميع الإيقاعات كالطّلاق و العتاق فلا تكاد تحصل بالشّرط بل يكون الشّرط فاسدا لكونه مخالفا للكتاب أو كانت ممّا لا يتوقّف تحقّقه على سبب خاصّ كالوكالة و الوصاية فيصحّ الاشتراط و الّذي يشكّ في أنّه من أيّ القسمين و لم يدلّ دليل واضح على أحد الوجهين فيبني على نفوذ الشّرط و صحّة الاشتراط إلّا لأجل التّمسّك بعمومات الشرط فإنّ الشّبهة مصداقيّة بل الأصل الّذي أسّس في مسألة الشك في المخالفة من استصحاب عدم المخالفة للكتاب بالبيان الّذي أسلفناه

هذا ملخّص ما أفاده قدّس سرّه في هذه المرحلة و حيث أثبتنا سابقا و بيّنا مشروحا عدم جريان هذا الأصل و نظائره رأسا فلا بدّ في المقام من الكلام أولا في أنّ المانع من نفوذ الاشتراط ما أفاده قدس سرّه من اختصاص الغاية بسبب خاصّ أو من جهة أخرى غير تلك الجهة و ثانيا فيما هو المعوّل عند الشك في النفوذ و عدمه بعد البناء على عدم جريان هذا الأصل فنقول الظّاهر أنّ الشكّ في حصول الملكيّة لشي ء بالشّرط كما في أمثال المذكور الّذي هو أحد الموارد المشكوكة ليس من ناحية السبب و احتمال اختصاصه بلفظ البيع أو الهبة مثلا فإن لازم ذلك عدم جواز وقوع الصّلح عليه أيضا فإنّ حال الصّلح بعينه حال الشّرط من هذه الجهة بناء على كونه عقدا برأسه كما هو التّحقيق لا أن يكون تبعا لسائر العقود كما قيل و كذلك لازم ذلك التّسليم على عدم إفادة المعاطاة للملكيّة مع أنّها محلّ كلام و إشكال

بل قد حقّق في محلّه أنّ العمدة في جهة البحث عنها ليس من جهة اختصاص الملكيّة بسبب خاصّ أو عدم اختصاصها به بل من جهة أنّ ما وقع في الخارج من الفعل هل هو مصداق للتّمليك بحيث يصحّ حمله عليه بالحمل الشّائع أو مصداق لمطلق الإباحة و التّسليط الأعمّ من التّمليك و غيره

و بالجملة فالظّاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم اختصاص الملكيّة بسبب خاصّ و لذا يجوز حصولها بالصّلح عليها بلا خلاف فيه ظاهرا و إذا جاز حصولها بالتّسالم عليها جاز حصولها بالاشتراط أيضا فإنّهما توأمان يرتضعان من ثدي واحد كما حقّق في محلّه و كذلك لو كان الشرط ملكيّة شي ء بعوض خاص غير ما جعل عوضا في عقد المعاوضة مثل أن يقال بعتك هذا الكتاب بدرهم بشرط أن يكون هذا القميص لك أيضا بدرهم فالظّاهر عدم الإشكال في صحته مع أنّه لو كان مختصا بسبب خاصّ ينبغي الإشكال في تلك الصّورة أيضا

و كيف كان فالظّاهر أنّ الإشكال في اشتراط الملكيّة في ضمن العقد ليس من جهة السّبب و احتمال اختصاصه بسبب خاصّ بل من ناحية المسبّب فإنّ المعهود من الشّريعة في تملك الأعيان كونها إمّا بعوض مسمّى كما هو مدلول عقد البيع و إمّا مجّانا بلا عوض و أعدّ له عقد الهبة و إمّا كونه لا بلا عوض و لا مع العوض على مقتضى ظاهر العقد و أن يقع بإزائه بعض الثمن لا محالة بعد ما فرضنا استقلاله و عدم صيرورته تبعا لأحد العوضين بالاشتراط فكأنه غير معهود من الشريعة فيكون الشّرط مخالفا للكتاب و السّنة لا أنّه غير مقدور للمشروط عليه كما أفاده قدّس سرّه في مسألة اشتراط القدرة فإنّ الغاية و هي تمليك ماله إلى الغير مقدور له و تحت سلطانه و عدم حصوله بنظر الشّارع إلّا بأسباب خاصّة لا يوجب سلب القدرة عنه

و الحاصل أنّ التّصرف الشرعي

ص: 129

تارة في ناحية المسبّب كعدم جواز بيع المصحف أو المسلم من الكافر بحيث يكون دليله مخصّصا لعموم السّلطنة و قاصرا لسلطنته على غير ذلك الوجه فيصير المسبب غير مقدور له و خارجا عن سلطنته و لذا يدلّ النّهي عنه على فساده و أخرى يكون في ناحية السّبب و أنّ الغاية الفلانيّة مثلا لا تحصل إلّا بسبب كذا و كذا و هذا لا يوجب خروجها عن قدرته و قصورا في سلطنته كما لا يخفى و تمام التّحقيق في ذلك موكول إلى محلّه فافهم و اغتنم

و كيف كان فالمانع في المقام سواء كان من جهة السّبب و احتمال اعتبار الخصوصيّة فيه كما أفاده قدّس سرّه أو من جهة المسبّب أي كون المشترط لا مجانيّة صرفة و لا مع العوض هو احتمال كون الشّرط مخالفا للكتاب كما أفاده في المقام لا كونه غير مقدورا كما أفاده في ذاك الباب و حينئذ فلا بدّ من البحث فيه من تلك الجهة و أنّ المعول في صورة الشّك في أحد الوجهين هو عمومات الشّرط أو أصالة عدم تحقّق الغاية إلّا بما علم كونه سببا لها بعد ما عرفت من عدم جريان أصالة عدم المخالفة

نعم على تقدير جريانها تكون حاكمة على الأصل المتقدّم إلّا أنّ صحّة جريان سنخ هذا الأصل كليّة في محلّ منع كما حقّقناه في محلّه مشروحا

و حينئذ فإن أمكن الأخذ بعموم المؤمنون عند شروطهم فهو و إلّا فالمرجع هو الأصل المتقدّم أي أصالة عدم تحقّق الغاية و الإنصاف أنّ التّمسّك بالعموم لا محذور فيه و أنّ كون الشّبهة مصداقية ممنوع جدا بل مرجع الشّك في جميع ما شكّ في المخالفة إلّا ما شذّ إلى الشّك في أنّ الحكم الفلاني مجعول في الشريعة حتّى يكون اشتراط خلافه مخالف للسّنة أم لا كما في المقام فإنّ الشّك في أنّ المستفاد من الأدلّة اختصاص انحصار السّبب المملك للأعيان بالبيع و الهبة أو لا ينحصر بهما كما في تمليك المنافع كالأفعال فإنّها تارة تبرّع محض و أخرى بإزاء العوض كذلك و ثالثة باشتراطها في ضمن عقد آخر نتيجته وجوب الوفاء بها فلا يكون تبرّعا محضا و كون تعذّره موجبا للخيار فلا يكون بإزاء الأجرة كذلك بل واسطة بينهما فهل يكون الأعيان كذلك أو ينحصر تملّكها بأحد الوجهين فيكون الشّبهة حكميّة لا مصداقيّة كما لا يخفى و كذلك إذا كان الشّك من جهة الاختصاص بسبب خاصّ و عدمه فإنّ مرجعه أيضا إلى الاشتباه في الحكم و أنّ غيره سبب لحصول النّقل و الانتقال بنظر الشّارع أم لا فلا مساس له بالاشتباه من جهة المصداق و الشكّ في أنّ الحكم المجعول في الشّريعة كقوله ع من حدود المتعة أن لا ترث و ما يشبه ذلك هل يعمّ صورة الاشتراط أم لا فيكون الشّبهة مفهوميّة مردّدة بين الأقلّ و الأكثر فيؤخذ بالمتيقّن و في المشكوك عموم أدلّة الشّرط هو الحكم و أوضح من ذلك في التّمسك بالعموم ما كان من قبيل القسم الأوّل أي يكون الشّبهة حكميّة إذ التمسّك بالعموم فيها بلا محذور و لا شبهة كما حقّق في محلّه

نعم ربما يشكل في التّمسك بالعمومات من جهة أخرى و هي كونها مخصّصة بالتّخصيص المتّصل الموجب لإجمالها و سقوط دلالتها التّصديقيّة على العموم بالنّسبة إلى الموارد المشكوكة كما هو القاعدة في جميع المخصّصات المتّصلة على ما حقّق في محلّه و لكن ذلك إنّما يختصّ ببعض العمومات و أمّا ما لا يكون مخصّصا بالتّخصيص المتّصل كما في بعض أخبار الباب مثل الرّواية المتقدّمة في الامرأة المكاتبة فدلالته على العموم محفوظة فيخصّص بما علم خروجه عنه بالأدلّة المنفصلة و هو ما علم مخالفته و أمّا بالنّسبة إلى مشكوك المخالفة سواء كان من جهة الشّك في الحكم أو من جهة الشّبهة في المفهوم فعمومه

ص: 130

هو الحكم و إجمال ما هو المجمل لا يكاد يسري إلى الآخر لو لم يكن الآخر مبنيّا و رافعا لإجماله فتدبّر

و بالجملة هذه قاعدة كليّة تجري في جميع أبواب المخصّصات و المقيّدات من أنّه لو كان في المسألة دليلان أحدهما مخصّص بما يوجب إجماله فلا وجه لأن يعامل معاملة المجمل مع الآخر أيضا مع أنّ أصالة العموم بالنّسبة إليه غير ساقطة و انقسامه إلى ما يحتمل خروجه و نقيضه محفوظ مثلا إذا قيل أكرم العلماء إلّا الفسّاق منهم و تردّد الفسق بين خصوص ارتكاب الكبيرة أو الأعمّ منه و من ارتكاب الصّغيرة فشمول هذا العام لمرتكب الصّغيرة و إن كان غير معلوم لتخصيصه بما عدا ما هو الفاسق واقعا و لكن لو كان في البين عام آخر غير مخصّص به كذلك فعمومه بالنّسبة إليه محفوظ و لم يعلم خروجه عنه إلّا على تقدير كون الفاسق لغة و عرفا أعمّ منه و من غيره و هذا التّقدير ليس من لواحق العام و انقساماته حتّى يكون الشّك فيه موجبا للشّك في عمومه فالانقسام الّذي من لواحقه و طواريه و هو انقسامه إلى مرتكب الصّغيرة و غيره محفوظ لم يقع انثلام فيه و ما ليس بمحفوظ شموله له على تقدير شمول الفاسق له بمفهومه و هذا ليس من لواحق العام و طواريه كما هو واضح

و الحاصل أنّ التّمسك بعمومات الشّرط في المقام الّتي لم تكن مخصّصة بتخصيص متّصل لا مانع فيه و لا محذور فيما إذا كان الاشتباه من جهة الشّبهة في المفهوم فضلا عن كونه من جهة الشّبهة في أصل الحكم و أنّ الحكم الفلاني في الشّريعة مجعول أو ليس بمجعول بل يمكن التّمسك بالعمومات المخصّصة بغير عنوان الموافقة و المخالفة أيضا كقوله ع المؤمنون عند شروطهم إلّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما و نحو ذلك فيما إذا شكّ من جهة المخالفة و الموافقة لا من جهة الحليّة و الحرمة كما في أمثال المقام فإنّ إطلاقها من تلك الجهة محفوظ فيعمّ موارد الشّكّ فإنّ الشّك في تحقّق الملكيّة أو الحريّة مثلا بالشّرط لا ربط له بالحليّة و الحرمة بل من جهة كونه مخالفا للكتاب و عدمه فتلك العمومات أيضا لا مانع من التّمسك بها فتأمل جيّدا

و لعلّ هذا هو الوجه فيما هو المرتكز في الذّهن من عدم صحّة البناء على فساد الشّرط بمجرّد احتمال مخالفته للكتاب و يأبى عنه الفهم المستقيم و لذا يرى أنّ الشّيخ قدّس سرّه مع إصراره البليغ و منعه الأكيد لجريان استصحاب العدم النّعتي بلحاظ العدم السّابق على وجود الموضوع و عقد تنبيه لذلك في تنبيهات الاستصحاب يتشبّث بذيل هذا الأصل في هذا الباب و يتمّ المطلب بذاك المشرب

و لكنّ التّحقيق ما ذكرناه من التّمسك بالعمومات و منشأ الخلط تخيّل أنّ الشّك في هذه الموارد من جهة الشّبهة في المصداق لتبيّن مفهوم المخالفة فمرجعه إلى أنّه مخالف أم لا و لكن قد عرفت أنّ مفهوم المخالفة عنوان منتزع عن أنواع الالتزامات المنافية للحكم المجعول في الشّريعة فلو كان الشّك في أصل جعل الحكم أو في إطلاقه لمورد المشكوك فمستند إلى القصور في البيان الشّرعي لا إلى الاشتباه من جهة الأمر الخارجي

نعم لو شرط في ضمن عقد ثمّ شكّ في كيفيّة شرطه بأنّه كان على وجه يخالف الكتاب أو على وجه لا يخالفه فيكون الشّبهة مصداقيّة و لكنّه قليل جدّا بل غالب موارد الشّك في المخالفة من إحدى الجهتين اللّتين أشرنا إليهما فلا مساس له بالشّبهات المصداقيّة فافهم و اغتنم فإنّ المقام صار مزلة لأقدام الأجلّة فضلا عن أمثالنا من الطّلبة و اللّٰه الهادي إلى طريق الرّشد و الهداية

[القسم الثّاني و هو ما تعلّق فيه الاشتراط بفعل]
[الأولى في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي]

قوله و إنّما الخلاف و الإشكال في القسم الثّاني و هو ما تعلّق فيه الاشتراط بفعل إلى آخره

اعلم أن البحث

ص: 131

في المسألة ليس من جهات عديدة كما أفاده قدّس سرّه من جعل الكلام تارة في الحكم التكليفي و جعل المخالف فيه خصوص الشهيد قدّس سرّه و أخرى من حيث جواز الإجبار و عدمه عند امتناع المشروط عليه ثمّ إرجاع ذلك إلى المسألتين تارة فمن حيث الوضع و كون الشّرط سببا لثبوت حقّ لصاحبه على من اشترط عليه كسائر الحقوق من كونه موجبا لاشتغال الذمّة و يسقط بإسقاطه و غير ذلك و أخرى من حيث جواز الإجبار و عدمه على كلا الوجهين بل الظّاهر أنّ مرجع البحث كلّه إلى أمر واحد و هو أنّ مقتضى الاشتراط فقط انقلاب العقد اللّازم جائزا كما أفاده الشّهيد أو يكون متضمّنا لوضع آخر و هو استحقاق الشّرط لمن له الشّرط و اشتغال ذمّة المشروط عليه فلازمه جواز الإجبار عليه عند امتناعه كما لو آجر نفسه لفعل و عمل و كذلك مقتضاه وجوب أداء الحقّ لصاحبه فمرجع الكلام إلى ما أفاده قدّس سرّه في آخر كلامه من أنّ المشروط له قد ملك الشّرط على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشّرط انتهى

و ذلك لوضوح أنّ الحكم التّكليفي السّاذج بحيث لا يسقط بإسقاط المشروط له و يكون وجوب الوفاء به تكليفا كسائر التّكاليف الوجوبيّة في عرض التّكليف بوجوب أداء مال الغير مع مطالبته ممّا لا ينبغي أن يحتمله أحد لبداهة سقوطه بإسقاط الشّرط فلا يكون من قبيل حرمة الغيبة و الشّتم و الضّرب و نحوها أيضا بأن يكون فيه جهتان جهة متعلّقة باللّٰه تعالى من حيث كون هذه الأمور مخالفة و عصيانا له و جهة متعلقة بالمغتاب و المضروب من حيث كونها إيذاء لهما و لذا لا يكاد يسقط عصيانه تبارك و تعالى بإسقاط المغتاب حقّه كما لا يكاد يجوز بإذنه في غيبته أو شتمه و هذا بخلاف المقام فإنّه يسقط الشّرط بإسقاط المشروط و لا يجب الوفاء به مع إذنه و رضاه بتركه أو بتأخيره

و كيف كان بعد الاتّفاق ظاهرا على سقوط الشّرط بإسقاطه من صاحبه فيما عدا شرط العتق فالتّكليف الممحّض في كونه حقّا للّه تبارك و تعالى ممّا لا يكاد يحتمل و كذلك المشوب منه و من حقّ النّاس كما في موارد الغيبة و الشّتم و القذف و نحوها لبداهة عدم تسويغها بإذن المشتوم و المقذوف و قطعا كما لا يخفى فالتّكليف الّذي يتصوّر في المقام ما يتبعه ملكيّة الشّرط للمشروط له و استحقاقه لأن يطالبه فيجب أداؤه شرعا أيضا كما في الدّين و أشباهه

و حينئذ فالبحث عنه في قبال الوضع و جعله أمرا مستقلا بنفسه في غير محلّه فضلا عن البحث في ظواهر الأدلّة من أنّها دالّة على الوجوب و الاستحباب كما احتمل فإنّه مبنيّ على حمل ظواهر الأدلّة على التّكليف السّاذج فيمكن القول بالاستحباب نظرا إلى ترتب الحكم على عنوان المؤمن أو لكون مساقها مساق أدلة استحباب الوفاء بالوعد و مكروهيّة خلفه و نحو ذلك

و أمّا بعد ما عرفت من عدم احتمال التّكليف المحض و دلالة الأدلّة على ثبوت الوضع كما استظهرناه من قوله ع عند شروطهم أي واقفون عندها و ملزومون بها فلا يبقى مجال الاستحباب بلا ارتياب بل احتماله من مثل شيخنا أستاذ الأساتيد بعيد غاية البعد كما أنّ مقايسة الشّرط بالوعد و أخباره الدّالة على حسن الوفاء به في غير محلّها لبداهة أنّ الوعد ليس متضمّنا للإلزام و الالتزام بوجه بل إخبار بأمر ممكن الوقوع و عدمه غايته يستحبّ القيام به مع إمكانه و أنّى هذا من الاشتراط و الالتزام و إيجاب شي ء على نفسه إنشاء لا إخبارا فتأمل جدا

و كيف كان فالّذي ينبغي أن يحرر

ص: 132

في المقام أنّ فائدة الشّرط صرف جعل العقد عرضة للزّوال و إناطة لزومه العقدي أو الشّرعي بحصول الشرط فمع عدم حصوله و لو بالاختيار ينتفي اللّزوم فلا موجب للقهر و الإجبار أو ثبوت حقّ مالكي لصاحب الشّرط على الآخر المستتبع لجواز الفسخ عند تعذّر تسليمه كتعذر تسليم العوضين لا مجرّد تخلّفه فلو امتنع يجبر على التّسليم و أداء الحقّ إلى مالكه كما لو امتنع من تسليم العوض المنتقل عنه فإنّ مجرّد ذلك لا يوجب الخيار مع إمكان الأخذ منه و لو بالإجبار بل يتوقّف الخيار و انفساخ العقد على تعذّر التّسليم كما هو واضح لا يخفى

و من هنا يظهر أنّ المخالف في المسألة لا ينحصر بالشّهيد قدّس سرّه بل كلّ من قال بعدم جواز إجباره كالعلّامة في بعض كتبه و الشّيخ على ما نقل عنه في المبسوط و غيرهما مرجع كلامه إلى الوجه الأوّل لا محالة إذ لا يكاد يستقيم المنع إلّا بذلك أي منع الحقّ المالكي المشروط له على الشّارط رأسا أو ثبوته على وجه ينتج التّخيير بين الوفاء بالشّرط أو فسخ العقد عرضا و تصويره لا يخلو عن غموض فتأمل جيّدا

و حينئذ فالتّفكيك بين المسألتين أي من حيث وجوب الوفاء و عدمه و تخصيص الخلاف فيه إلى الشّهيد قدّس سرّه و من حيث جواز الإجبار و عدمه و نسبة الخلاف فيه إلى جماعة في غير محلّه

نعم ربما يكون الاختلاف بينهم من جهة المبنى حيث لم يوجّه غير الشّهيد المانع إلى تعليق العقد و إناطة الالتزام بالشّرط فينتفي عند انتفائه فلعلّ الوجه عندهم مطلب آخر كما يدلّ عليه تصريح العلامة في مواضع من التّذكرة ببطلان التّعليق في العقد على وجه الإناطة و أمّا الشّهيد قدّس سرّه فصريح كلامه في نكت الإرشاد و غيره أنّ الوجه في ذلك هو التّعليق و إناطة الالتزام العقدي بحصول الشّرط فإذا لم يحصل فيجوز له الرّضا بالفاقد من دون التزام و هذا معنى الخيار و قلب العقد اللّازم جائزا

قال قدّس سرّه في مقام التّفصيل بين اشتراط الغاية أو الفعل المعبّر عنهما تارة بأمر حالي أو استقبالي و أخرى بما كان العقد كافيا في تحقّقه و ما لم يكن كافيا في تحقّقه و مرجعهما إلى اشتراط الغايات أو المبادي فلا يكون تفصيلا فيما هو محلّ الكلام كما توهّم أنّ الشّرط الواقع في العقد اللّازم إن كان العقد كافيا في تحقّقه و لا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الاختلال به كشرط الوكالة و إن احتاج إلى آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم بل ينقلب العقد اللّازم جائزا أو جعل السّر فيه أنّ اشتراط ما يكون العقد كافيا في تحقّقه كجزء من الإيجاب و القبول فهو تابع لهما في اللّزوم و الجواز و اشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد و قد علّق عليه العقد و المعلّق على الممكن ممكن و هو معنى قلب اللّازم جائزا انتهى

و فيه أوّلا أنّ ظاهر الاشتراط ليس تعليق الالتزام عليه بل التزام بنفس الشّرط كما هو محلّ البحث و إن قيل إنّ مرجعه إلى إناطة الالتزام به و تعليقه عليه فهذا لا يوجب الفرق بين المقامين ففي كليهما يئول إليه غايته في اشتراط الغايات إن كانت الغاية ممّا يمكن إيجادها بسبب كالوكالة يجب تحصيلا للشّرط و وفاء بالعقد و إن كانت ممّا لا يمكن إيجادها بسبب كاشتراط الخيار أو عدمه يكون فاسدا لتعليق العقد على أمر غير حاصل لا يمكن تحصيله أيضا بسبب و إن قيل بأنّه لا يئول إلى التّعليق بل التزام به و نفس اشتراطه إنشاؤه كما في اشتراط الخيار فنحن نقول به في شرط الفعل أيضا

و على أيّ حال بعد ما كان كيفيّة العقد و الاشتراط بحسب الإنشاء العقدي على نهج واحد فلا وجه للتّفصيل و التّفرقة بين اشتراط الفعل و الغاية و ثانيا أنّ مرجع التّعليق إن كان إلى إناطة الإنشاء و إيقاعه على تقدير دون تقدير فهذا أمر مستحيل كما حقّقنا في محلّه أنّ المعاني الإيجادية

ص: 133

غير قابلة لإناطتها بأمر غير حاصل فإنّها إمّا توجد بإنشائها أو لا توجد فلا معنى لإيجادها معلّقة على غيرها كما لا يخفى مضافا إلى أنّها معان حرفيّة غير ملحوظة عند الاستعمال غير ملتفت إليها في هذا الحال فلا يمكن لحاظ الإطلاق أو التّقييد فيها و إن كان المرجع إلى تقييد المنشإ أي البيع مثلا بأن ينشأ ملكيّة خاصّة بإرجاع القيد إلى المادة نظير قيد الواجب و هذا و إن كان في الأمور الخارجيّة كالضّرب و القتل مثلا أيضا غير متصوّر لامتناع إناطة الفعل الصّادر على أمر خارج عن الاختيار مثل إناطة الضّرب على وقوعه على المضرب و إن كان عدوّا دون ما إذا كان صديقا بل يكون العنوان من قبيل الدواعي على الفعل تارة يتخلّف عنه و أخرى يصادفه كما هو واضح إلّا أنّه فيما إذا كان المنشأ من الاعتباريات كالملكيّة و الزّوجيّة فحيث إنّ وجودها على نحو اعتبارها فيصحّ اعتبارها على وجه خاصّ و إناطتها على تقدير دون تقدير فيكون التّعليق فيها بمكان من الإمكان كما في قيود الواجب فإنّها أيضا من هذا الباب

و لكن ذلك مضافا إلى كونه مخالفا للإجماع على بطلان التّعليق في العقود و اعتبار التّنجيز فيها بلا إشكال لا يكاد ينتج الجواز بل مقتضاه بطلان العقد رأسا لأنّ المفروض عدم إنشاء البيع على تقدير انتفاء الشّرط و انتفاء المشروط بانتفاء شرطه حكم عقليّ غير قابل للتّخصيص إلّا بإرجاع الاشتراط إلى معنى لا ينافي مع بقاء المشروط كما يأتي تصويره إن شاء اللّٰه

نعم الّذي يفيد الخيار و انعقاد العقد جائزا إناطة الالتزام الّذي يدلّ عليه العقد التزاما و يتضمّنه عرفا على وجود الشّرط فعند انتفائه لا التزام للمشروط له حتى يجب الوفاء به بدليل الإمضاء شرعا فينقلب اللّزوم جوازا كما هو مدّعاه قدّس سرّه و لكنه مبنيّ على كون الالتزام ملحوظا بنفسه في حال العقد و منشأ به باستقلاله مثل أن يصرّح به بأن يقول مثلا بعت هذا بهذا و التزمت به و ليس كذلك بالبداهة بل مدلول العقد إنشاء البيع على وجه الالتزام فيكون كيفيّة لإنشائه و نحوا من أنحائه يتعبه قهرا على حسب ما هو المفهوم منه عرفا و بهذا الاعتبار يسمّى عقدا و لذا نقول بأن المعاطاة بيع لا عقد فتأمل جيدا

و كيف كان فقد ظهر بطلان التّعليق بجميع أنحائه و ما يتصوّر فيه التّعليق منها لا يكاد يفيد الخيار و ينتج الجواز و ما يفيده و ينتجه لا يكاد يصحّ التّعليق فيه كما قلنا هذا إذا كان المراد تعليق الإنشاء و الالتزام العقدي على وجود الشّرط كما هو صريح كلام الشّهيد رفع مقامه و إن قيل توجيها لكلامه و وجها لمن قال بمقالته من الأجلّة كما أشرنا إليه من التردّد أو الميل إليه من بعض عبارات التذكرة

و نقل عن الشّيخ في مبسوطه أيضا و غيرهما أنّ المراد إناطة الحكم الشّرعي و هو وجوب الوفاء بالعقد بوجود الشّرط بعد تسليم أنّه بحسب التزامه بالعقد غير منوط بشي ء و غير معلّق على تقدير دون تقدير و لكن لا شبهة أنه لم يلتزم بالفاقد فلا يعمّه دليل وجوب الوفاء بالعقود فيقع جائزا لعدم الدّليل على اللّزوم

و فيه أن المشروط له و إن لم يلتزم بالفاقد إلّا أنّ المشروط عليه التزام بإعطاء الشّرط وصفا كان أو فعلا فيجب عليه الوفاء على حسب التزامه بأن يؤدّى الشّرط إلى من له الشّرط أداء الحق إلى صاحبه فمع امتناعه يجبر عليه كما في سائر الحقوق و الأموال

و ثانيا أنّ عدم التزام صاحب الشّرط بالفاقد و إن صحّ إلّا أنّ فيه مغالطة إذ ليس معناه عدم وجوب وفائه بالعقد بل معناه الأخذ بالشّرط و الوفاء بالعقد بمعنى أنّه إمّا أن يتجاوز عن حقّه أو يطالبه و مع امتناعه يجبره عليه نظير ما يقال في الشكّ في الأقلّ و الأكثر أنّ الأقل على تقدير وجوب الأكثر ليس بواجب

ص: 134

فإنّ معناه وجوب الإتيان به و بالأكثر لا سقوط التّكليف عنه فتدبّر

و كيف كان فما يظهر من هؤلاء الأجلّة من عدم جواز الإجبار على الشّرط مع تصريحهم بأنّه كالجزء من العوضين بل أنّ له قسطا من الثمن و ثبوت الخيار بمجرّد التخلّف لا وجه له و أضعف من ذلك تفصيلهم في مسألة اشتراط العتق بأنّه إن قلنا إنّه حق للّه تعالى يجبر عليه لو امتنع و إن قلنا إنّه حقّ للبائع لم يجبر إذ لا معنى لكونه حقّا له تبارك و تعالى إلّا اعتبار قصد التقرّب فيه و لازمه التعدّي إلى كلّ ما يكون كذلك كاشتراط الوقف أو الصّدقة أو بناء قنطرة و غيرها من الوجوه البريّة فلا وجه للاختصاص بالعتق و لا يقاس بمنذور الصّدقة و غيره لبداهة الفرق بينهما فإنّ طرف الالتزام هنا هو اللّٰه تعالى دون المشروط له كما لا يخفى

و كيف كان فقد ظهر من مجموع ما ذكرنا أن بالشّرط يثبت حق مالكيّ للمشروط له على الشّارط الموجب لاشتغال ذمته به كما في سائر الحقوق و يسقط بالإسقاط كما اتّفقوا عليه و تسالمهم ظاهرا في غير اشتراط العتق و قد عرفت عدم الفرق بينه و بين غيره من الأمور القربيّة و غيرها الرّاجع انتفاعها إلى من له الحقّ أو الأجنبي فيستحقّ المطالبة و الإجبار مع المماطلة و مع التعذّر يوجب الخيار لعدم التزامه بفاقد الشّرط

نعم توجيه الخيار مع صحّة البيع دون البطلان كما يسبق في بادي النّظر مطلب آخر يأتي الكلام في تنقيحه آنفا فتدبّر

[الثالثة في أنّه هل للمشروط له الفسخ مع التّمكّن من الإجبار]

قوله قدّس سرّه الثالثة في أنّه هل للمشروط له الفسخ مع التّمكّن من الإجبار

لا يخفى أنّ المسألة بعينها هي المسألة السّابقة باختلاف يسير و تفاوت في العبارة و لعلّه سهو من قلمه فراجع و تدبّر

نعم زيادتها على السّابقة أنّه لو كان الشّرط من قبيل الإنشاء القابل للنيابة فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذّر إجباره أو عند امتناعه مطلقا نظرا إلى عدم تحقّق الإنشاء عن طيب و رضاء مع اعتباره فيه فيدور بين سقوط أحد الشّرطين من الطّيب و الرّضا أو المباشرة و قد استدلّ على جواز إيقاعه للحاكم بعموم ولاية السّلطان على الممتنع و لكن لا يخفى أنّ عمومه مع وجود المولى عليه و حضوره و كمال عقله و بلوغه ممنوع فتأمل جيّدا

[لو تعذّر الشّرط فليس للمشتري إلّا الخيار لعدم دليل على الأرش]

الرّابعة لو تعذّر الشّرط فليس للمشتري إلّا الخيار إلى آخره

سواء كان الشّرط متعذّرا حال العقد أو طرأ التعذّر عليه من غير فرق بين ما يرجع إلى العوضين كالأوصاف أو غيره من الأمور الخارجيّة كالأفعال و الأعمال نعم لو كان الفعل متعذّرا ابتداء فيدخل في مسألة العقد المشروط بالشّرط الفاسد و سيأتي أنّ الحكم فيه أيضا هو الخيار لا الفساد كما هو مختار جماعة من الأمجاد

و كيف كان تحقيق البحث في المقام يقع في مطالب ثلاثة الأوّل في صحّة العقد و عدم بطلانه بتعذّر الشّرط الثّاني في جوازه و ثبوت الخيار للمشروط له و كيفيّة الجمع بين الصّحّة و الجواز على ما يقتضيه القاعدة نعم بناء على مسلك شيخنا العلّامة قدّس سرّه من اقتضاء القاعدة البطلان و إثبات الخيار بالتعبّد من الإجماع و قاعدة الضّرر فالأمر سهل و لكن قد أبطلنا هذا المسلك في خيار الغبن و غيره مشروحا فإنّ الإجماع في أمثال تلك المسائل العرفيّة الإمضائيّة شرعا تحصيله لا يخلو عن تأمّل

و أمّا القاعدة فقد حقّقنا في محلّه أنّه لو ثبت الخيار بوجه آخر من استناده إلى تعذّر الشّروط الضمنيّة أو الصّريحة فالتمسّك بها في محلّه حيث إنّ الوفاء و الرّضا بفاقد الشّرط ضرر على المشروط له إلّا أنّه مستغنى عنه في تلك الصّورة و إن لم يثبت الخيار بوجه آخر فلا موقع للتمسّك بأدلّة الضّرر و لإقدام المشروط له على المعاملة بعلم منه و اختياره و مجرّد تخلّف الشّرط لا يكاد يوجب الخيار

ص: 135

كتخلّف سائر الأمور الباعثة على الإقدام على المعاملة فتأمل جيّدا

و بالجملة تتميم المسألة على ما تقتضيه القواعد لا يخلو عن الغموض و تدقيق النّظر كما سيتّضح عليك إن شاء اللّٰه الثّالث في جواز أخذ الأرش من التّفاوت بين واجد الشّرط و فاقده بالنّسبة إلى الثّمن و المثمن كما في خيار العيب و مبنى المسألة أنّ ثبوت الأرش فيه على القاعدة أو على خلافها ثبت بالنّصوص تعبّدا فهاهنا مقامات من الكلام الأوّل في إثبات الصّحة و عدم بطلان العقد بتعذّر الشّرط فنقول إنّ الخصوصيّة الفاقدة تارة تكون ركنا في المعاملة و عنوانا للعوضين كالصّور النّوعيّة الّتي للأشياء الّتي يبذل بإزائها الأموال و تقع في العقد بإزائها الثّمن مثل كون المبيع حمارا و غلاما و نحو ذلك ممّا يوجب تخلّفه اختلالا في أركان العقد على حسب ما قصده المتعاقدان مثل ما إذا باع غلاما حبشيّا و ظهر حمارا وحشيّا و هذا يوجب بطلان المعاملة بلا شبهة و لو في البيع الشّخصي فإنّ المبادلة فيه و إن وقعت بين الثّمن و هذا الموجود الخارجي كيف ما كان لكن لا بمادّته الهيولائيّة حتّى تكون محفوظة في المثال المفروض بل بصورته النّوعيّة المفروض انتفاؤها لأنّها الّتي يبذل بإزائها المال و يقع في مقابلها الثّمن فما يقال إنّ العقود تابعة للقصود محلّ استعماله في تلك الصّورة حيث إنّ ما قصده البائع مثلا و بذل بإزائه الثّمن منتف و ما هو موجود لم يقصده و لم يبذل بإزائه شي ء و لا يصحّ أن يقال إنّه من قبيل تخلّف الدّواعي بمعنى أنّ اعتقاد كونه غلاما صار داعيا لبذل المال بإزاء الموجود الخارجي لما عرفت من أنّ المعنى المحفوظ فيه و لو بانسلاخ ذلك العنوان عنه هو المادّة الهيولائيّة الغير القابلة للمعاوضة لعدم الماليّة لها فإنّ ماليّة الأشياء بصورها النّوعيّة بل بالصّور العرفيّة الّتي ربما تكون أخصّ من الصّور النّوعيّة العقليّة فتأمل جيّدا

و ببيان أوضح الخصوصيّة الفاقدة تارة توجب أن يعدّ الموجود الخارجي مباينا لما وقع عليه العقد عرفا فانتفاؤها يوجب بطلان العقد لا محالة سواء جعلت عنوانا للمبيع كقوله بعتك العبد الّذي هو هذا أو وصفا له كقوله بعتك هذا العبد أو عبّر عنه بلسان الاشتراط كقوله بعتك هذا بشرط أن يكون عبدا فإنّ انتفاء العبديّة في جميع هذه الصّور يوجب البطلان إذ التّوصيف أو الاشتراط هنا لا يفيد أزيد ممّا يعتبر في أصل المعاملة بعد ما عرفت عدم صلاحيّة بذل المال بإزاء المادّة المبهمة الجنسيّة

و أخرى تكون الخصوصيّة فضلة بمعنى أنّ انتفاءها لا يوجب اختلالا في مبادلة المالين بحيث يعدّ الموجود فعلا مباينا للمعقود عليه عقلا و عرفا و إن كان الالتزام بكون أحدهما عوضا عن الآخر منوطا بوجود الخصوصيّة فانتفاؤها في تلك الصّورة يوجب انتفاء الالتزام لا انتفاء أصل المبادلة و ذلك كما في اشتراط الأمور الرّاجعة إلى أوصاف العوضين أو الأمور الخارجيّة الّتي بمئونة الشّرط تصير بمنزلة الوصف و الضّميمة لهما و هذا القسم محلّ الكلام و أنّ تعذّره يوجب الخيار أو لا يوجبه

و أمّا ما كان من قبيل القسم الأوّل فهو خارج عن محلّ البحث رأسا و لا ينبغي عدّه في عداد الشّروط و الأوصاف لما عرفت من أنّ التّعبير عنه وصفا أو شرطا لا يفيد أزيد ممّا يعبّر في أصل المعاوضة من اعتبار كون العوضين معلوما و عنوانهما محفوظا نظير اشتراط بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب و ما اعتبروه في جريان قاعدة الميسور في كون الفاقد يعدّ ميسورا للواجد لا مباينا له فإنّ الخصوصيّة المنتفية تارة تكون عنوانا للموضوع و متقوّمة بها حقيقة الواجب بحيث يكون انتفاؤها موجبا لانتفاء

ص: 136

الموضوع و تعذّر الواجب رأسا فلا مجال لجريانهما

و أخرى ليست كذلك بل عنوان الموضوع أي ما هو معروض الحكم بحسب المناسبة الّتي بين الأحكام و موضوعاتها محفوظ بنظر العرف و كذلك الواجب لم تتعذّر بحقيقته بل ببعض أبعاضه فيصح جريان القاعدتين و إن لم يشملهما إطلاق دليلهما لأجل انتفاء الخصوصيّة كما حقّق في محلّه

و بالجملة صحّة المعاملة و نوع المبادلة مبتنية على حفظ عنوان المتعاوضين أي ما يبذل بإزاء الأموال في العرف و العادة كالصّور النّوعية الّتي للأعيان فإنّ ماليّتها تدور مدارها غالبا لا على المادّة الهيولائيّة و لا على الأوصاف الخارجيّة و إن كانت موجبة لتفاوت القيمة بسببها فإن كانت تلك الصّورة الّتي وقعت عليها العقد محفوظة إلى حين القبض بل موجودة في هذا الحال و لو فرض انتفاؤها حال العقد فيصحّ المعاملة و تقع المبادلة لا محالة و لا يعقل إناطتها بوجود الوصف أو الشّرط فإنّهما من قبيل الدّواعي لا يعقل أن يكون وقوع الفعل الخارجي و عدم وقوعه منوطا بهما كما لا يخفى

و إن لم يكن تلك الصّور محفوظة إلى حين التّسليم و إن كانت موجودة حال العقد كما إذا صار الخلّ خمرا مثلا فلا مجال للصحّة لذهاب الماليّة و عدم وقوع المعارضة بين الثّمن و المادّة الهيولائيّة الموجودة في حال خمريّته نظير ما ذكر في القاعدتين أي قاعدة الميسور و الاستصحاب كما أشرنا إليه

نعم ما ذكر كلّه إنّما يتمّ في البيع الشّخصي و مبادلة الأعيان الخارجيّة بالثّمن كذلك و كذلك في الأوصاف الّتي لا يكون ماليّة الموصوف متقوّمة بها كوصف الصّحة في الجوز و أبيض و نحوهما و إلّا فانتفاء الوصف يوجب فساد المعاملة بذاك المناط الّذي نقّحناه فإنّ الثّمن في مثل هذه الأشياء يقع بإزاء وصف صحّتها حقيقة فيكون الوصف فيها بمنزلة الصّور النوعيّة في غيرها و الموصوف بمنزلة المادّة الغير القابلة لوقوع المعاوضة عليها كما قلنا

و كذلك الكلام في البيع الكلّي فإنّ اشتراط الوصف فيه يوجب تقييد المبيع الثّابت في الذمّة ففاقد الوصف ليس فردا لما وقع عليه العقد و لازمه الفساد إلّا أنّ المشهور فيه أيضا الصحّة و الخيار لكن بتقريب آخر ليس هنا محلّ ذكره فتدبّر و ربما يظهر من بعضهم الحكم بجواز الإبدال أيضا و الفرق بينه و بين الخيار لا يخلو عن التأمّل فتأمل

و كيف كان فقد ظهر أن تعذّر الشرط فيما هو محلّ البحث أي الشّروط الزّائدة عن عنواني العوضين الخارجة عمّا يقع بينهما المبادلة لا يكاد ينثلم به صحّة العقد و وقوعه على نحو أوقعناه فلا موجب للفساد مع تماميّة جهات الصحّة و أمّا اللّزوم فليس كذلك فإنّه ناش عمّا يتضمّنه العقد و يدلّ عليه بمدلوله الالتزامي العرفي و هو التزام كلّ من المتعاقدين بما عقد عليه و إعطاء القول من كلّ واحد لصاحبه و بهذا الاعتبار يسمّى عقدا و يعمّه عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لذا قيل إنّ المعاطاة بيع لا عقد و من المعلوم أنّ الالتزام بما وقع عليه العقد منوط بوجوده لا الإناطة على وجه التّعليق بمعنى الانتفاء عند الانتفاء بل يكون الشّرط من قبيل شرط الواجب بمعنى أنّه يجب على المشروط عليه الوفاء بالعقد و تسليم ما انتقل عنه مع الشّرط فيجب على المشروط له الوفاء به كذلك فإذا تعذّر الشّرط فلا ملزم للعقد لعدم الالتزام بالفاقد فعلى صاحبه الالتزام به فعلا و الرّضا به أو فسخ العقد و حلّه و هذا معنى الخيار

فقد ظهر أن العقد الّذي شرطه كالمعاطاة على قول فيه بيع لا عقد أمّا الأوّل فلوقوع المبادلة بين العوضين بل قد عرفت عدم صحّة إناطتها بوجود الشّرط على وجه لا يرجع إلى تعليق الإنشاء الممتنع وقوعه أو تعليق المنشإ المجمع على بطلانه و أمّا أنّه ليس عقدا

ص: 137

فلما عرفت من انتفاء الالتزام بالمبادلة مع فقد الشّرط وصفا كان أو غيره فلا يعمّه عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّه إمضاء لما التزما به و هو في المقام على الفرض متعذّر مفقود

و بالجملة فقد تلخّص ممّا ذكرنا أن ما أفاده الأصحاب من صحّة العقد و ثبوت الخيار للمشروط له عند التخلّف كما هو مقتضى مختار الشّهيد و من وافقه أو عند التعذّر كما هو مختار المشهور صحيح منطبق على القاعدة و ما يقتضيه العقد و الاشتراط فلا وجه للقول بفساد العقد لو لا الشّرط و إثبات الخيار بالإجماع و قاعدة الضّرر كما يظهر من شيخنا العلّامة قدّس سرّه في بعض كلماته نظرا إلى إرجاع الشّرط إلى تقييد المنشإ فينتفي بانتفائه لما عرفت من أنّه ليس تقييدا للإنشاء و لا للمنشإ بل التزام في التزام

و لنعم ما عبّروا عنه بالشّرط في ضمن العقد فهو غير مرتبط بالعقد على وجه يوجب انتفاؤه فساده و مرتبط به بوجه يوجب انتفاؤه الخيار بالتّقريب الّذي ذكرنا من دخله في الالتزام العقدي لا فيما هو مدلوله المطابقي أي المبادلة بين العوضين فتأمل جيّدا

أقول و الإنصاف أن تصوير ذلك على وجه لا يرجع إلى التّعليق في الإنشاء و لا إلى تقييد المنشإ الموجب لانتفائه عند انتفائه و لا إلى نظير تعدّد المطلوب في الواجبات و لا إلى نظير الواجب في الواجب كما قيل و مع ذلك كان النّتيجة عند انتفائه صحّة العقد و ثبوت الخيار للمشروط له في غاية الإشكال و كذلك تصوير ما ذكر من إناطة الالتزام به مع ما عرفت أنّ الالتزام ليس بنفسه ملحوظا في العقد بل إنّما لوحظ حالة و كيفية للإنشاء أي كون الإنشاء على وجه الالتزام

و كيف كان فتصوير المطلب أي الجمع بين الصحّة و الجواز في غاية الدقّة و يحتاج إلى إمعان الفكر و تدقيق النّظر و قد أتعب نفسه شيخنا المحقّق و أستاذنا الماجد في تصوير ذلك و قد أجاد فيما أفاد و لكن ما قرّرناه غير واف بمراده و قاصر عن بيانه و لعلّك إذا تأمّلت فيما ذكرنا في الواجب المشروط من إرجاع الشّرط إلى المادة حال الإسناد لا إليها قبل الإسناد و النّسبة كما في سائر قيود الواجب المطلق و لا إلى الهيئة بل عقد جملة بجملة كما هو مفاد أداة الشّرط يتّضح لك حال المقام و تصوير ما بنى عليه علماؤنا الأعلام فتأمّل جدّا فإنّ المسألة من مزلّة الأقدام

قوله قدّس سرّه الرابعة لو تعذّر الشّرط فليس للمشتري إلّا الخيار لعدم دليل على الأرش إلخ

هذا هو المطلب الثّالث من المطالب الّتي أردنا تنقيحها و حاصل الكلام فيه بعد إثبات أن تعذّر الشرط لا يوجب فساد العقد بل ينقلب العقد جائزا فللمشروط له الفسخ و الرّجوع إلى ما انتقل عنه فهل يجوز له أخذ الأرش كما في العيب أو لا يجوز له سوى الفسخ و الردّ و مبناه ما ذكرنا في مسألة خيار العيب من أنّ الأرش فيه هل ثبت على القاعدة و حسب ما يقتضيه المعاوضة أو ثبت بالتعبّد فيقتصر على مورده و قد أثبتنا هناك عدم إمكان تطبيقه على القواعد لأنه إن كان تتميما للناقص و غرامة للعيب فلازمه أخذ قيمته الواقعيّة دون ما يخصّه بالنّسبة إلى الثّمن و إن كان تنقيصا للثمن فلازمه رجوع ما يخصّه من عين الثّمن دون غيره

و كيف كان فالمتعدّي عن مورد العيب يحتاج إلى الدّليل المفقود في المقام بل في سائر الخيارات أيضا خلافا لما هو ظاهر التّذكرة من التعدّي إلى المقام بل إلى غيره مثل خيار الغبن أيضا على ما يخطر بالبال بل الظّاهر منه في المسألة التّفصيل بين أقسام الشّروط على وجه لا يكاد أن يستقيم و يوجّه

و حاصله أنّ الشّرط تارة من الأوصاف الّتي لا توجب إلّا زيادة الرّغبة في موصوفها من غير

ص: 138

أن يوجب وجوده أو عدمه زيادة في قيمة الموصوف بوجه فقد قال قدّس سرّه بتعيّن الخيار عند تعذّره

و أخرى من الأوصاف الّتي توجب زيادة المالية في الموصوف فقال إذا تعذّر يتخيّر المشروط له بين الفسخ و الرّجوع بالتّفاوت و بين قيمته مطلقا و قيمته مع الشّرط و تبعه الصيمري فيما لو شرط تدبير العبد ثم امتنع فيرجع إلى جزء من الثّمن نسبته إليه كنسبة التفاوت إلى القيمة لا قيمته الواقعيّة كما صرّح به في التّذكرة و هو المصطلح في الأرش عند إطلاقه و ثالثة من الأفعال الّتي يقابل بإزائها المال كخياطة الثوب و صباغته فيتخيّر المشروط له بين الفسخ و المطالبة به أو بعوضه إن فات وقته و ظاهر العوض قيمته الواقعيّة كما هو واضح هكذا يستفاد من كلماته على ما نقلها شيخنا العلّامة قدّس سرّهما

و فيه أوّلا أنّ التّفصيل بين الأوصاف ممنوع لعدم وقوع شي ء منها في مقابل الثّمن بل المقابلة عرفا و شرعا بين العوضين و إن كانت ماليّة المال ربما تزيد و تنقص بوجود الوصف و عدمه و إلّا فاللّازم بطلان العقد بالنسبة إلى ما يقابله كما في الجزء و ثانيا الفرق بين شرط الوصف و غيره أشكل من الأوّل لأنّه إن كان مضمونا في عقد المعاوضة و يصير ضميمة لأحد العوضين و يقابله شي ء من الثّمن فلا وجه للرّجوع إلى القيمة مع وجود العوض المسمّى فإنّ الضّمان إنّما يكون بماليّة الشّي ء واقعا إذا لم يلتزم المتعاقدان على الأزيد أو الأنقص منه أو التزما و لم يمضه الشّارع كما في المقبوض بالعقد الفاسد و إن كان مضمونا بضمان اليد فمع وضوح بطلانه لازمه الرّجوع إلى القيمة في شرط الوصف أيضا لبداهة أنّ دخل الشّرط في العقد على نهج واحد لا يكاد يختلف باختلاف المشترط وصفا أو عملا خارجيا

و بالجملة ما أفاده قدّس سرّه غير قابل للتوجيه بوجه هذا مضافا إلى أنّ الجمع بين الخيار و الأرش مطلقا غير متصوّر لأنّ مالية الشّي ء دائما محفوظة في العهدة و لا تكاد تتعذّر حتّى يوجب الخيار فإن كان المال مطلقا مضمونا بخصوصيّته و بشخصه فتعذّره يوجب الخيار و لا موجب للرّجوع إلى عوضه لا بما سمّي في العقد و لا بقيمته الواقعيّة و إن كان مضمونا بماليّته المحفوظة في حال التّلف و عدمه و حال تعذّر أدائه بشخصه و عدم تعذّره فلا موجب للخيار فلو سلّم أنّ الشّرط أيضا يبذل بإزائه المال و يقابله شي ء من الثّمن فحاله كذلك لا محالة فافهم

و كيف كان فالتّحقيق في المقام كما أفاده شيخنا أستاذ الأساتيد قدّس سرّه عدم جواز الرّجوع إلى الأرش مطلقا لعدم وقوع شي ء من الثّمن بإزاء الشّرط كان له مالية لنفسه أو لم يكن من غير فرق بين الأوصاف و لا بينها و بين غيرها من الشّروط الخارجيّة مثل شرط الخياطة و الصباغة لما عرفت من أنّ دخلها بالعقد على نهج واحد و لا ينافي ذلك مع وقوعها تحت الضّمان و لكن بمعنى أنّ تعذّر أدائها يوجب الخيار في المبادلة الواقعة بين العوضين فيكون ضمانها بهذا المعنى لا بمعنى ثبوتها في ذمّة المشروط عليه على نهج سائر الأموال فإنّه فرع قابليّة المضمون لذلك و وجود الماليّة له بنفسه مع لحاظ تلك الماليّة أيضا في عقد المعاوضة و هذه كلّها في الشّروط مفقودة كما بيّن بما لا مزيد عليه فتأمل

أقول هكذا أفاد أستاذنا الماجد أدام اللّٰه أيّام إفاضاته تبعا لشيخنا العلّامة قدّس سرّه و لكن فيما إذا كان الشّرط بنفسه له ماليّة يبذل بإزائه المال كشرط الخياطة و لم يكن تبعا لأحد العوضين لا بنفسه كالنّماءات المتّصلة و لا بالشّرط كمال العبد و حمل الدابّة و نحوها فما أفاده لا يخلو عن التأمّل و للإشكال فيه مجال

ص: 139

لوقوع شي ء من الثمن بإزائه واقعا و صيرورته ضميمة لأحد العوضين لا محالة و إن لم يقع بإزائه شي ء في متن العقد و كان الالتزام به شرطا لا جزءا اللّٰهمّ إلّا أن يقال بأنّ الضّمان و اشتغال الذمّة يدور مدار كيفية العقد و اعتبار المضمون و تعهّده في العهدة على حسب ما يقتضيه المعاوضة و لا يدور مدار واقعه فتأمل جيّدا

[الخامسة لو تعذّر الشّرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه]

قوله قدّس سرّه الخامسة لو تعذّر الشّرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه إلخ

لا يخفى أنّ ظاهره فرض التعذّر بعد خروج العين بالتّلف أو بالتصرّف فيكون من قبيل الخيارات المنفصلة كالتأخير و التّفليس و نحوهما و حينئذ يشكل عليه بأن بعض الوجوه المذكورة مثل فسخ العقد المترتّب من حينه أو من أصله إنّما يجري في الخيار المتّصل بحيث يقع التصرّف النّاقل في زمان الخيار فعلى القول بتعلّق حقّ الخيار بالعين أو بوجه آخر يوجّه القول بفسخ العقد المترتّب

و أمّا في الخيار المنفصل و كون العين طلقا في حال التصرّف النّاقل فلا موجب لبطلانه مطلقا أو جواز فسخه كذلك لعدم المانع من التصرّف النّاقل كغيره من التصرّفات بل يتعيّن الرّجوع إلى المثل أو القيمة كما هو المحقّق في محلّه و لكنّه مندفع بما حقّقناه في بحث الخيار أنّ الخيار المنفصل تارة يحدث بعد العقد بمبدئه و فعليّته كما في خيار التّفليس و التّأخير على وجه و خيار الرّؤية و العيب على القول بكونهما صرف التعبّد

و أخرى يكون مبدؤه موجودا حال العقد و إن كان فعليّته منوطا بزمان متأخّر كما في الخيار المشروط بالزّمان أو بزماني كذلك كما في خيار الغبن بل العيب و الرّؤية على ما هو التّحقيق فيها من كون الخيار مستندا إلى ما يتضمّنه العقد ضمنا من عدم التّغابن و كون المبيع صحيحا أو على وفق ما شاهده فتخلّف هذه الأمور يوجب الخيار و حينئذ تكون الخيارات الثّلاثة من صغريات مسألتنا هذه أي خيار تخلّف الشّرط غاية الأمر محلّ البحث هنا في الشرط الصريح و فيها يكون الشّرط ضمنيا و لا فرق بينهما من تلك الجهة فتأمل جيدا

و كيف كان فالتّحقيق في هذا القسم من الخيار المنفصل ترتّب آثار الخيار على العقد من حينه لتحقّق مبدئه حال العقد الموجب لتزلزله كنفس الخيار فلو منعنا عن التصرّفات النّاقلة في زمان الخيار أو قلنا بتوقّفها على الإجازة لقلنا بهما في هذا القسم من المنفصل أيضا لما عرفت من تزلزل العقد من أوّل الأمر و كون العين متعلّقا لحقّ الغير على القول به و غير ذلك من الأحكام المترتّبة على الخيار فما أفاده قدّس سرّه في غاية المتانة إلّا أنّه لم يؤدّ ما هو حقّ المسألة من التّوضيح و التّفصيل بل اكتفى بمجرّد عنوان البحث و نقل الأقوال و وجوه الاحتمال من غير تعرّض لمداركها فينبغي تداركه تتميما لمرامه و توضيحا لكلامه رفع مقامه فنقول إنّ التصرفات النّاقلة تارة تنافي مع نفس الاشتراط مثل أن يشترط عليه أن لا يبيعه من زيد فباعه منه أو أن يبيعه من عمرو فباعه من غيره و نحو ذلك

و أخرى لا منافاة لها مع ما اشترط عليه مثل أن يشترط عليه عملا فتعذّر على المشروط عليه بعد ما خرج العين عن ملكه بأحد أسبابه الموجبة لذلك أمّا الثّاني فالحكم فيه كما أفاده قدّس سرّه من عدم منع التصرّف عن الفسخ و الرّجوع إلى المثل أو القيمة أو فسخ العقود المترتّبة من حينه أو من أصله و استرجاع العين بنفسها على الخلاف المتقدم في أحكام الخيار

و قد عرفت أنّ الشّرط بنفسه موجب لثبوت حقّ للمشروط له على ذمّة الشّارط فلا يقال إنّ الخيار إنّما يحدث بعد التعذّر فالتصرّف إنّما وقع في حال ملكيّة العين طلقا للمشروط عليه

ص: 140

فلا موجب للانفساخ لما عرفت أن مبدأ الخيار و هو الشّرط موجود في حال العقد فيكون حاله كالخيار المتّصل في تزلزل العقد و عدم استقراره إمّا لتعلّق حق للمشروط له في العين أو في العقد على الخلاف المتقدّم

و كيف كان فلا إشكال في هذا القسم و إنّما الكلام في القسم الأوّل و هو أن يكون التصرّف بنفسه منافيا للشّرط كما مثّلناه و قد ذكر فيه وجوه ثلاثة من القول بالصحّة مطلقا أو الفساد كذلك أو التوقّف على إجازة من له الشّرط فلو أجاز ينفذ التصرّف و يسقط خياره لأن إجازته مساوقة لإسقاطه كما قلنا في محلّه و لو لم يجز فينفسخ العقود المترتّبة و لا خيار له أيضا لعدم تعذّر الشّرط بل يجبره على الوفاء به حسب ماله من الحقّ الثّابت بالاشتراط فانحصر الخيار بالتعذّر في الوجه الأوّل و هو نفوذ التصرفات مطلقا من غير توقف على إجازته بناء على ما تقدّم من الشّهيد ره و من تبعه من أنّ الشّرط لا يوجب حقّا للمشروط له بل فائدته انعقاد العقد جائزا فله الفسخ عند تخلّف المشروط عليه ابتداء من غير توقّف على التعذّر أو أحد الأمرين من ثبوت حقّ للمشروط له و سلطنته على الفسخ عرضا كما وجّهنا به القول بعدم جواز الإجبار ممّن تبع الشّهيد قدّس سرّه في ذلك

و كيف كان فالتعذّر الموجب للخيار مبنيّ على صحّة العقد المترتّب بوجه و إلّا فلا تعذّر لفساد العقد بنفسه أو بفسخ المشروط له فيجب على المشروط عليه الوفاء بشرطه و إيقاع العقد ثانيا في محلّه على وفق ما اشترطا عليه كما يجوز إجباره عليه عند امتناعه حسب ما تقدم تفصيله و الغرض من الإشارة إليه هنا أيضا التّنبيه على انحصار وجه القول بالصحّة بعدم إفادة الشّرط حقّا للمشروط له مطلقا كما هو مقالة الشّهيد أو إفادة أحد الأمرين من حقّ الشّرط أو الفسخ المتّحد مع سابقه في عدم جواز الإجبار و ثبوت الخيار بمجرّد التخلّف و لو مع الاختيار

نعم يمكن توجيه الصحّة على وجه لا ينافي مع القول بالإجبار و هو إرجاع شرط التصرّف على وجه خاصّ إلى ناحية السّبب لا المسبّب أي إلى شرط الفعل لا النّتيجة كما أفاده أستاذنا المرحوم طاب ثراه في تعليقته المختصرة فراجعها هذا كلّه في وجه القول بالصحّة و أمّا الفساد فربّما يوجّه بأنّ مقتضى اشتراط البيع على وجه خاص مثلا و وجوب الوفاء به النّهي عن ضدّه الموجب لقصر سلطنة المالك أي المشروط عليه عن سائر أنحاء التصرفات بناء على رجوع النهي إلى المسبّب فإنّه الّذي يتعلّق به الغرض العقلائي أحيانا و يصحّ جعله ضميمة لأحد العوضين كما هو واضح

و حينئذ فحال المسألة مثل التصرّف في منذور الصّدقة و المعاملات المنهيّة كبيع المسلم أو المصحف من الكافر و نحو ذلك فيقع المعاملة باطلة و لو مع إجازة من له الشّرط لتوقف نفوذ التصرّف على سلطنة المالك عليه و عدم أخذ الشّارع إيّاها بسبب النّهي عنه كما في الأمثلة المذكورة و أشباهها و يكون العين بنفسها متعلّقة لحقّ الغير و محجورا عليها عن سائر أنحاء التصرفات لا ممّا يتوقّف أداء واجب آخر على صرفه في مصرف خاص حتّى يقال بعدم اقتضاء النّهي هنا للفساد كما لو توقف الحجّ الواجب على صرف مال بالخصوص فتخلّف المستطيع و صرفه في وجه آخر كبيعه و نحوه فإنّ النّهي هنا لا يوجب فساد معاملته كما حقّق في محلّه و لذا فرّقوا في مسألة اشتراط تمكّن المالك من التصرّف في النّصاب في تمام الحول بين ما لو نذر أن يتصدّق ببعض النّصاب و لو مشروطا بأمر غير حاصل فإنّه يوجب انتفاء الشّرط في أثناء الحول لتخلّل حجره عن التصرّف في المنذور كيف ما شاء و بين ما لو توقف و انحصر أداء واجب كالحجّ مثلا على صرفه في

ص: 141

طريق خاصّ فلو عصى و تخلّف حتى حلّ الحول يجب عليه الزّكاة لبقاء تمكّنه إلى هذا الحال

و السرّ فيه ما أشرنا إليه من أنّ في القسم الأوّل تعلّق النّهي برقبة العين فيصير محجورا عن التصرّف فيها شرعا الموجب لقصر سلطنته و خروجه عن عموم النّاس مسلطون على أموالهم بسبب المنع الشّرعي الّذي هو كالامتناع العقلي المنافي مع بقاء تمكّنه من التصرّف في تمام السّنة و هذا بخلاف ما إذا كان النّهي لأجل مقدميّته لواجب آخر فإنّ التوقّف و المقدميّة لا يقتضي أزيد من إيجاب الفعل على المكلّف و أمّا قصر سلطنة المالك عن ماله و حصرها في مصرف خاصّ فهو أمر زائد يحتاج إلى مئونة زائدة و لا يكفي فيه النّهي النّاشي عن المقدميّة كما لا يخفى

و بالجملة بهذا الوجه يمكن توجيه الفساد و لكن أصل المطلب و إن كان في غاية المتانة إلّا أنّ جعل المسألة من صغرياته مبنيّ على كون وجوب الوفاء بالشّرط كالوفاء بالنّذر حقّا إلهيّا و حكما تكليفيّا محضا في عرض ما يقتضيه الشّرط من الوضع كما يظهر من شيخنا العلّامة قدّس سرّه في بعض كلماته السّابقة

و لكن قد ظهر أنّه ليس كذلك و إلّا لا يكاد يسقط بإسقاط المشروط له شرطه و تجاوزه عن حقّه مع أنّ الظّاهر تسالمهم على سقوطه بالإسقاط في غير العتق فلا يكون التّكليف فيه كالتّكليف بوجوب الوفاء بالنّذر بل تكليف تبعيّ يتبع الوضع و يدور مداره كما في الدّين و نحوه نظير تصرّف العبد في ماله أو في نفسه المتوقّف صحّته على إجازة مولاه معلّلا بأنّه لم يعص اللّٰه و إنّما عصى سيّده

و من المعلوم أنّ هذا النّحو من التكليف لا يكاد يصلح لتخصيص أدلة السّلطنة بل إنّما يتبع الوضع فإن كان الحقّ الثّابت للمشروط له مانعا عن نفوذ التصرّف في العين فهو و إلّا فلا موجب للبطلان و حينئذ الصحّة و الفساد مبنيّان على الخلاف المتقدّم بين الشّهيد و من تبعه و بين المشهور من أنّ الاشتراط يوجب إحداث حقّ مالي مالكي في ذمّة المشروط عليه كسائر الحقوق الماليّة أو لا يوجب إلّا جواز العقد و بناء على ما حقّقناه من إفادته الحق لا محالة و لذا يجوز له إسقاطه فليس من قبيل حقّ الجناية بمعنى كونه حقّا ثابتا على رقبة العين كل ما كان حتى لا ينافي استينافه مع نفوذ التصرفات الناقلة و لو بالعقود المتعددة بل ثابت في رقبة العين ملكا لمالكها فينافي مع نفوذ التصرّفات كما في باب حقّ الرّهانة

و بالجملة فالمسألة من صغريات ذلك الباب فيجري فيها الخلاف الّذي فيه بين الأصحاب من توقّف الصحّة على إجازة المرتهن أي صاحب الحق كما هو المشهور ظاهرا و المعروف من جماعة من الأجلّاء أو الفساد مطلقا كما حكي عن بعض المتأخرين مثل صاحب المقابس و غيره مدّعيا لعدم جريان حكم الفضولي في المسألة و نظائرها

و كيف كان فالقول بالفساد مطلقا مبنيّ على هذا الوجه كما أنّ القول بتوقّفه على الإجازة مبنيّ على إجراء حكم الفضوليّ عليه كما هو المحقّق المختار في محلّه و حينئذ فالمتّجه ما أفاده قدّس سرّه من أنّ خير الأقوال أوسطها و حينئذ لو أجاز صحّت العقود المترتّبة و يسقط حقّه الثابت بالاشتراط لما ذكرنا من إرجاعها إلى إسقاط الشّرط و الرّضا بالعقد بدونه و لو ردّ العقود اللّاحقة تنفسخ كلّها و يجب على المشروط عليه الوفاء بالشرط لعدم تعذّره بعد انفساخ العقود المترتّبة فلا موجب للخيار كما لا يخفى الفساد مطلقا

و حينئذ فقوله قدّس سرّه فإذا فسخ المشروط له ففي انفساخ العقد من أصله أو من حينه أو الرّجوع بالقيمة وجوه رابعها التّفصيل بين التصرّف بالعتق فلا يبطل لبنائه على التّغليب فيرجع بالقيمة و بين غيره فيبطل انتهى مبنيّ على الاستدراك الّذي في كلامه من صحّة العقد الثاني بناء على عدم جواز الإجبار لا أنّه متفرّع على ما اختاره أوّلا لما عرفت من أنّ حدوث الخيار

ص: 142

بالتعذّر مبنيّ على صحّة العقود المترتّبة و إلّا فلا تعذّر للشّرط أصلا أمّا على القول بالفساد فواضح و كذلك على القول الأوسط مع ردّ العقود المترتّبة حيث إنّ العين باقية في ملك المشروط عليه و أمّا مع الإجازة فالعقود المترتّبة و إن صحّت بها و يتعذّر الشّرط لا محالة إلّا أنّ مرجعها إلى إسقاط حقّه رأسا كما قلنا

و بالجملة فالعبارة لا يخلو عن التّعقيد و على أيّ حال فالتّفصيل بين العتق و غيره للمنع عنه مجال و لازمه القول به بالنّسبة إلى جميع الخيارات بل في العين المرهونة أيضا مع أنه لم يلتزم به أحد نعم من بعض كلمات شيخنا العلّامة في أحكام الخيار يلوح أنّ التصرّف بالعتق محلّ الإشكال في جميع أبواب الخيار لكنّه لم يلتزم به في الرّهن بلا إشكال

و قد عرفت أنّ المسألة من هذا الباب فلا موقع للتّفصيل و كون بناء العتق على التّغليب لا يكاد يثبت المدّعى فإنّ معناه أنّه لو انعتق بعض العبد بوجه يلحقه الباقي بالتّفصيل الّذي ذكر في محلّه و هذا لا دخل له بما هو محلّ البحث في المسألة كما أن احتياجه إلى القربة لا يوجب كونه من حقوق اللّٰه تعالى و إلّا يلزم القول به في سائر الشّروط الّتي من الوجوه القربيّة كالوقف و الصّدقة و تسبيل المنفعة على الوجوه العامّة و نحوها فلا وجه للاختصاص بالعتق مضافا إلى ما أشرنا إليه سابقا من أنّ طرف الالتزام في اشتراط العتق و نحوه هو المشروط له و الشّارط يلتزم له و يشتغل ذمّته له لا للّه تعالى حتى يكون حقا له تبارك و تعالى كما في النّذر فإنّه التزام له تعالى كما لا يخفى فالقياس على النّذر و شبهه في غير محلّه بل يكون حقّا ممحّضا للمشروط له كاشتراط الوقف و الصّدقة و نحوهما فيسقط بإسقاطه لا محالة

و من هنا ظهر ما هو التّحقيق في المسألة الآتية فلا نعيده لضيق المجال و عدم مساعدة الحال و أسأل اللّٰه التوفيق و حسن المآل

[السّابعة قد عرفت أنّ الشرط من حيث هو لا يقسّط عليه الثّمن]

قوله السّابعة قد عرفت أنّ الشرط من حيث هو لا يقسّط عليه الثّمن إلى آخره

لا يخفى أنّ المسألة مع إطناب الكلام فيها لم تنقّح كما هو حقّها مع أنّها من أهمّ المسائل فينبغي جعلها خاتمة لباب الشّروط و بيان أقسامها كما هو حقّها و تميز ما يتقسّطه بإزائه الثمن عمّا لا يتقسّط بإزائه شي ء منه و بيان الضّابط في ذلك فنقول إنّ الشّرط أي ما يقع في عقد المعاوضة بصورة الاشتراط تارة يكون من الأمور الخارجيّة الغير الرّاجعة إلى العوضين بوجه كاشتراط عمل أو ضميمة شي ء خارجيّ إلى الثّمن أو المثمن على وجه الاشتراط من غير أن يوجب حدوث خصوصيّة فيهما

و أخرى من الأمور الرّاجعة إلى العوضين و هذا أيضا تارة من قبيل الصّور الجوهريّة الّتي بها شيئيّة الأشياء و ماليّة الأموال و تقع متعلّقة للأغراض أوّلا و بالذّات و يبذل بإزائها الأعواض كحماريّة الحمار و ما يشبه ذلك و أخرى من الأوصاف العرضيّة لأحد العوضين مثل كون العبد كاتبا و الثمن نقدا غالبا و نحو ذلك

و ثالثة من قبيل كميّة الأشياء و مقاديرها كقولك بعتك هذه الصّبرة بشرط أن تكون عشرة أصواع أو هذه الأرض بشرط أن تكون عشرة أجرب و غير ذلك و إنّما جعل ذلك قسما ثالثا مع أنّه أيضا من الأعراض اللّاحقة لأحد العوضين من الثّمن أو المثمن لأنّ فيه جهتين و حيثيّتين جهة الوصفيّة من حيث إفادته لوصف الاجتماع و كون العين الشخصيّة متّصفة بوصف كونها كذا جزءا و جهة ذاتيّة جوهريّة باعتبار إفادته لتعيين مقدار العوضين الّذي به يزيد و ينقص و يختلف باختلافه قلّة و كثرة

و ببيان أوضح الأوصاف ممحّضة لاعتبار خصوصيّة في الموصوف من غير أن يوجب تغييرا في الموصوف من حيث القلّة و الكثرة و الزيادة و النّقيصة

ص: 143

غايته أنّ الموصوف الخارجي تارة واجد للوصف و أخرى فاقد له

و بعبارة أخرى اختلاف فيه من حيث النّقص و الكمال لا من حيث الزّيادة و النّقصان في الصّورة الجوهريّة الّتي أخذت عنوانا في المعاملة و هذا بخلاف المقدار فإنّه يوجب اختلاف تلك الصّورة الجوهريّة زيادة و نقيصة فيشبه من تلك الجهة باشتراط نفس الصّورة الجوهريّة أي القسم الأوّل فتأمّل جيّدا

و بالجملة هذه أقسام الشّروط و من الواضح أنّ القسم الأوّل أي اشتراط ما هو الخارج عن حقيقة العوضين تعذّره أو تخلّفه لا يوجب إلّا الخيار فإمّا أن يفسخ العقد و يردّ العوض و إمّا أن يمضيه بتمام العوض من الثّمن أو المثمن لما حقّقناه أنّه التزام بشي ء وراء الالتزام الّذي بين العوضين

و بعبارة أخرى التزام في ضمن الالتزام الأوّل بعد تماميّته بتمام جهاته غايته حيث إنّه مرتبط به و محقّق في ضمنه فانتفاؤه يوجب الخيار بالبيان الّذي تقدّم و على أيّ حال لا يوجب انتفاؤه تبعّضا في الصّفقة و لا تقسيطا في الثّمن بلا شبهة لعدم وقوع شي ء من الثّمن بإزائه على حسب التزام المتعاقدين و ما أنشئ عقد المعاوضة و ما يقال إنّ للشّرط قسطا من الثّمن أي عند التّحليل لا بحسب ما يقتضيه العقد فتأمّل

و من هذا القبيل القسم الثّالث أي ما كان راجعا إلى اعتبار وصف في العوضين فإن انتفاءه أيضا يوجب الخيار في فسخ العقد بكلّه أو إمضائه كذلك لما عرفت من أنّ المبادلة بين العوضين و لا يقع شي ء بإزاء الوصف و إنّما يوجب زيادة في الموصوف من حيث الماليّة فانتفاؤه لا يوجب انثلام في الالتزام الأوّل أي في أصل المعاملة و إنّما يوجب جوازه لعدم التزامه بالفاقد و إناطته بوجود الوصف بالتّقريب الّذي تقدّم

و من هنا يظهر الكلام في القسم الثّاني أي ما كان الشّرط من الصّور الجوهريّة فإنّه لا ينبغي الشّبهة في أنّ تخلّفه يوجب بطلان العقد رأسا عكس ما ذكرنا في الأوصاف فإنّ حقيقة المعاملة متقوّمة بها فمع انتفائها لا معاملة أصلا و ذلك لما أشرنا إليه مرارا أنّ الموادّ الهيولائيّة ليست لها ماليّة و لا يقع بإزائها شي ء من الأموال بل يقع العوض بإزاء الصّورة النّوعيّة العرفيّة الّتي ربما تكون أضيق من الصّورة العقليّة فإنّ في مثل العبد الزنجيّ و الرّوميّ يكون الصّورة النّوعيّة محفوظة و لكن العرف يرى كلّ واحد مباينا للآخر فتأمل

و كيف كان فانتفاء ما هو من قبيل الصّور النوعيّة للعوضين يوجب بطلان المعاملة و فساد العقد سواء كان العقد على الكلّي و على الموضوع الخارجيّ غاية الأمر في القسم الأوّل أي في الكلّي فرض انتفائه بتعذّر الكلّي بجميع أفراده فلا عبرة بتخلّف عنوان المقبوض و سواء جعل العنوان مقدّما على الإشارة كقولك بعت الحمار الّذي هو هذا و مؤخّرا عنها كما في قولك بعت هذا الحمار أو جعل شرطا كقولك بعت هذا على أن يكون حمارا و غير ذلك من التّعبيرات لما عرفت من أنّ البحث ليس في مرحلة اللّفظ حتى يمكن الاختلاف باختلاف التّعبير بل ما هو المناط في الشّرط و هو أن يكون التزاما في ضمن الالتزام المنشإ بالعقد مفقود في مثل تلك الأمثلة أي في الصّور النّوعيّة فإنّها قوام العقد و حقيقة ما ينشأ به لا أن تكون أمرا زائدا عليه كما هو واضح كما أنّ ملاك العنوانيّة هو هذا فلو جعل الوصف عنوانا كقولك بعتك هذا الكاتب لا يكاد يوجب انتفاؤه بطلان العقد لأنّه بأيّ لفظ عبّر لا يخرج عن كونه التزاما زائدا على العقد متحقّقا في ضمنه فلا موجب لبطلانه بانتفائه

و بالجملة فاللّازم ملاحظة ما هو المناط في القسمين

ص: 144

أي الشرطيّة و العنوانيّة لا ملاحظة اختلاف الألفاظ و التّعابير فإنّ هذه قاعدة جارية سارية في غير واحد من أبواب الفقه كما أشرنا إلى بعضها فيما تقدم و أمّا القسم الأخير الّذي هو محلّ البحث و هو أن يكون الشّرط من قبيل المقادير فحيثما عرفت أنّ فيه جهتين و حيثيّتين فقد وقع محلّ الخلاف و الإشكال في أنّه يعامل معه معاملة العنوانيّة فلو تخلّف المقدر المشترط يبطل المعاملة بالنّسبة إلى المقدار الفائت و يقسّط الثّمن بنسبته كما إذا أخذ المقدار عنوانا لا شرطا كقولك بعتك هذه العشرة أمنان من الحنطة فإنّه لا إشكال و لا خلاف ظاهرا في أنّ عند التخلّف يقسّط الثّمن بحصّته مع ثبوت الخيار للمشتري أيضا لتبعّض صفقته فكذلك إذا أخذ شرطا كقولك بعتك هذه بشرط أن تكون عشرة أمنان فظهر أنّها خمسة أمنان من غير فرق بين متساوي و الأجزاء أي ما كان مثليّا كما في المثال و غير متساوي الأجزاء كقولك بعتك هذه الأرض على أن تكون عشرة أجرب فظهر أنّها خمسة أجرب ففي كلتا الصّورتين يرجع المشتري إلى نصف الثّمن و له الخيار بالنّسبة إلى الباقي أيضا كما إذا باع ما يملك مع غيره أو مال نفسه مع مال غيره و عدم إجازة مالكه فإنّه يرجع من الثّمن بحصّته و للمشتري الخيار لتبعّض صفقته أو يعامل معه معاملة الأوصاف فله الفسخ بكلّه أو الإمضاء كذلك نظرا إلى أنّ المبيع هو الموجود الخارجي كائنا ما كان و هو محفوظ على حاله

غاية الأمر أنّه التزم أن يكون بمقدار معيّن و هو وصف غير موجود في المبيع فأوجب الخيار كالكتابة المفقودة هكذا أفاد القائلون بهذه المقالة كصريح القواعد و محكي الإيضاح و قوّاه في محكي حواشي الشّهيد و الميسيّة و الكفاية و استوجهه في المسالك و يظهر من جامع المقاصد أيضا لو فرق بين متساوي الأجزاء و غيره

[القول في حكم الشرط الفاسد]
[الأوّل أنّ الشّرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به بل هو داخل في الوعد]

قوله الأوّل أنّ الشّرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به بل هو داخل في الوعد فإنّ إلخ

اعلم أنّ فساد الشّرط لا محالة بانتفاء أحد الأمور المذكورة المعتبرة بعضها في أصل كونه شرطا مصطلحا و بعضها في صحّته من كونه مذكورا في متن العقد و غير مناف لمقتضاه و غير مخالف للمشروع و كونه مقدورا و غير مستلزم للحال و لا مجهولا و لا لغوا أي عدم تعلّق الغرض المعتدّ به عند العقلاء به نوعا إلى غير ذلك و لا إشكال في عدم وجوب الوفاء به و أمّا استحبابه في غير ما كان مخالفا للمشروع فقد أفاد قدّس سرّه أنّه لا تأمّل فيه لدخوله في الوفاء بالوعد و فيه تأمّل بل منع لأن الوعد إخبار فلا ربط له بباب الشّروط التي هي من مقولة الإنشاء كما لا يخفى فلا دليل على استحباب الوفاء به كوجوبه

و على أيّ حال الكلام في الشّرط الفاسد تارة يقع في تحرير محلّ النّزاع و تعيين ما هو محلّ الخلاف منه و أخرى في أنّه هل يوجب فساد العقد أو لا يوجب الفساد بلا خيار أو مع الخيار فالأقوال في المسألة ثلاثة و أمّا سائر التّفاصيل ففي الحقيقة راجعة إلى الجهة الأولى لا أن يكون أقوالا في أصل المسألة و

ملخّص الكلام فيها أنّ فساد الشّرط إن كان موجبا لاختلال أصل العقد كالشّروط المنافية لمقتضاه أو النّافية لجميع آثاره المترتّبة عليه أو آثاره المرغوبة منه عرفا كشرطان لا يملك في عقد البيع أو لا يستمتع مطلقا في عقد النّكاح إلى غير ذلك فلا شبهة في أنّه فاسد و مفسد للعقد لا محالة لإرجاعه إلى نقض العقد و إنشائه السّابق إمّا صريحا كما في القسم الأوّل أو ضمنا و التزاما كما في الثّاني فهذا القسم خارج عن محلّ البحث بلا كلام و كذلك إذا كان فساده موجبا لاختلال شي ء من

ص: 145

الأمور المعتبرة في العوضين من كونهما لا معلوما مقدورا لكلّ واحد من المتعاقدين من تسليم ما انتقل عنه إلى من انتقل إليه كبيع الخشبة بشرط أن يجعله صنما أو العنب بشرط أن يعمله خمرا فإن مرجع هذا الشّرط إلى سلب المنافع المحلّلة و حصرها في المحرّم فيوجب خروج العين عن الماليّة و صيرورتها مسلوبة المنفعة أمّا المنافع المحلّلة فلعدم جواز استيفائها بمقتضى الاشتراط و أمّا المنفعة المحرّمة فلسلبها عنه شرعا فيخرج المال عن كونه مالا و صالحا لأن يقابل بالعوض و هذا هو المراد من قوله قدّس سرّه إنّه أكل المال بالباطل فلا تغفل و من هذا القبيل الشرط المجهول لكن لا مطلقا بل إذا كان مرجعه إلى اشتراط إحداث وصف مجهول في أحد العوضين فإنّه يوجب الجهالة فيهما فيوجب البطلان لا محالة

و عليه ينزّل كلامه قدّس سرّه و لا تأمّل أيضا في أنّ الشّرط الفاسد لأجل الجهالة يفسد العقد لرجوع الجهالة فيه إلى جهالة أحد العوضين انتهى و إلّا إذا كان الشّرط أجنبيّا مجهولا بنفسه فلا موجب لإفساده و كون التّراضي منوطا به هو عين دعوى القائلين بالإفساد في محلّ النّزاع فلا يصلح للتمسّك به على الخروج عنه كما لا يخفى فلا محالة مراده الجهالة الرّاجعة إلى أوصاف العوضين كما يظهر من تعليله و مطاوي كلامه فراجع

و من هذا القبيل الشّرط الغير المقدور فإنّه تارة يكون كذلك بنفسه و أخرى يوجب تعذّر تسليم ما اشترط فيه فتارة يقال بعتك هذا الزّرع بشرط أن تجعله سنبلا ففساد الشّرط يوجب فساد العقد أيضا لتعذّر تسليمه سنبلا حيث إنّه ليس بفعله و تحت قدرته

و أخرى بعتك هذا الثوب بشرط أن تجعل زرعي سنبلا بحيث يكون الشّرط بنفسه متعذّر التسليم و حينئذ لا موجب لكونه مفسدا إلّا من جهة إناطة التّراضي و هي في محلّ المنع كما يأتي

و بالجملة الموارد الخارجة عن محلّ النّزاع صحّة و فسادا لا بدّ و أن يكون فساد الشّرط من جهة أخرى غير إناطة التّراضي به أو كونه ضميمة لأحد العوضين فإنّهما عين الدّعوى في محلّ البحث كما لا يخفى

و حينئذ فكلّما كان مرجع البحث في إفساده و عدمه إلى هاتين الجهتين فهو محلّ الخلاف و محطّ الأقوال و ما كان جهة البحث فيه إلى جهة أخرى مثل كونه مخلّا بالعقد أو بشرائط العوضين كالموارد المشار إليها فهو خارج عن محل البحث و مفسد للعقد بلا إشكال

و من هنا يظهر أنّ فساد الشرط لو كان من جهة لغويّته و عدم تعلّق غرض العقلاء به فخروجه عن البحث و عدمه مبنيّ على كون نظر القائل بالإفساد إلى أنّ الشّرط ضميمة لأحد العوضين و له قسط من الثمن كما هو الوجه الأوّل الّذي استدلّوا به فلا يوجب فساد العقد لعدم ماليّته و جريان الدّليل المذكور بالنّسبة إليه و إن كان نظرهم إلى الوجه الثّاني و هو إناطة التراضي به فلا وجه لإخراجه عن محلّ النزاع و التّسالم على صحّة العقد كما قيل فإنّ إناطة الرضاء لا تدور مدار الماليّة و عدمها كما لا يخفى

نعم إذا كان فساد الشرط لعدم ذكره في متن العقد كشروط التّباني فلا ينبغي التأمّل في عدم فساد العقد به بل هنا من قبيل السّالبة بانتفاء الموضوع حيث لا شرط اصطلاحا لا أنّه شرط فاسد غير مفسد

هذا ملخّص ما أفاده أدام اللّٰه أيّام إفاضاته في تحرير الضّابط فيما هو محلّ البحث و ما هو خارج عنه صحّة و فسادا

و حاصله أنّ جهة البحث إن كانت راجعة إلى إناطة الرضاء بالشّرط و عدمها فهو محلّ البحث و الخلاف و إلّا فإن كانت راجعة إلى لزوم اختلال في العقد أو شرائط العقود

ص: 146

عليه فهو موجب للفساد بلا إشكال و إن كان مفاد الشرط من جهة أخرى غير راجعة إلى شي ء منهما فهو خارج عن محلّ البحث أيضا من طرف الفساد

و لقد أجاد دام ظلّه فيما أفاد و أتى بالتّحقيق حقّه و بتوضيح المراد من كلمات الأصحاب غايته إلّا أنّه يختلج ببالي القاصر إشكال في هذا الباب و هو أنّ معنى الصحّة في الشّروط بل في الوضع و الإنشاءات من العقود و الإيقاعات و غيرهما أنّ ما أنشأه المنشئ و أوجده بأسبابه وجد و تحقّق عند الشّارع الّذي بيده اعتباره فبإنشاء المنشإ و إمضاء الشّارع صحّ اعتبار و وجد في ظرف الاعتبار شي ء لم يكن بموجود قبل الإنشاء أو بدون الإمضاء هذا معنى الصحّة و معنى الفساد ما يقابل هذا أي لم يتحقّق بالإنشاء شي ء في موطنه و ظرف وجوده بل كان مجرّد لفظ و لقلقة لسان و حينئذ فلو قلنا بفساد الشّرط فمعناه أنّه و لو التزم به إنشاء إلا أنه لم يتحقق التزام و لم يعتبر اعتبار و حينئذ فكيف يمكن أن يؤثّر في فساد العقد لبداهة أنّ مجرّد اللّفظ و الإنشاء غير صالح لذلك بل ما ينشأ ربما يكون منافيا لمقتضى العقد أو مخالفا للكتاب و نحو ذلك

اللّٰهمّ إلّا أن يقال إنّ مجرّد إنشائه نقض لإنشائه السّابق أو محرّم شرعا فيفسد و لكن هذا لا ينحلّ به الإشكال و لعله لقصور فهمي و عدم إدراك ما هو حقيقة الوضع و الإنشاء و أسأل اللّٰه البصيرة في دينه و فقها في حكمه فإنّه الموفّق

و كيف كان إذا عرفت محلّ الخلاف و ميّزت ما هو قابل للنّزاع عن غيره بالضّابط الّذي أفاده الأستاذ دام ظلّه العالي فلنشرع في ذكر الأقوال و بيان الاستدلال فنقول و على اللّٰه الاتّكال إنّه قد حكي عن الشّيخ و الإسكافي و ابن البراج و ابن سعيد القول بأنّ فساد الشّرط يوجب فساد العقد

و عن جماعة من الأجلّة المتأخّرة مثل الشّهيدين و العلّامة و المحقّق الثّاني و جماعة أنّ العقد يبقى على الصحّة و هذا أيضا يرجع إلى قولين الصحّة مع الخيار و بلا خيار على التّفصيل الّذي يأتي الكلام فيه أمّا القول بالصحّة فيدل عليه العمومات و الإطلاقات الدالّة على مشروعيّة المعاملة تأسيسا أو إمضاء كما هو الغالب في العقود فلا يحتاج إلى دليل آخر و مئونة أخرى في إثباتها كما لا يخفى بل القول بالفساد يحتاج إلى إقامة الدّليل المخرج للعقد عن هذا الأصل و هو من وجوه

الأوّل دعوى أنّ فساد الشّرط يوجب جهالة العوض لأنّ له قسطا من الثّمن و جهالة العوض يوجب الغرر المبطل للمعاملة كما إذا كان من أوّل الأمر و فسادها واضح حلا و نقضا كما أفاده قدّس سره لمنع وقوع الثّمن بإزاء الشّروط و الأوصاف بل إنّما توجب زيادة الماليّة في المثمن الّذي يقع العوض بتمامه بإزائه و على فرض تسليم وقوع الثّمن بإزائها أيضا لا يكاد يوجب الفساد كما في صور فساد الجزء مثل العقد على ما يملك مع ما لا يملك كالعبد و الخنزير و ما يملك مع ما لا يملك كما في الفضولي فهذه الجهالة غير مضرّة بصحّة المعاملة لمعلومية كلّ من العوضين حال العقد و إمكان رفعها بتقويم الجزء الصّحيح منفردا و منضمّا غايته يوجب الخيار لمكان تبعّض الصّفقة و تعذّر شرط الانضمام المعتبر ضمنا و نحن نقول به في المقام على ما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه

و الثاني و هو العمدة دعوى إناطة التّراضي الحاصل عند العقد على وجود الشّرط فإذا انتفى لفساده ينتفي الرّضا المعتبر في صحّة المعاملة عرفا و شرعا

و أجيب عنه بالنقض و الحلّ أيضا أمّا النّقض فبوجوه منها النّقض بالشّروط الفاسدة في النّكاح فإنّه لا خلاف نصا و فتوى في عدم فساد النّكاح بمجرّد فساد شرطه المأخوذ فيه هكذا أفاد قدّس سرّه و ليكن المراد كما يظهر من كلامه فيما تقدم الشّروط المرتبطة بالمهر

ص: 147

أي الّتي بمنزلة الضّميمة له ففسادها لا يوجب فساد عقد المهر الّذي يتضمّنه عقد النّكاح فإنّه ينحلّ إلى عقدين عقد المزاوجة و هو إنشاء العلقة الزّوجيّة بين الزّوجين من غير توقّفه على ذكر المهر مقدارا أو تعيينا غايته حيث إنّه يتضمّن التّسليط على البضع فلا بدّ من كونه بعوض و بإزائه شي ء من المال و لذا يصحّ النّكاح بلا ذكر المهر فيجب مهر المثل مع الدخول و الامتناع على الموسع قدره و على المقتر قدره مع عدمه و كذلك نكاح المفوّضة فيجب ما يعيّنه الزّوج و لو بعد العقد و تمام الكلام خارج عن المرام و عقد المهر و هو تعيين ذاك الأمر الكلّي الثّابت على الزوج بإزاء تسليطه على البضع في مقدار معلوم أو في عين معلومة فما يكون مرتبطا بهذه المرحلة و بمنزلة الضميمة للمهر فساده لا يوجب فساد عقد المهر فيرجع إلى مهر المسمّى

و أمّا ما يكون مرتبطا بأصل النّكاح مثل اشتراط الخيار فيه أو عدم الاستمتاع بالكليّة ففساده لمنافاته مع مقتضى العقد عرفا أو شرعا يوجب فساد النّكاح كما لا يخفى فراجع و تأمّل

ثم إنّ عدم رجوعهم إلى مهر المثل عند فساد الشرط كما أفاده قدس سرّه بمجرّده لا يصير دليلا على المطلب و لا يثبت المدّعى فإنّ بناءهم في صور فساد المهر تارة الرّجوع إلى مهر المثل كما إذا عقد على عبد فبان حرّا و أخرى بالرّجوع إلى مثل المسمّى أو قيمته كما إذا عقد على مال فظهر مال الغير و بعض المقامات صار محلّ الإشكال كالعقد على الخمر و الخنزير و نحوهما في بطلان أصل المهر و الرّجوع إلى مهر المثل أو بطلان تعيينه في ما لا يملك فيرجع إلى قيمته عند مستحليه و الضّابط في ذلك أنّ الفساد تارة يرجع إلى تقديره كما إذا عقد على شي ء لا قيمة له أصلا كالعقد على الحرّ مثلا و أخرى يرجع إلى بطلان تعيينه كما في مال الغير فيرجع إلى قيمته و منه يظهر وجه الإشكال في مثل الخمر و الخنزير من حيث إنّه لا ماليّة لهما في الشرع فيرجع الفساد إلى بطلان التّقدير و من حيث إنّ لهما تقدير عند مستحليه فيرجع إلى القيمة

و كيف كان المسألة من قبيل القسم الثّاني فإنّ فساد الشّرط لا يوجب بطلان أصل التقدير بل غايته بطلان تعيين ما هو بمنزلة الضّميمة للمهر فيقوم ما جعل مهرا مع الشّرط تارة و مع عدمه أخرى و يرجع إلى التّفاوت و حينئذ فلو ثبت تسالمهم على عدم الرّجوع إلى شي ء مطلقا و الاقتصار على ما هو المسمّى كما هو الظّاهر فيدلّ على المدّعى و إلّا فلا دلالة بمجرّد عدم الرّجوع إلى مهر المثل فاحفظ ما ذكر من الضّابط

و منها النقض بالجزء الفاسد فإنّه لا يكاد يوجب فساد العقد قطعا بل يقسّط الثمن بنسبته و يصحّ في الباقي و للمشتري الخيار لتبعّض الصّفقة الراجع إلى انتفاء شرط الانضمام و منه يظهر أنّ مرجعه أيضا إلى انتفاء الشرط لا أن يكون الفرق بينه و بين الشرط عسرا كما أفاده في جامع المقاصد بل هو عينه فإنّ فساد الجزء يوجب انتفاء شرط الانضمام المعتبر في العقد ضمنا فيكون التّراضي أيضا منوطا به كما في الشّرط الفاسد

و كيف كان فالتفصيل بين الجزء الفاسد و الشّرط الفاسد و أنّ الثّاني يوجب فساد العقد دون الأوّل تحكّم صرف كما هو واضح و منها النّقض بصورة تعذّر الشّرط فإنّ التّراضي لو كان منوطا به على وجه يوجب انتفاؤه فاللّازم القول بالفساد في صورة التعذّر أيضا غايته أنّ التعذّر تارة يكون عقليا و أخرى شرعيا كما في صور فساد الشّرط و هذا ليس بفارق لأن التعذّر الشّرعي كالتعذّر العقلي كما أنّ الفرق بأنّ في صورة التعذّر وقع العقد صحيحا على وجه المراضاة ثم طرأ عليه التعذّر الموجب لخياره

ص: 148

إمّا برضائه بالفاقد و إمّا بفسخه للعقد و هذا بخلاف فساد الشّرط فإنّ الرّضا من أوّل الأمر منوط بأمر فاسد فلا يقع العقد من أوّل الأمر صحيحا أيضا ليس بفارق لما يأتي الإشارة إليه من أنّ الرّضا غير منوط بالشّرط مطلقا على وجه ينتفي بانتفائه بالتعذّر الطّاري و غيره

و كيف كان فمن عدم التزامهم بالفساد هنا يكشف أنّ الإناطة ليس على وجه يوجب انتفاء الشّرط انتفاء التّراضي المعتبر في صحّة العقد و حلّ ذلك ما أشرنا إليه سابقا في توجيه الخيار عند تعذّر الشّرط و نعيده هنا أيضا توضيحا للمقام و تبعا له قدّس سرّه حيث حمل كلامه على خلاف مقصوده فلا بأس بالتّنبيه عليه

و حاصله أوّلا أنّ المراد من التراضي المعتبر في العقود ليس ذلك المعنى القلبي المعبر عنه بطيب النّفس فإنّه من قبيل الدّواعي غالبا و تخلّفه لا يوجب بطلان المعاملة و إلّا يلزم بطلان كثير من المعاملات الواقعة لأجل الفقر و الحاجة أو لأجل بعض الأغراض التي لو علم عدم حصولها لم يقدم على المعاملة أصلا و غير ذلك من الدّواعي الّتي قد تحصل و قد تتخلّف بل المراد الرّضا المعاملي أي في مقام العقد و الإنشاء الخارجي إيجابا أو قبولا لا يكون بمكره و لا مجبور كما هو واضح

ثم إنّ العناوين الّتي يقع عليها العقد أو القيود المأخوذة فيه وصفا أو شرطا تارة تكون من الصّور النوعيّة لم يقع عليه العقد و أخرى تكون من العوارض الخارجيّة بالنّسبة إليه

و الّذي يقع عليه المبادلة و يبذل بإزائه العوض هو القسم الأوّل أي الصورة الجوهريّة الّتي للشي ء و بها يكون الشّي ء شيئا و بها يكون ماليّة الأشياء لوضوح أنّ المادّة الهيولائية غير صالحة لأن يبذل بإزائها المال و لا يعدّ من الأموال كما أنّ العوارض أيضا لا يبذل بإزائها شي ء من العوض بل توجب زيادة في الماليّة و كثرة الرّغبة في معروضها

و على أيّ حال فالمبادلة تقع بين الشّي ء بصورته النّوعيّة و عوضه كما أنّ الرّضا المعتبر في المعاملة منوط بها فإذا تخلّف الصّورة النّوعيّة مثل أنّه باع حمارا فبان بغلة أو بقرة فلا شبهة في بطلان العقد رأسا لأنّ البغلة أو البقرة لم يقع عليها العقد و لم يكن المواطاة و المراضاة عليها فيحتاج إلى مبادلة جديدة و رضاء جديد سواء أخذت الصورة النوعيّة عنوانا للمبيع في لسان العقد كقوله بعتك هذا الحمار أو وصفا كقوله بعتك هذا الّذي هو حمار أو الحمار الّذي هو هذا أو شرطا كقوله بعتك هذا بشرط أن يكون حمارا إلى غير ذلك من التّعبيرات ففي جميع هذه الصّور يفسد المعاملة عند التخلّف لما ذكر من أنّ ما وقع عليه العقد و المراضاة غير الموجود لم يقع عليه العقد و المراضاة

و أمّا العوارض فحيث عرفت عدم وقوع شي ء من العوض بإزائها فانتفاؤها لا يوجب خلل في العقد و فيما وقع عليه العقد و لا يكون التّراضي بالمعنى الّذي قلنا أيضا منوطا به و إلّا فانتفاؤها يوجب البطلان لا الصحّة و الخيار بل من قبيل قيود الواجب بمعنى أنّ المبيع وقع عليه العقد بهذا الوصف فيجب على البائع تسليمه كذلك لا من قبيل قيد الوجوب بمعنى التّعليق في الإنشاء و لا التّعليق في المنشإ فإنّ جميع ذلك يوجب الفساد عند عدمه بل التزام زائد في ضمن الالتزام الأوّل نتيجته وجوب الوفاء به و مع عدمه عدم لزوم الوفاء به من غير أن يوجب اختلالا في الالتزام الأوّل و أركانه و المراضاة المعتبرة فيه نظير وجوب الأكثر في ضمن الكلّ في العبادات فإن انتفاءه لا يوجب انثلام وجوب الأقلّ كما هو الوجه في جريان البراءة في هذه المسألة إلّا

ص: 149

من حيث دخله في الغرض و هذا ساقط في باب المعاملات لما عرفت أنّ صحّتها و فسادها لا يدوران مدار الدّواعي و الأغراض

و كيف كان فقد ظهر أنّ التّراضي المعتبر في المعاملة غير منوط بوجود الشّرط و عدمه و هذا هو مراده قدّس سرّه من كون المفقود في المعاملة ركنا أو غير ركن و ضابطه ما ذكرنا من كونه من الصّور النّوعيّة أو من الأوصاف و الأعراض بالنّسبة إلى المتعاوضين لا أن يكون مراده التّفصيل بين ما يكون على نحو وحدة المطلوب أو تعدّد المطلوب

فلا يصحّ توجيه الخيار بأنّ باب العقود من قبيل الثّاني كما قيل و حمل كلام المصنف عليه فإنّ ذلك أوّلا ليس أمرا كليّا مضبوطا حتّى يمكن دعواه في جميع العقود بل يختلف باختلاف الموارد و الأغراض و ثانيا لا يكاد يوجب التّفاوت بين ما هو الرّكن و غيره فإنّ غير الرّكن أيضا بما يكون له دخل في أصل المطلوب

و ثالثا ليس بناؤهم في الخيار و عدمه على ذلك لوضوح أنّه لو أحرزنا في القسم الأوّل أي في مثل بعتك هذا الحمار أنّ غرض المشتري و مطلوبه مطلق دابّة تحملها و تحمل أثقاله من دون مدخليّة للحماريّة فيما هو مطلوبه من المعاملة مع ذلك لو بان أنّه بقرة أو بغلة يفسد البيع بلا خلاف و لا إشكال كما أنّه لو أحرز أنّ تمام غرضه من شراء العبد أن يكون كاتبا بحيث لو علم بعدم كتابته لا يقدم على المعاملة و شرائه بفلس و مع ذلك لو اشترى الكاتب ثم تخلّف الوصف ليس له إلّا الخيار أيضا بلا خلاف و لا إشكال

و السّر فيه ما ذكرنا أنّ باب العقود و المعاملات صحّة و فسادا لا يدور مدار الأغراض الباطنيّة و الدّواعي الشخصيّة

و كيف كان فقد ظهر أن ثبوت الخيار ليس مبنيّا على وحدة المطلوب و تعدّده بل بمعزل عن هذا الباب غير مرتبط به بلا شكّ و لا ارتياب بل مبنيّ على الضّابط الّذي ذكرناه فاحفظه فإنّه من دقائق الأفكار النّفسية الّتي استفدناها من شيخنا المحقّق و أستاذنا المدقّق أدام اللّٰه أيّام إفاضاته

و بالجملة فقد تحصّل من مجموع ما ذكر أنّ مقتضى القواعد في الشّرط الفاسد هو الخيار مع صحّة العقد كما عن جماعة من الأجلّة و اختاره المصنف قدّس سرّه بالأخرة أيضا مع اضطراب في قلمه لمخالفة مثل المحقّق و العلّامة و الشّهيدين و غيرهم من الأجلّاء الّذين ليست مخالفتهم بأمر سهل في أمثال هذه المسائل مع تفصيله قدّس سرّه بين صورة علم المشروط له بالفساد و جهله

و الوجه فيه أنّ بناءه قدّس سرّه في خيار تخلّف الشّرط مطلقا أنّه على خلاف القاعدة و ثبوته في موارده إنّما هو بمثل قاعدة الضّرر و نحوها كما لا يخفى على المتتبّع في كلامه قدّس سرّه فيختلف الحال من حيث شمول القاعدة و عدمه باختلاف العلم و الجهل

و أمّا على ما اخترناه في جميع الأبواب من أنّه على القواعد من غير حاجة إلى دليل آخر فلا يكاد يفرق بين صورتي العلم و الجهل أيضا نعم الّذي يشكل الأمر في المسألة و يصعب المشي على طبق ما ذكرنا من القاعدة أنّه ليس من الخيار لا في كلمات القائلين بالفساد أو الصحّة و لا في لسان الأخبار و الأدلّة عين و لا أثر و لذا صارت المسألة في غاية الإشكال أقول و يؤيّد ذلك أي عدم ذكر من الخيار في الأقوال و الآثار ما تقدّم من الإشكال في أصل المسألة و أنّ الشّرط بعد فرض فساده كيف يؤثر في العقد مع أنّ تأثيره فيه نحو ترتيب أثر عليه المنافي مع فساده و قد أجاب الأستاد عنه بأن معنى الفساد عدم ترتيب الأثر عليه شرعا

و أمّا الأثر اللازم لوجوده تكوينا الحاصل بإنشائه لا محالة فلا ينافي مع فساده مثلا البيع المشترط فيه بما يخالف الكتاب مثل بيع العنب

ص: 150

على أن يصنعه خمرا معنى فساده عدم ترتّب آثار الصحّة عليه و إلغائه عند الشّارع

و أمّا كونه التزاما في ضمن العقد عرفا بحيث لو لم يكن المنع الشّرعي يصحّ فهو أمر حاصل بالتزام المتعاقدين و تأثيره في فساد العقد من تلك الجهة و لكن لا يخفى أنّ هذا مبنيّ على كون المجعول الشّرعي في العقود هو ترتيب الآثار لا نفس المسبّبات مثل الملكيّة و الزّوجيّة بل كانت هي منتزعة عن الآثار و هو خلاف التّحقيق

قوله قدّس سرّه الثّالث رواية عبد الملك إلى آخره

هذا هو الوجه الثّالث الّذي استدلّ به القائلون بالفساد و هو عدّة أخبار غير واضحة الدلالة على المدّعى منها رواية عبد الملك عن الرّضا ع عن الرّجل ابتاع منه طعاما أو متاعا على أن ليس منه على وضيعة هل يستقيم ذلك و يأخذ ذلك قال ع لا ينبغي إلى آخره بناء على أنّ المراد لا ينبغي البيع لاشتماله على شرط عدم الوضيعة المخالف للسنّة فيفسد و إلّا فلا موجب للكراهة و فيه ما لا يخفى لاحتمال أن يكون المراد كراهة الأخذ بالوضيعة فلا يدلّ على فساد الشّرط فضلا عن فساد العقد كما يحتمل إرجاعه إلى الشّرط أي لا ينبغي مثل هذا الشّرط و على أيّ حال غايته الكراهة لا الفساد مع ما فيه من الإجمال و الإبهام كما لا يخفى

و منها ما رواه الحسين بن منذر عن أبي عبد اللّٰه ع في بيع العينة و المشهور فيه ما هو المعهود المتداول بين النّاس تخلّصا عن الرّبا و هو أن يشتري السّلعة بثمن مؤجّل ثم يبيعها من بائعها بأقل من هذا الثمن نقدا متباينا على ذلك قبل العقد فقد سأله عن ذلك فقال ع إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس إلى آخره بحمل الخيار على ما يقابل التزامهما بالبيع الثّاني و هو لا يكون إلّا باشتراط البيع على بائعه و قد قلنا بفساد هذا الشّرط فيدل على أنّ مع الاشتراط فيه بأس و لا موجب له إلّا فساد الشّرط

و فيه تكلّف واضح بل الظّاهر أنّ مراده ع من قوله إن كان بالخيار و كنت بالخيار وقوع المعاملة الأولى جدّا و حقيقة بحيث لو لم يشأ أحدهما للبيع الثّاني كان عليه ذلك في مقابل وقوعها صوريا و وسيلة للعقد الثّاني كما لا يخفى على المتأمّل

و منها رواية عليّ بن جعفر ع في بيع العينة أيضا عن أخيه ع قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسة نقدا أ يحلّ قال ع إذا لم يشترطا و رضيا فلا بأس إلى آخره قال قدّس سرّه و دلالتها أوضح من الأولى و هو كما أفاد من حيث التصريح بعدم الاشتراط إلّا أنّ تفسيره بقوله ع و رضيا شاهد على ما ذكرنا أي وقوع البيع الأوّل عن مراضاة و عن طيب لا صوريّا للتوصّل إلى الثّاني

و كيف كان فالإنصاف عدم دلالة شي ء منها على المدّعى خصوصا في قبال ما ذكر من الأخبار العديدة الواضحة الدلالة في أنّ الشّرط الفاسد كاشتراط كون ولاء العتق على غير المعتق كما في قضيّة بريدة و اشتراط عدم الإرث في الرّوايتين الأخيرتين لا يوجب فساد أصل البيع و دلالتها على ذلك في غاية الظهور و لم نذكرها لوضوحها فراجع هذا مع أن عمومات مشروعيّة العقود و المعاملات يكفي للقول بالصحّة كما لا يخفى

نعم قد استدلّ عليها أيضا بأن صحّة الشّرط فرع صحّة البيع فلو كان صحّته أيضا موقوفا على صحّة الشرط يدور و لكنّه مدفوع بأنّ المراد من صحّة الشّرط إن كان صلاحيّة لأن يقع صحيحا و واجب الوفاء فهو لا يتوقّف على صحّة البيع بل على الشّروط المتقدّمة و إن كان المراد وجوب الوفاء به فعلا فهو و إن توقّف على صحّة البيع و وجوب الوفاء به أيضا إلّا أنّ التوقّف من الطّرفين في مرتبة واحدة كتوقف صحّة الإيجاب على القبول و القبول على الإيجاب

ص: 151

و هنا لا محذور فيه و لا يكون مستحيلا كما حقّق في محلّه

قوله ثمّ على تقدير صحّة العقد إلى آخره

كان التحقيق هنا عقد فروع و جعل ذلك أوّلها مقابل قوله الثّاني و لعلّه غلط من النّسخة أو سهو من قلمه و كيف كان قد حقّقنا سابقا أن خيار تخلّف الشّرط على القاعدة و فساد الشّرط أيضا أحد مصاديقه فإنّ التعذّر الشّرعي كالتعذّر العقلي في كونه موجبا لتخلّف ما التزم عليه المتعاقدان بمعنى أن صاحب الشّرط لم يلتزم بالفاقد فلا ملزم للعقد بالنّسبة إليه شرعا فإنّ دليل اللّزوم مفاده وجوب الوفاء في ما التزما به و المفروض تعذّره و حينئذ فلا فرق بين علم المشروط له أو جهله به

و أمّا بناء على مختاره قدّس سرّه من أنّه على خلاف القاعدة قد ثبت في بعض الموارد بالإجماع و دليل الضّرر و نحوه فالتّفصيل في محلّه لأنّ مع علمه بالحال قد أقدم على ضرره فلا يعمّه القاعدة و الإجماع أيضا منتف في المقام

بل قد عرفت أنّ في كلماتهم ليس من الخيار عين و لا أثر فاللّازم الأخذ بالمتيقّن هذا آخر ما استفدنا منه دام ظلّه في باب الشّروط و أسأل اللّٰه أن يجزيه عنّا خير الجزاء و وفّقنا و إياه لما يحب و يرضى هذا آخر ما استنسخته من تقريرات العالم الفاضل المرحوم الميرزا أبي الفضل الأصفهاني طاب ثراه فلنرجع إلى ما استفدناه منه دام ظلّه في أحكام الخيار

[الكلام في أحكام الخيار]

[الخيار موروث بأنواعه]
اشارة

قوله قدّس سرّه الكلام في أحكام الخيار الخيار موروث بأنواعه إلى آخره

لا يخفى أنّ توضيح ما أفاده في هذا العنوان يتوقّف على التّنبيه على أمور قد تقدّم الإشارة إليها في هذا الكتاب إجمالا

الأوّل أنّ المجعول الشّرعي الأعمّ من التّأسيسي و الإمضائي على قسمين تكليف و وضع و إنكار الأخير و جعله منتزعا من الأوّل لا وجه له فإنّ بعض أقسامه كالسّببية و الجزئيّة و الشّرطيّة و المانعيّة و إن لم يكن قابلا للجعل متأصلا إلّا أنّ ما عداه قابل لذلك لأنّ المجعول الشّرعي التأصّلي عبارة عمّا كان وجوده التّكويني عين تشريعه فإذا تحقّق شي ء في عالم الاعتبار بنفس إنشائه فهو قابل للجعل و لا شبهة أنّ الملكيّة و الولاية و الحريّة و نحو ذلك تتحقّق في عالم الاعتبار خارجا بنفس إنشاء من بيده ذلك فكما أنّ التّكليفيّات سنخ من الاعتباريّات إذا أضيفت إلى الجاعل تكون من أفعاله و إذا أضيفت إلى الأفعال تشبه الكيفيات الخارجيّة و إذا أضيفت إلى المكلّف تكون من سنخ الانفعال و لها آثار و أحكام من وجوب الطّاعة و قبح المعصية فكذلك الوضعيّات و منها الملكيّة الّتي تسمّى بالجدة الاعتباريّة و الإضافة الخاصّة بين المالك و المملوك الحاصلة من أسباب خاصّة اختيارية أو قهريّة كالبيع و الإرث و نحوهما

ثمّ إنّ لهذه الإضافة مرتبتين مرتبة قويّة تسمّى بالملك و ضعيفة تسمّى بالحق أي لو كانت تامّة من حيث نفسها و من حيث متعلّقها تسمّى ملكا و لازمه سلطنة المالك عليه المستتبعة لنفوذ أنحاء التصرّفات فيه إلّا ما خرج و لو كانت ناقصة من حيث نفسها كالإضافة الحاصلة بين المرتهن و العين المرهونة أو من حيث متعلّقها كالحاصلة بين ذي الخيار و ما تعلّق الخيار به أو الحاصلة بين المالك و الشّي ء الغير المتموّل كحبّة الحنطة تسمّى حقّا

الثّاني أنّ انتقال هذه الإضافة إلى الغير بمعناها الجامع بين الملك و الحقّ تارة بمبادلة المملوك الّذي هو أحد طرفي الإضافتين و أخرى بتبدّل المالك الّذي هو الطّرف الآخر و ثالثة بإعطاء نفس الإضافة و السّبب لحصول الأوّل هو العقود المملكة للعين أو المنفعة مجّانا أو بالعوض الّتي تجمعها العناوين الأربعة الهبة و العارية و البيع و الإجارة و ما يحذو حذوها و للثّاني هو الإرث الّذي قد بيّنا في أوّل الكتاب أنّه عبارة عن تبدّل المالك مع بقاء الملك و الإضافة الّتي بينه

ص: 152

و بين مالكه على حاله و للثّالث هو الهبة المعوّضة فإنّها على ما احتملناه في المعاطاة عبارة عن إعطاء المالك نفس الإضافة لغيره بل لا يبعد أن يكون الهبة الغير المعوّضة أيضا كذلك فإنّهما لا تختلفان من هذه الجهة

و كيف كان فلا إشكال في أنّ الإرث سبب للانتقال إلى الوارث بالتبدّل المالكي و الانتقال الحاصل بالوراثة مباين سنخا مع الانتقال الحاصل بالعقود المملكة الثالث أنّ إرث الخيار يتوقف على أمرين أحدهما كون الخيار حقّا لا حكما شرعيا كالإجازة للعقد الفضولي و جواز الرّجوع في الهبة الثاني أن لا يكون من الأمور القائمة بشخص مخصوص كحقّ الحضانة و المضاجعة لأن تبدّل ذي الحق و قيام شخص مقام آخر بمقتضى أدلّة الإرث يتوقف على أن يكون الحق ممّا تركه الميّت فلو لم يكن كذلك إمّا بأن لا يكون حقّا بل يكون حكما أو لا يكون بعد الميّت باقيا لكون القائم به هو شخص الميّت بحيث يذهب بذهابه فلا معنى للانتقال إلى الغير و حيث قد تقدم في بحثي المعاطاة و الخيار كون الخيار حقّا مالكيا لا حكما تعبّديا و بيّنا الفرق بين الجواز الحقّي و الحكميّ فإثبات الأمر الأوّل لا يتوقّف على قيام الإجماع عليه و لكن إثبات كونه قابلا للانتقال إلى الغير بغير الإجماع مشكل فإنّ الحقوق بأجمعها و إن كانت قابلة للإسقاط و هذا هو الضّابط التام بين الحقّ و الحكم و قد أوضحنا في صدر مبحث البيع أنّه لا وجه لتقسيم بعض المحشين الحقوق بما يقبل الإسقاط و ما لا يقبله كحق الولاية و الأبوّة و حقّ الاستمتاع للزّوج و نحو ذلك لأنّ هذه من الأحكام و تسميتها حقّا إنّما هو بعناية و مناسبة إلّا أنّ إثبات كونها قابلة للانتقال إلى الغير مشكل لإمكان كونها حقا و إضافة خاصّة و لكنّها قائمة بشخص خاص و قد يتوهم إمكان إثبات ذلك من نفس أدلّة الخيار فإنّ الظّاهر منها أنّ الميّت المالك لحقّ الخيار مورد للحقّ لا مقوّم له فإذا كان موردا له ينتقل إلى وارثه

و فيه أنّه لو كان موردا له أنتج عكس المقصود فإنّ كون الشّخص موردا لحقّ أو مال إنّما هو لانطباق عنوان عليه من دون نظر إلى خصوصيّة الشخصيّة كأعلم البلد و الفقراء و نحوهما و هذا العنوان لو انطبق على شخص يكون مصرفا للمال أو الحقّ و لو لم ينطبق عليه لا يستحقّه و كون أبيه متّصفا بهذا العنوان لا يوجب انتقال ما كان له إلى وارثه فأصل مورد الإرث مبني على أن لا يكون المورث موردا بل كان ذا حق لخصوصيّته الشخصيّة فيقع النزاع في أنّه هل ينتقل هذا الحق إلى وارثه أو لا

و قد يقال إنّ الحقّ لو كان ممّا يستجلب به المال كحق الخيار و الشّفعة و التّحجير و السّبق في المباحات الأصليّة أو يستجلب به أمر آخر كالقصاص و حدّ القذف فهو ممّا تركه الميّت و ينتقل إلى وارثه و أمّا لو لم يكن كذلك كحقّ السّبق في المشتركات العامّة من المدارس و المساجد و الخانات فليس ممّا تركه الميّت حتّى ينتقل إلى وارثه و هذا منشأ التّفصيل بين جعل الخيار لأحد المتعاقدين فيرثه وارثه و جعله للأجنبي فلا يرثه لأنّ الأجنبي لا يستجلب المال لنفسه بإعمال الخيار و لا شيئا آخر فحقّ الخيار ليس ممّا تركه حتى يقوم الوارث مقامه

و السرّ في ذلك أنّه لو كان الحقّ متعلّقا بشي ء كالمال أو القصاص فحيث إنّ غير نفس الإضافة يكون هناك أمر باق فلا بدّ أن ينتقل إلى الوارث و أما لو لم يكن للمورّث إلّا نفس السّلطنة من دون تعلّقه بأمر آخر كالجلوس في المدرسة و المسجد أو التولية و القيومة من قبل الحاكم فليس غير الاستيلاء شي ء باقيا حتى ينتقل إلى الوارث هذا

و لكنّك خبير بأن إثبات هذا التّفصيل أيضا بغير الإجماع مشكل فإنّ

ص: 153

تعلّق الخيار المجعول لأحد المتعاقدين بالمال و عدم تعلّقه به لو كان مجعولا للأجنبيّ دعوى بلا برهان و هكذا الفرق بين حقّ التّحجير مثلا و حقّ الجلوس في المسجد

نعم لو ثبت التّفصيل فلا فرق بين أن يكون متعلّق الحقّ مالا فعليّا كحقّ السّبق في المباحات الأصليّة و أن لا يكون كذلك كالصّيد الّذي يقع في الشّبكة المنصوبة من الميّت بل لا يبعد أن يقال إنّ إرث الصّيد من إرث الأموال لا الحقوق لأنّه لا فرق في نظر العرف و العقلاء بين الأموال الفعليّة و ما يئول إليها

و كيف كان فما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ الاستدلال على إرث الخيار بالكتاب و السنّة الواردين في إرث ما ترك الميّت يتوقّف على كون الخيار حقا لا حكما و أن يكون قابلا للانتقال ممّا لا شبهة فيه

و قد عرفت أن إثبات الجزء الثّاني بغير الإجماع مشكل و أمّا إثبات الجزء الأوّل فلا يتوقّف على الإجماع على نفس الحكم و لا على الإجماع على سقوطه بالإسقاط و لا على الخبر الوارد في خيار الحيوان من سقوطه بالتصرّف معلّلا بأنّه رضى منه لما عرفت من أنّ الخيار حقّ مالكيّ لا حكم تعبّدي فهو قابل في نفسه لأن ينتقل إلى الوارث

و نحن و إن استوفينا البحث عن ذلك سابقا إلّا أنّه لا بأس بالإشارة إليه توضيحا لما سبق و تنبيها لما سيأتي فنقول إنّ اللّزوم و الجواز تارة يلحقان المنشأ بالعقد بمعنى أنّ ذات المعقود عليه قد يقتضي اللّزوم مع قطع النّظر عن وقوعه في حيّز العقد كالنّكاح و الضّمان و الوقف و نحو ذلك بحيث إنّه لو صحّ وقوعه بالمعاطاة لكان لازما أيضا و قد يقتضي الجواز كما في الهبة الغير المعوّضة و هذا القسم من اللّزوم أو الجواز يكون حكما تعبّديّا صرفا و لذا لا يتغيّر النّكاح و نحوه بالشّرط على خلافه و لا يقبل الإقالة و لا يتغيّر الهبة أيضا عن مقتضى ذاتها بالشّرط على خلافها و لا يؤثّر وقوعها تحت الالتزام العقدي في لزومها فهي خارجة عن عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالتّخصيص

و أخرى يلحقان نفس العقد بمعنى أنّ المنشأ كالبيع مثل في حدّ ذاته لا يقتضي الجواز أو اللّزوم و لكنّه حيث أنشئ بالعقد الّذي هو العهد المؤكّد فبمدلوله الالتزامي العرفي يدلّ على التزام كلّ من المتعاقدين بالمدلول المطابقي و هو المبادلة بين المالين و مرجع قوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إلى تحقّق تلك الالتزام و أنّ البائع لالتزامه بالتّبديل ملزم على أن يكون المبيع عوضا عن الثّمن و هذا الالتزام يملكه المشتري و المشتري أيضا ملزم على أن يكون الثّمن عوضا عن المبيع و التزامه بذلك يملكه البائع فكلّ واحد مالك لالتزام طرفه و حلّ هذا الالتزام العقدي إمّا بالإقالة أي ردّ كلّ منهما إلى طرفه الالتزام الّذي ملكه أو بفسخ أحدهما إذا كان مالكا لكلا الالتزامين الّذي يعبّر عنه بالخيار فحقيقة الإقالة هي الفسخ لا البيع ثانيا

غاية الأمر لا يتحقّق حلّ العقد إلّا بتجاوز كلّ منهما عن حقّه لأنّ كلّ واحد لا يملك إلّا أحد طرفي العقد و حقيقة الخيار هي ملك كلا الالتزامين أحدهما السّلطنة على التزام صاحبه الّذي ملكه بالعقد الّذي به جاز له الإقالة الثّاني السّلطنة على التزام نفسه الّذي ثبت له شرعا كخيار المجلس و الحيوان أو بجعل منهما كخيار الشّرط أو بتخلّف الشّروط الضّمنية كخيار الغبن و العيب و نحو ذلك

إذا عرفت ذلك ظهر الفرق بين الخيار و الجواز الحكمي و اللّزوم العقدي و الحكمي فإنّ الجواز الحكمي مقابل للّزوم الحكمي و أمّا الخيار هو مقابل للّزوم العقدي الّذي هو حقّ من الحقوق فإنّه عبارة عن سلطنة كلّ من المتعاقدين على التزام الآخر فكلّ منهما مسلّط و مسلّط عليه

ص: 154

و على هذا فلا شبهة أن الخيار قابل للإسقاط و الانتقال إلى غيره بعد ما ثبت إجماعا أنّه ليس لنفس ذي الخيار خصوصيّة بها يقوم به حتى ينتفي بموته أو جنونه

[بقي الكلام في أنّ إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال]

قوله قدّس سرّه بقي الكلام في أنّ إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال إلى آخره

لا يخفى أنّ المسلّم من عدم تبعيّة إرث الخيار لإرث المال إنما هو بالنّسبة إلى الدّين المستغرق لتركة الميّت فإنّه لو قيل بعدم انتقال التّركة إلى الوارث فلا تلازم بينه و بين عدم انتقال الخيار إليه

و أمّا بالنّسبة إلى الزّوجة المحرومة من العقار و غير الأكبر من الأولاد المحروم من الحبوة فظاهر المشهور هو التّلازم و كيف كان ففي إرث الوارث للخيار المتعلّق بالمال الّذي لا يرث منه وجوه ثالثها التّفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا إلى الميّت أو عنه فيرث في الأوّل دون الثاني

و رابعها عدم الجواز في هذه الصّورة و الإشكال في غيرها و قبل بيان مدرك الوجوه ينبغي التّنبيه على أمر و هو أنّ النّزاع في إرث الزوجة الخيار المتعلّق بما تحرم عنه و هكذا إرث غير الولد الأكبر الخيار المتعلّق بالحبوة إنّما هو بعد الفراغ عن أنّ إرث الخيار ليس كإرث حق الشّفعة فإنّ أصل ثبوت خيار الشّفعة للشريك إنّما هو بمعنى ثبوت حقّ إبطال المعاملة و إرجاعها إلى نفسه بالثّمن الّذي اشترى المشتري به فإرثه عبارة عن انتقال هذا الحقّ إلى الوارث بأن يرجع المعاملة إلى نفسه بالثمن من ماله و أمّا إرث الخيار فليس عبارة عن حقّ إرجاع المعاملة إلى نفسه بل عبارة عن حق حلّ المعاملة و إرجاع ما انتقل عن الميّت إليه ثم إرث الوارث منه فلا تلازم بين ثبوت حقّ الشّفعة للوارث و ثبوت حق الخيار له

و بعبارة أخرى الأقوال الأربعة في إرث الزّوجة الخيار مبتنية على أن يكون الفسخ حلّا للعقد و أن يكون كالإقالة على مذهب الخاصّة لا أن يكون كالأخذ بالشّفعة و كالتملّك الجديد

ثم إنّه لا تلازم أيضا بين إرث حقّ الإقالة و حقّ الخيار لما عرفت أنّ الخيار ملك كلا الالتزامين و أمّا ما به يقدر على الإقالة فهو ملك التزام الطّرف و هو ليس تابعا لإرث المال و إلّا لزم أن يكون الطّرف مالكا للفسخ دون الوارث لأنّ الطّرف مالك لالتزام الميّت من دون أن يملك الوارث التزام الطّرف فمن عدم قدرته على الفسخ نستكشف أنّ الالتزام الّذي كان الميّت مالكا له يملكه الوارث و هذا البرهان لا يجري في الخيار لأنّ من عليه الخيار لا يملك التزام طرفه

و كيف كان فالأقوال في المسألة مبتنية على أن يكون الخيار حلّا للعقد إذا عرفت ذلك فنقول الوجه لعدم إرث الخيار مطلقا هو أنّ الخيار على ما تقدّم ملك كلا الالتزامين و لا يمكن أن تملك الزّوجة مثلا كليهما لأنّ الأرض لو انتقلت عن الميّت فهي ليست مالكة لالتزام نفسها و لو انتقلت إليه فهي ليست مالكة لالتزام الطّرف لأنّ الأرض لغيرها من الورثة فلو أراد البائع أن يفسخ البيع و يردّ الأرض إلى نفسه ليس للزّوجة منعه عنه

و وجّهه المصنف قدّس سرّه بوجه آخر فقال و الخيار حقّ فيما انتقل عنه بعد إحراز تسلّطه على ما وصل بإزائه و لا يخفى أنّ هذا نظير ما أفاده في خيار المجلس من عدم ثبوته للوكيل الغير المفوّض و هذا الوجه بظاهره لا يستقيم في كلا المقامين لوضوح أنّ الخيار حق متعلّق بالعقد لا بما انتقل عنه و لا يتوقّف على السّلطنة على المنتقل إليه أيضا و إلّا لم يثبت للأجنبيّ و لا للورثة مع استغراق الدين

و لكنّه يمكن أن يكون مقصوده أنّ الخيار و إن كان متعلّقا بالعقد إلّا أنّه لا بما هو في حيال نفسه بل لكونه طريقا لاسترجاع ما انتقل عنه و ردّ ما انتقل إليه فإذا كان الوارث محروما عن أحدهما فلا معنى لفسخه

و أمّا وجه ثبوت الخيار لها مطلقا كما قوّاه

ص: 155

صاحب الجواهر فهو أنّ الخيار ليس إلّا السّلطنة على الفسخ و الإمضاء و هو متعلّق بالعقد على ما عرفت من تعريفه في بحث الخيار من أنّه ملك فسخ العقد و إقراره و لا ربط له بالمنتقل عنه أو إليه حتّى تحرم الزّوجة عنه و لذا صحّ جعله للأجنبي و لا ينافي ذلك ما قيل من أنّه ملك كلا الالتزامين فإنّ مالكيّة الالتزامين لها معنيان أحدهما صحيح و ثابت في المقام و هو التسلّط على الفسخ و الإمضاء فإنّ هذا اعتبار عقلائي كان للمورث فيرثه وارثه و ذلك ليس تابعا للملك و بهذا المعنى يصحّ جعله للأجنبيّ

و الثّاني هو الملك المطلق بحيث يكون له السّلطنة على طرد غير ذي الخيار و منعه عن الفسخ و هذا لا دليل على اعتباره

و أمّا وجه ثبوت الخيار لها إذا انتقلت الأرض إلى الميّت كما اختاره فخر المحقّقين و فسّر به عبارة والده في القواعد فلأنّ به تستجلب الثّمن فإنّ ملك بائع الأرض للثّمن لما كان متزلزلا حين حياة المورّث اقتضى بقاء هذا التّزلزل بعد موته ثبوت حقّ للزّوجة و إن لم يكن لها تسلّط على نفس الأرض و هذا القول هو الظّاهر من القواعد قال قدّس سرّه الخيار موروث بالحصص كالمال في أيّ أنواعه كان إلّا الزّوجة غير ذات الولد على أشكال أقربه ذلك إن اشترى بخيار لترث من الثّمن انتهى فإنّ الظّاهر أنّ المشار إليه في قوله أقربه ذلك هو الإرث كما فسّر به الفخر و السيّد عميد الدّين و الشّهيد

و أمّا وجه عدم ثبوت الخيار لها في هذه الصّورة كما اختاره جامع المقاصد و فسّر به عبارة القواعد و قال إنّ المتبادر أن المشار إليه بقوله ذلك هو عدم الإرث الّذي سيقت لأجله العبارة فلأنه إذا انتقلت الأرض إلى الميّت لا ترث الزّوجة منها بل هي حقّ لباقي الورثة استحقّوها بالموت فكيف تملك الزّوجة إبطال استحقاقهم إلى أن قال و أيضا فإنّها إذا ورثت في هذه الصّورة وجب أن ترث فيما إذا باع الميّت أرضا بطريق أولى لأنّها ترث حينئذ من الثّمن و أقصى ما يلزم من إرثها من الخيار أن يبطل حقّها من الثّمن و هو أولى من إرثها حق غيرها الّذي اختصوا بملكها انتهى

و الأقوى من هذه الوجوه هو ما اختاره فخر المحقّقين و توضيحه يتوقف على الإشارة إلى أمور تقدم التّنبيه عليها الأوّل أنّ العقد بمدلوله الالتزامي يدلّ على التزام كلّ من المتعاقدين بمالكيّة صاحبه لما انتقل عنه إليه و هذا معنى لزوم العقد و حلّه إمّا برد كلّ منهما التزام صاحبه الّذي هو مقوم مالكيّته لما انتقل إليه و إمّا بالسّلطنة على كلا الالتزامين و الأوّل هو الإقالة و الثّاني هو الخيار الثّاني أنّ اعتبار الحقوق الّتي هي من الأمور الاعتبارية النّفس الأمريّة تارة على وجه الموضوعيّة سواء كانت من الحقوق المتقوّمة لشخص خاصّ كحق المضاجعة و الحضانة أم لا كحقّ القصاص و حدّ القذف و أخرى على وجه الطّريقيّة لاكتساب المال و جلب منافع الأموال كحقّ الخيار الثالث أنّ ثبوت الخيار للوارث ليس من جهة تبعيّته للملك فإنّ هذا لا يختصّ بالحقّ بل الحكم أيضا يثبت للوارث إذا انتقل المال إليه كحق إجازة العقد الواقع فضولا في ملك المورّث

إذا عرفت ذلك ظهر بطلان القول بإرث الخيار لها مطلقا لأنّ هذا الحقّ حيث اعتبر لجلب المال لا يمكن أن ترثه الزّوجة إذا انتقلت الأرض عن الميّت و لا ينافي ذلك كون الخيار عبارة عن التسلّط على الفسخ و الإمضاء و عدم كونه تابعا لإرث المال لأنّ انتقاله إلى الوارث يتوقّف على كون الحقّ متروكا بحيث لو لم يملكه الوارث لبقي الحقّ بلا مستحقّ و كونه متروكا يتوقّف على إثبات كونه ممّا يستجلب به شي ء إمّا لنفس ذي الحقّ

ص: 156

أو لغيره كالأجنبي و لا ندّعي امتناع ثبوت الخيار لمن ليس مالكا للمال شرعا أو عقلا حتّى ينتقض بثبوته للأجنبي

إن قلت لا إشكال في بقاء هذا الحق بعد الميّت و لذا يرثه سائر الورثة فلو كان باقيا و لم يكن تابعا للمال بل كان مجرّد السّلطنة على الفسخ و الإمضاء ترثه الزّوجة أيضا قلت بقاؤه لسائر الورثة لا يلازم إرث الزّوجة منه سواء قيل بأنّ الوارث يستحقّ الخيار بالحصّة أو قيل بكونه قائما بالمجموع أو قيل بأن لكلّ وارث خيارا مستقلّا أمّا على الأوّل فواضح لأنّ الزّوجة ليست لها حصّة و أمّا على الأخيرين فلأنّ اعتبار اجتماعها معهم أو ثبوته لها بالاستقلال أوّل الكلام لإمكان كونها كالوارث القاتل أو الكافر فإثباته لها لبقائه لسائر الورثة لا وجه له

و ظهر بطلان القول بعدم الإرث مطلقا لأنّ مبناه على أن يكون أدلّة الخيار مسوقة لبيان تسلّط ذي الخيار على ما انتقل عنه بعد الفراغ عن تسلّطه على ما انتقل إليه و لذا لا يثبت للوكيل في إجراء الصّيغة و المبنى ممنوع لأنّها مسوقة لبيان تسلّط ذي الخيار على الفسخ و الإمضاء و هذا التّسليط ليس تابعا للتّسلّط على المال المنتقل عنه و إليه و عدم تسلّط مجرى الصّيغة على الفسخ و الإمضاء إنّما هو لاعتبار قيد في الموضوع و هو كونه بيّعا الّذي هو فاقد له لا لعدم تسلّطه على المالين هذا مع أنّ المورّث في المقام كان مسلّطا على ما انتقل إليه و كان الخيار ثابتا له فإذا كان لأدلّة الإرث إطلاق فمقتضاه ثبوته للوارث و لو لم يكن مسلّطا على ما انتقل إلى الميّت لما عرفت في الأمر الثّالث من أنّ إثبات الحقّ للوارث ليس من جهة تبعيّته للملك فإنّ ذلك لا يختصّ بالحقّ بل الحكم أيضا كذلك

و ظهر بطلان القول بالإرث إذا انتقلت الأرض عن الميّت لأنّها بالفسخ لا تستجلب شيئا و هذا بخلاف ما إذا انتقلت إليه فإنّها تستجلب الثّمن فلا مانع من سلطنتها على التزام الميّت بكون الثّمن باقيا في ملك الطّرف فإنّه بعد أن ثبت أنّ هذا الالتزام بيد الميّت و كونه مالكا له كملكيّته لالتزام الطّرف بكون الأرض باقية في ملك الميّت و ثبت بأدلّة الإرث أنّ ما كان للميّت فهو لوارثه فيثبت لها ملكيّة هذا الالتزام و إن حرمت عن التزام صاحب الميّت للميّت لعدم إمكان توصّلها به إلى الأرض المنقلة إلى الميّت لأنّ أثر الحرمان عن الأرض الموجب لحرمانها عن مالكيّة التزام طرف الميّت ليس إلّا عدم إمكان الإقالة لها و أمّا من حيث دخل ذلك الالتزام في حلّ العقد فيدخل في عموم أدلّة الإرث

و بعبارة واضحة لا شبهة أنّ التزام الميّت فيما انتقل عنه ترثه الزّوجة لأنّ سلطنتها عليه طريق لاسترجاع الثّمن و أمّا التزام الطّرف بكون الأرض باقية في ملك الميّت فله حيثيّتان حيثيّة كون الأرض متقوّمة به فهي لسائر الورثة و لهم الإقالة و رد هذا الالتزام دون الزّوجة و حيثيّة مدخليّته في الفسخ و قدرة ذي الخيار عليه و من تلك الجهة من لوازم الخيار الّذي هو حقّ مالي تتوصّل الزّوجة به إلى الثمن فتأمّل

ثمّ إنّه قد يجعل مبنى الأقوال الأربعة الاختلاف في حقيقة الخيار فلو قيل بأنّه ملك إقرار العقد و إزالته فترثه مطلقا و لو قيل بأنّه السّلطنة على الرّد و الاسترداد في عرض واحد فلا ترثه مطلقا لأن الأرض لو كانت منتقلة عن الميّت ليس لها السلطنة على الاسترداد و لو كانت منتقلة إليه ليس لها السّلطنة على الرّد و لو قيل بأنّه السّلطنة على الرّد و يتبعه الاسترداد قهرا لا ترثه لو كانت الأرض منتقلة إلى الميّت و أمّا لو كانت منتقلة عنه فترثه لأنّ لها

ص: 157

السّلطنة على ردّ الثّمن و لو قيل بأنّه السّلطنة على الاسترداد و يتبعه الرد قهرا فالأمر بالعكس

و فيه أنّ الخيار عبارة عن التّسلط على الحلّ و الإمضاء و الرّد أو الاسترداد خارج عن حقيقته و منشأ الأقوال الأربعة مع الاعتراف بأن حقيقة الخيار ذلك إنّما هو للنّزاع في اعتبار قيد في دليل الإرث و عدمه و هو كون هذا الحقّ طريقا لاسترجاع العين أو أنّه لوحظ بحيال نفسه

و على أيّ حال كون الخيار عبارة عن الرّد وحده لا معنى له فإنّ ذلك هبة و كذلك الاسترداد استيهاب و الرّد و الاسترداد إمّا هبتان أو تبديل مال بمال هذا كلّه لو أريد من الرّد و الاسترداد الرّد إلى الشّخص و أمّا لو أريد منه الرّد إلى الملك فالرّد إليه لا يمكن إلّا بحلّ العقد و إبطاله فمن دون حلّه كيف يمكن أن يردّ العوضان إلى ما كانا قبل العقد مع أنّه لو أمكن ذلك فلا محالة يملك الرّد و الاسترداد في عرض واحد لأنّ الرّد إلى الملك عبارة عن إبطال التّبديل الواقع أوّلا و التّبديل ليس تبديلا مكانيّا حتّى يلاحظ الرّد أحد العوضين أوّلا و الآخر ثانيا بل اعتباري و يحصل في كلّ منهما في رتبة واحدة و في زمان واحد

[مسألة في كيفيّة استحقاق كلّ من الورثة الخيار مع أنّه شي ء واحد غير قابل للتّجزية]
اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة في كيفيّة استحقاق كلّ من الورثة الخيار مع أنّه شي ء واحد غير قابل للتّجزية إلى آخره

لا يخفى أنّ الوجه الأوّل و هو استحقاق كلّ واحد منهم خيارا مستقلّا كمورثه بحيث يكون له الفسخ في الكلّ و إن أجاز الباقون بمعنى تقديم الفاسخ على المجيز و إنّ تأخّر فسخه ممتنع ثبوتا فإنّ الملك و الحقّ و الاستيلاء و كلّ ما يتصوّر من الإضافات و الاعتبارات الّتي وجوداتها العينيّة هي عين جعلها ممّن بيده جعلها و إيجادها لا يعقل أن تكون مع وحدتها مملوكة أو مضافة إلى اثنين بتمام الملكيّة و الإضافة بحيث كان لكل منهما منع الآخر عن التّصرف فيها إذ كما لا يمكن توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد كذلك لا يمكن أن يكون ملك واحد بتمامه لمالكين و حقّ واحد بتمامه لمستحقّين

و ما يقال من أنّ الملك حيث كان من الاعتباريّات فلا مانع من اعتبار مالكين لملك واحد فقد ظهر جوابه في عقد الصّبيّ من أنّ الاعتبار الصّحيح هو المدار في الاعتباريّات لا التّخيّلات و الفرضيّات و يمتنع أن تكون إضافة واحدة قائمة باثنين و ما يمكن ثبوته لهما مع فرض وحدته هو حقّ المطالبة أو حقّ الاستيفاء فثبوت حقّ الخيار للأب و الجدّ إذا جنّ العاقد أو ثبوته لحاكمين مستقلّا ليس من باب قيام إضافة واحدة بشخصين فإنّ الحقّ قائم بنفس المجنون و إنّما يكون للولي إعماله فلا يصحّ قياس إرث حقّ الخيار على إرث حقّ حدّ القذف لأنّ الحقّ الّذي ثبت للمورّث في القذف هو حقّ مطالبة الحد لا أنّ له إضافة إلى الحدّ فإنّ الحدّ جزاء شرع للتشفّي فله المطالبة به و له العفو

و بالجملة الّذي يمتنع ثبوته لشخصين مستقلّا و في عرض واحد هو ما يكون من قبيل الملك لا ما يكون من قبيل الولاية و حقّ الاستيفاء أو المطالبة و حقّ حدّ القذف و إن جاز لكلّ من الورثة إعماله من دون المراجعة إلى غيره إلّا أنه نظير حقّ حدّ السّرقة و الزّنا لكل فقيه فلو دلّ الدّليل على أنّ حدّ القذف لا يسقط بعفو بعض المستحقّين فلا يستكشف عنه أن ملك الخيار أو المال يمكن أن يكون بتمامه لاثنين مستقلا و في عرض واحد لإمكان أن يكون هذا الدّليل في مقام إثبات السّلطنة لهما على المطالبة بحيث لو لم يكن هذا الدّليل لقلنا بمقتضى أدلّة الإرث أنّ حقّ الحدّ بمقدار حقّهم من إرث المال و لا يقاس إرث الخيار أيضا على إرث الشّفعة لقيام الدليل

ص: 158

على أنّ الشّريك المتعدّد الطّاري أو الابتدائي كالشّريك الواحد إمّا مطلقا أو إذا كان شريكه الآخر غائبا فإذا انتقل المال إلى الورثة يصير كلّ واحد منهم شريكا لانطباق عنوان الشّراكة عليه فلو أراد كلّ منهم إعمال الحقّ يقع التّزاحم و إذا أسقط أحدهم حقّه فللآخر إعماله و هذا الحكم في ابتداء العقد خلافيّ إلّا أنّ الظّاهر هو الاتّفاق في ثبوته للورثة المتعدّدة فلا محالة يكون كيفيّة ثبوته لهم نظير كيفيّة ثبوته للمتعدّد حين العقد لو قيل به و هذا لا ربط له بإرث الخيار مستقلّا لأنّ كيفيّة ثبوته للمتعدّد هي الشّركة بينهم لو أخذ الكل بالشّفعة و إلّا يقع بينهم التّزاحم و أمّا لو أخذ واحد منهم دون غيره فهذا بمنزلة تفويض المسقط حقّه إلى غيره

ثمّ لا يخفى أنّ حقّ القصاص أيضا ليس ممّا يستقلّ به كلّ وارث لأنّه لو كان كذلك لم يكن وجه لردّ الدّية بمقدار حقّ غير الآخذ بالحقّ إلى أولياء المقتصّ منه فإمكان استيفاء الحقّ من كلّ واحد كإمكان الأخذ بالشّفعة لكلّ واحد مع رجوع المال المأخوذ إلى الجميع و هذا ليس عبارة عن استقلال كلّ واحد على الأخذ بالحقّ

و حاصل الكلام أنّ استحقاق كلّ واحد من الورثة خيارا مستقلّا في عرض الآخر بحيث ينتج تقديم الفاسخ على المجيز كما في خيار المجلس للمتعاقدين ممّا لا يمكن ثبوتا و استحقاق كلّ واحد منهم على نحو استقلال الوكيل المفوّض و موكّله بحيث ينتج تقديم السّابق مجيزا كان أو فاسخا و إن أمكن ثبوتا إلّا أنه لا دليل عليه إثباتا لأنّ ظاهر أدلّة الوراثة أنّ الحقّ كالمال يتخصّص و ليس هنا دليل آخر يدلّ على استحقاق كلّ منهم مستقلّا و لم يقم برهان على أنّ الشّارع جعل لكلّ منهم ذلك و لا على أنّ المورّث اشترط على صاحبه أن يكون لكل من ورثته الخيار فالوجه الأوّل لا أساس له سواء قيل بأنّ الحق الواحد الفعلي قائم بالمتعدّد أو قيل بأنّ حقّ الاستيفاء قائم بهم إلّا أن يقال إن مقتضى ورود الحكم على العام أو المطلق هو استقلال كلّ فرد من الأفراد و هذا المعنى حيث يمتنع بالنّسبة إلى المال أو الحقّ على نحو اجتماع الملاك المتعدّدة على ملك واحد فيلتزم بتقسيم المال و الحقّ بالحصص

و أمّا استقلال كلّ منهم على نحو الوكلاء المتعدّد أو المولى و العبد بالنّسبة إلى مال العبد و نحو ذلك فيجب الأخذ بظهور العام أو المطلق لأنّه لا دليل على امتناع ثبوت حقّ واحد في سائر الحقوق للمتعدّد كحق القصاص و حدّ القذف و الشّفعة فإنّ الأوّلين عبارتان عن حقّ الاستيفاء و الثّالث عبارة عن حقّ أن يملك كحق الإحياء و هكذا ثبت حقّ السّبق للمتعدّد و إنّما الممتنع إعمال هذا الحقّ للمتعدّد للتّزاحم بينهم فإذا أسقط بعضهم حقّه فللباقي إعماله و على هذا فلو دلّ دليل الإرث على أنّ ما تركه الميّت فلكلّ واحد من ورثته فالأخذ بظهوره و هو ثبوت هذا الحق للمتعدّد مستقلّا لا مانع منه هذا تمام الكلام في الوجه الأوّل

و أمّا الثّاني أي استحقاق كلّ منهم خيارا مستقلّا في نصيبه فهو أصحّ الوجوه كما اختاره العلّامة في القواعد و قال الخيار موروث بالحصص كالمال لأنّ ظاهر قوله ص ما ترك الميّت من حقّ فلوارثه أن يكون إرث الحقّ كإرث المال و أن يكون جنس الوارث واحدا كان أو متعدّدا قائما مقام المورث و أن تكون الإضافة الخاصّة به قائمة بهذه الطّبيعة بمطلق وجودها و لازم ذلك استحقاق الفسخ و الإجازة لكلّ واحد في مقدار نصيبه إلّا أنّه ينافي ذلك تبعّض الصّفقة على طرف الميّت و مقتضى الشّرط الضّمني الّذي التزم به الميّت من عدم تبعّض الصّفقة عليه عدم نفوذ إعمال الخيار لكلّ واحد مستقلا بل لا بدّ من اتّفاقهم على الفسخ و الإجازة إلّا أن يرضى الطّرف

ص: 159

بالتّبعّض أو اشترط عليه المورّث أي جعل لنفسه خيار الفسخ في البعض و إلّا فالورثة ملزمون بعدم التّشقيص قضيّة للشّرط الضّمني المقتضي للنّفوذ وضعا و ما أفاده المصنف قدّس سرّه من جواز الفسخ لبعض الورثة غايته ثبوت خيار التّبعض لمن عليه الخيار مبنيّ على عدم اقتضاء الشّرط الوضع و النّفوذ و هو خلاف التحقيق و مناف لمختاره أيضا إلّا أن يقال إنّ العقد باعتبار تعدّد الورثة ينحل إلى عقود و التّعدد الطّاري كالتّعدد الابتدائي و لكن سيجي ء في آخر البحث فساده

و أمّا الثّالث و هو استحقاق مجموع الورثة لجميع الخيار بأن لا يتعدّد الحقّ و لا المستحقّ الّذي لازمه عدم جواز الفسخ و لا الإجازة من البعض فمبنيّ على ما أفاده قدّس سرّه من الفرق بين إرث الحقّ و المال و إن كان دليلهما واحد و هو أنّ المال قابل للتّجزية فيقسم على حسب السّهام و الحقّ أمر بسيط غير قابل للتّجزية فيشتركون فيه

و فيه أنّ عدم قابليّته للتّجزية مبنيّ على أن يكون من الحقوق الموضوعيّة التي مطلوبيتها عند العقلاء باعتبار أنفسها لا باعتبار كونها طريقا للتّوصل إلى المال و قد تقدّم أنّه طريق لاستجلاب المال و استرداد المنتقل عنه بالفسخ و إبقاء المنتقل إليه بالإجازة فلا مانع من تجزيته بتجزية الأموال بل لا محيص عن ذلك لما عرفت من أنّ حقيقته هي سلطنة أحد المتعاقدين أو كليهما على التزام نفسه بكون المنتقل عنه في ملك صاحبه و التزام صاحبه بكون المنتقل إليه في ملكه و أحد الالتزامين يملكه بالعقد و الآخر بالجعل الشّرعي أو المالكي بحيث لو لم يكن هذا الجعل كان كلّ واحد من الورثة ملزما بما التزم به المورّث و لا شبهة أنّ لزوم التزامه بما التزم به المورث إنّما هو بمقدار حصّته من المال و لا وجه لأن يلتزم بما في يد سائر الورثة فإذا كان وجوب التزامه بمقدار نصيبه من المال فكذلك سلطنته على الالتزام أيضا بمقدار نصيبه من المال و هذا ينتج الوجه الثّاني

و أمّا الوجه الرّابع و هو قيام الخيار بالمجموع من حيث تحقّق الطبيعة في ضمنه فمبنيّ على أن يكون إرث الخيار ثابتا لصرف الوجود من الوارث لا لمطلق الوجود و حيث إنّ صرف الوجود قائم بكلّ واحد من الورثة فكلّ من بادر إلى إعمال الحقّ فسخا كان أو إجازة ينفذ في حقّ الجميع و لا عبرة بما يقع متأخّرا

و فيه أنّ المتبادر من أدلّة الإرث كون الحكم شموليّا لأنّ البدليّة و قيام الطّبيعة بفرد ما و بصرف الوجود يتوقّف على مئونة زائدة في مقام الثبوت و الإثبات فلو جي ء بتنوين التّنكير كما في قوله جئني برجل أو تعلّق الأمر بالطّبيعة كقوله صلّ فلازمه كفاية الفرد في مقام الامتثال أمّا التنوين فلأنّها وضعت لإفادة الفرد المنتشر و أمّا الأمر فلأنّ المادّة و إن كانت مجرّدة عن الطّبيعة و الفرد إلّا أنّ الهيئة حيث دلّت على طلب الطّبيعة و طرد العدم فبمجرّد وجود الطّبيعة و بأوّل وجودها و أمّا لو جعلت الطّبيعة موضوعا للحكم كما في قوله لا تشرب الخمر و ما تركه الميّت فلوارثه فظاهر الخطاب يقتضي أن يكون كلّ فرد من أفراد الطّبيعة موضوعا للحكم مستقلّا

و بالجملة ما أفاده قدّس سرّه من قيام الخيار بالمجموع من حيث تحقّق الطّبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا و إن كان تحقيقا دقيقا و لازمه وحدة الحقّ و المستحقّ بقيام الحقّ الواحد بصرف الوجود من الوارث و ينتج نفوذ إعمال الحقّ من كلّ من بادر إليه و صحّة قيامه بالمجموع فسخا أو إجازة من حيث كونه مصداقا للقدر الجامع لا بما هم هم و كونه كالفسخ و الإمضاء من ذي الخيار بتصرّف واحد لو اختلفوا في الفسخ

ص: 160

و الإمضاء مقارنا إلّا أنّه يرد عليه أوّلا أنّ عنوان الوارث ليس عنوانا واقعيّا ثابتا لهم حتّى يمكن أن يكون الخيار قائما بصرف الوجود منه بل عنوان انتزاعيّ من نفس دليل الإرث فموضوع الحكم ليس إلّا الأشخاص و إطلاق الوارث عليهم إنّما هو من قبيل من قتل قتيلا فله سلبه

و ثانيا لو كان مراده قدّس سرّه من الطّبيعة الجامعة هي الإضافة الخاصّة الّتي بينهم و بين المورث الّتي بها ينتقل ماله إليهم لا إلى غيرهم لا ما هو ظاهر كلامه من كونها عنوان الوراثة فظاهر الأدلّة لا يساعد على ذلك لوضوح أن كيفيّة الاستحقاق بالنّسبة إلى الأموال و الحقوق على نهج واحد و لا شبهة أنّ المال يرثه الأشخاص على سبيل العام الاستغراقي لا المجموعي بكلا معنييه

فالوجه الثّالث و الرّابع ممّا لا دليل عليه و إن لم يمتنع ثبوتا كما اعترف به قدّس سرّه بالنّسبة إلى الوجه الرّابع و أمّا الوجه الأوّل فقد عرفت امتناعه ثبوتا فانحصر الوجه الصّحيح في الوجه الثّاني و قد عرفت أنّه يشترك مع الوجه الثّالث في أنّ نفوذ الفسخ و الإمضاء يتوقّف على اتّفاقهم غاية الفرق بينهما أنّ عدم نفوذ الفسخ أو الإجازة من البعض في الوجه الثّالث إنّما هو لعدم المقتضي و أمّا في الوجه الثّاني فلوجود المانع و هو تبعّض الصّفقة على طرف الميّت

نعم لو قلنا بأنّ التعدّد الطّاري من قبل الوراثة كالتّعدد الابتدائي فلا مانع من إعمال كلّ منهم حقّه مستقلا فالصّواب تنقيح هذا المعنى الّذي دار في ألسنة الأعلام و تنقيحه يتوقّف على بيان الفرق بين قولهم في بعض الموارد إنّ العقد واحد لا يتبعّض و قولهم إنّ العقد ينحلّ إلى عقود متعدّدة

فنقول مورد الأوّل هو العقد الصّادر من واحد المتعلّق بشي ء واحد كما لو بيع حيوان أو المتعلّق بشيئين متّفقي الحكم كما لو بيع حيوانان فإنّه لا يجوز للمشتري الفسخ في البعض و الإمضاء في غيره لأنّ الالتزام الواحد لا يقبل التّبعيض و التّفرقة بين أجزاء المنشإ من النّصف و الثّلث و الرّبع تنافي الشّرط الضّمني الّذي بناء المتعاقدين عليه و هو مقابلة مجموع المبيع لمجموع الثّمن و لذا لو كان المبيع مشتركا بين مالكين و لم يعلم به المشتري لو فسخ أحدهما يثبت خيار تبعّض الصّفقة للمشتري

و مورد الثّاني هو الجمع بين مختلفي الحكم في عقد واحد سواء كان منشأ الاختلاف الاختلاف في المالكين كما لو جمع بين ملك نفسه و ملك غيره في المبيع أو في اللّزوم و الجواز كما لو جمع بين الحيوان و غيره أو في الصّحة و الفساد كالجمع بين الشّاة و الخنزير فإنّ الإنشاء و إن كان واحدا في هذه الموارد إلّا أنّه حيث جمع بين المختلفات فينحل منشؤه و التزامه إلى متعدّد فيتبع كلّ واحد حكمه إذا كان المشتري عالما بذلك و ذلك واضح لأنّه إذا كان المالك متعدّدا مثلا فلا معنى لالتزام كلّ منهم بكون المبيع بتمامه باقيا في ملك المشتري لأنّه لا معنى لالتزامه بما هو من وظيفة شريكه إلّا إذا كان وكيلا مفوّضا عنه

إذا عرفت ذلك فنقول أصل تعدّد الحق بموت المورّث لا ينبغي الشّبهة فيه فإنّه لا ينافي ذلك كون الحقّ واحدا في ابتداء العقد فإنّ مناط انحلال العقد إلى العقود المتعدّدة موجود في المقام و هو عدم إمكان التزام كلّ واحد من الورثة بالنسبة إلى نصيب الآخر

و طرو التعدّد على العقد الواحد ليس بعزيز كما لو تلف بعض المبيع قبل القبض أو في زمان الخيار أو خرج بعضه عن المالية كما إذا صار الخل خمرا إلّا أنّ مجرّد تعدّد العقد و انحلاله إلى العقود لا يؤثّر في جواز الفسخ بالنّسبة إلى كلّ واحد من الورثة لأنّ مالكيّة الطّرف لالتزام المورث تقتضي عدم تسلّط كلّ منهم بمقدار

ص: 161

نصيبه بل يتوقّف فسخهم و إجازتهم على اتّفاقهم مثل الوجه الثّالث إلّا أنّ الفرق بينهما أنّه على الوجه الثّاني يجوز لكلّ واحد من الورثة الإجازة دون الثالث لأنّها تدور مدار رضا الطّرف فلو رضي بها فقد أسقط حقّه و هكذا لو رضي بالتّشقيص يجوز لكلّ واحد فسخ البيع بالنّسبة إلى حقّه دون الوجه الثّالث لأنّه لو كان الحقّ قائما بالمجموع فرضا الطّرف لا يفيد جواز إعمال الخيار لكلّ واحد و أمّا لو كان الحقّ لكلّ واحد منهم مستقلّا بمقدار نصيبه فرضا الطّرف يؤثّر في صحّة إعمال الحقّ لكلّ واحد

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ التّعدد الطّاري ليس كالتّعدد الابتدائي و هذا النّزاع يجري في مثل الرّهن و الشّفعة و نحوهما و أنّه فرق بين ما كان الرّاهن متعدّدا ابتداء و بين ما إذا عرض التّعدد كما لو تعدّد ورثة الرّاهن أو المرتهن فإنّ تعدّد الوارث و إن أوجب تعدّد الحقّ بمقدار نصيبه من المال إلّا أنّ إعماله يتوقّف على اتّفاقهم هذا تمام الكلام في أصل المسألة و أمّا كلمات الأساطين فقابلة للحمل على المختار و على ما اختاره المصنف من الوجه الثّالث بل ظاهر عبارة القواعد و الدّروس و المسالك أنّ المانع من إعمال الخيار هو تبعّض الصّفقة على المشتري لا قيام الخيار بالمجموع

نعم عبارة الإيضاح موهمة لذلك فإنّ قوله قدّس سرّه في توجيه المنع بأنّه لم يكن لمورّثهم إلّا خيار واحد ظاهر في أنّ الخيار الثّابت للورثة خيار واحد قائم بالمجموع و لكنّه بعد التّأمّل في كلامه يظهر أنّ مقصوده أنّ التّعدد الطّاري ليس كالتّعدد الابتدائي

و ما ذكره قدّس سرّه في توجيه كلام العلّامة في اعتبار توافق الورثة في إعمال خيار العيب من

قوله قدّس سرّه إنّ المراد بوجود التّوافق وجوبه الشّرطي و معناه عدم نفوذ التّخالف و لا ريب أنّ عدم نفوذ التّخالف ليس معناه عدم نفوذ الإجازة من أحدهم مع فسخ صاحبه بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون إجازته و هو المطلوب

لا يخفى ما فيه فإن عدم نفوذ فسخ صاحبه مع عدم إجازة الشّريك الآخر هذا الفسخ مرجعه إلى عدم نفوذ إجازة بعضهم مع فسخ الآخر لأنّ مقتضى اعتبار التّوافق أن يكون الفسخ و الإمضاء كلاهما بالاتّفاق فلا يمكن أن تكون الإجازة من أحدهم نافذة دون فسخه فمراد العلّامة من اعتبار التّوافق أنّه لولاه لزم التّقرير و كذا ما استظهره من عبارة العلّامة لترث من الثّمن و هو

قوله إنّ هذا الكلام قد يدلّ على أنّ فسخ الزّوجة فقط كاف في استرجاع تمام الثّمن إلى آخره

لا يخفى ما فيه فإنّ قول العلّامة لترث من الثّمن حيث وقع بعد قوله الخيار موروث بالحصص ظاهر في استقلال كلّ واحد من الورثة في مقدار حصّته من المال لا في استقلال كلّ واحد في استرجاع تمام الثّمن

[فرع إذا اجتمع الورثة كلّهم على الفسخ فيما باعه مورّثهم]

قوله قدّس سرّه فرع إذا اجتمع الورثة كلّهم على الفسخ فيما باعه مورّثهم إلى آخره

لا يخفى أنّ ما ذكره من التّفصيل بين ما كان للميّت مال و ما لم يكن و ما أفاده من التّقابل بين ثبوت حقّ انحلال العقد للورثة و قيامهم مقام الميّت ممّا ينافي ما اختاره في غير المقام

و توضيح ذلك أنّه قد تقدّم أنّ حقيقة الإرث هي تبدّل المالك أو المستحقّ لا تبدّل الملك أو الحقّ ففي إرث الحقّ تنحلّ الإضافة الّتي أحد طرفها قائمة بالحق طرفها الآخر بالمستحق من طرف المستحقّ و تقوم بشخص آخر مع بقاء الحقّ على ماله و هكذا في إرث المال و هذا بخلاف البيع فإنّ فيه يتبدّل الملك لا المالك فإذا كان ذلك حقيقة الإرث فيتفرّع عليه أمور

الأوّل أنّه لا بدّ أن ينتقل إلى الوارث حقّ حلّ العقد

ص: 162

و إقراره لا التّملك و التّمليك فإنّ حقّ الخيار المنتقل إلى الوارث بأدلّة الإرث لا يمكن أن يتغيّر عمّا هو عليه بسبب الإرث و المفروض أنّ ما كان للمورّث هو حقّ حلّ العقد و إقراره لا التّملك و التّمليك و لذا صار إرث الزّوجة الخيار المتعلّق بما تحرم عنه محلّا للخلاف و لو كان الخيار عبارة عن التّملك و التّمليك لم يكن وجه للإشكال بانتقاله إلى الزّوجة فإنّ تملّك الزّوجة الأرض و إعطاء الثّمن من مالها غير قابل للمناقشة فيه

الثّاني أنّه لا بدّ أن لا يكون حقّ الخيار للورثة كحقّ الشّفعة لهم بأن يعطوا الثمن من مالهم و يتملّكوا المثمن بل لا بدّ أن ينتقل المثمن بفسخهم إلى المورّث و يردّ الثّمن إلى المفسوخ عليه لو كان باقيا و بدله لو كان تالفا و كان للميّت مال و لو لم يكن له مال يبقى في ذمّته و هذا التّفصيل إنّما يتفرّع على كون الخيار ملك إقرار العقد و حلّه و أمّا إن كان عبارة عن التّملك و التّمليك فلا وجه للفرق بين كون الثّمن باقيا في ملك الميّت أو تالفا و لا فرق في صورة التّلف بين أن يكون على الميّت دين مستغرق أو لا و بين أن يكون للميّت مال أو لا لأنّ في جميع الصّور للورثة أن يعطوا الثّمن من مالهم و يتملّكوا المثمن كما في الشّفعة

الثالث أنّه لا يمكن أن يكون حقّ الفسخ مقابلا لقيام الورثة مقام الميّت لأن قيامهم مقامه بأدلّة الإرث هو الّذي اقتضى ثبوت حقّ الفسخ لهم و أدلّة الإرث لا تجعل طرف الإضافة للورثة إلّا على نحو كان المورّث عليه و لا نثبت لهم حقّا آخر من غير فسخ الحقّ الثّابت للمورث

و بالجملة و إن كان بين الورثة و الأولياء و الوكلاء فرق فإنّهما من قبيل النّائب عن ذي الحقّ في الاستيفاء و لا يرجع أثر الاستيفاء إليهما و أمّا الورثة فهم نفس الميّت إلّا أنّ هذا الفرق لا يقتضي جعل ملك الفسخ و الإقرار مقابلا لقيام الوارث مقام الميّت فإذا كان ملك الفسخ و الإقرار ثابتا للوارث فلو فسخ يرجع كلّ عوض إلى محلّه الّذي خرج عنه فيرجع المنتقل عن الميّت إليه و لو لم يكن له مال تشتغل ذمّته ببدل ما انتقل إليه

نعم للطّرف أن يحبس المال المنتقل إليه حتّى يستوفي دينه من الميّت و لو كان عليه دين مستغرق فللطّرف حقّ الأولويّة بالنّسبة إلى المال المردود من سائر الغرماء و لو كانت قيمته أزيد عمّا يستحقّه الطّرف بعد الفسخ يرد الزائد إلى الغرماء و لو كانت أنقص يضرب مع الغرماء و لا وجه لرجوع المال إلى الوارث و اشتغال ذمّته بعوضه لو لم يكن له مال

و حاصل الكلام أنّ الفسخ ضدّ البيع الواقع أولا و ليس بيعا جديدا و تملكا و تمليكا و لذا وقع النزاع في الإقالة بأنّها بيع أو فسخ فإذا كان ضدا للبيع الواقع أولا فلو ارتفع البيع بالفسخ فلا محالة يرجع كلّ مال إلى مالكه الأصلي و منه إلى الورثة و لا وجه لأن يرجع إلى مالكه الفعلي إلّا من حيث كونه قائما مقام المالك الأصلي لا من حيث إنّه مالك له فعلا و لذا لو وقع العقد ثانيا على أحد العوضين أو كليهما ثم طرأ فسخ أو انفساخ لا يرجع العوضان إلى مالكهما الفعلي بل يرجعان إلى مالكهما الأصلي و يرجع المالك الأصليّ إلى النّاقل بالمثل أو القيمة و هكذا لو رجعت الأرض المنتقلة عن الميّت بالفسخ لا ترث منها الزّوجة و لو كانت راجعة إلى المالك الفعلي للثّمن لكانت الزّوجة مثل سائر الورثة لأنّ الرّجوع إليها كذلك مثل شرائها الأرض فهو يملكها

الرابع لا وجه لانتقال ما يرجع بالفسخ إلى الفاسخ وحده و لو قلنا بجواز إعمال حقّ القياس لكلّ واحد منهم مستقلّا لما

ص: 163

عرفت من أنّ إرث الخيار ليس كإرث حقّ الشّفعة و التملّك الجديد فلا بدّ أن يرجع المال إلى جميع الورثة لأن بفسخ أحدهم يبطل العقد و يرجع من حين الفسخ كل مال إلى مالكه الأصلي

و ما أفاده قدّس سرّه في

قوله و من هنا جرت السّيرة بأن ورثة البائع ببيع خيار ردّ الثمن يردون مثل الثّمن من أموالهم إلى آخره

لا شهادة فيه على أنّ بالفسخ ينتقل تمام المال إلى الفاسخ و أن حقّ حلّ العقد و إقراره مقابل لقيام الوارث مقام المورث و أنّ الفسخ يقتضي رجوع المال إلى المالك الفعلي لا الأصلي لأن وجه جريان السّيرة كذلك غير معلوم فيحتمل أن يكون ردّهم مثل الثّمن من أموالهم لا لكونهم مالكين فعلا بل لأنّ الفسخ يقتضي رجوع المبيع إلى ملك المورّث فتشتغل ذمته بالثمن المنتقل إليه فللورثة بل لكلّ أحد أداء دينه

نعم لو جرت السّيرة بعدم أداء سائر ديون الميّت من المبيع و عدم كونهم ملزمين بذلك لكشف عن عدم انتقال المبيع إلى ملك الميّت بل ينتقل إليهم بما هم مالكون فعلا فيكون نظير حق الشّفعة و قيام السيرة كذلك ممنوع بل الظّاهر عدم التزام أحد بذلك مع أنّه لو ثبت ذلك أيضا بالسيرة فغاية الأمر أن إرث الخيار المشروط بردّ مثل الثمن يخرج عن إرث سائر الخيارات و يكون هو بالخصوص عبارة عن ملك أن يملك كالشفعة و لازم ذلك أنّه لو اشترى أحد الورثة سهم البقيّة ثم طرأ فسخ أو انفساخ أن يرجع جميع ما انتقل عن الميّت إلى الوارث المشتري و الظّاهر عدم التزام الفقهاء به أيضا

و كيف كان فقد تقدّم من المصنف قدّس سرّه في أوّل الخيار أنّه عبارة عن ملك حلّ العقد و عدمه و ليس عبارة عن ملك أن يملك كحقّ الشّفعة نعم يمكن أن يكون خصوص الخيار المشروط بردّ مثل الثّمن واسطة بين حقّ الشّفعة و ملك الفسخ و إقراره بأن يكون بالنّسبة إلى الرّد مثل الشّفعة فلا يعتبر فيه إخراج الثّمن أو مثله عن ملك الميّت بحيث لو كان الثّمن موجودا لا يجب على الورثة ردّ عينيه بل لهم أن يردوا مثله من أموالهم و أن يكون بالنّسبة إلى رجوع ما انتقل عن الميّت مثل سائر الخيارات فيرجع إلى ملك الميّت و يرثه الورثة أو يؤدّي منه ديونه لو كان عليه دين و منشأ هذا الاحتمال هو ما عرفت أنّ بناء هذه المعاملة على إتلاف الثّمن فلا يشترط ردّ نفس الثّمن و ليس نظر المشتري أيضا إلى الثّمن المنتقل عنه بخصوصيّة بل غرضه أن لا يتلف ماله فإذا أخذ منه المبيع بفسخ أحد الورثة فله مثل الثّمن و لو من ملك الفاسخ نهاية الأمر حيث إنّ الفاسخ دفعه من ماله فله حبس المثمن ليستوفي ماله من الورثة و أمّا انتقال المبيع إلى خصوص الفاسخ فلا وجه له

[مسألة لو كان الخيار لأجنبيّ و مات]

قوله قدّس سرّه مسألة لو كان الخيار لأجنبيّ و مات إلى آخره

لا يخفى أنّ مقتضى ما ذكرناه من الضّابط بين الحقوق الّتي يرثها الوارث و الّتي لا يرثها أن لا يكون الخيار المجعول للأجنبي ممّا يرثه وارثه لأنّه ليس له غير نفس الإضافة و هي السّلطنة على الفسخ و الإمضاء من دون أن يستجلب بها نفعا من مال أو حقّ فبموته يسقط هذا الحقّ و لا وجه أيضا لأن ينتقل بالوراثة إلى جاعل هذا الحقّ له لأنّه ليس وارثا للأجنبي وارث المال أو الحقّ لأولي الأرحام لا لغيرهم

نعم من غير عنوان الإرث يمكن أن يكون له كما إذا كان الحقّ لكلّ منهما مستقلا و إنّما فوض أمر إعماله إلى الأجنبي فإذا مات يبقى أصل الحقّ له و قد تقدّم في خيار المجلس توجيه ما أفاده العلّامة من انتقال حقّ الخيار من الوكيل إلى الموكّل

[مسألة و من أحكام الخيار سقوطه بالتّصرف]

قوله قدّس سرّه و من أحكام الخيار سقوطه بالتّصرف إلى آخره

قد تقدّم مرارا أنّ كلّ فعل خارجي يكون مصداقا لعنوان من عناوين العقود و الإيقاعات بحيث يحمل

ص: 164

عليه بالحمل الشّائع الصّناعي يوجد به هذا العنوان كما يوجد بالقول إلّا أن يدلّ دليل تعبّدي على اعتبار اللّفظ و قد تقدّم في باب المعاطاة أنّ قوله ع إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام ليس ناظرا إلى ذلك و لم ينعقد إجماع عليه أيضا

نعم أصل الصّغرى و أن أي عنوان يكون الفعل مصداقا له و أيّ عنوان لا يكون مصداقا له مطلب آخر لا بدّ من إحرازه و قد تقدّم أنّ النكاح و الضّمان و الصّلح في العقود و الطّلاق و العتق في الإيقاعات لا يكون الفعل مصداقا لها و أمّا الإجازة و الفسخ فلا شبهة في وقوعهما بالفعل و لذا اشتهر بين الفقهاء أنّ كلّ تصرّف ورد في المنتقل إليه إجازة و كل تصرف ورد في المنتقل عنه فسخ بقيود ثلاثة الأوّل كونه تصرفا مالكيّا الثّاني أن لا يكون للامتحان و الاختبار الثّالث أن يكون المتصرف ملتفتا إلى كون المتصرف فيه محلّا للخيار و وجه اعتبار هذه القيود واضح لأنّه لو انتفى واحد منها لا يكون التصرّف مصداقا للفسخ أو الإجازة

و قد تقدّم أيضا أنّه لو كان الفعل مصداقا لعنوان فقصد الفعل كاف في تحقّق العنوان به و إن لم يقصد بإيجاده ذاك العنوان بل بعض العناوين يتحقّق بنفس قصد الفعل و إن قصد عنوان الخلاف كالتصرّفات المالكيّة في المنتقل إليه فإنّه لو قصد عنوان الغصب بها تقع إجازة و إن أبيت عن ذلك فلا شبهة أنّ وطي المطلّقة الرجعيّة رجوع و إن قصد الزّنا و على أي حال لو قصد الفعل و لم يقصد الخلاف يقع العنوان به و لا وجه لاعتبار قصد العنوان حتى يحرز تحقّقه من حمل فعل المسلم على الصّحة مع أن إحرازه بهذه القاعدة في غاية الإشكال لأنّها ليست أمارة على ما هو الحقّ تبعا لما اختاره المصنف في الأصول

[مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرّف أو يحصل قبيله]
اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرّف أو يحصل قبيله إلى آخره

لا يخفى أنّه لا بدّ أوّلا من بيان المحذور الّذي يرد في تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه ثم الدفع عنه فنقول إنّ المحذور تارة يقرّر في الوضعيّات و أخرى في التّكليفيات أمّا الوضعيّات فحاصله أنّه لو باع ذو الخيار ما انتقل عنه فتتوقّف صحّة بيعه على كونه ملكا له قبل البيع و كونه ملكا له قبل البيع و كونه مالكا له يتوقّف على أن يكون قوله للمشتري بعتك فسخا و كونه فسخا متوقّف على كونه بيعا فالبيع يتوقف على الملك و الملك على الفسخ و الفسخ على البيع و يلزم أيضا اجتماع العلّة و المعلول في رتبة واحدة لأنّ البيع معلول للملك و الملك معلول للتّصرف فمن التصرّف يحصل تملك الفاسخ و تملّك المشتري المترتّب على ملكيّة الفاسخ و أمّا التكليفيّات فلأنّ البيع و الوطي و نحوه محرّم على غير المالك فبالوطي مثلا يتحقّق الملك و الحليّة المترتبة عليه في رتبة واحدة

و أمّا الدفع فمن وجوه أربعة الأوّل أن تكون إرادة التصرّف مملّكة و هذا الوجه إن صحّ يرتفع به جميع الإشكالات حتى في الوطي لأنّه يقع بعد تحقّق الملك إلّا أنّه قد تقدّم مرارا أنّ الفسخ و الإجازة من الإيقاعات و هي لا تحصل بمجرد الكراهة الباطنيّة و الرّضا القلبي الثّاني أنّ الفسخ يحصل بأوّل جزء من الفعل أو القول و نفوذ التصرّف يحصل بباقي الأجزاء و هذا يتمّ في البيع لا الوطي فإنّ الجزء الأوّل يقع محرّما الثّالث أنّ الفسخ و البيع يحصلان معا بنفس التصرّف إلّا أنّ الأوّل مقدم رتبة على الثّاني و هذا الوجه و إن اختاره جملة من الأساطين إلّا أنّه لا يخلو من إشكال كما سنشير إليه الرّابع أن التصرف تارة بالعقد النّاقل و أخرى بالمعاطاة فإذا كان بالعقد فالفسخ يحصل بالإنشاء و البيع بالمنشإ و إن كان بالمعاطاة

ص: 165

فالفسخ يحصل بالأخذ من المنتقل إليه و البيع بالإعطاء للمشتري

نعم لا يجري هذا في التّعاطي من طرف واحد و على أيّ حال فأصحّ الوجوه في الجواب عن الإشكال في الوضعيّات هو الأخير و تقريبه يظهر ممّا تقدّم في المعاطاة من تقدير الملك آنا ما فيما يقتضي الجمع بين الأدلّة ذلك ففي المقام يقدر الملك آنا ما للفاسخ ثمّ ينتقل إلى المشتري و تقدير الملك و إن توقّف على الدّليل إلّا أنّ دليله في المقام كون الفعل بنفسه مصداقا للفسخ بالحمل الشّائع الصّناعي و حيث إنّ إنشاءه القولي فعل من أفعاله فبقوله بعت ينفسخ العقد و يملك ما انتقل عنه من حيث الإنشاء و ينتقل إلى المشتري من حيث أثر القول و مرتبة الأثر متأخّرة عن مرتبة أصل القول

نعم لو اعتبر في الانتقال إلى الغير كون العقد واقعا في ملك النّاقل لزم المحذور لأنّ الملكيّة تحصل بنفس العقد و أمّا لو اعتبرت الملكيّة في السّبب الّذي مرتبته متأخّرة عن السّبب فلا محذور

و بالجملة بناء على ما هو الحقّ من اعتبار وقوع المنشإ في الملك لا الإنشاء و لذا لا تعدّ الملكيّة من شروط العقد بل تعدّ من شروط العوضين فالفسخ يحصل بذات الإنشاء و الانتقال إلى المشتري يحصل بأثره و لذا لو عقد فاسدا يتحقّق به الفسخ أيضا لأنّه يحصل بالإنشاء لا بالمنشإ و أمّا في التكليفيّات فالإشكال أصلا غير وارد لأنّ حليّة الوطي مثلا لا تتوقّف على ملك الرقبة بل على سلطنة الواطئ و لذا يجوز بالتّحليل و التّزويج فلو كان لذي الخيار السّلطنة عليه بالوطي حلال له و به يفسخ المعاملة من حيث كونه مصداقا للفسخ

نعم لقائل المنع عن ثبوت هذه السّلطنة له في ملك غيره و أمّا لو سلم عموم معقد الإجماع بجواز تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه لكلّ تصرّف حتّى الوطي و الأكل و الشّرب و البيع و نحو ذلك من الإتلاف الحقيقي و الحكمي فلا وجه لتفصيله بين نفوذه وضعا و حرمته تكليفا لامتناع كون طرفي الفعل تحت سلطنة الفاعل وضعا و خروج أحد طرفيه عن تحت سلطنته تكليفا و قد ذكرنا في الإجارة على الواجبات بيان الملازمة و أوضحنا أنّ الملازمة ثابتة في العكس أيضا أي إذا كان الشّي ء واجبا أو حراما تكليفا لا يمكن أن يكون التصرّف فيه نافذا وضعا

و يمكن أن يكون نظر صاحب الجواهر قدّس سرّه في قوله إنّ الرّجوع من حقوق المطلق إلى ما ذكرناه أي لا يعتبر في حلية الوطي أن تكون الموطوءة زوجة قبل الوطي لأنّه يكفي في سلطنته على الوطي كونه من حقوق الزّوجيّة و هذا التّوجيه و إن لم يكن له محلّ في الرّجوع في زمان العدّة لعدم خروج المطلّقة الرّجعية عن الزّوجية إلّا أنّه وجيه بنفسه

ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ التّفصيل بين رهن ذي الخيار و عقد الواهب لا وجه له فإنّه إن تحقّق الفسخ بنفس عقد الرّهن يتحقّق له رجوع الواهب بالعقد على العين الموهوبة أيضا فإن الحكم في الهبة و الخيار واحد

قوله قدّس سرّه و أجاب الشّهيد عن الثّاني بمنع الدّور التّوقفي و أنّ الدّور معي

لا يخفى أنّ الدّور المعي في المقام لا يرجع إلى محصّل لأنّه عبارة عمّا كان الأثر الحاصل مستندا إلى مجموع الشّيئين من دون توقّف أحدهما على الآخر كالهيئة الحاصلة من اعتماد لبنة على أخرى و في المقام لو كان الفسخ بالفعل متوقّفا على الملك قبله مع أنّ الملك متوقّف عليه فالدّور توقّفي لتوقّف الشّي ء في الوجود على ما يتوقّف عليه فالصّواب في الجواب منع توقّف الفسخ على الملك قبله لا بمعنى

ص: 166

حصولهما معا و فرض الأوّل مقدما على الثّاني رتبة فإنّ التقدم الرّتبي إنّما يتصوّر في الشّيئين المجتمعين زمانا مع كون أحدهما علّة للآخر و الإشكال في المقام إنّما هو في صحّة علّة الملك و هي الفسخ بل لما عرفت من أنّ الفسخ يحصل بالإنشاء في التصرّف القولي فيملك الفاسخ آنا ما و ينتقل عن ملكه إلى الثّالث بأثر الإنشاء و هو متأخر رتبة عن الإنشاء و أمّا في التصرّف الفعليّ كالوطي و نحوه فالإشكال غير وارد أصلا

و ما أفاده المصنف قدّس سرّه في

قوله و توهّم أنّ الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كلّ ما يحصل به قولا كان أو فعلا فاسد إلى آخره

لا يستقيم لما عرفت من الملازمة بين الحليّة الوضعيّة و التكليفيّة فإذا جاز الفسخ بأدلّة الخيار جاز كل ما يحصل به قولا كان أو فعلا لما ظهر أنّه لا تدلّ أدلّة توقّف الوطي و البيع على الملك على اعتبار ملك الرّقبة بل الملك لغة و عرفا هو السّلطنة كما في قوله عزّ من قائل بملكنا و لو سلّم فقوله ص لا بيع إلّا في ملك قابل للتّخصيص فلا يقتضي الجمع بين أدلّة نفوذ التصرّف و هذا الدّليل الالتزام بحصول الفسخ قبيل التصرّف

نعم لو قيل بأنّ الجواز الوضعي لا ينافي الحرمة التكليفيّة تعيّن الالتزام بحصول الفسخ و الإجازة بالكراهة و الرّضا

[فرع لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار]

قوله قدّس سرّه فرع لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار له فقال أعتقتهما إلى آخره

لا يخفى أن عتق المشتري العبد و الجارية بصيغة واحدة تارة يقع فيما كان الخيار له و أخرى فيما كان للبائع و ثالثة فيما كان لهما

أمّا الصّورة الأولى فالأقوال فيها ثلاثة نفوذ عتق الجارية لتقديم الفسخ على الإجازة فيما وقع التزاحم بينهما و نفوذ عتق العبد لأنّه ملكه دون الجارية لأنّها ملك البائع و عتقها من المشتري يتوقّف على الملك المتوقف على الفسخ و في رتبة تحقّق ملك الجارية ينعتق العبد فلا يبقى مجال لانعتاق الجارية و عدم نفوذهما أصلا و الأقوى هو الأخير لأنّ تقديم الفسخ على الإجازة الّذي هو مدرك القول الأوّل مورده ما كان الحقّ لمتعدّد فيؤثر الفسخ و إن كان متأخرا عن الإجازة لأن أثر الإجازة سقوط الحقّ من طرف المجيز لا مطلقا فللآخر إعمال حقّه بالفسخ

و أمّا مدرك القول الثّاني ففيه أنّ مقابل عتق الجارية هو عتق العبد لا إجازة ذي الخيار فإنّ الإجازة تقابل الفسخ و كما أنّ عتق الجارية متوقّف على الفسخ فكذلك عتق العبد يتوقّف على الإجازة فإنّه و إن كان مملوكا له فعلا إلّا أنّ نفوذ عتقه يتوقّف على إمضاء العقد و إمضاؤه يتوقّف على عدم كون عتق الجارية فسخا كما في العكس فإذا كان التوقّف من الطرفين فلا ينفذ كلاهما

و أمّا الثّانية فعتقه العبد يتوقّف على نفوذ تصرّف من عليه الخيار في متعلّق الخيار و أمّا عتقه الجارية فلا ينفذ بلا إشكال لا من قبل نفسه لعدم كونه مالكا لها و لا من قبل ذي الخيار لبطلان الفضولي في الإيقاعات و أمّا الثّالثة فبناء على نفوذ تصرّف من عليه الخيار فحكمها حكم الصورة الأولى فلا ينعتق كلاهما و أمّا بناء على عدم نفوذه فيصحّ عتق الجارية لكونه فسخا من ذي الخيار و لا يصحّ عتق العبد لأنّه يوجب إبطال خيار البائع

[مسألة من أحكام الخيار عدم جواز تصرّف غير ذي الخيار]
اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة من أحكام الخيار عدم جواز تصرّف غير ذي الخيار إلى آخره

قد تقدّم في خيار الغبن في ذيل عنوان تصرّف الغابن الأقوال في المسألة و مدركها إجمالا و لكنّه لا بأس بإعادتها تبعا لما أفاده شيخنا الأستاذ مدّ ظلّه و توضيحا لما تقدم فنقول أمّهات الأقوال ثلاثة عدم جواز تصرّفه وضعا و تكليفا فلا ينفذ معاملاته و يحرم عليه إتلافه و جوازه مطلقا بحيث لو فسخ ذو الخيار يرجع إلى المثل أو القيمة و جوازه مطلقا إلّا أنّه لو فسخ يبطل إمّا من حين الفسخ

ص: 167

أو من أصله و لازم القول الأخير التّفصيل بين التصرّفات المتلفة و النّاقلة فلا تجوز الأولى و تجوز الثّانية و لازمه أيضا التّفصيل في التصرّفات النّاقلة بين العتق و غيره فلا ينفذ العتق و ينفذ غيره لأنّ بطلان تصرّفه بفسخ ذي الخيار لا يتصوّر في الإتلاف الخارجيّ و الإتلاف الشّرعي لأنّ التّالف لا يمكن استرجاعه و الحرّ لا يمكن عوده رقّا فلو صحّ العتق نفذ مطلقا و لو لم ينفذ يجب أن لا يصحّ رأسا

ثم إنّه ربما يتوهّم ابتناء المسألة على حصول الملك بنفس العقد أو بانقضاء الخيار كما أنّه ربّما يتوهّم ابتناؤها على تعلّق الخيار بالعقد أو بالعين فعلى الأوّل من كلّ منهما يجوز تصرفاته مطلقا و على الأخير لا يجوز مطلقا

و لكنّك خبير بفساد كلا التوهمين أمّا الأوّل فلأنه لو قيل بما ينسب إلى الشّيخ و جماعة من توقّف الملك على انقضاء الخيار فلا بدّ من القول بعدم جواز تصرف غير ذي الخيار مطلقا سواء كان منافيا للاسترداد أم لا و أن يكون تصرّفه منوطا بإذن ذي الخيار كما في تصرّف الرّاهن في العين المرهونة و لا بدّ أن يعلّل المنع بقوله ع لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه لا بما علّل به أكثر المانعين من أنّ تصرفه ينافي استرداد العين و أمّا الثاني فلأنّه و إن جعله مبنى القولين أو الأقوال جملة من الأساطين إلّا أنّه لا يمكن الالتزام به فإن تعلّق الخيار بالعين ابتداء لا وجه له لما ظهر سابقا أنّ الخيار سلطنة لذي الخيار على التزامه العقدي الّذي لو لم يكن له الخيار كان ملزما بالتزامه

و بعبارة أخرى الخيار ملك فسخ العقد و إقراره و لا يتعلّق بالعين رأسا و لذا يصحّ إعماله في صورة بقاء العين و تلفها فالأولى أن يقال إنّ الخيار و إن كان سلطنة على حلّ العقد و إبقائه إلّا أنّه يمكن أن يكون هذا المعنى طريقيّا أو موضوعيّا و على الطريقيّة يمكن أن يكون الغرض منه استرجاع المال بالأعم من العين أو المثل أو القيمة و أن يكون الغرض منه استرجاع نفس العين فلو كان موضوعيا صرفا يجوز تصرّف من عليه الخيار بجميع أنحاء التصرّفات كما لا يخفى إلّا أنّ ذلك باطل جدّا لأنّه لو كان هذا بنفسه من الاعتبارات العقلائيّة وجب إمّا أن ترثه الزّوجة مطلقا و أن يرثه وارث الأجنبيّ و إمّا أن لا يرثه الوارث أيضا لأن الاعتبار العقلائي تارة من قبيل الولاية أو القيمومة التي هي عبارة عن نفس السّلطنة فهذا لا ينتقل إلى الغير و لو كان وارثا للمال

و أخرى اعتباره باعتبار متعلّقه فلا بدّ أن ينتقل إلى وارث ذي الحقّ و لو لم يكن وارثا للمال و بالجملة كون الخيار موضوعيّا صرفا لا وجه له فانحصر في الوجهين على الطّريقيّة و مبنى الوجهين أنّه لو قلنا في باب الضّمان بأنّ المدار فيه على قيمة يوم الأداء إمّا لبقاء العين التّالفة بخصوصيّتها الشّخصيّة في عهدة الضّامن أو بماليّتها الغير المتقدّرة بالمقدار فلازمه أن يجب عليه حفظها ليتمكّن المضمون له عن استرجاع نفس العين فلا يجوز له التصرّفات المتلفة و النّاقلة و يكون حفظها من قبيل المقدّمات الوجوديّة للواجب المطلق

و أمّا لو قلنا بأنّ المدار على قيمة يوم التّلف فلازمه أن يكون ماليّتها المتقدّرة في عهدة الضّامن فيجوز له إتلافها و نقلها إلى الغير لأنّ ما في ذمّة الضّامن هو القدر المشترك بين العين و المثل أو القيمة و يكون حفظا للعين من المقدّمات الوجوبيّة للواجب و حيث اخترنا في مسألة الضّمان أنّ المدار على قيمة يوم الأداء فلا يجوز له التصرّفات المانعة عن الاسترداد بل في الخيار المشروط بردّ مثل الثّمن لا شبهة في عدم جواز التصرّف المانع و إن قلنا بتعلّق الضّمان بالأعمّ لأنّ الغرض من جعل

ص: 168

الخيار نوعا هو ردّ نفس المبيع

لا يقال غاية ما يقتضيه الخيار مطلقا هو طريقيّته لجلب المال الّذي هو القدر الجامع بين العين و بدلها و لذا لا سقط بتلف العين بل ينتقل إلى البدل لأنّا نقول الّذي يمكن أن يكون الخيار وسيلة إلى استرداده هو ما انتقل عن ذي الخيار إلى من لا خيار له و هو نفس العين و لذا لو طرأ الفسخ أو الانفساخ و كانت العين باقية لا يصحّ ردّ المثل أو القيمة و ردهما عند التّلف إنّما هو لتعذّر ردّ العين و عدم موجب لسقوط الخيار فلا ملازمة بين الرّجوع إلى البدل مع التّلف و جواز الإتلاف

ثم بناء على ذلك هل يبطل التصرّفات النّاقلة أصلا و لا تصحّ بالإجازة أو أن حكمها حكم الفضولي وجهان تقدّم مدركهما في عقد الرّاهن و قلنا إنّه لا فرق في الفضولي بين أن يكون العقد قاصرا من حيث المقتضي أو لوجود المانع و إذا صح عقد الرّاهن بإجازة المرتهن صحّ عقد من عليه الخيار بإجازة ذي الخيار لأنّ مرجع إجازته إلى إسقاط حقّه

ثمّ إنّه لو وقع عقود مترتّبة على المال فليس له استرداد العين إلّا بعد فسخ العقد الأوّل إلّا أن يكون الاسترداد فسخا فعليّا للأوّل و بالجملة فرق بين الإجازة و الفسخ فإنّ الإجازة مرجعها إلى إسقاط الحقّ فينفذ الجميع و أمّا فسخ العقد الثّاني مع عدم الفسخ الأوّل فلا معنى له

ثم إنّه قد ظهر في خيار الغبن وجه حرمة الوطي إذا كان الاستيلاد مانعا عن إعمال الخيار و لو كان سبب الخيار مقدّما و قد ظهر أيضا حكم العقود الجائزة الواقعة من غير ذي الخيار و تقدّم أيضا أنّ ما أفاده المصنف قدّس سرّه من جواز تصرفات من عليه الخيار مطلقا أقوى من المنع و لكن المسألة مشكلة جدّا حيث إنّ المشهور على المنع و إن كان حقيقة الخيار لا تقتضي ذلك لما عرفت أنه في صورة تلف العين و بقائها لا تختلف حقيقته فلا بدّ من أن يكون طريقا لاستجلاب المال الّذي هو القدر المشترك بين العين و المثل أو القيمة

قوله قدّس سرّه ثم إنّ المتيقّن من زمان الخيار الممنوع فيه من التصرّف على القول به هو زمان تحقّق الخيار فعلا إلى آخره

توضيح ذلك أن الخيار على أقسام ثلاثة لأنّه تارة فعلي منجّز بلا توقّفه على شي ء أي متّصل بالعقد بلا شرط متأخّر شرعيا كان كخياري المجلس و الحيوان أو جعليّا من المتعاقدين كشرط الخيار في متن العقد مطلقا لهما أو لأحدهما

و أخرى متأخر بنفسه و بمنشئه كخيار التّفليس و خيار التأخير بناء على كونه تعبّديا و إمّا بناء على كونه ناشئا عن تخلّف الشّرط الضّمني و هو التّسليم و التسلّم الّذي بناء المعاملة عليه نوعا و إن أعمل فيه التعبّد من حيث تعيين الحد بالثّلاثة فحاله حال الغبن و العيب و الرّؤية و سيجي ء حكمها و ثالثة واسطة بين الأوّلين كالخيار المشروط بردّ الثمن بعد سنة فإنّ شرط الخيار حاصل حين العقد و لكن زمان إعماله متأخّر ثم إنّه يظهر من جملة من الأساطين أن خيار العيب و الغبن و الرّؤية كخيار التّفليس متأخر عن العقد بنفسها و بمنشئها لتوهّمهم ثبوتها بالتّعبد و اشتراط تحقق أصل الخيار شرعا بظهور العيب و الغبن و تخلّف الوصف في مقابل القول بأنّ العلم بها كاشف عقلي

و لكنّك خبير بأنّ منشأ ثبوتها هو الشرط الضّمني خصوصا في خيار الرّؤية المسبّب عن فقد الوصف المشترط في العقد اعتمادا على الوصف أو المشاهدة السّابقة فإن فقد الوصف الموجب للخيار حاصل حين العقد و العلم به و عدمه ليس له مدخليّة في ذلك فقياس خيار الرّؤية على خيار التأخير لا وجه له بل المصنف قدّس سرّه صرّح في خيار الغبن بأنّ ثبوت الحقّ للمغبون قبل العلم

ص: 169

لا شبهة فيه و إن كان إعماله فعلا مشروطا به و مع هذا فكيف ينفي الخلاف ظاهرا في جواز تصرف من عليه الخيار في الثّلاثة لتوقّف الخيار على أمر متأخّر من ظهور العيب أو الغبن أو تخلّف الوصف

إذا عرفت ذلك فنقول أمّا الخيار المتأخّر بنفسه و بسببه فلا ينبغي الإشكال في جواز تصرّف من عليه الخيار فيما يتعلّق به وضعا و تكليفا قبل تحقّق سببه لكونه مالكا له ملكا طلقا و مجرّد تعلّق الحق به بعد ذلك لا يمنع عن تصرفات مالكه و ذلك واضح كما أفاده قدّس سرّه لاستلزام المنع عنه المنع عن التصرّف في أحد العوضين قبل قبض الآخر من جهة كون العقد في معرض الانفساخ بتلف ما لم يقبض

كما لا ينبغي الإشكال في المنع عن جواز التصرّف بناء على القول به في زمان تحقّق الخيار فعلا كالمجلس و الثّلاثة في الحيوان أو الزمان المشروط فيه الخيار و إمّا التصرّف في زمان الخيار المشروط بأمر متأخر سواء كان وقتا كيوم الجمعة أو أمرا آخر كردّ مثل الثّمن ففيه إشكال و خلاف و الأقوى إلحاقه بالخيار المنجّز فإنّ المانع عن التصرّف على القول به هو تزلزل العقد و فعليّة حق ذي الخيار و هما حاصلان لأنّ نفس الشّرط الموجود حال العقد حق مالكي يجوز إسقاطه و إبقاؤه و التصرّف المتلف مناف له

و أمّا الخيارات الثّلاثة المسبّبة عن الشّرط الضّمني فحيث إنّ الخيار حاصل حين العقد على ما هو الأقوى و لا مدخليّة لظهور الغبن و العيب و تخلّف الوصف فإلحاقها بالخيارات الثلاثة أي المجلس و الحيوان و الشّرط في غاية الوضوح لو لا الإجماع على خلافه و الظّاهر عدم تحقّقه و إن ادّعى المصنف قدّس سرّه أنّ هذا النحو من الخيار غير مانع من التصرّف بلا خلاف ظاهرا

لأنّ عدم الخلاف لا يكشف عن الإجماع أمّا أوّلا فلذهاب جملة من الفقهاء جواز التصرّف في متعلّق الخيار و لو في خيار المجلس و نحوه و أمّا ثانيا فلذهاب جملة منهم إلى عدم تحقّق الخيار إلّا بعد العلم به و كون العلم شرطا شرعيا له فلم يبق إلّا قليل ممن يعترف بثبوت الخيار و كون العلم كاشفا عقليا و يلتزم بعدم جواز التصرّف في زمان المجلس و نحوه و مع ذلك يختار جواز تصرف الغابن و نفوذه قبل ظهور الغبن و بهذا المقدار لا يتحقّق الإجماع

و على هذا فإلحاقه بالخيار المنجّز فعلا أقوى ثمّ إنّ جماعة من المانعين من جواز التصرّف جوّزوا وطي الأمة المتعلّقة لحقّ الخيار مع التزامهم بتقديم حقّ الاستيلاد و تفويته لحقّ الخيار و إن كان متأخرا عن سبب الخيار و ما يمكن أن يكون وجها لذلك أمران الأوّل أن المتيقّن من المنع هو التصرف المتلف فعلا لحقّ ذي الخيار و أمّا مجرّد كونه معرضا للفوات فلا دليل على المنع عنه الثّاني التمسّك باستصحاب عدم العلوق و عدم صيرورة الموطوءة حبلى و لكن الأقوى هو المنع كما هو ظاهر المحكي عن التّذكرة و الدّروس لأنّ متعلّق التّكليف فيما كان حصول الأثر متوقّفا على أمر خارج عن اختيار المكلّف هو نفس فعل المكلّف فيما يحرم عليه في المقام هو الوطي لا حصول العلوق لكون فعل المكلّف بالنّسبة إليه معدّا فلا يصحّ إناطة التّكليف به فعلى هذا نفس الوطي تفويت لحقّ ذي الخيار إلا أنّه في معرض ذلك و لا يقاس بالعرض على البيع فإنّه بنفسه ليس تفويتا بل المفوّت هو البيع و هو أمر اختياريّ يمكن تركه بعد العرض على البيع و أمّا الاستصحاب فمضافا إلى كونه استقباليا ليس له حالة سابقة إلّا بالعدم المحموليّ و الجواز مترتب على عدم كون هذا الوطي موجبا للحمل و هذا غير مسبوق بالعدم

[فرعان]
[الثّاني أنّه هل يجوز إجازة العين في زمان الخيار]

قوله قدّس سرّه الثّاني

ص: 170

أنّه هل يجوز إجازة العين في زمان الخيار إلى آخره

لا إشكال في أنّه لو آجره من ذي الخيار أو بإذنه ففسخ لم تبطل الإجارة بل يمكن أن يقال إن استيجار ذي الخيار و إذنه في الإجارة مسقطان لخياره فلا يبقى محلّ للفسخ

و كيف كان فلو لم نقل بذلك إلّا أنّه لا شبهة أن بعد إجارته منه أو من غيره بإذنه إذا فسخ لا تبطل الإجارة و تردّ العين إليه مسلوب المنفعة و بلا غرامة لأنّ الإذن في تفويت المنفعة كالإذن في إتلاف الأوصاف لا تكون عهدتها على المتلف

و بالجملة بعد الإذن في الإجارة لا وجه لبطلانها بفسخ ذي الخيار و لا يقاس على إجارة البطن الأوّل من الموقوف عليه للفرق بينهما فإنّ البطن الثّاني يتلقّى الملك من الواقف فلا محالة ملكيّة البطن الأوّل موقتة إذ لا يعقل أن يملك الواقف كلّ واحد من البطون ملكيّة تامّة مطلقة قابلة للدّوام فإجارة البطن الأوّل تبطل بموته إلّا أن يكون متولّيا أيضا و هو أمر آخر و أمّا من عليه الخيار فيملك العين ملكيّة تامّة صالحة للدّوام و من نماء هذا الملك المنفعة الدّائمة

غاية الأمر أنّه متزلزل من حيث تعلّق حقّ ذي الخيار به فإذا أذن في الإجارة فإذنه و إن لم يناف فسخه بالنّسبة إلى العين إلّا أنّه ينافي فسخ بالنّسبة إلى الإجارة و أمّا لو آجره بلا إذن منه فالظّاهر عدم الإشكال أيضا في صحّة الإجارة إلى زمان الفسخ حتّى على القول ببطلان التصرّف من حينه بالفسخ لأنّه مختصّ بالتصرّف المنافي لاسترداد العين

و أما بالنسبة إلى ما بعد الفسخ فقولان بطلان الإجارة و صحّتها مع غرامة المؤجر المنفعة التّالفة في مدّة الإجارة و احتمال عود العين مسلوب المنفعة باطل جدّا لأنّ المنافع المستوفاة في الضّمان المعاوضي مضمونة على المستوفي أمّا وجه الصّحة فهو ما أفاده في المتن من أنّه يكفي في ملك المنفعة الدّائمة تحقّق الملك المتعدّدة للدّوام لو لا الرّافع آنا ما هذا مضافا إلى قياسه على التّفاسخ بعد الإجارة فإنّه لا يلتزم أحد ببطلان الإجارة

و أمّا وجه البطلان فلتبعيّة ملك المنفعة لملك العين لا بالمعنى الّذي علله به المحقّق القمّي من أنّه علم بالفسخ أنّ المشتري لم يملك منافع ما بعد الفسخ و أنّ الإجارة كانت متزلزلة و مراعاة بالنسبة إلى فسخ البيع فإنّ هذا يستلزم التوقيت في الملك الّذي لم يعهد في الشّرع عدا باب الوقف على البطون بل بمعنى أنّه بناء على عدم جواز تصرّف غير ذي الخيار تصرّفا يمنع عن الردّ فتصرفه بالإجارة نظير تصرّفه بالنّقل إلى الغير حيث إنّه لا يمكن مع بقاء العين الحيلولة بينها و بين المالك فمجرد عود الإضافة المالكيّة من دون رجوع آثار الملك من قدرة المالك على القلب و الانقلاب لا أثر له

و بناء على جواز تصرّفه يمكن المنع في المقام أيضا لمنافاته لتبعيّة المنافع للعين فإذا رجعت العين لا بدّ أن ترجع منافعها أيضا و لمنافاته لحقيقة الفسخ أيضا لأنّه يقتضي عود الملك إلى ما كان حين العقد و المفروض أنّه كان مع المنفعة و لمنافاته للتّسليم و التّسلم المشترط ضمنا في متن العقد لأنّ العقد كما يقتضي التّسليم و التّسلم بعد العقد فكذلك يقتضيه بعد الفسخ بعكس ما يقتضيه حين العقد و صحّة الإجارة تستلزم عدم لزوم تسليم العين إلى الفاسخ لاستحقاق المستأجر أن تكون العين تحت استيلائه فيقتضي أن يستحق المؤجر أخذ ماله دون الفاسخ و قياس الفسخ على الإقالة إمّا مع الفارق و إمّا أنّ الحكم في المقيس عليه حكم المقيس لأنّهما لو أقالا مع علمهما بالإجارة فالتزما بكون العين في يد المستأجر و أمّا لو آجر أحدهما ما انتقل إليه ثمّ استقل الآخر مع جهله فلا وجه لصحّة الإقالة و صبر المقيل إلى انقضاء مدّة الإجارة

ص: 171

بل لا بدّ إمّا من بطلان الإجارة أو الإقالة أو ثبوت الخيار للمقيل الجاهل فما أفاده المصنف في أوّل العنوان وجها لبطلان الإجارة من كونها إبطالا لتسلّط الفاسخ على أخذ العين هو الصّواب سواء قلنا بنفوذ التصرّفات النّاقلة من غير ذي الخيار أو لم نقل لأنّ العين في المقام باقية في ملك المؤجر فيؤثّر فسخ ذي الخيار بالنّسبة إليها و إذا عادت إليه فلا بدّ أن يكون مسلّطا عليها و هذا لا يجتمع مع صحّة الإجارة المقتضية لاستحقاق المستأجر وضع اليد عليها

قوله قدّس سرّه ثمّ إنّه لا إشكال في نفوذ التصرّف بإذن ذي الخيار و أنّه يسقط خياره بهذا التصرّف إلى آخره

لا يخفى أنّ نفوذ تصرّفه بإذن ذي الخيار واضح جدّا لأنّه مالك للمال فعلا و المنع كان لتعلّق حقّ ذي الخيار به فإذا جاز ارتفع المنع إنّما الكلام في سقوط خياره به مع أنّه لا منافاة بين الإذن في التصرّف النّاقل بل الإتلاف و إرادة الفسخ و أخذ البدل و المصنف جعل منشأ السّقوط أمرين الأوّل دلالة الإذن عرفا على الالتزام بالعقد و الثّاني أنّ التّصرف المأذون فيه تفويت لمحل هذا الحقّ

و لكنّك خبير بأن الوجه الأوّل لا يمكن الالتزام به كما أشرنا إليه في خيار الغبن لأنّ الإذن لو كان دالا على إسقاط الحقّ لزم سقوطه و لو لم يتصرّف المأذون مع أنّه لا يلتزم به المصنف و لا يمكن الالتزام به فإنّه نظير إذن المرتهن في بيع الرهن من أنّه لا يؤثر في السّقوط ما لم يقع البيع من الرّاهن و يجوز رجوعه عن إذنه

نعم التّفصيل بين إذنه في التصرّف للثّالث و لمن عليه الخيار في محلّه فإن إذنه للثّالث كاشف عن الفسخ لأنّه لا معنى لأن يأذن غير المالك في التصرّف في المال فيجب حمله على الفسخ و أمّا إذنه لمن عليه الخيار في التصرّف فيما انتقل عنه إليه فلا يدلّ عليه أنّه إمضاء للعقد لأنّه إذن فيما يقتضيه طبع المعاملة

و بالجملة كون الإذن بنفسه إسقاطا مستلزم لأن يكون إذن المرتهن أيضا كذلك مع أنّ كونه ملحوظا بلحاظ نفسه عرفا ممنوع جدّا بل المتبادر عند العرف كونه ملحوظا باعتبار متعلّقه و أنّه إذن في المسقط و لذا أنكر القواعد و جامع المقاصد و المسالك على الميسية الّذي رتب على المشهور ذلك

و كيف كان فدلالة الإذن بنفسه على إسقاط الخيار ممنوع و أمّا الوجه الثّاني فهو الصّوب الّذي لا محيص عنه و إن كان تعليله بقوله لأن أخذ البدل بالفسخ فرع تلف العين في حال حلول الحقّ فيه لا مع سقوطه عنه قابلا للمناقشة لأنّ الانتقال بالبدل ليس فرع كون العين متعلّقا للحق فإن الانتقال إليه في مورد تلف العين مسلّم حتى في العقود اللازمة إذا طرأ عليها الفسخ أو الانفساخ كما لو أقالا و كانت العين تالفة فالأولى أن يعلّل بما أشرنا إليه في خيار الغبن و هو أنّ التّصرّف المأذون فيه مفوّت لمحلّ الحقّ حيث إنّ الغرض من الفسخ استرجاع الملك السّابق إمّا بعينه أو ببدله و كل منهما متعذّر أمّا العين فلخروجها عن ملك المشتري بالتصرّف النّاقل أو بالإتلاف و أمّا البدل فلأنّه فرع كون العين مضمونة عليه و بعد كونه مأذونا في التّصرف لا يمكن أن يكون ضمان العين عليه فلا موضوع لانتقال الضّمان إلى بدلها فإذا امتنع الضّمان امتنع الفسخ فامتنع الخيار

[مسألة المشهور أنّ المبيع يملك بالعقد و أثر الخيار تزلزل الملك]

قوله قدّس سرّه مسألة المشهور أنّ المبيع يملك بالعقد و أثر الخيار تزلزل الملك إلى آخره

لا يخفى أنّ هذا العنوان مقدّم طبعا على العنوان السّابق فإنّ جواز تصرّف من عليه الخيار فيما انتقل إليه متفرّع على تحقّق الملك له قبل انقضاء الخيار فكان الأنسب تقديمه

و كيف كان فالأقوى ما عليه المشهور من عدم توقّف الملك على انقضاء الخيار مطلقا للأدلّة العامّة و الخاصّة

ص: 172

أمّا العامّة فلأنّ قوله عزّ من قائل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ ظاهر في أنّ البيع علّة تامّة لجواز التّصرف الّذي هو من لوازم الملك و كذلك قوله تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ الدّال على أنّ التّجارة عن تراض خارجة عن أكل المال بالباطل و إطلاقهما يشمل البيع الخياري و غيره

و أمّا الخاصّة فمنها صحيحة يسار بن يسار عن الرّجل يبيع المتاع و يشتريه من صاحبه الّذي يبيعه منه قال نعم لا بأس به قلت أشتري متاعي فقال ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك و الاستدلال إنّما هو بقوله ع ليس متاعك لا بجواز البيع من البائع حتّى يقال بأنّ البيع منه جائز و لو لم نقل بحصول الملك قبل انقضاء الخيار و منها ما دلّ على جواز النّظر في الجارية في زمان الخيار إلى ما لا يحلّ له قبل ذلك و الإشكال عليه بأنّه نظير حلّ وطي المطلّقة الرجعيّة الّذي يحصل به الرّجوع غير وارد لأنّ التّصرّف في وطي المطلقة الرّجعية وقع من ذي الحقّ فيتحقّق به الرّجوع و في المقام وقع من غير من له الخيار فلو لم يكن مالكا لكون العقد خياريّا حرم النّظر إليه

و بالجملة لو قيل بأنّ تصرّف من لا خيار له يوجب سقوط خيار ذي الخيار لم يكن جواز تصرّفه كاشفا عن كونه مالكا لإمكان حصول الملكيّة بنفس التصرّف إلّا أنّ هذا لا دليل عليه

و أمّا لو كان تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه موجبا لسقوط خياره فتحقّق الرّجوع بالوطي في المطلّقة الرّجعيّة لا ربط له بالمقام و منها ما دلّ على أنّ نماء المبيع للمشتري و تلفه منه في الخيار المشروط بردّ الثمن و لا شبهة أن تملّك المنافع فرع تملّك العين و المناقشة فيه بأنّه من قبيل اشتراط انفساخ البيع بردّ الثّمن لا اشتراط الخيار حتّى يكون دليلا للمقام لا وجه لها فإنّه خلاف ظاهر الأدلّة كما اعترف به المصنف قدّس سرّه بل قد تقدم في تلك المسألة أنّ اشتراط الانفساخ بلا سبب باطل و كون نفس هذا الشّرط سببا له يلزم من وجوده عدمه

و بالجملة دلالة هذه الأخبار على حصول الملك في زمان الخيار في غاية الوضوح بل جميع الأخبار الواردة في العينة يدلّ على حصول الملك في زمان الخيار فإن بيع المشتري المبيع في المجلس من البائع لا يمكن أن يصحّ إلّا أن يكون مالكا له مع ثبوت خيار المجلس له و للبائع و ما عن المصنف قدّس سرّه من الإشكال فيه بأن تواطؤهما على البيع ثانيا موجب لسقوط خيارهما مستشهدا بتصريح الشّيخ بجواز ذلك مع منعه عن بيعه على غير صاحبه في المجلس غير وارد لأنّ مجرّد التّباني و التواطؤ على البيع ثانيا لا يوجب أن يكون العقد لازما و كما أنّ التّباني على الخيار لا يوجب أن يكون العقد جائزا فكذلك التّباني على البيع لا يقتضي أن يصير الجائز لازما

و ما صرّح به الشيخ لا يدل على أن إسقاط الخيار لا يتوقف على الإنشاء بل يكفي التّباني عليه لاحتمال كون المنع عن بيعه على غير صاحبه لأجل ما بني عليه من عدم حصول الملك في زمان الخيار و جواز البيع على صاحبه لأجل الخيار العينة الدالّة عليه بالخصوص تعبّدا

و كيف كان فمجرّد التّباني لا أثر له و إسقاط الخيار كسائر الإيقاعات يحتاج إلى الإنشاء هذا كلّه مع أنّ كلمات القائلين بتوقّف الملك على انقضاء الخيار مضطربة غاية الاضطراب و لا ينطبق دليلهم على مدّعاهم فبعضهم يجعل الانقضاء كاشفا و منهم من يجعله ناقلا و بعض محطّ كلامه الخيار المتّصل و بعض يدّعي عدم حصول الملك حتى في الخيار المنفصل و قد يتّفق لشخص واحد قولان مختلفان فقد يظهر من الشيخ موافقة المشهور و قد يظهر منه على ما حكاه المحقّق توقّف الملك على انقضاء الخيار سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما و عبارته المحكية عنه

ص: 173

في الشّفعة صريحة في التّفصيل بين ما إذا اختصّ الخيار بالمشتري فيملك بنفس العقد و بين ما إذا كان للبائع أو لهما فيتوقّف على انقضاء الخيار

و الظّاهر عدم الخصوصيّة للمشتري بل كون أحدهما ذا خيار بحيث يقدر على إبطال العقد يوجب أن لا يملك الآخر إلّا بعد انقضاء الخيار فإذا كان الخيار للبائع لا يملك المشتري كالعكس و إذا كان لهما لا يملك كلّ منهما و الإشكال عليه بأنّ حصول الملك لأحدهما دون الآخر يقتضي إمّا الجمع بين العوض و المعوّض أو بقاء الملك بلا مالك و إن كان قابلا للدّفع بجعل الانقضاء كاشفا لا ناقلا إلّا أنّ أصل المدّعى لا دليل عليه

لأنّ غاية ما استدلّ له أمور الأوّل أنّ الغرض من الملك هو التصرّف الممتنع في زمان الخيار و فيه أوّلا أنّه مبنيّ على عدم جواز التصرّف في زمان الخيار و ثانيا أنّ التصرّف الممتنع ما كان متلفا أو ناقلا لا كلّ تصرف و ثالثا لا ملازمة بين امتناع التصرّف و عدم حصول الملك

الثّاني صحيحة ابن سنان عن الرّجل يشتري العبد أو الدابة بشرط إلى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدّابة أو يحدث فيه حدث على من يكون ضمان ذلك فقال على البائع حتّى ينقضي الشّرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري شرط له البائع أو لم يشترط قال و إن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع فإنّ قوله ع حتى ينقضي الشّرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري ظاهر في توقّف الملك على انقضاء الخيار و أمّا قبله فلا يصير للمشتري و فيه أنّ ظهوره لا يقاوم صريح قوله ع ليس متاعك لقابليّة حمله على الاستقرار أو الطلقيّة و في المقام و إن كان الملك للمشتري طلقا إلّا أنّه ليس مستقرا عليه بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه إلّا بأسباب خاصّة و بالجملة في قوله ع و يصير المبيع للمشتري احتمالات ثلاثة الأوّل حصول الملك له الثّاني صيرورته طلقا الثالث صيرورته مستقرا و لا يتنزّل إلى الثّاني إلّا بعد تعذّر الأوّل و لا إلى الثّالث إلّا بعد تعذّر الثّاني إلّا أنّه يتعذّر الحمل على أصل الملكيّة و كذلك على الطّلقية فيتعين الحمل على الاستقرار

الثّالث النّبوي المشهور الخراج بالضّمان فإنّه يدلّ على أنّ المنافع بإزاء الضّمان و ينعكس بعكس النقيض إلى أنّ من ليس ضامنا ليس الخراج له و بضميمة قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له ينتج عدم حصول الملك في زمان الخيار لأنّ كون التّلف على البائع في زمان خيار المشتري يقتضي أن يكون منافع المبيع للبائع لأنّ كون المبيع في زمان خيار المشتري في ضمان البائع يقتضي أن يكون المنافع له فإذا كانت المنافع له لم يحصل الملك للمشتري و إلّا كانت المنافع له لتبعيّتها للعين

و لا يخفى أنّه قد استدلّ بالنّبوي لقول المشهور أيضا بتقريب أنّ المبيع في زمان الخيار المشترك أو المختص بالبائع في ضمان المشتري و خراجه له و بقاعدة التّلازم بين ملك المنفعة و ملك العين يثبت حصول الملك بنفس العقد

و لكنّك خبير بعدم دلالته على كلا القولين أمّا قول المشهور فلما فيه أولا أنّه لم يعلم من القائلين بتوقّف الملك على انقضاء الخيار التزامهم بكون ضمانه على المشتري حتى يكون منافعه له فيستكشف منه حصول الملك بنفس العقد و ثانيا أن دلالة النّبوي على التّلازم بين ضمان العين و ملك المنافع هو الّذي أفتى به أبو حنيفة في الدابّة المستأجرة و قد أوضحنا ما فيه في المقبوض بالعقد الفاسد و بيّنا أن مفاده هو أنّ الضّمان العقدي يقتضي أن يكون المنافع بإزائه فلا ينافي تملّكه لمنفعية كونه في عهدة

ص: 174

الغير بأحد موجبات الضّمان مثل الغصب و الإتلاف كما لا ينافي كون ضمانه على مالكه أن يكون منفعته لغيره بسبب آخر كالإجارة و العارية

و أمّا قول الشّيخ و من تبعه فلأنّ انضمام النّبوي إلى قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له لا ينتج ما نسب إلى الشّيخ من التفصيل بل يدلّ على خلافه فإنّ الشّيخ يعترف بحصول الملك للمشتري مع اختصاص الخيار به بل انضمامه إليها لا ينتج عدم حصول الملك في زمان الخيار مطلقا لما ذكرنا من عدم التلازم بين الملك و الضّمان لعدم دلالة النبوي على ذلك بل النّبوي لا يدل إلّا على ما هو مقتضى المعاوضة من أنّ التّضمين العقدي بإزاء المنافع لا أنّ كون الشّخص ضامنا بإزاء الخراج

و بالجملة لو كان النّبوي دالا على أنّ كلّ من هو ضامن لشي ء فمنافعه له حتّى الغاصب لتمّ الاستدلال به على عدم حصول الملك في زمان الخيار و أمّا لو كان ناظرا إلى الضّمان المعاوضيّ فلا ربط له بالمقام و على أيّ حال الاستدلال به منضمّا إلى قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له ينتج عدم حصول الملك لذي الخيار و هذا قول بعض المخالفين للمشهور و مضادّ للمحكي عن الشّيخ في الخلاف كما أن الاستدلال بما دلّ على كون تلف المبيع من مال البائع في زمان الخيار كصحيحة ابن سنان المتقدّمة و نحوها منضما إلى قاعدة الضّمان بالخراج لا يجدي لما نسب إلى الشّيخ

نعم للاستدلال بنفس هذه الأخبار وجه القول بالتوقّف مطلقا إلّا أنّه قد ظهر ممّا تقدّم أنّه لا ملازمة بين الملك و الضّمان على سبيل الإطلاق بل إنّما يكون التّلازم بينهما فيما لم يكن موجب لضمان غير المالك و هذه الأخبار تدلّ على أنّ البائع ضامن لما انتقل إلى المشتري ما لم ينقض خياره كما أن مقتضى المعاوضة أن يكون كلّ من المتعاقدين ضامنا لما انتقل إلى الآخر ما لم يسلّمه إليه فهذه الأخبار مخصّصة لما يدلّ على أنّ بالتّسليم يرتفع الضّمان فتدلّ على أنّ القبض في زمان خيار القابض كلا قبض

و لنعم ما عبّر به الشّهيد قدّس سرّه عن مفاد قاعدة المعاوضة و هذه الأخبار بقوله و بالقبض ينتقل الضّمان إذا لم يكن خيار

و على هذا فما أفاده المصنف قدّس سرّه في

قوله فهذه الأخبار إمّا أن يجعل مخصّصة لأدلّة المشهور بضميمة قاعدة تلازم الملك و الضمان أو لقاعدة التّلازم بضميمة أدلّة المسألة إلى آخره

تبعيد للمسافة لما عرفت أنّ مفاد هذه الأخبار أنّ قبض ذي الخيار كالعدم و أنّ الضّمان الثّابت قبل القبض باق بعد القبض أيضا إلى أن يرتفع الخيار هذا مع أنّ العلم الإجمالي بتخصيص أحد العامين يسقط كليهما عن الحجّية و الشّهرة لا تنفع في مقام الدّلالة

قوله قدّس سرّه ثمّ إنّ مقتضى ما تقدّم من عبارتي المبسوط و الخلاف من كون الخلاف في العقد المتقيّد بشرط الخيار عمومه للخيار المنفصل إلى آخره

لا يخفى أنّه لو قيل بتوقّف الملك على انقضاء الخيار لما علّل به بعضهم من أنّ فائدة الملك التّصرف الممتنع في زمان الخيار فالتّعدي إلى الخيار المنفصل مبنيّ على المسألة السّابقة و هي منع تصرّف من عليه الخيار حتّى في الخيار المنفصل أو اختصاص المنع بالخيار المتّصل و حيث قد عرفت أنّ عدم الجواز كان مختصّا بالخيار الفعلي فعدم حصول الملك أيضا مختصّ به

نعم كان هناك نزاع آخر في الصّغرى و هو أنّ خيار العيب و الغبن و الرّؤية كخيار التّأخير و التّفليس أو أنّها كخيار المجلس و الحيوان و ظهر أنّ الأقوى كونها من الخيارات الحاصلة حين العقد و أن توقّف إعمال الخيار على العلم بالعيب و الغبن و فقد الوصف

و كيف كان فالتّخصيص أو التّعميم في المقام مبني على التّخصيص

ص: 175

أو التّعميم في المسألة السّابقة و قد ظهر أنّ القدر المسلم هو خيار المجلس و الحيوان و الشّرط المطلق و أمّا لو قيل بالتّوقف للأخبار المتقدّمة الدّالة على أنّ التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له فالتّعدي إلى الخيار المنفصل مبنيّ على المسألة الآتية و هي أنّ قاعدة التّلف ممّن لا خيار له سارية في غير خيار الحيوان و الشّرط اللّذين هما مورد الرّوايات

و أمّا لو اختصت بهما و خيار المجلس على إشكال فيه فلا يمكن التّعدي إليه و كيف كان فالتّعدي و عدمه إمّا مبنيّ على المسألة المتقدّمة أو الآتية نعم بناء على ما اختاره المصنف في كلتا المسألتين من اختصاص كلا الحكمين بخيار الحيوان و الشّرط و المجلس فلا فرق بين أن يكون مدرك القول بتوقّف الملك على انقضاء الخيار عدم جواز التّصرف في زمان الخيار أو الأخبار المتقدّمة

[مسألة من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار]

قوله قدّس سرّه مسألة من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار إلى آخره

لا يخفى أنّ هذه القاعدة أي كون التّلف في زمان الخيار ممن لا خيار له في الجملة من القواعد المسلّمة بين الفقهاء كقاعدة كون تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه و لا إشكال في أنّها لا تشمل ما إذا كان الخيار للطّرفين لأنّه ليس هناك من لا خيار له حتّى يكون التّلف منه و إنّما الإشكال من جهات أخرى

الأولى في شمولها للخيار الثّابت للبائع أو اختصاصها بالمشتري بأن يكون تلف المبيع في زمان خيار المشتري على البائع لا تلف الثّمن في مدّة خيار البائع على المشتري

الثّانية في شمولها لجميع الخيارات أو اختصاصها بالخيار الزّماني كالحيوان و الشّرط أو تعمه و ما كان متوسّطا بين الزّماني و غيره كالمجلس فإنّه ليس زمانيّا و مضروبا في الزّمان حتّى يكون كخيار الحيوان و الشّرط بل هو معنون بعنوان الاجتماع المنطبق على الزّمان

الثّالثة في كونها تعبديّة صرفة مستفادة من الأخبار المتقدّمة في المسألة السّابقة أو أنّها مقتضى قواعد باب المعاوضة أيضا

الرّابعة أنّ الضّمان فيها هل ضمان المعاوضة أي بتلف المبيع يردّ الثّمن إلى المشتري أو ضمان اليد فيرجع المشتري إلى البائع بالمثل أو القيمة و كلّ هذه الجهات محلّ الخلاف بين الأعلام و ليس إجماع على إحداها

و المشهور بينهم في الجهة الأولى و الثّانية هو الاختصاص فاختاروا اختصاص القاعدة بخيار المشتري في خصوص الحيوان و الشّرط و صرّحوا بأنّه إذا مات المعيب لم يكن مضمونا على البائع و إن مات بعد العلم بالعيب و قيّد المحقّق الثّاني كون الضّمان على البائع في الاقتصاص من العبد الجاني بما إذا كان في الخيار المخصوص بالمشتري أي خيار الحيوان فيظهر من تقييده أنّ العبد من جهة العيب ليس في ضمان البائع مع أنّ العبد الجاني فيه جهتان من الخيار كونه معيبا و كونه حيوانا

و لكن يظهر من جماعة من المحقّقين التّعميم بالنّسبة إلى الجهتين فمنهم الشّهيد قدّس سرّه حيث قال و بالقبض ينتقل الضّمان إلى القابض إذا لم يكن له خيار و منهم المحقّق جمال الدّين في حاشية الرّوضة و منهم صاحب الرّياض و مفتاح الكرامة و حيث إنّ المسألة خلافيّة فلا بدّ أوّلا من تنقيح الجهة الثالثة

فنقول العقد المعاوضي متضمّن لالتزام كلّ من المتعاقدين بتسليم ما انتقل عنه إلى طرفه بحيث إنّ لكلّ واحد منهما حقّ حبسه حتّى يسلّمه الآخر و لو سلّم أحدهما و امتنع الآخر فله إجباره و التّرافع عند الحاكم و مع تعذّره فله المقاصّة منه بإذن الحاكم أو مطلقا و إن تلف مال كلّ منهما قبل التّسليم على الآخر و لكن هذا إذا لم يكن العقد خياريّا و أمّا إذا كان خياريّا فهو بجميع ما يتضمّنه من المدلول المطابقي و الالتزامي

ص: 176

خياريّ لأنه لا يمكن أن يكون لذي الخيار حلّ العقد و كان ملزما بما التزم به صريحا أو ضمنا فلا يجب عليه التّسليم إلى أن ينقضي خياره و لو سلّم تبرعا فله استرداده و هذا بخلاف من ليس له الخيار فإنّه ليس له الامتناع من التّسليم لو طولب به بمقتضى التزامه في ضمن العقد

نعم لو امتنع ذو الخيار من التّسليم فله المنع أيضا و له الاسترداد أيضا و لكن كلّ ذلك لا يقتضي أن يكون تسليم غير ذي الخيار كالعدم و يبقى ضمانه الثّابت قبل القبض إلى ما بعد القبض قبل انقضاء خيار الطّرف فلا بدّ من قيام دليل تعبّدي على بقاء الضّمان بعد خروجه عمّا هو وظيفته من القبض

و على هذا فانحصر المدرك في الأخبار المتقدمة و هي مختصّة بخيار الحيوان و الشّرط و لا تعمّ المجلس فضلا عن غيره من الخيارات فالمرجع هو القواعد العامّة و هي تقتضي أن يكون ضمان المال بعد القبض على مالكه الفعلي و لا يقال إنّ كون التّلف ممّن لا خيار له ليس منافيا للقواعد لأنّ مرجعه إلى انفساخ العقد و رجوع كل مال إلى مالكه الأصلي قبل التّلف آنا ما ثم التّلف منه كما يظهر منه قدّس سرّه في المتن

لأنّا نقول و إن اقتضى الانفساخ ذلك إلّا أنه بنفسه مخالف للقاعدة فإنّ مثل قوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ يدلّ على لزوم العقد و عدم انفساخه بلا موجب و بدون الانفساخ يمتنع أن يكون تلف المقبوض على غير قابضه و هكذا الأدلّة الدالّة على أن تلف المبيع في العقد الخياري المشروط بردّ الثّمن على المشتري تدلّ على أنّ القبض موجب لأنّ يكون تلف المال على مالكه و كذلك الأدلّة الدالّة على التّفصيل بين صورة القبض و عدمه فلا نحتاج إلى استصحاب عدم الانفساخ حتى يقال إن أصالة الضّمان الثّابت قبل القبض حاكم عليه لأنّ الشكّ في الانفساخ مسبّب عن الشكّ في الضّمان

هذا مضافا إلى أنّ الأدلّة الاجتهاديّة على خلاف الاستصحاب لأنّ الضّمان لو كان جعليّا و كان مقتضى الشّرط الضّمني فالجعل مقيّد بعدم التّسليم و أمّا لو كان شرعيّا فقوله ع حتى يخرجه من بيته يدلّ على انتهاء الضّمان بالإخراج الّذي هو كناية عن التّسليم

نعم لو قلنا بكون الضّمان قبل القبض تعبّديا مع عدم تعرض دليل التعبّد لحكم الضّمان بعد القبض كان للاستصحاب مجال و بالجملة لو كان الضّمان شرعيّا صحّ الاستصحاب لو شكّ في بقائه بعد القبض و أمّا لو كان للشرط الضّمني فيرتفع موضوعه بالتّسليم و ثبوته بعده إنّما هو بسبب آخر مشكوك الحدوث فالمستصحب داخل في القسم الثّالث من استصحاب الكلّي إلّا أن يقال بحجيّته فيما كان المرتفع و المشكوك من سنخ واحد و التّفاوت بينهما إمّا بالشدّة و الضّعف أو بحسب الدّقة العقليّة دون المسامحة العرفيّة كالحركة المتحصّلة من أمور متباينة

و بالجملة مقتضى العمومات و رواية عقبة بن خالد في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا إن شاء اللّٰه فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع الّذي هو في بيته حتى يقبض المال و يخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه حقّه إنّ المال بعد القبض في عهدة مالكه و لا يضمنه غيره حتى يقال بالانفساخ فلو نوقش في دلالة الأخبار الواردة في خيار المشروط بردّ الثّمن على كون الضّمان بعد القبض على المالك و لو كان ذا خيار بأن يقال هذه الأخبار تدلّ على ضمان المشتري الّذي لا خيار له المبيع المنتقل إليه و لا تعرّض فيها لضمان البائع الّذي هو ذو الخيار الثّمن الّذي انتقل إليه

ص: 177

فلا تنافي قاعدة التّلف في زمان ممّن لا خيار له لكفى العمومات و رواية عقبة و القدر المسلّم من قاعدة التّلف في زمان الخيار هو خيار الحيوان و الشّرط الثّابتان للمشتري

و لا وجه للتّعدي إلى سائر الخيارات و لا إلى الخيار الثّابت للبائع إلّا توهم استفادتها بالعليّة من قوله حتّى ينقضي الشّرط و يصير المبيع للمشتري بأن يقال كلّ من لم يستقرّ عليه المال لكونه ذا خيار يقدر أن يسلب ملكيته عن نفسه فتلف ماله على غيره أي بالتّلف ينفسخ المعاملة و يصير التّالف قبل التّلف آنا ما في ملك من لا خيار له ثمّ تلف من ماله و على هذا فلا فرق بين الخيار الثّابت للبائع أو المشتري و لا بين خيار الحيوان و الشّرط و غيرهما من خيار المجلس و خيار تخلّف الشّروط الضّمنيّة

و لكنّه فاسد لأنّ كلمة حتّى قلما تستعمل في العليّة و معناها غالبا هي الغاية مع أنّ استفادة العليّة منها تؤثر لو أحرز كونها علّة للمجعول لا الجعل و التّشريع

هذا مضافا إلى أنّ الظّاهر من قوله ع إن كان بينهما شرطا أيّاما معدودة أن يكون الشّرط أمرا مضبوطا له أمد محدود و أن يكون نفس الخيار مجعولا بينهما بجعل شرعي كخيار الحيوان أو بجعل منهما كخيار الشّرط لا أن يكون الشّرط أمرا آخر يوجب تخلّفه الخيار كاشتراط التّساوي و الصّحة و الوصف

و على هذا فلا يشمل الدّليل خيار المجلس و إن كان مجعولا شرعيّا فضلا عن الخيارات الثّلاثة لا سيّما لو قلنا بحدوثها بعد العلم بالعيب و الغبن و نقد الوصف

أمّا خيار المجلس فلعدم كونه مضبوطا و ليس له أمد محدود فإنّ الأيّام في قوله ع أيّاما معدودة و إن لم تكن لها خصوصيّة بل تشمل شرط الخيار السّاعة و السّاعات إلّا أنّها لا بدّ أن تكون معدودة محدودة

و أمّا الخيارات الثّلاثة فلأنّها ليست شرطا مجعولا ابتداء و إلغاء جميع الخصوصيّات و جعل المناط كون العقد في معرض الزّوال ليس قطعيّا بل هو أشبه شي ء بالقياس سيّما إذا قلنا بما ينسب إلى المشهور من كون ظهورها موجبا للخيار فإنّه يلزم تبدّل الضمان و انتقاله من المغبون مثلا إلى الغابن و هذا بعيد كما أفاده المصنف قدّس سرّه من عدم شمول الرّواية التّزلزل المسبوق باللّزوم

نعم لو قيل بالتعدّي إلى خيار المجلس فله وجه لأنّ منتهاه و إن لم يكن مضبوطا إلّا أنّ كونه محدودا بزمان الافتراق مضبوط فكما يتعدى من الأيّام إلى الساعات قطعا يتعدّى إلى عدم الافتراق و بقاء المجلس مع أنّه في السّنخ متّحد مع الخيارين في كونه مجعولا هذا بالنّسبة إلى سائر الخيارات الثّابتة للمشتري

و أمّا التّعدي من حيث المثمن إلى الثّمن فدعوى القطع باتّحادهما مناطا ليست جزافيّة كما أفاده المصنف قدّس سرّه بل دعوى القطع بعدم الخصوصيّة للمشتري و كون التّالف مبيعا مسموعة إذ لا منافاة بين ذلك و قاعدة كون ضمان المال على مالكه فإنّها ليست تعبّديّة حتّى تصلح للمعارضة مع قاعدة تلف المال ممّن لا خيار له بل هي من الأمور الارتكازيّة المرتفعة بكلّ ما دلّ على أنّ ضمان المال على غير مالكه حتّى استصحاب الضّمان الثّابت قبل القبض بل و لو قيل بأنّها قاعدة تعبديّة إلّا أنّه لا شبهة في كونها مخصّصة بقاعدة التّلف قبل القبض فلو شكّ بعد القبض في بقاء الضّمان فالمرجع هو استصحاب حكم الخاص لا عموم القاعدة كما ظهر وجهه في خيار الغبن

فالعمدة في دفع المنافاة بين القاعدتين ما ذكرناه من تخصيص قاعدة كون تلف المال على مالكه بقاعدة التّلف لا ما أفاده قدّس سرّه من أنّ المراد من الضّمان انفساخ العقد فلا منافاة لما عرفت من أنّ الانفساخ بلا موجب هو بنفسه مخالف

ص: 178

للقاعدة و الانفساخ قبل القبض إنّما هو الشّرط الضّمني أو لدليل تعبدي و هو قوله ع كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال تابعه

و حاصل الكلام أنه يمكن دعوى القطع باتّحاد المناط و أنّه لا خصوصيّة لتلف المبيع عند المشتري و لو أنكرنا ذلك فاستصحاب الضمان الثّابت قبل القبض كاف في حكومته على قاعدة كون تلف المال على مالكه و ليس تقديريّا و لا شكا في المقتضي كما لا يخفى

و لا يعارضه استصحاب عدم الانفساخ فإنّ الشّك فيه مسبّب عن الشكّ في الضّمان و الأصل السّببي حاكم على المسبّبي

قوله قدّس سرّه نعم يبقى هنا أنّ هذا مقتض لكون تلف الثمن في مدّة خيار البيع الخياري من المشتري إلى آخره

لا يخفى أنّ الالتزام بالتّعميم لا محذور فيه فإذا تلف الثّمن عند البائع ينفسخ البيع و يردّ المبيع إليه إلّا بعد ردّ الثمن فكأنّه اشترط أن لا يكون ضمان الثّمن على المشتري فاسدا لأنّه بعد الالتزام بالتعدّي من مورد النّص إلى تلف الثّمن في زمان خيار البائع لتنقيح المناط أو لاستفادته من العلّة المنصوصة في الأخبار و هي حتى ينقضي الشّرط و يصير المبيع للمشتري فشرط عدم كون تلف الثّمن في زمان خيار البائع من المشتري مخالف للكتاب فيكون كما لو اشترطا عدم ضمان كلّ منهما لما انتقل عنه قبل القبض بل لو قلنا بأن القاعدة ليست تعبّديّة و إنّما هي من مقتضيات الضّمان المعاوضيّ فشرط عدم كون تلف الثّمن من المشتري في زمان خيار البائع فاسد أيضا لكونه منافيا لمقتضى العقد

و بالجملة بناء على التّعدي إلى الثّمن و عدم الفرق بين الخيار المتّصل و المنفصل فلا محيص عن الالتزام باطّراد القاعدة و شمولها لخيار البائع المشروط بردّ الثّمن كما أفاده قدّس سرّه في

قوله فالأولى الالتزام بجريان هذه القاعدة إذا كان الثّمن شخصيّا إلى آخره

ثم لا يخفى أنّه لا فرق في الثّمن و المثمن من حيث الكليّة و الشّخصيّة أيضا و القاعدة تختصّ بالشّخصي دون الكلّي

و توضيح ذلك أنّه لو كان أحد العوضين أو كلّ واحد منهما كليّا فمقتضى المعاوضة بقاء الكلّي في ذمّة من انتقل عنه إلى أن يسلّم الفرد المنطبق عليه الكلّي إلى المنتقل إليه فلو سلّم غير المنطبق عليه عنوانا كالشّعير بدلا عن الحنطة فهذا التّسليم كالعدم لعدم وقوع العقد على ما ينطبق على المقبوض فيجب عليه الإبدال و لا خيار للمنتقل إليه بلا إشكال

و أمّا لو سلّم غير المنطبق عليه وصفا كالمعيب بدلا عن الصّحيح و غير الكاتب بدلا عن الكاتب فمقتضى القاعدة أيضا الإبدال لعين ما ذكرناه في تخلف العنوان إلّا أنّ الظّاهر من بعض الفقهاء هو التّخيير بين الإبدال و الخيار بين الفسخ و الإمضاء بل إذا كان معيوبا فالتّخيير بين الرّد و الأرش و الإبدال و الظّاهر أنّ ذلك جمع بين المتناقضين إذ لو تعيّن الكلّي في الفرد المقبوض فتخلّف الوصف لا يقتضي إلّا الخيار دون الإبدال و إن لم يتعيّن فيه فالمتعيّن هو الإبدال لا التّخيير بينه و بين الخيار إلّا أن يقال إنّ الجمع بينهما إنّما هو للجمع بين القاعدة و أدلّة الخيار فإن القاعدة تقتضي الإبدال لعدم كون المقبوض ممّا ينطبق عليه ما وقع العقد عليه و أدلّة الخيار مثل قوله ع فإن خرج السّلعة معيبا و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء ردّه و إن شاء أخذه أو ردّ عليه بالقيمة أرش العيب تقتضي التّخيير بين الرّد أي فسخ المعاملة و الإمضاء بلا أرش أو معه فتأمل

و كيف كان فالخروج عن عهدة الكلّي ثمنا كان أو مثمنا إنّما هو بأداء الفرد المنطبق عليه عنوانا و وصفا فإذا أدّاه كذلك فلا ضمان عليه لو لا قاعدة الضّمان في زمان الخيار و لكن حيث قد عرفت أنّ معنى القاعدة هو انفساخ العقد بالتّلف و أنّ

ص: 179

الضّمان المعاوضي الثّابت قبل القبض باق بعد القبض فلا وجه لشمول القاعدة لتلف الفرد المقبوض من الكلّي لأنّ تلف الفرد لا يقتضي إلّا صيرورة الكلّي كغير المقبوض فلا وجه لانفساخ العقد به و لا جامع بين صيرورة العقد كالعدم كما في تلف الشّخصي و القبض كالعدم و المفروض شمول القاعدة لتلف الشّخصي فلا تشمل الكلّي

نعم لو قيل بأنّ معناها ثبوت الضّمان الواقعيّ لا اسمي فلا مانع من شمولها للكلّي لأنّ العقد بناء عليه لا ينفسخ حتّى يكون الشّخصي مباينا مع تلف الفرد المقبوض من الكلّي

و بالجملة إذا قلنا بأنّ معنى القاعدة أنّ الضّمان الثّابت قبل القبض لا يرتفع بالقبض في زمان الخيار و أنّ الضّمان المعاوضي باق فالفرق بين تلف الشّخصي و الفرد من الكلّي واضح فإن تلف المبيع الشّخصي إذا كان في زمان خيار المشتري على البائع بمقتضى النّصوص يقتضي انفساخ العقد لا محالة و رجوع المبيع إلى ملك البائع آنا ما حتّى يكون التّلف من ماله و هذا بخلاف الفرد من الكلّي فإنّه يمكن أن يكون من البائع بلا انفساخ المعاملة

و ممّا ذكرنا ظهر وجه الأمر بالتأمّل في قول المصنف و هو أنّ انفساخ العقد لا عين له و لا أثر في الأخبار حتى يكون لزومه في الشّخصي و عدم لزومه في الكلّي منشأ للفرق بينهما بل كون التّلف من ملك البائع بناء على ظهور الخبر في ذلك هو الموجب للفرق بينهما فإنّه في الشّخصي لا يستقيم إلّا بالانفساخ و هذا بخلافه في الكلّي و لذا لو قلنا بأنّه ليس معنى قوله من البائع كون التّالف ملكا له بل معناه أنّ خسارته عليه فلا حاجة إلى فرض الانفساخ فلا فرق بينهما

قوله قدّس سرّه ثم إنّ ظاهر كلام الأصحاب و صريح جماعة منهم كالمحقّق و الشّهيد الثّانيين أنّ المراد بضمان من لا خيار له لما انتقل إلى غيره هو بقاء الضّمان الثّابت قبل قبضه إلى آخره

هذه هي الجهة الرّابعة الّتي أردنا تنقيحها فنقول الاحتمالات في المراد من الضّمان ثلاثة الأوّل هو الضّمان المعاوضي كالضّمان في قاعدة تلف المبيع قبل قبضه فمفاد النصوص في المقام أنّ الضّمان الثّابت قبل القبض باق بعده إذا كان للمشتري خيار فالقبض في زمان الخيار كالعدم و هذا هو الظّاهر من الشّهيد في الدّروس حيث قال و بالقبض ينتقل الضّمان إلّا إذا كان خيار فمعنى كون تلف المبيع في زمان خيار المشتري من مال البائع هو انفساخ المعاملة و انتقال المبيع إلى البائع آنا ما قبل التّلف

و على هذا لا يمكن أن يقيّد الانتقال إليه بما إذا فسخ المشتري لأنّ العقد بمجرّد التّلف ينفسخ قهرا فيرتفع موضوع حق الفسخ لأن بقاءه ببقاء العقد الثّاني هو الضّمان الواقعي أي المثل و القيمة المعبّر عنه بضمان اليد فمفاد الرّوايات أنّه لو تلف المبيع في زمان خيار المشتري فغرامته على البائع سواء فسخ المشتري أم لم يفسخ

غاية الأمر أنّه لو فسخ يسترجع الثّمن و لا شي ء عليه للبائع و لو لم يفسخ يأخذ المثل أو القيمة فالفرق بين هذا الاحتمال و الاحتمال الأوّل يظهر في صورة عدم الفسخ و أمّا في صورة الفسخ فلا فرق بينه و بين الانفساخ في أنّه يسترجع الثّمن الثّالث هذا الاحتمال مع تقييد الضّمان على البائع بما إذا فسخ المشتري و أمّا لو لم يفسخ فلا شي ء له

ثم لا يخفى أنّه بناء على التّقييد لا وجه للاحتمالات الثلاثة في قوله قدّس سرّه فيحتمل أنّه يتخيّر بين الرّجوع على البائع بالمثل أو القيمة و بين الرّجوع بالثّمن و يحتمل تعيّن الرّجوع بالثّمن و يحتمل أن لا يرجع بشي ء إلى آخره

ص: 180

لأنّه إذا قيّد التّلف على البائع بصورة فسخ المشتري فلا وجه للرّجوع إليه في صورة عدم الفسخ

هذا مضافا إلى أنّه لا يعقل التخيير بين الرّجوع إلى الثّمن و إلى المثل و القيمة لأنّ الرّجوع إلى الثّمن أي المسمّى إنّما هو لانفساخ المعاملة فلا يجتمع مع بقائها

و كيف كان فأقوى الاحتمالات هو الوجه الأوّل لأنّ الظّاهر من النّصوص أنّ الضمان السّابق باق بعد القبض في زمان الخيار نعم قد يرد عليه إشكالان الأوّل أنّ في صحيحة ابن سنان فرض الأعمّ من تلف الوصف أو تلف العين فقال فيموت العبد أو الدابّة أو يحدث فيه حدث على من يكون ضمان ذلك إلى آخره و لا معنى لأن تكون و الأوصاف مضمونة بالمسمّى لعدم وقوع شي ء من الثمن بإزائها في عقد المعاوضة و لا يمكن الجمع بين الضّمانين في قوله على من يكون ضمان ذلك فيتعيّن إرادة الضّمان بالمثل أو القيمة في تلف العين أو الوصف

و فيه أنّ الضّمان الواقعي و إن كان هو الظّاهر من لفظ الضّمان أو منصرفه و لكنّه إنّما يراد منه لو لم تكن قرينة على خلافه و مع تعهّد الضّامن ضمان المسمّى و إمضاء الشّارع له لا معنى لأن يراد الضّمان الواقعي فينحصر إرادة ذلك فيما إذا لم يكن في البين تسمية كما لو قيل ألق متاعك في البحر و على ضمانه أو لم يمض الشارع المسمّى كما في المقبوض بالعقد الفاسد فإذا فرض أنّ الرّوايات دلّت على أنّ القبض كالعدم و أنّ الضّمان السّابق باق فلا معنى لأن يراد منها الضّمان الواقعي

نعم لو دلّت على ارتفاع الضّمان السّابق بالقبض و جعل ضمان على حدة بعد القبض كان الظّاهر منه أو منصرفه هو الضّمان الواقعي و هذا خلاف ظاهر السّؤال أيضا فإن قوله على من يكون ضمان ذلك لا يمكن أن يكون سؤالا عن ضمان اليد لوضوح أنه على من تلف العين في يده و أمّا اتّحاد معنى الضّمان في تلف الوصف و تلف العين فهو و إن كان كذلك إلّا أن نتيجة كون الوصف في ضمان من ليس له الخيار أنّ عهدة الوصف عليه أيضا بعد القبض كما يكون عليه عهدة الموصوف و تلف الموصوف يقتضي الانفساخ

و أمّا تلف الوصف فلا يقتضي الإبقاء خيار تخلّفه دون الغرامة لا بالضّمان الواقعي و لا بالمسمّى و بالجملة الضّمان في كليهما بمعنى واحد و هو أنّ عهدة الوصف و الموصوف على من لا خيار له فلو أسقط المشتري خيار الشّرط أو انقضى مدّته فله إعمال الخيار بالنّسبة إلى فقد الوصف و على أيّ حال لا يقع بإزائه شي ء من الثّمن فلا يوجب تخلّفه الغرامة

نعم قد ثبت في تخلّف وصف الصّحة التّخيير بين الأرش و الخيار تعبّدا لا لكونه مقتضى المعاوضة الثّاني أنّ الضّمان بالمسمّى قد ارتفع بالقبض لخروج كلّ واحد من المتعاقدين عن عهدة ما ضمنه و بالقبض انتقل الضّمان بالمثل أو القيمة و انعكس الأمر به أيضا فصار كلّ منهما ضامنا لما انتقل إليه فلو دلّ دليل على ضمان كلّ منهما لما انتقل عنه بعد القبض أيضا يؤخذ بظاهره و هو الضّمان الواقعي و فيه أنّ مفاد الدّليل لو كان عدم تأثير القبض في رفع الضّمان لا تشريع ضمان على حدة فلازمه بقاء الضّمان السّابق و هو المسمّى و هذا هو الظاهر من قوله ع على البائع حتى ينقضي الشّرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري لأنّ معناه أنّ القبض ليس غاية للضّمان بل الغاية انقضاء شرطه و استقرار الملك عليه بحيث لا يقدر أن يسلب الجدة الاعتباريّة عن نفسه

و على هذا فتأمّل المصنف في عبارة الدّروس بقوله و العبارة محتاجة إلى التأمّل من وجوه عديدة في محلّه و إشكاله تارة يرجع إلى المبنى و أخرى إلى المعنى

ص: 181

أمّا الأوّل فوارد على ما هو ظاهر كلامه في قوله و بعده لا يبطل الخيار من أنّ القبض يرفع الضّمان المعاوضي و أنّ الضّمان في مدّة الخيار ضمان واقعي و هو مناف لقوله في مقام آخر و بالقبض ينتقل الضّمان إلّا أن يكون خيار فإنّ ظاهره أنّ القبض كالعدم و الضّمان المعاوضي باق

و أمّا الثّاني فوارد على جملتين من كلامه الأولى قوله فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه فإنّ هذا الكلام تفريع على قوله و بعده لا يبطل الخيار أي لو قلنا بأنّ التّلف في زمان الخيار لا يوجب سقوط الخيار كما هو مسلّم في الجملة فلو كان ذو الخيار هو البائع و تلف المبيع عند المشتري كما هو مورد البحث و فسخ البائع يرجع إلى المشتري ببدل المبيع إذا لم يكن البائع ضامنا و هذا القيد الأخير لا يستقيم أصلا لأنه لا يمكن رجوعه إلى المشتري إلّا إذا كان الخيار مختصا به و لا يكون مشتركا و لا مختصّا للمشتري

أمّا في الخيار المختصّ بالمشتري فلما عرفت أنّ المشتري يرجع إلى البائع و أمّا في الخيار المشترك فلأنّ ضمان كل منهما لا يمنع أن يرجع كلّ منهما إلى الآخر فلو تلف المبيع عند المشتري و فسخ البائع يرجع إلى بدل المبيع مع كونه بصورة عدم ضمانه هذا مع أنّ الضّمير في قوله عدم ضمانه يرجع إلى المبيع لا إلى الثّمن كما هو واضح

و بالجملة لو كان الخيار مختصّا بالبائع فلا يتصوّر كونه ضامنا حتّى يقيّد رجوعه بالبدل بصورة عدم ضمانه و لا يمكن فرض المسألة في تلف الثّمن عند البائع مع كونه ذا خيار أمّا أوّلا فلأنّ ظاهر قوله لا يبطل الخيار و إن كان التّلف من البائع كما إذا اختصّ الخيار بالمشتري هو اختصاص القاعدة بتلف المثمن و إلّا كان حقّ التّعبير أن يقال و إن كان التّلف ممّن تلف عنده كما لو كان الخيار لطرفه حتّى يشمل الثّمن أيضا و أمّا ثانيا فلأنّه لو فرض تلف الثمن عند البائع و قلنا بأنّ التّلف لا يسقط الخيار فمقتضاه أنّه لو فسخ يسترجع المبيع و لو لم يفسخ يسترجع بدل الثّمن

و على أيّ حال ليس هو ضامنا مع اختصاص الخيار به فلا وجه للتّقييد و لا يمكن فرضها في إتلاف البائع المبيع عند المشتري حتى يتصوّر ضمانه مع كونه ذا خيار أمّا أوّلا فلأنّ الإتلاف موجب لسقوط خياره و أمّا ثانيا فلأنّ القاعدة لا تشمل الإتلاف و أمّا ثالثا فلأنّ مفروض الشّهيد قدّس سرّه هو التّلف

الثّانية قوله قدّس سرّه و لو أوجبه المشتري في صورة التّلف قبل القبض لم يؤثر في تضمين البائع المثل أو القيمة فإنّ إيجاب المشتري إمّا بعد التّلف أو قبله فإذا كان بعده فلا محلّ له لأن خياره سقط بانتفاء الموضوع لارتفاع العقد و انفساخه بالتّلف قبل القبض فلا موقع لقوله لم يؤثّر في تضمين البائع لأنّه لم يكن إيجابه قابلا لأن يؤثّر حتى يقال لم يؤثّر و إذا كان قبله فإيجابه غاية الأمر يجعل العقد غير خيار و لا أثر لكون العقد لازمان لإبطال أثر التّلف قبل القبض فإنّ العقد سواء كان خياريا ثم لم يكن يبطل بالتّلف الطّاري قبل القبض فإذا تلف المبيع يرجع الثّمن إلى المشتري قهرا و لا وجه لأن يكون بدل المبيع من المثل أو القيمة راجعا إليه

و بعبارة أخرى انفساخ العقد بالتّلف قبل القبض لا يختصّ بالبيع الخياري فسقوط الخيار لا يوجب بقاء العقد حتى يضمن البائع بدل المبيع فعلى أيّ تقدير قوله قدّس سرّه لم يؤثّر إلى آخره توضيح الواضح

نعم يمكن توجيه بأن تكون هذه الجملة توطئة للجملة الأخيرة و هي قوله و في انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر فيكون حاصل الجملتين هو الترديد بين الوجه الثّاني و الثّالث من الوجوه المتقدّمة بأن يكون الضّمان واقعيّا مطلقا أو مقيّدا بصورة الفسخ فلو لم يفسخ المشتري بل أوجب

ص: 182

العقد في زمان الخيار فهل يؤثّر في تضمين البائع المثل أو القيمة أو لا يؤثّر وجهان فلو كان مقيّدا لا يؤثّر أي لا يوجب تضمينا و لو كان مطلقا يؤثّر

قوله قدّس سرّه ثمّ إنّ الظّاهر أن حكم تلف البعض حكم تلف الكل إلى آخره

لا يخفى أنّ تلف البعض موجب لانفساخ المعاوضة بالنّسبة إليه كتلف الكل لأنّ الأبعاض يقسط عليها الثّمن فتلف البعض في زمان الخيار في ضمان من لا خيار له و أمّا تلف الوصف فهو و إن كان في ضمانه بمعنى أنّه يوجب الخيار سواء كان قبل القبض أو بعده إلّا أنّه لا وجه لانفساخ المعاملة به من غير فرق بين وصف الصّحة و غيره لعدم وقوع شي ء من الثمن بإزائه

نعم بين وصف الصّحة و غيره فرق من جهة أخرى و هو أنّ في تلف وصف الصّحة يتخيّر المالك بين الردّ و الأرش دون غيره و على أيّ حال لا فرق بينهما من جهة الانفساخ و قد تقدّم في خيار الغبن في ذيل عنوان التغيير ما يوضح ذلك فراجع

قوله قدّس سرّه و أمّا إذا كان بإتلاف ذي الخيار سقط به خياره إلى آخره

لا يخفى أنّ مورد القاعدة مثل مورد قاعدة التّلف قبل القبض هو التّلف السّماوي و لقوله ع فهلك في يد المشتري و أمّا الإتلاف فله أحكام أخر و تقدم الإشارة إليها إجمالا في خيار الغبن

فنقول توضيحا لما تقدّم و تنبيها على عبارة المتن إن صور الإتلاف كثيرة لأنّه تارة يكون بفعل البائع و أخرى بفعل المشتري و ثالثة بفعل الأجنبي و على التقادير تارة يكون الثّمن تالفا و أخرى المثمن و على التّقادير تارة يكون قبل القبض و أخرى بعده و على التّقادير تارة يكون الخيار لأحدهما أو كليهما و أخرى لا يكون خيار مطلقا و هذه الصّور تجري في إتلاف البعض أو الوصف و الوصف تارة يكون وصف الصّحة و أخرى غيره من الأوصاف

و كيف كان فلا شبهة في أنّه لو أتلف ذو الخيار ما انتقل إليه سقط به خياره و لو أتلف ما انتقل عنه فإتلافه فسخ للمعاملة لأنّ كلّا من الإتلاف فيما انتقل إليه و فيما انتقل عنه تصرّف منه و تصرّفه فيما انتقل إليه إجازة و فيما انتقل عنه فسخ بالشّرائط المتقدمة بأن لا يكون للاختبار أو الغفلة و نحو ذلك

و أمّا لو كان للاختبار أو الغفلة أو الجهل بسبب الخيار كإتلاف المغبون ما انتقل إليه قبل اطّلاعه على الغبن فليس إجازة كما تقدّم في خيار الغبن و على هذا فلو أتلف ذو الخيار ما انتقل عنه غفلة قبل إقباضه إلى من انتقل إليه لا يكون إتلافه فسخا بل يكون موجبا للخيار لمن انتقل إليه لتعذّر التّسليم كما لو أتلفه الأجنبي قبل القبض

و بالجملة إتلاف ذي الخيار ما انتقل إليه سواء وقع قبل القبض أو بعده استيفاء لماله و إسقاط لخياره بالشّرائط المتقدّمة و إتلافه ما انتقل عنه مطلقا فسخ للمعاملة بالشرائط المتقدمة و مع فقد الشّرائط يختلف حكم قبل القبض و بعده فإنّه لو وقع قبله يوجب الخيار للمنتقل إليه و أمّا لو وقع بعده فلا يوجب الخيار هذا حكم إتلاف ذي الخيار

و أمّا إتلاف غير ذي الخيار و الأجنبي فلا يبطل خيار ذي الخيار و تقدّم حكمهما في خيار الغبن فلنرجع إلى العبارة فنقول مفروض كلامه قدّس سرّه هو تلف المبيع في يد المشتري الّذي له الخيار و ينطبق ما أفاده على الفروض إلى قوله و إن كان بإتلاف أجنبيّ

و أمّا من قوله و إن كان بإتلاف أجنبيّ تخيّر أيضا بين الإمضاء و الفسخ و هل يرجع حينئذ بالقيمة إلى المتلف أو إلى صاحبه أو يتخيّر وجوه إلخ فكأنه ينعكس الفرض و هو إتلاف الأجنبي ما انتقل عن ذي الخيار و هو الثّمن كما هو ظاهر غير موضع من كلامه منها قوله و هل يرجع حينئذ فإنّ الظّاهر أنّ ضمير يرجع راجع إلى ذي الخيار

ص: 183

و لو كان المبيع تالفا لا يستقيم سواء أمضى العقد أو فسخ لأنّه لو أمضاه فليس له الرّجوع إلى صاحبه لاستقرار الثّمن في ملك البائع بإمضاء المشتري و لو فسخه ليس له الرّجوع إلى الغاصب لأنّ المبيع بمجرّد الفسخ ينتقل إلى البائع فله الرّجوع إلى الغاصب أو إلى ذي الخيار لا أنّ ذا الخيار مخيّر

نعم لو كان ضمير يرجع راجعا إلى المفسوخ عليه ينطبق على فرض المقام و هو تلف المبيع عند المشتري إلّا أنّه خلاف الظّاهر و أمّا لو فرض كون الإتلاف واقعا على الثّمن المنتقل إلى البائع ففسخ المشتري فللتّرديد بين رجوعه إلى المتلف أو إلى صاحبه وجه و منها قوله و لأنّ الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها في ملك الفاسخ إلى آخره لأنّ رجوع المبيع التّالف في ملك الفاسخ أي المشتري لا معنى له بل فسخ المعاملة يقتضي رجوع الثمن إليه و منها قوله أو لاعتبارها عند الفسخ ملكا تالفا للفاسخ إلى آخره و منها قوله الفاسخ في السّطر الأخير من هذا العنوان و منها قوله بعد ذلك و من كون يد المفسوخ عليه يد ضمان

نعم ينطبق العبارة على المقام إذا قلنا بأنها غلط من قلم النّاسخ و أنّ الصحيح هو المفسوخ عليه بدل الفاسخ في المواضع الثلاثة و الفاسخ بدل المفسوخ عليه في قوله و من كون يد المفسوخ عليه يد ضمان كما لا يخفى و هكذا لا بدّ من التصرّف في لفظي الثمن و المثمن فإن انطباقها على المقام يصحّ بأن تكون العبارة هكذا و من أنّه إذا دخل الثّمن في ملك من تلف المثمن في ملكه

و كيف كان فانطباق العبارة على المقام يحتاج إلى التصرّف فيها و أمّا لو جعلنا قوله و إن كان بإتلاف أجنبيّ إلى آخره إعراضا عنه و بيانا للقاعدة الكليّة فإذا أتلف الثّمن و لم يفسخ المشتري يرجع البائع إلى المتلف بلا شبهة

و أمّا لو فسخ فتارة يفسخ بعد رجوعه إلى المتلف و أخرى قبله فإذا فسخ بعد رجوعه إليه فلا إشكال أيضا لأنّ الثمن كان ملكا للبائع و رجع مالكه إلى المتلف و برئ ذمّة المتلف و فسخ المشتري لا يوجب إلّا تعلّق حقّه ببدل الثّمن الّذي هو في عهدة البائع لا المتلف و أمّا لو فسخ قبل رجوع البائع إلى المتلف فهنا محلّ الوجوه الثلاثة من تعيّن الرّجوع إلى البائع أو المتلف أو التّخيير و مبنى الوجوه قد تقدم في خيار الغبن و قلنا إنّ الأقوى هو التّخيير كما هو مقتضى ضمان شخصين لمال واحد كما في تعاقب الأيدي

و ما أفاده المصنف في المقام من أنّه أضعف الوجوه لا وجه له بل تعيّن الرّجوع إلى البائع أضعف الوجوه لأنّه متفرّع على أن يكون المتلف ضامنا للمالك الفعليّ للمال و هو متفرّع على الانتقال إلى القيمة يوم التّلف و قد تقدم في ضمان القيمي أنّه أضعف الأقوال سندا

[مسألة و من أحكام الخيار أنه لا يجب على المتبايعين تسليم العوضين في زمان الخيار]

قوله قدّس سرّه و من أحكام الخيار ما ذكره في التّذكرة فقال لا يجب على البائع تسليم المبيع و لا على المشتري تسليم الثّمن في زمان الخيار إلى آخره

قد عرفت في خيار المجلس أنّ من أعظم الشّروط الّتي يتضمّنها العقد هو التّسليم و التّسلم بل هو الغرض الأصلي من المعاوضة فإذا لم يكن العقد خياريا يجب التّسليم على الطّرفين و يثبت لكلّ واحد منهما حقّ حبس ما انتقل عنه إذا امتنع الآخر من التّسليم لأنّ ذلك أثر التزام كلّ منهما على التّسليم فيكون حاكما على قاعدة السّلطنة و حرمة التصرّف في مال الغير بدون إذن مالكه و أمّا لو كان خياريا فحيث إنّ العقد بجميع مداليله المطابقيّة و الالتزاميّة تحت يد ذي الخيار لا يجب عليه التّسليم كما لا يجب عليه الوفاء بأصل العقد فلا يقال هذا مخالف لقاعدة السّلطنة لأنّ من لا خيار له لو انتقل إليه المال على نحو كان لمالكه الأصلي التسلّط

ص: 184

على عدم التّسليم لم يثبت له السّلطنة المطلقة و بالجملة قاعدة السّلطنة قابلة للتّضييق

فما أفاده قدّس سرّه من أنّه لم أجد لهذا الحكم وجها معتمدا ففيه ما لا يخفى مع أنه قدّس سرّه في فروع بيع الصرف و أحكام القبض ملتزم بذلك و كيف كان فما أفاده العلّامة غير قابل للمناقشة و إن قلنا بتعلّق الخيار بالعقد لأنّ عدم وجوب التّسليم على ذي الخيار ليس لتعلّق حقّه بالعين كتعلّق حق المرتهن بالعين المرهونة حتى يكون قابلا للمنع بل لما عرفت من أنّه لو لم يجب الوفاء بالعقد عليه لا يجب عليه الوفاء بما التزم به في ضمنه فيجوز له حبس العين و إن جاز للآخر أيضا حبس ما انتقل عنه و لو لم يكن له الخيار لأن التزامه بالتّسليم كان منوطا بتسليم صاحبه

نعم يصحّ المناقشة فيما أفاده في قوله و لم يتبرّع أحدهما بالتّسليم لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر على تسليم ما عنده فإن المتبرّع لو كان من عليه الخيار فلمنع ذي الخيار عن التّسليم وجه و هو كونه ذا خيار و أمّا لو تبرّع ذو الخيار فلا وجه لمنع الآخر عن التّسليم مع كونه ملتزما به

غاية الأمر أن التزامه كان منوطا بتسليم ذي الخيار و المفروض تبرّعه به و هكذا في قوله و له استرداد المدفوع قضية للخيار لأنّ الدّافع و إن كان من له الخيار إلّا أنّ مقتضى خياره هو الامتناع عن التّسليم ابتداء و أمّا بعده فلا دليل على جواز استرداده إلّا إذا كان اتّفاقيّا كما هو الظّاهر حيث جعل المخالف بعض الشّافعيّة

[مسألة قال في القواعد لا يسقط الخيار بتلف العين]

قوله قدّس سرّه قال في القواعد لا يسقط الخيار بتلف العين إلى آخره

لا يخفى أنّ هذه القاعدة مسلّمة في الجملة و لا تعارضها قاعدة التّلف قبل القبض و قاعدة التّلف في زمان الخيار فإنّ التّلف في الموردين و إن أوجب سقوط الخيار إلّا أنّ إيجابه له إنّما هو لانفساخ العقد به و مورد هذه القاعدة إنّما هو مع بقاء العقد فلا تزاحم بينهما ثم إنّ موردها إنّما هو في الخيار الشّرعي لا الجعلي فإنه تابع لكيفيّة الجعل فقد يتعلّق الخيار بنفس العين بخصوصيّتها الشخصيّة و قد يتعلّق بماليّتها فمن اختلافهما لا يمكن الاستظهار لإثبات القاعدة أو نفيها كما أنّه لا يمكن إحراز الثّبوت أو السّقوط من كلمات الأعلام فإنّه قد يظهر منهم التأمّل في بقائه مع التّلف في جملة من الموارد

منها في المرابحة لو ظهر كذب البائع في رأس المال فإنّه لا شبهة في ثبوت الخيار للمشتري إمّا للإجماع أو لإرجاعه إلى تخلّف الشّرط الضّمني حيث إن بيعه برأس المال يتضمّن اشتراط صدقه في أخباره و مع ذلك لو تلف المتاع في يد المشتري فقد تردّد العلامة في ثبوت الخيار بل حكي عن المبسوط و بعض آخر الجزم بالعدم و علّل ذلك بأنّ الردّ إنّما يتحقّق مع بقاء العين و لكن قوّى في المسالك و جامع المقاصد ثبوته

و منها في الغبن فإنّ المحقّق الثّاني تردّد في سقوط خيار الغبن بتلف المغبون فيه بل ظاهر العلامة سقوطه في التّلف الحكمي كما إذا نقل المغبون العين عن ملكه معلّلا بعدم إمكان الاستدراك حينئذ

و منها خيار الرّؤية فإنّ المحقّق الثاني ألحقه بخيار الغبن في سقوطه بتلف العين

و على هذا فالصواب تحقيق المسألة على مقتضى القواعد العامّة فنقول بعد ما تقدم مرارا أنّ الخيار عبارة عن ملك فسخ العقد و إقراره فتلف العين لا يقتضي سقوطه و لو كان طريقا لاسترجاع العين لأنّه ليس طريقا لاسترجاعها بخصوصيّتها الشخصيّة بل طريق لاسترجاعها بماليّتها و هي محفوظة في كلتا صورتي بقاء العين و تلفها بل لو لم يرد في الأدلّة لفظ الخيار و إنّما ورد الردّ و الاسترداد فتلف العين لا يقتضي امتناعهما لأنّهما ليسا ظاهرين في الردّ و الاسترداد الخارجيّين بل المقصود منهما الردّ و الاسترداد في الملك مع أنّه لم يرد في الأدلّة لفظ الردّ

ص: 185

إلّا في خصوص خيار العيب و النّزاع في سقوطه بالتّلف أو بقائه لغو لأنّ إعمال الخيار فيه يتوقّف على بقاء العين بحالها فلو تغيّرت عمّا وقع العقد عليه و لم تكن العين قائمة بعينها سقط الخيار فضلا عمّا إذا تلف

هذا مع أنّه لو دلّ الدّليل على ثبوت حقّ الردّ فنقول إنّه إمّا أمر أجنبيّ عن الخيار و إنّما هو حكم شرعيّ تعبدي و لا يترتّب عليه آثار الخيار من سقوطه و نقله إلى الغير كجواز الرّجوع إلى العين الموهوبة أو جواز الرّجوع في المعاطاة فإنّه لا يصلح للإسقاط و لا المصالحة عليه و لا أن يرثه الوارث و إمّا مرجعه إلى ذاك المعنى المتعلّق بالعقد الغير المرتبط بشي ء من العوضين

و بالجملة لو استفيد من جواز الردّ هذا المعنى القابل للنّقل و الإسقاط فهو متعلّق بالعقد و لا يدور مدار بقاء العين و لو لم يستفد ذلك فهو حكم شرعيّ في مقابل الخيار فليس في المقام معنيان قابلان لأن ينطبق عليهما الخيار و كان أحدهما متوقّفا على بقاء العين دون الآخر فلا وقع للتّرديد

و ما أفاده قدّس سرّه من أنّ إرادة ملك الفسخ من الخيار غير متعيّنة في كلمات الشّارع فيه ما لا يخفى فإنّ حاصل ما أفاده هو أنّ الردّ و إن كان مقابلا للخيار و لزوم بقاء العين فيما إذا ورد في الأدلّة لفظ الردّ لا يقتضي لزوم بقائها إذا ورد فيها لفظ الخيار إلّا أنّ لفظ الخيار أيضا مردّد بين معنيين و لم يعلم ما أريد منه في الأدلّة فيحتمل إرادة معنى منه يتوقّف على بقاء العين

و لا يخفى أنّه ليس معنى الخيار في الأدلّة إلّا ما هو اصطلاح المتأخّرين فيه فإنّهم استفادوا هذا المعنى من الأخبار و من كلمات القدماء و هذا المعنى لا يتوقّف على بقاء العين فإنّه في مقابل لزوم العقد سواء كان ثابتا بجعل شرعيّ أم ناشيا من تخلّف الشّرط الضّمني

نعم الخيار الجعليّ المالكيّ يمكن تقييده بصورة بقاء العين و أمّا مع الإطلاق فحكمه حكم القسمين الأوّلين

أمّا الخيارات المجعولة شرعا كما في خيار الحيوان و المجلس و التّأخير على وجه فالظّاهر من أدلّتها كقوله ع لو افترقا وجب البيع و قوله ع فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشّراء و قوله ع و إلّا أي لو لم يأت بالثمن فلا بيع بينهما كون الخيار في مقابل اللّزوم العقدي الّذي لا ربط له بالعوضين مع أنّه لو منعنا الظّهور في ذلك إلّا أنّه لا شبهة في أنّ إطلاق الأدلّة يقتضي بقاء الخيار مع التّلف أيضا هذا مع أنّ الاستصحاب يقتضي بقاءه أيضا و ليس من الشكّ في المقتضي لأنّه لو لم يحدث الأمر الزّماني و هو التّلف نقطع ببقائه في عمود الزّمان

و أمّا ما كان مستندا إلى تخلّف الشرط كخيار الغبن و العيب و الرّؤية فتعلّقه بالعقد أوضح فإنّه ليس متعلّقا به و مجعولا في ضمنه ابتداء بل المجعول هو الشّرط فإذا تخلّف فلا التزام حقيقة و نتيجة صحّة العقد و عدم الالتزام بالفاقد ثبوت الخيار بين الفسخ و الإمضاء و عدم توقّفه على بقاء العين واضح و حاصل الكلام أنّه لا وجه لسقوط الخيار بتلف العين بعد كون يد المتعاقدين يد ضمان

غاية الأمر أنّ كلّا منهما يضمن مال صاحبه قبل القبض و يضمن ما انتقل إليه بعده و كون الشخص ضامنا لمال نفسه معناه أنّه لو تلف ثمّ طرأ فسخ و انفساخ أو إقالة يجب عليه ردّ المثل أو القيمة و لا ينتقل إليه بدل التّالف مجانا فضمانه يقتضي عدم سقوط حق الخيار بتلف متعلّقه و إنّما المانع عن إعماله عدم كون ذي اليد ضامنا كما في الهبة و لذا يمتنع الرّجوع إذا تلف العين الموهوبة

[مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة]

قوله قدّس سرّه مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة إلى آخره

لا يخفى

ص: 186

أنّه لا فرق بين يد الفاسخ و المفسوخ عليه فإنّ يد كلّ منهما يد ضمان و مجرّد عدم أخذ الفاسخ ماله من المفسوخ عليه و إبقائه عنده لا يقتضي أن تصير يده يد أمانة إلّا أن يجعله وكيلا في الحفظ و إقدام الفاسخ على الفسخ ليس تسليطا للمفسوخ عليه على ماله فلا وجه لخروجه عن الضّمان

نعم قد يتوهّم الإشكال على أصل الضّمان مطلقا و حاصله أنّ الضّمان بعد الفسخ إن كان هو الضمان الثّابت عليهما قبله أي الضّمان المعاوضي فالمفروض انتفاء موضوعه هذا مع أنّه كان بالعوض المسمّى و هو ارتفع يقينا فبطل أصل الضّمان لامتناع بقاء الجنس مع ذهاب فصله و إن كان ضمان اليد فشمول دليل اليد للمقام مشكل لعدم تجدّد اليد و الاستيلاء على مال الغير

و لكنّك خبير بفساد التوهّم فإنّ المستفاد من دليل اليد أنّ كون مال الغير تحت استيلاء شخص يقتضي أن يكون ضمانه عليه إلّا أن يتحقّق رافعه و لم يؤخذ مال الغير عنوانا للمأخوذ حتّى يقال إنه حين الأخذ لم يكن مال غيره فلا يشمله قوله ص على اليد ما أخذت بل اعتبر بالقرينة العقليّة في موضوع الحكم بوجوب الأداء و لا شبهة أنّه حين الحكم بوجوب الأداء هذا العنوان موجود لأنّه في هذا الحين مال الغير و إن لم يكن حين الأخذ كذلك

و بالجملة المال المقبوض إذا طرأ عليه عنوان مال الغير يترتّب عليه الضّمان كما أنّه لو خرج عن هذا العنوان يرتفع عنه الضّمان ثم إنّه لا ينافي ضمان كلّ منهما لما في يده مع جواز حبسه حتّى يسلّم الآخر ما في يده لما تقدّم أنّه من مقتضيات عقد المعاوضة كاقتضائه التّسليم على كلّ منهما ابتداء

[القول في القبض]
[مسألة اختلفوا في ماهيّة القبض في المنقول]

قوله قدّس سرّه اختلفوا في ماهيّة القبض في المنقول إلى آخره

لا يخفى أنّ معنى القبض متّحد في جميع الموارد و هو الاستقلال و الاستيلاء على الشّي ء و إنّما الاختلاف نشأ ممّا يتحقّق به القبض ففي غير المنقول هو التّخلية و في المنقول هو حصوله تحت اليد و لا فرق بين أفراد المنقول من المكيل و الموزون و المعدود و غيرها و اعتبار الكيل و الوزن و العدّ في المكيل و الموزون و المعدود ليس لعدم تحقّق القبض إلّا بها بل لدليل خارجيّ كما أن مجرّد الكيل و الوزن و العدّ من دون التّسليم إلى من انتقلت هذه الأشياء إليه لا يتحقّق بها القبض

فممّا ذكرنا ظهر أنّه لا وجه لعدّ الاختلاف في الآثار بين الإقباض و القبض من اختلاف معنى القبض لما عرفت من أنّ معناه في جميع الموارد واحد فالأولى صرف الكلام إلى الأحكام المترتّبة على القبض فنقول الإقباض و القبض الّذي بمعنى الانقباض ليسا كالكسر و الانكسار بحيث لا يمكن التّفكيك بينهما خارجا بل هما من قبيل الإيجاب و الوجوب فإنّ الكسر و الانكسار ليس لهما مرتبة إنشائيّة بل هما أمران خارجيان لا يتحقّق كلّ منهما بدون الآخر بخلاف الإيجاب و الوجوب فإنّ لهما مرتبة إنشائيّة و مرتبة خارجيّة و الإنشائي من الإيجاب و إن لم ينفكّ من منشئه في هذه المرتبة و لو صدر ممّن ليس له حقّ الإيجاب إلّا أنّ الخارجيّ منه و الّذي يترتّب عليه الأثر ينفك عن الإنشائي لأنّ السّافل و إن أنشأ جدّا و حقيقة إلّا أنّه لا يصير إيجابه منشأ لتحقّق الوجوب خارجا

و هذا حال جميع العقود و الإيقاعات فإنّ تأثيرها خارجا ينفكّ عن إيجادها أي إنشائها لفظا و ذلك واضح و حال القبض و الإقباض كحال الوجوب و الإيجاب لو قلنا بأنّ الإقباض هو التّخلية و الانقباض دخوله تحت اليد و الاستيلاء فإنّه

ص: 187

قد يتحقّق التّخلية و لا يتحقّق تحت الاستيلاء كما أنّه قد يقع دخوله تحت الاستيلاء من دون تسليط من له حقّ الإقباض فإذا اختلفا خارجا فلا بدّ من البحث عن أحكام القبض في أنّها هل مترتبة على فعل المقبض أو على فعل القابض

فنقول الحكم لو كان تكليفيّا كوجوب الإقباض على الغاصب و على المتبايعين فيما يجب عليهما فلا محالة يترتّب على فعل المقبض لأنّ التّكليف يتعلّق بالمقدور فوجوب الإقباض على الغاصب هو رفع موانع استيلاء المغصوب منه على ماله لا وصوله تحت يده و لو كان وضعيّا فتارة ينشأ من قبل اشتراط أحدهما و أخرى من التعبّد فلو نشأ من الاشتراط فيصير الأمر كالتّكليفي لأنّ الشّرط راجع إلى ما هو تحت قدرة المشروط عليه فلو شرط البائع على المشتري أن يبيع المبيع من زيد فمرجع الشّرط إلى وجوب عرض المشتري المبيع على زيد و إنشاء البيع من المشتري و أمّا شراء زيد و قبوله له فهو خارج عن الشّرط فلو قلنا بأنّ كون تلف المبيع قبل القبض من باب الشّرط الضّمني فإذا رفع البائع موانع قبض المشتري و خلّى بينه و بين المبيع فهو بري ء من الضّمان و إن لم يتسلّمه المشتري

و لو نشأ من دليل التعبّد يراعي كيفيّة الجعل و ظاهر النّبوي كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه أن رفع الضّمان بقبض المشتري و ظاهر رواية عقبة بن خالد حتّى يقبض المتاع و يخرجه من بيته هو أن رفعه بتخلية البائع فإنّ ظاهر قوله ع حتى يقبضه و إن كان موافقا لظاهر النّبويّ لأنّ الإقباض خارجا بدون القبض لا يتحقّق إلّا أنّ عطف قوله ع و يخرجه من بيته على قوله يقبض المتاع يوجب صرف ظهور الإقباض عمّا هو ظاهر فيه و يجعله بمعنى التّخلية الصّرفة لأنّه ظاهر في كونه تفسيرا له فلا بدّ من حمل أحد الخبرين على كونه واردا مورد الغالب و إذا لم يتحقّق ترجيح و أمكن حمل كلّ منهما على الغالب بأن يحمل رواية عقبة على الغالب من ملازمة الإخراج مع الوصول إلى المشتري فالمدار على الوصول إليه أو يحمل النّبوي على وروده مورد الغالب من ملازمة حصول القبض مع إقباض البائع فالمدار على فعل البائع فيتساقطان و المرجع هو الأصول و الاستصحاب يقتضي الضّمان إلّا إذا حصل القبض خارجا من إقباض البائع لو كان منشأ الضّمان التعبّد و أمّا لو كان منشؤه الشّرط الضّمني فلا يجري الاستصحاب لأنّ الاشتراط يرجع إلى ما هو فعل المشروط عليه

[الكلام في أحكام القبض]
اشارة

قوله قدّس سرّه الكلام في أحكام القبض إلى آخره

لا يخفى أنّه من القواعد المجمع عليها أنّ تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه و مع الغض عن الإجماع يدلّ عليه النّبوي و رواية عقبة بن خالد فأصل الحكم في الجملة مسلّم و إنّما الكلام في أنّه تعبّد صرف أو من باب اشتراط المتعاقدين و قبل تنقيح البحث عنه يجب ذكر معاني الألفاظ الواردة في هذا العنوان التي أشير إليها إجمالا في بحث الخيار و أحكامه

أمّا المبيع فلا يشمل بحسب اللّفظ الثّمن و لو قيل بشموله له مناطا كما سيجي ء إن شاء اللّٰه و أمّا التّلف فهو ظاهر في التّلف السّماوي أو ما يلحق به كما لو كان الإتلاف واجبا شرعا كمورد القصاص و الارتداد و صيرورة العبد حرّا لا بفعل من مالكه كالمزمن و المعقد فمثل التنكيل خارج عن هذا الباب لأنّه إتلاف و إن ترتّب العتق عليه كترتّب المعلول على علّته و كما إذا سرق المتاع و لا يعرف السّارق أو غصبه سلطان لا يرجى عوده و أمّا الإتلاف

ص: 188

من البائع أو المشتري أو الأجنبي فهو خارج عن هذه القاعدة و لا يشمله النّص سواء قلنا بالتعبّديّة أو من باب اشتراط التّسليم لأنّه على أيّ حال لا موجب لانفساخ العقد بالإتلاف كما أشير إليه أيضا في قاعدة التّلف في زمان الخيار و أمّا القبض فقد عرفت معناه و هو الاستيلاء على الشّي ء

و أمّا قوله فهو من مال بائعه فظاهره أنّ التّلف يقع في ملك البائع و التّالف يصير من أمواله سواء جعل الظّرف لغوا متعلّقا بتالف أو مستقرا متعلّقا بثابت و على أيّ حال ليس معناه أنّ خسارته عليه كما في الغصب و إلّا لكان اللّازم التّعبير بعلى البائع و نحوه فلا يمكن جعل الرّواية دليلا على ثبوت الضّمان الواقعي من المثل أو القيمة

إذا عرفت ذلك فنقول أمّا أصل الضّمان فممّا لا إشكال فيه لأنّ المشتري لم يعط الثّمن مجّانا للبائع و لا البائع المثمن مجّانا للمشتري بل جعل كلّ منهما ماله بإزاء مال الآخر و هذا هو معنى الضّمان في قاعدة الخراج بالضّمان و في قاعدة كلّ ما يضمن بصحيحه فمعناه التعويض و إنّما الكلام في أنّه كيف يقتضي التّلف انفساخ العقد لأنّ كون الثّمن عوضا عن المبيع و عدم كونه مجّانا معناه عدم هبة المشتري لا وقوع التّلف من البائع لأنّ المثمن ملك للمشتري و تلف في يد غيره من دون تفريط فنقول معنى عدم المجانيّة و إن لم يقتض ذلك إلّا أنّ المعاوضة تتضمّن التزامات مطابقيّة و التزامات ضمنيّة

و من الالتزامات الضمنيّة تسليم البائع المثمن إلى المشتري خارجا فإذا لم يمكنه التّسليم يبطل العوضيّة فإن قلت تعذّر التّسليم لا يقتضي البطلان غايته ثبوت خيار تخلّف الشّرط للمشتري قلت لو بقي المال على قابليّة التّسليم غاية الأمر تعذّر العارض كالإباق أو السّرقة المرجوّ عوده أو امتنع البائع عنه فتلزم بالخيار

و أمّا لو لم يبق على قابليّة التّسليم كالتّلف و ما في حكمه فلا معنى لخيار تخلّف الشّرط لأنّه بطل العوضيّة و امتنع الوفاء بالالتزام الضّمني إن قلت امتناعه لا يقتضي أيضا بطلان المعاوضة غاية الأمر أنّه يجب على البائع ردّ المثل أو القيمة قلت لو كان الالتزام الضّمني هو البدليّة على تقدير البقاء فالأمر كما ذكر و أمّا لو اقتضى البدلية على كلّ تقدير أي البدليّة المطلقة فحيث خرج المثمن عن كونه قابلا للبدليّة فلا بدّ من رجوع الثمن إلى ملك المشتري لاقتضاء المعاوضة ذلك

و بالجملة كلّ من المتعاقدين يجعل المبادلة بين المالين اعتبارا و كذلك بينهما خارجا أي يعطي ماله و يأخذ عوضه و هذا معنى اشتراط التّسليم فمرجع اشتراطه إلى أخذ ما سمّاه في عقد المعاوضة عوضا لا إلى أخذ البدل الواقعيّ فإذا بطل ما سمّاه في عقد المعاوضة عن العوضيّة و خرج عن صلاحيّة البدليّة يخرج الآخر عن البدليّة فيرجع قهرا إلى مالكه و هذا معنى الانفساخ

ثم إذا رجع الثّمن إلى المشتري فلا بدّ أن يرجع المبيع إلى البائع و لا يمكن قياسه على الغصب في أنّه مع بقاء المغصوب على ملك المغصوب منه يرجع بدله إليه لأنّ الغصب لم يكن فيه معاوضة حتّى لا يمكن الجمع بين العوض و المعوّض بل وجوب البدل على الغاصب من باب الغرامة و بدل الماليّة لا بدل العين

و في المقام حيث إن بدليّة المثمن للثّمن كانت بالمعاوضة و المعاوضة إذا اقتضت خروج المعوّض عن ملك من دخل في ملكه العوض و بالعكس فبطلانها مقتض للعكس فإذا دخل الثّمن في ملك المشتري فلا بدّ أن يخرج المثمن عن ملكه بل قيل بذلك في الغصب أيضا

و كيف كان ففي المقام لا إشكال أنّ الانفساخ

ص: 189

كالفسخ فكما أنّ بالفسخ يرجع كلّ من العوضين إلى ملك مالكه الأصلي فكذلك في الانفساخ و هذا ممّا لا إشكال فيه إنّما الكلام في أنّ رجوع المبيع إلى ملك البائع قبل التّلف آنا ما أيضا على مقتضى القواعد أو تعبّد صرف و إلّا فمقتضى القواعد هو انفساخ المعاملة و رجوع المبيع إلى البائع من جهة التّلف فهو معلول للتّلف فكيف يتقدّم عليه فنقول هذا أيضا على طبق القواعد و حقيقة المعاوضة تقتضي ذلك و يصير التّلف كاشفا لا علّة

و توضيح ذلك أنّه لو سلّم أن عقد المعاوضة اقتضى ضمان المسمّى لا المثل أو القيمة و لازمه انفساخ المعاوضة و أنّه اقتضى رجوع المثمن إلى البائع يجب أن يقال برجوعه إليه آنا ما قبل التّلف لأنّه بعد التّلف لا يصلح للرّجوع و لا قابليّة له للعوضيّة و المفروض أنّ بطلان المعاوضة يقتضي دخول ما خرج فإذا لم يبق ما خرج على صلاحيّة الدّخول اقتضى خلاف ما يقتضيه الانفساخ و مجرّد فرض التّالف موجودا لا يخرجه عن المعدوميّة فلا بدّ أن يلتزم بما هو صالح للرّجوع و الصّالح إنّما هو قبل التّلف فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ المحتملات أو الأقوال ثلاثة

الأوّل كون تلف المبيع قبل القبض من مال البائع تعبديّا صرفا مطلقا الثّاني كونه مطابقا للقاعدة مطلقا أي و إن لم يكن نصّ في المقام فجميع ما ذكرنا من الانفساخ و رجوع المثمن إلى ملك البائع و رجوعه إليه قبل التّلف هو مقتضى قواعد المعاوضات الثّالث التّفصيل بين الجهات بأن يكون أصل الانفساخ على طبق القاعدة و أمّا تحقّقه قبل التّلف فبالنّص الخاص و هو الرّواية و النّبوي

ثم إنّه يتفرع على الأوّل أنّه لا يمكن التعدّي من تلف المبيع إلى الثّمن و لا من البيع إلى غيره إلّا إذا استظهر كون الخصوصيّة ملغاة كما في خيار العيب فإنّه يتعدى عن البيع إلى سائر المعاوضات بل إلى شبه المعاوضات من الخلع و مثله و أمّا لو علم دخل الخصوصيّة أو احتمل كما في خيار المجلس فلا يمكن التعدّي

و على الثّاني و الثّالث يتعدّى إلى الثمن في البيع و إلى المثمن في جميع المعاوضات لأنّ أصل الانفساخ على القولين على طبق القواعد و كونه قبل التّلف أو بعده من جهة السّريان إلى غير البيع و فيه إلى الثمن لا أثر له بل على الظّاهر لا أثر له أصلا بل هو نزاع علميّ فتدبّر

[مسألة تلف الثّمن المعيّن قبل القبض كتلف المبيع المعيّن]

قوله قدّس سرّه مسألة تلف الثّمن المعيّن قبل القبض كتلف المبيع المعيّن إلى آخره

لا يخفى أنّه حيث ثبت أنّ مقتضى المعاوضة مع إمضاء الشارع لها هو انفساخها بتلف كلّ واحد من العوضين قبل التّسليم فلا فرق بين تلف المثمن أو الثّمن و لا بين البيع و غيره من الصّلح و الإجارة بل لو قلنا بالتعبديّة فلا فرق أيضا بين تلف المبيع أو الثّمن فإنّ النّبوي و إن اختصّ بتلف المبيع إلّا أن رواية عقبة بن خالد صريح أو ظاهر في سراية هذا الحكم إلى الثمن أيضا فإنّ قوله ع فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه ماله صريح في أنّ المبتاع هو المشتري و الضّمان الثّابت عليه هو الضّمان المعاوضي الثّابت على البائع و الضمير في قوله لحقّه راجع إلى البائع فيصير مفاده أنّ المشتري لو قبض المبيع فهو ضامن لحقّ البائع حتى يرد إليه الثمن فإذا تلف الثّمن قبل أن يردّه إليه ينفسخ المعاوضة و يرجع المبيع إلى البائع و احتمال كون المبتاع هو البائع مساوق لأن لا يكون للشّرط جزاء كما أن احتمال رجوع الضّمير إلى المشتري أو كون الضّمان عليه هو ضمان اليد لا المعاوضي احتمال

ص: 190

لا يعتنى به مع أنّ الرّواية لو لم تكن صريحة فلا أقلّ من ظهورها في سراية الحكم إلى الثّمن فيكفي للمدّعى

نعم بناء على التعبّدية لا يتعدى من البيع إلى غيره من المعاوضات لأنّ إلغاء الخصوصيّة و استظهار أنّ المناط هو المعاوضة يتوقّف على شمّ الفقاهة خصوصا في تسرية الحكم إلى شبه المعاوضات كعوض الخلع و المهر

ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر أمور أحدها ثبوت أصل الضّمان و ثانيها كون الضّمان ضمانا معاوضيّا لا ضمانا واقعيا فمقتضاه الانفساخ و ثالثها أنّ الانفساخ قبل التّلف آنا ما على طبق مقتضى المعاوضة فعلى هذا يجري هذه الأحكام في سائر المعاوضات و رابعها أنّ الضّمان يرتفع بتخلية البائع و إن لم يقبضه المشتري

و بقي هنا أمر آخر يجب التعرّض له و هو أنّه هل هذا الضّمان قابل للإسقاط أم لا و الحق عدم سقوطه بالإسقاط لا لأنّه إسقاط لما لم يجب لأنّ الضّمان فعليّ بمقتضى المعاوضة و لا لأنّه مجعول شرعيّ تعبدي لا يقبل الإسقاط لأنّ التعبّدي على قسمين قسم راجع إلى حقّ خلقي كخيار الحيوان أو قسم ممحّض في كونه حكما شرعيا كلزوم النّكاح و جواز الهبة فلو كان من قبيل الثّاني فلا يقبل الإسقاط مطلقا لأنّه من آثار الحكم و هو المائز بينه و بين الحقّ و أمّا لو كان من قبيل الأوّل فلو رجع الإسقاط إلى أصل الجعل كما لو جعل العقد غير خياريّ فهذا راجع إلى الشّرط المخالف للكتاب أو لمقتضى العقد و أمّا لو رجع إلى إسقاط حقّه فلا محذور كما قدّمناه في خيار المجلس بل لأنّ حكم الضّمان المعاوضي حكم ضمان الأعيان فكما أنّه ليس للمغصوب منه إسقاط الضّمان عن الغاصب مع بقاء يده على حالها من كونها يد ضمان فكذلك في المقام لأنّ المعاوضة إن اقتضت الضّمان قبل القبض فقبل رفعها بالإقالة و قبل رفع عدم القبض بهبة أو إباحة لا يمكن أن يرفع مقتضاها

و بالجملة لا بدّ في رفع الضّمان من رفع موضوعه فمع بقاء الموضوع على حاله لا يمكن رفع أثره إمّا لأنّه مخالف لأصل الجعل أو مخالف لمقتضى العقد فليس رفعه تحت استيلائه و سلطنته

[مسألة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه]

قوله قدّس سرّه لو تلف بعض المبيع قبل قبضه إلى آخره

لا شبهة في أنّ تلف بعض المبيع كتلف كلّه لو كان البعض ممّا يقسّط عليه الثّمن في عقد المعاوضة كتلف أحد العبدين اللّذين باعهما صفقة و تلف منّ من الحنطة من عشرة أمنان سواء قلنا بأنّ القاعدة على القاعدة أو على التعبّد

أمّا بناء على الأوّل لأنّ التّلف إذا اقتضى انفساخ المعاوضة بالنّسبة إلى التّالف فيرجع التّالف آنا ما إلى ملك البائع

و أمّا على الثّاني فلأنّ المبيع و إن كان منصرفا عن بعض المبيع و ظاهره هو المنتقل إلى المشتري بعقد مستقلّ لا في ضمن العقد الواقع على المجموع إلّا أنّ هذا الانصراف بدوي لصدق المبيع على كلّ جزء ممّا وقع عليه العقد و لذا لو لم يكن هذا الجزء موجودا أو مملوكا في حال العقد يبطل البيع بالنّسبة إليه و يصحّ في الباقي

و أمّا لو لم يكن البعض ممّا يقسّط عليه الثّمن كيد العبد و رجله فحكمه حكم تلف الوصف و الحقّ فيه أنّ تلفه لا يوجب إلّا تحقّق الخيار للمشتري سواء كان الوصف ممّا ثبت فيه الأرش لو كان في أوّل العقد مفقودا أو لم يكن

و بالجملة لا فرق بين تلف وصف الصحّة و سائر الأوصاف و تعذّر الشّرط فإن كلّها لو حدث بعد العقد و قبل القبض يكون موجبا للخيار لا الأرش لأنّ تعهّد البائع بالتّسليم موصوفا لا يقتضي انفساخ المعاوضة بالنّسبة إليه بعد كونه موصوفا حال العقد و سرّه أنّ في عقود المعاوضة لا يجعل مقدار من الثّمن مقابلا للوصف مطلقا فإنّ

ص: 191

الوصف و إن أوجب تفاوت المبيع في القيمة إلّا أنّ القيمة تجعل بإزاء المبيع و لا تجعل مقدار منها مقابلا للموصوف و مقدار منها إذ الوصف فالانفساخ بلا موجب

غاية الأمر أنّ الملزم لقبول المشتري لم يتحقّق فله الردّ أو الإمضاء مجّانا لأنّ الالتزام فعلا بالفاقد و قد ظهر سابقا أنّ الأرش على خلاف القاعدة فلا يتعدّى إلى غير مورده هذا آخر ما وفّقني اللّٰه تعالى لضبطه ممّا استفدت من تحقيقاته دام ظلّه فيما يتعلّق بالمكاسب المحرّمة و كتاب البيع و الخيارات و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلّى اللّٰه على محمّد و آله الطيّبين الطّاهرين

ثمّ لمّا لبّى شيخنا المعظّم قدّس اللّٰه تعالى سرّه داعي الحقّ و جاور ربّه الكريم طلب منّي جماعة من العلماء و الأعاظم من إخواني المؤمنين بل أمروني بطبعه و نشره ليكون تذكرة لاسمه و ينتفع به أولو العلم من بعده فامتثلت أمرهم و أحببت أن ألحق به ما استفدته منه في قاعدة الضّرر و زيّنته تيمّنا بثالث و هو ما صنّفه قدّس سرّه في حكم اللّباس المشكوك فيه فإنّه رسالة شريفة تحتوي على جملة من القواعد الفقهيّة و المسائل الأصوليّة و الدّقائق الحكميّة و تأليف لطيف لم يكتب مثله في الإماميّة فأقول و باللّٰه سبحانه و تعالى أستعين

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.